المدينة داري @almdyn_dary
محررة فضية
أرجووكِ .. اقرأي روعة السطور .. في رحلةٍ إلى النور ..
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأحبة .. إليكم أهدي هذه القصة العجيبة .. وهي مذكرات طالب علم شغوف ..
من اطلع إليها فسيتمنى أنه اطلع إليها من قبل .. ستهيم عجبا بين فصولها .. ستخنقك
العبرة حينا و ستضحك ملء جنبيك أحيانا كثيرة .. تأخذك بروعة أسلوبها .. وبساطة
طرحها .. قصة كتبها لنا الأخ الشيخ / مالك الرحبي مع شيخه وشيخنا العلامة الجليل
ابن عثيمين تغمده الله بواسع رحمته .. كان يأمل أن ينهي فصولها بـ 150 حلقة ..
لكن الموت لم يمهله فكتب منها 69 حلقة .. توفي رحمه الله في عمر الزهور ..
توفي وعمره لم يتجاوز 32 عاما .. في ذي الحجة الماضي1426هـ ..رحمه الله
وأسكنه فسيح جناته ..
عزيزاتي :
كان لهذه القصة التي قرأتها الأثر البالغ على نفسي وفكري فأحمده تعالى أن يسر
لي قراءتها والأستفادة مما فيها من دروس وعبر و مواعظ .. فلعلّي هنا أن أنقل لكنّ
مااستطعت منها حيث أنني نسخت ما يربو على الخمسين حلقة أسأل الله أن يعينني
على نقلها جميعاً لكنني أستميحكن العذر مقدما إن تأخرت في إكمالها وذلك لكثرة
مشاغلي والحمدلله وسأحاول قدر استطاعتي وجهدي أن أضعها سريعا بإذن الله..
أخيراً لن أطيل عليكن وسأترككن الآن مع أول حلقات قصتنا .. لكن لدي رجاء
أخير .. وهو تكتب كل من تقرأها فائدة أو حكمة خرجت بها .. وذلك حتى تكون
الإستفادة حقيقية ..
نسيت أن أقول أنها منقووولة ..
ودمتم بنقــــــــــــــــاء:26:
147
21K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
المدينة داري :بسم الله الرحمن الرحيم هذه فصول قصة حقيقية ... أسردها سردا كما هي ... قد مر على فصولها أكثر من خمسة عشر عاما.. ومع ذلك فمشاهدها وحكاياتها ما زالت راسخة في الفؤاد.. قد نقشت فيه كما ينقش في الصخر لا يزول إلا بأمر الله.. أطلب من القارئ الكريم أن يتمهل ولا يستعجل..في الحكم على القصة.. حتى تستكمل فصولها وينتهي رقمها .. فهي في النهاية تحكي مواقف عن رجل فذ قد طوته اللحود.. هذا الرجل هو شامة في جبين التاريخ في عصرنا.. وأنا في موقفي هذا معه ما أنا إلا حاك وناقل لموقف واحد فقط من مواقفه .. وحسنة واحدة من حسناته .. أحكي لكم عن هذا الرجل وأقسم على كل حرف فيه .. أرويه كما حصل بلا زيادة ونقصان.. وأما حصر أفعال هذا الرجل ، ورصد جمائله على الناس والأمة فهذا مما تعجز عنه طاقة الناس ... فمنذا يقدر حصر أفعاله ليجمع أفعال غيره!! فأمره إلى الله .. هو حسيبه تعالى ورقيبه لا يخفى عليه من أمره شيء.. سيجد القارئ الكريم في أول القصة مواقف تعنيني أنا بشخصي.. وهي في النهاية عن شخص مغمور .. ولكنها في الخاتمة تكشف نبلا عزيزا لإمام جليل .. قد آن الأوان أن تعرف قصته.. وقد حكيت بعضا من تلك القصة على أحبابي وأترابي.. فكلهم أقسم علي إلا أن أكتبها وأنشرها .. فهي واجبة من الواجبات.. وحق لهذا الإمام علي كأقل جميل له علي أرده.. خاصة وأنني مقبل على أمر جلل.. لا أدري ما خاتمته.. فلتكن إذا صدقة من الصدقات وذخرا لي عند الباري سبحانه وتعالى .. لعل الله أن يعفو عن الزلات ويتجاوز عني في الصالحين.. اللهم اغفر لي ولشيخنا وأستاذنا ولوالدي واجعلني معهم في فردوسك الأعلى يا أرحم الراحمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..بسم الله الرحمن الرحيم هذه فصول قصة حقيقية ... أسردها سردا كما هي ... قد مر على فصولها أكثر...
الحلقة الأولى
في عام 1409 للهجرة ..
كنت أدرس في الصف الثاني المتوسط بمدرسة حطين في مدينة الطائف..
وكنت حينها فتى كأترابي ...
لاهم لي في الحياة سوى مدرستي واللعب مع أصحابي بعد انتهاء الدراسة..
لم يكن لدي أي ميول نحو التدين والاستقامة والالتزام بشعائر الدين ..
بل كنت حينها لا اعرف معنى للدين .. فقد ربينا للأسف من الصغر..
على الاهتمام بدروسنا ومدرستنا ولم يكن لجانب الدين أي شيء يذكر من الأهمية..
ويقتصر ذلك في الغالب على صلاة الجمعة .. أو الأعياد..
كان أول شخص متدين ومستقيم أتأثر به وأحبه هو أستاذي
في مادة التربية الدينية في تلك السنة واسمه عمير القرشي..
إن ابتسامة وطيبة الأستاذ عمير ونصائحه وتوجيهاته..
كل ذلك ما زال في الذاكرة محتبسا .. وكلماته ...
ما زالت ترن في أذني حتى هذه الساعة وأنا أكتب هذه المذكرات..
لقد كان مربيا فذا ورجلا ساحرا بعباراته الصادقة ..
كان حينما يفسر آيات القرءان الكريم ويصف مشاهد يوم القيامة والحشر والجنة والنار
كانت كلماته وعباراته تلج القلوب كالسهام..
كان يسير في الصف وبين الطاولات فكنت أطارده بنظري أينما توجه ..
أريد أن ألتهم ما يقوله التهاما ..
كانت العبارات تخرج من فمه كأنها مدافع تدوي تدك كل حظوظ الشيطان في القلوب..
أحسبه رجلا مخلصا والله حسيبه..
كنا أحيانا ونحن في تلك السنون ما زلنا في حكم الطفولة..!!!
كنا والله يبلغ بنا التأثر بحديثه حتى نبكي..!!
ولكن للأسف فجأة وبلا مقدمات حرمنا من هذا الأستاذ الجليل..
لينقل في التوجيه في إدارة التعليم في المنطقة..!!!
لقد كان خطئا فادحا أن يحرم الطلاب من هذا المعلم ذو الطراز النادر لينقل لعمل إداري
ولكن الله تعالى خلف علينا خيرا في أستاذ آخر ..
كان له فضل علي بشكل خاص..
لا أنساه له أبدا .. إنه الأستاذ طلال المشعبي..
قال لنا الأستاذ طلال : أنا تلميذ للأستاذ عمير القرشي ..
فهو أستاذي وشيخي وأستاذكم لذا سنحاول أن نكمل المسيرة على نفس المنوال..
لن أطيل الحديث في مواقف الأستاذ طلال بارك الله فيه..
ولكن سأذكر موقفا له غير مجرى حياتي للخير إن شاء الله تعالى..
أبدى الأستاذ طلال بي اهتماما خاصا .. ولقد كنت بحمد الله في فصلي من النابهين..
أحببته حبا يتجاوز حدود الاحترام للطالب مع أستاذه ...
لتصبح العلاقة علاقة شبيهة بود الابن مع والده ..
سجلت في برامج التوعية في وقت الفسحة..
وكنت استمع مع الآخرين لتوجيهات الأستاذ طلال..
وذات مرة كنت ألعب أمام منزلنا القريب من الجامع فلاحظت سيارة شبيهة بسيارة
الأستاذ طلال .. انتظرت ولم أصل !!! حتى يخرج صاحبها بعد الصلاة..
وفعلا خرج الأستاذ طلال ..
كان للمعلم حينها مهابة هائلة في قلوب الطلاب خلاف ما أسمعه اليوم!!
توجهت إليه وسلمت عليه... فسألني بصرامة : هل صليت؟؟
مسحت قفاي وأرخيت رأسي وقلت لا !!
قال ليش؟؟
استحييت ولم أجب فهل سأقول أنا لا أصلي أصلا!!!
فهم الحال ، ولم أنتظر أن يعاتبني توجهت لدورات المياه وتوضأت للصلاة..
ثم دخلت المسجد فركعت أربع ركعات للعشاء..
خرجت من المسجد فلم أرى أحدا ..
بعد عدة أيام رأيت سيارة الأستاذ طلال مرة أخرى أمام المسجد ..
وهذه المرة سابقت الريح لأصلي مع الجماعة..
وبعد الصلاة تعمدت أن أظهر للأستاذ خروجي من المسجد..
ابتسم أستاذي وناداني ..
اقتربت منه وقال لي أين منزلكم..
أشرت له لمنزلنا المستأجر حيث قد باع الوالد بيتنا القديم وهو يبني بيتا جديدا في مخطط السحيلي شرق الطائف ..
دعوته لزيارتنا فقال الآن لا يصلح ولا أستطيع ولكن ممكن أزوركم غدا !!!
رحبت به وواعدته غدا بعد صلاة المغرب..!!
ذهبت لوالدي وبلغته بالحال.. استغرب الوالد من الزيارة ..
فليس من العادة أن يزور معلم تلميذا في بيته ..
وليس أيضا من العادة أن يدعوا فتى صغير رجلا كبيرا بغير إذن أهله..
رضخ الوالد للأمر الواقع وقال أهلا به ..
في اليوم التالي زارنا الأستاذ طلال في بيتنا وتعرف على الوالد ..
وكان والدي حينها مديرا لإحدى مدارس الطائف..
كان اللقاء رسميا .. ووالدي من طبعه رحمه الله التكلف مع الضيف..
فيشعر ذلك الضيف بالحرج فتنقلب المسألة مجاملات في مجاملات..
والسؤال لماذا الزيارة؟ وما هدفها؟ وهل كان الأستاذ طلال متعمدا لكل ما سبق ؟؟
ذكر الأستاذ طلال للوالد أن هناك مخيما للشباب في فترة الإجازة النصف سنوية..
ومدة المخيم أسبوع وتنظمه إدارة التعليم في الطائف.. وقد حث والدي على أن أشارك
في هذا المخيم!!!
قال الوالد لا بأس بذلك !!
فرحت بذلك وسررت بالفكرة فقد كان ذلك بمثابة حلم لي أن أشارك في عمل كهذا ..
انتهت أيام الامتحانات ..
وفي صباح يوم من أيام الربيع الجميلة حملني والدي برفقة أخيه الصغير ( عمي)
في سيارته إلى موقع تجمع المشاركين في المخيم...
وذلك خلف فناء إدارة التعليم في الطائف..
وضع والدي في جيبي ثلاثين ريالا وكذلك في جيب أخيه ..
أظن هذا اكبر مبلغ حصلت عليه في حياتي منذ ولدت حتى ذلك التاريخ!!!
حينما وصلنا لمنطقة التجمع هالني الجمع الغفير من الفتيان ممن هم في سني أو قريبا مني .. أذكر أن الساحة امتلأت بالحقائب وأكياس النايلون الكبيرة المحشوة بالملابس وبعضهم أحضر معه وسائد وطرا ريح والحفة مطوية بحبال !!!
أما أنا فجئت بثوبي الذي علي وكيس صغير فيه ملابس قليلة للتبديل..!!
غادر الوالد بعد أن تأكد من المشرفين عن أن كل شيء على ما يرام..
طلعت الشمس وما زالت الجموع تزيد حتى غصت بهم الساحة ..
في حوالي الساعة الثامنة نادى مشرفوا المخيم على أسماء الطلاب المسجلين في المخيم..
وركبت في الباص المحدد لمجموعتي ..
كانت وجهتنا لمنطقة الشرائع قريبا من مكة المكرمة شرفها الله..
في الباص وقف شخص عليه لحية حمراء وثيابه نظيفة .. وساعته في اليمين..!!!
كان على وجهه نور الطاعة ..
وقف ليذكرنا بدعاء السفر وسأل:
من يعرف دعاء السفر؟؟
أول مرة في حياتي أسمع بدعاء السفر والله..!!
رددناه جميعا خلفه .. حتى حفظته عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت..
طوال الرحلة كان يتبادل المذكور مع زميل له..
قراءة مسابقات ورواية قصص وطرائف ونحو ذلك مما يفيد ويمتع..
كانت أول رحلة مفيدة وأول مرة أدرك كيف يمكن استغلال الوقت ..
في مثل هذه الرحلات المليئة بالفائدة والإرشاد..
وصلنا لمنطقة المخيم.. وهي على يمين الداخل إلى مكة قبل أن تصل لنقطة التفتيش..
كانت أكوام الخيام ملقاة على أرض المخيم..
وطلبوا من كل مجموعة أن تتولى تركيب خيامها..
استمتعنا بذلك أيما استمتاع فهذا أول عمل جاد ومتقن أقوم به بشكل جماعي..!!
وفي وقت صلاة الظهر اجتمعنا تحت خيمة واحدة ضخمة للصلاة..
ودخل علينا رجل في عمر الأربعينات عليه سيما الصلاح ووجه مليء بالجدية والصرامة..!!!
وهو الشيخ محمد بن زاهر الشهري بارك الله في عمره ولم أكن اعرفه حينها..
امتلأ قلبي والله حينها من مهابته..
حينما وقف في وسط الخيمة وتكلم في الجموع بتوجيهات عامة وأمر كل شخص منا بالانضباط ..
واستغلال هذه الأيام بالنافع المفيد
كان الترتيب والنظام والضبط هو السيما البارزة على هذا العمل..
أذكر أن أصحابي أيقظوني للصلاة قبل الفجر ..
وحينما ذهبت للوضوء أعطونا كاسات بلاستيكية ..
بحيث يتوضأ الشخص بكأس واحدة فقط!!!
رأيت المسجد مضاء والنعال تملاء أطرافه..!!!
وحينما وصلت إليه شاهدت الناس كأنهم خلية نحل من صوت القرءان..
أمسكت بشخص مر بجواري وسألته : هل أذن الصبح؟؟
قال بقي نصف ساعة على الأذان !!!
صلى بنا الفجر شخص رقيق وصوته جميل ..
وسمعت أشخاصا تأثروا بالآيات فبكوا !!
وبعد الصلاة وقف شخص ليتكلم لمدة عشر دقائق .. بخاطرة ونصيحة..
كان مطلوبا من كل مجموعة أن تختار شخصا يمثلها في الكلمات بعد الصلاة ..
ومن ثم يقوم أحد المشرفين بالتعليق على كلمته...
وفي الساعة الثامنة يستيقظ كل المخيم لوجبة الإفطار ..
ويلزم كل شخص ترتيب مكان نومه.. ولا يتركه مبعثرا..
وهناك مجموعات تفتش الخيام وتعاقب كل من يهمل بالضغط عشر مرات أو الزحف على بطنه.. كانت مشاهد المعاقبين تثير الضحك والسرور بين المشاركين ..
كانت البرامج متنوعة وحافلة بالفوائد والنشاط والبهجة..
فهناك البرامج الترفيهية والمسرحيات والمسابقات والبرامج الرياضية..
ومن المناشط تنظيم المحاضرات ..
أول مرة احضر محاضرة كانت في ذلك المخيم وكان ضيفنا هو الشيخ عبد الله الجلالي.
الداعية المشهور .. وممن زارنا في المخيم لإلقاء المحاضرات.. الشيخ عائض القرني والشيخ سفر الحوالي والشيخ ستر الجعيد والشيخ محمد بن سعيد القحطاني.. وغيرهم..
لن أغرقك أخي القارئ بالتفاصيل عن هذا المخيم ..
ولكن يعلم الله تعالى كم كان لتلك المواقف والكلمات والدروس من صدى وتوجيه أحمد الله تعالى عليه أن هيئ لهذه الأمة كهؤلاء الرجال الذين يشرفون على تلك البرامج النافعة المباركة..
كان مشرفوا المجموعات يوقظونا في ساعة متأخرة من الليل..
ويأمرونا بالخروج خارج الخيمة ومن ثم نصف في خط طويل ونخرج برفقة احدهم خارج المخيم.. ومن ثم يقوم المشرف بتذكيرنا ووعظنا بكلمات تناسب الحدث..
كانت تلك الخرجات متعبة في لحظتها ولكن ما يترتب عليها من تأثير على النفس والعقل والفكر شيء يفوق الخيال وصفه..
إن الإخوة القائمين على تلك البرامج حينما يفعلون ما يفعلون إنما قصدهم بذلك هو غرس النظام واستغلال الأوقات وتنمية الخشية والخوف من الله تعالى في قلوبنا..
انتهت أيام المخيم ..
وبنهايته يبدأ مشواري الجديد في هذه الحياة...
الحلقة الثانية
كان لذلك المخيم أبلغ الأثر على حياتي وسلوكي..
ولا عجب إن لاحظتم معاشر القراء الكرام ..
تلك الحرب الضروس على تلك البرامج النافعة..
من أذناب الغرب والمدسوسين بيننا .. ممن ينعق صبح ومساء بما لا يعقل ..
فكل باب للخير والفضيلة ونشرها سعوا في درسه والقضاء عليه..
فلا شك أن لوطأتها عليهم شأنا لا يستهان به..
فهي تمد الأمة بروافد من العقول المخلصة لهذا الدين والأمة..
سلكت طريق الهداية واستمر هؤلاء الرجال ممن ذكرت وغيرهم..
في غرس الفضائل والمعاني السامية في، وفي آلاف الشباب..
الذين منهم الآن الطبيب والمهندس والمعلم والقاضي والصحفي والداعية والتاجر
التزمت بالمشاركة في برامج بالمكتبة في جامع ابن عمار بحي القمرية..
وكان يشرف علينا شخص اسمه خالد بن مسلط البقمي..
كان غاية في النبل والأدب والشهامة ..
ولكنه للأسف تغير كثيرا بعد أن انصرف للعمل في التجارة..
وآخر عهدي به إنسان عادي جدا لا تكاد الدعوة والعمل لها يأخذان من اهتمامه شيئا..
من المواقف التي لا تنسى مع أبي سليمان وهذه كنيته التي يحب أن نناديه بها حيث نظم لنا رحلة لمجموعة من طلاب المكتبة..
وكانت الرحلة لأحد الوديان الجميلة في منطقة الشفا جنوب الطائف..
كلفنا الأخ خالد بذبح الخروف وشويه في برميل ..
على الطريقة المعروفة في صنع المندي
ولكن لتأخر نضج الطبيخ بسبب قلة خبرة الطباخين..
لم يستوي اللحم سوى بعد أذان العصر..
صلينا العصر .. وبطوننا ترتل وتقرقر جوعا وتثيرها رائحة الشواء حولنا..
فالمنطقة مليئة بالمصطافين حينها..
استخرجنا اللحم وعزمنا على أكله حتى ولو لم ينضج جيدا فالجوع أبصر كما يقولون..
حينما وضعنا السفر واستوى اللحم على الرز المعصفر..
هطلت علينا كميات هائلة من الأمطار..!!
كأن حبات المطر تصب علينا صبا ..!!
لقد استغرق اجتماع السحب وتراكمها دقائق معدودة والله..
لم نشعر بذلك .. واستمررنا في التهام الطعام المبلول..!!
وفجأة صرخ الصريخ..
وتردد صداه في كل الوادي : السيل، السيل..!!
هجم علينا سيل من فم الوادي ..
حينما أبصرنا التيار يهدر نحونا ..
ولى الجميع ولم نلوي على شيء..
جرف التيار السيارات والأوادم.. ولكن الله سلم فقد تدارك الناس بعضهم..
أما السيارات فقد امتلأت بالوحل والطين حتى سقوفها ..
وأما نحن فقد كنا نراقب تلك المشاهد ونحن نرجف تحت الأشجار نرجف من البرد والجوع!!
هذا موقف أذكره جيدا من تلك الرحلات الممتعة..!!
تعرفت على شخص بعد ذلك اشتهر بكنيته وهي أبو أسامة..
واسمه عبد الله الغامدي ... وهو صاحب الإنشاد لقصائد الشريط المشهور هادم اللذات.... لمن يعرفه منكم..
وكان جارا لنا ، وهو رجل ذو همة عالية في الدعوة على الله ..
وما زال يعمل في الخطابة حتى كتابة هذه السطور..
لازمت هذا الرجل عدة سنوات كظله حتى ظن بعض الناس انه والدي!!
وكنت من شغفي به وعلاقتي القوية أحب تقليد صوته ومشيته وحركاته..
وأذكر مرة أن أحد المشائخ لحقني في السوق ظانا أن من يلحقه هو أبو أسامه!!
وكنت مقفيا وأسير بخطى سريعة فصار الرجل يناديني بغير اسمي فلا أرد عليه..!!
وحينما التفت إليه صدم برؤية شخص آخر غير من يبحث عنه..!!!
كنت حينها أبلغ الرابعة عشر من عمري تقريبا...
شاركت في البرامج الدورية للمكتبة يوم الأربعاء والخميس.. من كل أسبوع..
حتى ذلك الوقت كانت علاقتي بالوالد على مايرام..
فمستواي الدراسي في المدرسة فوق الجيد جدا ..
وللأسف فإن بعض الآباء جعلوا المقياس في نجاح أولادهم..
بمدى تفوقهم في دراستهم دون النظر في تميزهم في الجوانب الأخرى..
حينما التحقت بمدرسة هوازن الثانوية..
وكان النظام فيها النظام الشامل أو ما يسمى المطور.. الذي الغي لاحقا لفشله الذر يع..
كان هذا النظام يعطي حرية في الخيارات للطالب ..
في اختيار الجدول المناسب له كيفما يشاء..
وكذلك في اختيار المعلم الذي يرغبه..
لا شك أن هذا النظام والحرية الممنوحة لي كطالب ..
ساهم بشكل أو بآخر في تدني مستواي الدراسي..
فبسبب ارتخاء القبضة كما في النظام العادي ، وتدني الرقابة.. بسبب النظام صرت أغيب عن الدروس والمحاضرات في الفصل بمزاعم واهية..
في البداية ظن الوالد أن القضية هي مرحلة صعبة سأتجاوزها..
ولم يقدر الموقف حق قدره .. وليته فعل ..
لم يسبق لي أن رسبت في أي سنة ..
ولكن حصل أن حرمت في بعض المواد لا بسبب تدني المستوى بل للغياب..
حينما علم الوالد بذلك ظن أن السبب هو الرفقة لانشغالي معهم في برامج جانبية..
غير مهمة .. فالدراسة والمستقبل هي الأساس..
وبذلك صار الوالد يضغط علي للتقليل من روحاتي وخرجاتي..
كنت حينها مراهقا .. فاستمرأت أن يمنعني الوالد عما كنت أمارسه لسنوات..!!
فلم أطعه فيما يأمرني به..
الذي حصل أن الوالد بمشورة من قريب لي سامحه الله ..
قرر حرماني حرمانا مطلقا من أصحابي..
لقد كان ذلك بالنسبة لي أشبه بمنعي من شرب الماء أو تنفس الهواء..
لقد أعطى ذلك الحضر مفعولا عكسيا فقد تدهورت كثيرا في دراستي ولم اعد أذاكر دروسي ولو فعلت فإن ذلك يكون بالإكراه..!!
أذكر أن الوالد خوفا من أن ألتقي بأحد من رفقائي منعني مرة من صلاة الجماعة ..
ولم يستمر ذلك بطبيعة الحال ..
ولكن كانت تمر علي وجبات دسمة من الحظر كل فترة!!!
كنت محبا للعلم وطلبه ... وخاصة العلوم الشرعية..
التزمت بحلقة الشيخ أحمد بن موسى السهلي.. في جامع الأمير أحمد في درس عمدة الحكام .. وكذلك دروس الشيخ صالح الزهراني بجامع الشطبه ..
في كتاب زاد المعاد..
لكن المشكلة بالنسبة لي هي وسيلة المواصلات للوصول لهذا الأماكن..
ويعلم الله كم كنت أعاني لحضور تلك الدروس..
فكم مرة مشيت عشرات الكيلوات لأصل للدرس..
وكم مرة توسلت لجار أو صاحب ليوصلني..
لم يكن هناك رفيق لي لديه سيارة وملتزم بالحضور..
لقد كنت شغوفا بالعلم وأحرص أن أكون في أول الصفوف أمام المشائخ..
أذكر مرة أنني مشيت من بيتنا في حي السحيلي وحتى جامع الشطبه..
لكي أصلي الجمعة مع شيخنا!!!..
أما حضور محاضرات المشائخ المشهورين فهذا مالا أصبر عليه..
منعت من ذلك كله دفعة واحدة ...
حينها قررت أن أهرب من البيت لألتحق بطلب العلم لدى أحد العلماء..
في عام 1409 للهجرة ..
كنت أدرس في الصف الثاني المتوسط بمدرسة حطين في مدينة الطائف..
وكنت حينها فتى كأترابي ...
لاهم لي في الحياة سوى مدرستي واللعب مع أصحابي بعد انتهاء الدراسة..
لم يكن لدي أي ميول نحو التدين والاستقامة والالتزام بشعائر الدين ..
بل كنت حينها لا اعرف معنى للدين .. فقد ربينا للأسف من الصغر..
على الاهتمام بدروسنا ومدرستنا ولم يكن لجانب الدين أي شيء يذكر من الأهمية..
ويقتصر ذلك في الغالب على صلاة الجمعة .. أو الأعياد..
كان أول شخص متدين ومستقيم أتأثر به وأحبه هو أستاذي
في مادة التربية الدينية في تلك السنة واسمه عمير القرشي..
إن ابتسامة وطيبة الأستاذ عمير ونصائحه وتوجيهاته..
كل ذلك ما زال في الذاكرة محتبسا .. وكلماته ...
ما زالت ترن في أذني حتى هذه الساعة وأنا أكتب هذه المذكرات..
لقد كان مربيا فذا ورجلا ساحرا بعباراته الصادقة ..
كان حينما يفسر آيات القرءان الكريم ويصف مشاهد يوم القيامة والحشر والجنة والنار
كانت كلماته وعباراته تلج القلوب كالسهام..
كان يسير في الصف وبين الطاولات فكنت أطارده بنظري أينما توجه ..
أريد أن ألتهم ما يقوله التهاما ..
كانت العبارات تخرج من فمه كأنها مدافع تدوي تدك كل حظوظ الشيطان في القلوب..
أحسبه رجلا مخلصا والله حسيبه..
كنا أحيانا ونحن في تلك السنون ما زلنا في حكم الطفولة..!!!
كنا والله يبلغ بنا التأثر بحديثه حتى نبكي..!!
ولكن للأسف فجأة وبلا مقدمات حرمنا من هذا الأستاذ الجليل..
لينقل في التوجيه في إدارة التعليم في المنطقة..!!!
لقد كان خطئا فادحا أن يحرم الطلاب من هذا المعلم ذو الطراز النادر لينقل لعمل إداري
ولكن الله تعالى خلف علينا خيرا في أستاذ آخر ..
كان له فضل علي بشكل خاص..
لا أنساه له أبدا .. إنه الأستاذ طلال المشعبي..
قال لنا الأستاذ طلال : أنا تلميذ للأستاذ عمير القرشي ..
فهو أستاذي وشيخي وأستاذكم لذا سنحاول أن نكمل المسيرة على نفس المنوال..
لن أطيل الحديث في مواقف الأستاذ طلال بارك الله فيه..
ولكن سأذكر موقفا له غير مجرى حياتي للخير إن شاء الله تعالى..
أبدى الأستاذ طلال بي اهتماما خاصا .. ولقد كنت بحمد الله في فصلي من النابهين..
أحببته حبا يتجاوز حدود الاحترام للطالب مع أستاذه ...
لتصبح العلاقة علاقة شبيهة بود الابن مع والده ..
سجلت في برامج التوعية في وقت الفسحة..
وكنت استمع مع الآخرين لتوجيهات الأستاذ طلال..
وذات مرة كنت ألعب أمام منزلنا القريب من الجامع فلاحظت سيارة شبيهة بسيارة
الأستاذ طلال .. انتظرت ولم أصل !!! حتى يخرج صاحبها بعد الصلاة..
وفعلا خرج الأستاذ طلال ..
كان للمعلم حينها مهابة هائلة في قلوب الطلاب خلاف ما أسمعه اليوم!!
توجهت إليه وسلمت عليه... فسألني بصرامة : هل صليت؟؟
مسحت قفاي وأرخيت رأسي وقلت لا !!
قال ليش؟؟
استحييت ولم أجب فهل سأقول أنا لا أصلي أصلا!!!
فهم الحال ، ولم أنتظر أن يعاتبني توجهت لدورات المياه وتوضأت للصلاة..
ثم دخلت المسجد فركعت أربع ركعات للعشاء..
خرجت من المسجد فلم أرى أحدا ..
بعد عدة أيام رأيت سيارة الأستاذ طلال مرة أخرى أمام المسجد ..
وهذه المرة سابقت الريح لأصلي مع الجماعة..
وبعد الصلاة تعمدت أن أظهر للأستاذ خروجي من المسجد..
ابتسم أستاذي وناداني ..
اقتربت منه وقال لي أين منزلكم..
أشرت له لمنزلنا المستأجر حيث قد باع الوالد بيتنا القديم وهو يبني بيتا جديدا في مخطط السحيلي شرق الطائف ..
دعوته لزيارتنا فقال الآن لا يصلح ولا أستطيع ولكن ممكن أزوركم غدا !!!
رحبت به وواعدته غدا بعد صلاة المغرب..!!
ذهبت لوالدي وبلغته بالحال.. استغرب الوالد من الزيارة ..
فليس من العادة أن يزور معلم تلميذا في بيته ..
وليس أيضا من العادة أن يدعوا فتى صغير رجلا كبيرا بغير إذن أهله..
رضخ الوالد للأمر الواقع وقال أهلا به ..
في اليوم التالي زارنا الأستاذ طلال في بيتنا وتعرف على الوالد ..
وكان والدي حينها مديرا لإحدى مدارس الطائف..
كان اللقاء رسميا .. ووالدي من طبعه رحمه الله التكلف مع الضيف..
فيشعر ذلك الضيف بالحرج فتنقلب المسألة مجاملات في مجاملات..
والسؤال لماذا الزيارة؟ وما هدفها؟ وهل كان الأستاذ طلال متعمدا لكل ما سبق ؟؟
ذكر الأستاذ طلال للوالد أن هناك مخيما للشباب في فترة الإجازة النصف سنوية..
ومدة المخيم أسبوع وتنظمه إدارة التعليم في الطائف.. وقد حث والدي على أن أشارك
في هذا المخيم!!!
قال الوالد لا بأس بذلك !!
فرحت بذلك وسررت بالفكرة فقد كان ذلك بمثابة حلم لي أن أشارك في عمل كهذا ..
انتهت أيام الامتحانات ..
وفي صباح يوم من أيام الربيع الجميلة حملني والدي برفقة أخيه الصغير ( عمي)
في سيارته إلى موقع تجمع المشاركين في المخيم...
وذلك خلف فناء إدارة التعليم في الطائف..
وضع والدي في جيبي ثلاثين ريالا وكذلك في جيب أخيه ..
أظن هذا اكبر مبلغ حصلت عليه في حياتي منذ ولدت حتى ذلك التاريخ!!!
حينما وصلنا لمنطقة التجمع هالني الجمع الغفير من الفتيان ممن هم في سني أو قريبا مني .. أذكر أن الساحة امتلأت بالحقائب وأكياس النايلون الكبيرة المحشوة بالملابس وبعضهم أحضر معه وسائد وطرا ريح والحفة مطوية بحبال !!!
أما أنا فجئت بثوبي الذي علي وكيس صغير فيه ملابس قليلة للتبديل..!!
غادر الوالد بعد أن تأكد من المشرفين عن أن كل شيء على ما يرام..
طلعت الشمس وما زالت الجموع تزيد حتى غصت بهم الساحة ..
في حوالي الساعة الثامنة نادى مشرفوا المخيم على أسماء الطلاب المسجلين في المخيم..
وركبت في الباص المحدد لمجموعتي ..
كانت وجهتنا لمنطقة الشرائع قريبا من مكة المكرمة شرفها الله..
في الباص وقف شخص عليه لحية حمراء وثيابه نظيفة .. وساعته في اليمين..!!!
كان على وجهه نور الطاعة ..
وقف ليذكرنا بدعاء السفر وسأل:
من يعرف دعاء السفر؟؟
أول مرة في حياتي أسمع بدعاء السفر والله..!!
رددناه جميعا خلفه .. حتى حفظته عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت..
طوال الرحلة كان يتبادل المذكور مع زميل له..
قراءة مسابقات ورواية قصص وطرائف ونحو ذلك مما يفيد ويمتع..
كانت أول رحلة مفيدة وأول مرة أدرك كيف يمكن استغلال الوقت ..
في مثل هذه الرحلات المليئة بالفائدة والإرشاد..
وصلنا لمنطقة المخيم.. وهي على يمين الداخل إلى مكة قبل أن تصل لنقطة التفتيش..
كانت أكوام الخيام ملقاة على أرض المخيم..
وطلبوا من كل مجموعة أن تتولى تركيب خيامها..
استمتعنا بذلك أيما استمتاع فهذا أول عمل جاد ومتقن أقوم به بشكل جماعي..!!
وفي وقت صلاة الظهر اجتمعنا تحت خيمة واحدة ضخمة للصلاة..
ودخل علينا رجل في عمر الأربعينات عليه سيما الصلاح ووجه مليء بالجدية والصرامة..!!!
وهو الشيخ محمد بن زاهر الشهري بارك الله في عمره ولم أكن اعرفه حينها..
امتلأ قلبي والله حينها من مهابته..
حينما وقف في وسط الخيمة وتكلم في الجموع بتوجيهات عامة وأمر كل شخص منا بالانضباط ..
واستغلال هذه الأيام بالنافع المفيد
كان الترتيب والنظام والضبط هو السيما البارزة على هذا العمل..
أذكر أن أصحابي أيقظوني للصلاة قبل الفجر ..
وحينما ذهبت للوضوء أعطونا كاسات بلاستيكية ..
بحيث يتوضأ الشخص بكأس واحدة فقط!!!
رأيت المسجد مضاء والنعال تملاء أطرافه..!!!
وحينما وصلت إليه شاهدت الناس كأنهم خلية نحل من صوت القرءان..
أمسكت بشخص مر بجواري وسألته : هل أذن الصبح؟؟
قال بقي نصف ساعة على الأذان !!!
صلى بنا الفجر شخص رقيق وصوته جميل ..
وسمعت أشخاصا تأثروا بالآيات فبكوا !!
وبعد الصلاة وقف شخص ليتكلم لمدة عشر دقائق .. بخاطرة ونصيحة..
كان مطلوبا من كل مجموعة أن تختار شخصا يمثلها في الكلمات بعد الصلاة ..
ومن ثم يقوم أحد المشرفين بالتعليق على كلمته...
وفي الساعة الثامنة يستيقظ كل المخيم لوجبة الإفطار ..
ويلزم كل شخص ترتيب مكان نومه.. ولا يتركه مبعثرا..
وهناك مجموعات تفتش الخيام وتعاقب كل من يهمل بالضغط عشر مرات أو الزحف على بطنه.. كانت مشاهد المعاقبين تثير الضحك والسرور بين المشاركين ..
كانت البرامج متنوعة وحافلة بالفوائد والنشاط والبهجة..
فهناك البرامج الترفيهية والمسرحيات والمسابقات والبرامج الرياضية..
ومن المناشط تنظيم المحاضرات ..
أول مرة احضر محاضرة كانت في ذلك المخيم وكان ضيفنا هو الشيخ عبد الله الجلالي.
الداعية المشهور .. وممن زارنا في المخيم لإلقاء المحاضرات.. الشيخ عائض القرني والشيخ سفر الحوالي والشيخ ستر الجعيد والشيخ محمد بن سعيد القحطاني.. وغيرهم..
لن أغرقك أخي القارئ بالتفاصيل عن هذا المخيم ..
ولكن يعلم الله تعالى كم كان لتلك المواقف والكلمات والدروس من صدى وتوجيه أحمد الله تعالى عليه أن هيئ لهذه الأمة كهؤلاء الرجال الذين يشرفون على تلك البرامج النافعة المباركة..
كان مشرفوا المجموعات يوقظونا في ساعة متأخرة من الليل..
ويأمرونا بالخروج خارج الخيمة ومن ثم نصف في خط طويل ونخرج برفقة احدهم خارج المخيم.. ومن ثم يقوم المشرف بتذكيرنا ووعظنا بكلمات تناسب الحدث..
كانت تلك الخرجات متعبة في لحظتها ولكن ما يترتب عليها من تأثير على النفس والعقل والفكر شيء يفوق الخيال وصفه..
إن الإخوة القائمين على تلك البرامج حينما يفعلون ما يفعلون إنما قصدهم بذلك هو غرس النظام واستغلال الأوقات وتنمية الخشية والخوف من الله تعالى في قلوبنا..
انتهت أيام المخيم ..
وبنهايته يبدأ مشواري الجديد في هذه الحياة...
الحلقة الثانية
كان لذلك المخيم أبلغ الأثر على حياتي وسلوكي..
ولا عجب إن لاحظتم معاشر القراء الكرام ..
تلك الحرب الضروس على تلك البرامج النافعة..
من أذناب الغرب والمدسوسين بيننا .. ممن ينعق صبح ومساء بما لا يعقل ..
فكل باب للخير والفضيلة ونشرها سعوا في درسه والقضاء عليه..
فلا شك أن لوطأتها عليهم شأنا لا يستهان به..
فهي تمد الأمة بروافد من العقول المخلصة لهذا الدين والأمة..
سلكت طريق الهداية واستمر هؤلاء الرجال ممن ذكرت وغيرهم..
في غرس الفضائل والمعاني السامية في، وفي آلاف الشباب..
الذين منهم الآن الطبيب والمهندس والمعلم والقاضي والصحفي والداعية والتاجر
التزمت بالمشاركة في برامج بالمكتبة في جامع ابن عمار بحي القمرية..
وكان يشرف علينا شخص اسمه خالد بن مسلط البقمي..
كان غاية في النبل والأدب والشهامة ..
ولكنه للأسف تغير كثيرا بعد أن انصرف للعمل في التجارة..
وآخر عهدي به إنسان عادي جدا لا تكاد الدعوة والعمل لها يأخذان من اهتمامه شيئا..
من المواقف التي لا تنسى مع أبي سليمان وهذه كنيته التي يحب أن نناديه بها حيث نظم لنا رحلة لمجموعة من طلاب المكتبة..
وكانت الرحلة لأحد الوديان الجميلة في منطقة الشفا جنوب الطائف..
كلفنا الأخ خالد بذبح الخروف وشويه في برميل ..
على الطريقة المعروفة في صنع المندي
ولكن لتأخر نضج الطبيخ بسبب قلة خبرة الطباخين..
لم يستوي اللحم سوى بعد أذان العصر..
صلينا العصر .. وبطوننا ترتل وتقرقر جوعا وتثيرها رائحة الشواء حولنا..
فالمنطقة مليئة بالمصطافين حينها..
استخرجنا اللحم وعزمنا على أكله حتى ولو لم ينضج جيدا فالجوع أبصر كما يقولون..
حينما وضعنا السفر واستوى اللحم على الرز المعصفر..
هطلت علينا كميات هائلة من الأمطار..!!
كأن حبات المطر تصب علينا صبا ..!!
لقد استغرق اجتماع السحب وتراكمها دقائق معدودة والله..
لم نشعر بذلك .. واستمررنا في التهام الطعام المبلول..!!
وفجأة صرخ الصريخ..
وتردد صداه في كل الوادي : السيل، السيل..!!
هجم علينا سيل من فم الوادي ..
حينما أبصرنا التيار يهدر نحونا ..
ولى الجميع ولم نلوي على شيء..
جرف التيار السيارات والأوادم.. ولكن الله سلم فقد تدارك الناس بعضهم..
أما السيارات فقد امتلأت بالوحل والطين حتى سقوفها ..
وأما نحن فقد كنا نراقب تلك المشاهد ونحن نرجف تحت الأشجار نرجف من البرد والجوع!!
هذا موقف أذكره جيدا من تلك الرحلات الممتعة..!!
تعرفت على شخص بعد ذلك اشتهر بكنيته وهي أبو أسامة..
واسمه عبد الله الغامدي ... وهو صاحب الإنشاد لقصائد الشريط المشهور هادم اللذات.... لمن يعرفه منكم..
وكان جارا لنا ، وهو رجل ذو همة عالية في الدعوة على الله ..
وما زال يعمل في الخطابة حتى كتابة هذه السطور..
لازمت هذا الرجل عدة سنوات كظله حتى ظن بعض الناس انه والدي!!
وكنت من شغفي به وعلاقتي القوية أحب تقليد صوته ومشيته وحركاته..
وأذكر مرة أن أحد المشائخ لحقني في السوق ظانا أن من يلحقه هو أبو أسامه!!
وكنت مقفيا وأسير بخطى سريعة فصار الرجل يناديني بغير اسمي فلا أرد عليه..!!
وحينما التفت إليه صدم برؤية شخص آخر غير من يبحث عنه..!!!
كنت حينها أبلغ الرابعة عشر من عمري تقريبا...
شاركت في البرامج الدورية للمكتبة يوم الأربعاء والخميس.. من كل أسبوع..
حتى ذلك الوقت كانت علاقتي بالوالد على مايرام..
فمستواي الدراسي في المدرسة فوق الجيد جدا ..
وللأسف فإن بعض الآباء جعلوا المقياس في نجاح أولادهم..
بمدى تفوقهم في دراستهم دون النظر في تميزهم في الجوانب الأخرى..
حينما التحقت بمدرسة هوازن الثانوية..
وكان النظام فيها النظام الشامل أو ما يسمى المطور.. الذي الغي لاحقا لفشله الذر يع..
كان هذا النظام يعطي حرية في الخيارات للطالب ..
في اختيار الجدول المناسب له كيفما يشاء..
وكذلك في اختيار المعلم الذي يرغبه..
لا شك أن هذا النظام والحرية الممنوحة لي كطالب ..
ساهم بشكل أو بآخر في تدني مستواي الدراسي..
فبسبب ارتخاء القبضة كما في النظام العادي ، وتدني الرقابة.. بسبب النظام صرت أغيب عن الدروس والمحاضرات في الفصل بمزاعم واهية..
في البداية ظن الوالد أن القضية هي مرحلة صعبة سأتجاوزها..
ولم يقدر الموقف حق قدره .. وليته فعل ..
لم يسبق لي أن رسبت في أي سنة ..
ولكن حصل أن حرمت في بعض المواد لا بسبب تدني المستوى بل للغياب..
حينما علم الوالد بذلك ظن أن السبب هو الرفقة لانشغالي معهم في برامج جانبية..
غير مهمة .. فالدراسة والمستقبل هي الأساس..
وبذلك صار الوالد يضغط علي للتقليل من روحاتي وخرجاتي..
كنت حينها مراهقا .. فاستمرأت أن يمنعني الوالد عما كنت أمارسه لسنوات..!!
فلم أطعه فيما يأمرني به..
الذي حصل أن الوالد بمشورة من قريب لي سامحه الله ..
قرر حرماني حرمانا مطلقا من أصحابي..
لقد كان ذلك بالنسبة لي أشبه بمنعي من شرب الماء أو تنفس الهواء..
لقد أعطى ذلك الحضر مفعولا عكسيا فقد تدهورت كثيرا في دراستي ولم اعد أذاكر دروسي ولو فعلت فإن ذلك يكون بالإكراه..!!
أذكر أن الوالد خوفا من أن ألتقي بأحد من رفقائي منعني مرة من صلاة الجماعة ..
ولم يستمر ذلك بطبيعة الحال ..
ولكن كانت تمر علي وجبات دسمة من الحظر كل فترة!!!
كنت محبا للعلم وطلبه ... وخاصة العلوم الشرعية..
التزمت بحلقة الشيخ أحمد بن موسى السهلي.. في جامع الأمير أحمد في درس عمدة الحكام .. وكذلك دروس الشيخ صالح الزهراني بجامع الشطبه ..
في كتاب زاد المعاد..
لكن المشكلة بالنسبة لي هي وسيلة المواصلات للوصول لهذا الأماكن..
ويعلم الله كم كنت أعاني لحضور تلك الدروس..
فكم مرة مشيت عشرات الكيلوات لأصل للدرس..
وكم مرة توسلت لجار أو صاحب ليوصلني..
لم يكن هناك رفيق لي لديه سيارة وملتزم بالحضور..
لقد كنت شغوفا بالعلم وأحرص أن أكون في أول الصفوف أمام المشائخ..
أذكر مرة أنني مشيت من بيتنا في حي السحيلي وحتى جامع الشطبه..
لكي أصلي الجمعة مع شيخنا!!!..
أما حضور محاضرات المشائخ المشهورين فهذا مالا أصبر عليه..
منعت من ذلك كله دفعة واحدة ...
حينها قررت أن أهرب من البيت لألتحق بطلب العلم لدى أحد العلماء..
المدينة داري :الحلقة الأولى في عام 1409 للهجرة .. كنت أدرس في الصف الثاني المتوسط بمدرسة حطين في مدينة الطائف.. وكنت حينها فتى كأترابي ... لاهم لي في الحياة سوى مدرستي واللعب مع أصحابي بعد انتهاء الدراسة.. لم يكن لدي أي ميول نحو التدين والاستقامة والالتزام بشعائر الدين .. بل كنت حينها لا اعرف معنى للدين .. فقد ربينا للأسف من الصغر.. على الاهتمام بدروسنا ومدرستنا ولم يكن لجانب الدين أي شيء يذكر من الأهمية.. ويقتصر ذلك في الغالب على صلاة الجمعة .. أو الأعياد.. كان أول شخص متدين ومستقيم أتأثر به وأحبه هو أستاذي في مادة التربية الدينية في تلك السنة واسمه عمير القرشي.. إن ابتسامة وطيبة الأستاذ عمير ونصائحه وتوجيهاته.. كل ذلك ما زال في الذاكرة محتبسا .. وكلماته ... ما زالت ترن في أذني حتى هذه الساعة وأنا أكتب هذه المذكرات.. لقد كان مربيا فذا ورجلا ساحرا بعباراته الصادقة .. كان حينما يفسر آيات القرءان الكريم ويصف مشاهد يوم القيامة والحشر والجنة والنار كانت كلماته وعباراته تلج القلوب كالسهام.. كان يسير في الصف وبين الطاولات فكنت أطارده بنظري أينما توجه .. أريد أن ألتهم ما يقوله التهاما .. كانت العبارات تخرج من فمه كأنها مدافع تدوي تدك كل حظوظ الشيطان في القلوب.. أحسبه رجلا مخلصا والله حسيبه.. كنا أحيانا ونحن في تلك السنون ما زلنا في حكم الطفولة..!!! كنا والله يبلغ بنا التأثر بحديثه حتى نبكي..!! ولكن للأسف فجأة وبلا مقدمات حرمنا من هذا الأستاذ الجليل.. لينقل في التوجيه في إدارة التعليم في المنطقة..!!! لقد كان خطئا فادحا أن يحرم الطلاب من هذا المعلم ذو الطراز النادر لينقل لعمل إداري ولكن الله تعالى خلف علينا خيرا في أستاذ آخر .. كان له فضل علي بشكل خاص.. لا أنساه له أبدا .. إنه الأستاذ طلال المشعبي.. قال لنا الأستاذ طلال : أنا تلميذ للأستاذ عمير القرشي .. فهو أستاذي وشيخي وأستاذكم لذا سنحاول أن نكمل المسيرة على نفس المنوال.. لن أطيل الحديث في مواقف الأستاذ طلال بارك الله فيه.. ولكن سأذكر موقفا له غير مجرى حياتي للخير إن شاء الله تعالى.. أبدى الأستاذ طلال بي اهتماما خاصا .. ولقد كنت بحمد الله في فصلي من النابهين.. أحببته حبا يتجاوز حدود الاحترام للطالب مع أستاذه ... لتصبح العلاقة علاقة شبيهة بود الابن مع والده .. سجلت في برامج التوعية في وقت الفسحة.. وكنت استمع مع الآخرين لتوجيهات الأستاذ طلال.. وذات مرة كنت ألعب أمام منزلنا القريب من الجامع فلاحظت سيارة شبيهة بسيارة الأستاذ طلال .. انتظرت ولم أصل !!! حتى يخرج صاحبها بعد الصلاة.. وفعلا خرج الأستاذ طلال .. كان للمعلم حينها مهابة هائلة في قلوب الطلاب خلاف ما أسمعه اليوم!! توجهت إليه وسلمت عليه... فسألني بصرامة : هل صليت؟؟ مسحت قفاي وأرخيت رأسي وقلت لا !! قال ليش؟؟ استحييت ولم أجب فهل سأقول أنا لا أصلي أصلا!!! فهم الحال ، ولم أنتظر أن يعاتبني توجهت لدورات المياه وتوضأت للصلاة.. ثم دخلت المسجد فركعت أربع ركعات للعشاء.. خرجت من المسجد فلم أرى أحدا .. بعد عدة أيام رأيت سيارة الأستاذ طلال مرة أخرى أمام المسجد .. وهذه المرة سابقت الريح لأصلي مع الجماعة.. وبعد الصلاة تعمدت أن أظهر للأستاذ خروجي من المسجد.. ابتسم أستاذي وناداني .. اقتربت منه وقال لي أين منزلكم.. أشرت له لمنزلنا المستأجر حيث قد باع الوالد بيتنا القديم وهو يبني بيتا جديدا في مخطط السحيلي شرق الطائف .. دعوته لزيارتنا فقال الآن لا يصلح ولا أستطيع ولكن ممكن أزوركم غدا !!! رحبت به وواعدته غدا بعد صلاة المغرب..!! ذهبت لوالدي وبلغته بالحال.. استغرب الوالد من الزيارة .. فليس من العادة أن يزور معلم تلميذا في بيته .. وليس أيضا من العادة أن يدعوا فتى صغير رجلا كبيرا بغير إذن أهله.. رضخ الوالد للأمر الواقع وقال أهلا به .. في اليوم التالي زارنا الأستاذ طلال في بيتنا وتعرف على الوالد .. وكان والدي حينها مديرا لإحدى مدارس الطائف.. كان اللقاء رسميا .. ووالدي من طبعه رحمه الله التكلف مع الضيف.. فيشعر ذلك الضيف بالحرج فتنقلب المسألة مجاملات في مجاملات.. والسؤال لماذا الزيارة؟ وما هدفها؟ وهل كان الأستاذ طلال متعمدا لكل ما سبق ؟؟ ذكر الأستاذ طلال للوالد أن هناك مخيما للشباب في فترة الإجازة النصف سنوية.. ومدة المخيم أسبوع وتنظمه إدارة التعليم في الطائف.. وقد حث والدي على أن أشارك في هذا المخيم!!! قال الوالد لا بأس بذلك !! فرحت بذلك وسررت بالفكرة فقد كان ذلك بمثابة حلم لي أن أشارك في عمل كهذا .. انتهت أيام الامتحانات .. وفي صباح يوم من أيام الربيع الجميلة حملني والدي برفقة أخيه الصغير ( عمي) في سيارته إلى موقع تجمع المشاركين في المخيم... وذلك خلف فناء إدارة التعليم في الطائف.. وضع والدي في جيبي ثلاثين ريالا وكذلك في جيب أخيه .. أظن هذا اكبر مبلغ حصلت عليه في حياتي منذ ولدت حتى ذلك التاريخ!!! حينما وصلنا لمنطقة التجمع هالني الجمع الغفير من الفتيان ممن هم في سني أو قريبا مني .. أذكر أن الساحة امتلأت بالحقائب وأكياس النايلون الكبيرة المحشوة بالملابس وبعضهم أحضر معه وسائد وطرا ريح والحفة مطوية بحبال !!! أما أنا فجئت بثوبي الذي علي وكيس صغير فيه ملابس قليلة للتبديل..!! غادر الوالد بعد أن تأكد من المشرفين عن أن كل شيء على ما يرام.. طلعت الشمس وما زالت الجموع تزيد حتى غصت بهم الساحة .. في حوالي الساعة الثامنة نادى مشرفوا المخيم على أسماء الطلاب المسجلين في المخيم.. وركبت في الباص المحدد لمجموعتي .. كانت وجهتنا لمنطقة الشرائع قريبا من مكة المكرمة شرفها الله.. في الباص وقف شخص عليه لحية حمراء وثيابه نظيفة .. وساعته في اليمين..!!! كان على وجهه نور الطاعة .. وقف ليذكرنا بدعاء السفر وسأل: من يعرف دعاء السفر؟؟ أول مرة في حياتي أسمع بدعاء السفر والله..!! رددناه جميعا خلفه .. حتى حفظته عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت.. طوال الرحلة كان يتبادل المذكور مع زميل له.. قراءة مسابقات ورواية قصص وطرائف ونحو ذلك مما يفيد ويمتع.. كانت أول رحلة مفيدة وأول مرة أدرك كيف يمكن استغلال الوقت .. في مثل هذه الرحلات المليئة بالفائدة والإرشاد.. وصلنا لمنطقة المخيم.. وهي على يمين الداخل إلى مكة قبل أن تصل لنقطة التفتيش.. كانت أكوام الخيام ملقاة على أرض المخيم.. وطلبوا من كل مجموعة أن تتولى تركيب خيامها.. استمتعنا بذلك أيما استمتاع فهذا أول عمل جاد ومتقن أقوم به بشكل جماعي..!! وفي وقت صلاة الظهر اجتمعنا تحت خيمة واحدة ضخمة للصلاة.. ودخل علينا رجل في عمر الأربعينات عليه سيما الصلاح ووجه مليء بالجدية والصرامة..!!! وهو الشيخ محمد بن زاهر الشهري بارك الله في عمره ولم أكن اعرفه حينها.. امتلأ قلبي والله حينها من مهابته.. حينما وقف في وسط الخيمة وتكلم في الجموع بتوجيهات عامة وأمر كل شخص منا بالانضباط .. واستغلال هذه الأيام بالنافع المفيد كان الترتيب والنظام والضبط هو السيما البارزة على هذا العمل.. أذكر أن أصحابي أيقظوني للصلاة قبل الفجر .. وحينما ذهبت للوضوء أعطونا كاسات بلاستيكية .. بحيث يتوضأ الشخص بكأس واحدة فقط!!! رأيت المسجد مضاء والنعال تملاء أطرافه..!!! وحينما وصلت إليه شاهدت الناس كأنهم خلية نحل من صوت القرءان.. أمسكت بشخص مر بجواري وسألته : هل أذن الصبح؟؟ قال بقي نصف ساعة على الأذان !!! صلى بنا الفجر شخص رقيق وصوته جميل .. وسمعت أشخاصا تأثروا بالآيات فبكوا !! وبعد الصلاة وقف شخص ليتكلم لمدة عشر دقائق .. بخاطرة ونصيحة.. كان مطلوبا من كل مجموعة أن تختار شخصا يمثلها في الكلمات بعد الصلاة .. ومن ثم يقوم أحد المشرفين بالتعليق على كلمته... وفي الساعة الثامنة يستيقظ كل المخيم لوجبة الإفطار .. ويلزم كل شخص ترتيب مكان نومه.. ولا يتركه مبعثرا.. وهناك مجموعات تفتش الخيام وتعاقب كل من يهمل بالضغط عشر مرات أو الزحف على بطنه.. كانت مشاهد المعاقبين تثير الضحك والسرور بين المشاركين .. كانت البرامج متنوعة وحافلة بالفوائد والنشاط والبهجة.. فهناك البرامج الترفيهية والمسرحيات والمسابقات والبرامج الرياضية.. ومن المناشط تنظيم المحاضرات .. أول مرة احضر محاضرة كانت في ذلك المخيم وكان ضيفنا هو الشيخ عبد الله الجلالي. الداعية المشهور .. وممن زارنا في المخيم لإلقاء المحاضرات.. الشيخ عائض القرني والشيخ سفر الحوالي والشيخ ستر الجعيد والشيخ محمد بن سعيد القحطاني.. وغيرهم.. لن أغرقك أخي القارئ بالتفاصيل عن هذا المخيم .. ولكن يعلم الله تعالى كم كان لتلك المواقف والكلمات والدروس من صدى وتوجيه أحمد الله تعالى عليه أن هيئ لهذه الأمة كهؤلاء الرجال الذين يشرفون على تلك البرامج النافعة المباركة.. كان مشرفوا المجموعات يوقظونا في ساعة متأخرة من الليل.. ويأمرونا بالخروج خارج الخيمة ومن ثم نصف في خط طويل ونخرج برفقة احدهم خارج المخيم.. ومن ثم يقوم المشرف بتذكيرنا ووعظنا بكلمات تناسب الحدث.. كانت تلك الخرجات متعبة في لحظتها ولكن ما يترتب عليها من تأثير على النفس والعقل والفكر شيء يفوق الخيال وصفه.. إن الإخوة القائمين على تلك البرامج حينما يفعلون ما يفعلون إنما قصدهم بذلك هو غرس النظام واستغلال الأوقات وتنمية الخشية والخوف من الله تعالى في قلوبنا.. انتهت أيام المخيم .. وبنهايته يبدأ مشواري الجديد في هذه الحياة... الحلقة الثانية كان لذلك المخيم أبلغ الأثر على حياتي وسلوكي.. ولا عجب إن لاحظتم معاشر القراء الكرام .. تلك الحرب الضروس على تلك البرامج النافعة.. من أذناب الغرب والمدسوسين بيننا .. ممن ينعق صبح ومساء بما لا يعقل .. فكل باب للخير والفضيلة ونشرها سعوا في درسه والقضاء عليه.. فلا شك أن لوطأتها عليهم شأنا لا يستهان به.. فهي تمد الأمة بروافد من العقول المخلصة لهذا الدين والأمة.. سلكت طريق الهداية واستمر هؤلاء الرجال ممن ذكرت وغيرهم.. في غرس الفضائل والمعاني السامية في، وفي آلاف الشباب.. الذين منهم الآن الطبيب والمهندس والمعلم والقاضي والصحفي والداعية والتاجر التزمت بالمشاركة في برامج بالمكتبة في جامع ابن عمار بحي القمرية.. وكان يشرف علينا شخص اسمه خالد بن مسلط البقمي.. كان غاية في النبل والأدب والشهامة .. ولكنه للأسف تغير كثيرا بعد أن انصرف للعمل في التجارة.. وآخر عهدي به إنسان عادي جدا لا تكاد الدعوة والعمل لها يأخذان من اهتمامه شيئا.. من المواقف التي لا تنسى مع أبي سليمان وهذه كنيته التي يحب أن نناديه بها حيث نظم لنا رحلة لمجموعة من طلاب المكتبة.. وكانت الرحلة لأحد الوديان الجميلة في منطقة الشفا جنوب الطائف.. كلفنا الأخ خالد بذبح الخروف وشويه في برميل .. على الطريقة المعروفة في صنع المندي ولكن لتأخر نضج الطبيخ بسبب قلة خبرة الطباخين.. لم يستوي اللحم سوى بعد أذان العصر.. صلينا العصر .. وبطوننا ترتل وتقرقر جوعا وتثيرها رائحة الشواء حولنا.. فالمنطقة مليئة بالمصطافين حينها.. استخرجنا اللحم وعزمنا على أكله حتى ولو لم ينضج جيدا فالجوع أبصر كما يقولون.. حينما وضعنا السفر واستوى اللحم على الرز المعصفر.. هطلت علينا كميات هائلة من الأمطار..!! كأن حبات المطر تصب علينا صبا ..!! لقد استغرق اجتماع السحب وتراكمها دقائق معدودة والله.. لم نشعر بذلك .. واستمررنا في التهام الطعام المبلول..!! وفجأة صرخ الصريخ.. وتردد صداه في كل الوادي : السيل، السيل..!! هجم علينا سيل من فم الوادي .. حينما أبصرنا التيار يهدر نحونا .. ولى الجميع ولم نلوي على شيء.. جرف التيار السيارات والأوادم.. ولكن الله سلم فقد تدارك الناس بعضهم.. أما السيارات فقد امتلأت بالوحل والطين حتى سقوفها .. وأما نحن فقد كنا نراقب تلك المشاهد ونحن نرجف تحت الأشجار نرجف من البرد والجوع!! هذا موقف أذكره جيدا من تلك الرحلات الممتعة..!! تعرفت على شخص بعد ذلك اشتهر بكنيته وهي أبو أسامة.. واسمه عبد الله الغامدي ... وهو صاحب الإنشاد لقصائد الشريط المشهور هادم اللذات.... لمن يعرفه منكم.. وكان جارا لنا ، وهو رجل ذو همة عالية في الدعوة على الله .. وما زال يعمل في الخطابة حتى كتابة هذه السطور.. لازمت هذا الرجل عدة سنوات كظله حتى ظن بعض الناس انه والدي!! وكنت من شغفي به وعلاقتي القوية أحب تقليد صوته ومشيته وحركاته.. وأذكر مرة أن أحد المشائخ لحقني في السوق ظانا أن من يلحقه هو أبو أسامه!! وكنت مقفيا وأسير بخطى سريعة فصار الرجل يناديني بغير اسمي فلا أرد عليه..!! وحينما التفت إليه صدم برؤية شخص آخر غير من يبحث عنه..!!! كنت حينها أبلغ الرابعة عشر من عمري تقريبا... شاركت في البرامج الدورية للمكتبة يوم الأربعاء والخميس.. من كل أسبوع.. حتى ذلك الوقت كانت علاقتي بالوالد على مايرام.. فمستواي الدراسي في المدرسة فوق الجيد جدا .. وللأسف فإن بعض الآباء جعلوا المقياس في نجاح أولادهم.. بمدى تفوقهم في دراستهم دون النظر في تميزهم في الجوانب الأخرى.. حينما التحقت بمدرسة هوازن الثانوية.. وكان النظام فيها النظام الشامل أو ما يسمى المطور.. الذي الغي لاحقا لفشله الذر يع.. كان هذا النظام يعطي حرية في الخيارات للطالب .. في اختيار الجدول المناسب له كيفما يشاء.. وكذلك في اختيار المعلم الذي يرغبه.. لا شك أن هذا النظام والحرية الممنوحة لي كطالب .. ساهم بشكل أو بآخر في تدني مستواي الدراسي.. فبسبب ارتخاء القبضة كما في النظام العادي ، وتدني الرقابة.. بسبب النظام صرت أغيب عن الدروس والمحاضرات في الفصل بمزاعم واهية.. في البداية ظن الوالد أن القضية هي مرحلة صعبة سأتجاوزها.. ولم يقدر الموقف حق قدره .. وليته فعل .. لم يسبق لي أن رسبت في أي سنة .. ولكن حصل أن حرمت في بعض المواد لا بسبب تدني المستوى بل للغياب.. حينما علم الوالد بذلك ظن أن السبب هو الرفقة لانشغالي معهم في برامج جانبية.. غير مهمة .. فالدراسة والمستقبل هي الأساس.. وبذلك صار الوالد يضغط علي للتقليل من روحاتي وخرجاتي.. كنت حينها مراهقا .. فاستمرأت أن يمنعني الوالد عما كنت أمارسه لسنوات..!! فلم أطعه فيما يأمرني به.. الذي حصل أن الوالد بمشورة من قريب لي سامحه الله .. قرر حرماني حرمانا مطلقا من أصحابي.. لقد كان ذلك بالنسبة لي أشبه بمنعي من شرب الماء أو تنفس الهواء.. لقد أعطى ذلك الحضر مفعولا عكسيا فقد تدهورت كثيرا في دراستي ولم اعد أذاكر دروسي ولو فعلت فإن ذلك يكون بالإكراه..!! أذكر أن الوالد خوفا من أن ألتقي بأحد من رفقائي منعني مرة من صلاة الجماعة .. ولم يستمر ذلك بطبيعة الحال .. ولكن كانت تمر علي وجبات دسمة من الحظر كل فترة!!! كنت محبا للعلم وطلبه ... وخاصة العلوم الشرعية.. التزمت بحلقة الشيخ أحمد بن موسى السهلي.. في جامع الأمير أحمد في درس عمدة الحكام .. وكذلك دروس الشيخ صالح الزهراني بجامع الشطبه .. في كتاب زاد المعاد.. لكن المشكلة بالنسبة لي هي وسيلة المواصلات للوصول لهذا الأماكن.. ويعلم الله كم كنت أعاني لحضور تلك الدروس.. فكم مرة مشيت عشرات الكيلوات لأصل للدرس.. وكم مرة توسلت لجار أو صاحب ليوصلني.. لم يكن هناك رفيق لي لديه سيارة وملتزم بالحضور.. لقد كنت شغوفا بالعلم وأحرص أن أكون في أول الصفوف أمام المشائخ.. أذكر مرة أنني مشيت من بيتنا في حي السحيلي وحتى جامع الشطبه.. لكي أصلي الجمعة مع شيخنا!!!.. أما حضور محاضرات المشائخ المشهورين فهذا مالا أصبر عليه.. منعت من ذلك كله دفعة واحدة ... حينها قررت أن أهرب من البيت لألتحق بطلب العلم لدى أحد العلماء..الحلقة الأولى في عام 1409 للهجرة .. كنت أدرس في الصف الثاني المتوسط بمدرسة حطين في...
الحلقة الثالثة..
لم تكن فكرة الهروب من المنزل ومن الواقع الجديد الذي أجبرت عليه..
لم تكن فكرة جاءت على البال فعزمت عليها هكذا!!
بل كانت الفكرة تطبخ في رأسي عدة أسابيع حتى هممت بها ..
لم أجرؤ في استشارة أحد في الموضوع.. سوى شخص واحد..
إنها زوجة والدي الجديدة..
الخالة كما تسمى في بعض المجتمعات أما نحن فنناديها بالعمة..
هذه المرأة الطيبة تزوجها الوالد قبل عدة سنوات من ذلك الموقف..
وهي امرأة عقيم لم ترزق بالذرية ...
وكنت في تلك الفترة قريبا منها جدا وتثق بي وأثق بها..
وكانت تتلطف معي حتى كسبت ودي وتعاطفي معها..
وهي امرأة طيبة ومحبة للخير وتشجعني عليه..
أوغر ذلك صدر الوالدة علي في البداية..
ولكن العمة بفطنتها ونباهتها كسبت رضى أمي.. فسلكت الأمور على خير..
كانت العمة متعاطفة معي في محنتي .. وكنت أطلعها على كل أموري الشخصية تقريبا..
وحينما فاتحتها بالموضوع وأنني عازم على أن أخرج من البيت ..
لألتحق بحلقة عالم من علماء الأمة ..
وسوف أسحب ملفي الدراسي وأكملها..الخ الكلام..
لقد صورت المسألة لها بنرجسية عجيبة ..
هكذا بكل بساطة .. سأنجح وستكون الأمور على ما يرام..
وكانت أمرأه هينة لينة سهلة الإقناع.. فوافقتني..!!
بل قامت مشكورة وأعطتني من ذهبها فبعته وصرفت نقوده في سفري وترحلي..!!
لم يكن المبلغ كافيا فاستلفت من أحد كبار السن ممن يعرفني في المسجد مبلغا وافرا ..
والحمد لله أنه لم يسألني عن مقصدي من هذا المال!!
كانت الفترة حينها فترة إجازة صيفية ولكن الوالد سامحه الله أجبرني وبغير رضاي على التسجيل في فصل صيفي ..
وهو ما يسمح به النظام المطور..
رجوته وتوسلت إليه أن يعفيني من ذلك
ولكن بلا جدوى فقد أراد من ذلك معاقبتي على تقصيري في الفصل الدراسي السابق!!
والدي رحمه الله معروف في العائلة بأن لديه حاسة سادسة..
شك من تصرفاتي وهدوئي المريب والذي عرف بفطرته أنه سيسبق عاصفة ما..!!
فقد اعتاد أن يراني مهموما غارقا في التفكير في الأسابيع المنصرمة..!!
فشك في هدوئي واطمئناني المفاجئ!!!
ولذلك أمر الوالدة بالتحفظ علي ومنعي من الخروج خارج المنزل حتى للصلاة..
وأخذ بطاقة الأحوال الشخصية التي لي وصار يحملها في جيبه أينما حل..
حددت يوما معينا للهروب وكان يوم خميس.. ولا أذكر تاريخه بالتحديد..
ولا ادري لما اخترت هذا اليوم لسفري...!!!
جهزت حقيبة كبيرة ذات لون أحمر!!!
ولملمت فيها بعض ثيابي وملابسي واخترت مجموعة من الكتب..
وأخفيتها عن عيون أهلي لكي لا يكتشفوا الخطة..
كنت أتربص بالوالد حتى آخذ بطاقة أحوالي من جيبه..
ولكن مهابته العظيمة في قلبي جعلتني أتردد في فرص كانت مواتية..!!
طلبت من العمة أن تساعدني في ذلك فخافت من العواقب واعتذرت!!
صادف أن سافر الوالد مع إخوتي لجدة .. يوم الأربعاء الذي يسبق يوم السفر
.. فاغتممت من ذلك ..
وخفت من انكشاف أمري وما أنا عازم عليه..
فأنا لا أستطيع السفر بدون بطاقة أحوالي الشخصية..
لذا كان علي الانتظار حتى يقدم أبي من سفره..
سهرت طوال تلك الليلة أنتظر قدوم الوالد..
ووصل للبيت قريبا من الفجر...
وصعد مباشرة لبيت العمة .. ونام نوما عميقا..
حينما تأكدت من نومه ..
استخرجت حقيبة سفري .. ووضعتها أمام باب المنزل داخل الفناء..
ثم صعدت لبيت العمة..
العائلة كلها كانت تغط في نوم عميق ..
كانت الساعة حينها السابعة صباحا تقريبا..
وبهدوء وترقب...
دخلت لصالة المنزل فرأيت ثوب الوالد معلقا على الباب..!!
وكنت أعلم أن والدي توقظه أدنى حركة في المنزل ..
اقتربت من الثوب فسحبته بهدوء ثم فتشته..
فوقعت عيني على بطاقتي..
هممت أن آخذ شيئا من نقوده ولكنني خفت، وخيرا فعلت!!
نزلت من درج المنزل.. و حملت حقيبتي على ظهري..
كانت ثقيلة جدا والمسافة التي سأقطعها للشارع العام حوالي الكيلو متر..
كنت أسير وأتعثر لثقل الحقيبة وأنظر خلفي خوفا من الوالد..
لو رآني أحد الجيران وبتلك الحال فلا شك أنه سيرتاب ..
وعندها سيحدث مالا تحمد عقباه...
وصلت للطريق العام وأنا ألهث من التعب..
أشرت لسيارة أجرة وهي من نوع السوزوكي ونسميه في المنطقة ( الدباب)
سألني السائق عن وجهتي فقلت له خذني إلى موقف التكاسي المسمى موقف الجنوب..
وهو الموقف الذي يركب منه المسافرون لجنوب المملكة..
بحثت في الموقف عن الأجرة المتوجهة لمدينة أبها!!
كانت أبها حينها تعج بالدعاة والمشائخ المعروفين .. ومنهم الشيخ عائض القرني.. الشيخ عوض القرني.. الشيخ الطحان الشيخ سعيد بن مسفر وغيرهم وغيرهم من الدعاة وطلبة العلم..
لقد توقعت وبغير سؤال ودراية بأن هؤلاء المشائخ يستقبلون طلبة العلم القادمين للطلب .. فجئت مهاجرا إليهم أطلب العلم..!!!
لم يستغرق البحث عن سيارة أجرة متجهة لأبها سوى عشر دقائق..
وكنت في عجلة من أمري فما يدريني لعل الوالد تهديه حنكته فيتلني بتلابيبي!!!
كان السائق رجلا كبيرا في السن عمره يتجاوز الخمسين سنة..
ووجهة يدل على طيبته وضعف شخصيته..
كانت سيارته من نوع البيجو تحمل ثمانية ركاب..
كانت رفقتي مجموعة من الشباب ..
وهم من البادية وعلى ملامحهم الطيش والشر ..
وعرفت من احدهم أنهم ذاهبون للالتحاق بعملهم الجديد في الجيش في خميس مشيط
وحينما رأيت هؤلاء الشباب وتصرفاتهم الرعناء..
تذكرت ما حدثني به أخي الذي يعمل في نفس القطاع..
عن اللواء (وذكر رقمه ) في خميس مشيط..
وهو لواء سيء الذكر قد انتشرت بين شبابه المخدرات والتصرفات المشينة..!!
وحينما انطلقنا في مسيرنا الطويل لأبها..
ارتحت كثيرا وتنفست الصعداء..
غير أن سروري لم يدم طويلا فهؤلاء الشباب لن يسلم هذا المطوع الصغير من شرهم..
كانت النظرات من عيونهم تقذف الشرر علي..
فهذا المطوع الصغير لا بد أن يكون سببا للمشاكل في الطريق..!!
حاولت أن أكون لطيفا معهم وبعيدا عن الاحتكاك بهم ولكن هيهات!!
انشغلت بالحديث مع السائق وكنت محشورا بجواره...
وبعد مرور نصف ساعة من الرحلة تقدم أحد الشباب وأشار بشريط كاسيت أغاني وأمر السائق بإدارته!!
علمت أن سكوتي ضعف أمام المنكر ..
فقلت للسائق وبحماس ظاهر.. لا تشغله لا يجوز..
كان هذا التصرف مني إعلانا للحرب بالنسبة لهؤلاء السفهاء..!!
والظاهر أن الحركة كانت متعمدة لإثارتي وقد فعلوا!!
كانوا سبعة وأنا واحد والسائق كان يمكنه التصرف ولكنه رجل ضعيف الشخصية
قال لي هل لديك شريط قرءان أو محاضرة ..؟؟
قلت لا .. قال إذا خلهم يسمعوا ما يريدوا ..
قلت له هذا لا يجوز وحرام..
قال إذا ارجع للخلف ولا تستمع للغناء ..
رضخت لهم فقد كان هو وأنا أيضا نخاف من هؤلاء الفتية!!
تخطيت القوم ورجعت للمقعد الأخير برفقة أحدهم!!
وبدأت مزامير الشر والطرب تصم الآذان..
وكان الشباب يتمايلون ويرقصون طربا وضحكا ..
أما استنشاق دخان السجائر فحدث ولا حرج ..
لم يشغلني هذا الحال عن التفكير مما سأقدم عليه من أهوال
لم تكن فكرة الهروب من المنزل ومن الواقع الجديد الذي أجبرت عليه..
لم تكن فكرة جاءت على البال فعزمت عليها هكذا!!
بل كانت الفكرة تطبخ في رأسي عدة أسابيع حتى هممت بها ..
لم أجرؤ في استشارة أحد في الموضوع.. سوى شخص واحد..
إنها زوجة والدي الجديدة..
الخالة كما تسمى في بعض المجتمعات أما نحن فنناديها بالعمة..
هذه المرأة الطيبة تزوجها الوالد قبل عدة سنوات من ذلك الموقف..
وهي امرأة عقيم لم ترزق بالذرية ...
وكنت في تلك الفترة قريبا منها جدا وتثق بي وأثق بها..
وكانت تتلطف معي حتى كسبت ودي وتعاطفي معها..
وهي امرأة طيبة ومحبة للخير وتشجعني عليه..
أوغر ذلك صدر الوالدة علي في البداية..
ولكن العمة بفطنتها ونباهتها كسبت رضى أمي.. فسلكت الأمور على خير..
كانت العمة متعاطفة معي في محنتي .. وكنت أطلعها على كل أموري الشخصية تقريبا..
وحينما فاتحتها بالموضوع وأنني عازم على أن أخرج من البيت ..
لألتحق بحلقة عالم من علماء الأمة ..
وسوف أسحب ملفي الدراسي وأكملها..الخ الكلام..
لقد صورت المسألة لها بنرجسية عجيبة ..
هكذا بكل بساطة .. سأنجح وستكون الأمور على ما يرام..
وكانت أمرأه هينة لينة سهلة الإقناع.. فوافقتني..!!
بل قامت مشكورة وأعطتني من ذهبها فبعته وصرفت نقوده في سفري وترحلي..!!
لم يكن المبلغ كافيا فاستلفت من أحد كبار السن ممن يعرفني في المسجد مبلغا وافرا ..
والحمد لله أنه لم يسألني عن مقصدي من هذا المال!!
كانت الفترة حينها فترة إجازة صيفية ولكن الوالد سامحه الله أجبرني وبغير رضاي على التسجيل في فصل صيفي ..
وهو ما يسمح به النظام المطور..
رجوته وتوسلت إليه أن يعفيني من ذلك
ولكن بلا جدوى فقد أراد من ذلك معاقبتي على تقصيري في الفصل الدراسي السابق!!
والدي رحمه الله معروف في العائلة بأن لديه حاسة سادسة..
شك من تصرفاتي وهدوئي المريب والذي عرف بفطرته أنه سيسبق عاصفة ما..!!
فقد اعتاد أن يراني مهموما غارقا في التفكير في الأسابيع المنصرمة..!!
فشك في هدوئي واطمئناني المفاجئ!!!
ولذلك أمر الوالدة بالتحفظ علي ومنعي من الخروج خارج المنزل حتى للصلاة..
وأخذ بطاقة الأحوال الشخصية التي لي وصار يحملها في جيبه أينما حل..
حددت يوما معينا للهروب وكان يوم خميس.. ولا أذكر تاريخه بالتحديد..
ولا ادري لما اخترت هذا اليوم لسفري...!!!
جهزت حقيبة كبيرة ذات لون أحمر!!!
ولملمت فيها بعض ثيابي وملابسي واخترت مجموعة من الكتب..
وأخفيتها عن عيون أهلي لكي لا يكتشفوا الخطة..
كنت أتربص بالوالد حتى آخذ بطاقة أحوالي من جيبه..
ولكن مهابته العظيمة في قلبي جعلتني أتردد في فرص كانت مواتية..!!
طلبت من العمة أن تساعدني في ذلك فخافت من العواقب واعتذرت!!
صادف أن سافر الوالد مع إخوتي لجدة .. يوم الأربعاء الذي يسبق يوم السفر
.. فاغتممت من ذلك ..
وخفت من انكشاف أمري وما أنا عازم عليه..
فأنا لا أستطيع السفر بدون بطاقة أحوالي الشخصية..
لذا كان علي الانتظار حتى يقدم أبي من سفره..
سهرت طوال تلك الليلة أنتظر قدوم الوالد..
ووصل للبيت قريبا من الفجر...
وصعد مباشرة لبيت العمة .. ونام نوما عميقا..
حينما تأكدت من نومه ..
استخرجت حقيبة سفري .. ووضعتها أمام باب المنزل داخل الفناء..
ثم صعدت لبيت العمة..
العائلة كلها كانت تغط في نوم عميق ..
كانت الساعة حينها السابعة صباحا تقريبا..
وبهدوء وترقب...
دخلت لصالة المنزل فرأيت ثوب الوالد معلقا على الباب..!!
وكنت أعلم أن والدي توقظه أدنى حركة في المنزل ..
اقتربت من الثوب فسحبته بهدوء ثم فتشته..
فوقعت عيني على بطاقتي..
هممت أن آخذ شيئا من نقوده ولكنني خفت، وخيرا فعلت!!
نزلت من درج المنزل.. و حملت حقيبتي على ظهري..
كانت ثقيلة جدا والمسافة التي سأقطعها للشارع العام حوالي الكيلو متر..
كنت أسير وأتعثر لثقل الحقيبة وأنظر خلفي خوفا من الوالد..
لو رآني أحد الجيران وبتلك الحال فلا شك أنه سيرتاب ..
وعندها سيحدث مالا تحمد عقباه...
وصلت للطريق العام وأنا ألهث من التعب..
أشرت لسيارة أجرة وهي من نوع السوزوكي ونسميه في المنطقة ( الدباب)
سألني السائق عن وجهتي فقلت له خذني إلى موقف التكاسي المسمى موقف الجنوب..
وهو الموقف الذي يركب منه المسافرون لجنوب المملكة..
بحثت في الموقف عن الأجرة المتوجهة لمدينة أبها!!
كانت أبها حينها تعج بالدعاة والمشائخ المعروفين .. ومنهم الشيخ عائض القرني.. الشيخ عوض القرني.. الشيخ الطحان الشيخ سعيد بن مسفر وغيرهم وغيرهم من الدعاة وطلبة العلم..
لقد توقعت وبغير سؤال ودراية بأن هؤلاء المشائخ يستقبلون طلبة العلم القادمين للطلب .. فجئت مهاجرا إليهم أطلب العلم..!!!
لم يستغرق البحث عن سيارة أجرة متجهة لأبها سوى عشر دقائق..
وكنت في عجلة من أمري فما يدريني لعل الوالد تهديه حنكته فيتلني بتلابيبي!!!
كان السائق رجلا كبيرا في السن عمره يتجاوز الخمسين سنة..
ووجهة يدل على طيبته وضعف شخصيته..
كانت سيارته من نوع البيجو تحمل ثمانية ركاب..
كانت رفقتي مجموعة من الشباب ..
وهم من البادية وعلى ملامحهم الطيش والشر ..
وعرفت من احدهم أنهم ذاهبون للالتحاق بعملهم الجديد في الجيش في خميس مشيط
وحينما رأيت هؤلاء الشباب وتصرفاتهم الرعناء..
تذكرت ما حدثني به أخي الذي يعمل في نفس القطاع..
عن اللواء (وذكر رقمه ) في خميس مشيط..
وهو لواء سيء الذكر قد انتشرت بين شبابه المخدرات والتصرفات المشينة..!!
وحينما انطلقنا في مسيرنا الطويل لأبها..
ارتحت كثيرا وتنفست الصعداء..
غير أن سروري لم يدم طويلا فهؤلاء الشباب لن يسلم هذا المطوع الصغير من شرهم..
كانت النظرات من عيونهم تقذف الشرر علي..
فهذا المطوع الصغير لا بد أن يكون سببا للمشاكل في الطريق..!!
حاولت أن أكون لطيفا معهم وبعيدا عن الاحتكاك بهم ولكن هيهات!!
انشغلت بالحديث مع السائق وكنت محشورا بجواره...
وبعد مرور نصف ساعة من الرحلة تقدم أحد الشباب وأشار بشريط كاسيت أغاني وأمر السائق بإدارته!!
علمت أن سكوتي ضعف أمام المنكر ..
فقلت للسائق وبحماس ظاهر.. لا تشغله لا يجوز..
كان هذا التصرف مني إعلانا للحرب بالنسبة لهؤلاء السفهاء..!!
والظاهر أن الحركة كانت متعمدة لإثارتي وقد فعلوا!!
كانوا سبعة وأنا واحد والسائق كان يمكنه التصرف ولكنه رجل ضعيف الشخصية
قال لي هل لديك شريط قرءان أو محاضرة ..؟؟
قلت لا .. قال إذا خلهم يسمعوا ما يريدوا ..
قلت له هذا لا يجوز وحرام..
قال إذا ارجع للخلف ولا تستمع للغناء ..
رضخت لهم فقد كان هو وأنا أيضا نخاف من هؤلاء الفتية!!
تخطيت القوم ورجعت للمقعد الأخير برفقة أحدهم!!
وبدأت مزامير الشر والطرب تصم الآذان..
وكان الشباب يتمايلون ويرقصون طربا وضحكا ..
أما استنشاق دخان السجائر فحدث ولا حرج ..
لم يشغلني هذا الحال عن التفكير مما سأقدم عليه من أهوال
المدينة داري :الحلقة الثالثة.. لم تكن فكرة الهروب من المنزل ومن الواقع الجديد الذي أجبرت عليه.. لم تكن فكرة جاءت على البال فعزمت عليها هكذا!! بل كانت الفكرة تطبخ في رأسي عدة أسابيع حتى هممت بها .. لم أجرؤ في استشارة أحد في الموضوع.. سوى شخص واحد.. إنها زوجة والدي الجديدة.. الخالة كما تسمى في بعض المجتمعات أما نحن فنناديها بالعمة.. هذه المرأة الطيبة تزوجها الوالد قبل عدة سنوات من ذلك الموقف.. وهي امرأة عقيم لم ترزق بالذرية ... وكنت في تلك الفترة قريبا منها جدا وتثق بي وأثق بها.. وكانت تتلطف معي حتى كسبت ودي وتعاطفي معها.. وهي امرأة طيبة ومحبة للخير وتشجعني عليه.. أوغر ذلك صدر الوالدة علي في البداية.. ولكن العمة بفطنتها ونباهتها كسبت رضى أمي.. فسلكت الأمور على خير.. كانت العمة متعاطفة معي في محنتي .. وكنت أطلعها على كل أموري الشخصية تقريبا.. وحينما فاتحتها بالموضوع وأنني عازم على أن أخرج من البيت .. لألتحق بحلقة عالم من علماء الأمة .. وسوف أسحب ملفي الدراسي وأكملها..الخ الكلام.. لقد صورت المسألة لها بنرجسية عجيبة .. هكذا بكل بساطة .. سأنجح وستكون الأمور على ما يرام.. وكانت أمرأه هينة لينة سهلة الإقناع.. فوافقتني..!! بل قامت مشكورة وأعطتني من ذهبها فبعته وصرفت نقوده في سفري وترحلي..!! لم يكن المبلغ كافيا فاستلفت من أحد كبار السن ممن يعرفني في المسجد مبلغا وافرا .. والحمد لله أنه لم يسألني عن مقصدي من هذا المال!! كانت الفترة حينها فترة إجازة صيفية ولكن الوالد سامحه الله أجبرني وبغير رضاي على التسجيل في فصل صيفي .. وهو ما يسمح به النظام المطور.. رجوته وتوسلت إليه أن يعفيني من ذلك ولكن بلا جدوى فقد أراد من ذلك معاقبتي على تقصيري في الفصل الدراسي السابق!! والدي رحمه الله معروف في العائلة بأن لديه حاسة سادسة.. شك من تصرفاتي وهدوئي المريب والذي عرف بفطرته أنه سيسبق عاصفة ما..!! فقد اعتاد أن يراني مهموما غارقا في التفكير في الأسابيع المنصرمة..!! فشك في هدوئي واطمئناني المفاجئ!!! ولذلك أمر الوالدة بالتحفظ علي ومنعي من الخروج خارج المنزل حتى للصلاة.. وأخذ بطاقة الأحوال الشخصية التي لي وصار يحملها في جيبه أينما حل.. حددت يوما معينا للهروب وكان يوم خميس.. ولا أذكر تاريخه بالتحديد.. ولا ادري لما اخترت هذا اليوم لسفري...!!! جهزت حقيبة كبيرة ذات لون أحمر!!! ولملمت فيها بعض ثيابي وملابسي واخترت مجموعة من الكتب.. وأخفيتها عن عيون أهلي لكي لا يكتشفوا الخطة.. كنت أتربص بالوالد حتى آخذ بطاقة أحوالي من جيبه.. ولكن مهابته العظيمة في قلبي جعلتني أتردد في فرص كانت مواتية..!! طلبت من العمة أن تساعدني في ذلك فخافت من العواقب واعتذرت!! صادف أن سافر الوالد مع إخوتي لجدة .. يوم الأربعاء الذي يسبق يوم السفر .. فاغتممت من ذلك .. وخفت من انكشاف أمري وما أنا عازم عليه.. فأنا لا أستطيع السفر بدون بطاقة أحوالي الشخصية.. لذا كان علي الانتظار حتى يقدم أبي من سفره.. سهرت طوال تلك الليلة أنتظر قدوم الوالد.. ووصل للبيت قريبا من الفجر... وصعد مباشرة لبيت العمة .. ونام نوما عميقا.. حينما تأكدت من نومه .. استخرجت حقيبة سفري .. ووضعتها أمام باب المنزل داخل الفناء.. ثم صعدت لبيت العمة.. العائلة كلها كانت تغط في نوم عميق .. كانت الساعة حينها السابعة صباحا تقريبا.. وبهدوء وترقب... دخلت لصالة المنزل فرأيت ثوب الوالد معلقا على الباب..!! وكنت أعلم أن والدي توقظه أدنى حركة في المنزل .. اقتربت من الثوب فسحبته بهدوء ثم فتشته.. فوقعت عيني على بطاقتي.. هممت أن آخذ شيئا من نقوده ولكنني خفت، وخيرا فعلت!! نزلت من درج المنزل.. و حملت حقيبتي على ظهري.. كانت ثقيلة جدا والمسافة التي سأقطعها للشارع العام حوالي الكيلو متر.. كنت أسير وأتعثر لثقل الحقيبة وأنظر خلفي خوفا من الوالد.. لو رآني أحد الجيران وبتلك الحال فلا شك أنه سيرتاب .. وعندها سيحدث مالا تحمد عقباه... وصلت للطريق العام وأنا ألهث من التعب.. أشرت لسيارة أجرة وهي من نوع السوزوكي ونسميه في المنطقة ( الدباب) سألني السائق عن وجهتي فقلت له خذني إلى موقف التكاسي المسمى موقف الجنوب.. وهو الموقف الذي يركب منه المسافرون لجنوب المملكة.. بحثت في الموقف عن الأجرة المتوجهة لمدينة أبها!! كانت أبها حينها تعج بالدعاة والمشائخ المعروفين .. ومنهم الشيخ عائض القرني.. الشيخ عوض القرني.. الشيخ الطحان الشيخ سعيد بن مسفر وغيرهم وغيرهم من الدعاة وطلبة العلم.. لقد توقعت وبغير سؤال ودراية بأن هؤلاء المشائخ يستقبلون طلبة العلم القادمين للطلب .. فجئت مهاجرا إليهم أطلب العلم..!!! لم يستغرق البحث عن سيارة أجرة متجهة لأبها سوى عشر دقائق.. وكنت في عجلة من أمري فما يدريني لعل الوالد تهديه حنكته فيتلني بتلابيبي!!! كان السائق رجلا كبيرا في السن عمره يتجاوز الخمسين سنة.. ووجهة يدل على طيبته وضعف شخصيته.. كانت سيارته من نوع البيجو تحمل ثمانية ركاب.. كانت رفقتي مجموعة من الشباب .. وهم من البادية وعلى ملامحهم الطيش والشر .. وعرفت من احدهم أنهم ذاهبون للالتحاق بعملهم الجديد في الجيش في خميس مشيط وحينما رأيت هؤلاء الشباب وتصرفاتهم الرعناء.. تذكرت ما حدثني به أخي الذي يعمل في نفس القطاع.. عن اللواء (وذكر رقمه ) في خميس مشيط.. وهو لواء سيء الذكر قد انتشرت بين شبابه المخدرات والتصرفات المشينة..!! وحينما انطلقنا في مسيرنا الطويل لأبها.. ارتحت كثيرا وتنفست الصعداء.. غير أن سروري لم يدم طويلا فهؤلاء الشباب لن يسلم هذا المطوع الصغير من شرهم.. كانت النظرات من عيونهم تقذف الشرر علي.. فهذا المطوع الصغير لا بد أن يكون سببا للمشاكل في الطريق..!! حاولت أن أكون لطيفا معهم وبعيدا عن الاحتكاك بهم ولكن هيهات!! انشغلت بالحديث مع السائق وكنت محشورا بجواره... وبعد مرور نصف ساعة من الرحلة تقدم أحد الشباب وأشار بشريط كاسيت أغاني وأمر السائق بإدارته!! علمت أن سكوتي ضعف أمام المنكر .. فقلت للسائق وبحماس ظاهر.. لا تشغله لا يجوز.. كان هذا التصرف مني إعلانا للحرب بالنسبة لهؤلاء السفهاء..!! والظاهر أن الحركة كانت متعمدة لإثارتي وقد فعلوا!! كانوا سبعة وأنا واحد والسائق كان يمكنه التصرف ولكنه رجل ضعيف الشخصية قال لي هل لديك شريط قرءان أو محاضرة ..؟؟ قلت لا .. قال إذا خلهم يسمعوا ما يريدوا .. قلت له هذا لا يجوز وحرام.. قال إذا ارجع للخلف ولا تستمع للغناء .. رضخت لهم فقد كان هو وأنا أيضا نخاف من هؤلاء الفتية!! تخطيت القوم ورجعت للمقعد الأخير برفقة أحدهم!! وبدأت مزامير الشر والطرب تصم الآذان.. وكان الشباب يتمايلون ويرقصون طربا وضحكا .. أما استنشاق دخان السجائر فحدث ولا حرج .. لم يشغلني هذا الحال عن التفكير مما سأقدم عليه من أهوالالحلقة الثالثة.. لم تكن فكرة الهروب من المنزل ومن الواقع الجديد الذي أجبرت عليه.. لم تكن فكرة...
الحلقة الرابعة
استمرت رحلة العذاب تلك لأكثر من ثمان ساعات
تخللها مواقف مليئة بالتشاحن .. والسباب وتبادل النظرات الحادة!!
ولكن على العموم وصلنا لأبها.. بحمد الله سالمين..
ومن محطة الأجرة هناك توجهت لفندق أظن اسمه شمسان!!
أردت أن اتصل على البيت لأشرح لهم مقصدي مما فعلت..
وحتى لا يقوموا بالبحث عني فأنا قد خرجت من البيت بطوع أمري!!
حينما رن الهاتف كان المتحدث على الطرف الآخر هو الوالد..
كان الغضب قد أخذ منه مأخذا مهولا فقد شكل تصرفي خروجا صارخا على التقاليد والعادات الاجتماعية..
وقام الوالد بتوعدي وتهديدي بكل ما يخطر على البال..
وأنا لا ألومه رحمه الله في ردة فعله فقد كان تصرفي غير مقبول..
إنني أحكي تلك المواقف دون محاولة تبريرها أو الدفاع عن نفسي
فقد انقضت وولت تلك الأيام بحلوها ومرها .. والله الهادي..
حينما وضعت متاعي في الفندق وارتحت قليلا..
حاولت أن أتصل بعدد من أصدقائي وأصحابي ..
ولكنني لم أجرؤ أن أشرح لهم أين أنا وما هو وضعي..
فقد خفت أن يضعفوا أمام والدي وإلحاحه فيدلوه على مكاني..
أذكر أنني اتصلت على احدهم وخنقتني العبرة حينما سمعت صوته..
أغلقت السماعة دون أن أكمل حديثي معه..
كانت مشاعري متضاربة بين الخوف والرهبة والشعور بالضياع واليأس..
حاولت أن أنام في تلك الليلة ولكن بلا جدوى ..
كنت ممددا على السرير وانظر في السقف وتصيبني موجات من البكاء..
كانت تدور في مخيلتي عشرات الأفكار
ولكن مع توارد الخواطر أصطدم بالواقع المرير الذي أنا فيه..
ذهبت في اليوم التالي لجامع الشيخ عائض القرني..
حضرت درسه وكان في صحيح البخاري..
كان الحضور متواضعا للغاية..
هممت أن اطلب من الشيخ عائض جلسة خاصة لأشرح له وضعي..
ولكنني استحييت وجبنت..!!
سبحان الله أقطع مئات الأميال لأجله ثم حينما أقف أمامه أعجز عن حديثه..
لقد كان انفصاما في الشخصية وعجزا غير مبرر..
ولكن يظهر لي أن خوفي وارتباكي سبب لي صدمة تجعلني أفتقر للتعقل في القرارات !!
زرت المركز الصيفي في معهد أبها العلمي..
كان أغلب المشاركين في المركز ذوو أسنان تقل عني بكثير ..
كان استقبال المشرفين لي ومقابلتهم معي باردة للغاية..
لقد كنت ابحث عن شخص يؤويني من الضياع..
لقد كنت أريد شخصا عاقلا رشيدا..
أجلس بين يديه فأحدثه بما يعتلج في صدري من آلام وهموم جلبتها لنفسي بيدي!!
ولكن مشيئة الله تعالى وقدره جعلت هذا اللقاء متأخرا جدا ومع شخصية فذة!!
حينما شعرت أنني غير مرحب بي غادرت المركز ولم اعد إليه أبدا..
مكثت أياما أهيم في الأسواق وأتمشى في أماكن النزهة لأقضي الوقت..
تساءلت مرارا : هل هذا ما جئت من أجله؟؟
ألم أحضر لطلب العلم..
فكرت في النفقة فهي لا شك يوما ستنضب وبعدها ماذا سأفعل؟؟
لم أحاول الاتصال بالعائلة طوال تلك الفترة..
رأيت أن بقائي في أبها مضيعة للوقت والمال..
سمعت من قبل بأن الرياض هي مأوى أفئدة طلاب العلم.. من طلاب الجامعات والمعاهد فهي المركز الأول للصحوة الإسلامية..
وفيها من الدعاة والعلماء ما يعجز حصره..
ولا شك فهي أرجى من أبها في البحث عما جئت لأجله..
ويكفي هذه المدينة العريقة شرفا في ذلك الوقت ..
وجود سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيها
وهكذا تغيرت الوجهة ولتكن من أقصى الجنوب إلى وسط المملكة..
توجهت لمكتب الخطوط واشتريت التذكرة إلى الرياض..
في جواري في الطائرة كان شخص ملتح عليه سيما الخير..
عرف نفسه باسم علي السلطان وهو من سكان القصيم..
تحدثت مع الأستاذ علي عن أمور كثيرة ..
وعرفت منه أنه من سكان عنيزة وهو معلم في المعهد العلمي ..
وهو أحد الطلاب في حلقة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه العامرة بالطلاب والدارسين من كل بقاع العالم..!!
كان الحديث عابرا ولكنه أعطاني فكرة شاملة عن المنطقة..
وصلت للرياض ..
لقد كانت الرياض بالنسبة لي وأنا ابن المدينة الصغيرة كانت ذا شأن كبير في النفس..
فمبانيها الكبيرة وشوارعها الفسيحة ومساحتها الشاسعة تأخذ بالألباب..
نزلت في فندق البطحا وهو مكان أعرفه من قبل فقد رافقت الوالد له مرارا..
كان سعر الإقامة معقولا وبالجملة فقد كنت مقلالا في نفقتي..
مكثت عندهم في الفندق حوالي الشهر..
وما زال الاتصال حتى ذلك الحين مع العائلة مقطوعا ..
ومرة أخرى أعجز عن أن أتصرف تصرفا راشدا..
فأنا جئت من الأصل من أجل طلب العلم !!
ولكن يظهر أن حياة الدعة والراحة التي كنت فيها جعلتني انصرف ولو لفترة عن المقصود!!
لم يكن هناك شخص أو لم أبحث عن شخص يرشدني ..
كنت أقضي وقتي كله في الغرفة في الفندق أو في صالون الرياضة والمسبح..
لقد كنت صيدا يسيرا للضياع والمفسدين ولكن المولى جلت قدرته حماني..
ذات مرة كنت أمارس السباحة في المسبح..
فجاءني شاب نحيل من أهل البادية..
قال هل الماء عميق ؟؟
قلت لا .. وحسبته يعرف السباحة..!!
قفز من فوره في وسط الماء..
انغمس فيه ثم صعد..
ولكنه صرخ واستنجد بي لكي أخرجه فهو لا يعرف السباحة!!
التفت حولي لأنادي موظفي المسبح ولكن لا أحد..
أخذ الرجل يضرب في الماء ويخفق فيه ويشرب منه.. حتى كاد أن يهلك..
كنت مبتدئا في السباحة ولكن أين المفر..
ما إن اقتربت منه حتى تلني بشدة وسحبني ولطمني على وجهي!!
ثم غمسني بشدة في الماء وتخطاني ووضع قدمه على رأسي حتى خرج من الماء..
أما أنا فقد كدت أهلك حينها!!
ولم أحاول أن أنقذ غريقا بعدها أبدا...
لم يكن ذلك هو الموقف السيئ الوحيد..
ذات مرة حضر للمسبح شاب عليه سيما الخير ..
وكان برفقته عدد من الشباب الصغار..
لا اذكر مالذي حصل بيني وبينه لكن يبدو أن الرجل مريض مرضا نفسيا..
وتصيبه حالات من الهيجان فيضرب من حوله دون شعور..
وهذا ما حدث معي فقد هاج علي كالثور وضربني على وجهي ضربات كادت تقتلني.. وتركت بصمات على وجهي بقيت حتى حين...
لم يكن أحد ليجرأ على الدفاع عني فقد كان رجلا مفتولا والله حسيبه..
رجعت يومها لغرفتي في الفندق وهذه المرة موسوم بعلامات بارزة..!!
اتصل علي موظف الفندق وطلب مني الحساب..
نزلت إليه وسددت له مصاريف الأيام الماضية..
بقي في محفظة نقودي فقط مائة وخمسون ريالا...
وهو ما يغطي مصاريف يوم أو يومين!!!
استمرت رحلة العذاب تلك لأكثر من ثمان ساعات
تخللها مواقف مليئة بالتشاحن .. والسباب وتبادل النظرات الحادة!!
ولكن على العموم وصلنا لأبها.. بحمد الله سالمين..
ومن محطة الأجرة هناك توجهت لفندق أظن اسمه شمسان!!
أردت أن اتصل على البيت لأشرح لهم مقصدي مما فعلت..
وحتى لا يقوموا بالبحث عني فأنا قد خرجت من البيت بطوع أمري!!
حينما رن الهاتف كان المتحدث على الطرف الآخر هو الوالد..
كان الغضب قد أخذ منه مأخذا مهولا فقد شكل تصرفي خروجا صارخا على التقاليد والعادات الاجتماعية..
وقام الوالد بتوعدي وتهديدي بكل ما يخطر على البال..
وأنا لا ألومه رحمه الله في ردة فعله فقد كان تصرفي غير مقبول..
إنني أحكي تلك المواقف دون محاولة تبريرها أو الدفاع عن نفسي
فقد انقضت وولت تلك الأيام بحلوها ومرها .. والله الهادي..
حينما وضعت متاعي في الفندق وارتحت قليلا..
حاولت أن أتصل بعدد من أصدقائي وأصحابي ..
ولكنني لم أجرؤ أن أشرح لهم أين أنا وما هو وضعي..
فقد خفت أن يضعفوا أمام والدي وإلحاحه فيدلوه على مكاني..
أذكر أنني اتصلت على احدهم وخنقتني العبرة حينما سمعت صوته..
أغلقت السماعة دون أن أكمل حديثي معه..
كانت مشاعري متضاربة بين الخوف والرهبة والشعور بالضياع واليأس..
حاولت أن أنام في تلك الليلة ولكن بلا جدوى ..
كنت ممددا على السرير وانظر في السقف وتصيبني موجات من البكاء..
كانت تدور في مخيلتي عشرات الأفكار
ولكن مع توارد الخواطر أصطدم بالواقع المرير الذي أنا فيه..
ذهبت في اليوم التالي لجامع الشيخ عائض القرني..
حضرت درسه وكان في صحيح البخاري..
كان الحضور متواضعا للغاية..
هممت أن اطلب من الشيخ عائض جلسة خاصة لأشرح له وضعي..
ولكنني استحييت وجبنت..!!
سبحان الله أقطع مئات الأميال لأجله ثم حينما أقف أمامه أعجز عن حديثه..
لقد كان انفصاما في الشخصية وعجزا غير مبرر..
ولكن يظهر لي أن خوفي وارتباكي سبب لي صدمة تجعلني أفتقر للتعقل في القرارات !!
زرت المركز الصيفي في معهد أبها العلمي..
كان أغلب المشاركين في المركز ذوو أسنان تقل عني بكثير ..
كان استقبال المشرفين لي ومقابلتهم معي باردة للغاية..
لقد كنت ابحث عن شخص يؤويني من الضياع..
لقد كنت أريد شخصا عاقلا رشيدا..
أجلس بين يديه فأحدثه بما يعتلج في صدري من آلام وهموم جلبتها لنفسي بيدي!!
ولكن مشيئة الله تعالى وقدره جعلت هذا اللقاء متأخرا جدا ومع شخصية فذة!!
حينما شعرت أنني غير مرحب بي غادرت المركز ولم اعد إليه أبدا..
مكثت أياما أهيم في الأسواق وأتمشى في أماكن النزهة لأقضي الوقت..
تساءلت مرارا : هل هذا ما جئت من أجله؟؟
ألم أحضر لطلب العلم..
فكرت في النفقة فهي لا شك يوما ستنضب وبعدها ماذا سأفعل؟؟
لم أحاول الاتصال بالعائلة طوال تلك الفترة..
رأيت أن بقائي في أبها مضيعة للوقت والمال..
سمعت من قبل بأن الرياض هي مأوى أفئدة طلاب العلم.. من طلاب الجامعات والمعاهد فهي المركز الأول للصحوة الإسلامية..
وفيها من الدعاة والعلماء ما يعجز حصره..
ولا شك فهي أرجى من أبها في البحث عما جئت لأجله..
ويكفي هذه المدينة العريقة شرفا في ذلك الوقت ..
وجود سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيها
وهكذا تغيرت الوجهة ولتكن من أقصى الجنوب إلى وسط المملكة..
توجهت لمكتب الخطوط واشتريت التذكرة إلى الرياض..
في جواري في الطائرة كان شخص ملتح عليه سيما الخير..
عرف نفسه باسم علي السلطان وهو من سكان القصيم..
تحدثت مع الأستاذ علي عن أمور كثيرة ..
وعرفت منه أنه من سكان عنيزة وهو معلم في المعهد العلمي ..
وهو أحد الطلاب في حلقة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه العامرة بالطلاب والدارسين من كل بقاع العالم..!!
كان الحديث عابرا ولكنه أعطاني فكرة شاملة عن المنطقة..
وصلت للرياض ..
لقد كانت الرياض بالنسبة لي وأنا ابن المدينة الصغيرة كانت ذا شأن كبير في النفس..
فمبانيها الكبيرة وشوارعها الفسيحة ومساحتها الشاسعة تأخذ بالألباب..
نزلت في فندق البطحا وهو مكان أعرفه من قبل فقد رافقت الوالد له مرارا..
كان سعر الإقامة معقولا وبالجملة فقد كنت مقلالا في نفقتي..
مكثت عندهم في الفندق حوالي الشهر..
وما زال الاتصال حتى ذلك الحين مع العائلة مقطوعا ..
ومرة أخرى أعجز عن أن أتصرف تصرفا راشدا..
فأنا جئت من الأصل من أجل طلب العلم !!
ولكن يظهر أن حياة الدعة والراحة التي كنت فيها جعلتني انصرف ولو لفترة عن المقصود!!
لم يكن هناك شخص أو لم أبحث عن شخص يرشدني ..
كنت أقضي وقتي كله في الغرفة في الفندق أو في صالون الرياضة والمسبح..
لقد كنت صيدا يسيرا للضياع والمفسدين ولكن المولى جلت قدرته حماني..
ذات مرة كنت أمارس السباحة في المسبح..
فجاءني شاب نحيل من أهل البادية..
قال هل الماء عميق ؟؟
قلت لا .. وحسبته يعرف السباحة..!!
قفز من فوره في وسط الماء..
انغمس فيه ثم صعد..
ولكنه صرخ واستنجد بي لكي أخرجه فهو لا يعرف السباحة!!
التفت حولي لأنادي موظفي المسبح ولكن لا أحد..
أخذ الرجل يضرب في الماء ويخفق فيه ويشرب منه.. حتى كاد أن يهلك..
كنت مبتدئا في السباحة ولكن أين المفر..
ما إن اقتربت منه حتى تلني بشدة وسحبني ولطمني على وجهي!!
ثم غمسني بشدة في الماء وتخطاني ووضع قدمه على رأسي حتى خرج من الماء..
أما أنا فقد كدت أهلك حينها!!
ولم أحاول أن أنقذ غريقا بعدها أبدا...
لم يكن ذلك هو الموقف السيئ الوحيد..
ذات مرة حضر للمسبح شاب عليه سيما الخير ..
وكان برفقته عدد من الشباب الصغار..
لا اذكر مالذي حصل بيني وبينه لكن يبدو أن الرجل مريض مرضا نفسيا..
وتصيبه حالات من الهيجان فيضرب من حوله دون شعور..
وهذا ما حدث معي فقد هاج علي كالثور وضربني على وجهي ضربات كادت تقتلني.. وتركت بصمات على وجهي بقيت حتى حين...
لم يكن أحد ليجرأ على الدفاع عني فقد كان رجلا مفتولا والله حسيبه..
رجعت يومها لغرفتي في الفندق وهذه المرة موسوم بعلامات بارزة..!!
اتصل علي موظف الفندق وطلب مني الحساب..
نزلت إليه وسددت له مصاريف الأيام الماضية..
بقي في محفظة نقودي فقط مائة وخمسون ريالا...
وهو ما يغطي مصاريف يوم أو يومين!!!
المدينة داري :الحلقة الرابعة استمرت رحلة العذاب تلك لأكثر من ثمان ساعات تخللها مواقف مليئة بالتشاحن .. والسباب وتبادل النظرات الحادة!! ولكن على العموم وصلنا لأبها.. بحمد الله سالمين.. ومن محطة الأجرة هناك توجهت لفندق أظن اسمه شمسان!! أردت أن اتصل على البيت لأشرح لهم مقصدي مما فعلت.. وحتى لا يقوموا بالبحث عني فأنا قد خرجت من البيت بطوع أمري!! حينما رن الهاتف كان المتحدث على الطرف الآخر هو الوالد.. كان الغضب قد أخذ منه مأخذا مهولا فقد شكل تصرفي خروجا صارخا على التقاليد والعادات الاجتماعية.. وقام الوالد بتوعدي وتهديدي بكل ما يخطر على البال.. وأنا لا ألومه رحمه الله في ردة فعله فقد كان تصرفي غير مقبول.. إنني أحكي تلك المواقف دون محاولة تبريرها أو الدفاع عن نفسي فقد انقضت وولت تلك الأيام بحلوها ومرها .. والله الهادي.. حينما وضعت متاعي في الفندق وارتحت قليلا.. حاولت أن أتصل بعدد من أصدقائي وأصحابي .. ولكنني لم أجرؤ أن أشرح لهم أين أنا وما هو وضعي.. فقد خفت أن يضعفوا أمام والدي وإلحاحه فيدلوه على مكاني.. أذكر أنني اتصلت على احدهم وخنقتني العبرة حينما سمعت صوته.. أغلقت السماعة دون أن أكمل حديثي معه.. كانت مشاعري متضاربة بين الخوف والرهبة والشعور بالضياع واليأس.. حاولت أن أنام في تلك الليلة ولكن بلا جدوى .. كنت ممددا على السرير وانظر في السقف وتصيبني موجات من البكاء.. كانت تدور في مخيلتي عشرات الأفكار ولكن مع توارد الخواطر أصطدم بالواقع المرير الذي أنا فيه.. ذهبت في اليوم التالي لجامع الشيخ عائض القرني.. حضرت درسه وكان في صحيح البخاري.. كان الحضور متواضعا للغاية.. هممت أن اطلب من الشيخ عائض جلسة خاصة لأشرح له وضعي.. ولكنني استحييت وجبنت..!! سبحان الله أقطع مئات الأميال لأجله ثم حينما أقف أمامه أعجز عن حديثه.. لقد كان انفصاما في الشخصية وعجزا غير مبرر.. ولكن يظهر لي أن خوفي وارتباكي سبب لي صدمة تجعلني أفتقر للتعقل في القرارات !! زرت المركز الصيفي في معهد أبها العلمي.. كان أغلب المشاركين في المركز ذوو أسنان تقل عني بكثير .. كان استقبال المشرفين لي ومقابلتهم معي باردة للغاية.. لقد كنت ابحث عن شخص يؤويني من الضياع.. لقد كنت أريد شخصا عاقلا رشيدا.. أجلس بين يديه فأحدثه بما يعتلج في صدري من آلام وهموم جلبتها لنفسي بيدي!! ولكن مشيئة الله تعالى وقدره جعلت هذا اللقاء متأخرا جدا ومع شخصية فذة!! حينما شعرت أنني غير مرحب بي غادرت المركز ولم اعد إليه أبدا.. مكثت أياما أهيم في الأسواق وأتمشى في أماكن النزهة لأقضي الوقت.. تساءلت مرارا : هل هذا ما جئت من أجله؟؟ ألم أحضر لطلب العلم.. فكرت في النفقة فهي لا شك يوما ستنضب وبعدها ماذا سأفعل؟؟ لم أحاول الاتصال بالعائلة طوال تلك الفترة.. رأيت أن بقائي في أبها مضيعة للوقت والمال.. سمعت من قبل بأن الرياض هي مأوى أفئدة طلاب العلم.. من طلاب الجامعات والمعاهد فهي المركز الأول للصحوة الإسلامية.. وفيها من الدعاة والعلماء ما يعجز حصره.. ولا شك فهي أرجى من أبها في البحث عما جئت لأجله.. ويكفي هذه المدينة العريقة شرفا في ذلك الوقت .. وجود سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيها وهكذا تغيرت الوجهة ولتكن من أقصى الجنوب إلى وسط المملكة.. توجهت لمكتب الخطوط واشتريت التذكرة إلى الرياض.. في جواري في الطائرة كان شخص ملتح عليه سيما الخير.. عرف نفسه باسم علي السلطان وهو من سكان القصيم.. تحدثت مع الأستاذ علي عن أمور كثيرة .. وعرفت منه أنه من سكان عنيزة وهو معلم في المعهد العلمي .. وهو أحد الطلاب في حلقة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه العامرة بالطلاب والدارسين من كل بقاع العالم..!! كان الحديث عابرا ولكنه أعطاني فكرة شاملة عن المنطقة.. وصلت للرياض .. لقد كانت الرياض بالنسبة لي وأنا ابن المدينة الصغيرة كانت ذا شأن كبير في النفس.. فمبانيها الكبيرة وشوارعها الفسيحة ومساحتها الشاسعة تأخذ بالألباب.. نزلت في فندق البطحا وهو مكان أعرفه من قبل فقد رافقت الوالد له مرارا.. كان سعر الإقامة معقولا وبالجملة فقد كنت مقلالا في نفقتي.. مكثت عندهم في الفندق حوالي الشهر.. وما زال الاتصال حتى ذلك الحين مع العائلة مقطوعا .. ومرة أخرى أعجز عن أن أتصرف تصرفا راشدا.. فأنا جئت من الأصل من أجل طلب العلم !! ولكن يظهر أن حياة الدعة والراحة التي كنت فيها جعلتني انصرف ولو لفترة عن المقصود!! لم يكن هناك شخص أو لم أبحث عن شخص يرشدني .. كنت أقضي وقتي كله في الغرفة في الفندق أو في صالون الرياضة والمسبح.. لقد كنت صيدا يسيرا للضياع والمفسدين ولكن المولى جلت قدرته حماني.. ذات مرة كنت أمارس السباحة في المسبح.. فجاءني شاب نحيل من أهل البادية.. قال هل الماء عميق ؟؟ قلت لا .. وحسبته يعرف السباحة..!! قفز من فوره في وسط الماء.. انغمس فيه ثم صعد.. ولكنه صرخ واستنجد بي لكي أخرجه فهو لا يعرف السباحة!! التفت حولي لأنادي موظفي المسبح ولكن لا أحد.. أخذ الرجل يضرب في الماء ويخفق فيه ويشرب منه.. حتى كاد أن يهلك.. كنت مبتدئا في السباحة ولكن أين المفر.. ما إن اقتربت منه حتى تلني بشدة وسحبني ولطمني على وجهي!! ثم غمسني بشدة في الماء وتخطاني ووضع قدمه على رأسي حتى خرج من الماء.. أما أنا فقد كدت أهلك حينها!! ولم أحاول أن أنقذ غريقا بعدها أبدا... لم يكن ذلك هو الموقف السيئ الوحيد.. ذات مرة حضر للمسبح شاب عليه سيما الخير .. وكان برفقته عدد من الشباب الصغار.. لا اذكر مالذي حصل بيني وبينه لكن يبدو أن الرجل مريض مرضا نفسيا.. وتصيبه حالات من الهيجان فيضرب من حوله دون شعور.. وهذا ما حدث معي فقد هاج علي كالثور وضربني على وجهي ضربات كادت تقتلني.. وتركت بصمات على وجهي بقيت حتى حين... لم يكن أحد ليجرأ على الدفاع عني فقد كان رجلا مفتولا والله حسيبه.. رجعت يومها لغرفتي في الفندق وهذه المرة موسوم بعلامات بارزة..!! اتصل علي موظف الفندق وطلب مني الحساب.. نزلت إليه وسددت له مصاريف الأيام الماضية.. بقي في محفظة نقودي فقط مائة وخمسون ريالا... وهو ما يغطي مصاريف يوم أو يومين!!!الحلقة الرابعة استمرت رحلة العذاب تلك لأكثر من ثمان ساعات تخللها مواقف مليئة بالتشاحن .....
الحلقة الخامسة
حينما يكون الإنسان في عافية.. لا يشعر بالزمن وهو يمر عليه..
وهذا يكون من جهة نعمة ويكون نقمة عليه من جهة أخرى..
حينما نضب مالدي من نفقة .. ..
أدركت أنني وقعت في خطأ قاتل ..
فأنا أمام خيارين إما أن أعود للبيت وهذا مالم يكن واردا على الإطلاق حينها..
أو أن أحاول تدارك نفسي بأي وسيلة ممكنة!!
ولكن كيف ومع من...؟؟
مرت علي تلك الليلة كدهر فقد استغرقت في التفكير والبحث عن مخرج..
أعيتني الحيل وضاقت علي السبل..
توجهت للخالق سبحانه بكل صدق وإخلاص..
سألته سؤال المضطر ..
لم يكن في مخيلتي أي سبيل أو أي منفذ..
ولكن ثقتي به تعالى هي سبيلي الوحيد..
في اليوم التالي توجهت للنادي الرياضي
فقد شعرت بالاختناق من بقائي في الغرفة
كان النادي شبه خال على غير العادة..
وكانت الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا..
رأيت في حوض السباحة شخصا يحاول العوم بمشقة ظاهرة..
حينما رآني ابتسم ابتسامة عريضة.. وقال لي:
هل تعرف السباحة ؟؟
قلت له قليلا وأحذرك من التقدم إلى الماء العميق..!!
ابتسم وتهلل وجهه وقال إن غرقت ستنقذني أنت!!
ضحكت وقلت له ابحث عن غيري..
وحكيت له الموقف الذي مر علي قبل فترة من الزمن مع صاحبنا الأعرابي!!
سألني عن الكدمات التي على وجهي .. فقد كانت ظاهرة وعميقة!!
لم أرد أن استرسل في تفاصيلها .. فقلت له سقطت !!
عرفني باسمه وصافحني وقال أنا أخوك سعود المعاشي من منطقة حائل وأنا من قبيلة شمر.... هل سمعت بحائل وأجا وسلمى؟؟
عرفته باسمي ..
سألني عن عملي ..
قلت له أنا لا اعمل ..
قال لي أين تقيم ..؟
قلت له هنا في الفندق!!
قال ألست من سكان الرياض؟؟
قلت لا أنا من سكان الطائف!!
قال لي ماذا تفعل هنا في مدينة الرياض إذا ؟؟ هل تدرس ؟
قلت له أنا جئت لطلب العلم ..!!
قال وعند من تدرس من العلماء .؟
لم اجبه فأنا لم أبحث عن شيخ حتى تلك اللحظة..
لا أدري لماذا استرسل الأخ سعود معي في الحديث ولكنه أصر علي أن أرافقه للغداء سويا..
شكرته وتعذرت منه ولكنه ألح بشكل كبير حتى رضيت..
قال لي ونحن نمشي .. أنا أملك تسجيلات إسلامية في حائل ..
واعرف عددا من المشائخ في الرياض فإن كنت ترغب في أن أعرفك عليهم فعلت..!!
صمت ولم أجبه..!!
ونحن قعود ننتظر الغداء قال لي سعود:
أسمع أخي أنت لك قصة وأكيد لديك مشكلة وأنا اقرأ ذلك في وجهك!!
ولو ترغب في ذكرها لي ولا يحرجك الأمر فأرجو أن تخبرني بها ..
فما يدريك لعلي أستطيع مساعدتك ..!!
خجلت والله من كرمه وسماحة نفسه..
إن الأخ سعود حينما يقول لي هذا الكلام فهو رجل صادق غير متكلف أو متصنع..
ولقد اكتشفت بعد مخالطتي للأخ سعود أن معدن هذا الرجل معدن أصيل كالذهب ..
لقد كان الأخ سعود رحمة ساقها الله لي فإن مجرد إنصاته وسماعه لقصتي هو أمر يشكر عليه بارك الله فيه..
حدثته بمشكلتي وأنصت إلي لأكثر من ساعة حتى برد الطعام ولم يأكل منه شيء!!
لم يقاطعني طوال حديثي..
وحينما استكملت قصتي .. صمت قليلا ثم قال لي..
أسمعني جيدا ..
أنا رحلتي بعد قليل على حائل وسوف ترافقني للمنطقة وستكون في ضيافتي..
ومن هناك سوف نتدبر حلا لمشكلتك... ما رأيك؟؟
بالنسبة لي أنا لا أعرف الخ سعود ولكني كالغريق يبحث عن أي شيء ينقذه..
قلت له ثم ماذا ؟؟
قال ثق تماما سنجد حلا لمشكلتك موضوعك بسيط وسأجد له حلا..
أرجوك اصعد لغرفتك ووضب أمتعتك وانتظرني عند الاستقبال..
لم يعطني الفرصة- وقد تعمد هذا – حتى أفكر في الموضوع..
وحينما صعدت لغرفتي أخذت تجول بخاطري الأفكار:
ياترى هل الرجل صادق ؟؟
ماذا لو كان .؟؟؟
ولكن سيماه الخير !! أسئلة تتردد ولكن لا خيار لي !!
لم اخبر الأخ سعود بوضعي المادي.. ولكن كرمه غير المصطنع..
جعله يحاسب الفندق دون مشاورتي..!!!
طلب سعود من سائق التاكسي أن يسرع ..
فقد كان يعلم أنه ليس لدي حجز لمقعد في الطائرة..
وبعد قليل التفت إلي وقال :
إن سألك أحد من تكون فقل لهم أنك أحد أقربائي وتقيم في الطائف..
قلت له ولكن لقب العائلة ؟؟
قال لهم أنت فلان الشمري!!
قصد الأخ سعود من ذلك حمايتي من ألسنة الناس وتحقيقاتهم..
ولكن لقد دفعت أنا ثمن تلك الغلطة الشرعة والاجتماعية ثمنا غاليا..!!
وصلنا للمطار واجتهد الأخ سعود حتى حصل لي على مقعد في الطائرة..
كان الأخ سعود يلتفت إلي كل فترة ويطمنني بقوله: لا تقلق سوف تحل المشكلة..
لقد كنت متأكدا أن سعود ليس لديه عصى سحرية لحل وضعي..
ولكن طيبته وسماحته ورطته في هذا المقلب ..
وصلنا لمدينة حائل وكان منظر جبالها وهضابها يسحر الناظر..
يابعد حيي كلمة تسمعها عشرات المرات يوميا..
أهل حائل كرماء وأسخياء بشكل عجيب..
والطبيعة البدوية والفطر السليمة هي الغالب على الناس..
توجهنا فورا من المطار لمكان عمل الأخ سعود .. لأخذ بعض أوراقه..
اكتشفت أنه ضابط صف في المرور..
سلمت على أصحابه وعرفني لهم بأنني فلان الشمري!!
خجلت من ذلك أيما خجل فأنا لم اعتد على ذلك اللقب..
لقد كان ذكاء الناس الفطري وأسئلتهم البسيطة تكشف بسهولة بطلان هذا الانتساب ..بالإضافة للكنة الحجازية فقد كان الأمر برمته مفبركا !!
لم تعجبني الحال فلم اعتد الكذب ولكن إرضاء لمضيفي تغاضيت.. وصبرت
لاحظت أن في المنطقة أمنا عجيبا فالناس ينامون في بيوتهم..
ومفتاح السيارة على المقود..
هذا ما رأيته بنفسي في عدة مواقف..
تعرفت على إخوة سعود في منزله في حي المطار ..
كانا شابين نسيت أسماءهما
ولكن طيبة هذه العائلة والمواقف الجميلة التي عشتها في بيتهم
هي ذكريات عطرة تبقى معي أينما حللت..
حينما يكون الإنسان في عافية.. لا يشعر بالزمن وهو يمر عليه..
وهذا يكون من جهة نعمة ويكون نقمة عليه من جهة أخرى..
حينما نضب مالدي من نفقة .. ..
أدركت أنني وقعت في خطأ قاتل ..
فأنا أمام خيارين إما أن أعود للبيت وهذا مالم يكن واردا على الإطلاق حينها..
أو أن أحاول تدارك نفسي بأي وسيلة ممكنة!!
ولكن كيف ومع من...؟؟
مرت علي تلك الليلة كدهر فقد استغرقت في التفكير والبحث عن مخرج..
أعيتني الحيل وضاقت علي السبل..
توجهت للخالق سبحانه بكل صدق وإخلاص..
سألته سؤال المضطر ..
لم يكن في مخيلتي أي سبيل أو أي منفذ..
ولكن ثقتي به تعالى هي سبيلي الوحيد..
في اليوم التالي توجهت للنادي الرياضي
فقد شعرت بالاختناق من بقائي في الغرفة
كان النادي شبه خال على غير العادة..
وكانت الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا..
رأيت في حوض السباحة شخصا يحاول العوم بمشقة ظاهرة..
حينما رآني ابتسم ابتسامة عريضة.. وقال لي:
هل تعرف السباحة ؟؟
قلت له قليلا وأحذرك من التقدم إلى الماء العميق..!!
ابتسم وتهلل وجهه وقال إن غرقت ستنقذني أنت!!
ضحكت وقلت له ابحث عن غيري..
وحكيت له الموقف الذي مر علي قبل فترة من الزمن مع صاحبنا الأعرابي!!
سألني عن الكدمات التي على وجهي .. فقد كانت ظاهرة وعميقة!!
لم أرد أن استرسل في تفاصيلها .. فقلت له سقطت !!
عرفني باسمه وصافحني وقال أنا أخوك سعود المعاشي من منطقة حائل وأنا من قبيلة شمر.... هل سمعت بحائل وأجا وسلمى؟؟
عرفته باسمي ..
سألني عن عملي ..
قلت له أنا لا اعمل ..
قال لي أين تقيم ..؟
قلت له هنا في الفندق!!
قال ألست من سكان الرياض؟؟
قلت لا أنا من سكان الطائف!!
قال لي ماذا تفعل هنا في مدينة الرياض إذا ؟؟ هل تدرس ؟
قلت له أنا جئت لطلب العلم ..!!
قال وعند من تدرس من العلماء .؟
لم اجبه فأنا لم أبحث عن شيخ حتى تلك اللحظة..
لا أدري لماذا استرسل الأخ سعود معي في الحديث ولكنه أصر علي أن أرافقه للغداء سويا..
شكرته وتعذرت منه ولكنه ألح بشكل كبير حتى رضيت..
قال لي ونحن نمشي .. أنا أملك تسجيلات إسلامية في حائل ..
واعرف عددا من المشائخ في الرياض فإن كنت ترغب في أن أعرفك عليهم فعلت..!!
صمت ولم أجبه..!!
ونحن قعود ننتظر الغداء قال لي سعود:
أسمع أخي أنت لك قصة وأكيد لديك مشكلة وأنا اقرأ ذلك في وجهك!!
ولو ترغب في ذكرها لي ولا يحرجك الأمر فأرجو أن تخبرني بها ..
فما يدريك لعلي أستطيع مساعدتك ..!!
خجلت والله من كرمه وسماحة نفسه..
إن الأخ سعود حينما يقول لي هذا الكلام فهو رجل صادق غير متكلف أو متصنع..
ولقد اكتشفت بعد مخالطتي للأخ سعود أن معدن هذا الرجل معدن أصيل كالذهب ..
لقد كان الأخ سعود رحمة ساقها الله لي فإن مجرد إنصاته وسماعه لقصتي هو أمر يشكر عليه بارك الله فيه..
حدثته بمشكلتي وأنصت إلي لأكثر من ساعة حتى برد الطعام ولم يأكل منه شيء!!
لم يقاطعني طوال حديثي..
وحينما استكملت قصتي .. صمت قليلا ثم قال لي..
أسمعني جيدا ..
أنا رحلتي بعد قليل على حائل وسوف ترافقني للمنطقة وستكون في ضيافتي..
ومن هناك سوف نتدبر حلا لمشكلتك... ما رأيك؟؟
بالنسبة لي أنا لا أعرف الخ سعود ولكني كالغريق يبحث عن أي شيء ينقذه..
قلت له ثم ماذا ؟؟
قال ثق تماما سنجد حلا لمشكلتك موضوعك بسيط وسأجد له حلا..
أرجوك اصعد لغرفتك ووضب أمتعتك وانتظرني عند الاستقبال..
لم يعطني الفرصة- وقد تعمد هذا – حتى أفكر في الموضوع..
وحينما صعدت لغرفتي أخذت تجول بخاطري الأفكار:
ياترى هل الرجل صادق ؟؟
ماذا لو كان .؟؟؟
ولكن سيماه الخير !! أسئلة تتردد ولكن لا خيار لي !!
لم اخبر الأخ سعود بوضعي المادي.. ولكن كرمه غير المصطنع..
جعله يحاسب الفندق دون مشاورتي..!!!
طلب سعود من سائق التاكسي أن يسرع ..
فقد كان يعلم أنه ليس لدي حجز لمقعد في الطائرة..
وبعد قليل التفت إلي وقال :
إن سألك أحد من تكون فقل لهم أنك أحد أقربائي وتقيم في الطائف..
قلت له ولكن لقب العائلة ؟؟
قال لهم أنت فلان الشمري!!
قصد الأخ سعود من ذلك حمايتي من ألسنة الناس وتحقيقاتهم..
ولكن لقد دفعت أنا ثمن تلك الغلطة الشرعة والاجتماعية ثمنا غاليا..!!
وصلنا للمطار واجتهد الأخ سعود حتى حصل لي على مقعد في الطائرة..
كان الأخ سعود يلتفت إلي كل فترة ويطمنني بقوله: لا تقلق سوف تحل المشكلة..
لقد كنت متأكدا أن سعود ليس لديه عصى سحرية لحل وضعي..
ولكن طيبته وسماحته ورطته في هذا المقلب ..
وصلنا لمدينة حائل وكان منظر جبالها وهضابها يسحر الناظر..
يابعد حيي كلمة تسمعها عشرات المرات يوميا..
أهل حائل كرماء وأسخياء بشكل عجيب..
والطبيعة البدوية والفطر السليمة هي الغالب على الناس..
توجهنا فورا من المطار لمكان عمل الأخ سعود .. لأخذ بعض أوراقه..
اكتشفت أنه ضابط صف في المرور..
سلمت على أصحابه وعرفني لهم بأنني فلان الشمري!!
خجلت من ذلك أيما خجل فأنا لم اعتد على ذلك اللقب..
لقد كان ذكاء الناس الفطري وأسئلتهم البسيطة تكشف بسهولة بطلان هذا الانتساب ..بالإضافة للكنة الحجازية فقد كان الأمر برمته مفبركا !!
لم تعجبني الحال فلم اعتد الكذب ولكن إرضاء لمضيفي تغاضيت.. وصبرت
لاحظت أن في المنطقة أمنا عجيبا فالناس ينامون في بيوتهم..
ومفتاح السيارة على المقود..
هذا ما رأيته بنفسي في عدة مواقف..
تعرفت على إخوة سعود في منزله في حي المطار ..
كانا شابين نسيت أسماءهما
ولكن طيبة هذه العائلة والمواقف الجميلة التي عشتها في بيتهم
هي ذكريات عطرة تبقى معي أينما حللت..
الصفحة الأخيرة
هذه فصول قصة حقيقية ...
أسردها سردا كما هي ...
قد مر على فصولها أكثر من خمسة عشر عاما..
ومع ذلك فمشاهدها وحكاياتها ما زالت راسخة في الفؤاد..
قد نقشت فيه كما ينقش في الصخر لا يزول إلا بأمر الله..
أطلب من القارئ الكريم أن يتمهل ولا يستعجل..في الحكم على القصة..
حتى تستكمل فصولها وينتهي رقمها ..
فهي في النهاية تحكي مواقف عن رجل فذ قد طوته اللحود..
هذا الرجل هو شامة في جبين التاريخ في عصرنا..
وأنا في موقفي هذا معه ما أنا إلا حاك وناقل لموقف واحد فقط من مواقفه ..
وحسنة واحدة من حسناته ..
أحكي لكم عن هذا الرجل وأقسم على كل حرف فيه ..
أرويه كما حصل بلا زيادة ونقصان..
وأما حصر أفعال هذا الرجل ، ورصد جمائله على الناس والأمة
فهذا مما تعجز عنه طاقة الناس ...
فمنذا يقدر حصر أفعاله ليجمع أفعال غيره!!
فأمره إلى الله ..
هو حسيبه تعالى ورقيبه لا يخفى عليه من أمره شيء..
سيجد القارئ الكريم في أول القصة مواقف تعنيني أنا بشخصي..
وهي في النهاية عن شخص مغمور ..
ولكنها في الخاتمة تكشف نبلا عزيزا لإمام جليل .. قد آن الأوان أن تعرف قصته..
وقد حكيت بعضا من تلك القصة على أحبابي وأترابي..
فكلهم أقسم علي إلا أن أكتبها وأنشرها .. فهي واجبة من الواجبات..
وحق لهذا الإمام علي كأقل جميل له علي أرده..
خاصة وأنني مقبل على أمر جلل.. لا أدري ما خاتمته..
فلتكن إذا صدقة من الصدقات وذخرا لي عند الباري سبحانه وتعالى ..
لعل الله أن يعفو عن الزلات ويتجاوز عني في الصالحين..
اللهم اغفر لي ولشيخنا وأستاذنا ولوالدي واجعلني معهم في فردوسك الأعلى يا أرحم
الراحمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..