شاي ومزاج
شاي ومزاج
وختاما ً :

(( 11 ))

(( فإنِّي رأيت أكثر أهل زماننا هذا عن سبيل الأدب ناكبين، ومن اسمه متطيِّرين، ولأهله كارهين: أما النَّاشئ منهم فراغب عن التعليم، والشَّادي تارك للازدياد، والمتأدِّب في عنفوان الشباب ناسٍ أو متناسٍ؛ ليدخل في جملة المجدودين، ويخرج عن جملة المحدودين فالعلماء مغمورون، وبكرَّة الجهل مقموعون حين خوى نجم الخير، وكسدت سوق البرِّ، وبارت بضائع أهله، وصار العلم عاراً علَى صاحبه، والفضل نقصاً وأموال الملوك وقفاً علَى شهوات النفوس، والجاه الَّذي هو زكاة الشرف يباع بيع الخلق وآضت المروءات في زخارف النَّجد وتشييد البُنيان، ولذَّات النفوس في اصطفاق المزاهر ومعاطاة الندمان. ونبذت الصنائع، وجُهل قدر المعروف، وماتت الخواطر، وسقطت همم النفوس، وزُهد في لسان الصدق وعقد الملكوت فأبعد غايات كاتبنا في كتابته أن يكون حسن الخط قويم الحروف، وأعلى منازل أديبنا أن يقول من الشِّعر أبياتاً في مدح قَيْنَة أو وصف كأس، وأرفع درجات لطيفنا أن يطالع شيئاً من تقويم الكواكب، وينظر في شيء من القضاء وحدِّ المنطق، ثمَّ يعترض علَى كتاب الله بالطعن وهو لا يعرف معناه، وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب وهو لا يدري من نقله، قد رضي عوضاً من الله ومما عنده بأن يقال: فلان لطيف وفلان دقيق النظر يذهب إلى أن لُطف النظر قد أخرجه عن جملة النَّاس وبلغ به علم ما جهلوه؛ فهو يدعوهم الرَّعاع والغُثاء والغُثْر، وهو لعمر الله بهذه الصفات أولى، وهي به أليق؛ لأنه جهل وظنَّ أن قد علم، فهاتان جهالتان؛ ولأن هؤلاء جهلوا وعلموا أنهم يجهلون. ولو أن هذا المُعجب بنفسه، الزاري على الإسلام برأيه، نظر من جهة النظر لأحياهُ الله بنور الهدى وثَلَجِ اليقين، ولكنه طال عليه أن ينظر في علم الكتاب، وفي أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وفي علوم العرب ولغاتها وآدابها، فنَصَبَ لذلك وعاداهُ. وانحرف عنه إلى علم قد سلَّمه ولأمثاله المسلمون، وقلَّ فيه المتناظرون، له ترجمةٌ تروق بلا معنى، واسم يهول بلا جسم؛ فإذا سمع الغُمْرُ والحدَثُ الغِرُّ قوله: الكون والفساد، وسَمْع الكيان، والأسماء المفردة، والكيفية والكمية والزمان والدليل، والأخبار المؤلفة؛ راعه ما سمع، وظن أنَّ تحت هذه الألقاب كلَّ فائدة وكلَّ لطيفة، فإذا طالعها لم يَحْلَ منها بطائل، إنما هو الجوهر يقوم بنفسه، والعَرَضُ لا يقوم بنفسه، ورأس الخط النقطة، والنقطة لا تنقسم، والكلام أربعة: أمر، وخبر، واستخبار، ورغبة؛ ثلاثة لا يدخلها الصدق والكذب، وهي: الأمر، والاستخبار، والرغبة، وواحد يدخله الصدق والكذب وهو الخبر، والآنُ حدُّ الزمانين، مع هذيان كثير، والخير ينقسم إلى تسعة آلاف وكذا وكذا مائة من الوجوه، فإذا أراد المتكلم أن يستعمل بعض تلك الوجوه في كلامه كانت وَبالاً على لفظه، وقيداً للسانه، وعيّاً في المحافل، وعُقْلَة عند المتناظرين.
ولقد بلغني أن قوماً من أصحاب الكلام سألوا محمد بن الجَهْم البرمكيَّ أن يذكر لهم مسألة من حد المنطق حسنة لطيفة، فقال لهم: ما معنى قول الحكيم: " أول الفكرة آخر العمل، وأول العمل آخر الفكرة " ؟ فسألوه التأويل، فقال لهم: مَثَلُ هذا رجل قال: " إنِّي صانع لنفسي كِنَّا " فوقعت فكرته على السقف، ثمَّ انحدر فعلم أن السقف لا يكون إلا على حائط، وأن الحائط لا يقوم إلا على أُسّ، وأن الأُسَّ لا يقوم إلا على أصل، ثمَّ ابتدأ في العمل بالأصل، ثمَّ بالأسِّ، ثمَّ بالحائط، ثمَّ بالسقف؛ فكان ابتداء تفكره آخر عمله وآخر عمله بدء فكرته؛ فأية منفعةٍ في هذه المسألة؟ وهل يجهل أحد هذا حتى يحتاج إلى إخراجه بهذه الألفاظ الهائلة، وهكذا جميع ما في هذا الكتاب؛ ولو أن مؤلف حد المنطق بلغ زماننا هذا حتى يسمع دقائق الكلام في الدين والفقه والفرائض والنحو لعدَّ نفسه من البُكْمِ، أو يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته لأيقن أن للعرب الحكمة وفَصْلَ الخطاب ... ))
((أدب الكاتب ,لابن قتيبة))
امبراتريث
امبراتريث
بورك المداد ياشاي موضوع غاية في الأهمية ويستحق الثناء الآن أشعر باحترام كبير تجاهك ياشاي ..جعلك الله فاتحة خير لنهضة نسائية في هذا الموقع بين الفكر والقلب للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي سياحة في عوالم مختلفة بين العلم والمناقشة العلمية والمنطقية وبين مقاطع أدبية تثير محبي النصوص الأدبية والعاطفة في قصة زواجه ومن ثم وفاة زوجته أميرة العرجة سأترك التفاصيل وأترككم لتجولوا في أرجاء هذا الكتاب التي أثارت إعجابي وكتاب له ..شخصيات استوقفتني وترجمته لرواية مموزين ..قصة حب نبتت في الأرض وأينعت في السماء موضوع ياشاي يستحق الوقوف مطولا ويستأهل ارتشاف كوب ساخن من الشاي في هذا الشتاء البارد الذي أقبل وإن كنت أنسى فلا أنسى رحلتي بين كتب محمد الغزالي والمتعة التي لقيتها حين ذاك والفائدة التي عمت حياتي من الفكر والحكمة والتوجيه جدد حياتك لاتجعل من الليمونة الملحة شرابا حلوا وذلك في ترجمته لكتاب الكاتب الأمريكي ديل كارنجي وكتاب مع الله والحق المر والإسلام في وجه الزحف الأحمر والإسلام والأوضاع الاقتصادية ولمحبي الروايات فلديكم روايات عبد الرحمن الكيلاني وإن كان عليها الكثير من الملاحظات ولكنها لاتخلو من الفائدة والمتعة وكتاب رجال الفكر والدعوة للحسن الندوي ودليل التديريب القيادي للدكتور هشام طالب هذا ماحضرني في هذه الآونة وفي جعبتي المزيد ..وفعلا كتاب لاتحزن أنصح به اللواتي تركن القراءة لأنه سهل وبسيط وعظيم الفائدة وأكرر شكري وتقديري لك ياشاي ومن ثم لشام لتثبيت الموضوع والسلام وإلى لقاء قريب بحول الله
بورك المداد ياشاي موضوع غاية في الأهمية ويستحق الثناء الآن أشعر باحترام كبير تجاهك ياشاي...
موضوع رائع

القراءة بالنسبة كالغذاء

لم اكف عن القرائة منذ الصغر وهنا في الغربة وبعد اول سنة بدأت اقرأ كتب في لغة بلد اغترابي

احيانا الروايات
واخرى ترجمات لبعض ادبائنا
واحيانا كتب علم نفس
واحيانا سير ذاتية لشخصيات تاريخية

يعني كل فترة بتعلق بموضوع معين وبقرأ كل الكتب اللي وقتي بسمحلي بقراءتها

وحاليا لا املك الوقت للقراءة ...اختم يومي بقرائة ما استطيع
كتاب هدية من اخت عزيزة وغالية:26:

تيسير الكريم الرحمن
في تفسير كلام المنان

للعلامة الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

وشكرا لك على الموضوع
شاي ومزاج
شاي ومزاج
رَفْعُ الكِسَاءِ عَنْ مَغْزَى سُوْرَةِ النِّسَاءِ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فهذه كلمات عن مقصود سورة النساء أو ما يسمى بالمعنى العام الذي تدور عليه السورة .أرجو من المشايخ الفضلاء
والأخوة النبلاء ، أن يقيموها علميا وأن يصلحوا ما فيها من خطل .

هذه السورة جاءت لبيان العدل بجميع أنواعه ومع جميع أصناف الناس ، وذكرت أصناف أهل الظلم وصفاتهم ، فالتقوى التي أمر بها في أولها هي أساس العدل وأهم شيء فيه ، ومن لم يحقق التقوى فقد ظلم نفسه ، وجاء ختم أول آية باسم الله الرقيب مناسبا لهذا المعنى ، فاستشعار مراقبة الله للعبد سبب لعدم ظلمه لنفسه ولغيره .
ثم ذكر الله تعالى التعامل مع أصناف متعددة من الناس في هذه السورة ، ولا بد من أن يكون التعامل معهم قائما بالعدل ، ومن ذلك اليتامى ، فنهى عن ظلمهم ، وأكل أموالهم بالباطل ، وفي أواخر السورة أمر بالعدل فقال : (( وأن تقوموا لليتامى بالقسط )) ، وكذلك اليتيمة كما قال تعالى : (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ... )) الآية ، ومعناها كما جاء عن عائشة في صحيح البخاري ومسلم : أنها اليتيمة تكون في حِجْر وليها فيرغب في جمالها ومالها ، يريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها ، فنهوا عن نكاحها إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق .
ثم ذكر الله عز وجل العدل مع الزوجات لمن عنده أكثر من واحدة ، وقال بعدها : (( ذلك أدنى ألا تعولوا )) وقول أكثر المفسرين واختاره ابن كثير رحمه الله أن المراد بـ ألا تعولوا : أي ألا تجوروا ، من عال في الحكم إذا ظلم .
وذكر الله عز وجل آيات المواريث وأنصبة كل من الورثة ، وقسمة الله تعالى هي العدل والحق القائم ، ولذلك ختم الآية بقوله : (( إن الله كان عليما حكيما )) فالعليم الحكيم لا يظلم في القسمة وهو سبحانه أدرى بمصالح العباد من أنفسهم ، لذلك قال تعالى : (( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا )) .
ثم إن من عدله سبحانه أن فتح باب التوبة لعباده ، ما لم تغرغر الروح ، أو تطلع الشمس من مغربها ، فحينئذ لا تنفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل .
ومن عادات الجاهلية أن المرأة إذا مات بعلها ، وجاء ابنُه من غيرها أو أحد عصبته ، فألقى ثوبه عليها يصير أحق بها من نفسها ومن غيرها ، فيرثها من الميت ، ثم إن شاء تزوجها من غير صداق ، أو زوجها لغيره و أخذ الصداق ، أو عضلها عن الأزواج ، فنهى الله تعالى عن هذا الظلم : (( يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ... )) الآية.

ونهى الله عن أكل أموال الناس بالباطل وعن قتل النفس بغير حق ، وهذا من الظلم العظيم ، فيقول الله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )) الآية ، والباطل يشمل كل أنواع الربا ، والقمار ، والغصب ، والسرقة ، والخيانة ، وغيرها ، وأما قوله : (( ولا تقتلوا أنفسكم )) فيشمل قتل المسلم لأخيه المسلم ، وفي القرآن يأتي التعبير بـ " أنفسكم " ويراد به المسلمين ، كما قال الله تعالى (( فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة )) فقد اختار ابن جرير رجمه الله أن المعنى : إذا دخلتم بيوتا من بيوت المسلمين فليسلم بعضكم على بعض .
ثم إن من عدل الله وحكمته أن فرض على كلٍ من الجنسين الذكر والأنثى ، ما يناسب طاقته وقدرته ، ففرض على الرجال الغزو و الجهاد ، وليس على النساء جهاد ، لضعفهن وعدم قدرتهن ، فقال الله تعالى : (( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )) الآية ، وقد ذكر في سبب نزولها أن أم سلمة لما قالت : يا رسول الله إن الرجال يغزون ولا نغزو ... إلخ .

ثم قال الله تعالى : (( إن الله لا يظلم مثقال ذرة )) ، ونفي الظلم عن الله تعالى لكمال عدله ، وإلا فمجرد نفي الظلم ليس بكمال ، وإنما الكمال إثبات كمال ضد الصفة المنفية .
ثم تأتي الآيات التي تذكر أهل الظلم بأنواعهم ، فذكر الله اليهود ، وهم أعظم الناس ظلما وبغيا ، وذكر صفاتهم ، فقال : (( ألم تر إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ... )) الآية ، وفي قوله : (( أتوا نصيبا من الكتاب )) فائدة وهي : أنه مع كونهم عندهم حظاً من العلم وحظاً من الرسالة ، إلا أن ذلك لم يكن عاصماً لهم من إتباع سبيل الضلالة ، والله تعالى ذكر أوصافهم ولم يذكر أعيانهم ، لأن الوصف أنفع لعباد الله ، فكل من اتصف بهذا الوصف فهو مذموم وإن لم يكن من أهل الكتاب .

ومن أعظم الظلم الشرك بالله تعالى ، وقد نهى الله عنه في هذه السورة مرتين ، وفي الموضع الأول لما ذكر اليهود ، وأنهم أهل افتراء وكذب ، ختم الآية بـ (( فقد افترى إثما عظيما )) ، ولما ذكر في الموضع الثاني مشاقة الرسول ومخالفته ، ناسب ختم الآية بـ (( فقد ضل ضلالا بعيدا )) ، وقد ذكر نحو ذلك ابن جماعة الكناني رحمه الله في كشف المعاني ص 147 .
وقال تعالى : (( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل يزكي من يشاء و لا يظلمون فتيلا )) وفي موضع آخر في السورة كذلك (( ولا تظلمون فتيلا )) ، وفي أواخر السورة ((و لا يظلمون نقيرا )) ، والفتيل : المفتول ، وسمي ما يكون في شق النواة فتيلاً لكونه على هيئة فتيل الحبل ، وهذا يضرب به المثل في الشيء الحقير ، والنقير: نقطة في ظهر النواة ويضرب بها المثل في الشيء الطفيف ، مفردات الراغب رحمه الله ص 821 .

وقال الله تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ... )) الآية ، وهذه الآية ظاهرة في المعنى المقصود .

ثم ذكر الله المنافقين ، وأنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، وكلما خالف حكم الله تعالى فهو باطل ، وهو ظلم وليس بعدل ، و أهل النفاق أهل ظلم وباطل ، والله تعالى ذكر صفاتهم لكي يجتنبها المسلم ، في عدة آيات من قوله : (( ألم تر إلى يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ... )) الآيات .

و ذكر الله تعالى قتل المؤمن وعقاب ذلك و وعيده ، والقتل معلوم أنه منتهى الظلم للآخر .
ثم لما حدثت قصة طُعمة بن أبيرق من بني ظفر بن الحارث ، لما سرق درعاً من جار له ، ثم خبأها عند يهودي ، ثم حلف أنه ما أخذها ، وقال اليهودي : أنه دفعها إليه ، فجاء قوم طعمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسألوه أن يجادل عن صاحبهم .... إلى آخر القصة ، فنزلت آيات عظيمة في الحكم بين الناس بالحق وبما علم الإنسان ، وألا يكون لأهل الخيانة معينا ومدافعا عنهم ، إلى آخر الآيات .

ثم ذكر الله الشرك وأنه لا يغفره والشرك ظلم عظيم كما في آية لقمان (( إن الشرك لظلم عظيم )) ،
وقال الله تعالى (( إن يدعون من دونه إلا إناثا )) أي ما يدعون من دون الله إلا إناثا ، واختلف المفسرون في هذه الآية على أقوال يرجع بعضها إلى بعض ، محصلها :
1ـ أن المعنى : إن يدعون من دون الله إلا اللات والعزى ، فسماها الله إناثا لأنهم كانوا يسمونها كذلك .
2ـ أن المراد بالإناث هنا : الموات وما لا روح فيه ، لأنه يؤنث ، فتقول : الدراهم تنفعني ، والأحجار تعجبني ، ونحو ذلك .
3ـ أن المراد بالإناث هنا : الملائكة .
والقول الأول الثاني متقاربان ، فهم كانوا يدعون آلهتهم التي سموها تسمية الإناث ، وهي لا روح فيها وما لا روح فيه يؤنث ، ولكن القول الثالث مختلف عن القولين الأولين ، وابن جرير رحمه الله رجح القول الأول وقال : هو أولى التأويلات في هذا ، والله تعالى أعلم .

وذكر الله تعالى قَسَم الشيطان على إغواء بني آدم ، وإبليس لما ظلم نفسه بالاستكبار عن السجود لآدم ، أقسم على أن يضل بنيه ، بأنواع الظلم من ظلم العبد لنفسه ، وظلمه لغيره .

وقال الله تعالى : (( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ))
وهذا من عدل الله تعالى ، فإنه سبحانه ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب ، بل جميع الخلق يدخل تحت هذه القاعدة العامة ، من يعمل سوءا يجز به ، كما قال ابن عباس وغيره : هذه الآية عامة في حق كل عامل .
فليست الأمور بالتمني ، بل بالعمل الصالح ، وإتباع الملة الحنيفية الصحيحة .

ثم ذكر الله تعالى العدل بين النساء ، وأن العدل في الحب القلبي وميل القلب ، لا يقدر عليه أحد ، وإنما الواجب العدل بينهن في النفقة والقسم ، لذلك قال الله تعالى : (( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كل المعلقة )) الآية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )) أخرجه أصحاب السنن .
وأمر بالعدل مع الوالدين والأقربين ومع النفس ، في الشهادة والإقرار ، (( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ... )) الآية .
وذكر من أصناف أهل الظلم ، المنافقين وقد سبق ذكر شيء من أوصافهم ثم ذكر الله عقابهم وثوابهم وأنهم في الدرك الأسفل من النار .
وذكر الله ما يجوز لمن ظُلِم أن يخبر به عن ظلم من ظلمه ، أو من نزل على قوم فلم يحسنوا ضيافته ، أن يخبر عن ذلك ، وقد ذُكِر هذين المعنيين عن السلف .
وذكر الله اليهود وهم أهل الظلم والطغيان ، وذكر أنواع الظلم التي اجتمعت فيهم ، من عبادة العجل ، والإشراك بالله تعالى ، وقتل الأنبياء ، ونقض المواثيق ، وتعديهم في قصة السبت ، وقولهم على مريم بهتانا عظيما ، لعنهم الله ، وظنهم أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، وما قتلوه ، فلما ذكر الله هذا كله عنهم قال : (( فبظلم من هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا )) الآيات
ومن عدله سبحانه لم يجعل اليهود كلهم أهل ظلم بل هناك منهم من تاب وأسلم واتبع النبي الأمي محمداً صلى الله عليه وسلم مثل عبد الله بن سلام .

ومن عدله سبحانه أن أرسل الرسل لتقوم الحجة على العباد ، كما قال تعالى : (( لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل ))
فهو سبحانه لا يعذب أحدا من خلقه قبل بعثة الرسل .
وذكر الله في ختام السورة أهل الكتاب ونهاهم عن الغلو وهو مجاوزة الحد ، ونهاهم عن الشرك الذي هو الظلم العظيم والافتراء المبين .



هذا والحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة ، ولم أتعرض لجميع الآي ، إلا لما كان ظاهرا في المعنى العام ، و ما لم يكن كذلك ، فلم أتكلف استخراج هذا المعنى منه ، و أعوذ بالله أن أقول في القرآن برأي ، والله تعالى أعلم ، ونسبة العلم إليه أسلم .
منقول للفائدة
nicesmell
nicesmell
رثاء إشبيلية :( لِكُلِّ شَيءٍ إذا ما تمَّ نُقصَانُ ** فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ إنســــــانُ هيَ الأمورُ كما شاهدتُها دُولٌ **من سره زمنٌ ساءتهُ أزمــانُ وَهَذِهِ الدَّارُ لا تبقِي على أحدٍ ** ولا يدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شـــــانُ أين المُلُوكُ ذوي التُيجانِ مِن يمنٍ ** وأين منهم أكاليلٌ وتيجــــــانُ وأين ما شادهُ شدادُ في إرمٍ ** وأين ما ساسهُ في الفُرسِ ساســــانُ وأين ما حازه قارون من نهبٍ** وأين عادٌ وشدادٌ وقحطــانُ أتى على الكل أمرٍ لا مرد لهُ **حتى قضوا فكأن القوم ما كانُوا وصار ما كان من ملك و من ملكٍ**كما حكى عن خيال الطي وسنانُ كأنما الصعب لم يسهل له سببٌ**يوماً ولا ملك الدنيا سليمانُ فجائع الدنيا أنواعٌ منوعةٌ **وللزمان مسراتٌ وأحــــزانُ وللحوادث سلوانُ يسهلها ** وما لما حل بالإسلام سلـــوانُ ههى الجزيرة أمرٌ لا عزاء لهُ ** هوى له أحدٌ وانهد شهـــلانُ أصابها العينُ في الإسلام فارتزأتُ ** حتى خلت منه أقطارٌ وبلدانُ فاسأل بلنسية ما شأن مرسية** وأين شاطبة أم أين جيــانُ وأين قرطبةُ دار العلوم فكم ** من عالم قد سما فيها له شأنُ وأين حمصُ وما تحويه من نزهٍ ** ونهرها العذب فياض ومـــــلآنُ قواعد كن أركان البلاد فما ** عسى البقاء إذا لم تبق أركـــــانُ تبكي الحنفيةُ البيضاءُ من أسفٍ**كما بكى لفراقِ الإلف هيمانُ على ديارِ من الإسلامِ خاليةٌ ** قد اقفرت ولها بالكفر عمـرانُ حيث المساجدُ صارت كنائس** مافيهنَّ إلاّض نواقيسٌ وصلبـــــانُ حتى المحاريب تبكي وهي جامدةٌ **حتى المنابرُ تبكي وهي عيدانُ ياغافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ ** إن كنت في سنةٍ فالدهرُ يقظـانُ وماشياً مرحاً يلهيه موطنهُ ** أبعد حِمصٍ تغرُّ المرءُ أوطـــانُ تلك المُصيبةُ أنست ماتقدمها **ومالها من طوالِ الدهرِ نسيـانُ ياراكبين عتلق الخيل ضامرة ** كأنها في مجال السبقِ عقبــــــــانُ وحاملين سيوف الهند مرهفةً**كأنها في ظلام النقع نيـــــرانُ وَرَاتِعِين وراء البحر في دَعَةٍ ** لَهُم بأوطانهم عزٌ وسلطــــــــانُ أعندكم نبأٌ من أهلِ أندلُسٍ ** فقد سرى بحديثِ القومِ ركبــــــانُ كم يستغيثُ بنا المُستضعفُونَ وهم **قتلى وأسرى فما يهتزَّ إنسانُ لمثلِ هذا يبكي القلب من كمدٍ ** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ (أبو البقاء الرندي) منقول للفائدة
رثاء إشبيلية :( لِكُلِّ شَيءٍ إذا ما تمَّ نُقصَانُ ** فلا يغرُّ بطِيب العَيشِ...
يا سبحان الله ..البارحة كنت مع زوجي نحاول تذكر مطلع هذه القصيدة و لأي شاعر هي وما هي مناسبتها
شكرا لك شاي:26:
شاي ومزاج
شاي ومزاج
هجران الأمَّة للقرآن، هل من سبيل إلى إزالة أسبابه؟
أ.د. طه جابر العلواني
منقول للفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، نستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. ونصلي ونسلم على سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفيِّه وخليله، الرحمة المسداة، والنعمة المهداة، والسراج المنير صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

ثم أما بعد، فإنَّ من أهم ما ابتليت به الأمَّة وأدى إلى بروز كثير من الأزمات، وظهور العديد من الظواهر السلبيَّة والمشكلات "حالة هجر القرآن" التي سقطت فيها من كانت تدعى "أمَّة القرآن" وترَّدت فيها حتى ألفتها فتحولت إلى حالة متأصّلة، وظاهرة ملازمة دون أن يشعر الكثيرون بها.

فالكثيرون يرون أنَّ العلاقة بين القرآن والمسلمين ما تزال علاقة قويَّة متينة، إذ ما من دولة من دول المسلمين إلا وهي تقوم بطبع القرآن الكريم وتوزيعه بأعداد تقل أو تكثر، وتقوم في الكثير منها مدارس لتحفيظ القرآن الكريم والعناية به، وتقدم دروساً قرآنيَّة في مراحل التعليم بأشكال كثيرة وترصد الجوائز لحفظ القرآن وتجويده... الخ. وبالتالي فإنَّ بعض الناس بل أغلبهم لا يستطيعون أن يلمسوا أو يسلّموا بأنَّ هناك حالة هجر بين القرآن والمسلمين الذين هم الأمَّة التي تكونت بهذا القرآن، خاصَّة وهم يسمعون آيات الكتاب الكريم صباح مساء إن شاؤوا تنطلق من العديد من الفضائيَّات والمحطات الإذاعيَّة المتخصّصة بالقرآن الكريم أو المشتركة مع برامج أخرى. ولذلك فإنَّ حالة الهجر هذه قد لا يسلم الكثيرون بوجودها؛ لكنَّنا -مع أخذ ذلك كلّه بنظر الاعتبار- نؤكد أنَّها حالة قائمة. وأنَّ الدليل عليها سائر المظاهر السلبيَّة التي تنتشر في كياننا الاجتماعيّ كلِّه، وتنخر في سائر جوانبه من انحرافات في العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وخروج عن موازين العدل والأمانة في كثير من النظم واضطراب في برامج التعليم والتنمية والاقتصاد والعلائق الاجتماعيَّة، وفساد في الأخلاق ونظم الحياة على اختلافها.

وأود أن أبادر لكي يكون قولي مفهوماً إلى القول بأنَّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان وكيف تصفه؟! قالت كلمتها الحكيمة الوجيزة العظيمة: "كان خلقه القرآن". وهذا الذي قالته أمُّنا عائشة يمكن تعميمه في جميع جوانب الحياة. فإذا سئلنا عن اعتقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت عقيدته القرآن. وإذا سئلنا عن تصوُّره فقد كان تصوره القرآن. وإذا سئلنا عن شريعته فقد كانت شريعته القرآن. وإذا سئلنا عن علمه فقد كان علمه القرآن. وإذا سئلنا عن عبادته فقد كانت عبادته القرآن. وإذا سئلنا عن سنّته وسيرته فإنَّ سنّته وسيرته هي القرآن.. فالقرآن المجيد كان حاضراً مهيمناً بقوة في كل شأن من شئون رسول الله صلى الله عليه وسلم جليلاً كان أم دقيقاً، وكان حاضراً في كل شأن بحيث لا يمكن تجاهله أو تناسيه أو الإعراض عن استدعائه في أيّ شأن من الشئون دون تفريق بين ما يعد شأناً دنيويّاً أو شأناً أخرويّاً، غيبيّاً أو من عالم الشهادة فكانت حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أهل بيته وآله وصحابته بصفة عامة القرآن، منه وبه يستمد النور، وبه تصاغ الحياة، وبآياته المحكمة ترسى دعائم المدنيَّة والحضارة، وتبنى الأمَّة وتحقّق شهودها الحضاريّ.

ولذلك كان القرآن المجيد مستقراً في القلوب، حاضراً في المشاعر والوجدان، متحرِّكاً في جوانب الحياة المختلفة. كانوا يقرأون ألفاظه فينزلونها على قلوبهم قبل ألسنتهم، ويديرونها في عقولهم وقلوبهم قبل أفواههم، ويكيّفون بها واقعهم قبل أن يقوموا بزخرفتها وطباعتها بأجمل الخطوط وأحسن الأوراق؛ لأنَّهم أدركوا أنَّ هذا القرآن إنَّما أنزل ليكون مرشد الإنسان وقائده لأداء مهامّه كلّها ابتداءاً من العهد الذي بين الله وبينه في عالم الذر: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف: 172). ثم ميثاق الخلافة في عالم الاستخلاف: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، ثم مرحلة الالتزام بالأمانة عند عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ولما عرضت على الإنسان قبلها ورضي الالتزام بها: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72)، ثم قبول الإنسان مبدأ الابتلاء في مرحلة الابتلاء: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)، ثم مرحلة الجزاء الأخرويّ: (وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) (الجاثية: 22). وفي هذه المرحلة يفترق الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير.

كما أدركوا جميعاً أنَّ هذا القرآن هو الهادي للتي هي أقوم في سائر مراحل الحياة، والمنير لكل سبلها، هو دليل هادٍ ملازم ضروريٌّ للبشر، لا ينفصل عن حياتهم، لئلا يضلوا، كما لا يمكن فصله عن الكون والأرض التي استخلف الإنسان فيها. وبالتالي فقد كان القرآن يشكل بالنسبة لهم الروح وآفاقها، والنفس وجوانبها، والحياة بكل ما فيها، والوجود بكل عناصره وما يعتمل فيه: فإذا قرأوه استدعوا وهم يقرؤونه ذلك كلّه، ولاحظوا الصلة بين القرآن وبين كل ذلك والتفاعل الذي يمكن أن يتم بينه وبين سائر تلك العناصر فيجتمع لهم وهم يقرؤونه استحضار أنفسهم وذكرها وتذكيرها، واستحضار الكون وما سخر الله فيه للإنسان، والمهام التي تنتظر الإنسان وهو يتحرك في هذه الأرض إلى أجل مسمى؛ فذكروا الله وذكروا أنفسهم، وذكروا البشريَّة الممتدة ما بين عالم العهد وعالم الجزاء، وذكروا الكون فبرزت لهم عظمة الخالق العظيم سبحانه وتعالى وتحققت لهم حالة الشهود، وفارقوا حالة الغياب التي يتيه فيها الغافلون.

أما القرآن -اليوم- فقد كثر قرّاؤه وقلّ الفاقهون فيه، وكثرت خطوطه ونافس بعضها بعضاً في الجمال والاستقامة وقلّ متدبّروه. وكثرت فضائيَّاته وإذاعاته وقل مرتلوه. وتوثقت العلاقة بألفاظه، وأهملت روحه ومعانيه، وكثر المنادون به وقل التالون له حق تلاوته المنفعلون به الذين يجعلونه نبراس حياتهم ومنطلق شهودهم وشهادتهم، وعطلِّت حاكميَّته، وأهملت شريعته.

* المراد بالهجر:

الهجر والهجران من المفاهيم الهامة التي تعني مفارقة الإنسان غيره. وهذه المفارقة تكون بالبدن وباللسان وبالقلب والوجدان والمشاعر. ولذلك فإنَّه مفهوم يتعلق أحياناً بما هو حسيّ وأحياناً بما هو معنويّ.

وقد استعمل القرآن المجيد المفهوم في الأوجه كلّها.

فمن الهجران الحسيّ والبدنيّ قوله تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) (النساء: 34).

ومنه قوله تعالى: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل: 10). فالأمر يحتمل الثلاثة والوصف بالجميل يعطيه صلى الله عليه وسلم حرية الاختيار لنوع الهجر أو أنواعه دون التفريط بهذا الوصف.

وكذلك قوله تعالى: (وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً) (مريم: 46).

وقوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر: 5)...

فهي حث على القيام بجميع أنواع المفارقة وبالأوجه كلِّها.

وقوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (الفرقان: 30)، فهي شاملة للهجر باللسان وذلك بعدم القراءة، وبالقلب بعدم التفكُّر والتذكُّر والتدبُّر والتعقُّل والتلاوة والترتيل، وشاملة لهجر الألفاظ وهجر المعاني.

ولعل لنا أن نستخلص من كل ما تقدم: أنَّ الأمَّة في وقتها الحالي وإن أكثرت من قراءة القرآن وطباعته ومدارسة تفسيره وقراءته وخصّصت المحطات القرآنيَّة والفضائيّات لترديد آياته، فإنَّها في حالة هجر للقرآن الكريم من حيث العمل به، وتدبُّر معانيه ودلالاته، ومعرفة المراد به وبناء الحياة بمقتضاه وإن انشغلت ألسنتها وأسماعها به. فذلك لا يخرجها من الاتصاف بحالة الهجر. ولن تخرج من ذلك حتى تصبح صلتها به ألفاظاً ومعاني وتأويلاً وتطبيقاً ومعايشة كاملة، فزوال وجه من أوجه الهجر لا يخرجها من صفة الهجر. وهجر القرآن خطيئة كبيرة وخطأ عظيم ما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يقع فيه.

إذا تبين هذا فلابد لنا من تتبع مظاهر الهجر لنعرف كيف نتجاوزها، وكيف نتخلص منها، وكيف ننقذ أنفسنا من الوقوع بين أولئك الذين اتخذوا هذا القرآن مهجوراً.


يتبع