هايـــــــدي
هايـــــــدي
شعب فلسطين


تكوين شعب فلسطين:

تدل آثار الإنسان القديم في حفريات شقبة في وادي النطوف أن سكان فلسطين في عصور ما قبل التاريخ هم من العرق الذي يسمى عرق البحر المتوسط. ومنذ 3000 ق.م أخذت الهجرات السامية تتوالى على فلسطين من الجزيرة العربية حتى غلب عليها العنصر السامي، فنـزل الكنعانيون فلسطين حوالي 2500 ق.م. وفي 1500ق.م جاءت هجرة سامية من القبائل المآبية والإيدومية والعمونية، واستقرت جنوبي سوريا في الإقليم الممتد بين البحر الميت وخليج العقبة، ثم جاءت هجرة سامية ثالثة بالأنباط الذين استقروا في بلاد الشام نحو 500 ق.م.


ومن جهة أخرى هاجرت إلى فلسطين نحو 1200 ق.م أقوام بحرية من غربي أسيا الصغرى وجزر بحر إيجة استقرت على ساحل فلسطين، وعُرفت باسم "بلست PLST"وسرعان ما اندمجت وذابت في الكنعانيين. أما بنو إسرائيل فقد حاولوا دخول فلسطين تحت قيادة موسى عليه السلام أواخر القرن الثاني عشر (حوالي 1230ق.م)، ثم إنهم استقروا بعد ذلك في أجزاء من شمال شرقي فلسطين، غير أن سقوط دولتهم إسرائيل سنة 721 ق.م أدى إلى هجرة عشرة من قبائلهم الإثني عشر، كما أن السبي البابلي بعد ذلك سنة 597 ق.م وسنة 586 ق.م قد أخذ أعداداً ضخمة من اليهود إلى العراق، حيث تضاءل شأن اليهود وعددهم في فلسطين.

وقد كان لهم بعض الازدهار بعد ذلك، عندما حققوا حكماً ذاتياً بزعامة الأسرة المكابية (164 ـ 37 ق.م)، وذلك تحت الهيمنة الإغريقية ثم الرومانية، ولكن لم يعد لهم شأن يذكر منذ القرن الثاني للميلاد (بعد 135م).



وكان لليمنيين من السبئيين والمعينيين جاليات كبيرة في الواحات التي تمر بها الطرق التجارية في بلاد الشام منذ الألف الأول قبل الميلاد. ومن القبائل العربية الأولى الشهيرة التي استقرت بأرض الشام ومنها فلسطين قبيلة قضاعة التي تنصرت فيما بعد، وولاها ملوك الروم على عرب بلاد الشام. ثم وردت قبيلة سليح فحلت مكانها. ثم إن بني غسان "الغساسنة" هاجروا من اليمن أواخر القرن الثالث الميلادي، فاستقروا شمال الحجاز، ثم انتقلوا للشام، واعترف لهم البيزنطيون بنوع من السيادة، وأقاموا دولة حاجزة بين الروم والفرس، وامتدت سلطتهم على القبائل العربية في فلسطين، واستمر ملكهم حتى حوالي سنة 584 م حيث بدأ انهيارهم عندما خاصموا الروم. وحين غزا الفرس الشام 613م قضوا على آخر نفوذ للغساسنة، وكان هذا بُعيد نزول الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم، وبدء انتشار الإسلام.



وقد شهدت بلاد الشام ثلاثة كيانات عربية قبل الإسلام، فظهر الأنباط في الجنوب، وظهرت تدمر في الشمال، والغساسنة بينهما. أما تدمر فلم يصل نفوذها إلى فلسطين، وأما الأنباط فقد تمركزوا في البتراء شرق الأردن، وسرعان ما وسَّعوا نفوذهم، وأسسوا لأنفسهم مملكة رأسها الحارث الأول منذ 169 ق.م. وفي أوج ازدهارهم شملت دولتهم الأقسام الشرقية والجنوبية من فلسطين وحوران وإيدوم ومدين وسواحل البحر الأحمر، وباتت دولتهم تحيط بمنطقة المكابيين (اليهود) من ثلاث جهات على عهد الحارث الثاني والثالث. غير أن دولتهم ما لبثت أن سقطت في نهاية القرن الأول الميلادي على يد الرومان.


وبعد الفتح الإسلامي انتشرت القبائل العربية في فلسطين، وامتزجت بمن سبقها من كنعانيين وغيرهم، وحدثت حركة أسلمة وتعريب تدريجية وطبيعية تحت راية الحكم الإسلامي، حتى أصبح دين أهل فلسطين الإسلام ولسانهم العربية. وبشكل عام، فإن غالبية من استقر من العرب في فلسطين هم من القحطانية أي من العرب العاربة، أي من القبائل العربية التي ترجع إلى أصول يمنية، فقد كانت معظم جيوش الفتح الإسلامي من هذه القبائل. فنـزل مثلاً قوم من الأشعريين طبرية وغلبوا عليها، ونزل بعضُ أفخاذ جذام في بيت جبرين، وفيما يلي طبرية من أرض، وسكن أقوام من بكر بن وائل جنين وآخرون من مضر بن نزار في نابلس. وفي منطقة الخليل وما حولها كانت قد استقرت لخم، وبطن من بني عبد الدار وهم رهط تميم الداري رضي الله عنه. ومن أهم قبائل العرب العاربة حِمْيَر التي ينسب جل أفرادها إلى قبيلة قضاعة، والتي انتشرت بطونها في قرى البطاني (غزة)، وجماعين (نابلس)، ووادي حنين (يافا)، وغيرها.


ومن بطون قضاعة التي انتشرت في فلسطين، قبائل كلب وبلي وجهينة وجرم وقدامة وبنو بهراء وبنو عذرة والقين و مسكة. ومن العرب العاربة قبائل بنو كهلان، ومن أهمها طيء التي تعرف اليوم باسم "شمر"، ولخم وزُبيد والأوس والخزرج، وكلها انتشرت في أماكن مختلفة من فلسطين. وهناك أعداد من عرب شمال الجزيرة العربية الذين يعرفون ببني عدنان أو بني إسماعيل أو العرب المستعربة، وإليها تنسب قريش التي جاء العديد من عائلاتها إلى فلسطين من نسل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعباس وغيرهم من الصحابة، وهناك كذلك قبيلة عَنْـزَة، وحرب وغيرها.


وظل شعب فلسطين مسلماً عربي اللسان منذ الفتح الإسلامي وإلى وقتنا هذا. ولم تؤثر فترة الحروب الصليبية في تركيبة السكان إلا قليلاً عندما غزاها صليبيو أوروبا، فسرعان ما استوعب المسلمون هذه الهجمة وأعادوا للأرض هويتها المسلمة. وقد ظلت فلسطين منطقة جذب سكاني لمكانتها المقدسة ولموقعها الجغرافي ولمناخها المعتدل وإمكانات الزراعة والتجارة وغيرها، فاستقر بها بعض المسلمين من الأكراد والبربر والشيشان والبوسنة والأتراك حيث تعربوا وامتزجوا بأهلها، وظلت في فلسطين أقلية نصرانية تعيش بسلام وطمأنينة في ظل حكم المسلمين، وكان من نصارى فلسطين أولئك الذي ظلوا على دينهم من أهل البلد، ومن استقر من النصارى فيما بعد ممن رغبوا في السكن في الأرض المقدسة، من أرمن ويونان وغيرهم. كما اتسع التسامح الإسلامي لسكن اليهود واستقرارهم، بوصفهم أهل ذمة، فعاشت أقلية ضئيلة منهم دون طموحات سياسية، وكانوا في بداية القرن التاسع عشر لا يتجاوزون الخمسة آلاف. ووصل عددهم قبيل بداية البرنامج العملي النَّشِط للهجرة الصهيونية أي حوالي 1880م إلى 23 ألفاً تقريباً.



وعندما احتل البريطانيون فلسطين عام 1918 كان عدد سكان فلسطين نحواً من 665 ألف نسمة منهم حوالي 550 ألف مسلم، والنصارى حوالي 60 ألفاً، واليهود 55 ألفاً. أي أن العرب كانوا نحو 91.73% من السكان، بينما كان اليهود 8.27% وكانت غالبية هؤلاء اليهود من المهاجرين الغرباء القادمين من روسيا وشرق أوروبا خلال السنوات الأربعين السابقة.


وتحت الاحتلال البريطاني، الذي تعهد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، تم فتح أبواب الهجرة والاستيطان على مصراعيها لليهود حيث هاجر في الفترة 1919 ـ 1948 نحو 483 ألف يهودي. ولكن حتى صدور قرار تقسيم فلسطين من الأمم المتحدة في نوفمبر 1947 فإن العرب ظلوا أغلبية السكان. فحسب المعلومات التي ذكرتها لجنة الأمم المتحدة التي أوصت بالتقسيم فإن عدد السكان العرب بلغ مليوناً و 237 ألفاً و 374 شخصاً (67.05%) وبلغ عدد السكان اليهود 608 آلاف و 225 شخصاً (32.95%) وهي أرقام تستند إلى الإحصائيات البريطانية لسنة 1946.


لقد حاول قرار الأمم المتحدة الظالم بتقسيم فلسطين أن يضفي شرعية على إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وكان من أبرز أوجه الظلم التي انبنت على هذا القرار تمزيق شعب فلسطين وتشريده.

ففي المنطقة التي قضى التقسيم إعطاءها لليهود (54% من الأرض) كان يعيش 498 ألف يهودي و 497 ألف عربي، وفي المنطقة التي قضى بإعطائها للعرب (45% من الأرض) كان يعيش 725 ألف عربي و 10 آلاف يهودي فقط، بينما تقرر وضع منطقة القدس (1% من الأرض) تحت إشراف دولي حيث يسكنها 105 آلاف عربي، و 100 ألف يهودي.


وحسب دراسة إحصائية دقيقة قامت بها جانيت أبو لغد فإن عدد الفلسطينيين العرب في نهاية سنة 1948 كان مليوناً و 398 ألفاً، أما تقديرات سلمان أبو ستة للسنة نفسها فهي مليون و 441 ألفاً.


ولأن اليهود كانوا قد تجهزوا تماماً للحرب بدعم من القوى الكبرى لفرض قرار التقسيم، بل وتوسيع كيانهم وطرد أبناء فلسطين من الأرض التي يسكنون عليها، فقد تسببت حرب فلسطين 1948 بمأساة كبرى لشعب فلسطين، فحسب إحصاءات الأمم المتحدة تم تشريد 726 ألف فلسطيني من أرضهم، وزادت التقديرات بعد ذلك إلى نحو 900 ألف لاجئ، أي أن نحواً من ثلثي شعب فلسطين قد طردوا من أرضهم، حيث قام اليهود الصهاينة بأحد أبشع حالات التطهير العرقي في التاريخ الحديث. ثم قاموا بإحلال اليهود من شتى الأجناس والألوان مكان أبناء البلاد الأصليين، وفي العام 1967 احتل الصهاينة ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وغزة) وشردوا 330 ألف فلسطيني آخرين.


ومنعت القوات الصهيونية ولا تزال تمنع الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم، وبذلك ظلت أعداد هائلة من الفلسطينيين تزيد عن نصف العدد الكلي لاجئةً خارج فلسطين.


وهكذا توزع شعب فلسطين( الذي بلغ عدده سنة 2002 حوالي 9 ملايين و 554 ألفاً) على ثلاث تقسيمات جغرافية، هي:

- أرض فلسطين المحتلة سنة 1948 (حوالي مليون و 239ألفاً في سنة 2002، أي نحو 12.97% من الفلسطينيين).


- أرض فلسطين المحتلة سنة 1967، بما فيها القدس الشرقية (حوالي ثلاثة ملايين و 485 ألفاً في سنة 2002، أي 36.48% من الفلسطينيين).


- الفلسطينيون خارج فلسطين (حوالي أربعة ملايين و830 ألفاً في سنة 2002أي 50.55% من الفلسطينيين).


ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين من أصعب المشاكل الإنسانية في التاريخ الحديث، وأصحابها هم الأكثر عدداً والأطول معاناة بين لاجئي العالم منذ سنة 1948. ومع ذلك حال التواطؤ الدولي للقوى الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني دون عودتهم إلى أرضهم، رغم صدور العشرات من قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد حقهم في العودة.











ونتابع مع هل ترك الفلسطينيون ارضهم بناء على رغبتهم ؟
هايـــــــدي
هايـــــــدي
هل ترك الفلسطينيون أرضهم بناء على رغبتهم؟


تزعم الدعاية الصهيونية ومؤيدوها أن الفلسطينيين رحلوا عن فلسطين في أثناء حرب 1948 بناء على رغبتهم الخاصة، وبناء على حث الزعماء العرب لهم عبر برامج الإذاعات العربية، بينما كان الصهاينة يطالبونهم بالبقاء!! لكنهم اختاروا الرحيل، وبذلك فقدوا حقهم في أرضهم، وعليهم تحمل ما صنعت أيديهم!


من المثير للسخرية أن مناقشة القضايا البديهية، ومماحكة الحقائق تكون أحياناً أكثر صعوبة من مناقشة القضايا الصغيرة، المختلف في زاوية النظر حولها. ولو جربت أن تناقش شخصاً عنيداً يطالبك بإثبات أن الشمس هي التي تشرق كل صباح على الكرة الأرضية لعرفت مدى الصعوبة التي ستواجهها في مثل هذه الأمور. ومن المؤلم أيضاً أن تجد من إخوانك العرب والمسلمين من التبس عليه الأمر فتأثر بالدعاية الصهيونية وجاء مجادلاً أو على الأقل متسائلاً باحثاً عن الحقيقة.



أولاً: وقبل كل شيء فمن ينكر أن السلوك الطبيعي للمدنيين في أثناء الحروب وخصوصاً إذا صاحبها مذابح وتطهير عرقي هو الهجرة باتجاه مناطق أكثر أمناً بانتظار انتهاء الحرب حتى يعودوا بعد ذلك إلى ديارهم؟ ألم يفعل ذلك اليهود أنفسهم؟ ألم يحدث هذا منذ وقت قريب في تيمور الشرقية وغيرها من البلدان؟!.

ثانياً: إذا حدث ورحل السكان عن منطقة ما أثناء الحرب لمصلحة يرونها، وبغض النظر عمن شجعهم على ذلك، فهل يحرمهم ذلك من حقهم في العودة إلى أرضهم عند انتهاء الحرب. لماذا سمح للبوسنيين والأفغان والشيشان والتيموريين الشرقيين وغيرهم بالعودة إلى أرضهم؟ بينما لم يسمح للفلسطينيين؟.
لماذا ألزم المجتمع الدولي الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان بإعادة اللاجئين إلى أراضيهم، ولم يلزم الكيان الصهيوني بذلك؟.


ثالثاً: إذا كان الصهاينة فعلاً قد دعوا الفلسطينيين إلى البقاء في أرضهم، فلماذا منعوهم من العودة إليها عند انتهاء الحرب؟ بعد أن لم يعد هناك خطر يذكر من هؤلاء المدنيين؟ لماذا صادروا الأراضي الفلسطينية وأحلوا مكانهم مستوطنين يهود من نحو تسعين بلداً من بلدان العالم؟


وباختصار لماذا لم يثبتوا حسن نواياهم إن كان لديهم أية نوايا حسنة؟!




رابعاً: يدعي اليهود الصهاينة أن الفلسطينيين تركوا فلسطين بناء على رغبتهم الخاصة!! فهل تطوعوا فعلاً بسؤال الفلسطينيين عن حقيقة رغبتهم؟ ولماذا يتحدثون باسمهم ورغماً عنهم؟ وهل لديهم الاستعداد لفتح الباب لعودة الفلسطينيين إلى أرضهم؟ إذا ثبت أنهم تركوها كارهين، ومستعدين للعودة إليها راغبين؟ ألم تكفهم عشرات من البيانات والتصريحات والاستفتاءات؟ وأكثر من خمسين سنة في المخيمات رافضين للتوطين في أي مكان غير فلسطين؟ والثورات والانتفاضات؟ وعشرات من قرارات الأمم المتحدة التي استصدروها... .


خامساً: إذا كان اليهود يدعون لأنفسهم حق العودة إلى فلسطين بعد ألفي عام من تركها! فلماذا يحرمون أبناء فلسطين من حق العودة إلى أرضهم بعد أشهر فقط أو سنوات من "تركها"؟.


وإذا كان اليهود أنفسهم لم يظهروا نوايا جادة، ولم يقوموا بأية برامج عملية للعودة إلى فلسطين طوال 1800 سنة وعلى مدى عشرات الأجيال، فهذا يعني وفق المنطق نفسه أن اليهود قد فقدوا حقهم في العودة منذ أمد طويل.



وعلى أي حال، فإن حقائق الواقع وأدلة التاريخ واعترافات اليهود أنفسهم تكذب ادعاءاتهم ومحاولات تزييفهم للتاريخ. فلا الفلسطينيون خرجوا وفق رغبتهم، ولا الزعماء العرب أمروهم بالخروج، ولا الزعماء الصهاينة خططوا لإبقائهم والتعايش معهم.



ففي سنة 1961 أمضى الصحفي الإيرلندي أيرسكين تشايلدرز عدة أشهر يتقصى أسباب خروج الفلسطينيين وطالب الزعماء الصهاينة بدليل واحد يثبت مزاعمهم لكنهم عجزوا، ولم يجد ما يثبت أن الإذاعات العربية حضت العرب على الخروج، ولجأ تشايلدرز إلى محطات الإذاعة البريطانية والأمريكية لتفحص تسجيلات البث الإذاعي التي سجلت طوال سنة 1948 وانتهى إلى القول:" "ليس هناك أمر أو نداء أو اقتراح واحد يمكن أن تكون قد بثته إي إذاعة عربية داخل أو خارج فلسطين خلال 1948 يتعلق بتشجيع الفلسطينيين على الرحيل. بل على العكس من ذلك تم التقاط تسجيلات متكررة لنداءات وأوامر موجهة من إذاعات عربية إلى الفلسطينيين تطلب منهم البقاء في فلسطين". ووجد تشايلدرز أدلة واضحة على أن الإذاعة الإسرائيلية كانت تبث برامج بالعربية لحث الفلسطينيين على الرحيل.



ولم تصدر اللجنة العربية العليا أوامرها للفلسطينيين بالنـزوح (لإفساح المجال للجيوش العربية)، كما تروج الدعاية الصهيونية، بل على العكس فهناك أكثر من رسالة رسمية صادرة عن اللجنة، وإحداها مؤرخة في 8مارس 1948 تطلب من الحكومات العربية التعاون لمنع نزوح الفلسطينيين.



أما الحقيقة التي يجب تثبيتها فإن النوايا الصهيونية منذ مرحلة مبكرة كانت تركز على فكرة الدولة اليهودية، والتخلص من القوميات الأخرى من مناطقها، ومنذ البداية كتب ثيودور هرتزل T. Herzl - مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية وأول رئيس لها - في مذكراته:"يجب أن تتم عمليتي طرد الفلسطينيين والتخلص منهم بحذر وسرية بالغة"، ونقل عن زعيم الحركة الصهيونية في فلسطين ديفيد بن غوريون سنة 1937 قوله إن اليهود يجب أن يطردوا العرب ويحلوا محلهم".




أما يوسف ويتز Yosef Weitz الإداري المسئول عن الاستيطان الصهيوني عام 1940 فقد كتب يقول:" يجب أن يكون واضحاً في أذهاننا أنه ليس هناك مجال لأن يعيش الشعبان معاً في هذا البلد، لذا فإن الحل الوحيد يكمن في أن تكون فلسطين خالية من العرب، وليس هناك من طريقة لتنفيذ هذا المخطط سوى طردهم جميعاً إلى الدول المجاورة".



وقد اعترف الصهاينة - فيما بعد - أنهم نفذوا خطة كبيرة سموها "خطة داليت" لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتبعاً لما ورد في التاريخ الصهيوني الرسمي فإن القرى الفلسطينية التي قاومت هذه الخطة يجب تدميرها وطرد سكانها خارج حدود الدولة اليهودية"، وتم تبني السياسة نفسها مع المدن الفلسطينية. وكتب إسحاق رابين الذي كان أحد القيادات العسكرية اليهودية لحرب 1948 (وأصبح رئيساً للوزراء فيما بعد) أقوالاً تمكنت صحيفة نيويورك تايمز من نشرها في 23 أكتوبر 1979" مشينا إلى الخارج بمرافقة بن غوريون، وأعاد آلون سؤاله: ما الذي سنفعله بالسكان الفلسطينيين؟ فأجابه بن غوريون بحركة من يده: اطردوهم"، وكشف باحث يهودي يدعى بيني موريس عن وثيقة مؤرخة في 30 يونيو 1948 أعدها قسم الاستخبارات اليهودية المباشرة في الجيش الإسرائيلي يوضح فيه أن الرحيل الجماعي للفلسطينيين كان بسبب العمليات العدائية اليهودية المباشرة على التجمعات العربية، وانعكاسات هذه العمليات على التجمعات العربية الأخرى، وبسبب ما قامت به المجموعات الصهيونية الإرهابية الأخرى مثل عصابة الأرغون التابعة لمناحيم بيغن. وتذكر الوثيقة بأنه" مما لا شك فيه أن العمليات العدائية التي قامت بها عصابة الهاغاناة كانت السبب الرئيسي في رحيل الفلسطينيين"، وتعترف الوثيقة بأن المؤسسات والإذاعات العربية حاولت مجابهة ترحيل الفلسطينيين والحد منها.



وكتب ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني في يومياته 18 يوليو 1948 :" يجب أن نفعل أي شيء من أجل ضمان أنهم (اللاجئون الفلسطينيون) لن يعودوا مرة أخرى".



ومن جهة أخرى فقد استخدمت القوات الصهيونية أسلوب المجازر البشعة لإثارة الرعب والفزع وتهجير السكان، وارتكبت حوالي 34 مجزرة خلال حرب 1948 بمدنيين فلسطينيين أثناء عمليات التهجير، وكان من أشهرها مذبحة دير ياسين التي اعترفت القوات الصهيونية فيها بمقتل 254 من الرجال والنساء والأطفال.



وبعد، فإنه مما لا شك فيه أن خروج الفلسطينيين من أرضهم كان عملية مبيتة ومخطط لها وتم تنفيذها بموافقة وإشراف أعلى مستويات القيادة الصهيونية.






الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة 1948

استطاع اليهود الصهاينة إنشاء كيانهم عام 1948 على نحو 77% من أرض فلسطين، وبعد طرد ثلثي الشعب الفلسطيني من أرضه، كما أشرنا سابقاً. وقد ظل عدد من الفلسطينيين في هذه الأرض ممن لم يتمكن الصهاينة من طردهم، وقد بلغ عددهم حوالي 156 ألفاً، 17% من العدد الكلي لسكان الكيان الصهيوني عند إنشائه. وهؤلاء الذين بقوا هم الذين يعرفون بـ"فلسطينيي الـ 48"، أو عرب الـ 48، أو ما يسميه الصهاينة بـ"عرب إسرائيل"، وهكذا ولأول مرة يجد أبناء فلسطين أنفسهم أقلية في أرضهم بل وتعاملهم الدولة الصهيونية كغرباء أو مواطنين من الدرجة الثانية.



لقد كان حجم الدمار هائلاً وكانت درجة تمزيق النسيج الاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين في الأرض المحتلة تفوق التصور، فحسب د. إبراهيم أبو جابر فقد تم تدمير 478 قرية من أصل 585 قرية عربية كانت قائمة في الأرض المحتلة 1948. وفي دراسة متأنية للدكتور وليد الخالدي وضع قائمة دقيقة بأسماء 418 قرية تم تهجير سكانها سنة 1948، وقد تابع د.سلمان أبو سنة قائمة القرى هذه وأضاف عليها مجموعة أخرى من القرى ومراكز استقرار البدو خصوصاً في بئر السبع، ليصبح العدد الكلي للقائمة 531 قرية ومركزاً. وقد هجر بسبب ذلك 804 آلاف فلسطيني إلى خارج الأرض المحتلة أو ما أصبح يدعى "إسرائيل"، بينما تم تهجير نحوا من 30 ألفاً آخرين من أرضهم إلى مناطق أخرى داخل الأرض المحتلة نفسها أي حوالي خمس الفلسطينيين الـ156 ألفاً الذين ظلوا هناك.



ويحاول الكيان الصهيوني إثبات شرعيته وفق شعار الصهاينة المعروف "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ولذلك يسعى لطمس كل الحقائق حول أبناء فلسطين الذي شردهم وحول قراهم ومراكزهم الحيوية التي دمرها. تقول جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة:" لا يوجد شيء اسمه فلسطينيون" ويعرض د. إسرائيل شاحاك ـ أحد مفكري اليهود ـ هذا الأمر قائلاً:" إن الحقيقة المتعلقة بالتجمعات السكانية العربية التي كانت موجودة داخل حدود دولة إسرائيل قبل 1948 تُعدُّ أحد أهم الأسرار التي يتكتم عليها في إسرائيل، فليست هناك أية منشورات أو كتيبات تتحدث عن هذه التجمعات السكانية وأماكن وجودها. وهذا أمر تم تجاهله بشكل متعمد حتى يمكن تدريس خرافة "البلاد الفارغة"، وكانت القرى المدمرة في غالب الأحوال قد دمرت تدميراً كاملاً بمنازلها وأسوار حدائقها وحتى مقابرها وشواهد قبورها.. حتى يتم إيهام الزائرين.. بأن جميع هذه المناطق كانت عبارة عن صحراء مقفرة". أما الجنرال موشيه دايان أحد كبار الشخصيات الصهيونية في القرن العشرين والذي تدرج في مناصب رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، وكان له اهتمام خاص بالآثار، فيقول:" ليست هناك قرية يهودية واحدة في هذه البلاد لم يتم بناؤها فوق موقع لقرية عربية".



ومنذ البداية شرعت الدولة الصهيونية الناشئة في التعامل مع من تبقى من أهل فلسطين في الأرض المحتلة عام 1948 وفق الخطوط التالية:

- تبني قوانين وسياسات تمييزية ظالمة جعلتهم كالغرباء في أرضهم، ومواطنين من الدرجة الثانية.

- وضعهم تحت ظروف أمنية واقتصادية صعبة تلجئهم إلى الهجرة وترك الأرض.

-مصادرة أراضيهم، وأراضي الوقف الإسلامي.


- محاولة محو هويتهم الدينية والثقافية وسلخهم عن محيطهم الفلسطيني والعربي والإسلامي.


- وتنفيذا لهذه السياسات، فقد وضع هؤلاء الفلسطينيون تحت الحكم العسكري وتم عزل القرى العربية عن بعضها وإعلان كل قرية منطقة مغلقة لا يحق الدخول إليها والخروج منها إلا بإذن. حتى أن إميل حبيبي الشيوعي الفلسطيني عضو الكنيست منع من مغادرة مدينته لحضور الكنيست إلا بعد حصوله على تصريح خاص.

وظل الفلسطينيون تحت الحكم العسكري حتى 1966 عندما توقف العمل به رسمياً، غير أنه من الناحية العملية ظلوا تحت الرقابة المشددة، وما حدث هو مجرد عملية انتقال سلطة متابعتهم إلى أيدي وحدة المهمات الخاصة في الشرطة الإسرائيلية. لقد كانت القوانين المطبقة على الفلسطينيين في أرض 1948 جائرة إلى حد أن وزير العدل الإسرائيلي السابق يعقوب شابيرا يقول: " حتى في ألمانيا النازية لم يكن هناك مثل هذه القوانين، ولا يمكنك أن تجد نظاماً يشبه نظامنا إلا في البلاد المحتلة.. إن من واجبنا أن نقول للعالم بأسره أن قوانين الدفاع تدمر البنية التحتية للعدالة في هذا الكون".


لقد كان التعامل منذ البداية مع فلسطينيي الـ48 عدوانياً، وكأنهم وجدوا "خطأ" في "أرض إسرائيل"، ولذلك أعلن يوري لوبراني مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي 1960 - 1963 أن الفلسطينيين في إسرائيل هم الأعداء الأبديين لإسرائيل. وفي الكيان الصهيوني لا يمكن أن توجد مساواة حقيقية لجميع المواطنين، لأن إسرائيل أعلنت نفسها منذ البداية أنها دولة اليهود أينما يقيمون، ومهما كانت جنسياتهم، وحالما تطأ أرجلهم الأرض المحتلة يصبحون مواطنين أصليين لهم الحقوق كافة، بما فيها الوصول إلى أعلى مراتب الدولة. أما وجود العرب فيها ولو منذ آلاف السنين فلا يعني ذلك أنها دولتهم، لأن إسرائيل ليست بالضرورة دولة للمواطنين الذين يعيشون فيها.



وقامت السلطات الصهيونية بطريقة منهجية متدرجة ودون ضوضاء إعلامية بعملية اغتصاب الأراضي من أصحابها الشرعيين سواء من طرد وشرد منها أو من ظل صامداً على أرضه. وقامت بسن 34 قانوناً لإعطاء شرعية للظلم الذي تمارسه ومن هذه القوانين، قوانين أملاك الغائبين، وقانون استملاك الأراضي، وقانون مصادرة الأراضي لمصلحة المجتمع.. وغيرها. وقد أدى ذلك إلى مصادرة نحو 97% من الأرض التي يملكها الفلسطينيون مع نهاية القرن العشرين.




وكان معدل ملكية الفرد الفلسطيني سنة 1945 هي 19 دونم، وقد هبطت سنة 1950 إلى 3.4 دونم وسنة 1981 إلى 0.84دونم، وهكذا. وقد ثار أبناء فلسطين المحتلة 1948 في وجه هذه القوانين والمصادرات الظالمة، وكان من أبرز هذه الانتفاضات ما يعرف بانتفاضة يوم الأرض في 30 مارس 1976 والتي استشهد فيها ستة من الفلسطينيين.



ورغم القوانين الظالمة الجائرة ، فقد صمد أبناء فلسطين في أرضهم متشبثين بحقهم، وشجعهم على ذلك ما رأوه من معاناة إخوانهم اللاجئين من ظروف أقسى وأصعب. وقد استمرت معدلات النمو السكاني الطبيعي بينهم بمعدلات عالية غير أن نسبتهم إلى عدد اليهود في فلسطين لم تتحسن كثيراً بل وشهدت انحساراً في الخمسينيات والستينيات بسبب هجرة أعداد هائلة من اليهود من بقاع العالم شتى إلى فلسطين المحتلة، كما تأثرت بموجة الهجرة اليهودية الكبرى مع انحلال الاتحاد السوفيتي وسقوطه أواخر الثمانينيات من القرن العشرين.





ووفق نسب النمو الطبيعي نحو 3.4% سنوياً فإن عدد الفلسطينيين أصبح في سنة 2002 حوالي مليون و239 ألفاً. وهي تشكل الآن نحو 19.5% من السكان.



ومن الناحية الدينية ينقسم أبناء فلسطين إلى مسلمين من أهل السنة ونسبتهم 77%، ودروز 10%، ونصارى 13%. وكانت نسبة النصارى في السنوات الأولى للاحتلال حوالي 20% إلا أنها انخفضت بسبب هجرة أعداد منهم خصوصاً إلى أوروبا وأمريكا.



ويقدم الكيان الصهيوني نفسه على أساس أنه واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وأن الفلسطينيين تحت حكمه يتمتعون بحقوق المواطنة والحرية السياسية، وأن أحوالهم الاقتصادية تحسنت كثيراً. وقبل مناقشة مثل هذه الادعاءات، فإن الإشكالية الأساسية يتم تجاهلها، وهي أن أرض هؤلاء الفلسطينيين محتلة عنوة وقهراً، وأن معظم إخوانهم قد شردوا وطردوا ، وأنهم لا يملكون حق إرجاعهم، بينما تُفتح أرض فلسطين لليهودي من أية جنسية وبلد كان ، يتجنس ويمتلك ويحكم، بينما يعامل الفلسطيني على أنه غريب في أرضه، وعدو محتمل يمكن محاربته أو تهجيره في أي لحظة. هذا هو محور القضية الذي يجب ألا يغيب عن الأنظار. غير أن ما يشوش هذه الرؤية أحيانا أن الكيان الصهيوني يسعى جاهداً للظهور بوصفه دولة ديمقراطية ليحصل على قبول وثناء دولي، وهذا يوفر هامشاً من الحرية السياسية والدينية للفلسطينيين تحت حكمه. ثم يزيد الأمر تشويشاً ما يلقاه الفلسطينيون من معاملة سيئة ومعاناة على أيدي أشقائهم العرب في بعض البلدان العربية، مما يوفر حجة يستقوي بها الكيان الصهيوني ليحاول إظهار نفسه في وضع أفضل. كما أن مستوى المعيشة في الكيان الصهيوني أعلى بكثير من مثيله في البلدان المجاورة، وهو ما يظهر الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بمستوى معيشي أفضل، على الرغم من وجودهم في ذيل القائمة، وسوء أحوالهم مقارنة باليهود داخل الكيان. إذ ليس من العدل مثلاً أن تقارن وضع الفقير في أمريكا أو السويد مع فقير أخر يعيش في الهند أو تشاد أو موزمبيق، عند ذلك يصبح الفقير الأمريكي غنياً مترفاً مقارنة بنظيره في تلك البلاد. والأصل أن تتم المقارنة وفق الظروف نفسها والزمان والمكان وتكاليف المعيشة ومتطلبات الحياة الكريمة.




وعلى أي حال، فإن الدراسة المتأنية لأوضاع الفلسطينيين في أرض 1948 تثبت الأوضاع المتردية التي يعيشونها مقارنة باليهود، فمثلاً تتجاوز المخصصات المالية الحكومية للمجالس المحلية اليهودية (البلديات)، خمسة أضعاف إسهام الحكومة في الميزانية المحلية للمجالس المحلية العربية، ودعم الحكومة لتكلفة المياه التي يستهلكها المزارعون اليهود تناهز ما تمنحه للعرب بمائة مرة، ويوجد 10 عرب من أساتذة الجامعات من بين خمسة آلاف أستاذ جامعي يهودي، وهناك عربي واحد من مجموع 2400 يحتلون مراكز إدارة في الشركات التي تمتلكها الحكومة، وليس هناك أي مدير عربي من بين 600 مدير من مدراء الصناعات التي يمتلكها اتحاد العمال في الكيان الصهيوني "الهستدروت"، ومن بين جميع المسئولين الـ 1860 المسجلين في الوزارات الإسرائيلية هناك 26 فلسطيني فقط يعملون جميعاً في إدارات تنحصر مسئوليتها في الشؤون الدينية والبلدية العربية. ومن مجموع 76 بلدة سكانها بين خمسة آلاف إلى عشرين ألفاً، هناك عشرون بلدة تفتقر إلى الخدمات الصحية منها 19 فلسطينية. وحتى سنة 1976 كان هناك قرية عربية واحدة مزودة بشبكة للمجاري من بين 104 قرى عربية، وقد ربط الصهاينة بين تقديم الكثير من الخدمات وبين أداء الخدمة العسكرية لكيانهم، مثل إعالة الأطفال وقروض الإسكان ونفقات الدراسة الجامعية وغيرها، وهذا حرم الفلسطينيين الذين لا يؤدون هذه الخدمة(سواء برغبتهم أو برغبة الصهاينة أيضاً) من الكثير من حقوق المواطنة.



وتشير أحوال الفلسطينيين في الأرض المحتلة 1948 إلى إهمال صهيوني متعمد في خدمات البنية التحتية كالكهرباء والصرف الصحي والمياه وقروض السكن، وإلى منع تراخيص البناء، وإلى النقل الإجباري للسكان من قراهم إلى قرى أخرى، وفتح مكاتب لمساعدتهم على الهجرة إلى الغرب. وحسب الإحصاءات الإسرائيلية نفسها فإن 48% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر ومعدل البطالة بينهم 22%.







ونتابع مع (( السنوات العشرون الأولى لقيام الكيان الصهيوني 1948 ـ 1967))
هايـــــــدي
هايـــــــدي
وقد كانت السنوات العشرون الأولى لقيام الكيان الصهيوني 1948 ـ 1967 كابوساً كبيراً على صدور أبناء فلسطين المحتلة 1948. فقد وضعوا تحت حكم عسكري عدواني بغيض، وغادر نتيجة الحرب معظم المثقفين وقادة الأحزاب رجال الفكر الفلسطينيين، بينما كان غالب من تبقى من الفلاحين البسطاء مما أوجد أزمة في القيادة والتوجيه، وخلت الساحة إلا من شراذم الشيوعيين الفلسطينيين الذين أيدوا إنشاء الدولة الصهيونية. ولم يجد الفلسطينيون ما يعبرون به عن توجهاتهم السياسية إلا من خلال الأحزاب "الإسرائيلية". كما ضُرب ستار حديدي بين هؤلاء الفلسطينيين وإخوانهم الفلسطينيين والعرب والمسلمين، بينما جرت محاولات لغسل أدمغتهم ومحو هويتهم الوطنية والثقافية.


وقد عبر الشيخ رائد صلاح أحد قادة الحركة الإسلامية - فيما بعد - في أرض الـ48 عن هذه الأحوال بقوله:" لقد كانت الهوية غائبة، والثقافة الإسلامية أبوابها مسدودة"، وقال إبراهيم عبد الله رئيس مجلس قرية كفر قاسم (فيما بعد) :" منذ عام 49 وحتى عام 67 لم نكن نعلم شيئاً عن أصولنا وحضارتنا، لم نكن نعلم شيئاً عن الإسلام، لقد كان هناك بعض من نسخ القرآن مبعثرة في بعض ما بقي من مساجد قديمة في القرى العربية، لقد غرقنا في ظلمة تامة من الجهل والفساد".



وفي مثل هذه الأوضاع خلت الأجواء للشيوعيين الذين استطاعوا في البداية الانتشار وسط قطاعات المجتمع الفلسطيني، وكذلك للزعامات التقليدية والعشائرية التي كانت تخشى فقدان نفوذها إذا ما عارضت الصهاينة بقوة وفعالية. وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي اعترف بالكيان الصهيوني ودولته ومؤسساته إلا أنه حمل عدداً من الأطروحات التي تخدم مصالح الفلسطينيين في أرض 48، مقارنة بالأحزاب الصهيونية الأخرى، كدعوته للمساواة وإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع. وتراوحت قوة هذا الحزب في الوسط العربي بين 11% من أصوات الناخبين سنة 1959 و 50% سنة 1977، إلا أنه عاد إلى الضمور في الثمانينيات لتنخفض نسبته سنة 1992 إلى 23%. وحصل اليساريون ضمن "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" على ثلاثة مقاعد في انتخابات الكنيست لسنة 1999.


أما القوى التقليدية فقد كانت تنـزل في قوائم مرتبطة بأحزاب صهيونية وخصوصاً حزب العمل وقد بلغت ذروة نفوذها سنة 1955 عندما حصلت على 55% من أصوات الوسط العربي، وفي سنة 1969حصلت على 41%، ثم في 1977 حصلت على 16% لكنها فقدت نفوذها بعد ذلك، ولم تتمكن من اجتياز نسبة الحسم اللازمة للتمثيل في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وهناك قوة يسارية أخرى ظهرت منذ 1981 تدعى "الحركة التقدمية للسلام"، غير أنها تركز على الهوية الفلسطينية وليس الأممية كالشيوعيين وفازت بمقعدين في الكنيست سنة 1984 ومقعد واحد سنة 1988. أما الحزب العربي الديمقراطي الذي تأسس سنة 1988 فهو أول حزب قام على أساس عربي صرف، إذ إن الشيوعيين والحركة التقدمية ضمتا أعضاء يهود، وحصل في انتخابات سنة 1988 على مقعد واحد في الكنيست، ثم سنة 1992 على مقعدين.


ومن الجدير بالملاحظة أن نسب الشعبية السابقة في الوسط العربي لا تعبر بالضرورة عن حقيقة نفوذ تلك الأحزاب، إذ إن هناك أعداداً كبيرة من العرب ترفض المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، ولا تسجل أسماءها في قوائم الناخبين، كما أن هناك أعداداً أخرى ممن يسجلون أسماءهم لا يستخدمون حقهم في الانتخابات.


ومن جهة أخرى، فإن هناك حركات سياسية غير برلمانية (لا تشارك في البرلمان)، مثل حركة أبناء البلد، والحركة الإسلامية. أما حركة أبناء البلد فتعد استمراراً طبيعياً لحركة الأرض التي ظهرت سنة 1959 وحملت ميولاً قومية ناصرية، ثم ما لبثت السلطات الإسرائيلية أن حظرت نشاطها سنة 1965 لأنها ترى أن فلسطين واحدة غير قابلة للتجزئة وأن أي حل عادل يجب أن يتم وفق إرادة الشعب الفلسطيني. وقد ظهرت حركة أبناء البلد سنة 1973، وحققت بعض النجاحات في الانتخابات البلدية، وعدَّت نفسها من روافد الحركة الوطنية الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.


وقد أخذت بوادر انتشار التيار الإسلامي في مناطق فلسطين الـ 48 إثر حرب 1967، عندما أصبحت كل فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني، وأمكن لفلسطينيي الضفة والقطاع من الاتصال بإخوانهم في أرض الـ48، ونشر التيار الإسلامي بينهم وقد كان لأمثال الشيوخ أحمد ياسين، وحامد البيتاوي، ومحمد فؤاد أبو زيد، وأحمد الحاج علي، وسعيد بلال، فضل كبير في ذلك. كما درس الكثير من فلسطينيي الـ48 في كليات وجامعات الضفة والقطاع فضلاً عن أوروبا وأمريكا حيث كان التيار الإسلامي الفلسطيني ينمو ويتزايد، وعادوا إلى مناطقهم لينشروا الدعوة الإسلامية، ويقيموا الهيئات الخيرية والعيادات الطبية وقاعات المطالعة والأندية الرياضية. وتبنى التيار الإسلامي بشكل عام أفكار ومناهج "الإخوان المسلمون"، ودعوا إلى أن الإسلام هو الحل لمشكلات الجماعات والأفراد وطمحوا على المدى البعيد إلى إقامة الدولة الإسلامية على كامل أرض فلسطين.

غير أنهم تعاملوا بحذر وواقعية مع الظروف والأحوال السياسية التي يعيشونها وفق إمكاناتهم المتاحة. وكان هؤلاء الشباب قد تحمسوا للعمل الجهادي المسلح ضد العدو الصهيوني فأنشئوا تنظيم "أسرة الجهاد"، سنة 1979 وقاموا بعدد من العمليات لكنهم سرعان ما اكتشف أمرهم سنة 1980 وقبض على زعيمهم عبد الله نمر درويش، وعلى القائد العسكري للتنظيم فريد أبو مخ، وعلى باقي أفراده وحكموا بالسجن مدداً مختلفة.


وفي الثمانينيات انتشرت الحركة الإسلامية بشكل واسع في قطاعات المجتمع ونجحت في تقديم خدمات اجتماعية واسعة لفسطينيي 48، وكسب أفرادها سمعة كبيرة، وشاركت الحركة الإسلامية في انتخابات البلدية، وكان أول مجلس سيطروا عليه هو مجلس "كفر برا" سنة 1984، وحققوا نجاحاً واسعاً سنة 1989 ففازوا في بلديات أم الفحم وكفر قاسم وكفر برا وجلجولية وراهط. وكسبت الحركة الإسلامية 42 مقعداً من أصل 146 تم التنافس عليها أي 28.6% من المقاعد. وفي انتخابات 1994 فازت بالبلديات نفسها عدا راهط.كما فازت ببلديات كفر قرع وكابول وكفر كنا، وحصلت على العديد من المقاعد في الناصرة وفراديس والطيبة وعكا واللد وتل السبع و غيرها.


وقدرت بعض الدراسات شعبية الحركة الإسلامية في أوساط فلسطينيي الـ48 بنحو 30%، وتكاد هذه النسبة تصل إلى نحو 40% مع نهاية التسعينيات، وأصبحت القوة الأكثر شعبية وسط فلسطينيي 1948. وظلت الحركة ترفض المشاركة في انتخابات البرلمان "الإسرائيلي" حتى لا تعطي الشرعية للكيان الصهيوني، وإن كانت لم تمانع من قيام الأفراد بانتخاب أشخاص أكثر كفاءة وأهلية لخدمة المناطق العربية. غير أن النقاش الطويل في الموضوع بين كوادر الحركة أفرز خطين متعارضين أحدهما يمثل الأغلبية ويرفض المشاركة في الانتخابات، ويرأسه الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال الخطيب، وآخر يرى تحقيق مصلحة من خلال المشاركة ورأسه الشيخ عبد الله نمر درويش. وقد تحالف الشيخ درويش مع الحزب العربي الديمقراطي في انتخابات 1996 وفاز بأربعة مقاعد اثنان منها للحركة الإسلامية، وقد توسع هذا التحالف سنة 1999 واستطاع الفوز بخمسة مقاعد.


ويرى الكيان الصهيوني في الحركة الإسلامية خطراً محتملاُ وقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وهو يتربص لأية أخطاء في نظره أو هفوات ليقوم بضرب الحركة والتضييق عليها. وتعمل الحركة من جهتها بحذر وضمن الدائرة التي يسمح بها القانون، وتحرص على ألا تعطي أي مبرر للصهاينة للاستعجال بضربها.


وحذرت جهات عديدة من ظاهرة نمو الاتجاه الإسلامي، وقالت صحيفة هآرتس في 13 يوليو/تموز 1979 إن هذه الظاهرة أصبحت مصدر قلق أكيد لكل يهودي، وأن السلطات الرسمية تنظر إليها بريبة وخوف. وعلق رئيس الوزراء إسحاق شامير على نتائج الانتخابات البلدية سنة 1989 قائلاً إن نهوض هذه الحركة، يُظهر أن هناك دورة للإرهاب مثيرة للقلق.


وعلق بعض الخبراء والمعلقين مثل رفائيل إسرائيلي قائلاً:" إنهم يستغلون النظام والديمقراطية لمنفعتهم الخاصة، وهدفهم هو اجتياح المجتمع من الداخل، ثم في مرحلة ثانية أسلمة مجمل فلسطين والشرق الأوسط"، كما طالب بعضهم بإلغاء شرعيتها القانونية باعتبارها خارجة عن القانون ودعا للعمل على استئصالها.






ونتابع مع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة
هايـــــــدي
هايـــــــدي
الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة

(فلسطين المحتلة( 1967)

ذكرنا أن ما تبقى من فلسطين تحت السيطرة العربية إثر حرب 1948 كان يساوي نحو 23% من أرضها، وقد انقسمت هذه الأرض إلى جزأين، الأول: يطلق عليه الضفة الغربية ومساحتها 5878 كم2 (21.77% من أرض فلسطين)، والثاني: قطاع غزة ومساحته 363كم2 (1.33%). وقد كان من المفترض أن تقوم دولة فلسطينية في هاتين المنطقتين وفق قرارات الجامعة العربية والأمم المتحدة. لكن الأردن قام بضم الضفة الغربية إليه سنة 1950، بينما قامت مصر بوضع قطاع غزة تحت إدارتها المباشرة دون أن تضمه رسمياً. وقد ظل الوضع كذلك إلى أن قامت القوات الصهيونية باحتلال الضفة والقطاع في يونيو/حزيران 1967.



قُدر عدد سكان الضفة الغربية سنة 1948 بحوالي 400 ألف نسمة، وبسبب تهجير الصهاينة للفلسطينيين في حرب 1948 فقد لجأ إلى الضفة نحو 280 ألفاً استقروا في 21 مخيماً للاجئين، كما توزع آخرون على مدن الضفة الغربية وقراها. ومن جهة أخرى فقد كان عدد سكان قطاع غزة حوالي 75 ألفاً، قبيل نكبة 1948، وإثر هذه النكبة أصبح سكان القطاع 200 ألف سنة 1949 وفي سنة 1950 حوالي 288 ألفاً، وقد استقر لاجئو الـ48 في 8 مخيمات في قطاع غزة فضلاً عن مدن القطاع وقراه، وشكلوا نحو 69% من سكانه، غير أن نسبتهم انخفضت بسبب هجرة الكثيرين للخارج، وفي 1967 كانت نسبة اللاجئين في القطاع حوالي 59% من سكانه.



ولم تكن الموارد الاقتصادية في الضفة والقطاع تتحمل هذا العدد المفاجئ من الزيادة السكانية كما لم تكن الأوضاع الاقتصادية للأردن ومصر تمكنهما من توفير بنية تحتية مناسبة تستطيع استيعاب طاقات الناس العاملة وإمكاناتهم. وقد عاش مئات الألوف من اللاجئين أوضاعاً بائسة، ومعاناة لا توصف، وسكنوا الخيام سنوات عديدة وسكن بعضهم الكهوف والمغائر، يجمع العشرة في الخيمة الواحدة حرارة الصيف وزمهرير الشتاء، فأمطاره وأوحاله وآلام التشرد وفقدان أسباب العمل والمعيشة.



ومع ذلك فقد رفض اللاجئون بعزة وإصرار خطط التوطين والاستقرار كافة في أي مكان، وظلت قلوبهم - ولمّا تزال - معلقة بعودتهم الكريمة إلى أرضهم المغتصبة. وعلى الرغم من قسوة الظروف فقد أظهر الفلسطينيون رغبة هائلة في التعلم والارتقاء الأكاديمي، وخلال سنوات كانت نسبة المتعلمين الفلسطينيين قد أصبحت هي الأفضل في الوطن العربي وتضاهي مستويات التعليم في البلدان الأوروبية.



وتحت ضغط هذه الأوضاع وحاجة بلدان الخليج للكوادر المتعلمة والأيدي العاملة مع ظهور النفط، والانتعاش الاقتصادي فيها، فقد انتقل الكثير من الفلسطينيين إلى هناك ليحسنوا من أوضاعهم ويسهموا في نمو تلك البلدان، دون أن ينسيهم ذلك العمل من أجل قضيتهم حيثما حطت رحالهم، ولذلك فإن أعداد السكان في الضفة وغزة في الخمسينيات والستينيات لا تعكس النمو الطبيعي للفلسطينيين بسبب هجرة عشرات الآلاف إلى شرق الأردن وبلدان الخليج.




وفي سنة 1966 (قبيل حرب 1967)، كان عدد الفلسطينيين في الضفة 830 ألفاً، وفي القطاع 455 ألفاً، وإثر الاحتلال الصهيوني للضفة والقطاع (يونيو/حزيران 1967)، كان عدد الفلسطينيين (حسب التعداد الذي أجراه الصهاينة) 665 ألفاً في الضفة (بينهم 66 ألفاً من سكان القدس الشرقية)، و354 ألفاً في القطاع. وهذا يعني أنه إذا ما روعيت الزيادة الطبيعية للسكان خلال عام (حوالي 40ألفاً)، فإن عدد الفلسطينيين الذين شردوا أو نزحوا عن الضفة والقطاع نتيجة حرب 1967 يبلغ أكثر من 300 ألف. وقد حرم هؤلاء من العودة إلى فلسطين، وانضموا مع إخوانهم الذين كانوا يعملون في الخليج أو الأردن وغيرها إلى أعداد اللاجئين الموجودين خارج فلسطين، وتظهر الخريطتان التاليتان مخيمات اللاجئين في الضفة والقطاع.

















وتحت الاحتلال الصهيوني عمدت السلطات إلى تنفيذ خطط ترمي إلى تفريغ الضفة والقطاع من السكان بشكل مبرمج ومتدرج من خلال وضع الناس تحت ظروف أمنية واقتصادية وحياتية لا تحتمل، وقد تبنت السياسات التالية لتحقيق أهدافها:



1. الإرهاب وبث روح الخوف و الفزع وسط السكان من خلال الحواجز العسكرية والمداهمات الليلية، والإعتقالات والتعذيب.



2. تضييق الخناق اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً.



3. تعمد إذلال الناس وإهانتهم وتحقيرهم ونشر روح اليأس بينهم، واشتهر أن يطلب الجندي الصهيوني من الشخص من العامة في الشارع ربط حذاء الجندي أو تقليد صوت الحيوانات كالكلاب أو حتى أن يُقبِّل أحياناً دبر الحمار.. إلخ.



4. نشر الفساد والمخدرات بين الناس، وخصوصاً الشباب، وتيسير سبل الزنا والفجور والخلاعة.



5. مصادرة الأراضي الصالحة للزراعة، وحرمان الفلسطينيين من حقهم في الماء لري مزروعاتهم، وإغراق السوق بمنتجات زراعية وصناعية إسرائيلية رخيصة لضرب الاقتصاد الفلسطيني المحلي، لمنع الفلسطينيين من الإنتاج والاعتماد على النفس، وتحويلهم إلى شعب يعتمد على العمل الثانوي الهامشي الذي يوفره الصهاينة، بحيث تصبح حياة العامل الفلسطيني "تحت رحمة" القرار الصهيوني، ويكون أداة رخيصة لإنجاح المشروعات والمؤسسات الصهيونية.




6. بناء المستوطنات اليهودية، وإحضار عشرات الآلاف من المستوطنين وتسليحهم، وتقطيع أوصال الضفة والقطاع وتمزيقها.




7. تبني سياسة التجهيل بمحاربة الجامعات الفلسطينية وإغلاقها، وتقليص فرص عمل الخريجين لتصبح الدراسة غير ذات جدوى عملية.




ولتنفيذ هذه السياسات أصدر الصهاينة الأمر العسكري رقم 2 في 7 يونيو 1967 والذي ركّز جميع السلطات بيد الحاكم العسكري. وجاء في مادة 3 أ منه "تناط كل سلطات الحكم والتشريع والتعيين والإدارة المتعلقة بالمنطقة أو سكانها، من الآن فصاعداً، بي وحدي شخصياً، أو بكل من أُعيِّنه لهذا الغرض، أو من يعمل بالنيابة عني". ولم يأبه الصهاينة بالقوانين الدولية التي تمنع إحداث تغييرات في المناطق المحتلة، ومضوا حثيثاً في سياسة التهويد. وقد كتب مايكل آدامز مراسل صحيفة الجارديان البريطانية عن فلسطينيي الضفة والقطاع بأنهم "لم يتمتعوا منذ عام 1967 بأية حقوق، ولا بأية مؤسسات نيابية، ولا توجد سلطة يمكنهم الشكوى إليها، ولا توجد جهة تحميهم. وكل حركة وفعل لهم يخضع للسلطة التعسفية للحاكم العسكري الإسرائيلي. ومن الممكن احتجازهم وحبسهم وترحيلهم دون تدخُّلٍ من جانب أية محكمة، ويجوز تدمير بيوتهم وممتلكاتهم ومصادرة أراضيهم وحرق محاصيلهم الزراعية واقتلاع أشجارهم".



إن هذه السياسات لم تنجح بشكل عام في إثناء الشعب عن المطالبة بحقه أو الثبات على أرضه، بل العكس فإن عشرين عاماً من المعاناة فد فجرت الانتفاضة الكبرى في الضفة والقطاع في ديسمبر/كانون أول 1987، لتبرز أحد أنبل ظواهر الصمود والمقاومة في التاريخ الحديث. ومع ذلك فقد حقق الصهاينة بعض النجاحات الجزئية، فقد خرج من الضفة والقطاع - طلباً للعلم أو الرزق أو الحياة الكريمة - نحو 220 ألف شخص خلال الفترة 1967 ـ 1985 معظمهم من الشباب.

كما يضطر نحو 20 ألف شاب للمغادرة سنوياً للبحث عن عمل. وتمكن الصهاينة من تجنيد مئات العملاء ممن أفسدوهم بالفجور والمخدرات، وظهرت أشكال من التسيب والفساد، خصوصاً في النصف الأول من السبعينيات، لكن ظهور الصحوة الإسلامية وانتشارها مكن من الوقوف في وجه هذه الظاهرة وحصرها، ثم ضربها خلال الانتفاضة.



وتشير الإحصاءات التي قامت بها دائرة الإحصاءات المركزية في السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أن النتائج الأولية في 1997 لعدد السكان في الضفة الغربية (بما فيها القدس)، هو مليون و 870 ألفاً. وفي قطاع غزة مليون و 21 ألفاً.

وحسب معدلات النمو الطبيعية فإن عدد سكان الضفة والقطاع سنة 2001 هو ثلاثة ملايين و371 ألف نسمة. وبسبب المعدل العالي للتزايد السكاني فإن المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع يعد مجتمعاً فتياً، إذ أن نسبة الأطفال (دون 15 سنة)، 50% من مجموع السكان، وهذا على الرغم من أنه يفشل مشاريع التهجير والتفريغ الصهيونية، ويفسد عليها تقريباً تهويد الأرض المقدسة، إلا أنه يلقي أعباء اقتصادية كبيرة على كاهل معيلي الأسر الذين يعانون أصلاً من مصاعب جمة.








ونتابع مع الاجراءات الصهيونية
هايـــــــدي
هايـــــــدي
كان من أوائل الإجراءات الصهيونية أن ضمت القدس الشرقية إلى كيانها، فأصبح أهل القدس رسمياً جزءاً من الكيان الصهيوني، كما تم توسيع منطقة القدس الجغرافية لتشمل نحو 20% من أرض الضفة الغربية.


وقد تابعت السلطات الصهيونية وفق خطة استراتيجية مبرمجة الاستيلاء على أراضي الضفة والقطاع، بحيث تمكنت مع نهاية 1999 من السيطرة على نحو 62.7% من أراضي الضفة، و 43% من أراضي القطاع، وبَنَتْ في الضفة أكثر من 160 مستوطنة يسكنها نحو 200 ألف مستوطن يهودي، كما أنشأت في غزة 16 مستوطنة يسكنها نحو خمسة آلاف مستوطن.


وقد هدفت هذه السياسات إلى التهويد التدريجي للأرض والسكان، والاستيلاء على كل المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية والأمنية لإحكام السيطرة العسكرية على الضفة والقطاع، وتطويق المدن والقرى الفلسطينية بأحزمة من المستوطنات، بحيث تتحول إلى جزر معزولة تفقد وحدتها وهويتها المشتركة، فضلاً عن تثبيت حقائق جديدة على الأرض يستحيل تغييرها في أي تسوية سياسية قادمة. وهكذا، ففي الوقت الذي كانت أعداد السكان في الضفة والقطاع تنمو وتتضاعف، وتتزايد حاجاتهم، كانت السلطات الصهيونية تنـزع منهم أراضيهم وأملاكهم لتضاعف معاناتهم وآلامهم.



ومن جهة أخرى، فقد سيطر الحاكم العسكري الصهيوني على جميع مصادر المياه في الضفة الغربية، ومنع حفر آبار جديدة، أو تعميق الآبار القديمة، وحدد سقفاً أعلى لحصص المياه للفلسطينيين، ففي عام 1990 مثلاً (وهو نموذج لغيره من السنوات)، خُصّص للفلسطينيين 17% فقط من المياه الجوفية في أرضهم في الضفة الغربية، بينما خصص 83% للاستخدام داخل الكيان الصهيوني أو في المستوطنات اليهودية في الضفة. ويمنع الفلسطينيون من أن تزيد أرضهم المروية بالماء عن 6% من أرضهم الزراعية، بينما يتمكن المستوطنون من ري 69% من الأراضي التي استولوا عليها. وبينما يخصص لكل فلسطيني نحو 127 متراً مكعباً في السنة، فإنه يخصص للمستوطن 1600 متراً مكعباً، أي أكثر من 12 ضعفاً. وعلى الرغم من اتفاقات التسوية السلمية (أوسلو 1993)، ووجود السلطة الفلسطينية في عديد من مناطق الضفة والقطاع، إلا أن الصهاينة احتفظوا "بحقهم" في منع حفر أية آبار دون إذنهم، واعترف وزير الري الفلسطيني نبيل الشريف بأنه جلس ثلاث سنوات مع المفاوض الإسرائيلي لحفر بئر واحدة قرب جنين، ولم يستطع الحصول على تصريح منه بذلك!!.



وهكذا أصبح من المستحيل على الفلسطينيين استثمار أراضيهم الزراعية تطويرها بشكل واسع، وفي الوقت نفسه أغرقت السلطات الصهيونية الأراضي الفلسطينية بمنتجات زراعية رخيصة، ومنعت الفلسطينيين من تصدير منتجاتهم، وفرضت على زراعتهم ضرائب باهظة، وبذلك أصبحت تكاليف الإنتاج الزراعي الفلسطيني عالية وغير مجدية اقتصادياً، وفتحت المؤسسات الصهيونية وخصوصاً قطاعات البناء المجال للعمال الفلسطينيين، فاضطر عشرات الآلاف إلى ترك الزراعة والعمل كأيد عاملة رخيصة في الاقتصاد الصهيوني.


ويعمل ما معدله 100 ـ 120 ألف عامل فلسطيني في الأرض المحتلة 1948 فيما يسمى "إسرائيل"، ويتقاضون رواتب تساوي ثلث إلى خمس ما يتقاضاه العامل اليهودي، إذا ما احتسبت المزايا التي يحصل عليها اليهودي. وكثيراً ما يغري السماسرة اليهود النساء والصغار بترك بيوتهم ومدارسهم للحصول على عمالة أرخص، مما يكون له آثار اجتماعية سلبية كبيرة. ويعمل معظم هؤلاء بالمياومة (راتب يومي)، ويمكن أن يطردوا من العمل في أي لحظة، وليس لهم أية ضمانات اجتماعية أو صحية، ويفقد هؤلاء وظائفهم إذا ما أغلقت الأراضي المحتلة عام 48، بذرائع أمنية أو بسبب العمليات الفدائية أو المناسبات الوطنية.. ، إلى أن تفتح لهم مرة أخرى.


وهكذا استحوذ السوق "الإسرائيلي" على نحو 39% من الأيدي العاملة في الضفة والقطاع، وهذا جعل حياة الآلاف وخلفهم مئات الآلاف ممن يعيلونهم من زوجات وأبناء رهينة لدى الصهاينة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة قلّّت في أثناء الانتفاضة 1987 ـ 1993 إلى نحو 12.3%، إلا أنها عادت للزيادة مرة أخرى بعد اتفاقات أوسلو (1993). ومن جهة أخرى يعاني أبناء الضفة الغربية والقطاع من نسب بطالة عالية كان معدلها في معظم سنوات الاحتلال يزيد عن 20%، وفي سنة 1997 كانت نسبة البطالة 21.5% منها 18.2% في الضفة، و 31.6% في قطاع غزة، وحتى نهاية 1998 كان لا يزال يوجد 20% من الأسر في الضفة والقطاع تعيش تحت خط الفقر.


وظل الاحتلال الصهيوني يتحكم بالاقتصاد الفلسطيني حتى جعله هامشياً وتابعاً لاقتصاده، ولم تنفع اتفاقات التسوية السلمية كثيراً في فك هذا الحصار إذ لا تزال 90% من التجارة الخارجية تحت رغبات وشروط وقيود الصهاينة فضلاً عن أكثر من 80% من مصادر المياه، فهم يتحكمون بما يدخل للموانئ والمطارات والحدود وما يخرج منها.


منذ الاحتلال الصهيوني وضعت المؤسسات التعليمية تحت إدارة الحاكم العسكري، على الرغم من إبقاء نظام التعليم الأردني (في الضفة الغربية)، والمصري (في قطاع غزة) شكلاً.

وصار من سلطات الحاكم العسكري تعيين المدرسين وفصلهم، ووضع المناهج واختيار الكتب المدرسية ووضع برامج جديدة أو إلغاء برامج قائمة وبناء مدارس جديدة. وتعرض قطاع إلى إهمال متعمد فلم يوظف أمين مكتبة ولا فني مختبر بدوام كامل منذ 1967، وألغيت مقررات التربية البدنية والفنون والتدبير المنـزلي في كثير من المدارس، وانخفض عدد المدارس الحكومية من 884 مدرسة 1967 إلى 790 مدرسة عام 1979، رغم التزايد الكبير في السكان. ووضعت قائمة كبيرة بالكتب الممنوعة وصل عددها سنة 1986 إلى 1600 كتاب ، خصوصاً ما يشير إلى تاريخ فلسطين أو الثقافة الفلسطينية، كما منع تدريس عدد من كتب المناهج المقررة في المدارس، فمثلاً منع استخدام تسعة كتب من 27 كتاباً في المرحلة الابتدائية وثمانية كتب من أصل عشرين للمرحلة الإعدادية في مدارس الأونروا.

وأعطي الأمر العسكري رقم 854 الصادر في 6 يوليو/تموز 1980 للضابط الصهيوني حق التدخل في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، سواء في مناهجها أو إدارة جهازها التعليمي، فأصبحت من ناحية الإشراف والمراقبة العسكرية لا فرق بينها وبين المدارس الابتدائية.


ومن الملاحظ أن كل الإجراءات الصهيونية لم تثن أبناء فلسطين عن شغفهم بالدراسة والتعليم وقد أدى إلى إصرارهم على التعلم وما رافقه من نضال سياسي وجهادي وإضرابات ومظاهرات إلى استمرار العملية التعليمية، بل ونموها رغماً عن الاحتلال. فبلغ عدد المدارس الحكومية 1175 والأونروا 265 والخاصة171 للعام الدراسي 97/1998، فضلاً عن 789 روضة أطفال. كما تمكن الفلسطينيون في الضفة والقطاع من إنشاء ثمانية جامعات (6 في الضفة و2 في القطاع)، يدرس فيها في العام الدراسي 92/1993 نحو 20500 طالب، وقد عانت هذه الجامعات من أوامر الإغلاق، فاغلقت جامعة بير زيت مثلاً خمسة أشهر سنة 1982، وأغلقت جامعة النجاح أربعة أشهر سنة 1983، وأربعة أشهر أخرى سنة 1984، وشهرين سنة 1985، وتزايدت الإغلاقات في فترة الانتفاضة بشكل كبير. كما استمر التضييق على الطلاب والأساتذة واعتقالهم والمراقبة الصارمة على الميزانية ومصادر التمويل، وعدم السماح للكفاءات الأكاديمية في الخارج بالتدريس فيها إلا وفق قيود تجعل الأمر شبه مستحيل، وفي سنة 1985 رفضت السلطات الصهيونية السماح باستمرار 39 أستاذاً جامعياً فلسطينياً في الجامعة الإسلامية بغزة، بحجة أنهم من فلسطيني الخارج، مما أدى إلى طردهم وإبعادهم، ومن بينهم مدير الجامعة بالإنابة د. محمد صيام. فضلاً عن هذه الجامعات كان هناك 16 كلية جامعية متوسطة (كليات مجتمع)، بينها 14 في الضفة الغربية، واثنتان في القطاع.



كما تعرضت قطاعات الصحة للإهمال تحت الاحتلال الصهيوني، فرغم تضاعف عدد السكان، انخفضت المستشفيات الحكومية من14 مستشفى سنة 1967 إلى 10 مستشفيات سنة 1993، وبلغت الميزانية المقررة للخدمات الصحية أقل من 2% من ميزانية الخدمات الصحية في الكيان الصهيوني، وكان على هذه الميزانية أن تتضاعف 15 مرة حتى تصل بالخدمات الصحية إلى أدنى مستوى مقبول. وقد كانت ميزانية القطاع الصحي سنة 1990 في الضفة الغربية 10 ملايين دولار، وهو يوازي 15% من ميزانية أحد مستشفيات تل أبيب.


وقد تعمدت سلطات الحكم العسكري الصهيوني عدم إحداث أي تطور في المعدات والأجهزة الطبية أو التدريب وإدخال الكفاءات، ووصفت مصادر منظمة الصحة العالمية التجهيزات الموجودة بأنها لا تصلح للتشخيص الحديث، ولا يمكن أن يقال فيها أكثر من أنها أثرية.


وقد حدث بعض التحسن في الخدمات الصحية إثر تولي السلطة الفلسطينية الحكم الذاتي في عدد من مناطق الضفة والقطاع.



ونتابع مع الشعب الفلسطيني في الخارج