fatima

fatima @fatima_1

عضوة شرف في عالم حواء

هي حرة كنسائم الفجر ...روائع الدرة / فاطمه

الأدب النبطي والفصيح

هذه قصة قديمة جديدة وعدتكم بها من قبل وها أنا أنفذ وعدي ..
بين جرحين
أرخى الليل سدوله .. وألقى القمر غلائله المشعة بالسكون .. ورمى الناس بهمومهم وصخبهم .. وجفت الشوارع من سيول البشر المهرولة هنا وهناك .. وساد المكان هدوء عجيب مشوب بحفيف الأشجار تارة .. ونباح الكلاب أو مواء القطط تارة أخرى .. وكأن الليلَ معبدٌ تنبعث من جنباته تلاوات غامضة وترانيم خافتة .. ولم يكن يقطع ذاك السكون سوى وقع خطوات شاب كان يجر خطاه بتثاقلٍ وبطء .. حتى وقف متكئاً على أحد أعمدة الإنارة الذي تسرب بعض النور منه وانعكس على صفحة وجهه فبانت ملامحه الوسيمة .. وتقاسيمه الناطقة بالحزن والحيرة .. وبعض الشعيرات النافرة في صحراء ذقنه .. وأمارات الانفعال البادية عليه والتي تنم عن رأس مغموسة في بركة من المشاكل .. مثقلة بالهموم .. تتضارب فيها الأفكار وتتصارع .. وهو ضائع بين أنيابها ..
رفع عينيه إلى النجوم التي كانت تتأمله باستحياء .. ثم سرعان ما أنزل بصره إلى اللاشيء .. حيث جاءه صوتها المجلجل :" إنه مريض .. وهل تزوجتني لأعمل ممرضة له ؟!! "
.. أدار رأسه بقوة وكأنه يتهرب من صوتها .. لكنه جاءه صارخاً :" هذا البيت بيتي ومن حقي أن أطرده "
ترك مكانه وسار يمشي بسرعة طارداً تلك الهواجس من رأسه .. لكن هيهات .." إما أنا أو هو في هذا البيت !! "
.. لم يعد يطيق كبت البركان الذي يفتعل داخله .. فضرب بقبضته القوية على أقرب عمودٍ منه .. وهو يصرخ صرخةً مدوِّيةً :" إلهي .. إلهي .. ساعدني "
ثم صمتَ وكأنَّه يستمعُ إلى صدى صرختِهِ التي جرحت صمتَ الليلِ .. فأتاه صوتٌ من بعيد .. من أعمقِ الأعماقِ .. يقول
:" لا تستمع إليها .. وافعل ما يريحُ ضميرك "
هنا قفز إليهما صوتٌ آخر يقولُ بسخريةٍ :" وهل إغضابُ زوجتهِ سيريحُ ضميرَه ؟! اسمع .. استمع إلى صوتِ زوجتكَ .. إنها الغالية .. أم الغالي .. رفيقةَ الدرب .. حبيبةَ الفؤاد"
وردَّدَ الصوتُ الأول بأسى :" لكنَّه والدك !!"
وقال الآخر :" وهي زوجتك .. أم خالد !!"
أنصت إليهما .. ولكنَّهما ما زاداه إلا حيرة .. فألقى بأفكارهما وقفل راجعاً إلى منزله ..
114
9K

هذا الموضوع مغلق.

fatima
fatima
أراح الشيخُ ظهرَهُ المحدودبِ على الأريكةِ في ضعفٍ ووهنٍ .. متمتماً ببعض الآياتِ التي اعتادَ على قراءتها صباحَ كلِ يومٍ .. وبين أصابعه المرتجفة يهتزُ فنجانٌ من القهوةِ .. احتساهُ دفعةً واحدةً .. وما أن وضعه على الطاولةِ حتى أسرعَ إليه حفيده (خالد) ملقياً بجسدهِ الغضِّ على ركبتيه القاسيتين .. فراحَ يداعبهُ ويربِّتُ على شعرهِ الناعمِ .. و(خالد) يلعب بتلك الشعيرات البيضاء المتناثرة على طرفي صلعتهِ السمراء .. ويتتبع الأخاديدَ التي نسيها الزمن على وجهه .. والندوبَ الغائرةَ في بشرته ..
ويحاصرهُ بأسئلتهِ البريئةِ :" جدِّي .. لِمَ شعرك أبيض ؟! جدِّي لِمَ تمسكُ بالعكازِ عندما تمشي ؟! جدِّي هل ستذهب معنا إلى الحديقةِ غداً ؟!! "
وهو يردُّ عليه بابتسامةٍ كشفت عن سنَّيِن وحيدين قد تآكلا في مغارةِ فمهِ .. يُتبعُهَا بقبلةٍ يطبعها بشفتيهِ المتشققين القاسيين على خدِّه الناعم ..
وينظرُ إليه نظرةً يفيضُ منها الحب .. نظرةً حلّقت به بعيداً .. بعيداً .. في أجواء الماضي الآفل .. حيث الذكرى المؤلمة .. لكن منعه من الانطلاق في ذكريات الماضي صوت ابنه (عمر) الذي كان قد استيقظ للتو وهو يقول :" هيا بنا يا أبي !!"
… ردَّ عليه والدهشة تعلو ملامحه الكهلة:" إلى أين ؟!"
… فأجاب وهو يتهرب من نظراته:" فيما بعد .. فيما بعد سأخبرك "
نهض .. وسار معه إلى أن وصلا إلى السيارة .. وانطلق به إلى حيث لا يعلم .. في تلك الأثناء .. وهو جالس بجانب ابنه ..
قفزت إليه صورةٌ من الماضي .. صورة لا ينساها أبدا .. صورةٌ مضرجةٌ بالدموع .. بالدماء .. صورةٌ حلَّقت به بعيداً ... إلى ما قبل خمسة وعشرين عاماً .. حيث الذكرى المؤلمة
" كان يوماً من أيامِ تشرينَ الباردةِ .. تراقصت فيه نسيماتٍ شتويةٍ محملةٍ بعبقِ الأمطارِ ... وزانته السحب المهاجرة بالغيث إلى خارج الحدود ... حيث الشمس نشرت أشعتها الدافئة ... في هدوءٍ ودعةٍ كأنها تخشى أن تجرح تلك الأنسام بحرارتها .. وكانت قسماتُ السماءِ صافيةً من التعكُّر والاضطراب .. ولم يكن يشوبها سوى تلك الأفكار السوداوية التي عشَّشت في رأسي .. ومراجلُ النقمة والغضب التي تغلي في الداخلي .. كنت يومها مترعاً حنقاً من كل ما حولي .. من حياتي .. وزوجتي وأبنائي ..حتى تلك العجوز المريضة .. أمي .. نعم .. حتى من أمي .. بل هي كانت مصدر تعاستي وشقائي .. بأوجاعها التي لا تنتهي ..وتأوهاتها التي لا تنضب .. وأدويتها .. وعلاجها .. والمستشفيات .. كل ذلك كان يريد ويريد الكثير مني .. من أموالي .. أنا زوج وأب ... ضقت ذرعا بها .. حتى جاءني الفرج .. اقترح أحد الأصدقاء عليَّ فكرة .. ويالها من فكرة .. لا أعرف كيف غابت عن بالي قبلًا .. لا يهم .. المهم أني لم أنتظر حتى تشرق شمس الغد .. وبسرعة وبدون أي تردد .. نفذَّت الفكرة .. وأسرعت
بأمي إلى حيث المكان الذي فيه راحتها وعلاجها .. إلى حيث الحياة التي تنتظرها ..إلى حيث لا تعلم ..
<IMG SRC="http://cocktail.eksa.net/~cocktail/cgi-bin/ubb//smilies/cwm36.gif" border=0>
fatima
fatima
.. سألتني في ذلك اليوم : " إلى أين ستأخذني يا بني ؟!"
.. فأجبتها وأنا أزيد من سرعة السيارة :" إلى حيث راحتك يا أمي .. إلى حيث تشفين من أسقامك .."
ما زلت أذكر يومها .. لقد ابتسمت ‏لي ابتسامةً ينبعث منها الحب والامتنان ‏.. لكن .. وآه من لكن ..
اخترقت تلك الابتسامة العذبة صميم فؤادي ..‏ أدمته .. نعم أدمته ..أدمت قلبي ابتسامة أمي ..
.."أبي ما بك.."
. انتشلته من ذكر‏ياته ..‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏ وأوقفت جريان عبراته يدٌ كانت تربت على كتفيه ..
…" أبي .. أبي "
أسرع يمسح بقايا دمعته التي اختبأت بين أخاديد وجهه بطرف كمِّه .. وانتابه إحساس غريبٌ .. أغلق عينيه وعاود فتحهما .. محاولاً استيعاب المكان الذي هو فيه ..
.. ثم عاود فركهما بأصابعه الخشنة .. وهو يغمغم :" أين أنا ؟!"
جال ببصره في المكان حوله .. مبنى شاهق .. له بوابةٌ ضخمةٌ مفتوحةٌ على مصراعيها .. تحيط به حديقةٌ من كل الجوانب ..
… " لا .. لا .. غير معقول .. أفي حلمٍ أنا أم في علم .. "
… عاود ابنه سؤاله :" ما بك يا أبي ؟!"
لكنه تجاهل سؤاله .. وسأله والشرر يتطاير من عينيه :" لِمَ أتيت بي إلى هنا ؟"
.. أجابه وهو يبعد نظراته عنه :" لكي تُعالج .. هنا ستجد الرعاية .. وهنا ستشفى بإذن الله .. "
… يا الله .. نفس العبارة التي قلتها لها .. نفس المكان الذي جئت بها إليه ..
قاطعه ابنه وهو يشيح بوجهه بعيداً :" أبي .. سأدعك هنا .. هنا ستجد من هم في مثل سنِّك.. ستشعر بالراحة معهم .. "
.. لكنه لم يسمعه .. لقد كان يسبح في ضبابٍ من الذكريات الممزوجة بالألم ..
…" أبي .. سآتي لزيارتك كل أسبوع "
… نفس العبارة التي قالها هو منذ خمسةٍ وعشرين عاماً .. وعَدَها .. صدَّقته .. لكنَّه لم يفِ ..
…" عندما تشفى سأخرجك من هنا "
ألم أعدها أنا بذلك أيضاً ؟! لكني ما أخرجتها من هنا إلا إلى قبرها ..
كانت عيناه تغوصان في اللاشيء .. وعبراته تنهمر من عينيه في هدوء .. فجأة قال بصوتٍ متحشرج تخالطه الدموع :" بني .. أرجوك .. لا تتــ…
لكنه بتر عبارته فجأة .. ألم تترجاه هي ذات يوم .. تلك العينان اللتان كانتا تتبتلان إليه .. وتناجيانه في ضراعةٍ وتوسل ألا يتركها ويرحل .. ما زال يذكر عبارتها وهي تقبِّل رجليه .. " بني .. سأعمل خادمة لديك ولدى زوجتك .. لكن لا تحرمني منك .. ومن رؤية حفيدي "
ماذا فعل غير أن قلب لها ظهر المجن .. " لقد كنتُ قاسياً .. قاسياً "
منع نفسه .. وأمسك لسانه من التوسل إلى ابنه .. لكنه لم يستطع منع ذاك الأنين الخافت الذي ندَّ عنه .. وانتصبَ بعوده الذي زاد انحناءً .. وهو يمسح عبراته بيده الشارثة .. وسار خلف ابنه الذي قاده للداخل .. كما سارت هي ذات يوم خلفه .. مستسلمة راضية بقضاء الله ..
وتردد في هذه الأثناء صوتٌ نديٌ .. اخترق الآفاق وارتجت له السماء ..
الله أكبر الله أكبر ..
أشهدُ أنَّ لا إله إلا الله ..
أشهدُ أنَّ محمداً رسول الله ..
<IMG SRC="http://cocktail.eksa.net/~cocktail/cgi-bin/ubb//smilies/cwm45.gif" border=0>
fatima
fatima
<FONT COLOR="Red">تمممممممممممت بحمد الله </FONT c>

أتمنى أن تنال على إعجابكم
شام
شام
سلمت يداك
قصة مؤثرة جدا ورائعة في صياغتها
جزاك الله خيرا
أم يزيد
أم يزيد
سبحان الله يمهل ولايهمل اشكرك على هذه القصةالمعبرة