مذكرات مديرة مدرسة

الطالبات والمعلمات

سيارة وأربعة وجوه!!


كانت سيارة عواد تنطلق بهدوء على الدائري السريع قبل صلاة الفجر بساعة .. وفيها عواد الموظف على بند الأجر اليومي في إدارة التعليم بقريتنا ومعه شقيقته جواهر الموظفة في مدرستي .. بعد تعب وشقاء وفصل متكرر من المدارس الأهلية والشركات أضطر هذان الاثنان للعمل في قريتنا الصغيرة!!
كانت جواهر تنظر عبر نقابها الأنيق إلى الطريق نظرتها الحالمة الحبيبة وفي المقعد الخلفي تنام ابنتيها التؤم رنا ورغد
رنت نغمة رسالة في هاتف جواهر بنغمته المميزة فجر هذا اليوم:
وعندما فتحتها كانت الرسالة تقول:


تروحين و تجين أنتِ وكل الورد يتنثر!!!


على حد الهوى تمشين


............. والآمال تتكسر!!!!


غريبة يا منى عيوني


.......... غريبة لو تفارقنا!!!


غريبة كيف نتلاقى؟؟؟؟؟؟؟


......... ويبقى صمتنا يكبر؟؟؟؟؟؟؟؟؟

كانت الرسالة من رقم غير مسجل لديها وكثيراً ما تأتيها هذه الرسائل من الأرقام الغريبة وكانت تعرف أنها ( إما من ركان طليقها السابق العاشق الذي أحفى قدميه لإعادتها بلا جدوى ........ أو فهد أبن عمها الذي يخطبها في كل عام بلا يأس )
وفي كلا الحالتين هي تمسح الرسالة .. ولكنها لا تنسى أمرها!!
تبقى هذه الرسالة كقطرة مطر ندية ترفع من معنويات جواهر الجافة التي قتلها الطلاق وخنق أحلامها..
أن جواهر لا تقبل أن ترد على هذه الرسائل وإن كانت من زوجها السابق خوفاً على كرامة عواد ..شقيقها الحبيب المخلص الذي يشرح لها باستمرار
( غاليتي جواهر
.. إن المرأة التي تعطي الرجل مجالاً ليكلمها في الخفاء وإن كان طليقها ..
فإنها تهين أخوتها. ونفسها .
وتترك نفسها ضحية له أكثر وأكثر
فالرجل-يستهين بالمرأة حين يفاوضها-لوحدهما- فيعرض عليها عروض مزرية ويضيع حقوقها.
184
19K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الملايين
الملايين
صدقيني أن ركان طليقك عندما تحدثتي معه بعد الطلاق لوحدكما – بدون علمنا - تجرأ على مفاوضتك طالباً أن يعيدك إلى بيت والده وبدون أن يؤمن لك أي من حقوقك ولكن عندما أغلقت طرق الحديث
وغيرتي رقم جوالك جاء لبيتنا وقد حمل نفسه بالعروض والمغريات:
(شقة.مستقلة ..
خادمة خاصة.......
كل ما تريدين وما تطلبين)
فقط لأنه لا يجرأ أن يقول لنا كرجال أريد أن أعيد زوجتي بعد تلك الأخطاء الفادحة بلا مميزات !!..........
الملايين
الملايين
عواد..........
ليس فقط شقيق جواهر فهو أيضاً (واسطتنا ) في إدارة التعليم
كثيراً ما توسط لمدرستنا في إدارة التعليم لإصلاح مكيف عطلان أو تغيير أثاث قديم أو توفير أوراق وحبر لآلة التصوير .... وسواها .( وما أجمل فزعة عواد).......
ابتسمت جواهر وهي تنظر إلى الطريق الطويل المظلم والتفتت لعواد: هه .. هل أصبح مديرك متسامحاً معك بعد أن قمت بتصميم عروض الفلاش التي نالت إعجاب الجميع!!؟

ضحك عواد : لا تطمعي بالكثير من رجلً حقير!!

ثم عبس وجهه المرهق قليلاً وقال: كل شيء يصبح ضدي في هذه الحياة بشكل لا يصدق كل شيء.

- أعوذ بالله يا عواد ماذا تقول ؟

- أمس اتصل بي عزام وحماد عبر الهاتف الداخلي في إدارة التعليم ودعاني لتناول الشاي في غرفتهم وطبعاً جميع الموظفين الإداريين هناك هم شباب جامعيين على بند الأجر اليومي ..





- أها


- نزلت وعند دخولي إلى الغرفة شاهدت حماد يتفاوض مع البنغلاديشي (القهوجي) ويقول: (شمس سلفني مئة إلى يوم الأحد- أي يوم نزول الرواتب)


- فرده البنقالي قائلاً (همّاد جيب كمسين انت تسلفتها أول بعدين أنا يعطيك مية )


قالت جواهر مغتاظة:
- يااااااه يا عواد ليتك أنت سلفته المئة ؟؟


تكلم عواد بعصبية:


- أقسم لك يا جواهر أنني لا أملكها والله لو امتلكتها ..لأعطيت حمًاد... لا يوجد ولا قرش في جيبي....ولكن البنقالي وافق أخيراً على

إعطاءه المائة – ثم واصل عواد - أقسم يا جواهر عندما فتح البنجلاديشي محفظته شاهدت الأموال وقد اختلطت المئات والعشرات والخمسينات وأنا والله العظيم لا أملك ولا قرش لا في محفظتي ولا في جيبي ولا في البيت كله

.. وشعرت بالقهر من أجل حماد فقلت له : لماذا تستلف منه!! لماذا تستلف من البنجلاديشي!! .... سكت ثم قال: ليست لي .. أريد أن اشتري علاج لأمي (داء الشقيقة أربع حبات ب99 ) لا يوجد هذا الدواء في المستشفيات الحكومية .
فقالت جواهر وعيناها تتطلعان إلى الطريق وظلام الليل يلف المكان : الحمد لله


نظر إليها عواد نظرة متسائلة فأكملت :

- الحمد لله يا عواد أن المستشفيات الحكومية فيها أدوية مجانية للأمراض الخطيرة مثل السكري والفشل الكلوي والضغط ...وإلا فإن الفقراء مثل أم حماد سيضطرون للسرقة!!

- جواهر كم أنتِ إيجابية!! أنني أشعر بالقهر مما حدث لحمّاد كيف قلبتِ الموضوع السلبي إلى فكرة إيجابية هكذا أنتي ساحرة!!

- ههههههههههههههههههههههههههههههههه
الملايين
الملايين
ههههههههههههههههههههههههههههههههه
- شر البلية ما يضحك!!


- اسكت لقد أيقظت الصغيرتان!!

- هه جواهر أريدك أن تأخذي هذه البرقية إلى معلمة اللغة العربية في مدرستكم حتى تصححها لنا لغوياً.

- ألازلت يا عواد تضيع أموالك في إرسال البرقيات إلى المسئولين طلباً للتثبيت على وظيفة رسمية ..الم تمل؟؟؟؟

- ماذا تريديني أن أصنع!!

- أسمح لي إن لهجة برقياتك لهجة (شحاذة) لهجة (ذل ) صدقني المسئولين الكبار لا يتعاطفون مع هذه اللهجة بل يحتقرون صاحبها ..ولا يعطونه قيمة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ما دمت تتسوّل حقوقك تسولاً لن تحصل عليها لأن السائل قد لا يحصل إلا على النهر والزجر....لكن عندما تشعر أنك صاحب حق........وتطالب بحقك!!....ستحصل عليه........

- طالبي بحقك يا صاحبة الحق أنتي!!- رد عليها ساخراً!!-

- والله العظيم أنني لا أحب الاختلاط بالرجال ولا محادثتهم وإلا لو كنت أنا الرجل لأريتك ما أصنع!!

- جواهر

- هلا ........عواد

- لاشيء.


سارت السيارة وبدأ الظلام يتزايد إيذاناً ......... باقتراب الفجر
الملايين
الملايين
وقت السحر



كانت الساعة الرابعة صباحاً وقد دخلت إلى غرفتي لأصلي صلاة الشفع والوتر والتي تمنيت كثيراً أن أصليها في الثلث الأخير من الليل ولكن النوم يغالبني وفي هذا اليوم قررت أن أصليها في الوقت المحدد



ما أن استقبلت القبلة حتى رن هاتفي الجوال والتقطت السماعة . ورددت بسرعة إنها (الخالة نهلة ) نهلة خريجة كلية التربية

. وعمرها لا يزيد عن الرابعة والثلاثين.


ولكن .استحالة وجود وظيفة لها أو لزوجها (عم أبو دواس) في مجمعنا القروي اضطرتهما للعمل (بواب وفراشة ) في مدرستنا وعلى بند الأجر اليومي أيضاً حيث يحتسب الراتب عن أيام الدوام فقط!!


فقد أصبحت الوظائف الرسمية , في السنوات الأخيرة من المستحيلات الثلاث كالغول والعنقاء والخل الوفي .
قالت لي نهلة بصوت متهجد: أستاذة غالية ...
لقد حصل حادث لزوجي أنا وهو في مستشفى (الديرة) و اتصلت بعمي وسيأتي حالاً ,كان صوتها يرتعش وهي تبكي بقهر ودلال:
قلت لها هدئي روعك وصلي ليحفظه الله .... متى حصل الحادث؟



قالت: منذ الساعة الثانية ظهراً اصطدمنا بحافلة تنقل معلمات وتوفيت كل المعلمات ال16
وسائقهن ونقل زوجي إلى المستشفى .......في حالة حرجة .
منذ التاسعة وهو في غرفة العمليات أنني اشعر أن هذه أطول سبع ساعات في حياتي
ادعي لنا يا غاليتنا ... ادعي لنا


.. هدأت من روعها ووعدتها خيراً .
الملايين
الملايين
صباح الأحد..


شاهدت الطالبة النحيلة الشقراء (موزة ) وهي تحمل حقيبتها وتدلف إلى فناء مدرستنا الصغيرة


هي طالبة ضعيفة قد أعادت السنة لضعف مستواها في الرياضيات واللغة العربية


أمسكت بها من كتفها وداعبت غرة شعرها الناعمة ثم قلت لها وأنا مدعية الجدية فيما أقول:


-موزة


- نعم يا أبله!!


- لماذا تغيبت عن المدرسة بالأمس؟؟؟


- لقد ذهبت مع أبي إلى العاصمة ( اصطحبني معه حتى أقرأ له اللوحات) في الطريق!!
شعرت بالإشفاق علي والدها المسكين الذي قرأت له هذه البليدة اللوحات لابد أنها أوصلته إلى العراق !!