المدينة داري
المدينة داري
الحلقة الخامسة عشر في دروس شيخنا في عنيزة من النادر أن يسال الشيخ الطالب خلال الدرس.. فغالبهم قد جاء له من أماكن بعيده بقصد العلم والتحصيل .. وفيهم من الطاقة والحيوية ما يجعلهم حريصين ومتنبهين لكل فائدة ومسألة. ولكن الوضع ذلك اليوم مختلف ..!! سألني الشيخ في ذلك الدرس ثلاث مرات كأنه يختبرني أو سيقول لي : طس !! وبحمد الله بلعت الطعم ولم أقع في المصيدة!! فقد أجبته بما فتحه الله علي مما حصلته عند مشائخنا في الطائف.. فكان ذلك فأل خير لي بحمد الله تعالى.. انتهى الدرس الأول بعد الأذان .. ثم تقدم شاب من الصف الخلفي وجلس بيني وبين جاري الغاضب مني!! وعلق الميكرفون على صدره .. ثم أخذ يقرأ من نونية ابن القيم.. بصوت جمع بين العذوبة والرقة ، وجمال الأبيات التي نظمها ابن القيم رحمه الله.. لقد كانت تلك المنظومة مع أنها تحوي ردودا علمية رصينة إلا أنها... حوت حكما ومواعظ وطرائف لا يتقن نظم قلائدها سوى مثل ابن القيم وكفى به !! لاحظت رجلا أفغانيا ذو عمامة عريضة ويلبس المرآة يجلس عن يمين الشيخ.. و لاحظت الشيخ يستأنس كثيرا بالحديث معه أو مناقشته .. وكانت أسئلته وركاكة لسانه الأعجمي تثير ضحك الطلاب .. كنا نستأنس ونفرح حينما يسأل هداية الله لأن شيخنا يسر بذلك .. ومع عجمته وصعوبة النطق بالعربية لديه حيث انه لا يتكلم سوى بالفصحى المكسرة..!! إلا أن الرجل قد أتقن علوم الآلة من نحو وأصول وأصول تفسير ، بشكل شبه كامل.. أذكر في درس الفرائض من متن البرهانية المسألة العنقودية والتي لم يستطع حلها سوى هداية الله !! وهي مسألة شائكة ومعقده لا يقدر عليها سوى الراسخين في الحساب والفرائض.. كان هداية الله هذا يسجل دروس الشيخ في مسجل صغير.. ثم يرجع لغرفته فيغلق الباب على نفسه .. فلا ينام حتى ينسخ ذلك الشريط على دفتر خاص ثم يترجمه من فوره للغته الأفغانية!! و هذا ما يفعله كل ليلة طوال ست سنوات جاورته وخبرت حاله..!! انتهى الدرس وتوجهنا للمصلى وكنت وضعت كتابا بجوار المؤذن لكي أصلي مكانه.. صليت خلف شيخنا .. وبعد السلام ..تحلق مجموعة من الناس حول الشيخ .. كما هي العادة في كل صلاة سوى صلاة الفجر والمغرب.. ثم قام الشيخ وخرج من المسجد لحقته مع الناس وذلك بقصد الفضول فقط .. كنت أسير بمحاذاة الشيخ واستمع لأسئلة الطلبة والمستفتين.. ولقد فاجأني الشيخ حينما التفت إلي وقال: يبدوا أنك تريد العلم والتحصيل !! كانت غير متوقعة والله .. ثم قال الشيخ .. هل نزلت في السكن؟ قلت : نعم.. كان الطلبة يراقبون هذا الموقف وقلوب بعضهم تخفق من الغيرة من هذا الحوار الخاص!! والنموذجي!! قال : إذا عجل بالتزكية حتى نسمح لك بالبقاء ..!! قلت له : لقد اتصلت على عباس وهو مريض وقال سيتصل عليك!! قال : خيرا إن شاء الله .. ثم عدت أدراجي للسكن.. استبشرت بهذا النجاح الذي لم ارتب له شيئا بل توفيق الخالق سبحانه وتعالى.. دخلت لغرفتي فوجدت زائرا ينتظرني!! وجدت شخصا جالسا في غرفتي.. سلمت عليه .. فرد وقال : هل أنت تسكن في هذه الغرفة؟؟ قلت : اليوم نزلت فيها.. قال : إذا سنكون سوية هنا .. أنا أخوك بندر الحربي .. تعارفنا .. قليلا ثم نزلنا للعشاء.. وهذه المرة لم أنتظر أحدا يدعوني!! حقيقة أن تنام في غرفة صغيرة وضيقة مع شخص لا تعرفه شيء مزعج..لمن لم يعتد عليه خصوصا انه لم يستأذنني احد في اختيار زميل السكن.. ولكن لا خيار لي فإما مع بندر أو الشارع!! ولكن بندرا هذا رجل ظريف وحلو المعشر .. وبعد حديث طويل معه اكتشفت طيبته .. ومع انه رجل انعزالي ولا يحب مخالطة الناس ونظراته غير محببة ، لعمقها وحدتها!!! إلا أنني حينما عاشرته وخالطته تبين انه رجل طيب وفاضل.. استأمنته على بعض أموري وكنت أستشيره فيصدق المشورة!! كنت أخرج للتنزه مع بندر على سيارته الوانيت في الطعوس المحيطة بعنيزة وما أكثرها!! في اليوم التالي .. حضرت درس الصباح .. والذي يستمر من الساعة الثامنة وحتى العاشرة والنصف.. ويدرس فيه الشيخ خمسة كتب .. والحضور في تلك الدروس ليس بالكثرة التي كانت بالأمس.. حيث أن هذه الدروس فقط في موسم الصيف والعطل الدراسية.. كانت الدروس صعبة علي لمستواها العالي عني.. ومع ذلك فلم انقطع عنها طوال الفترة المتبقية من الصيف والتي لم تطل كثيرا.. بخصوص المكان فقد تمسكت بالمكان الذي جلست فيه بالأمس .. وذلك لسنوات عديدة بفضل الله تعالى.. وذلك على رغم عدم رضى جاري سامحه الله!! والذي ستكون لي معه مواقف ستصطدم كثيرا من قراء هذه الحلقات.. ولست اقصد من روايتها الشماتة به أو النيل منه.. فأنا لن اسميه ولا احد من القراء يعرفه أو يعرفني .. ولا يخلوا ذكر القصة من فائدة وحكم وطرفة !! ومع أن تلك المواقف حصلت قبل سنوات عديدة إلا أنها لن تمر دون اعتبار وتمحيص.. والموعد عند رب العالمين سبحانه وتعالى هو حسبنا ونعم الوكيل..
الحلقة الخامسة عشر في دروس شيخنا في عنيزة من النادر أن يسال الشيخ الطالب خلال الدرس.. فغالبهم...
هذا ماتيسر لي نقله بحمد الله ولقد آثرت أن أضع ماتيسر حتى وإن طال
خوفاً من طول الغيبة أولاً ولكي لا أقطع المتعة بوضع جزء بسيط ثانياً ..
لي عودة قريبا بإذن الله ....



وحتى اللقــــــــاء
كونو بخير كما أتمنى :26: :26: ,,,,,,
الشااامخة
الشااامخة
ماأروع الصبر والاحتساب في طلب العلم

شكرا لك اختي المدينة داري على النقل

تحيتي لك,,
السديم,
السديم,
لقد قرأتها وهي من اجمل ماقرأت فهو يقص حياته من بداية رحلته الى..............والجزء الاخير محزن ........... اكملي اختي وبوركتِ في النقل
المدينة داري
المدينة داري
لقد قرأتها وهي من اجمل ماقرأت فهو يقص حياته من بداية رحلته الى..............والجزء الاخير محزن ........... اكملي اختي وبوركتِ في النقل
لقد قرأتها وهي من اجمل ماقرأت فهو يقص حياته من بداية رحلته الى..............والجزء الاخير محزن...
الشامخة
السديم
عزيزاتي كم أسعدني وأفرحني مروركما الكريم
بورك فيكما:26:
المدينة داري
المدينة داري
الشامخة السديم عزيزاتي كم أسعدني وأفرحني مروركما الكريم بورك فيكما:26:
الشامخة السديم عزيزاتي كم أسعدني وأفرحني مروركما الكريم بورك فيكما:26:
الحلقة السادسة عشر



في اليوم التالي حصل تقريبا ما حصل بالأمس غير أن المفاجأ ة كانت وعلى غير المتوقع

حينما مشيت مع الشيخ في عودته لبيته بعد الدرس الصباحي ..

ناداني الشيخ وبانزعاج ظاهر وقال لي: لما لم يتصل صاحبك؟؟

قلت له: والله لا أدري ولكن في اتصالي السابق عليه قال هو مريض..

فلعله اتصل على تلفونكم فلم يجبه أحد!!

قال الشيخ: هات رقم تلفونه وسوف أتصل عليه أنا!!

لم أكن ساعتها أحمل رقم عباس فقلت له: سأحضره لك بعد صلاة الظهر..

وبعد الصلاة ناولت الشيخ ورقة عليها رقم الشيخ عباس ..

كنت قلقا للغاية .. فالشيخ محمد لمن خالطه رجل حازم ..

ولا أسهل عليه من أن يقول لي ارجع من حيث أتيت!!

وكون الشيخ يطلب رقم عباس ليتصل عليه من طرفه إن ذلك الفعل هو نبيل وتواضع

من شيخنا جزاه الله خيرا.. ورحمه وأسكنه جنات النعيم..

بعد صلاة العصر وانتهاء درس العامة ..أشار لي الشيخ وكنت أمامه بجوار المؤذن أن الحق بي!!

لحقته ومشيت بجواره ولكنه لم يكلمني في شيء..!!

انتظر الشيخ حتى انتهى الناس وقضى حوائجهم وبقيت أنا وهو بمفردنا نسير حتى

اقتربنا من البيت وكنت منتظرا دون أن استبق منه شيء!!

ولكن يعلم الله سبحانه وتعالى أنني قد خفت وظننت الظنون فربما أن أخي سعود أخبر

عباس بمشكلتي ..

وبدوره أطلع عباس الشيخ على الحاصل !!

قال الشيخ: خلاص!!

شدهت وظننت أنه خلاص سيخرجني ولكنه استأنف كلامه...

أنا كلمت عباس وهو أثنى عليك خيرا!!

وسكت!!

قلت في نفسي :ما معنى هذا الكلام؟؟؟

ثم أكمل شيخنا وهو يضم يديه ويشير بها للإمام ويزم شفتيه وقال :

سنقبلك في السكن!! بشرط أن تجتهد في الطلب..

لو كان بيدي في تلك اللحظة أن اصرخ من الفرح لفعلت!!

أي خبر سعيد هذا !! الحمد لله رب العالمين..

ثم قال الشيخ : وأنت يافلان الشمري!!!

اغتنم هذه الفرصة ، خاصة أنك ما زلت في مقتبل عمرك .. وفقك الله..

انصرفت بعد أن قبلت رأسه ودعوت له..

ما أجمل أن ترى بصيص الأمل بعد اليأس .. ما أجمل الشعور بالاستقرار

وخاصة في كنف ورعاية رجل بوزن الشيخ محمد عليه الرحمة والرضوان..

لم أطمع ولم أحلم بل والله الذي لا إله سواه ولم يخطر في بالي أن أحصل على أي

امتيازات مادية أو معنوية من قبل الشيخ محمد ..

بل كان يكفيني أن أحصل على ما حصل عليه

الآلاف سواي من طلبة العلم الذين يحيطون بشيخنا من كل صوب كل يبحث عن

رضاه بعد رضى الخالق سبحانه وتعالى فهو للجميع بمقام الأب الحاني ..

ومن ذا لا يبحث عن رضى والده..أو والدته..

وكذلك يكفيني ويشرفني أن أتتلمذ على يديه وأحصل على علم قل منه أو كثر..

انخرطت بعون الله سبحانه في طلب العلم والتحصيل فكان هو شغلي وهمي ..

اقتنيت عددا من الكتب ورتبتها على الرفوف في غرفتي الصغيرة..

تعرفت على عدد من الطلاب ولكن لم يكن اهتمامي منصبا على ذلك..

من الطلبة الذين عرفتهم وخالطتهم الأخ نافع الشمري ..

وكذلك الخ خالد الشمري .. ومنهم الأخ محمد زين العابدين!!

هذا الأخير هو مشرف السكن ..

وقد وصل من شرورة لكي يرتب سكنا له ولزوجته التي دخل بها قبل أسابيع!!

وبذلك سينتقل من السكن الحالي والذي هو سكن للعزاب فقط ليستأجر بيتا له ولعائلته..

الأخ محمد رجل عاقل وفيه حلم وأناة ولذلك كان اختياره للإشراف على السكن هو اختيار موفق..

كان الأخ محمد هو ملاذ الطلاب عند المحن بعد الله فهو الوسيط بينهم وبين الشيخ ..

ولقد كانت مهابة الشيخ محمد رغم تواضعه تمنع كثيرا منهم عن مخاطبته مباشرة..

ولكن يكفي أن يوصل الأخ محمد شكاويهم وطلباتهم ليبت فيه الشيخ ..

طلبت عن طريق الأخ محمد أن يوفروا لي كتبا ومراجع فوضعت قائمة كبيرة بالكتب..

سلمتها لمحمد .. فظهرت على وجهه ابتسامة صفراء ماكرة !!

وهز رأسه وقال: هل تظن الشيخ يوافق لك على هذه الكتب؟؟

قلت له قدمها له وسنرى..

وفعلا قدم محمد القائمة للشيخ بعد ظهر إحدى الأيام فوضعها الشيخ في جيبه..

بعد يوم أو في ذلك اليوم بعد العصر ناداني محمد وقال : انظر في ورقتك!!

فوقعت عيني على شخاميط بالقلم الأحمر وضعت على كل الكتب تقريبا وأضيف عليه

للتأكيد علامة X

ووافق على كتابين أو ثلاثة وأرفق معها قيمة الكتب نقدا معلقة بالفاتورة!!

أخذتها وحمدت الله تعالى واشتريت الكتابين فأضفتها لمكتبتي الصغيرة..

وعلى كل فقد وفر في السكن مكتبة علمية لا بأس بها وتحوي مراجع كثيرة للباحثين ومحبي القراءة .. ومع ذلك فالمكتبة شبه خالية ..

والسبب في ذلك

أن أغلب الطلاب قد يسر الله لهم مكاتب على حسب تخصصاتهم ومشاربهم في غرفهم..

فترى الطالب المهتم بعلم الحديث والتخريج أكثر كتبه ومراجعه من ذلك..

وينطبق الحال كذلك على طالب الفقه والتفسير وغيرها ..

أما أنا فقد كانت مكتبتي صغيرة ولكنها نمت وترعرعت حتى خرجت من سكن الطلاب..

وإنه ليعجز عن حملها الرجال الأشداء أولي القوة لكثرتها وتنوعها والحمد لله..!!