سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
موقع الاسلام سؤال وجواب






الحمد لله
الغضب نزغة من نزغات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب مالا يعلمه إلا الله ، ولذلك جاء في الشريعة ذكرُ واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحدّ من آثاره ، فمن ذلك :


1- الاستعاذة بالله من الشيطان :


عن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه واتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد رواه البخاري ، الفتح 6/337 ومسلم/2610 .


وقال صلى الله عليه وسلم : إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه صحيح الجامع الصغير رقم 695 .


2- السكوت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الإمام أحمد المسند 1/329 وفي صحيح الجامع 693 ، 4027 .


وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم - يجلب له عداوة الآخرين . فبالجملة : السكوت هو الحل لتلافي كل ذلك .


3- السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .


وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه ، حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال : أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقّه أي كسره أو حطّمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض .


، وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له : يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث بقصته في مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع رقم 694 .


وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوضٍ فأغضبه رجل فقعد .... فيض القدير ، المناوي 1/408 .


ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل - كما سيرد بعد قليل - وربما أتلف مالاً ونحوه ، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران ، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية . قال العلامة الخطابي - رحمه الله - في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيء للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد . والله أعلم سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 .


4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب . فردّد ذلك مراراً ، قال لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/456 .


وفي رواية قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله مسند أحمد 5/373 .


5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح : صحيح الجامع 7374 . وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465 .


إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب ، ومما ورد من الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176 .


وأجر عظيم آخر في قوله عليه الصلاة والسلام : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ماشاء رواه أبو داود 4777 وغيره ، وحسنّه في صحيح الجامع 6518 .


6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه .


وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة . قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) رواه الإمام أحمد 5/367 ، وحسنه في صحيح الجامع 3859 .


وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضّح هذا الأمر ، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعون ، فقال : ماهذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجلٌ ظلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن . الفتح 10/519 .


7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :


وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم ( ما بين العنق والكتف ) وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء متفق عليه فتح الباري 10/375 .. ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله ، وإذا انتهكت محارم الله ، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته ، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح ، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت ، وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ، وغير ذلك . فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله .


8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين :


وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض ، ومن صفاتهم أنهم : { ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ماتشرئبّ الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : { إذا ما غضبوا هم يغفرون } .


9- التذكر عند التذكير :


الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس ، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب ، لكن الصدّيقين إذا غضبوا فذكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده ، وهذا مثالهم .


عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ( العطاء الكثير ) ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همّ أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، ( وكان من جلساء عمر ) : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه ، صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 4/304 . فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري فتح 1/465 . نعوذ بالله من الخذلان .


10- معرفة مساوئ الغضب :


وهي كثيرة ، مجملها الإضرار بالنفس والآخرين ، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل ، وهذه قصة فيها عبرة : عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدّثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة ( حبل مضفور ) فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقتلته ؟ قال : نعم قتلته . قال : كيف قتلته ؟ قال : كنت أنا وهو نختبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته ... إلى آخر القصة رواه مسلم في صحيحه 1307 ترتيب عبد الباقي .


وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح ، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه ، فربما مزق ثوبه ، أو لطم خده ، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه ، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع .


ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق . واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .


فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المرّ ، وكله بسبب الغضب . ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسارة .


وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلّط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكته مميتة أو مرض السكري وغيره . نسأل الله العافية .


11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب .


لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرآة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان .


الدعاء :


هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة ، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب ، ولأن من الثلاث المنجيات : العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بعد القضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرّ ة ولا فتنة مضلّة الله زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين .


والحمد لله رب العالمين
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من التلوُّن والنفاق"، والتي تحدَّث فيها عن مسالِك مُنحرِفة، وطرائِق مُعوَجَّة، مُتمثِّلةً في التلوُّن والنِّفاق، مُحذِّرًا منها ومن أهلِها، كما بيَّن بعضَ الصفات الأخرى التي يتَّصِفون بها، ووجوب التصدِّي لهم بكل الوسائل والسُّبُل.
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
خطبة الحرم المدني





ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خيرُ الأعمال وأفضلُها"، والتي تحدَّث فيها عن الأفضل في المكان والزمان والقول والعمل؛ فذكرَ فضلَ مكة والمدينة والمسجد الأقصى، كما بيَّن فضلَ الشهور والأيام والليالي، ثم عرَّج على أفضل الأقوال والأعمال، في خطبةٍ شاملةٍ لكثيرٍ من فضائل الأعمال.
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
د. نايف بن أحمد الحمد



الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد : " فإن الغضب عدو العقل ، وهو له كالذئب للشاة قلَّ ما يتمكن منه إلا اغتاله "( ) , والغضب من الصفات التي ندر أن يسلم منه أحد بل تركه بالكلية صفة نقص لا كمال -كما سيأتي بيانه- " والغضب ينسي الحرمات ، ويدفن الحسنات ، ويخلق للبريء جنايات " ( ) وقد قيل :


وعين الرضا عن كل عيب كليلة : ولكن عين السخط تبدي المساويا( )
كما قيل : وعين البغض تبرز كل عيب : وعين الحب لا تجد العيوبا( )


وكثير منا لا يحسن الغضب إن غضب , ولم نرب أنفسنا وأولادنا كيف نغضب ولماذا نغضب وفي هذه الخاطرة جمعت ما يَسَّر الله - تعالى - جمعه من آيات ، وأحاديث , وحكم , وشعر , وغيرها مما يتعلق بهذا الموضوع سائلا المولى جل جلاله التوفيق والسداد .


تعريف الغضب
عَرَّف الغضبَ جمعٌ من علماء اللغة وغيرهم ، واختلفت العبارات ، واتفقت الثمرة فكلمة ( الغضب ) يدرك معناها الصغير ، والكبير بلا تكلف أو تعب فتوضيح الواضحات - كما يقال - من الفاضحات ، وقد يزيده غموضا وإشكالا قال المناوي ?رحمه الله تعالى ? " والغضب كيفية نفسانية وهو بديهي التصور "ا.هـ ( ) ومع ذلك لابد من ذكر شيء من ذلك :
قال القرطبي -رحمه الله تعالى- " والغضب في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة ؛ لشدتها , والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها " ا.هـ ( )
وقيل في معناه : تغيُّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي في الصدر .( )
وقيل : الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه .


أسباب الغضب :
بواعث الغضب ، وأسبابه كثيرة جدا ، والناس متفاوتون فيها ، فمنهم مَن يَغضب لأمر تافه لا يُغضب غيره وهكذا ، فمِن أسباب الغضب :


أولا : العُجب : فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين وذلك برده ودفعه فالعجب قرين الكِبْر وملازم له , والكِبْر من كبائر الذنوب فقد قال النبي ?صلى الله عليه وآله وسلم- ( لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كِبر ) ( ) وقال النبي ?صلى الله عليه وسلم- ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام )( ) وعن ابن عباس ?رضي الله عنهما ? مرفوعا ( المهلكات ثلاث إعجاب المرء بنفسه وشح مطاع وهوى متبع )( ). ولهذا فقد كان السلف يُحذرون من أسباب العُجب ، ولو لم تكن مباشرة فعن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أُبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدرة ، فقال : أنظر يا أمير المؤمنين ما تصنع ؟ فقال : "إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع" ( ).
وجاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى بن مريم -صلى الله عليهما وسلم- فقال : أخبرني بما يُقرِّب من رضا الله ، وما يُبعد من سخط الله ؟ فقال : " لا تغضب " . قال : الغضب ما يبدأه وما يعيده ؟ قال : " التعزز والحمية والكبرياء والعظمة " ( ).


ثانيا / المراء : قال عبد الله بن الحسين : " المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب " ا.هـ ( ) وللمراء آفات كثيرة منها : الغضب لهذا فقد نهى الشارع عنه قال النبي ?صلى الله عليه وآله وسلم ? ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا )( )


ثالثا : المزاح
إن المـزاح بدؤه حلاوة : لكنما آخـره عـداوة
يحتد منه الرجل الشريف : ويجتري بسخفه السخيف ( )
فتجد بعض المكثرين من المزاح يتجاوز الحد المشروع منه : إما بكلام لا فائدة منه ، أو بفعل مؤذ قد ينتج عنه ضرر بالغ ثم يزعم بعد ذلك أنه كان يمزح ؛ لذا قال النبي ?صلى الله عليه وسلم- ( لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادا ولا لاعبا ) ( )
وقال أبو هقان :
مازح صديقك ما أحب مزاحا : وتوق منه في المزاح مزاحا
فلربما مزح الصــديق بمزحة : كانت لباب عداوة مفتاحا
ذكر خالد بن صفوان المزاح فقال : يَصُكُّ أحدكم صاحبه بأشد من الجندل , ويُنشقه أحرق من الخردل , ويُفرغ عليه أحرَّ من المرجل ثم يقول : إنما كنت أمازحك .
قال محمود الوراق :
تَلََقَّى الفتى أخاه وخدنه : في لحن منطقه بما لا يُغتفر
ويقول كنت ممازحا وملاعبا : هيهات نارك في الحشا تتسعر
ألهبتها وطفقت تضحك لاهيـا : مما بـه وفؤاده يتـفطر
أو ما علمت ومثل جهلك يتقى : أن المزاح هو السباب الأكبر( )
وقال عمر بن عبد العزيز ?رحمه الله تعالى ? " إياك والمزاح فإنه يجر القبيح ويورث الضغينة "( )
واحذر ممازحة تعود عداوة : إن المزاح على مقدمة الغضب
وقال ميمون بن مهران ?رحمه الله تعالى- " إذا كان المزاح أمام الكلام كان آخره اللطم والشتام " .


رابعا : بذاءة اللسان وفحشه : بشتم أو سب أو تعيير مما يوغل الصدور , ويثير الغضب ، وقد قال النبي ?صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبغض الفاحش البذيء )( ) .
ومن أسباب الغضب أيضا : الغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه قال الغزالي -رحمه الله تعالى- " ومن أشد البواعث عليه عند أكثر الجهال : تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكِبر همة "ا.هـ( ).


أنواع الغضب :
الأول : الغضب المحمود : وهو ما كان لله ?تعالى- عندما تنتهك محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان قال تعالى عن موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه العجل ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) .
أما غضب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله ?تعالى- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل- ( ).
ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال : ( بهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم ) فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه .( ) ، وما أكثر ما تنتهك محارم الله تعالى في هذا الزمان علنا وسرا ، فكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا همَّ لها سوى نشر الرذيلة ، ومحاربة الفضيلة ، وإشاعة الفاحشة ، وبث الشبهات ، وتزيين المنكر ، وإنكار المعروف ، والاستهزاء بالدين وشعائره فهذا كله مما يوجب الغضب لله ?تعالى- وهو من الغضب المحمود ، وعلامة على قوة الإيمان ، وهو ثمرة لحفظ الأوطان ،وسلامة الأبدان ، وتظهر ثمرة الغضب هنا بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والرد على الشبهات أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير فسبب للهلاك فعن زينب بنت جحش ?رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو يقول : ( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :( نعم إذا كثر الخبث )( ) .
وكذلك من الغضب المحمود : الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء ، وانتهاك للأعراض ، واستباحة للأموال ، وتدمير للبلدان بلا حق .


الثاني : الغضب المذموم :
وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية ، والغضب بسبب تطبيق الأحكام الشرعية ، وانتشار حلق تحفيظ القرآن الكريم ، ومعاداة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بسبب محاربتهم للرذيلة ، وكذا الدفاع عن المنكرات كالتبرج والسفور ، وسفر المرأة بلا محرم ، ويظهر ذلك جليا في كتابة بعض كُتَّاب الصحف فتجد أحدهم يغضب بسبب ذلك ، ولا همَّ له سوى مسايرة العصر !! سواء وافق الشرع المطهر أو خالفه فالحق عندهم ما وافق هواهم والباطل ما حدَّ من مبتغاهم قال تعالى ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) )أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52) .


الثالث : الغضب المباح :
وهو الغضب في غير معصية الله ?تعالى- ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد , وكظمه هنا خير وأبقى قال تعالى ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران : 134) ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء , فتهيأ للصلاة , فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه , فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل - يقول :(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي . قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة ( ).
وتغضب حتى إذا ما ملكتَ : أطعتَ الرضا وعصيتَ الغضب ( )
وقال نوح بن حبيب : كنت عند ابن المبارك فألحوا عليه . فقال : هاتوا كتبكم حتى أقرأ . فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد ، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه فأصاب صلعة ابن المبارك حرفُ كتابه فانشق ، وسال الدم , فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن ثم قال : سبحان الله كاد أن يكون قتال ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه ( ).
قال ابن حبان ?رحمه الله تعالى- " والخلق مجبولون على الغضب ، والحلم معا ، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أحمد " ا.هـ ( )


درجات الناس في قوة الغضب :
الأولى : التفريط : ويكون ذلك بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها .
الثانية : الإفراط : ويكون بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ولا تبقى للمرء معها بصيرة ونظر ولا فكرة ولا اختيار .
الثالثة : الاعتدال : وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين ( ).


علاج الغضب :
( ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء )( ) ومن الأدوية لعلاج داء الغضب :
أولا : الاستعاذة بالله من الشيطان
قال تعالى ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36) عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه ? قال : كنت جالسا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه , وانتفخت أوداجه , فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) فقالوا له : إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال :( تعوذ بالله من الشيطان ) فقال : وهل بي جنون .( ) . قال ابن القيم -رحمه الله تعالى ? " وأما الغضب فهو غول العقل يغتاله كما يغتال الذئب الشاة وأعظم ما يفترسه الشيطان عند غضبه وشهوته " ا.هـ( )


ثانيا : تغيير الحال
عن أبى ذر -رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) ( ).


ثالثا : ترك المخاصمة والسكوت
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ?رحمه الله تعالى " ومن الأمور النافعة أن تعلم أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال السيئة لا تضرك بل تضرهم إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها , وسوغت لها أن تملك مشاعرك , فعند ذلك تضرك كما ضرتهم , فإن أنت لم تصنع لها بالا , لم تضرك شيئا " .


يخاطبني السفيه بكل قبح : فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما : كعود زاده الإحراق طيبا


عن ابن عباس -رضي الله عنهما -عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال ( علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ) ( ). قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- " وهذا أيضا دواء عظيم للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرا من السباب وغيره مما يعظم ضرره , فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده , وما أحسن قول مورق العجلي -رحمه الله- ما امتلأتُ غضبا قط ولا تكلمتُ في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت " ا.هـ( )
قال سالم ابن ميمون الخواص :


إذا نطق السفيه فلا تجبه : فخير من إجابته السكوتُ
سكتُّ عن السفيه فظن أني : عييتُ عن الجواب وما عييتُ
شرار الناس لو كانوا جميعا : قذى في جوف عيني ما قذيتُ
فلستُ مجاوبا أبدا سفيها : خزيتُ لمن يجافيه خزيتُ ( )


وقيل : ولقد أمر على السفيه يسبني : فمررت ثـمَّتَ قلتُ لا يعنيني
وقال الصفدي :
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا : تسرع ببادرة يوما إلى رجل
وإن بليت بشخص لا خلاق له : فكن كأنك لم تسمع ولم يقل


رابعا : الوضوء
عن عطية السعدي -رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إن الغضب من الشيطان ؛ وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )( ) .
وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا ( ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه ، وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق وضوء )( ) .


خامسا : استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ
فمن استحضر الثواب الكبير الذي أعده الله تعالى لمن كتم غيظه وغضبه كان سببا في ترك الغضب والانتقام للذات , وبتتبع بعض الأدلة من الكتاب والسنة نجد جملة من الفضائل لمن ترك الغضب منها :
1/ الظفر بمحبة الله تعالى والفوز بما عنده قال تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134) ومرتبة الإحسان هي أعلا مراتب الدين .
وقال تعالى ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى:37) .
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( ثلاثة مَن كنَّ فيه آواه الله في كنفه , وستر عليه برحمته وأدخله في محبته ) قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال : ( مَن إذا أُعطي شكر , وإذا قَدر غفر , وإذا غَضب فتر ) ( ).
2/ ترك الغضب سبب لدخول الجنة
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه ? قال : قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة . قال : ( لا تغضب ولك الجنة ) ( ).
3/ المباهاة به على رؤوس الخلائق
عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( مَن كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء ) ( ) .
4/ النجاة من غضب الله تعالى
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله ما يمنعني من غضب الله ؟ قال ( لا تغضب ) ( )فالجزاء من جنس العمل ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله تعالى خيرا منه.
وقال أبو مسعود البدري ?رضي الله عنه- : كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي ( اعلم أبا مسعود ) فلم أفهم الصوت من الغضب قال : فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا هو يقول : ( اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود ) قال : فألقيت السوط من يدي . فقال : ( اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) قال : فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا ( ) .
وكان أبو الدرداء ?رضي الله عنه - يقول " أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب واحذر أن تظلم من لا ناصر له إلا الله " ا.هـ( )
5/ زيادة الإيمان
قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( وما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا ) ( ).
6/ كظم الغيظ من أفضل الأعمال
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- (ما من جرعة أعظم أجرا ثم الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله ) ( ) .
قال ابن تيمية ?رحمه الله تعالى-: " ما تجرع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب ، وجرعة صبر عند المصيبة ، وذلك لأن أصل ذلك هو الصبر على المؤلم ، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم ، والمؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب ، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن ، ولهذا يحمر الوجه عند الغضب لثوران الدم عند استشعار القدرة ، ويصفر عند الحزن لغور الدم عند استشعار العجز " ا.هـ ( )


سادسا : الإكثار من ذكر الله تعالى
قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) فمن اطمئن قلبه بذكر الله تعالى كان أبعد ما يكون عن الغضب قال عكرمة -رحمه الله تعالى -في قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )(الكهف:24) " إذا غضبت " ( ).


سابعا : العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أوصني . قال ( لا تغضب ) فردد مرارا قال (لا تغضب ) ( ) . وهنيئا لمن امتثل هذه الوصية وعمل بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين ، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ?رحمه الله تعالى-" هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي , وهو يريد أن يوصيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بكلام كلي , ولهذا ردد . فلما أعاد عليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- , عرف أن هذا كلام جامع , وهو كذلك ؟ فإن قوله : ( لا تغضب ) يتضمن أمرين عظيمين : أحدهما : الأمر بفعل الأسباب , والتمرن على حسن الخلق , والحلم والصبر , وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق , من الأذى القولي والفعلي . فإذا وفق لها العبد , وورد عليه وارد الغضب , احتمله بحسن خلقه , وتلقاه بحلمه وصبره , ومعرفته بحسن عواقبه , فإن الأمر بالشيء أمر به , وبما لا يتم إلا به , والنهي عن الشيء أمر بضده , وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه , وهذا منه . الثاني : الأمر - بعد الغضب - أن لا ينفذ غضبه : فإن الغضب غالبا لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده , ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه . فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال والأفعال المحرمة التي يقتضيها الغضب . فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة , فكأنه في الحقيقة لم يغضب . وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية , والقوة القلبية " ا.هـ ( )
قال ميمون بن مهران : جاء رجل إلى سلمان -رضي الله عنه -فقال : يا أبا عبد الله أوصني . قال : لا تغضب . قال : أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك . قال : فإن غضبت فاملك لسانك ويدك .( )


ثامنا : النظر في نتائج الغضب
فكثير الغضب تجده مصابا بأمراض كثيرة كالسكري والضغط والقولون العصبي وغيرها مما يعرفها أهل الاختصاص , كما أنه بسببه تصدر من الغاضب تصرفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب روي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال " لذة العفو يلحقها حمد العاقبة , ولذة التشفي يلحقها ذم الندم " ( ). وقيل : من أطاع الغضب أضاع الأرب .
وقال الكريزي :
ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم : عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب ( )
وقال ابن رجب -رحمه الله تعالى- " والغضب هو غليان دم القلب المؤذي عنه خشية وقوعه أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه ، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان ، وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش , وربما ارتقى إلى درجة الكفر كما جرى لجبلة بن الأيهم " ا.هـ( ) وكثيرا ما نسمع أن والدا قتل ولده ، أو ولدا قتل والده فضلا عن غيرهم بسبب الغضب ، وكم ضاع من خير وأجر وفضل بسبب الغضب ، وكم حلت من مصيبة ودمار وهلاك بسبب الغضب ، وبسبب ساعة غضب قطعت الأرحام ، ووقع الطلاق ، وتهاجر الجيران ، وتعادى الإخوان ، وقامت بين الدول الحروب ... عن وائل -رضي الله عنه- قال : إني لقاعد مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي . فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( أقتلته ) ؟ فقال : إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة . قال : نعم قتلته . قال : ( كيف قتلته ) ؟ قال : كنت أنا وهو نحتطب من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته .( )
قال مروان بن الحكم في وصيته لابنه عبد العزيز : " وإن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب ، واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفئ الجمرة فإن أول من جعل السجن كان حليما ذا أناة " ا.هـ( ) .
وكتب عمر بن عبد العزيز ?رحمه الله تعالى-إلى عامل من عماله " أن لا تعاقب عند غضبك ، وإذا غضبت على رجل فاحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه " ا.هـ( )
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى ? " إن الغضب مرض من الأمراض ، وداء من الأدواء فهو في أمراض القلوب نظير الحمى والوسواس والصرع في أمراض الأبدان فالغضبان المغلوب في غضبه كالمريض والمحموم والمصروع المغلوب في مرضه والمبرسم المغلوب في برسامه " ا.هـ( ) وقال -رحمه الله تعالى ? " إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بإحراق القادح ، أَوْثِقْ غضبك بسلسلة الحلم فإنه كلب إن أفلت أتلف " ا.هـ( )
وقال المعتمر بن سليمان : كان رجل ممن كان قبلكم يغضب , ويشتد غضبه فكتب ثلاث صحائف , فأعطى كل صحيفة رجلا , وقال للأول : إذا اشتد غضبي فقم إلي بهذه الصحيفة وناولنيها . وقال للثاني : إذا سكن بعض غضبي فناولنيها . وقال للثالث : إذا ذهب غضبي فناولنيها . وكان في الأولى : اقصر فما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا . وفي الثانية : ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء . وفي الثالثة : احمل عباد الله على كتاب الله فإنه لا يصلحهم إلا ذاك .ا.هـ( )


تاسعا : أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) .( ) قال ابن القيم ?رحمه الله تعالى ? " أي مالك نفسه أولى أن يسمى شديدا من الذي يصرع الرجال " ا.هـ( ).
وقال ابن تيمية ?رحمه الله تعالى ? " ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد " ا.هـ( )
وقال الزرقاني -رحمه الله تعالى- " لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ , وقد ثارت عليه شدة من الغضب , فقهرها بحلمه , وصرعها بثباته ، وعدم عمله بمقتضى الغضب كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه " ا.هـ( )
ليست الأحلام في حال الرضا : إنما الأحلام في حال الغضب
وعن أنس -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مر بقوم يصطرعون فقال ( ما هذا ) ؟ فقالوا : يا رسول الله فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه . فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم ? ( أفلا أدلكم على مَن هو أشد منه رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ) ( ).
ألا إن حلم المرء أكـرم نسبة : تسامى بها عند الفخار حليم
فياربِّ هب لي منك حلما فإنني : أرى الحلم لم يندم عليه كريم
قال المسترشد بالله في وصيته لقاضيه علي بن الحسين الزينبي " أن يجعل التواضع والوقار شيمته , والحلم دأبه وخليقته , فيكظم غيظه عند احتدام أواره واضطرام ناره مجتنبا عزة الغضب الصائرة إلى ذلة الاعتذار " ا.هـ( )


عاشرا : قبول النصيحة والعمل بها
فعلى من شاهد غاضبا أن ينصحه ، ويذكره فضل الحلم ، وكتم الغيظ ، وعلى المنصوح قبولُ ذلك قال ابن عباس -رضي الله عنهما- استأذن الحر بن قيس لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزْل( أي العطاء الكثير) ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى همَّ به . فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) وإن هذا من الجاهلين . والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه , وكان وقافا عند كتاب الله.( ) . قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" وهكذا الغضبان فإنه إذا اشتد به الغضب يألم بحمله فيقول ما يقول ، ويفعل ما يفعل ؛ ليدفع عن نفسه حرارة الغضب فيستريح بذلك , وكذلك يلطم وجهه , ويصيح صياحا قويا , ويشق ثيابه , ويلقي ما في يده ؛ دفعا لألم الغضب , وإلقاء لحمه منه , وكذلك يدعو على نفسه وأحب الناس إليه فهو يتكلم بصيغة الطلب والاستدعاء والدعاء , وهو غير طالب لذلك في الحقيقة فكذلك يتكلم بصيغة ال***** وهو غير قاصد لمعناها , ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بأمور يعلم خواصهم أنهم تكلموا بها دفعا لحرارة الغضب وأنهم لا يريدون مقتضاها فلا يمتثله خواصهم بل يؤخرونه فيحمدونهم على ذلك إذا سكن غضبهم , وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده أو صديقه فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك كما يحمد السكران والمحموم ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة " ا.هـ( )
والحلم آفته الجهل المضرُّ به : والعقل آفته الإعجاب والغضب


الحادي عشر : أخذ الدروس من الغضب السابق
فلو استحضر كل واحد منا قبل أن يُنفذ غضبه الحاضر ثمرةَ غضبٍ سابقٍ ندم عليه بعد إنفاذه لما أقدم على ما تمليه عليه نفسه الأمارة بالسوء مرة ثانية , فمنع الغضب أسهل من إصلاح ما يفسده قال ابن حبان ?رحمه الله تعالى ? " سرعة الغضب من شيم الحمقى كما أن مجانبته من زي العقلاء , والغضب بذر الندم فالمرء على تركه قبل أن يغضب أقدر على إصلاح ما أفسد به بعد الغضب " ا.هـ( )
لا تغضبن على قوم تحبهم : فليس ينجيك من أحبابك الغضب( )


الثاني عشر : اجتناب وإزالة أسباب الغضب : وقد ذكرت جملة منها .
قال الشيخ السعدي ?رحمه الله تعالى ? " ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم : السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم , وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور , وذلك بنسيان ما مضى من المكاره التي لا يمكنه ردُّها , ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال , وأن ذلك حمق وجنون " ا.هـ ( )


الثالث عشر : معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة فتركه إغلاق لباب من أبواب العصيان :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى " ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة , وكان نهاية قوة الغضب القتل , ونهاية قوة الشهوة الزنى جمع الله ?تعالى- بين القتل والزنى , وجعلهما قرينين في سورة الأنعام , وسورة الإسراء , وسورة الفرقان , وسورة الممتحنة , والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة " ا.هـ( ) .


الرابع عشر : قال ابن حبان -رحمه الله تعالى- " لو لم يكن في الغضب خصلة تذم إلا إجماع الحكماء قاطبة على أن الغضبان لا رأي له لكان الواجب عليه الاحتيال لمفارقته بكل سبب " ا.هـ( ) لذا فقد قال النبي ?صلى الله عليه وآله وسلم ? ( لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ) ( ) قال ابن القيم ?رحمه الله تعالى- " إن الفقهاء اختلفوا في صحة حكم الحاكم في الغضب على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه في مذهب احمد : أحدها : لا يصح و لا ينفذ ؛ لأن النهي يقتضي الفساد . والثاني : ينفذ . والثالث : إن عرض له الغضب بعد فهم الحكم نفذ حكمه , وإن عرض له قبل ذلك لم ينفذ " ا.هـ( ) وقال معللا المنع " إنما كان ذلك لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه , ويمنعه من كمال الفهم , ويحول بينه وبين استيفاء النظر , ويعمي عليه طريق العلم والقصد " ا.هـ( ) لهذا كان من وصية أمير المؤمنين عمر لأبي موسى الأشعري ?رضي الله عنهما- في القضاء " وإياك والغضب والقلق والضجر " ( ) .


صور من هدي السلف عند الغضب
سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما ? فلما فرغ قال : يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى ( ).
وقال أبو ذر ?رضي الله عنه- لغلامه : لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس ؟ قال : أردت أن أغيظك . قال : لأجمعن مع الغيظ أجرا أنت حر لوجه الله تعالى ( ) .
وأسمع رجل أبا الدرداء ? رضي الله عنه- كلاما , فقال : يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .
قال الأحنف بن قيس ?رحمه الله تعالى ? لابنه : يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه , فإن أنصفك وإلا فاحذره ( ).
إذا كنت مختصا لنفسك صاحبا : فمن قبل أن تلقاه بالود أغضبه
فإن كان في حال القطيعة منصفا : وإلا فقد جربته فتجنبـــه
وقال محمد بن حماد الكاتب :
فأعجب من ذا وذا أنني : أراك بعين الرضا في الغضب( )
وأختم بما رواه عطاء بن السائب عن أبيه قال : صلى بنا عمار بن ياسر -رضي الله عنه- صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم : لقد خففت أو أوجزت الصلاة ، فقال : أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم ( اللهم بعلمك الغيب , وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي , وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم , وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة , وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب , وأسألك القصد في الفقر والغنى , وأسألك نعيما لا ينفد , وأسألك قرة عين لا تنقطع , وأسألك الرضاء بعد القضاء , وأسألك برد العيش بعد الموت , وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ضراء مضرة ولا فتنة مضلة , اللهم زينا بزينة الإيمان , واجعلنا هداة مهتدين ) ( ) والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وزاد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين حرر في 25/10/1426هـ
سكن الفؤاد
سكن الفؤاد
خطبة الجمعة هذا الأسبوع


كانت عن حديث عظيم
عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً"، رواه البخاري ومسلم.



@ تكلم في البداية ان من فطرة الانسان احتياجه الى الصديق والجليس ليأنس به ويشاركه افراحه وآلامه ويستشيره ويستسره .
@ ثم بين ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنواع الجلساء ونتيجة مصاحبة كل نوع وان العاقل يختار ما ينفعه .
@ ثم بين صفات الجليس الصالح :
1- ان يكون مسلما متقيا لله على سنة رسول الله وقال ان اقل درجات هذه الصفة ان يؤمن باركان الايمان الستة ويعمل باركان الاسلام الخمسة .
ثم بين انه لايجوز مصاحبة الكافر لانه يسب الله والدين ومصاحبته خطر على المسلم تؤدي الى الاعجاب والتقليد في الظاهر ثم يلحق به الباطن
وايضا مصاحبة المبتدع لا تجوز لانه يزين لك بدعته فيفسد عقيدتك مثل الخوارج
وكذلك مصاحبة الفاسق العاصي تؤثر على الدين وتجر للمعصية
وبين ان المصاحبة والمجالسة تختلف عن المعاملة فقد تحتاج في حدود ضيقة التعامل مع الاصناف السابقة .


2- ان يكون عاقلا حكيما فلا يجرك للمشاكل ولا تغلبه شهوته وهواه على مجاوزة الحد بل يضع الامور في محلها فهو اهل للثقة ةالاستشارة .


3- ان يكون حسن الخلق تكتسب منه كل فضيلة بخلاف سيء الخلق فانه يؤذيك في نفسك ويحرجك مع الآخرين .


@ ثم ذكر ان الجليس الصالح لا بد ان تستفيد منه على كل حال كما ضرب به المثل في الحديث كحامل المسك فهو
1- اما ان يطيبك
2- واما ان تشتري منه
3- واما ان تجد منه رائحة طيبة
فكذلك الجليس الصالح تستفيد منه في دينه وخلقه ومشورته


@ اما الجليس السوء فانه يؤذيك لا محالة فهو كما ضرب به المثل في الحديث كنافخ الكير
1- اما ان يحرق ثيابك
2- واما ان تجد منه رائحة كريهة
وكذلك جليس السوء ضرره عليك في الدين والخلق وسوء المشورة


@ ثم ذكر مثالا من القرآن على الأثر العظيم لجليس السوء وكيف ان ذلك الرجل لما يكون في الجنه مع صحبه
فيلتفت اليهم يحدثهم بجليسه في الدنيا كيف حاول ان يقنعه بانكار البعث بعد الموت والحساب والجزاء
ثم يطلع على ذلك الصاحب السيء في نار جهنم ويحمد الله ان نجاه منه قبل ان يسحبه معه الى النار
والآيات في سورة الصافات


فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ(55) قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)



@ ثم ذكر مثالا على قوة تأثير جليس السوء من السنة وهي قصة محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هداية وارشاد عمه ابي طالب للاسلام وهو على فراش الموت
فاعرض عن دعوة النبي واستجاب لصحبه الجالسين حوله ومات على الكفر !!


الحديث :


روى البخاري في صحيحه (4772) ومسلم (24) عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال:لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين)، وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم" (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).







@ ثم ذكر خطورة المجالسة الالترونية عبر برامج التواصل الاجتماعي من الواتساب وتويتر والفيس بوك والسناب شات وغيرها وما فيها من جلساء سوء
شككوا في دين الله ودعوا للالحاد ونشروا الشبه وبدع الخوارج والعلمانين وغيرهم من الفرق الفاسدة ونشروا الرذيلة والقبائح وهدموا البيوت وغير ذلك
من المفاسد التي عمل عليها وتسبب بها رفقاء السوء عن طريق تلك البرامج والمواقع ...


@ واخيرا ذكر باهمية متابعة الابناء والبنات ومن هم جلساؤهم ؟ وكيف يختارون الصديق والرفيق وتوجيههم في ذلك .


نسأل الله ان يوفقنا للصحبة الصالحة التي تقودنا لمرضاة الله وان يجنبنا رفقة السوء وما وراءها والله المستعان ،،