سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "مكانة العلماء"، والتي تحدَّث فيها عن أهل العلم ومكانتهم وقدرهم، وتعظيمهم في نصوص الكتاب والسنَّة، مُبيِّنًا ما يجبُ على كل مُسلمٍ تجاههم من الاحترام والتوقير والرجوع إلى أقوالهم، مع بيان أنهم بشرٌ يُصيبُون ويُخطِئون وأن من يحكم على صوابِهم وخطأهم هم أمثالُهم ونُظراؤُهم وليس كل أحدٍ، وأوردَ العديدَ من الآثار وأقوال أهل العلم الدالَّة على فضلهم وحُرمة الوقيعة فيهم.
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خطورة الاعتداء على الميراث"، والتي تحدَّث فيها عن تحريم أكل مال الميراث، وخطورة ذلك، لاسيَّما من حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكل مالِهما: اليتيم والمرأة، مُبيِّنًا شناعةَ هذا الفعل وعقوبتَه في الآخرة.
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
الجليس الصالح والجليس السوء


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:


فإن الجليس له تأثير مباشر على جليسه، فإما أن يكون صالحاً مصلحاً فيؤثر على صاحبه إيجاباً فيكون صالحاً مثله، وإما أن يكون فاسداً مفسداً فيؤثر سلباً على صاحبه فيفسده، وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة تدل على ذلك، وسنأخذ واحداً من تلك النصوص، نبدأ بذكر نص الحديث، ثم بيان معناه الإجمالي، ثم شرحه، ثم ذكر بعض الفوائد المستفادة منها:


نص الحديث:


عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة)1.


شرح الحديث وبيان غريبه:


قوله: (الجليس) الجليس على وزن فعيل هو الذي يجالس الرجل2.


قوله: (حامل المسك) شبه الصلاح بالمسك لطيب ريحه، وعزة وجوده، وقوة رغبته.


قوله: (نافخ الكير) شبه السوء بالكير؛ لأنه لا يصلح إلا لإضرام النار وزيادة تسعيرها.


قوله: (فحامل المسك إما أن يحذيك) أي يجود عليك من مسكه.


قوله: (وإما أن تبتاع منه) أي تشتري.


قوله: (وإما أن تجد منه ريحا طيبة) لإرشاده للهدى والتقى إلى أن يشفعوا في الآخرة بمجالستهم ومحبتهم ومواساتهم.


قوله: (ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك) أي إما أن تتابعه في شيء من سوئه فيلهب دينك وحسناتك بنار المعصية.


قوله: (وإما أن تجد منه ريحا خبيثة) أي إن لم تتابعه تتضرر بكآبة جهله وفحشه وفسقه، ولو بمجرد مجالسته إذا اتخذته خليل3.


المعنى الإجمالي:


جليسك الصالح هو الذي: "يأمرك بالخير، وينهاك عن الشر، ويسمعك العلم النافع، والقول الصادق، والحكمة البالغة، ويبصرك آلاء الله، ويعرفك عيوب نفسك، ويشغلك عما لا يعنيك، وإذا ذكرت ملكاً أو صاحب دنيا رفع قدرك، وأعلى منزلتك، وسد خلتك، ثم لا تحتاج بعد الله إلى سواه، وإن ذكرته بالله طمع في ثوابه، وستعد بالصالحات للقائه، وإن خوفته عذاب الله وعاقبة الظالمين، ومصارع الجبارين، كف عن الإساءة، وترك الظلم وهو قادر عليه، واستغفر لذنبه، وامتنع عن الشر وهو ميال إليه، ورعيته كلهم راضون عنه، ومحبون له، إذا دخلوا عليه أكرمهم، وإذا خرجوا من عنده سأل عنهم، وفكر فيما يعود بالخير عليهم، وزيره وأميره وحاجبه وخادمه وسائر حاشيته، ومن في ولايته جميعهم صالحون، ولربهم عابدون، ولمليكهم طائعون مخلصون، والناس على دين ملوكهم، وإذا صلح الراعي صلحت الرعية، وكان الخلفاء الراشدون إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً".


جليسك الصالح: " يسد خلتك ويغفر زلتك، ويقيل عثرتك، ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثك عليه، ورغبك فيه، وبشرك بعاقبة المتقين، وأجر العاملين، وقام فيه معك، وكان لك عوناً عليه؛ وإذا تكلمت سوءًا أو فعلت قبيحاً وجرك عنه، ومنعك منه، وحال بينك وبين ما تريد وطهر قلبك من الخبث، ولسانك من الفحش، وقال لك: أعرض عن هذا، واستغفر لذنبك إن كنت من الخاطئين، وصالح إخوانك لا يمل قربك، ولا ينساك على البعد، يسرك إذا حضرت بحديثه، ويرضيك بأفعاله، ويشهد مجالس العلم، وحلق الذكر، وبيوت العبادة، ويزين لك الطاعة بالصلاة والصيام والحج والإنفاق في سبيل الله، وكف الأذى، واحتمال المشقة، وحسن الجوار، وجميل المعاشرة، ويقبح لك المعصية، ويذكر ما بفلان الذي شقي بعد السعادة، وذل بعد العزة، وافتقر بعد الغنى، ومرض بعد العافية؛ لأنه كان يصرف الأموال في الفساد، ويستعين بسلطانه على الظلم والاستبداد، وكان صحيحاً قوياً وشاباً فتياً، فشرب الخمر وزنى ولاط، فاحترقت كبده، وتمزقت رئتاه، وأصيب بالسيلان والجذام-والأسقام-، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى".


فلا يزال جليسك الصالح: " ينفعك ويزجرك، ويردعك حتى يكون كبائع المسك وأنت المشتري، ولصلاحه لا يبيع عليك إلا طيباً، ولا يعطيك إلا جيداً، ولا يأخذ منك إلا ثمناً قليلاً، وإن أبيت الشراء، وامتنعت من الأخذ طيبك بيديه، وصب عليك العطر، فلا تمر بشارع، ولا تسلك طريقاً إلى وعبق منك الطيب، وملأت به المعاطس والأنوف، فتعود إليه مشترياً، أو ليحذيك بعطره ومسكه وعنبره وهكذا".


أولئك الجلساء: "هم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، تنزل عليهم الرحمة فيشاركهم فيها، ويهم ?الواحد منهم -بالسوء فلا يقوله، ولا يستطيع فعله، إما مخافة من الله، وإما حياء منهم".


وأما قرين السوء فإنك إن لم تشاركه في إساءته، أخذت بنصيب لحفظ كرامتك من أن يمزقها، أو يسمعك عن نفسك، وفلان الآخر ما لا تحب، وأنت لا تبدي ولا تعيد، وإن رضيت بصنيعه فهو كنافخ الكير على الفحم الخبيث، وأنت جليسه القريب منه يحرق بدنك وثيابك، ويملأ أنفك بالروائح الكريهة، وأنت وإياه في الإثم سواء، ومن أعان على معصية ولو بشطر كلمة كان شريكاً فيها، والسكوت على الشيء رضا به".


وقد يكون جليس السوء فاجراً قوياً لا تستطيع نهيه عن المنكر، ولا تقدر على مراجعته، فخير لك الابتعاد عنه لئلا تكون في معصيتين: السكوت على الباطل، ومرافقة أهله.


وفي مجالس الشر تقع الغيبة والنميمة والكذب واللعن، وكل كلام فاحش، ويقع اللهو والطرب، وممالأة الفساق ومجاراتهم على الإسراف في الإنفاق، والخوض في الباطل: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}4. سورة الأنعام(68).


ملازمة الجليس الصالح والبعد عن الجليس السوء:


لقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بالحث على ملازمة الجلساء الصالحين، والتحذير من الجلساء الفاسدين؛ وذلك لما للرفقة السيئة من عواقب وخيمة؛ وأخطار جسيمة؛ فهذا أبو طالب لما كان جليسه ورفيقه أبا جهل أوقعه في الردى، وصده عن الدخول في دين الله؛ فعن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب: (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله5.. فتأمل كيف أثر هذان الجليسان على جليسهما وقرينهما الثالث؛ فصداه عن قول كلمة التوحيد التي لو قالها لحاجَّ له بها النبي-صلى الله عليه وسلم- عند ربه..


والجليس السوء لا يخلو عن أحد أمرين كما جاء بيانه في الحديث إما: أن يحرق ثياب دينك، وإما أن ينشر صيتك بالسوء والقبح؛ كما في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قوله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله)6؛ لأن المجاورة مؤثرة، والأخلاق سارية، قال علي-رضي الله عنه-: "الصحبة سارية والطبيعة سارقة"، وقال أبو حاتم البستي-رحمه الله-: "العاقل يلزم صحبة الأخيار، ويفارق صحبة الأشرار؛ لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها، وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبا فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشر".


وأنشد محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي:


عليك بإخوان الثقات فإنهم *** قليل فصلهم دون من كنت تصحب


ونفسك أكرمها وصنها فإنها *** متى ما تجالس سفلة الناس تغضب


قال مالك بن دينار: "إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الخبيص مع الفجار".


وقال أبو حاتم البستي: "العاقل لا يدنس عرضه، ولا يعود نفسه أسباب الشر بلزوم صحبة الأشرار، ولا يغضي عن صيانة عرضه ورياضة نفسه بصحبة الأخيار على أن الناس عند الخبرة يتبين منهم أشياء ضد الظاهر منها".


وقال أيضاً: "العاقل لا يصاحب الأشرار؛ لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تعقب الضغائن، لا يستقيم وده، ولا يفي بعهده، وإن من سعادة المرء خصالاً أربعاً: أن تكون زوجته موافقة، وولده أبرارا، وإخوانه صالحين، وأن يكون رزقه في بلده، وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيراً تكون مجالسة الكلب خيراً من عشرته، ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم"..


وقد شبه صحبة الأشرار بما قاله منصور بن محمد الكريزي:


فلو كان منه الخير إذ كان شره *** عتيدا ضربت الخير يوما مع الشر


ولو كان لا خيرا ولا شر عنده *** رضيت لعمري بالكفاف مع الأجر


ولكنه شـر ولا خـير عنده *** وليس على شر إذا طال من صبر


وقال أبو حاتم أيضاً: "الواجب على العاقل أن يستعيذ بالله من صحبة من إذا ذكر الله لم يعنه، وإن نسي لم يذكره، وإن غفل حرضه على ترك الذكر، ومن كان أصدقاؤه أشراراً كان هو شرهم، وكما أن الخير لا يصحب إلا البررة؛ كذلك الردى لا يصحب إلا الفجرة، فإن المرء إذا اضطره الأمر فليصحب أهل المروءات"..


قال الشاعر:


أُبلُ الرجال إذا أردت إخاءهم*** وتوسمن أمورهم وتفقـد


فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى *** فبه اليدين قرير عين فاشدد


ومتى يـزل ولا محالة زلة *** فعلى أخيك بفضل رأيك فاردد


وإذا الخنا نقض الحبى في موضع *** ورأيت أهل الطيش قاموا فأقعد


وقال أبو حاتم البستي أيضاً: "العاقل لا يصادق المتلون، ولا يؤاخي المتقلب، ولا يظهر من الوداد إلا مثل ما يضمر، ولا يضمر إلا فوق ما يظهر، ولا يكون في النوائب عند القيام بها إلا ككونه قبل إحداثها والدخول فيها؛ لأنه لا يحمد من الإخاء ما لم يكن كذلك".


وقد أنشد رجل من خزاعة:


وليس أخي من ودني بلسانه *** ولكن أخي من ودني في النوائب


ومن ماله مالي إذا كنت معدما *** ومالي له إن عض دهر بغارب


فلا تحمدن عند الرخاء مؤاخيا *** فقد تنكر الإخوان عند المصائب


وما هو إلا كيف أنت ومرحبا *** وبالبيض رواغ كروغ الثعالب7.


وقال علقمة العطاردي لابنه: "اصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها..".


وقد قيل: "لا تصحب من الناس إلا من يكتم ويستر عيبك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك في الرغائب، وينشر حسنتك ويطوي سيئتك، فإن لم تجده لا تصاحب إلا نفسك".


وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه-: (لا تصاحب إلا مؤمناً)8، وكامل الإيمان أولى؛ لأن الطباع سراقة، ومن ثمة قيل: صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا.


وقال الشافعي: "ليس أحد إلا له محب ومبغض، فإذن لا مخلص من ذلك فليكن المرجع إلى أهل الطاعة". وقال التستري: "احذر صحبة ثلاثة: الجبابرة الغافلين، والقراء المداهنين، والصوفية الجاهلين"، أي الذين قنعوا بظاهر النسبة، وتحلوا للناس بالزهد والتعبد، وهؤلاء على الناس فتنة وبلاء، قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "قطع ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك؛ فعليك بامتحان من أردت صحبته لا لكشف عورة، بل لمعرفة الحق"9.


بعض الفوائد المستفادة من الحديث:


1. فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.


2. طهارة المسك واستحبابه، وجواز بيعه، وقد أجمع العلماء على جميع هذا، ولم يخالف فيه من يعتد به، ونقل عن الشيعة نجاسته، والشيعة لا يعتد بهم في الإجماع، ومن الدلائل على طهارته الإجماع وهذا الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (وإما أن تبتاع منه)، والنجس لا يصح بيعه؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمله في بدنه ورأسه، ويصلي به، ويخبر أنه أطيب الطيب، لم يزل المسلمون على استعماله وجواز بيعه، قال القاضي: "وما روي من كراهة العمرين له فليس فيه نص منهما على نجاسته، ولا صحت الرواية عنهما بالكراهة، بل صحت قسمة عمر بن الخطاب المسك على نساء المسلمين، والمعروف عن ابن عمر استعماله10.


3. ضرب المثل والعمل في الحكم بالأشباه والنظائر11.


4. فيه دليل على إباحة المقايسات في الدين قاله ابن حبان عند ذكر هذا الحديث12. ومعنى المقايسات أي القياس..


وغير ذلك من الفوائد في هذا الحديث، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
أبيات عن الصحبة والصداقة


قال الشاعر:


تكثّر من الإخوان ما استطعت أنّهم *** بطونٌ إذا استنجدتهم وظـهـور
وليس كثيراً ألف خلًّ وصـاحـبٍ *** وإن عـدواً واحـداً لـكـثـير
فإن الـداء أكـثـر مـا تـراه *** يكون من الطّعام أو الشـراب
وإنّك قلّما اسـتـكـثـرت إلاّ *** وقعت على ذئابٍ فـي ثـياب
فدع عنك الكثير فكـم كـثـيرٍ *** يعاب وكم قليلٍ مسـتـطـاب



وأنشد الإمام أحمد بن يحيى رحمه الله:
من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه *** وأخو الحوائج وجهه مبذول
وأخوك مَنْ وفَّرْتَ ما في كيسـه *** فـإذا استعنت به فأنت ثقيل


وقال آخر:


تجنب صديق السوء واصرم حباله *** وإن لم تجد عنه محيصاً فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه *** تنل منه صفو الود ما لم تماره





وقال الخوارزمي :


لا تصحب الكسلان في حاجاتـه *** كم صالحٍ بفساد آخـر يفـسـد
عدوي البليد إلى الجليد سـريعةٌ *** والجمر يوضع في الرماد فيخمد





وقال صالح بن جناح :
وصاحب إذا صاحبت حراً مبرّزا *** يزين ويزرى بالفتى قـرنـاؤه



وقال منصور بن محمد الكريزي :


أغمض عيني عن صديقي كأنني *** لديه بما يأتي من القبح جاهل
وما بي جهل غير أن خليقتي *** تطيق احتمال الكره فيما أحاول
متى ما يريني مفصل فقطعته *** بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ولكن أداريه وإن صح شدني *** فإن هو أعيا كان فيه تحامل



وَقَالَ الشَّاعِرُ:


إذَا مَا حَالَ عَهْدُ أَخِيك يَوْمًا *** وَحَادَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ
فَلاَ تَعْجَلْ بِلَوْمِك وَاسْتَدِمْهُ *** فَإِنَّ أَخَا الْحِفَاظِ الْمُسْتَدِيمُ
فَإِنْ تَكُ زَلَّةٌ مِنْهُ وَإلا *** فَلاَ تَبْعُدْ عَنْ الْخُلُقِ الْكَرِيمِ





قال علي رضي الله عنه :


فلا تصحب أخا *** الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى *** حليمـاً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه
و للشيء من الشيء *** مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب *** دليل حين يلقاه





وقال آخر:


عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكلّ قرينٍ بالمقارن مـقـتـدى






وقال آخر:


إذا ما بدت من صاحب لك زلة *** فكن أنت محتالاً لزلتـه عذراً
أحب الفتى ينفي الفواحشَ سمعُه *** كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسط أذى *** ولا مانع خيراً ، ولا قائل هجرا





وقال آخر:


وما بقيت من اللذات إلا *** محادثة الرجال ذوى العقول
وقد كنا نعدهم قليلاً *** فقد صاروا أقل من القليل





وقال آخر:


بلوت الناس قرناً بعد قرن *** فلم أر غير خيال وقال
ولم أر في الخطوب أشد وقعاً *** وأمضي من معاداة الرجال
وذقت مرارة الأشياء طراً *** فما شيء أمر من السؤال






وقال آخر:


وكنت إذا الصديق أراد غيظي *** وشرقني على ظمأٍ بريقي
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي *** مخافة أن أعيش بلا صديق






وقال آخر:


إذا لم أجــد خلاً تقياً يؤانســني *** فوحدتي خيرٌ وأشهى من غويٌ أعاشره
وأجلـــس وحدي للعبادة آمناً *** أقرَّ لعيني من جلــــيسٌ أحاذره






وقال آخر:


إذا ما أتت من صاحب لك زلة *** فكن أنت محتالاً لزلته عذرا






وقال آخر:


إن أخا الصدق من يسعي معك *** ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك *** شتت فيك شمله ليجمعك






وقال آخر:


وليس أخي من ودني بلسانه *** ولكن أخي من ودني وهو غائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدماً *** ومالي لــه إن أعوزته النوائب






وقال أبو تمام:


من لي بإنسان إذا أغضبته *** وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من *** أخلاقه وســكرت من آدابه
وتراه يصغي للحديث بطرفه *** وبقلبه ولعله أدري به






وقال آخر:


فإذا ظفرتَ بذي الوفـــ *** ــاء فحُط رحلكَ في رِحابهْ
فأخوك مَن إن غـاب عنـ *** ـك رعى ودادك في غيابهْ
وإذا أصابك ما يســوءُ *** رأى مصابكَ من مصابهْ
ونراه يَيْجَعُ إن شكوتَ *** كأن ما بك بعض ما بهْ






وقال عبدالله بن المبارك:
وإذا صاحبت فاصحب ماجدا ذا حياء وعفاف وكرم
قوله للشيء: لا، إن قلت لا *** وإذا قلت: نعم قال: نعم






وقال آخر:


أنت في الناس تـقاس *** بالذي اخترت خليلاً
فاصحب الأخيار تعلو *** وتـنل ذكراً جميلاً





وقال آخر:


( ومن لم يغمض عينه عن صديقه *** وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب






وقال آخر:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً *** صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صـل أخاك فإنـه *** مقـارف ذنـبٍ مرةً ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى *** ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه






وقال آخر:


نافس، إذا نافست في حكمة *** آخ، إذا آخيت ، أهل التـقى
ما خير من لا يرتجي نفعه *** يوماً، ولا يؤمن منه الأذى






وقال آخر:


ومن يكن الغراب له دليلا *** يمر به على جيف الكلاب






وقال آخر:


فما كثر الأصحاب حين نعدهم *** ولكنهم في النائبات قليل






وقال آخر:


خليلي جربت الزمان وأهله *** فما نالني منهم سوى الهم والعنا
وعاشرت أبناء الزمان فلم أجد *** خليلاً يوفي بالعهود ولا أنا





وقال آخر:


إذا كنت في قومٍ فاصحب خيارهم *** ولا تصحب الاردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قرينٍ بالمقــــــارن يقتدي






وقال آخر:


واحذر مؤاخــــاة الدنيء لأنه *** يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً *** إن القرين إلى المقارن يُنســب






وقال آخر:


مجالسـة السفيه سفاه رأيٍ *** ومن عقلٍ مجالسة الحكيـم
فإنـك والقرين معاً سواءٌ *** كما قُدَّ الأديمُ من الأديـمِ






وقال الشافعي:


إذا المرء لم يرعـاك إلا تكلفــا *** فدعه ولا تـكثر عليه التأسفــا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة *** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهـواك قلبـه *** ولا كل من صافـيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعــة *** فلا خـير في ود يجيء تكلـفـا
ولا خـير في خـل يخـون خليله *** ويلقاه من بعد الـمودة بالجفــا
وينكر عيشاً قد تقـادم عهــده *** ويظهر سراً كان بالأمس قد خفـا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بهـا *** صديق صدوق صادق الوعد منصفا





يقول الشاعر:


مازح صديقك إن أراد مزاحا *** فإذا أباه فلا تزده جماحا
فلربما مزح الصــديق بمزحةٍ *** كانت لبدء عداوةٍ مفتاحا






يقول المتنبي:


شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ *** وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ






يقول المتنبي:


وَحيدٌ مِنَ الخُلانِ في كُلِّ بَلدَةٍ *** إِذا عَظُمَ المَطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ






يقول سليمان بن عبد العزيز الشقحاء:


أضاحك الصحب مسروراً برؤيتهم *** لا حبذا كل خل غيــر مبتسـم






يقول المتنبي:


فليت هوى الأحبة كان عدلاً *** فحمل كل قلبٍ ما أطاقا





ويقول أيضاً:


لولا مفارقة الأحباب ما وجدت *** لها المنايا إلى أرواحنا سبلا






ويقول أيضاً:


كفى بك داءً أن يكون الموت شافيا *** وحسب المنايا أن يكن أمانيا






ويقول أيضاً:


أما في هذه الدنيا كريم *** تزول به عن النفس الهموم





ويقول أيضاً:


أما تغلط الأيام في بأن أرى *** صديقاً تباعد أو عدواً تقرب






ويقول أيضاً:


ومن العداوة ما ينالك نفعُهُ *** ومن الصداقة ما يضر ويؤلمُ





قال الامام الشافعي رحمه الله:


إذا المرء لم يرعـاك إلا تكلفــا *** فدعه ولا تـكثر عليه التأسفــا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة *** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهـواك قلبـه *** ولا كل من صافـيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعــة *** فلا خـير في ود يجيء تكلـفـا
ولا خـير في خـل يخـون خليله *** ويلقاه من بعد الـمودة بالجفــا
وينكر عيشاً قد تقـادم عهــده *** ويظهر سراً كان بالأمس قد خفـا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بهـا *** صديق صدوق صادق الوعد منصفا



منقول