وهذا بحث آخر لعطر الزمن..
بارك الله في مسعاها وجزاها كل خير..
***************************************************
المقدمة :
مصطلح المراهقة Adolescence مشتق من الكلمة اللاتينية Adolescere ومعناه التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي . ويستخدم علماء النفس مصطلح المراهقة ليشير إلى معاني كثيرة :
• فيرى البعض أن كلمة المراهقة تعني التحول نحو النضج الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي .
• وعبر بياجيه عن فكرة المراهقة بقوله أ،ها تعني العمر الذي يندمج فيه الفرد مع عالم الكبار . والعمر الذي لم يعد فيه الطفل يشعر أنه أقل ممن هم أكبر منه سنا ً . بل هو مساويا ً لهم في الحقوق على الأقل .( piaget,1969 )
وتمثل المراهقة مرحلة الانتقال من مرحلة الطفولة ( مرحلة الإعداد لمرحلة المراهقة ) إلى مرحلة الرشد والنضج . وبناء ً على ذلك ، فإن مرحلة المراهقة تعد تأهب لمرحلة الرشد . وتمتد من نهاية مرحلة الطفولة المتأخرة . والتي حددها علماء النفس في الفترة ما بين ( 12 – 20 سنة ) ( Hurlock,1980 ) وتعد هذه الفترة فترة إعداد للنضج والرشد .
وهي المرحلة التي يمر فيها المراهق بتطورات وتغيرات جسمية ونفسية .فتتأثر بما قبلها من المراحل .
كما أنها مرحلة متعددة الجوانب حيث ينمو المراهق جسميا ً وفيزيولوجيا ً وجنسياً وعقليا ً وانفعالياً واجتماعياً ومهنياً . وقد وصفها ستانلي هول Stanley Hall وإليزابيث هيرولوك Hurlock وكيرت ليفين Lewin وآخرون بأنها فترة عاصفة ومحنة مليئة بالمشكلات بل هي بداية ظهور المشكلات في حياة الفرد . ( Foltz ,et al.,1995 )) وقد ظهرت أبحاث عديدة تبرز أهمية هذه المرحلة في حياة الإنسان .
خصائص مرحلة المراهقة :
تتميز مرحلة المراهقة بالنمو الواضح نحو النضج في كافة مظاهر وجوانب الشخصية ، والتقدم نحو كل من النضج الجسمي، والنضج الجنسي، والنضج العقلي، والنضج الانفعالي والاستقلال الانفعالي والتطبيع الاجتماعي واكتساب المعايير السلوكية والاجتماعية وتحمل المسؤولية ، وتكوين علاقات اجتماعية جديدة والقيام بالاختبارات ، واتخاذ القرارات فيما يتعلق بالتعليم والمهنة والزواج .
وتحمل المسؤولية توجيه الذات ، من خلال التعرف على قدراته وإمكاناته وتمكنه من التفكير واتخاذ قراراته بنفسه ، والتخطيط لمستقبله .
وتشير البحوث والدراسات إلى أشكال وصور متعددة للمراهقة تتباين بتباين الثقافات وتختلف باختلاف الظروف والعادات الاجتماعية والأدوات الاجتماعية التي يقوم عليها المراهقون في مجتمعاتهم . Reppucci , 1999 ))
فالمراهق البدائي يستطيع أن يشارك بمجرد بلوغه في مجتمع الراشدين البالغين وأن يباشر مسؤولياته خاصة وأن الحرف في مجتمعه تكون من النوع البسيط الذي لا يحتاج إلى تعليم أو تخصص بالمعنى الذي نفهمه . وأن يستقل ويستطيع إشباع حاجاته الأساسية . ويتزوج في سن مبكرة وإقامة الحفلات التي تمثل بالنسبة له خبرات سارة وربما تكون خبرات مؤلمة .
أما المراهق المتحضر فإن مشاركته في مجتمع الراشدين البالغين تتأجل حتى يتم تعليمه وحتى يتعلم مهنته ويتقن تخصصه . كما يتأخر زواجه . ولا يدخل عالم الكبار بالسهولة التي يدخلها المراهق البدائي .
وقد وصف ستانلي هل Hall المراهقة بأنها فترة عواصف وتوتر شدة تكتنفها الأزمات النفسية وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق . لتشكل بالنسبة لحياة المراهق مجموعة من التناقضات متعددة الجوانب . (Grinder,1969)
وتتحدث إليزابيث هيرولوك (Hurlock,1980) عن المراهقة على أنها نتيجة لعوامل كثيرة منها : المثالية ، ومشاعر النقص في الكفاءة والمكانة ونقص في إشباع الحاجات والضغوط الاجتماعية ، وفشل العلاقة بالجنس الأخر . ومشكلات التوافق . بحيث يؤثر كل ذلك في سلوكه من حيث :
• اضطراب السلوك : مثل نقص التركيز ، والتقلب السلوكي ، وقصور النشاط العقلي والجسمي ، واضطراب الكلام ، والاندفاع والعدوان .
• الانفعالية : والاستثارية والحساسية النفسية والانفجارات الانفعالية .
• المشاكسة : في إطار الأسرة .
• السلوك المضاد للمجتمع : مثل رفض النصح والتوجيه ، ومغايرة المعايير الاجتماعية في اللباس والكلام والسلوك بصفة عامة .
• الوحدة : مثل الشعور بالإهمال والرفض من قبل الرفاق وحتى من أعضاء الأسرة الواحدة والكبار .
• نقص الانجاز : ويرافقه الإهمال ونقص الدافعية وشؤون الأسرة والأنشطة الاجتماعية .
• لوم الآخرين : وإلقاء التبعة عليهم واتهامهم بأنهم سبب كل شقاء .
• التهرب : كالهروب من المنزل والزواج المبكر والاستغراق في أحلام اليقظة. وربما يصل الحال بالنسبة إليه إلى حد محاولة الانتحار الفعلي .
ويرى عدد من الباحثين (Pikunas,1976) أن حياة المراهق تشبه إلى حد كبير حلم طويل في ليل مظلم تتخلله أضواء ساطعة تخطف البصر أكثر مما تضيء الطريق ، بحيث يشعر المراهق بالضياع لفترة تنتهي بأن يجد نفسه ويعرف طريقه عندما يصل مرحلة النضج .
وتحدثت مارجيت ميد(Mead,1983) عما يصادفه المراهق من عواصف وتوترات وشدة وألم . والذي يرجع في مجمله إلى عوامل الإحباط والصراع المختلفة التي يتعرض لها في حياته داخل الأسرة وخارجها وفي المدرسة وفي المجتمع الذي ينتمي إليه . وهذا يعني بالضرورة إلى معاناة المراهق من القلق والتردد والتشاؤم وخفض مستوى النشاط والحماس والتفاؤل . ويرى الباحثون هنا أن المراهق إنما يبحث في كل ذلك عن ذاته ويسعى لتحقيق ذاته . وأن هذه المرحلة ما هي مرحلة حب ونمو للشخصية وتكاملها . ومرحلة اكتشاف القيم والمثل .
ويرى حامد زهران (1999) أن مرحلة المراهقة مرحلة حرجةCritical Period
يحدث فيها تنظيم أو نمو سريع يتطلب رعاية خاصة ، وتظهر على شكل صور متعددة من أبرزها : الصراعات النفسية Scott 1962)) التي قد يتعرض لها ومنها :
• الصراع بين السعي لأن يكبر ويتحمل المسؤولية ، أو يظل طفلاً ينعم بالأمن .
• الصراع بين السعي للاستقلال والحاجة إلى المساندة والدعم والاعتماد على الآخرين .
• الصراع بين السعي للحرية الشخصية وتحقيق الذات والضغوط الاجتماعية المتمثلة في المعايير والقيم الاجتماعية .
• الصراع بين ضبط الأنا الأعلى والمثيرات والضغوط الخارجية .
• الصراع بين تحقيق الدوافع وإشباع الحاجات ومطالب الواقع الخارجي وضرورة التوافق الاجتماعي .
• الصراع بين الضغوط الجنسية و الضغوط الدينية والقيمية .
• الاختيارات والقرارات : فعلى المراهق القيام بالاختيارات واتخاذ القرارات الحيوية التي تحدد مستقبل حياته .
• المشكلات التي قد تتخلل مرحلة المراهقة سواء المشكلات النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الجنسية .
• ظاهرة البطالة : ونعني بها الاقتصادية والاعتماد على الآخرين أو البطالة الجنسية التي تشير إلى أن المراهق مؤهل جنسيا ً غير مسموح له ممارسة الجنس إلا من خلال الأنظمة والقوانين التي يحددها له مجتمعه .
• الخلط لدى الكبار : ( الوالدين والمربون ) بخصوص مفاهيم مثل السلطة والحرية والنظام و الطاعة والديمقراطية و اختلاف النظر بين الكبار والمراهقين بخصوص هذه المفاهيم .
الاتجاهات الرئيسية في تفسير المراهقة :
المراهقة كما يشير- إليها المنظرون – ميلاد نفسي للفرد وهي الوجودي للعالم الجنسي ، ويراها آخرون أنها الميلاد الحقيقي للفرد كذات متفردة وهي مزاج من شيء في سبيله إلى الخلع والانتهاء وهو الطفولة ( عادل الأشول ،1984).
ولقد ظهرت تفسيرات واتجاهات متعددة في تفسير المراهقة من أبرزها ( محمود عقل ، 1998) :
(1) الاتجاه البيولوجي :
يتزعم هذا الاتجاه ستانلي هل Stanley Hall ويركز على المحددات الداخلية للسلوك ويشير إلى أن المراهقة تمثل مرحلة نتغير شديد مصحوب بالضرورة بالتوترات وصعوبات في التكيف وأن التغيرات الفيزيولوجية تمثل عاملا ً أساسيا في خلق هذه التوترات والصعوبات ويشير هل إلى المراهقة باعتبارها فترة ميلاد جديد لأن الخصائص الإنسانية الكاملة تولد في هذه المرحلة وأن الحياة الانفعالية للمراهق تكمن في حالات متناقضة فمن الحيوية والنشاط إلى الخمول والكسل ومن المرح إلى الحزن ومن الرقة إلى الفظاظة .
(2) الاتجاه الأنثروبولوجي :
يتزعم هذا الاتجاه بندكت وميد Bendict & Mead ويركز على المحددات الخارجية للسلوك " المحددات الاجتماعية والثقافية والقيم المكتسبة " ومن خلال الدراسات المستفيضة التي قامت بها ميد والتي حاولت بها توضيح ما إذا كان سلوك المراهقة سلوكا عاما وشائعا لدى المراهقين أو انعكاس لظروف بيئية وخبرات معينة فقد أكدت على أن المراهقة تتكون وتتشكل بالبيئة الاجتماعية وعلى أهمية التنشئة الاجتماعية في اشتداد مشكلات المراهقة موضحة على أن المراهقين في المجتمعات البدائية يجتازون هذه المرحلة دون صراعات تذكر على عكس مراهقي المجتمعات المتقدمة كالمجتمع الأمريكي مثلا .
هذا وقد أوضحت الدراسات الأنثروبولوجية عددا من الحقائق تمثلت في الأتي :
• أن المراهقة تمثل مرحلة نمو اعتيادي وليس بالضرورة أزمة في كل المجتمعات وأن السلوكيات المراهق وتصرفاته واتجاهاته تعكس بالضرورة البيئية الاجتماعية التي نشأ فيها .
• أن المراهقة لا تتخذ نمطا عاما أو شكلا واحدا بل قد تتخذ أشكالا مختلفة وأنماطا متعددة باختلاف البيئة المحيطة بالمراهق وأن للبيئة الاجتماعية دور فاعل في أشكال المراهقة وتعقدها بكل ما تشمله من احباطات وصراعات .
• إن فترة المراهقة فترة نسبية دينامكية يصعب معها وضع نظرية عامة لتفسير جميع جوانب المراهقة في أي مجتمع من المجتمعات .
(3) الاتجاه المجالي :
يتزعم هذا الاتجاه كيرت ليفين K.Leivin ويركز على التفاعل بين المحددات الداخلية والخارجية للسلوك كما يركز بصفة عامة على عامل الصراع أثناء الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد ومن مجال معروف إلى مجال مجهول ويصور المراهقة على أنها :
• فترة تغير في الانتماء إلى الجماعة : حيث يرتبط بقيم وعادات تمثلها الجماعة التي ينتمي إليها مجددا بعد أن كان ينتمي لجماعة الأطفال التي كان يعيش معها ويتصرف وفقا لأسلوب طفلي ، أما وقد أصبح الآن كبيرا يرفض أن يعامل كطفل ، فإن عليه أن ينتزع الأسلوب الطفولي الذي اعتاده ويقيم نمطا جديدا من العلاقات وفق مضمون ومستوى جديدين .
• إن الانتقال في الانتماء من جماعة الأطفال إلى جماعة الراشدين هو انتقال من وضع معروف إلى وضع جديد غير معروف بالنسبة للمراهق وكأنه بهذه الحالة ينتقل إلى عالم مجهول لم يتم تكوينه من الناحية المعرفية ، بحيث يصعب على المراهق التحرك نحو هدفه بوضوح .
• إن فترة التغيرات الفيزيولوجية والجسمية التي تحدث للفرد هي فترة تغيرات شديدة بحيث تبدو صورة الجسم بالنسبة له صورة مضطربة وبينما هو مشغول بجسمه الذي تغيرت معالمه فإن خبراته الجنسية التي لم يعرف طبيعتها ولا كيفية التعامل معها والاستجابة لها ، مما يضطر إلى أن يسحب انتباهه من العالم الخارجي ويركزه نحو الذات نفسها ما يعتريها من تغيرات لم تنتظم بعد في نمط مستقر .
• إن مرحلة المراهقة تمثل فترة ظهور حاجات واهتمامات ورغبات وأهداف جديدة وهي فترة حدوث التغيرات العقلية والانفعالية والاجتماعية وظهور حاجات واهتمامات وطموحات معينه مما يستدعي إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية للمراهق وقد لا يستطيع إشباع حاجاته مما ينتج عنه القلق والتوتر وبروز المشكلات ويحاول المراهق في هذه المرحلة استطلاع المواقف الجديدة وحين لا يكون قادرا على إيضاحها فإنه يزداد تعقيدا في حياته في عدم قدرته على تحديد واقعه الجديد فيختلط عنده الواقع بالخيال وينتقل بالتالي إلى عالم الكبار المليء بالتناقضات والصراعات بين قيم وآراء متعددة .
(4) اتجاهات المرحلة المعتمدة :
تتمركز هذه الاتجاهات حول بحث المراهق المستمر عن هويته Identity أو ذاتيته كما يراها أريكسون (Rohwer,et,al,1974) . Irikson ويشير إليها كولبرج Kohberg على أنها انتقال إلى الأخلاق التقليدية ( المتفقة مع قواعد العرف والسلوك المرعية ) في عمل القرارات . أما كينستون Keniston فيشير إلى المشكلات الرئيسية للمراهق كالتوتر الذي ينمو بين الذات والمجتمع رافضا تقبل المسؤولية والخوف من النمو ، مشيرا إلى أن الراشدين بحاجة إلى الانتباه والرعاية من ثقافة الراشدين . وبالانتباه إلى المراهق وتدعيمه تمكنه من العثور على ذاته ويتقدم إلى مرحلة الرشد بسلام .
(5) اتجاهات التعلم :
يركز اتجاه التعلم على أن المراهقة تتصف بالانسحاب من معايير ثقافة الراشدين، وهذا الانسحاب الذي غالبا ما يحدث عن طريق سلوك لا اجتماعي غي مرغوب فيه ، قد يظهر من خلال تقبل ثقافة جماعة الرفاق التي يعتمد على خبرات تعلم الفرد وعلى سبيل المثال فإن السلوك الاغترابي والجناح أثناء فترة المراهقة عادة ما يرتبط باتجاهات والديه قاسية وعدم اتساقية من قبل الوالدين (عادل الأشول،1984) إضافة إلى تحدثه وسائل الإعلام من تعلم سلوك غير مرغوب فيه للمراهق .
وهذا بحث آخر لعطر الزمن..
بارك الله في مسعاها وجزاها كل...
بارك الله في مسعاها وجزاها كل خير..
***************************************************
المقدمة :
مصطلح المراهقة Adolescence مشتق من الكلمة اللاتينية Adolescere ومعناه التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي . ويستخدم علماء النفس مصطلح المراهقة ليشير إلى معاني كثيرة :
• فيرى البعض أن كلمة المراهقة تعني التحول نحو النضج الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي .
• وعبر بياجيه عن فكرة المراهقة بقوله أ،ها تعني العمر الذي يندمج فيه الفرد مع عالم الكبار . والعمر الذي لم يعد فيه الطفل يشعر أنه أقل ممن هم أكبر منه سنا ً . بل هو مساويا ً لهم في الحقوق على الأقل .( piaget,1969 )
وتمثل المراهقة مرحلة الانتقال من مرحلة الطفولة ( مرحلة الإعداد لمرحلة المراهقة ) إلى مرحلة الرشد والنضج . وبناء ً على ذلك ، فإن مرحلة المراهقة تعد تأهب لمرحلة الرشد . وتمتد من نهاية مرحلة الطفولة المتأخرة . والتي حددها علماء النفس في الفترة ما بين ( 12 – 20 سنة ) ( Hurlock,1980 ) وتعد هذه الفترة فترة إعداد للنضج والرشد .
وهي المرحلة التي يمر فيها المراهق بتطورات وتغيرات جسمية ونفسية .فتتأثر بما قبلها من المراحل .
كما أنها مرحلة متعددة الجوانب حيث ينمو المراهق جسميا ً وفيزيولوجيا ً وجنسياً وعقليا ً وانفعالياً واجتماعياً ومهنياً . وقد وصفها ستانلي هول Stanley Hall وإليزابيث هيرولوك Hurlock وكيرت ليفين Lewin وآخرون بأنها فترة عاصفة ومحنة مليئة بالمشكلات بل هي بداية ظهور المشكلات في حياة الفرد . ( Foltz ,et al.,1995 )) وقد ظهرت أبحاث عديدة تبرز أهمية هذه المرحلة في حياة الإنسان .
خصائص مرحلة المراهقة :
تتميز مرحلة المراهقة بالنمو الواضح نحو النضج في كافة مظاهر وجوانب الشخصية ، والتقدم نحو كل من النضج الجسمي، والنضج الجنسي، والنضج العقلي، والنضج الانفعالي والاستقلال الانفعالي والتطبيع الاجتماعي واكتساب المعايير السلوكية والاجتماعية وتحمل المسؤولية ، وتكوين علاقات اجتماعية جديدة والقيام بالاختبارات ، واتخاذ القرارات فيما يتعلق بالتعليم والمهنة والزواج .
وتحمل المسؤولية توجيه الذات ، من خلال التعرف على قدراته وإمكاناته وتمكنه من التفكير واتخاذ قراراته بنفسه ، والتخطيط لمستقبله .
وتشير البحوث والدراسات إلى أشكال وصور متعددة للمراهقة تتباين بتباين الثقافات وتختلف باختلاف الظروف والعادات الاجتماعية والأدوات الاجتماعية التي يقوم عليها المراهقون في مجتمعاتهم . Reppucci , 1999 ))
فالمراهق البدائي يستطيع أن يشارك بمجرد بلوغه في مجتمع الراشدين البالغين وأن يباشر مسؤولياته خاصة وأن الحرف في مجتمعه تكون من النوع البسيط الذي لا يحتاج إلى تعليم أو تخصص بالمعنى الذي نفهمه . وأن يستقل ويستطيع إشباع حاجاته الأساسية . ويتزوج في سن مبكرة وإقامة الحفلات التي تمثل بالنسبة له خبرات سارة وربما تكون خبرات مؤلمة .
أما المراهق المتحضر فإن مشاركته في مجتمع الراشدين البالغين تتأجل حتى يتم تعليمه وحتى يتعلم مهنته ويتقن تخصصه . كما يتأخر زواجه . ولا يدخل عالم الكبار بالسهولة التي يدخلها المراهق البدائي .
وقد وصف ستانلي هل Hall المراهقة بأنها فترة عواصف وتوتر شدة تكتنفها الأزمات النفسية وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق . لتشكل بالنسبة لحياة المراهق مجموعة من التناقضات متعددة الجوانب . (Grinder,1969)
وتتحدث إليزابيث هيرولوك (Hurlock,1980) عن المراهقة على أنها نتيجة لعوامل كثيرة منها : المثالية ، ومشاعر النقص في الكفاءة والمكانة ونقص في إشباع الحاجات والضغوط الاجتماعية ، وفشل العلاقة بالجنس الأخر . ومشكلات التوافق . بحيث يؤثر كل ذلك في سلوكه من حيث :
• اضطراب السلوك : مثل نقص التركيز ، والتقلب السلوكي ، وقصور النشاط العقلي والجسمي ، واضطراب الكلام ، والاندفاع والعدوان .
• الانفعالية : والاستثارية والحساسية النفسية والانفجارات الانفعالية .
• المشاكسة : في إطار الأسرة .
• السلوك المضاد للمجتمع : مثل رفض النصح والتوجيه ، ومغايرة المعايير الاجتماعية في اللباس والكلام والسلوك بصفة عامة .
• الوحدة : مثل الشعور بالإهمال والرفض من قبل الرفاق وحتى من أعضاء الأسرة الواحدة والكبار .
• نقص الانجاز : ويرافقه الإهمال ونقص الدافعية وشؤون الأسرة والأنشطة الاجتماعية .
• لوم الآخرين : وإلقاء التبعة عليهم واتهامهم بأنهم سبب كل شقاء .
• التهرب : كالهروب من المنزل والزواج المبكر والاستغراق في أحلام اليقظة. وربما يصل الحال بالنسبة إليه إلى حد محاولة الانتحار الفعلي .
ويرى عدد من الباحثين (Pikunas,1976) أن حياة المراهق تشبه إلى حد كبير حلم طويل في ليل مظلم تتخلله أضواء ساطعة تخطف البصر أكثر مما تضيء الطريق ، بحيث يشعر المراهق بالضياع لفترة تنتهي بأن يجد نفسه ويعرف طريقه عندما يصل مرحلة النضج .
وتحدثت مارجيت ميد(Mead,1983) عما يصادفه المراهق من عواصف وتوترات وشدة وألم . والذي يرجع في مجمله إلى عوامل الإحباط والصراع المختلفة التي يتعرض لها في حياته داخل الأسرة وخارجها وفي المدرسة وفي المجتمع الذي ينتمي إليه . وهذا يعني بالضرورة إلى معاناة المراهق من القلق والتردد والتشاؤم وخفض مستوى النشاط والحماس والتفاؤل . ويرى الباحثون هنا أن المراهق إنما يبحث في كل ذلك عن ذاته ويسعى لتحقيق ذاته . وأن هذه المرحلة ما هي مرحلة حب ونمو للشخصية وتكاملها . ومرحلة اكتشاف القيم والمثل .
ويرى حامد زهران (1999) أن مرحلة المراهقة مرحلة حرجةCritical Period
يحدث فيها تنظيم أو نمو سريع يتطلب رعاية خاصة ، وتظهر على شكل صور متعددة من أبرزها : الصراعات النفسية Scott 1962)) التي قد يتعرض لها ومنها :
• الصراع بين السعي لأن يكبر ويتحمل المسؤولية ، أو يظل طفلاً ينعم بالأمن .
• الصراع بين السعي للاستقلال والحاجة إلى المساندة والدعم والاعتماد على الآخرين .
• الصراع بين السعي للحرية الشخصية وتحقيق الذات والضغوط الاجتماعية المتمثلة في المعايير والقيم الاجتماعية .
• الصراع بين ضبط الأنا الأعلى والمثيرات والضغوط الخارجية .
• الصراع بين تحقيق الدوافع وإشباع الحاجات ومطالب الواقع الخارجي وضرورة التوافق الاجتماعي .
• الصراع بين الضغوط الجنسية و الضغوط الدينية والقيمية .
• الاختيارات والقرارات : فعلى المراهق القيام بالاختيارات واتخاذ القرارات الحيوية التي تحدد مستقبل حياته .
• المشكلات التي قد تتخلل مرحلة المراهقة سواء المشكلات النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الجنسية .
• ظاهرة البطالة : ونعني بها الاقتصادية والاعتماد على الآخرين أو البطالة الجنسية التي تشير إلى أن المراهق مؤهل جنسيا ً غير مسموح له ممارسة الجنس إلا من خلال الأنظمة والقوانين التي يحددها له مجتمعه .
• الخلط لدى الكبار : ( الوالدين والمربون ) بخصوص مفاهيم مثل السلطة والحرية والنظام و الطاعة والديمقراطية و اختلاف النظر بين الكبار والمراهقين بخصوص هذه المفاهيم .
الاتجاهات الرئيسية في تفسير المراهقة :
المراهقة كما يشير- إليها المنظرون – ميلاد نفسي للفرد وهي الوجودي للعالم الجنسي ، ويراها آخرون أنها الميلاد الحقيقي للفرد كذات متفردة وهي مزاج من شيء في سبيله إلى الخلع والانتهاء وهو الطفولة ( عادل الأشول ،1984).
ولقد ظهرت تفسيرات واتجاهات متعددة في تفسير المراهقة من أبرزها ( محمود عقل ، 1998) :
(1) الاتجاه البيولوجي :
يتزعم هذا الاتجاه ستانلي هل Stanley Hall ويركز على المحددات الداخلية للسلوك ويشير إلى أن المراهقة تمثل مرحلة نتغير شديد مصحوب بالضرورة بالتوترات وصعوبات في التكيف وأن التغيرات الفيزيولوجية تمثل عاملا ً أساسيا في خلق هذه التوترات والصعوبات ويشير هل إلى المراهقة باعتبارها فترة ميلاد جديد لأن الخصائص الإنسانية الكاملة تولد في هذه المرحلة وأن الحياة الانفعالية للمراهق تكمن في حالات متناقضة فمن الحيوية والنشاط إلى الخمول والكسل ومن المرح إلى الحزن ومن الرقة إلى الفظاظة .
(2) الاتجاه الأنثروبولوجي :
يتزعم هذا الاتجاه بندكت وميد Bendict & Mead ويركز على المحددات الخارجية للسلوك " المحددات الاجتماعية والثقافية والقيم المكتسبة " ومن خلال الدراسات المستفيضة التي قامت بها ميد والتي حاولت بها توضيح ما إذا كان سلوك المراهقة سلوكا عاما وشائعا لدى المراهقين أو انعكاس لظروف بيئية وخبرات معينة فقد أكدت على أن المراهقة تتكون وتتشكل بالبيئة الاجتماعية وعلى أهمية التنشئة الاجتماعية في اشتداد مشكلات المراهقة موضحة على أن المراهقين في المجتمعات البدائية يجتازون هذه المرحلة دون صراعات تذكر على عكس مراهقي المجتمعات المتقدمة كالمجتمع الأمريكي مثلا .
هذا وقد أوضحت الدراسات الأنثروبولوجية عددا من الحقائق تمثلت في الأتي :
• أن المراهقة تمثل مرحلة نمو اعتيادي وليس بالضرورة أزمة في كل المجتمعات وأن السلوكيات المراهق وتصرفاته واتجاهاته تعكس بالضرورة البيئية الاجتماعية التي نشأ فيها .
• أن المراهقة لا تتخذ نمطا عاما أو شكلا واحدا بل قد تتخذ أشكالا مختلفة وأنماطا متعددة باختلاف البيئة المحيطة بالمراهق وأن للبيئة الاجتماعية دور فاعل في أشكال المراهقة وتعقدها بكل ما تشمله من احباطات وصراعات .
• إن فترة المراهقة فترة نسبية دينامكية يصعب معها وضع نظرية عامة لتفسير جميع جوانب المراهقة في أي مجتمع من المجتمعات .
(3) الاتجاه المجالي :
يتزعم هذا الاتجاه كيرت ليفين K.Leivin ويركز على التفاعل بين المحددات الداخلية والخارجية للسلوك كما يركز بصفة عامة على عامل الصراع أثناء الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد ومن مجال معروف إلى مجال مجهول ويصور المراهقة على أنها :
• فترة تغير في الانتماء إلى الجماعة : حيث يرتبط بقيم وعادات تمثلها الجماعة التي ينتمي إليها مجددا بعد أن كان ينتمي لجماعة الأطفال التي كان يعيش معها ويتصرف وفقا لأسلوب طفلي ، أما وقد أصبح الآن كبيرا يرفض أن يعامل كطفل ، فإن عليه أن ينتزع الأسلوب الطفولي الذي اعتاده ويقيم نمطا جديدا من العلاقات وفق مضمون ومستوى جديدين .
• إن الانتقال في الانتماء من جماعة الأطفال إلى جماعة الراشدين هو انتقال من وضع معروف إلى وضع جديد غير معروف بالنسبة للمراهق وكأنه بهذه الحالة ينتقل إلى عالم مجهول لم يتم تكوينه من الناحية المعرفية ، بحيث يصعب على المراهق التحرك نحو هدفه بوضوح .
• إن فترة التغيرات الفيزيولوجية والجسمية التي تحدث للفرد هي فترة تغيرات شديدة بحيث تبدو صورة الجسم بالنسبة له صورة مضطربة وبينما هو مشغول بجسمه الذي تغيرت معالمه فإن خبراته الجنسية التي لم يعرف طبيعتها ولا كيفية التعامل معها والاستجابة لها ، مما يضطر إلى أن يسحب انتباهه من العالم الخارجي ويركزه نحو الذات نفسها ما يعتريها من تغيرات لم تنتظم بعد في نمط مستقر .
• إن مرحلة المراهقة تمثل فترة ظهور حاجات واهتمامات ورغبات وأهداف جديدة وهي فترة حدوث التغيرات العقلية والانفعالية والاجتماعية وظهور حاجات واهتمامات وطموحات معينه مما يستدعي إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية للمراهق وقد لا يستطيع إشباع حاجاته مما ينتج عنه القلق والتوتر وبروز المشكلات ويحاول المراهق في هذه المرحلة استطلاع المواقف الجديدة وحين لا يكون قادرا على إيضاحها فإنه يزداد تعقيدا في حياته في عدم قدرته على تحديد واقعه الجديد فيختلط عنده الواقع بالخيال وينتقل بالتالي إلى عالم الكبار المليء بالتناقضات والصراعات بين قيم وآراء متعددة .
(4) اتجاهات المرحلة المعتمدة :
تتمركز هذه الاتجاهات حول بحث المراهق المستمر عن هويته Identity أو ذاتيته كما يراها أريكسون (Rohwer,et,al,1974) . Irikson ويشير إليها كولبرج Kohberg على أنها انتقال إلى الأخلاق التقليدية ( المتفقة مع قواعد العرف والسلوك المرعية ) في عمل القرارات . أما كينستون Keniston فيشير إلى المشكلات الرئيسية للمراهق كالتوتر الذي ينمو بين الذات والمجتمع رافضا تقبل المسؤولية والخوف من النمو ، مشيرا إلى أن الراشدين بحاجة إلى الانتباه والرعاية من ثقافة الراشدين . وبالانتباه إلى المراهق وتدعيمه تمكنه من العثور على ذاته ويتقدم إلى مرحلة الرشد بسلام .
(5) اتجاهات التعلم :
يركز اتجاه التعلم على أن المراهقة تتصف بالانسحاب من معايير ثقافة الراشدين، وهذا الانسحاب الذي غالبا ما يحدث عن طريق سلوك لا اجتماعي غي مرغوب فيه ، قد يظهر من خلال تقبل ثقافة جماعة الرفاق التي يعتمد على خبرات تعلم الفرد وعلى سبيل المثال فإن السلوك الاغترابي والجناح أثناء فترة المراهقة عادة ما يرتبط باتجاهات والديه قاسية وعدم اتساقية من قبل الوالدين (عادل الأشول،1984) إضافة إلى تحدثه وسائل الإعلام من تعلم سلوك غير مرغوب فيه للمراهق .