وتعد حالة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
الأشد صعوبة ومعاناة، إذ أجبر على الخروج من شمال فلسطين إلى لبنان في أثناء حرب 1948 حوالي مائة ألف فلسطيني وأنشئ لهم 15 مخيماً رسمياً. ولم تكن الأحوال السياسية وطبيعة التركيبة السكانية تسمح باستيعاب اللاجئين على الشكل الذي تم في الأردن. فالنظام السياسي في لبنان مبني على أساس نسب وتوازنات طائفية محددة بين المسيحيين وخصوصاً الموارنة، والسنة و الشيعة والدروز. ولم يكن دخول الفلسطينيين، وهم من أهل السنة في التركيبة اللبنانية مُرحباً به، خصوصاً من الطائفة المارونية، التي تتمتع بنفوذ سياسي مميز يخولها رئاسة الدولة وعدداً من المناصب الحساسة.
وعلى أي حال، لم يكن الفلسطينيون يرغبون في الاندماج والتوطين، لكنهم كانوا يرغبون في الحياة الكريمة وظروف عمل ومعيشة معقولة تمكنهم من الوقوف على أقدامهم، وتركيز جهودهم لتحرير أرضهم المغتصبة، غير أن السلطات اللبنانية ظلت أمداً طويلاً تتبنى سياسة ترى أن حالة المعاناة والمعيشة المزرية للاجئين تصب في منع سياسة التوطين في الخارج، وفي أن تظل أعين اللاجئين متجهة نحو العودة إلى فلسطين لحل مشاكلهم. ولذلك منح الفلسطينيون وثائق سفر لبنانية تخولهم حق الإقامة، لكنها تمنعهم من أية حقوق سياسية.
كما منعوا من حق التجنس بالجنسية اللبنانية مهما طالت المدة وحتى لمن يولد هناك، وقد قامت الحكومة اللبنانية بإعطاء الجنسية لنحو خمسين ألف لاجئ في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين لكونهم أساساً من المسيحيين، أو لوجود صلة نسب سابقة لهم بعائلات لبنانية، كما وحرم الفلسطينيون من سبعين نوعاً من الوظائف والمهن في لبنان شملت كل الوظائف الحكومية تقريباً فضلاً عن الوظائف الطبية والتمريض والصيدلة والهندسة والمحاماة وغيرها.
ووصلت معدلات البطالة بين الفلسطينيين في لبنان إلى ما يزيد 40%، ولا يحق للفلسطينيين التمتع بخدمات الحكومة الصحية والتأمين الاجتماعي، كما أن نسبة ضئيلة جداً منهم تُقبل في المدارس الحكومية. ويمنع الفلسطينيون من سقف منازلهم المتواضعة بغير ألواح الزينكو كما يمنعون من بناء طابق ثانٍ لبيوتهم، مما أوجد حالة من الاكتظاظ الرهيب في المخيمات مع الزمن، أدت لنـزوح الكثيرين خارجها.
وحتى سنة 1971 كانت أغلبية البيوت غير مزودة بشبكة مياه، وحتى سنة 1980 كان لا يزال نصفها دون شبكة التصريف الصحي (مجاري)، وتصل نسبة الفلسطينيين تحت خط الفقر في لبنان إلى 79% وسط العائلات التي يكون عددها 3 أفراد أو أقل، وترتفع إلى 96% ـ 98% في العائلات الأكبر من ذلك.
إن مثل هذه السياسات لم تثمر سوى المرارة في نفوس اللاجئين، الذين توقعوا من إخوانهم العرب على الأقل معاملة إنسانية كالتي يعامل بها أي مقيم في أي بلد أجنبي. ولذلك، ازدادت معدلات الهجرة بين اللاجئين إلى أوربا الغربية وأستراليا وأمريكا، مما عرضهم لتحديات التذويب وفقدان الهوية بشكل أكبر، وتظهر الخريطة التالية مخيمات اللاجئين في لبنان.
وبعد حرب 1967 وسقوط الضفة الغربية وقطاع غزة في يد الاحتلال الصهيوني نشطت حركة المقاومة الفلسطينية في أوساط اللاجئين في لبنان، وتمكنت الفصائل الفلسطينية من السيطرة الفعلية على المخيمات، وبدأت عملياتها العسكرية من جنوب لبنان ضد الكيان الصهيوني، واستطاعت فرض نفسها فرضاً على السلطات اللبنانية بعد العديد من الاشتباكات والصدامات المسلحة. ورغم أن "اتفاق القاهرة" في نوفمبر 1969 أعطى الفلسطينيين حق التسلح ومهاجمة الكيان الصهيوني من الحدود اللبنانية، إلا أن حالة التوتر ظلت السمة الرئيسية في العلاقة بين الطرفين.
وحاول الكيان الصهيوني تأزيم هذه العلاقة دائماً عبر هجمات الطيران وقصف المنشآت اللبنانية وقتل المدنيين، وعبر الحملات العسكرية المنظمة واحتلال أجزاء من لبنان سنة 1978 لإقامة حزام أمني، وكذلك 1982 لتدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، وعبر دعم القوات المعادية للفلسطينيين وخصوصاً حزب الكتائب الماروني، وجيش لبنان الجنوبي العميل للصهاينة بقيادة سعد حداد ثم انطوان لحد.
وجاءت الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) لتزيد من تأزيم الوضع وتعقيده، فدخل الفلسطينيون في حروب متواصلة منهكة مع أطراف الصراع كافة، حيث كانت تزداد درجة العداء أو تتبدل التحالفات مع جهة أو أخرى حسب تطور الأحداث.
وكان من أمثلة معاناة اللاجئين أن الكيان الإسرائيلي قام بأكثر من ثلاثة آلاف غارة على الفلسطينيين واللبنانيين خلال الفترة (1968 ـ 1974)، وفي سنة 1974 دمَّرت الطائرات الحربية الإسرائيلية مخيم النبطية للاجئين بالكامل، وفي سنة 1976 حاصرت قوات الكتائب وحلفاؤها مخيم تل الزعتر 53 يوماً حتى انتهى الأمر بتدميره وإخلاء سكانه بعد مقتل ثلاثة آلاف شخص معظمهم من المدنيين. وفي الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في مارس 1978 قتل أكثر من ألفي فلسطيني ولبناني معظمهم من المدنيين، أما الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 فقد أدى لمقتل 19 ألف مدني فلسطيني ولبناني. وخلال ثلاثة أسابيع من هذا الهجوم تم تدمير 70% من مخيم الرشيدية، وتم تدمير مخيم عين الحلوة (أكبر مخيم فلسطيني) بالكامل، وما تبقى من منازل تولت البلدوزرات الصهيونية مسحه عن الأرض.
وحاولت القوات الصهيونية منع الفلسطينيين من إعادة بناء منازلهم لقرب مخيماتهم من فلسطين، وسعت إلى دفعهم شمالاً، لكن محاولاتها فشلت، وأعاد الفلسطينيون البناء في المواقع نفسها. ومنذ 1982 اضطرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وآلاف من الفدائيين الفلسطينيين للانسحاب من لبنان تحت ضغط الغزو الصهيوني، وتسبب رفع حمايتهم عن المخيمات إلى وقوع مجازر صبرا وشاتيلا الشهيرة، حيث تعرض فلسطينيون ولبنانيون أبرياء عزل لعملية ذبح منظمة قتل فيها على مدى يومين 16 ـ 17 سبتمبر 1982 أكثر من 3000 شخص. وفي حرب المخيمات التي شنتها حركة أمل على مخيمات اللاجئين في مناطق بيروت وجنوب لبنان، وقامت بمحاصرتها مدة سنتين مايو 1985 ـ إبريل 1987 تم تدمير 80% من المنازل في مخيم شاتيلا و50% من مخيم برج البراجنة وقتل نحو 2500 شخص.
وكانت معاناة هائلة اضطرت اللاجئين لأكل الحشائش والقطط، ومات عديدون بسبب نقص الأدوية، ومع ذلك فشلت أمل في السيطرة على المخيمات.
لقد كان ثمناً بالغاً ذلك الذي يدفعه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تمسكاً بكرامتهم وإنسانيتهم وحقهم في الدفاع عن أنفسهم والسعي لتحرير أرضهم. لقد أعطى انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1990 فرصة للفلسطينيين لالتقاط أنفاسهم، كما شكلت الانتفاضة الفلسطينية المباركة 1987 ـ 1993 عنصراً مشجعاً ودفعة معنوية كبيرة، وفتحت الساحة بشكل أكبر لانتشار التيار الإسلامي بينهم خصوصاً بعد التجربة السلبية للكثيرين مع فصائل المقاومة العلمانية واليسارية. غير أن اتفاقات أوسلو في سبتمبر 1993 بين م.ت.ف والكيان الصهيوني زادت من مخاوف الفلسطينيين من أن تنسى قضيتهم أو يتم توطينهم في لبنان أو الأردن أو العراق وغيرها، ولا زال التعلق بفلسطين والعودة إليها هو القاسم المشترك لكل الفلسطينيين في لبنان على اختلاف توجهاتهم.
ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في لبنان 370.144 سنة 1999، ووفق الزيادة الطبيعية للفلسطينيين فإن عددهم سنة 2001 هو 395.742 شخصاً، وسنة 2002 هو 409.197 شخصاً. وقد تزايدت في السنوات الأخيرة حالات الهجرة بين فلسطينيي لبنان إلى أوربا الغربية وخصوصاً الدول الإسكندنافية وإلى كندا وأستراليا إثر تسهيل هذه الدول لهؤلاء سبل الهجرة بقصد تذويبهم وتوطينهم.
ويقيم الفلسطينيون في لبنان الآن في 12 مخيماً رسمياً، فضلاً عن وجودهم في تجمعات لا تعدّها الأونروا رسمية أو في مدن وقرى لبنان المختلفة، ويقيم 54.4% من اللاجئين المسجلين لدى الأونروا في المخيمات، وهذه المخيمات هي: الرشيدية، البرج الشمالي، البص في منطقة صور، وعين الحلوة، والمية ومية في منطقة صيدا، أما في منطقة بيروت والجبل فهي برج البراجنة، وشاتيلا، ومار إلياس، وضبية، وويفل (الجليل)، وفي منطقة الشمال البداوي، و نهر البارد.
وأكبر هذه المخيمات مخيم عين الحلوة حيث يسكنه نحو 70 ألفاً يليه مخيم نهر البارد 30 ألفاً.
ويختلف الوضع في سوريا
عنه في الأردن و لبنان إذ إن السلطات السورية منحت اللاجئين الفلسطينيين فيها حقوق المواطنة العادية كافة، سوى الحقوق السياسية، كما لم تمنحهم الجنسية السورية واكتفت بمنحهم وثائق سفر. فللفلسطينيين في سوريا حق العمل والتملك والتجنيد الإجباري، ويعيشون بشكل عام في ظروف حياتية مشابهة لتلك التي يعيشها السوريون.
على الرغم من أن علاقات السلطات السورية مع منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها اتسمت بالتذبذب، وشهدت درجات من الصعود والهبوط طوال المدة الماضية، إلا أن السلطات السورية وخصوصاً تحت حكم حافظ الأسد، وحزب البعث ظلت ممسكة بزمام الأمور، ولم تخرج المخيمات في سوريا عن دائرة السيطرة، كما أن العمل النضالي الفلسطيني عبر الحدود السورية ضد الصهاينة كان يرجع بشكل أساسي إلى مدى رغبة السلطات السورية وسماحها بذلك.
وهناك في سوريا عشرة مخيمات رسمية للاجئين الفلسطينيين:
1 ـ خان الشيخ
2 ـ ذا النون
3 ـ سبينة
4 ـ حندرات
5 ـ جرمانا
6 ـ النيرب
7 ـ مخيم العائدين (حمص)
8 ـ مخيم العائدين (حماة)
9 ـ مخيم العائدين(درعا)
10 ـ مخيم العائدين (اللاذقية).
ولا يقيم في هذه المخيمات سوى 29.2% من اللاجئين الفلسطينيين، ورغم أن أكبر تجمع فلسطيني موجود في مخيم اليرموك حيث يقيم نحو 120 ألفاً إلا أن الأونروا لا تعده مخيماً رسمياً، رغم أنها تقدم خدماتها له!، وتظهر الخريطة التالية مخيمات اللاجئين في سوريا.
وتعد مصر من دول الطوق،
غير أن أعداد الفلسطينيين فيها محدودة مقارنة مع سوريا ولبنان والأردن، إذ يقيم على أرضها نحو 49 ألف فلسطيني ، وكانت مصر قد وضعت قطاع غزة الفلسطيني تحت إدارتها منذ 1948 وحتى 1967، لكنها لم تقم بضمه رسمياً إليها، ولم تمنح الفلسطينيين الجنسية المصرية، وإنما منحتهم وثائق سفر مصرية لا تعطيهم حق الإقامة في مصر، وعليهم الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر إذا رغبوا في ذلك، وهي أحياناً ما تستغرق شهوراً. ويحمل كل مواطني غزة هذه الوثائق، خصوصاً قبل إصدار السلطة الفلسطينية لجوازاتها، ولعل عدد حاملي هذه الوثائق يزيد عن مليون ونصف من المقيمين في غزة والخارج، وبسبب هذه الإجراءات وبسبب الأوضاع الاقتصادية في مصر معظم الفترة الماضية، فإن أعداد الفلسطينيين فيها ظلت محدودة.
وفي خارج دول الطوق كانت الكويت حتى عام 1990 تضم أحد أكبر التجمعات الفلسطينية في العالم إذ وصلت تقديرات الأعداد فيها إلى نحو 430 ألف نسمة. وقد فتحت الكويت صدرها لأبناء فلسطين خصوصاً في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وتزايدت أعدادهم بشكل كبير من 37 ألفاً سنة 1961 إلى 204 آلاف سنة 1975. وأسهم الفلسطينيون بشكل فعال في نهضة الكويت وازدهارها في كافة القطاعات الإدارية الحكومية والقطاع الخاص، وقد جذب الفلسطينيين إلى الكويت ما وجدوه من تفهم وحسن عشرة لأهلها، ومن هامش حريات واسعة، ومجلس أمة منتخب وصحافة نشطة، ومن فرص العمل الشريف، ومن أمن واستقرار قلّما وجدوه في غيرها. وتمتعت التيارات الفلسطينية المختلفة بهامش تحرك جيد وسط الفلسطينيين دونما تدخل حكومي يذكر، إلا فيما يحفظ أمن البلد واستقراره. لذلك، لم يكن غريباً أن تنشأ حركة فتح وتترعرع في الكويت، وأن تبرز العديد من قيادات حماس في الخارج من الكويت نفسها، وفتح وحماس هما أقوى حركتين فلسطينيتين.
ولم يعش الفلسطينيون في مخيمات في الكويت، ولكن كان هناك مراكز تجمع سكاني قوي مثلوا فيه الأغلبية الساحقة مثل النقرة وحولي وخيطان والفروانية.
ولا يعني هذا أن كل الفلسطينيين عاشوا مستويات حياة مرتفعة كما يظن البعض، غير أن أوضاعهم كانت بشكل عام أفضل من أوضاع إخوانهم في لبنان وسوريا وقطاع غزة. ومع ذلك، فإن أغلبية الفلسطينيين كانت تعمل في الأنشطة الخدمية والوظائف الوسطى وتحصل إجمالاً على كفايتها الشهرية. وكانت معظم الأسر تعيش في شقق في بنايات سكنية ويسكن في الشقة الواحدة المكونة من غرفتين وصالون عادة عائلة من حوالي 8 ـ 10 أفراد.
وقد بدأت أحوال الفلسطينيين منذ مطلع الثمانينيات في التراجع، نتيجة تراجع الأوضاع الاقتصادية في الكويت بسبب انخفاض أسعار النفط، ونتيجة لتبني سياسة التكويت، ومحاولة ضبط العمالة الوافدة، وعانت العائلات الفلسطينية خصوصاً من مشاكل تعليم الأبناء، بعد أن لم يعد يسمح لهم بدخول المدارس الحكومية الكويتية إلا لمن ولد في الكويت، ومن التكاليف الكبيرة المترتبة على إرسال أبنائهم إلى الخارج للحصول على التعليم الجامعي، بعد أن وصل الحد الأدنى لقبول الطلبة غير الكويتيين في أواخر الثمانينيات في الجامعة الوحيدة في الكويت إلى نحو 94% في شهادة الثانوية العامة.
كما لم يسمح لمن جاوز الـ21 من عمره بالإقامة في الكويت إلا لمن يملك إقامة عمل ، مما عرض آلاف الطلبة الدارسين في الخارج إلى إنهاء إقامتهم في الكويت وتشتت عائلاتهم. وعانت العائلات الفلسطينية (وعائلات الوافدين بشكل عام) من ارتفاع الإيجارات السكنية، التي كانت تقتطع في أحيان كثيرة أكثر من نصف رواتبهم الشهرية، خصوصاً لمن تزوج وحاول الحصول على سكن خلال الثمانينيات.
وقد كان الاجتياح العراقي للكويت في أغسطس 1990 نقطة تحول كبرى بالنسبة للجالية الفلسطينية هناك، حيث اضطر نحو 200 ألف للنـزوح في أثناء الاحتلال العراقي للكويت كما اضطر نحو 200 ألف آخرون للنـزوح بعد عودة الحكم إلى يد الكويتيين، ولم يبق في الكويت إلا 37 ألفاً، (حسب إحصاءات 1998)، وهناك تقديرات كويتية بأن أعدادهم هي بحدود 60 ألفاً في سنة 1999، ويبدو أن تحسن العلاقات مع الأردن سيفتح الباب من جديد لقدوم الذين يحمل أغلبهم جوازات سفر أردنية، فضلاً عن الأجواء الإيجابية التي أوجدتها انتفاضة الأقصى منذ سبتمبر 2000 حيث تفاعل الكويتيون معها بشكل كبير.
ونتابع مع بين التوطين والعودة

فلسطين .. الأرض الطيبة
بين التوطين والعودة
يصر فلسطينيو الشتات أجمعهم على حقهم في العودة إلى فلسطين ولم تثنهم عشرات السنوات من اللجوء والبعد عن الوطن وظروف القهر والمعاناة ومحاولات التذويب والتوطين.. لم تثنهم عن تعلق قلوبهم بالأرض المقدسة، فلا زال لاجئو 1948 يربون أحفادهم وأبناء أحفادهم على هذا الأمل ويعلمونهم أنهم أبناء تلك القرية أو المدينة من أرض فلسطين، ولازال الكثير منهم يحتفظون بمفاتيح بيوتهم القديمة وشهادات امتلاك الأرض و"القواشين".
ولا تزال المخيمات نفسها تقسم إلى أجزاء حسب قرى ومدن أولئك الذين استقروا فيها. ووصل الأمر بنسبة غير قليلة من أبناء المخيمات رفض تحسين الخدمات في مخيماتهم خوفاً من أن يكون ذلك جزءاً من عملية توطينهم، والشعب الفلسطيني مسيس بطب يعته ولمعظم الفلسطينيين انتماءات وميول لاتجاهات سياسية وحركية فلسطينية، وقد كان دور فلسطينيي الشتات قيادياً بارزاً في إنشاء المنظمات الفدائية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقيادة التحرك السياسي الفلسطيني طوال العقود الماضية الأربعة.
وحتى الآن أفشل الفلسطينيون 243 مشروعاً للتوطين خارج فلسطين.
ومن المشاريع التي أسقطها الفلسطينيون مشاريع التوطين في العراق وسوريا ولبنان، ومشروع جونسون ومشروع الرمدان، ومشروع سميث ـ بروتي، ومشروع باروخ، ومشروع سيناء، ومشروع كين، ومشروع همفري، ومشروع روجرز وغيرها.
وفي استطلاع الرأي للاجئين في سوريا مثلاً رفض 99% من حيث المبدأ أي مشروع للتوطين أو التهجير أو التجنيس، وطالب 98% بالعودة إلى قريته أو مدينته الأصلية في فلسطين، ولم يمانع سوى 1% من العودة إلى مناطق محررة في الضفة الغربية وغزة.
ويصر الصهاينة في مفاوضات الحل النهائي مع السلطة الفلسطينية على رفض حق العودة للاجئي 1948 وعدم تحمل أي مسؤولية تجاههم، ويماطلون بشأن نازحي الضفة الغربية وقطاع غزة. ويهدد ذلك بفشل أي تسوية سلمية مستقبلية، حتى وإن قبلتها السلطة الفلسطينية، فإنها ستحمل عناصر فشلها في ذاتها، بسبب الظلم الذي ستلحقه بالملايين الذين سيقلبون الطاولة على أي تسوية من هذا النوع.
وقد زاد الحديث مؤخراً عن الفلسطينيين في لبنان حيث تُعدّ حالتهم أصعب العقبات في طريق التسوية، وأشير إلى استعدادات أوروبية وكندية لاستقبال 150 ألف لاجئ فلسطيني من لبنان، ويبدو أن تسهيلات الهجرة لتلك البلدان تزايدت في السنوات الماضية بهدوء، ودون صخب حيث هاجر الكثيرون وخصوصاً من الشباب، كما أشارت تقارير إلى تسهيلات بدأ تنفيذها في مخيمات اللاجئين في الأردن.
المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني
كان الإرهاب ـ ولا يزال ـ جزءاً أساسياً من الفكر الصهيوني المستند إلى جذور عقائدية. فإن توراة اليهود المحرّفة والتلمود يمجدّان استخدام القوة والعنف وسحق غير اليهود. وتصور التوراة المحرفة كيف أن بني إسرائيل عندما دخلوا أريحا قتلوا كل من فيها من ذكر وأنثى وطفل وامرأة وشيخ بحد السيف. ويتعلم اليهود الصهاينة هذه النماذج الآن ويعدُّونها مثالاً يحتذى، حيث تتضاءل القيمة الإنسانية لغير اليهود الذين خُلقوا ـ حسب عقائد اليهود المحرفة ـ لخدمة اليهود.
ولم يكن بالإمكان إنشاء كيان يهودي خالص على أرض فلسطيني دون ارتكاب مذابح وحملات تهجير قسري لأغلبية السكان العرب الذين يقيمون في البلاد منذ آلاف السنين. وقد تكررت الإشارة إلى التخلص من العرب بأشكال مختلفة في كتابات ومذكرات كبار زعماء الصهيونية وقادة الكيان الصهيوني أمثال هرتزل، ووايزمن، وبن جوريون، وبيجن، وإسحق رابين ... وغيرهم. وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين كان من المفترض أن يعيش على أرض الدولة اليهودية المقترحة 498 ألف يهودي و497 ألف عربي أي أنها ستكون دولة ثنائية القومية مناصفة تقريباً بين الطرفين.
وكان من المتوقع بسبب الزيادة الطبيعية للسكان العرب التي تفوق كثيراً الزيادة الطبيعية لليهود أن يصبح العرب أغلبية واضحة خلال بضع سنوات، مما يفقد المشروع الصهيوني جوهر الفكرة التي قام لأجلها. ولذلك سعى الصهاينة منذ البداية إلى تجاوز العقبة عبر وسيلتين الأولى: إرهاب العرب وإجبارهم على الرحيل، والثانية: تشجيع الهجرة اليهودية إلى الكيان "الإسرائيلي" حتى لو اضطروا لإرهاب اليهود في البلاد العربية، بارتكاب جرائم يظهر أن العرب قد نفذوها، لإشعار اليهود أنه لم يعد لهم مكان هناك.
وفي أثناء حرب 1948 ارتكب اليهود الصهاينة 34 مجزرة لتنفيذ مخططهم في فلسطين. وكانت أبرز المجازر وأشهرها مجزرة "دير ياسين" وقد نفذت هذه المجزرة عصابتا الأرغون (التي يتزعمها مناحيم بيجن) وشتيرن بالتنسيق مع الهاجاناه في ليلة وصباح 10 إبريل 1948. وتقع قرية دير ياسين على الطريق المؤدية إلى القدس، وقد قام الصهاينة بذبح وقتل 254 رجلاً وامرأة وطفلاً (وفي بعض التقديرات 360) بأسلوب وحشي.
ونستطرد قليلاً في ذكر قصص من مذبحة دير ياسين كأحد نماذج الإرهاب الصهيوني. ففي ذلك اليوم بقي عند "حياة البلبيسي" في المدرسة 15 طفلاً وطفلة، فقامت بتحويل المدرسة إلى مركز إسعاف لأنها مسئولة الصليب الأحمر (لم يكن هناك هلال أحمر لأن فلسطين كانت تحت الاحتلال البريطاني) في دير ياسين. وظنّت أنها تحمي نفسها والأطفال بذلك. وأخذ الجرحى بالتوافد عندها. وعند الظهيرة جاء اليهود الصهاينة وأجهزوا على الجرحى، وقتلوا جميع الأطفال وقتلوها. ثم وضعوا الجميع على شكل كومة جثث فوقها جُثتها. وأسرعت فتاة يهودية وخلعت علم الصليب الأحمر عن باب المدرسة وغرسته عميقاً في كومة الجثث والجميع يصفق لها إعجاباً بما تفعل.
أما "الحاج إسماعيل عطية" وهو عجوز في الـ 95 من عمره، فبعد أن قتلوه جرُّوه من رجليه وسط الشارع وأخذوا يرقصون حوله ويصيحون. وكانت زوجته تحمل حفيدها الوحيد عند البيت فجاءت فتاة يهودية تحمل بيدها بلطة فضربت الطفل على رأسه، فتطاير نخاعه، والتصق بالجدار، ثم قتلت الجدة، وأخذت ترقص فوق الجسدين القتيلين.
وأخذوا "صالحية" وهي شابة، فقتلوا طفلها ذو السنتين أمام عينيها، ثم وضعوها في حلقة، وأخذوا يرقصون حولها، ويمزقون ثيابها قطعة قطعة. وفي النهاية عاجلتها إحدى الفتيات اليهوديات بعدة طعنات في وجهها وصدرها وبطنها، وكانت حاملاً في الشهر السابع.
وقد قبضوا على شيخ في التسعين، ورموه من فوق بيته، واستخدموه هدفاً متحركاً يحاولون اقتناصه في الهواء. وحينما وقع على الأرض، قضوا عليه بأحذيتهم. وقتلوا امرأة اسمها "خالدية" كانت توشك على الولادة، وشقوا بطنها بسكين، ولما حاولت إحدى نساء القرية إخراج الطفل من أحشاء أمه قتلوها أيضاً.
وقد فاخر مناحيم بيجن (الذي أصبح رئيساً لوزراء الكيان الإسرائيلي 1977 ـ 1983، والذي حاز على جائزة نوبل للسلام!!) بهذه المذبحة، وعدَّها سبباً مهماً في إنشاء الدولة اليهودية وتهجير العرب، فقال: "... أصيب العرب بهلع قوي لا حدود له بعد أخبار دير ياسين، فأخذوا يفرون للنجاة بأرواحهم ...، فمن أصل 800 ألف عربي كانوا يعيشون على أرض إسرائيل الحالية لم يتبق سوى 165 ألفاً" ... "ما وقع في دير ياسين وما أذيع عنها ساعدا على تعبيد الطريق لنا لكسب الظفر في معارك حاسمة في ساحة القتال. وقد ساعدتنا أسطورة دير ياسين بصورة خاصة على إنقاذ طبرية وغزو حيفا" ... "كان لمذبحة دير ياسين أثر بالغ في نفوس العرب يساوي ستة أفواج من الجنود".
وقد تكرر نموذج دير ياسين في القرى العربية الأخرى في أثناء حرب 1948، حيث وقعت مذابح عديدة بنفس البشاعة كما في الطنطورة، وناصر الدين، وبيت داراس وغيرها. وقد اعترف المؤرخ "الإسرائيلي" أرييه يتسحافي، وهو باحث في الجيش الإسرائيلي بذلك قائلاً: "إذا أجملنا الحقائق ندرك أن مجزرة دير ياسين كانت إلى حد بعيد طابعاً مألوفاً لاحتلال قرية عربية، ونسف أكثر عدد من المنازل فيها، وقد قُتل في هذه العمليات الكثير من النساء والأطفال والشيوخ".
وتوالت المذابح الصهيونية بعد ذلك بين حين وآخر، ففي ليلة 14 ـ 15 أكتوبر 1953 حدثت مذبحة "قبية"، وهي قرية عربية في الضفة الغربية هاجمها نحو 600 جندي صهيوني بقيادة الإرهابي أريل شارون (الذي أصبح رئيساً للوزراء فيما بعد). وقد أدى الهجوم الليلي إلى استشهاد 67 من سكان القرية المدنيين ووقوع أعداد كبيرة من الجرحى. كما أدى إلى تدمير 56 منـزلاً ومسجد القرية ومدرستها وخزان مياهها.
وتعمد الصهاينة تدمير البيوت على السكان، حتى إن امرأة شوهدت تجلس بجانب كومة من أنقاض منـزلها الذي برز من بين ركامه أيدٍ وأرجل صغيرة هي أشلاء أولادها الستة، بينما كانت جثة زوجها الممزقة بالرصاص ملقاة في الطريق المواجه للبيت.
وفي 10 أكتوبر 1956 نفذ الصهاينة مذبحة "قلقيلية" حيث قتلوا نحو سبعين من سكان هذه البلدة وأوقعوا خسائر مادية كبيرة.
وفي 29 أكتوبر 1956 وقعت مذبحة "كفر قاسم" وهي قرية عربية في فلسطين المحتلة سنة 1948. إذ أعلن الصهاينة حظر التجول في ذلك اليوم على القرية اعتباراً من الساعة الخامسة مساء دون أن يعلم فلاحوها العاملون في الحقول بذلك. وعندما بدأ الفلاحون بالعودة كانت الأوامر قد صدرت بإطلاق النار بقصد القتل، مما أدى لاستشهاد 49 فلسطينياً بينهم 15 طفلاً فضلاً عن عشرات الجرحى.
وقد حاول الصهاينة التستر على جريمتهم فقاموا بمحاكمة الفاعلين حيث سُجن عدد منهم لفترات قصيرة. أما العقيد سيخار شدمي الذي أصدر الأوامر فقد قُدِّم للمحاكمة سنة 1959، وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش "إسرائيلي" واحد!! وكأن روح كل فلسطيني لا تساوي أكثر من جزء ضئيل من القرش وفق القضاء "الإسرائيلي".
وفي مجزرة مخيم خان يونس في 3 نوفمبر 1956 قتل الصهاينة 250 من سكانه المدنيين، ثم عادوا فقتلوا 275 مدنياً آخرين من المخيم نفسه في 12 نوفمبر 1956، كما قتلوا في اليوم نفسه أكثر من مائة مدني من سكان مخيم رفح للاجئين.
ونفذ الصهاينة مجزرة "السموع" في 13 نوفمبر 1966 حيث استشهد نحو 18 شخصاً وجرح 134 آخرين.
وعندما احتل الصهاينة في حرب 1967 الضفة الغربية وقطاع غزة قاموا بتشريد 330 ألف فلسطيني، واعترف أحد الجنود الصهاينة الذين رابطوا على نهر الأردن أنه قد صدرت لهم أوامر واضحة وصريحة بقتل المدنيين الذين يحاولون العودة إلى الضفة الغربية وقال "كنا نقتل الأحياء إذا وجدناهم، ونقتل الجرحى حتى لو كانوا نساءً أو أطفالاً. وأثناء خدمتي العسكرية، وبعد انتهاء الحرب بمدة طويلة كنا نطلق النار دائماً في منطقتنا، وفي كل ليلة كان يسقط قتلى، وفي صباح كل يوم كنا نجد بينهم جرحى ما نلبث أن نقضي عليهم".
وقد ذكر الضابط الصهيوني إيلي ليفي وهو برتبة نقيب قصة تشير إلى طريقة تفكير وعمل القيادة "الإسرائيلية"، فذكر أنه في أثناء حرب 1973 اقتحم وعدد من جنوده قرية في هضبة الجولان جنوبي القنيطرة، وجمعوا سكانها القلائل في ساحة كبيرة. وفجأة جاء الجنرالين رفائيل إيتان وأبيغدور بنغال، وسأل إيتانُ مندهشاً الرائدَ غوري ماذا ستفعلون بهم؟ فقال الرائد: أعتقد أننا سنطلب منهم العودة إلى منازلهم. فصرخ إيتان: ماذا؟ ألن تطلقوا النار عليهم؟! إنهم جميعاً جنود سوريون يتخفون بزيٍّ مدني، وأُقسم على ذلك. فتدخل النقيب إيلي ليفي وقال: ولكن بينهم نساء وأطفالاً. فردّ عليه إيتان: يُخيّل إليك ذلك!! عليكم أن تطلقوا النار عليهم، وتقتلوهم جميعاً. فقال إيلي: أهذا أمر يا سيدي؟ قال إيتان: نعم هو كذلك. فقال إيلي: أريد أمراً خطياً بذلك!! فقال إيتان بسخرية: إنك لا تريد أن تقاتل، لقد خاب ظني فيك أيها الشاب!! وقد كان رفائيل إيتان هذا يشغل قائد فرقة مدرعات في الجولان في حرب 1973، ثم أصبح قائد المنطقة الشمالية 1974 ـ 1977، ثم أصبح رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي 1978 ـ 1983 حيث تولى قيادة الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982. وهو صاحب عبارة شهيرة يذكر فيها أن الفلسطينيين في الأرض المحتلة هم "صراصير مخدَّرة في قنينة"!!
وفي أثناء الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان في صيف 1982، وبعد أقل من أربعة أسابيع على بدايته (5 ـ 30 يونيو 1982) استشهد نحو 15 ألف مدني وقال أحد الأطباء الكنديين العاملين في صيدا إن 50% من الشهداء هم من الأطفال دون سن 13 سنة. وأشارت تقديرات أخرى إلى أنه مع منتصف أغسطس 1982 كان قد استشهد نحو 19 ألفاً، بينما جرح حوالي 80 ألفاً آخرين.
وقد ذكر المقدم الإسرائيلي إيتان كليبنوت في شهادته التي نشرتها جريدة هعولام هزيه في 7 يوليو 1982 بأن هناك ضابطاً وجنوداً تعمدوا قتل مدنيين عزلاً وأبرياء داخل المخيمات الفلسطينية وقال إنه يذكر جيداً بأن الجنود أطلقوا النار بأمر من ضباطهم الكبار على عجزة فلسطينيين ونساء وأطفال داخل الملاجئ في مخيم عين الحلوة. وقال "لقد شاهدت أطفالاً فلسطينيين يبكون ويصرخون بعد أن قتل الجنود أمهاتهم على مرأى منهم. كما أن بعض الجنود ألقوا قنابل حارقة داخل ملاجئ عين الحلوة، وكان فيها عشرات السكان المدنيين الذين لم يخرج منهم أحد".
وفي 16 ـ 18 سبتمبر 1982 نظم الصهاينة بقيادة أريل شارون ورفائيل إيتان وأمير دوري مذابح صبرا وشاتيلا وأوكلوا مهمة التنفيذ لمليشيات الكتائب، ومليشيات النمور التابعة لكميل شمعون، وحراس الأرز التابعة لإيتان صقر، ورجال جيش لبنان الجنوبي العميل التابعين لسعد حداد، وكلها مليشيات مارونية.
فقد احتل الصهاينة بيروت الغربية في 15 سبتمبر، وفي السادسة مساء من اليوم التالي بدأ تنفيذ المجزرة التي استمرت نحو 40 ساعة. وزود الصهاينة ـ الذين حاصروا المكان ـ المليشيات المجرمة بوسائل الإنارة، وراقبوا عمليات الذبح كمن يجلس في الصف الأول من المسرح. وقد أدت هذه المذابح إلى استشهاد 3297 معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ واستخدمت الفؤوس والبلطات والسواطير والسكاكين لتهشيم الرؤوس وقطعها، والتمثيل بالأجساد، فضلاً عن اغتصاب النساء والفتيات. وتلذذ المجرمون خصوصاً بقتل الأطفال والتمثيل بهم. ووجدت في أحد البيوت جثة طفلٍ رضيع قطعوا أعضاءه، ثم صفّوها بعناية على شكل دائرة ووضعوا الرأس في الوسط.
لقد كانت مذابح مخيمي صبرا وشاتيلا من المذابح المروعة التي اهتز لها الضمير الإنساني، والتي لم تستطع القوات الصهيونية والكتائبية التستر على أهوالها. وسارع الكيان الصهيوني كعادته بتشكيل لجنة تحقيق في محاولة لتلميع صورته إعلامياً وتبرئة ساحته وساحة قادته. وقد اكتفت اللجنة بتوجيه اللوم لشارون. لكنه سرعان ما عاد وزيراً للإسكان، ثم انتخب رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني في فبراير 2001.
وكان اندلاع الانتفاضة المباركة في الضفة الغربية وقطاع غزة فرصة للكيان الصهيوني لقتل المدنيين، فاستشهد في سنواتها الست 1987 ـ 1993 ما مجموعه 1540، وجرح 130 ألف، واعتقل 116 ألفاً آخرين. وقد شملت قائمة الشهداء 268 طفلاً و127 امرأة حسب تقدير مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان. وفي أثناء هذه الانتفاضة ارتكبت القوات الصهيونية ـ ضمن ما ارتكبت ـ مذبحة المسجد الأقصى في 8 أكتوبر 1990 إذ هبَّ المسلمون للدفاع عن المسجد الأقصى عندما حاولت جماعة يهودية تسمى "أمناء جبل الهيكل" وضع حجر الأساس للهيكل اليهودي الثالث في ساحة الحرم. وتدخل الجنود الصهاينة وأخذوا بإطلاق النار على المصلّين. دون تمييز مما أدى إلى استشهاد 21 وجرح 150 آخرين.
وفي صلاة فجر الخامس عشر من رمضان 1414هـ الموافق 25 فبراير 1994 قام ضابط الاحتياط الصهيوني باروخ جولدشتاين باقتحام مسجد الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، حيث بدأ بحصد المصلين الساجدين بأسلحته الرشاشة، بينما ساعده عدد من المستوطنين في تعبئة الذخيرة. وكان يحاصر الحرم الإبراهيمي عدد كبير من الجنود وحرس الحدود الصهاينة يقدرون بـ300، وقد قام هؤلاء الجنود بإطلاق النار على المسلمين الذين هاجموا جولدشتاين بأجسادهم وقتلوه، كما قاموا بإطلاق الرصاص على المسلمين الخارجين من المسجد وعلى الناس الذين حضروا لإسعاف إخوانهم، ولحقوا بالمصابين والمسعفين إلى أبواب المستشفيات، وقتلوا المزيد. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى استشهاد 29 فلسطينياً وجرح أكثر من 300 آخرين. وجولدشتاين هو ضابط (طبيب!!) احتياط برتبة نقيب، وهو مهاجر من نيويورك في الولايات المتحدة. وكان يَعدُّ العرب مثل "الوباء ... إنهم الجراثيم التي تنقل إلينا الأمراض"، وكان متديناً، يَعدُّ مثل هذا العمل "تقرباً إلى الله". وقد عدّه اليهود المتدينون "قديساً"، ولا زال قبره مزاراً ومحجاً لهؤلاء اليهود.
وعندما أعلنت السلطات الصهيونية في 24 سبتمبر 1996 عن افتتاح نفق تحت المسجد الأقصى (موازٍ لأساسات الجدار الغربي للمسجد) هبّ المسلمون من جديد في موجات احتجاج عارمة، بينما بالغ الصهاينة في القمع والتنكيل واستخدموا الطائرات المروحية. وقد استشهد 62 فلسطينياً وجرح نحو 1500، وكان بين الشهداء نحو 15 من الشرطة الفلسطينية الذين اضطروا للرد، بسبب هجمات الصهاينة على مناطق السلطة الفلسطينية.
وتمثل انتفاضة الأقصى التي اندلعت منذ 28 سبتمبر 2000 نموذجاً للتضحية الفلسطينية وللإرهاب الصهيوني. فقد استخدم الصهاينة كل ما في أيديهم من وسائل البطش والدمار من الأسلحة الرشاشة والصواريخ والطائرات المروحية وطائرات الـ إف16 الحربية والرصاص المحرم دولياً ... في مواجهة شعب أعزل مصمم على الحرية والتحرير. واضطر الفلسطينيون إلى اللجوء إلى تفجير أنفسهم في عمليات استشهادية في التجمعات الصهيونية أحدثت نوعاً من توازن الردع مع الصهاينة.
وتشير تقديرات مركز المعلومات الفلسطيني إلى أنه بعد مضي عام على انتفاضة الأقصى فقد استشهد (حتى 31 يناير 2003) نحو 2272 فلسطينياً وأصيب نحو 35 ألفاً بجراح. أما تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية فترتفع تقديراتها للفترة نفسها إلى نحو 2800 شهيد، بينهم حوالي 530 طفلاً ويافعاً دون الثماني عشرة سنة.
وقد ازدادت شراسة الحملة الصهيونية لسحق الانتفاضة، في شهري مارس وإبريل 2002، وقامت بتنفيذ مجازر بشعة، كان أبرزها مذبحة مخيم جنين التي ذكرت العديد من التقديرات الفلسطينية أنه قد استشهد فيها حوالي 500 فلسطيني، خلال النصف الأول من شهر إبريل 2002، غير أنه لم تظهر أرقام دقيقة حتى لحظة كتابة هذه السطور، ولم يكشف حتى الآن إلا عن نحو 57 شهيداً، كما أشير إلى وجود نحو 250 مفقوداً.
وقامت بتدمير مباني المخيم على ساكنيها، في الوقت الذي منعت فيه السلطات الصهيونية وسائل الإعلام من الاقتراب، حتى لا يطلع العالم على حقيقة ما يجري. وقد جرت في الوقت نفسه مذبحة مماثلة في نابلس استشهد فيها نحو سبعين فلسطينياً. وفي أثناء حملتها على مدن وقرى الضفة الغربية، في تلك الفترة، قامت بتدمير معظم البنية التحتية الفلسطينية بما فيها مؤسسات السلطة الفلسطينية التعليمية والصحية والأمنية، وبمصادرة وسرقة الكثير من محتوياتها. كما احتلت رام الله وسيطرت على مقر ياسر عرفات، الذي حوصر مع عدد من مساعديه في بعض غرف المقر. وقام الصهاينة بتدمير سيارات الإسعاف، بل وباستخدامها في "اصطياد" الفلسطينيين، ومنعت فرق الإسعاف من الوصول إلى المصابين، الذين نزفت دماؤهم حتى استشهدوا، كما منعت لأيام عديدة دفن جثث الموتى، وقد انتقد تيري رود لارسن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الأراضي الفلسطينية بحدة الحكومة الإسرائيلية، ووصف الدمار الذي ألحقته بمخيم جنين (بعد أن تجول بنفسه فيه يوم 18 إبريل 2002) بأنه "أبشع من أن يُصدَّق"، ووصف المخيم بأنه "دُمِّر تماماً، كما لو أن زلزالاً قد ضرب المنطقة"، كما انتقد الحكومة الصهيونية لمنعها دخول فرق الإغاثة إلى جنين طوال أحد عشر يوماً.
وهكذا، فإن الإرهاب هو جزء طبيعي من الأيديولوجية الصهيونية، وعقلية التجمع الاستيطاني والقيادة الحاكمة في الكيان الإسرائيلي.
ونتابع مع دليل حق العودة

دليل حق العودة
إصدار: مؤتمر حق العودة
(منسق جمعيات ولجان الدفاع عن حق العودة الفلسطيني في العالم)
لقد ضرب الشعب الفلسطيني، خلال أكثر من نصف قرن أروع الأمثلة في الدفاع عن حقه في وطنه التاريخي المقدس وعن هويته وكينونته على أرض الآباء والأجداد التي لم يفارقها منذ بدء التاريخ.
ولم يحدث في التاريخ الحديث مثل آخر غير فلسطين أن هاجمت أقلية أجنبية مهاجرة، مدعومة بالسلاح والمال والتأييد السياسي الغربي الأغلبية الوطنية في البلاد وطردتها من أكثر من 1000 قرية ومدينة وجعلت ثلثي شعبها من اللاجئين.
ورغم ذلك فقد دافع الشعب الفلسطيني الأعزل، إلا من قوة الإيمان، عن حقه طوال هذه السنين رغم الحروب والتشتيت والاضطهاد والاحتلال والحصار.
ولقد حارب الجيل الأول عام 1948 للدفاع عن بلده، وخلفه الجيل الثاني من الفدائيين، ثم جاء الجيل الثالث من أطفال الحجارة وشباب المقاومة، ولن يركع هذا الشعب الباسل أبداً.
وقد ظهرت أخيراً أنواع جديدة من الحرب على هذا الشعب عن طريق تكريس التطهير العرقي الذي تعرض له عام 1948 وما زال يتعرض له، بأن تُعرض عليه مبادرات مزيفة هدفها إسقاط حقوقه وإشاعة الإحباط واليأس في نفسه.
وقد تصدت لذلك فئات كثيرة من هذا الشعب في فلسطين وخارجها، وأسست نخبة منهم، جاءت من كل مناطق فلسطين التاريخية والشتات في العالم، "مؤتمر حق العودة" الذي عقد أول مؤتمر له في لندن في تشرين أول/ أكتوبر 2003، لكي يكون مظلة تنسيقية لجمعيات ولجان الدفاع عن حق العودة في العالم، وله الآن أكثر من 25 لجنة في مناطق تواجد الفلسطينيين في العالم.
ولما كانت حركة حق العودة قد اكتسبت قوة جديدة وانتشاراً كبيراً بين فئات الشعب الفلسطيني، رأينا أن نصدر "دليل حق العودة" لتنوير الشباب، وهم الأغلبية، وتذكير الشيوخ بحقوقهم التاريخية والقانونية وبالمعلومات الموثقة عن وطنهم.
وكل من يرغب في الاستزادة من هذه المعلومات أو المساهمة في نشاط لجان "مؤتمر حق العودة" يمكنه الاتصال باللجنة المتواجدة في البلد/ الإقليم الذي يعيش فيه.
لابد من توحيد صفوفنا وتنظيم أنفسنا وإسماع صوتنا والدفاع عن حقوقنا في كل المحافل، فهذا الدفاع شرعي وواجب وضروري. وما ضاع حق وراءه مطالب.
د. سلمان أبو سنة
المنسق العام :مؤتمر حق العودة"
تعريف حق العودة
س1: ما هو حق العودة للاجئ الفلسطيني؟
ج: هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
س2: لماذا يعتبر الفلسطينيون حق العودة مقدساً؟
ج: لأنه حق تاريخي ناتج عن وجودهم في فلسطين منذ الأزل وارتباطهم بالوطن، ولأنه حق شرعي لهم في أرض الرباط، ولأنه حق قانوني ثابت، وحق الفلسطينيين في وطنهم فلسطين ضارب في أعماق التاريخ، وجذوره أقدم من جذور البريطانيين في بريطانيا، وبالطبع أقدم من الأمريكان في أمريكا.
س3: هل لهذا السبب تمسك الفلسطينيون بحقهم في العودة منذ نصف قرن وأكثر؟
ج: نعم. رغم أكثر من نصف قرن من الحروب والغارات والاضطهاد والشتات والتجويع والحصار، تمسك الفلسطينيون بحقهم في العودة إلى الوطن، لأن كيان الإنسان وهويته مرتبطان بوطنه، مسقط رأسه ومدفن أجداده ومستودع تاريخه ومصدر رزقه ومنبع كرامته، ولذلك فإن حق العودة مقدس لكل فلسطيني، حتى الطفل الذي ولد في المنفى يقول إن موطني بلدة كذا في فلسطين.
س4: لماذا يعتبر حق العودة قانونياً؟
ج: حق العودة حق غير قابل للتصرف، مستمد من القانون الدولي المعترف به عالمياً. فحق العودة مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 كانون أول/ديسمبر 1948، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 13 على الآتي: "لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده" وقد تكرر هذا في المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان مثل الأوروبية والأمريكية والإفريقية والعربية، وفي اليوم التالي لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أي في 11 كانون أول/ديسمبر 1948 صدر القرار الشهير رقم 194 من الجمعية العام للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض (وليس: أو التعويض) وأصر المجتمع الدولي على تأكيد قرار 194 منذ عام 1948 أكثر من 135 مرة ولم تعارضه إلا (إسرائيل) وبعد اتفاقية أوسلو عارضته أمريكا.
وحق العودة أيضاً تابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على البلاد.
س5: لقد مرت مدة طويلة منذ صدور القرار 194 ولم يتم تحقيق العودة، هل هذا يسقط حق العودة؟
ج: حق العودة لا يسقط بالتقادم، أي بمرور الزمن، مهما طالت المدة التي حرم فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم، لأنه حق غير قابل للتصرف.
س6: ما معنى "حق غير قابل للتصرف"؟
ج: الحق غير القابل للتصرف هو من الحقوق الثابتة الراسخة، مثل باقي حقوق الإنسان لا تنقضي بمرور الزمن، ولا تخضع للمفاوضة أو التنازل، ولا تسقط أو تعدل أو يتغيّر مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدعى أنها تمثلهم.
س7: لماذا لا يسقط حق العودة بتوقيع ممثلي الشعب على إسقاطه؟
ج: لأنه حق شخصي، لا يسقط أبداً، إلا إذا وقع كل شخص بنفسه وبملء أرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط. وهذا بالطبع جريمة وطنية، ولكن حق العودة حق جماعي أيضاً باجتماع الحقوق الشخصية الفردية وبالاعتماد على حق تقرير المصير الذي أكدته الأمم المتحدة لكل الشعوب عام 1946، وخصت به الفلسطينيين عام 1969 وجعلته حقاً غير قابل للتصرف للفلسطينيين في قرار 3236 عام 1974.
س8: ولو وقعت جهة تمثل الفلسطينيين صدقاً أو زوراً على التخلي عن حق العودة، ما تأثر ذلك؟
ج: كل اتفاق على إسقاط "حق غير قابل للتصرف" باطل قانوناً، كما أنه ساقط أخلاقياً في الضمير الفلسطيني والعالمي، وتنص المادة الثانية من معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 على أن أي اتفاق بين القوة المحتلة والشعب المحتل أو ممثليه باطلة قانوناً، إذا أسقطت حقوقه.
س9: إذا كان حق العودة نابع من حرمة الملكية الخاصة، هل معنى ذلك أن حق العودة لا ينطبق على من لا يملك أرضاً في فلسطين؟
ج: ينطبق حق العودة على كل مواطن فلسطيني طبيعي سواء ملك أرضاً أم لم يملك لأن طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه حرمته من جنسيته الفلسطينية وحقه في المواطنة، ولذلك فإن حقه في العودة مرتبط أيضاً بحقه في الهوية التي فقدها وانتمائه إلى الوطن الذي حرم منه.
س10: يقولون إن العودة إلى أي مكان في فلسطين، إلى الضفة مثلاً، تعني تحقيق العودة للاجئي 1948 قانوناً. هل هذا صحيح؟
ج: هذا خطأ. لأن عودة اللاجئ تتم فقط بعودته إلى نفس المكان الذي طرد منه أو غادره لأي سبب هو أو أبواه أو أجداده، وقد نصت المذكرة التفسيرية لقرار 194 على ذلك بوضوح. وبدون ذلك يبقى اللاجئ لاجئاً حسب القانون الدولي إلى أن يعود إلى بيته نفسه. ولذلك فإن اللاجئ من الفالوجة لا يعتبر عائداً إذا سمح له بالاستقرار في الخليل، ولا اللاجئ من حيفا إذا عاد إلى نابلس، ولا اللاجئ من الناصرة إذا عاد إلى جنين، ومعلوم أن في فلسطين المحتلة عام 1948 حوالي ربع مليون لاجئ يحملون الجنسية (الإسرائيلية) وهم قانوناً لاجئون لهم الحق في العودة إلى ديارهم، رغم أن بعضهم يعيش اليوم على بعد 2كم من بيته الأصلي، إن مقدار المسافة بين اللاجئ المنفي ووطنه الأصلي لا يسقط حقه في العودة أبداً، سواء أكان لاجئاً في فلسطين 1948 أم في فلسطين التاريخية، أم في أحد البلاد العربية والأجنبية.
القرار 194
س11: ماذا يقول القرار الشهير رقم 194؟
ج: الفقرة الهامة رقم 11 من القرار 194 الصادر في الدورة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948 تنص على الآتي:
"تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
س12: ما هي أهم فقرات القرار؟
ج: يدعو القرار إلى تطبيق حق العودة كجزء أساسي وأصيل من القانون الدولي، ويؤكد على وجوب السماح للراغبين من اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية، والخيار هنا يعود إلى صاحب الحق في أن يعود وليس لغيره أن يقرر نيابة عنه أو يمنعه، وإذا منع من العودة بالقوة، فهذا يعتبر عملاً عدوانياً.
كذلك يدعو القرار إلى عودة اللاجئين في أول فرصة ممكنة، والمقصود بهذا: عند توقف القتال عام 1948، أي عند توقيع اتفاقيات الهدنة، أولاً مع مصر في شباط/فبراير 1949 ثم لبنان والأردن، وأخيراً مع سورية في تموز 1949.
ومنع (إسرائيل) عودة اللاجئين من هذا التاريخ إلى يومنا هذا يعتبر خرقاً مستمراً للقانون الدولي يترتب عليه تعويض اللاجئين عن معاناتهم النفسية وخسائرهم المادية، وعن حقهم في دخل ممتلكاتهم طوال الفترة السابقة. وتصدر الأمم المتحدة قرارات سنوية تطالب (إسرائيل) بحق اللاجئين في استغلال ممتلكاتهم عن طريق الإيجار أو الزراعة أو الاستفادة بأي شكل.
س13: هل يعني هذا أن للاجئ الخيار بين العودة أو التعويض؟
ج: هذا غير صحيح. لكل لاجئ الحق في العودة بالإضافة إلى التعويض أيضاً. فهما حقان متلازمان، ولا يلغي أحدهما الآخر (انظر نص التعويض).
س14: لماذا يعتبر قرار 194 هاماً جداً بالنسبة للاجئين؟
ج: هذا القرار في غاية الأهمية لعدة أسباب:
أولاً: لأنه اعتبر الفلسطينيين شعباً طرد من أرضه، وله الحق في العودة كشعب وليس كمجموعة أفراد متضررين من الحروب مثل حالات كثيرة أخرى. وهذا الاعتبار فريد من نوعه في تاريخ الأمم المتحدة، ولا يوجد له نظير في أي حالة أخرى، ولذلك يجب التمسك به.
ثانياً: أنه وضع آلية متكاملة لعودة اللاجئين من عدة عناصر:
العنصر الأول: أكد عل حقهم في العودة إذا اختاروا ذلك، في أول فرصة ممكنة، وكذلك تعويضهم عن جميع خسائرهم، كل حسب مقدار خسائره، سواء عاد أم لم يعد.
العنصر الثاني: إنشاء مؤسسة دولية لإغاثتهم من حيث الطعام والصحة والتعليم والمسكن إلى أن تتم عودتهم، وهذه المؤسسة أصبح اسمها فيما بعد وكالة الغوث (الأونروا).
العنصر الثالث: إنشاء "لجنة التوفيق الدولية" لتقوم بمهمة تسهيل عودتهم وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي.
لهذه الأسباب تعمل (إسرائيل) ومؤيدوها كل جهدها لإلغاء قرار 194 واستبداله بقرار آخر وحل وكالة الغوث، لأن قرار 194 وما نتج عنه مثل وكالة الغوث التي تمثل الدليل القانوني والمادي لحقوق اللاجئين وهنا لابد من الوقوف في مواجهة تلك الجهود والمحاولات من قبل التحالف الأمريكي - الصهيوني.
الدولة الفلسطينية وحق العودة
س15: يروج بعض (الإسرائيليين) ومشايعوهم من المستسلمين الفلسطينيين أن العودة تتم إذا عاد اللاجئ إلى مكان ما في دولة فلسطين المنتظرة في الضفة وغزة، أي إسقاط حق العودة مقابل قيام دولة فلسطينية في غزة والضفة يعود إليها اللاجئون.
ج: هذا خداع سياسي ومناورة مكشوفة، كما سبق القول، فإن عودة اللاجئ لا تتم قانوناً إلا بالعودة إلى بيته الأصلي، ولا تتم العودة بتغيير عنوان اللاجئ من معسكر إلى معسكر آخر حتى لو كان في فلسطين، ثم إن قيام دولة فلسطينية حق للفلسطينيين بموجب حق تقرير المصير لهم الذي أكدته الأمم المتحدة عامي 1969 و1974، وليس مقايضة عن حق العودة.
س16: هل صحيح ما يقولون إن الحل السليم هو في قيام دولة فلسطينية لكل الفلسطينيين ودولة يهودية في (إسرائيل) لكل اليهود؟
ج: هذا مبدأ عنصري يرفضه القانون الدولي، لأن القبول بهذا يحرم الفلسطينيين من عودتهم إلى ديارهم، ويعطي إسرائيل ترخيصاً بطرد أو إبادة الفلسطينيين الباقين على أرضهم تحت حكمها، كما أنه يعطي يهود العالم حقاً تاريخياً في فلسطين، وليس اليهود (الإسرائيليون) فقط، كما أنه في واقع الأمر يعطي (إسرائيل) الحق في السيطرة على الدولة الفلسطينية الوليدة بحيث تقنن لنفسها حق السماح لأي فلسطيني بالإقامة في دولته كماً وكيفاً ومتى.
وستحول (إسرائيل) تلك الدولة إلى أقفاص ومعتقلات للفلسطينيين وربما تسمح بل تشجع مغادرتهم ولكنها لن تسمح بعودتهم.
س17: لكن (إسرائيل) تقول إن لها الحق في دولة حسب قرار التقسيم؟
ج: (إسرائيل) أعلنت عند ولادتها أن شرعيتها الدولية تنبع من قرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29/11/1947، الذي يوصي (ولا يلزم) بأن تقسم فلسطين إلى دولة ذات حكومة عربية وأخرى يهودية.
ولكن قرار 181 نفسه لم يدع أبداً إلى طرد الفلسطينيين من الدولة اليهودية المقترحة، بل على العكس ضمن لهم داخل تلك الدولة الحقوق المدنية والسياسية والدينية والاجتماعية، وأيضاً حق الانتخاب والترشيح، وجعل مثل هذا الحق لليهود في الدولة العربية المقترحة، إذن فقرار 181 لم ينشئ دولتين عنصريتين إحداهما عربية خالصة والأخرى يهودية خالصة.
والقول بذلك هو خاطئ قانوناً وعنصرياً في الوقت نفسه.
س18: ألهذا السبب كان قبول (إسرائيل) عضواً في الأمم المتحدة مشروطاً؟
ج: نعم (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة في تاريخ الأمم المتحدة التي قُبلت عضويتها بشرطين: الأول هو قبول قرار التقسيم رقم 181 أي أنها تقبل بقيامها على جزء من فلسطين فقط (حوالي النصف) وتعترف بدولة فلسطينية على الجزء الباقي. وسكان كل من الدولتين مختلطون، ولا يجوز طرد أي منهم من إحدى الدولتين.
والثاني هو قبول قرار رقم 194 الذي يقضي بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم حتى لو كانت تلك المناطق تحت سيادة (إسرائيل).
ولا يمكن للأمم المتحدة أن توافق على، أو أن تدعو إلى، أو تقبل قيام دولة عنصرية، تمارس التنظيف العرفي ضد أصحاب الأرض.
هذا دليل آخر على أن مقايضة الدولة الفلسطينية بحق العودة باطل قانوناً ومخادع سياسياً.
ما هي النكبة؟
س19: نعلم أن النكبة حلّت بفلسطين ما هي أبعادها؟
ج: طردت (إسرائيل) عام 1948 أهالي 530 مدينة وقرية في فلسطين، بالإضافة إلى أهالي 662 ضيعة وقرية صغيرة، هذه كانت أكبر وأهم عملية تنظيف عرقي مخطط لها في التاريخ الحديث.
أهل هذه المدن والقرى هم اللاجئون الفلسطينيون اليوم. وصل عددهم في أواخر عام 2003 حوالي 6.100.000 نسمة، منهم 4.200.000 لاجئ مسجلين لدى وكالة الغوث والباقون غير مسجلين.
ويمثل اللاجئون ثلثي الشعب الفلسطيني البالغ عدده 9 ملايين نسمة، وهذه أكبر نسبة من اللاجئين بين أي شعب في العالم. كما أن اللاجئين الفلسطينيين هم أكبر وأقدم وأهم قضية لاجئين في العالم.
س20: ما هي مساحة أراضيهم التي تركوها؟
ج: مساحة فلسطين كلها 26.300.0000 دنم، لم يملك اليهود فيها عند نهاية الانتداب أكثر من 1.500.000 دنم، أي حوالي 5.7% من مساحة فلسطين، والباقي أرض فلسطينية، وهذا رغم تواطؤ الانتداب البريطاني مع الصهاينة احتلت (إسرائيل) بالقوة عام 1948/1949 ما مساحته 20,500,000 دنم، أي 78% من فلسطين أقامت عليها دولة (إسرائيل).
وهذا يعني أن 92% من مساحة (إسرائيل) هي أراضي اللاجئين الفلسطينيين.
س21: يقال إن اللاجئين تركوا أراضيهم بمحض إرادتهم أو بتحريض من الدول العربية.
ج: هذا غير صحيح. كل شهادات اللاجئين تكذب ذلك. حتى المؤرخون (الإسرائيليين) الجدد اعترفوا بأن 89% من القرى طرد أهلها بأعمال عسكرية صهيونية مباشرة وأن 10% من القرى طرد أهلها بسبب الحرب النفسية و1% من القرى فقط تركوا ديارهم طوعاً.
ولهذا الغرض اقترفت الصهاينة أكثر من 35 مذبحة كبيرة، وأكثر من 100 حادثة قتل جماعي وفظائع واغتصاب في معظم القرى، وسمموا الآبار وأحرقوا المزروعات.
س22: يقال إن (إسرائيل) كانت تدافع عن نفسها ونتج عن ذلك خروج اللاجئين من ديارهم؟
ج: هذا غير صحيح، إذن كيف طردت (إسرائيل) نصف اللاجئين من 200 قرية، أثناء وجود الانتداب البريطاني، الذي كان مفروضاً عليه حماية الأهالي المدنيين؟ ولماذا خرقت (إسرائيل) الهدنة (وقف إطلاق النار) الأولى والثانية وطردت أهالي باقي القرى؟ ولماذا احتلت 7000كم مربع، في جنوب فلسطين بعد توقيع اتفاقية الهدنة النهائية مع مصر والأردن؟ كل الوثائق التي ظهرت بعد النكبة أن (إسرائيل) كانت دائماً ولا تزال تخطط للاستيلاء على كل فلسطين والقضاء على الفلسطينيين بالقتل والطرد، حتى أثناء وجود الانتداب البريطاني وقبل الحرب العالمية الثانية.
س23: هل هذا هو ما يسمى بالتنظيف العرقي؟
ج: نعم، وهو حسب القانون الدولي جريمة حرب لا تسقط بالتقادم ويحاكم عليها كل شخص من أصغر جندي إلى أكبر رئيس قام بذلك، سواء بالأمر أو التنفيذ أو التحريض أو عدم منع وقوع الجريمة، وذلك حسب ميثاق روما عام 1998، الذي نشأت بموجبه محكمة الجرائم الدولية.
إذن طرد الفلسطينيين من ديارهم هو جريمة حرب، ومنعهم من العودة بقتل العائدين أو تسميم آبارهم أو تدمير بيوتهم أو حرق محصولاتهم أو بأي وسيلة أخرى بالقول أو الفعل هو جريمة حرب أيضاً.
وكل من ينفذ إحدى هذه الجرائم أو يدعو إليها أو يحرض على تنفيذها بالفعل أو القول أو يسكت عنها إذا كانت لديه سلطة، سواء بالترغيب أو الترهيب أو الإعلان أو الإغراء يكون قد اقترف جريمة حرب.
وحسب ميثاق روما، فإن استيطان مواطني الدولة المحتلة في الأراضي المحتلة هو جريمة حرب أيضاً (أي استيطان اليهود الصهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو جريمة حرب}. ويتعرض للمساءلة في محكمة الجرائم الدولية المستوطنون أنفسهم وحكومة (إسرائيل) وجيشها: مؤسسات وأفراداً والذين مكنوهم من ذلك، وكذلك من موّل هذا الاستيطان أو نظمه أو دعا إليه من أي جهة أو منظمة رسمية أو شعبية داخل (إسرائيل) أو خارجها.
س24: وكيف يمكن إزالة آثار التنظيف العرقي؟
ج: بالعودة، العودة إلى الديار هي الوجه الآخر لإزالة آثار جرائم التنظيف العرقي. لا يمكن أن تبقى هذه الجرائم قائمة، إذن لا بدَّ من العودة.
ونتابع مع التعويض
إصدار: مؤتمر حق العودة
(منسق جمعيات ولجان الدفاع عن حق العودة الفلسطيني في العالم)
لقد ضرب الشعب الفلسطيني، خلال أكثر من نصف قرن أروع الأمثلة في الدفاع عن حقه في وطنه التاريخي المقدس وعن هويته وكينونته على أرض الآباء والأجداد التي لم يفارقها منذ بدء التاريخ.
ولم يحدث في التاريخ الحديث مثل آخر غير فلسطين أن هاجمت أقلية أجنبية مهاجرة، مدعومة بالسلاح والمال والتأييد السياسي الغربي الأغلبية الوطنية في البلاد وطردتها من أكثر من 1000 قرية ومدينة وجعلت ثلثي شعبها من اللاجئين.
ورغم ذلك فقد دافع الشعب الفلسطيني الأعزل، إلا من قوة الإيمان، عن حقه طوال هذه السنين رغم الحروب والتشتيت والاضطهاد والاحتلال والحصار.
ولقد حارب الجيل الأول عام 1948 للدفاع عن بلده، وخلفه الجيل الثاني من الفدائيين، ثم جاء الجيل الثالث من أطفال الحجارة وشباب المقاومة، ولن يركع هذا الشعب الباسل أبداً.
وقد ظهرت أخيراً أنواع جديدة من الحرب على هذا الشعب عن طريق تكريس التطهير العرقي الذي تعرض له عام 1948 وما زال يتعرض له، بأن تُعرض عليه مبادرات مزيفة هدفها إسقاط حقوقه وإشاعة الإحباط واليأس في نفسه.
وقد تصدت لذلك فئات كثيرة من هذا الشعب في فلسطين وخارجها، وأسست نخبة منهم، جاءت من كل مناطق فلسطين التاريخية والشتات في العالم، "مؤتمر حق العودة" الذي عقد أول مؤتمر له في لندن في تشرين أول/ أكتوبر 2003، لكي يكون مظلة تنسيقية لجمعيات ولجان الدفاع عن حق العودة في العالم، وله الآن أكثر من 25 لجنة في مناطق تواجد الفلسطينيين في العالم.
ولما كانت حركة حق العودة قد اكتسبت قوة جديدة وانتشاراً كبيراً بين فئات الشعب الفلسطيني، رأينا أن نصدر "دليل حق العودة" لتنوير الشباب، وهم الأغلبية، وتذكير الشيوخ بحقوقهم التاريخية والقانونية وبالمعلومات الموثقة عن وطنهم.
وكل من يرغب في الاستزادة من هذه المعلومات أو المساهمة في نشاط لجان "مؤتمر حق العودة" يمكنه الاتصال باللجنة المتواجدة في البلد/ الإقليم الذي يعيش فيه.
لابد من توحيد صفوفنا وتنظيم أنفسنا وإسماع صوتنا والدفاع عن حقوقنا في كل المحافل، فهذا الدفاع شرعي وواجب وضروري. وما ضاع حق وراءه مطالب.
د. سلمان أبو سنة
المنسق العام :مؤتمر حق العودة"
تعريف حق العودة
س1: ما هو حق العودة للاجئ الفلسطيني؟
ج: هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
س2: لماذا يعتبر الفلسطينيون حق العودة مقدساً؟
ج: لأنه حق تاريخي ناتج عن وجودهم في فلسطين منذ الأزل وارتباطهم بالوطن، ولأنه حق شرعي لهم في أرض الرباط، ولأنه حق قانوني ثابت، وحق الفلسطينيين في وطنهم فلسطين ضارب في أعماق التاريخ، وجذوره أقدم من جذور البريطانيين في بريطانيا، وبالطبع أقدم من الأمريكان في أمريكا.
س3: هل لهذا السبب تمسك الفلسطينيون بحقهم في العودة منذ نصف قرن وأكثر؟
ج: نعم. رغم أكثر من نصف قرن من الحروب والغارات والاضطهاد والشتات والتجويع والحصار، تمسك الفلسطينيون بحقهم في العودة إلى الوطن، لأن كيان الإنسان وهويته مرتبطان بوطنه، مسقط رأسه ومدفن أجداده ومستودع تاريخه ومصدر رزقه ومنبع كرامته، ولذلك فإن حق العودة مقدس لكل فلسطيني، حتى الطفل الذي ولد في المنفى يقول إن موطني بلدة كذا في فلسطين.
س4: لماذا يعتبر حق العودة قانونياً؟
ج: حق العودة حق غير قابل للتصرف، مستمد من القانون الدولي المعترف به عالمياً. فحق العودة مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 كانون أول/ديسمبر 1948، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 13 على الآتي: "لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده" وقد تكرر هذا في المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان مثل الأوروبية والأمريكية والإفريقية والعربية، وفي اليوم التالي لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أي في 11 كانون أول/ديسمبر 1948 صدر القرار الشهير رقم 194 من الجمعية العام للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض (وليس: أو التعويض) وأصر المجتمع الدولي على تأكيد قرار 194 منذ عام 1948 أكثر من 135 مرة ولم تعارضه إلا (إسرائيل) وبعد اتفاقية أوسلو عارضته أمريكا.
وحق العودة أيضاً تابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على البلاد.
س5: لقد مرت مدة طويلة منذ صدور القرار 194 ولم يتم تحقيق العودة، هل هذا يسقط حق العودة؟
ج: حق العودة لا يسقط بالتقادم، أي بمرور الزمن، مهما طالت المدة التي حرم فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم، لأنه حق غير قابل للتصرف.
س6: ما معنى "حق غير قابل للتصرف"؟
ج: الحق غير القابل للتصرف هو من الحقوق الثابتة الراسخة، مثل باقي حقوق الإنسان لا تنقضي بمرور الزمن، ولا تخضع للمفاوضة أو التنازل، ولا تسقط أو تعدل أو يتغيّر مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعت على ذلك جهات تمثل الفلسطينيين أو تدعى أنها تمثلهم.
س7: لماذا لا يسقط حق العودة بتوقيع ممثلي الشعب على إسقاطه؟
ج: لأنه حق شخصي، لا يسقط أبداً، إلا إذا وقع كل شخص بنفسه وبملء أرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط. وهذا بالطبع جريمة وطنية، ولكن حق العودة حق جماعي أيضاً باجتماع الحقوق الشخصية الفردية وبالاعتماد على حق تقرير المصير الذي أكدته الأمم المتحدة لكل الشعوب عام 1946، وخصت به الفلسطينيين عام 1969 وجعلته حقاً غير قابل للتصرف للفلسطينيين في قرار 3236 عام 1974.
س8: ولو وقعت جهة تمثل الفلسطينيين صدقاً أو زوراً على التخلي عن حق العودة، ما تأثر ذلك؟
ج: كل اتفاق على إسقاط "حق غير قابل للتصرف" باطل قانوناً، كما أنه ساقط أخلاقياً في الضمير الفلسطيني والعالمي، وتنص المادة الثانية من معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 على أن أي اتفاق بين القوة المحتلة والشعب المحتل أو ممثليه باطلة قانوناً، إذا أسقطت حقوقه.
س9: إذا كان حق العودة نابع من حرمة الملكية الخاصة، هل معنى ذلك أن حق العودة لا ينطبق على من لا يملك أرضاً في فلسطين؟
ج: ينطبق حق العودة على كل مواطن فلسطيني طبيعي سواء ملك أرضاً أم لم يملك لأن طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه حرمته من جنسيته الفلسطينية وحقه في المواطنة، ولذلك فإن حقه في العودة مرتبط أيضاً بحقه في الهوية التي فقدها وانتمائه إلى الوطن الذي حرم منه.
س10: يقولون إن العودة إلى أي مكان في فلسطين، إلى الضفة مثلاً، تعني تحقيق العودة للاجئي 1948 قانوناً. هل هذا صحيح؟
ج: هذا خطأ. لأن عودة اللاجئ تتم فقط بعودته إلى نفس المكان الذي طرد منه أو غادره لأي سبب هو أو أبواه أو أجداده، وقد نصت المذكرة التفسيرية لقرار 194 على ذلك بوضوح. وبدون ذلك يبقى اللاجئ لاجئاً حسب القانون الدولي إلى أن يعود إلى بيته نفسه. ولذلك فإن اللاجئ من الفالوجة لا يعتبر عائداً إذا سمح له بالاستقرار في الخليل، ولا اللاجئ من حيفا إذا عاد إلى نابلس، ولا اللاجئ من الناصرة إذا عاد إلى جنين، ومعلوم أن في فلسطين المحتلة عام 1948 حوالي ربع مليون لاجئ يحملون الجنسية (الإسرائيلية) وهم قانوناً لاجئون لهم الحق في العودة إلى ديارهم، رغم أن بعضهم يعيش اليوم على بعد 2كم من بيته الأصلي، إن مقدار المسافة بين اللاجئ المنفي ووطنه الأصلي لا يسقط حقه في العودة أبداً، سواء أكان لاجئاً في فلسطين 1948 أم في فلسطين التاريخية، أم في أحد البلاد العربية والأجنبية.
القرار 194
س11: ماذا يقول القرار الشهير رقم 194؟
ج: الفقرة الهامة رقم 11 من القرار 194 الصادر في الدورة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948 تنص على الآتي:
"تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
س12: ما هي أهم فقرات القرار؟
ج: يدعو القرار إلى تطبيق حق العودة كجزء أساسي وأصيل من القانون الدولي، ويؤكد على وجوب السماح للراغبين من اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية، والخيار هنا يعود إلى صاحب الحق في أن يعود وليس لغيره أن يقرر نيابة عنه أو يمنعه، وإذا منع من العودة بالقوة، فهذا يعتبر عملاً عدوانياً.
كذلك يدعو القرار إلى عودة اللاجئين في أول فرصة ممكنة، والمقصود بهذا: عند توقف القتال عام 1948، أي عند توقيع اتفاقيات الهدنة، أولاً مع مصر في شباط/فبراير 1949 ثم لبنان والأردن، وأخيراً مع سورية في تموز 1949.
ومنع (إسرائيل) عودة اللاجئين من هذا التاريخ إلى يومنا هذا يعتبر خرقاً مستمراً للقانون الدولي يترتب عليه تعويض اللاجئين عن معاناتهم النفسية وخسائرهم المادية، وعن حقهم في دخل ممتلكاتهم طوال الفترة السابقة. وتصدر الأمم المتحدة قرارات سنوية تطالب (إسرائيل) بحق اللاجئين في استغلال ممتلكاتهم عن طريق الإيجار أو الزراعة أو الاستفادة بأي شكل.
س13: هل يعني هذا أن للاجئ الخيار بين العودة أو التعويض؟
ج: هذا غير صحيح. لكل لاجئ الحق في العودة بالإضافة إلى التعويض أيضاً. فهما حقان متلازمان، ولا يلغي أحدهما الآخر (انظر نص التعويض).
س14: لماذا يعتبر قرار 194 هاماً جداً بالنسبة للاجئين؟
ج: هذا القرار في غاية الأهمية لعدة أسباب:
أولاً: لأنه اعتبر الفلسطينيين شعباً طرد من أرضه، وله الحق في العودة كشعب وليس كمجموعة أفراد متضررين من الحروب مثل حالات كثيرة أخرى. وهذا الاعتبار فريد من نوعه في تاريخ الأمم المتحدة، ولا يوجد له نظير في أي حالة أخرى، ولذلك يجب التمسك به.
ثانياً: أنه وضع آلية متكاملة لعودة اللاجئين من عدة عناصر:
العنصر الأول: أكد عل حقهم في العودة إذا اختاروا ذلك، في أول فرصة ممكنة، وكذلك تعويضهم عن جميع خسائرهم، كل حسب مقدار خسائره، سواء عاد أم لم يعد.
العنصر الثاني: إنشاء مؤسسة دولية لإغاثتهم من حيث الطعام والصحة والتعليم والمسكن إلى أن تتم عودتهم، وهذه المؤسسة أصبح اسمها فيما بعد وكالة الغوث (الأونروا).
العنصر الثالث: إنشاء "لجنة التوفيق الدولية" لتقوم بمهمة تسهيل عودتهم وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي.
لهذه الأسباب تعمل (إسرائيل) ومؤيدوها كل جهدها لإلغاء قرار 194 واستبداله بقرار آخر وحل وكالة الغوث، لأن قرار 194 وما نتج عنه مثل وكالة الغوث التي تمثل الدليل القانوني والمادي لحقوق اللاجئين وهنا لابد من الوقوف في مواجهة تلك الجهود والمحاولات من قبل التحالف الأمريكي - الصهيوني.
الدولة الفلسطينية وحق العودة
س15: يروج بعض (الإسرائيليين) ومشايعوهم من المستسلمين الفلسطينيين أن العودة تتم إذا عاد اللاجئ إلى مكان ما في دولة فلسطين المنتظرة في الضفة وغزة، أي إسقاط حق العودة مقابل قيام دولة فلسطينية في غزة والضفة يعود إليها اللاجئون.
ج: هذا خداع سياسي ومناورة مكشوفة، كما سبق القول، فإن عودة اللاجئ لا تتم قانوناً إلا بالعودة إلى بيته الأصلي، ولا تتم العودة بتغيير عنوان اللاجئ من معسكر إلى معسكر آخر حتى لو كان في فلسطين، ثم إن قيام دولة فلسطينية حق للفلسطينيين بموجب حق تقرير المصير لهم الذي أكدته الأمم المتحدة عامي 1969 و1974، وليس مقايضة عن حق العودة.
س16: هل صحيح ما يقولون إن الحل السليم هو في قيام دولة فلسطينية لكل الفلسطينيين ودولة يهودية في (إسرائيل) لكل اليهود؟
ج: هذا مبدأ عنصري يرفضه القانون الدولي، لأن القبول بهذا يحرم الفلسطينيين من عودتهم إلى ديارهم، ويعطي إسرائيل ترخيصاً بطرد أو إبادة الفلسطينيين الباقين على أرضهم تحت حكمها، كما أنه يعطي يهود العالم حقاً تاريخياً في فلسطين، وليس اليهود (الإسرائيليون) فقط، كما أنه في واقع الأمر يعطي (إسرائيل) الحق في السيطرة على الدولة الفلسطينية الوليدة بحيث تقنن لنفسها حق السماح لأي فلسطيني بالإقامة في دولته كماً وكيفاً ومتى.
وستحول (إسرائيل) تلك الدولة إلى أقفاص ومعتقلات للفلسطينيين وربما تسمح بل تشجع مغادرتهم ولكنها لن تسمح بعودتهم.
س17: لكن (إسرائيل) تقول إن لها الحق في دولة حسب قرار التقسيم؟
ج: (إسرائيل) أعلنت عند ولادتها أن شرعيتها الدولية تنبع من قرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29/11/1947، الذي يوصي (ولا يلزم) بأن تقسم فلسطين إلى دولة ذات حكومة عربية وأخرى يهودية.
ولكن قرار 181 نفسه لم يدع أبداً إلى طرد الفلسطينيين من الدولة اليهودية المقترحة، بل على العكس ضمن لهم داخل تلك الدولة الحقوق المدنية والسياسية والدينية والاجتماعية، وأيضاً حق الانتخاب والترشيح، وجعل مثل هذا الحق لليهود في الدولة العربية المقترحة، إذن فقرار 181 لم ينشئ دولتين عنصريتين إحداهما عربية خالصة والأخرى يهودية خالصة.
والقول بذلك هو خاطئ قانوناً وعنصرياً في الوقت نفسه.
س18: ألهذا السبب كان قبول (إسرائيل) عضواً في الأمم المتحدة مشروطاً؟
ج: نعم (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة في تاريخ الأمم المتحدة التي قُبلت عضويتها بشرطين: الأول هو قبول قرار التقسيم رقم 181 أي أنها تقبل بقيامها على جزء من فلسطين فقط (حوالي النصف) وتعترف بدولة فلسطينية على الجزء الباقي. وسكان كل من الدولتين مختلطون، ولا يجوز طرد أي منهم من إحدى الدولتين.
والثاني هو قبول قرار رقم 194 الذي يقضي بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم حتى لو كانت تلك المناطق تحت سيادة (إسرائيل).
ولا يمكن للأمم المتحدة أن توافق على، أو أن تدعو إلى، أو تقبل قيام دولة عنصرية، تمارس التنظيف العرفي ضد أصحاب الأرض.
هذا دليل آخر على أن مقايضة الدولة الفلسطينية بحق العودة باطل قانوناً ومخادع سياسياً.
ما هي النكبة؟
س19: نعلم أن النكبة حلّت بفلسطين ما هي أبعادها؟
ج: طردت (إسرائيل) عام 1948 أهالي 530 مدينة وقرية في فلسطين، بالإضافة إلى أهالي 662 ضيعة وقرية صغيرة، هذه كانت أكبر وأهم عملية تنظيف عرقي مخطط لها في التاريخ الحديث.
أهل هذه المدن والقرى هم اللاجئون الفلسطينيون اليوم. وصل عددهم في أواخر عام 2003 حوالي 6.100.000 نسمة، منهم 4.200.000 لاجئ مسجلين لدى وكالة الغوث والباقون غير مسجلين.
ويمثل اللاجئون ثلثي الشعب الفلسطيني البالغ عدده 9 ملايين نسمة، وهذه أكبر نسبة من اللاجئين بين أي شعب في العالم. كما أن اللاجئين الفلسطينيين هم أكبر وأقدم وأهم قضية لاجئين في العالم.
س20: ما هي مساحة أراضيهم التي تركوها؟
ج: مساحة فلسطين كلها 26.300.0000 دنم، لم يملك اليهود فيها عند نهاية الانتداب أكثر من 1.500.000 دنم، أي حوالي 5.7% من مساحة فلسطين، والباقي أرض فلسطينية، وهذا رغم تواطؤ الانتداب البريطاني مع الصهاينة احتلت (إسرائيل) بالقوة عام 1948/1949 ما مساحته 20,500,000 دنم، أي 78% من فلسطين أقامت عليها دولة (إسرائيل).
وهذا يعني أن 92% من مساحة (إسرائيل) هي أراضي اللاجئين الفلسطينيين.
س21: يقال إن اللاجئين تركوا أراضيهم بمحض إرادتهم أو بتحريض من الدول العربية.
ج: هذا غير صحيح. كل شهادات اللاجئين تكذب ذلك. حتى المؤرخون (الإسرائيليين) الجدد اعترفوا بأن 89% من القرى طرد أهلها بأعمال عسكرية صهيونية مباشرة وأن 10% من القرى طرد أهلها بسبب الحرب النفسية و1% من القرى فقط تركوا ديارهم طوعاً.
ولهذا الغرض اقترفت الصهاينة أكثر من 35 مذبحة كبيرة، وأكثر من 100 حادثة قتل جماعي وفظائع واغتصاب في معظم القرى، وسمموا الآبار وأحرقوا المزروعات.
س22: يقال إن (إسرائيل) كانت تدافع عن نفسها ونتج عن ذلك خروج اللاجئين من ديارهم؟
ج: هذا غير صحيح، إذن كيف طردت (إسرائيل) نصف اللاجئين من 200 قرية، أثناء وجود الانتداب البريطاني، الذي كان مفروضاً عليه حماية الأهالي المدنيين؟ ولماذا خرقت (إسرائيل) الهدنة (وقف إطلاق النار) الأولى والثانية وطردت أهالي باقي القرى؟ ولماذا احتلت 7000كم مربع، في جنوب فلسطين بعد توقيع اتفاقية الهدنة النهائية مع مصر والأردن؟ كل الوثائق التي ظهرت بعد النكبة أن (إسرائيل) كانت دائماً ولا تزال تخطط للاستيلاء على كل فلسطين والقضاء على الفلسطينيين بالقتل والطرد، حتى أثناء وجود الانتداب البريطاني وقبل الحرب العالمية الثانية.
س23: هل هذا هو ما يسمى بالتنظيف العرقي؟
ج: نعم، وهو حسب القانون الدولي جريمة حرب لا تسقط بالتقادم ويحاكم عليها كل شخص من أصغر جندي إلى أكبر رئيس قام بذلك، سواء بالأمر أو التنفيذ أو التحريض أو عدم منع وقوع الجريمة، وذلك حسب ميثاق روما عام 1998، الذي نشأت بموجبه محكمة الجرائم الدولية.
إذن طرد الفلسطينيين من ديارهم هو جريمة حرب، ومنعهم من العودة بقتل العائدين أو تسميم آبارهم أو تدمير بيوتهم أو حرق محصولاتهم أو بأي وسيلة أخرى بالقول أو الفعل هو جريمة حرب أيضاً.
وكل من ينفذ إحدى هذه الجرائم أو يدعو إليها أو يحرض على تنفيذها بالفعل أو القول أو يسكت عنها إذا كانت لديه سلطة، سواء بالترغيب أو الترهيب أو الإعلان أو الإغراء يكون قد اقترف جريمة حرب.
وحسب ميثاق روما، فإن استيطان مواطني الدولة المحتلة في الأراضي المحتلة هو جريمة حرب أيضاً (أي استيطان اليهود الصهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو جريمة حرب}. ويتعرض للمساءلة في محكمة الجرائم الدولية المستوطنون أنفسهم وحكومة (إسرائيل) وجيشها: مؤسسات وأفراداً والذين مكنوهم من ذلك، وكذلك من موّل هذا الاستيطان أو نظمه أو دعا إليه من أي جهة أو منظمة رسمية أو شعبية داخل (إسرائيل) أو خارجها.
س24: وكيف يمكن إزالة آثار التنظيف العرقي؟
ج: بالعودة، العودة إلى الديار هي الوجه الآخر لإزالة آثار جرائم التنظيف العرقي. لا يمكن أن تبقى هذه الجرائم قائمة، إذن لا بدَّ من العودة.
ونتابع مع التعويض

التعويض
س25: يقولون إن هناك مبالغ مرصودة لتعويض اللاجئين عن أراضيهم التي فقدوها عام 1948، هل هذا صحيح؟
ج: إذا كان المقصود بيع أرض فلسطين للصهاينة فهذا مستحيل وحرام وباطل قانوناً. لقد عاقب الفلسطينيون قبل عام 1948 من باع بضعة دونمات، فكيف بمن يريد بيع الوطن كله، هذا لا يمكن أبداً.
س26: إذن ليس للاجئين حق في التعويض، إذا أرادوا العودة إلى بلادهم؟
ج: هذا غير صحيح. للاجئين الحق في التعويض حسب قانون التعويض العام وحسب قرار 194 لكل ما خسروه مادياً ومعنوياً منذ 1948.
لهم الحق في التعويض عن الخسائر المادية الفردية مثل تدمير بيوتهم واستغلال ممتلكاتهم لمدة نصف قرن أو يزيد، والخسائر المعنوية الفردية مثل المعاناة واللجوء وفقدان أفراد الأسرة، والخسائر المادية الجماعية مثل الطرق والمطارات والسكك الحديدية والموانئ والمياه والمعادن والأماكن المقدسة، والخسائر المعنوية الجماعية مثل فقدان الجنسية والهوية والشتات والاقتلاع والتمييز العنصري والسجلات الوطنية والآثار الحضارية. ولهم أيضاً الحق في التعويض عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم ضد السلام.
س27: هل توجد قوانين وإجراءات واضحة لذلك؟
ج: نعم. توجد لدى الأمم المتحدة قوانين محددة وإجراءات معروفة طبقت بنجاح بعد الحرب العالمية الثانية وفي حالات تعويض البوسنة والهرسك وكذلك في تعويض المتضررين من احتلال الكويت عام 1990.
س28: يقولون أحياناً إن مبلغ 20 مليار دولار، وأحياناً مبلغ 40 مليار دولار قد رصدت لدفع تعويضات للاجئين ثم توطينهم في مكان آخر غير ديارهم؟
ج: فيما يتعلق بالتعويض، لقد ذكرنا سابقاً (س25) أن اللاجئين لن يبيعوا وطنهم، وفيما يتعلق بقيمة التعويض فالموضوع ليس صفقة تجارية، أو تسوية صلحة. التعويض حق لكل من تضرر لإعادة الشيء إلى أصله يقوم به أو يدفع ثمنه مسبب الضرر بقيمة الضرر نفسه. إن قيمة التعويض، التي قد تختلف من شخص إلى آخر، تُحسب بواسطة خبراء في هذا المجال وذلك حسب القواعد المحاسبية والقانون الدولي.
وقيمة التعويض المستحقة أكثر من هذه الأرقام المذكورة بكثير، كما هو واضح من حالات التعويض السابقة.
س29: تطرح بعض المبادرات السياسية اقتراحاً بأن يتكون صندوق دولي لجمع مبالغ التعويض من الدول المتبرعة. فما صحة هذا الطرح؟
ج: التعويض حق وليس منة ولا حسنة تجمع من الدول فاعلة الخير لتدفع للفلسطينيين لإسكاتهم. كل من سبب الضرر عليه إعادة الشيء إلى أصله، وإن لم يمكن عملياً، عليه دفع قيمة مثيله أو بديله اليوم. وقد حدد القرار 194 بوضوح من عليه مسؤولية هذا التعويض: وهو كما جاء في النص: "الحكومات والسلطات المسؤولة"، وهذا يشمل حكومة (إسرائيل) والأرغون والشتيرن التي تسمى اليوم جيش الدفاع (الإسرائيلي)، والصندوق القومي اليهودي والمنظمة الصهيونية العالمية وغيرها وكل من أوقع الضرر أو استفاد من وقوعه.
س30: تقول بعض المبادرات السياسية إن (إسرائيل) ستشارك في دفع التعويضات للصندوق الدولي، أليس هذا اعترافاً بمسئوليتها؟
ج: خطة (إسرائيل) في هذا الموضوع واضحة، وقد سبق نشرها عدة مرات في المجالات المتخصصة. (إسرائيل) تقيم قيمة التعويضات بمقدار 2% من قيمتها الحقيقية وتريد من كل الدول دفع هذا المبلغ مع مساهمة رمزية منها. وتريد أن تكون صاحبة القرار فيمن يستحق التعويض. وعلى الفلسطيني المطالب بالتعويض تقديم كافة الإثباتات والمستندات للملكية ومقدار الضرر الذي وقع عليه مع إثبات أنه فلسطيني كان يعيش في هذا البيت.
(وتوفر الوثائق غير ممكن في معظم الحالات بسبب نزوح الأهالي أثناء الهجوم (الإسرائيلي). ثم تصر إسرائيل على شطب اسم كل لاجئ، وهدم كل مخيّم، وإزالة كل مكتب لوكالة الغوث في المرحلة الأولى عند استلام أول دفعة من التعويض المقسط على مراحل عديدة، بحيث يدفع آخر دولار بعد شطب اسم آخر لاجئ. ثم تطلب (إسرائيل) بعد ذلك أن يصدر قرار من الأمم المتحدة يوافق عليه الفلسطينيون والدول العربية بالإضافة إلى كافة الدول بإلغاء قرار 194، وإسقاط جميع الحقوق الفلسطينية إلى الأبد.
س31: وماذا تستفيد (إسرائيل) من ذلك؟
ج: أولاً: تستفيد (إسرائيل) بالخلاص نهائياً من قضية اللاجئين، وتكون قد أنهت بذلك الصراع (الإسرائيلي)- الفلسطيني العربي الإسلامي العالمي.
ثانياً: تحصل (إسرائيل) على صك الملكية الخالصة لأرض فلسطين موقع عليه من أهلها أمام شهود، مجاناً أو بمبالغ تافهة يدفعها الآخرون، وتظفر بذلك بغنيمة تساوي 19 مليون دنم من أرض فلسطين وممتلكات أهالي 16 مدينة وأكثر من ألف قرية وضيعة، بالإضافة إلى 2000 مليون متر مكعب من المياه سنوياً بالإضافة إلى الثروات المعدنية، وكذلك الطرق والموانئ والمطارات وغير ذلك.
هذا إلى جانب مسح التاريخ العربي الفلسطيني نهائياً من الوجود، إنها صفقة رابحة لو تمت ولكنها لن تتم.
س32: يقول البعض أن منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية ستتسلم قيمة التعويض وتوزعها بمعرفتها، هل هذا ممكن؟
ج: هذه غير قانوني، لكل لاجئ الحق في تعويضه بتسلمه شخصياً أو بوكالة منه شخصياً، ولا يجوز لأي جهة أخرى التصرف بالتعويض بأي شكل.
س33: نقرأ في الصحف أنّ الدول المضيفة تطالب بتعويضات عن إيوائها اللاجئين، هل هذه المطالبات تخصم من تعويضات اللاجئين؟
ج: مرة أخرى، تعويض اللاجئ حق شخصي، لا يجوز الاقتطاع منه. ولكن يجوز للدول المضيفة أن تقاضي (إسرائيل) لما سببته لها من أضرار وخسائر، بطرد اللاجئين وتدفقهم عليها، ولكن هذه مطالبة منفصلة لها قواعد أخرى.
س34: من ناحية عملية هل هناك أمل في الحصول على تعويضات من (إسرائيل) في الوقت الحاضر؟
ج: ليس هناك أمل من جهة (إسرائيل) لأن التعويض القانوني الصحيح هو فقط عن المعاناة والخسائر المادية والمعنوية للاجئين مع استرداد أرضهم، وليس عن ثمن بيع أرض فلسطين، لأن الوطن لا يباع. و(إسرائيل) تريد الأرض ولا تريد أصحابها، ولذلك فإن كل الأطروحات التي تعرضها (إسرائيل) أو مشايعوها عن التعويض كاذبة وغير قانونية، والحديث عنه في البيانات السياسية هو مجرد إغراء بالرشوة.
التوطين
س35: يكثر الحديث عن إجبار أو إغراء الدول العربية وغيرها بتوطين اللاجئين لديهم، ما هو الغرض من ذلك؟
ج: الغرض منه هو خدمة مصالح (إسرائيل) بالتخلص من اللاجئين أصحاب الأرض، واستيلاء (إسرائيل) على أراضيهم وممتلكاتهم بصورة شرعية، وهذا هو تكريس لعملية التنظيف العرقي الذي هو جريمة حرب. ولذلك فإن التوطين القسري أو عن طريق الترغيب والترهيب هو جريمة حرب.
س36: ولكن المبادرات التي يروجون لها في الصحف والتلفزيون والمطبوعات تعطي اللاجئين خمسة خيارات، أليس هذا فرصة لهم لاختيار الأنسب؟
ج: هذا خداع. والتفسير واضح. أربعة من الخيارات الخمسة تطلب من اللاجئ اختيار عنوان منفاه الأبدي، أي إسقاط حقه في العودة نهائياً باختياره، وإعطاء الشرعية لعملية التنظيف العرقي التي عانى منها طوال نصف قرن، ليس من هذه الخيارات الأربعة العودة إلى بيته الذي طرد منه.
س37: لكن الخيار الخامس هو العودة إلى الأرض والبيت الذي طرد اللاجئ منه، أليس هذا جيداً؟
ج: نعم هو جيد لو تم ولكنه مخادع أيضاً، لأنه مشروط وليس مطلقاً كحق العودة غير القابل للتصرف، وشروط (إسرائيل) هي أن يكون اللاجئ قد ولد في فلسطين أو له أقارب درجة أولى في فلسطين، وأنه لم يقم في حياته بفعل أو قول تعتبره (إسرائيل) معادياً لها، وأنه يعود بنفسه، ولا يعود معه أولاده وأحفاده، وعليه تقديم الأوراق الثبوتية أنه فلسطيني عام 1948، ويترك لـ (إسرائيل) حق "السيادة" في قبول طلبه بالعودة أو رفضه، وتحديد عدد العائدين المسموح به، ومن الأرقام المتداولة يبدو أن عدد العائدين لن يتجاوز نصف في المائة من اللاجئين، وهذا الاقتراح هو مشروع لم الشمل، القديم في لباس جديد، وليس له قيمة عملية أو قانونية.
س38: يقولون إن الذين حصلوا على جنسيات في بلاد مختلفة ليس لهم حق العودة؟
ج: خطأ. كل لاجئ طرد من موطنه أو غادره لأي سبب كان أو منع من العودة إليه له حق العودة، ولا علاقة لذلك بكونه مواطناً في بلد آخر أو لا، سواء أكان هذا البلد عربياً أم أجنبياً، جواز السفر ليس بديلاً عن حق العودة، حتى (إسرائيل) لا تعامل اليهود المهاجرين إليها على هذا الأساس. (إسرائيل) تمنح اليهود المهاجرين إليها المواطنة الفورية فيها وجواز سفر، حسب "قانون العودة" الإسرائيلي لعام 1950، مع أن جميعهم يحملون جنسيات أخرى يستمرون في حملها بعد ذلك.
س39: ولكن التوطين يعطي اللاجئين في البلاد المضيفة حقوقاً مدنية مثل العمل والسفر والتملك؟
ج: إن حرمان أي شخص من حقوقه المدنية في البلد المقيم فيه هو تعسف غير مبرر وغير مقبول، ويجب على هذا البلد منح المقيم، سواء أكان لاجئاً أم لا، هذه الحقوق. وتقوم لجان الأمم المتحدة كل عام بمراقبة التزام الدول بحقوق الإنسان ولفت نظرها إلى أي مخالفات، ولكن لو منحت الحقوق المدنية في البلد المضيف أو لم تمنح، فإن هذا لا يلغي حق العودة أبداً.
س40: هناك اتجاه لتحويل رعاية اللاجئين الفلسطينيين من مسؤولية وكالة الغوث إلى مسؤولية المفوضية السامية للاجئين (UNHCR) من أجل حمايتهم، وهذا الاتجاه تدعمه بعض الجهات الأوروبية، هل هذا مفيد؟
ج: هذا أمر مرفوض من حيث المبدأ، لأنه يلغي دور وكالة الغوث المنصوص عليه في القرار 194، ويحول اللاجئين من شعب له حقوق معترف بها دولياً في وطنه إلى أفراد يحتاجون إلى طعام وعمل ومسكن في أي بلد، وليست لهم حقوق في وطنهم الأصلي ولا يرغبون فيها لو وجدت. ومهمة المفوضية السامية للاجئين هي مساعدة اللاجئين الفارين من بلادهم بسبب الفيضان أو النزاعات المحلية أو الحكومات الظالمة، وذلك بتوطينهم في بلاد أخرى وتأهيلهم لمعيشة مناسبة فيها، وحيث إن المفوضية قد أنشئت في تاريخ لاحق لقرار 194، لاحظ المشرعون الدوليون هذا الأمر، وخوفاً من الالتباس استثنوا اللاجئين الفلسطينيين من مسؤولية المفوضية بموجب المواد (أ-د) ولذلك فإن تحويل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية السامية للاجئين هو في الواقع عملية توطين لهم في البلاد المضيفة أو بلاد أخرى جديدة، وهو مرفوض تماماً.
س41: هل توجد حماية كافية للاجئين بموجب قرار 194؟
ج: لا توجد. والسبب أن (إسرائيل) رفضت بتاتاً قبول حماية دولية للمواطنين واللاجئين على حد سواء في الضفة وغزة ما بعد عام 1967، أما اللاجئون أنفسهم قبل حرب 1967 وبعدها في فلسطين وخارجها فتقع مسؤولية حمايتهم على لجنة التوفيق الدولية، المعطلة عن العمل، والموجودة حتى الآن رسمياً في منظمات الأمم المتحدة، وعلى وكالة الغوث، المنظمة الوحيدة العاملة الآن، وقدرتها هلى حماية اللاجئين وحماية نفسها محدودة، والسبب أن الدول الكبرى في مجلس الأمن تقف إلى جانب (إسرائيل) ولا تقف إلى جانب القانون الدولي، والحل السليم هو دعم وتقوية لجنة التوفيق الدولية ووكالة الغوث، أما إلغائهما وتحويل اللاجئين إلى أفراد يحتاجون إلى توطين، فهو مرفوض، ولذلك يتوجب على اللاجئين عدم التفريط بقرار 194 وما نتج عنه من تكوين لجنة التوفيق الدولية ووكالة الغوث.
هل العودة ممكنة؟
س42: تطالب بعض المبادرات التي يروجون لها هذه الأيام اللاجئين بالواقعية، أي القبول بالأمر الواقع، والتسليم بأن العودة إلى الديار الأصلية غير ممكنة، فهل هذا صحيح؟
ج: الواقعية الحقيقية التي لا يذكرونها هي أن أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني دافعوا عن حقهم في العودة ولا يزالون يصرون عليه رغم مرور أكثر من نصف قرن من الحروب والغارات والاضطهاد والحصار والتجويع والشتات. فهل يعقل أن يتخلوا فجأة عن حقهم التاريخي في موطنهم منذ آلاف السنين؟
س43: ولكنهم يقولون أن البلاد (فلسطين المحتلة عام 1948) أصبحت ملآنة بالمهاجرين اليهود ولا مكان للعائدين. هل هذا صحيح؟
ج: إن حقنا في أرضنا ليس مرتبطاً بأنها خالية أو ملآنة، وحقنا في أرضنا ثابت من يوم أن طردنا منها وقبل أن يصلها مهاجر واحد إلى يومنا الحاضر عندما أتى إليها المهاجرون الروس.
ومع ذلك، فإن هذا الإدعاء كاذب، إذ لا يزال 80% من يهود (إسرائيل) يعيشون في 15% من مساحة (إسرائيل) والعشرون في المائة الباقون 18% منهم يعيشون في مدن فلسطينية وأخرى صغيرة، بينما يعيش 2% فقط على أراضي اللاجئين التي تبلغ مساحتها 85% من مساحة (إسرائيل).
س44: من هم هؤلاء الـ 2% من اليهود؟
ج: هم سكان الكيبوتس والموشاف، الذين يسيطرون على هذه الأراضي الواسعة، وللمفارقة، فإن الكيبوتس الذي كان رمز الصهيوني العائد إلى الأرض، هو في طريق الزوال، ولم يعد يجذب متطوعين جدداً كما أنه أفلس اقتصادياً، حتى إن أراضي اللاجئين المؤجرة لهم تعرض الآن للبيع لأي يهودي في العالم يرغب في بناء عمارة عليها، لقد عاد اليهودي إلى صناعته القديمة في المال والتجارة، وترك الزراعة لأهلها.
س45: ولكن قالوا: إن قُرانا قد دمرت ومسحت آثارها وبنيت فوقها مدن حديثة، فإلى أين نعود؟
ج: صحيح أن حوالي 75% من قرانا قد دمرت (وبقيت المدن غالباً دون تدمير) ولكن الدراسات على الخرائط أثبتت أن 90% من مواقع القرى لا تزال خالية إلى اليوم، وأن معظم العمران الإسرائيلي قد قام على الأراضي اليهودية قبل عام 1948 أو حولها، وأن 7% من مواقع القرى الباقية يمكن البناء عليها مع بعض التعديلات، وأن 3% فقط من مواقع القرى قد بني عليه تماماً، وهذا في توسع تل أبيب والقدس.
ولو دمرت منازل القرى، فلا يعتبر هذا مشكلة قانونية أو فنية، وعلى سبيل المثال، لو كانت لدينا قرى فلسطينية عدد سكانها 1000 نسمة عام 1948، لأصبح عدد سكانها اليوم 6000 نسمة، وتوجب علينا بناء مساكن لـ 5000 نسمة جدد، وليس من المهم أن تكون مساكن الألف الأولين موجودة أو مهدمة، كل هذه الأعذار والحجج غير ذات قيمة.
س46: تقول (إسرائيل) أن عودة اللاجئين ستغير الطابع اليهودي (لإسرائيل) وقال بعض الزعماء العرب أنهم "يتفهمون" هذه المخاوف ويأخذونها في الاعتبار. هل عودة اللاجئين مرهونة بطابع (إسرائيل) اليهودي؟
ج: بالطبع عودة اللاجئين ليست مرهونة بأي شيء، فهي حق مطلق وليس على الفلسطينيين واجب قانوني أو أخلاقي أن يبقوا مشردين في المنفى لإرضاء (إسرائيل) أو إعطائها الطابع الذي تريده.
ولكن ما هو المقصود بالطابع اليهودي (لإسرائيل؟) إن كان الطابع دينياً، فاليهود عاشوا في بلاد الإسلام قروناً دون مشكلة، وإن كان الطابع اجتماعياً، فليس هناك طابع اجتماعي (لإسرائيل) لأن المهاجرين اليهود قدموا من أكثر من 100 بلد مختلف، وإن كان المقصود بالطابع اليهودي هو أن يكون اليهود أغلبية السكان، فهذا مستحيل على المدى المتوسط والبعيد، الفلسطينيون الآن حوالي نصف السكان في فلسطين التاريخية، وسيصل عددهم عام 2020 إلى حوالي 17 مليون، ولن يتجاوز عدد اليهود في إسرائيل في المستقبل تحت أي ظروف 7 أو 8 ملايين.
إذا وافقنا على هذا التفسير لمعنى الطابع اليهودي لإسرائيل، كما صرح بعض القادة العرب، فإن هذا معناه إعطاء تفويض رسمي لإسرائيل بطرد الفلسطينيين من فلسطين كلها أو (إسرائيل) نفسها، أو إبادتهم، في أي وقت ترى أنها مهددة ديموغرافياً وهذه جريمة حرب.
س47: إذا كانت العودة ممكنة، فكيف تتم في خطوات عملية؟
ج: يمكن إتمام العودة في 7 مراحل:
(1) عودة قرى الجليل من سوريا ولبنان.
(2) عودة قرى الجنوب من قطاع غزة والأردن.
(3-4) عودة قرى الوسط من الضفة والأردن.
(5-6-7) عودة أهالي مدن فلسطين الساحلية والداخلية، المسجلين وغير المسجلين، وتحتاج القرى المدمرة إلى بناء 600,000 وحدة سكنية يمكن بناؤها على أيدي عمال ومهندسين فلسطينيين خلال 6 سنوات.
كما أنه لا توجد عقبات فنية أو لوجستية أو حتى اقتصادية تمنع العودة، ولدينا وثائق كاملة عن عدد اللاجئين وأسمائهم وقراهم الأصلية وأماكن تواجدهم في المخيمات والبلاد المختلفة، كما أن لدينا سجلات كاملة وخرائط للأراضي الفلسطينية وأملاك اللاجئين، ولذلك ليس لدينا مشكلة كبيرة في معرفة من هو اللاجئ وأين هو ما هي أملاكه في غالبية الحالات.
س48: إذن ما هي العقبة في تنفيذ حق العودة، ولماذا لم نستطع العودة خلال 50 عاماً؟
ج: العقبة هي أن (إسرائيل) دولة عنصرية تنفذ مبدأ التنظيف العرقي بالاستيلاء على الأرض وطرد أهلها ومحو وجودهم، وكل مؤسساتها تعمل بموجب قوانينها العنصرية، ولم نستطع العودة حتى الآن لأن أمريكا وبعض الدول الأوروبية تقف إلى جانب (إسرائيل) وتدعمها بالسلاح والمال، وتنقض جميع قرارات مجلس الأمن التي تجبر (إسرائيل) على احترام القانون الدولي.
ما العمل؟
س49: إذن لا فائدة. لأن أمريكا اليوم أكبر قوة في العالم وستبقى إلى جانب (إسرائيل)؟
ج: يجب أن نتذكر أنه في كل قضايا التحرر الوطني في التاريخ، كان الشعب المحتل أضعف عسكرياً من القوة المحتلة، وفي كل هذه الحالات انتصر الشعب بإصراره على التمسك بحقه، ومقاومته العنيدة رغم القوة العسكرية الهائلة لخصمه، لقد غادر الاستعمار كل بلاد آسيا وأفريقيا، وانهارت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وانهدم صرح الفصل العنصري (الابرتهايد) في جنوب أفريقيا بعد أن استمر نحو قرنين من الزمان. ورغم كل الصعوبات عاد اللاجئون تطبيقاً للقانون الدولي، في البوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية ورواندا وجواتيمالا وأبخازيا وجورجيا وقبرص (في دور الإعداد).
س50: إذن ماذا يمكن أن نعمل بالفعل؟
ج: أولاً يجب أن لا نفقد الأمل ولا نجعل اليأس والإحباط يتسلل إلى نفوسنا، فهذا هو الداء القاتل، بل يجب الإصرار على التمسك بحق العودة وعدم إسقاطه تحت أي ظرف من الظروف، حتى وبالرغم من الترهيب والترغيب والقهر والاضطهاد والمعاناة.
ثانياً: يجب أن نعلم أولادنا كل شيء عن وطنهم وقريتهم وأرضهم وتاريخهم وهويتهم بالعلم والمعرفة وليس بالعواطف فقط. وذلك عن طريق دراسة الكتب والخرائط ومعرفة القانون والتاريخ.
ثالثاً: وهو المهم تنظيم جمعيات ولجان أهلية في كل مخيم وكل تجمع وكل مدينة وقرية للدفاع عن حق العودة، ورفع صوت الشعب الحقيقي وإبلاغ مطالبته بحقوقه إلى كل المنابر المحلية والعالمية وعدم السماح للمارقين بالتحدث باسمه أو إسقاط حقوقه.
رابعاً: المعركة طويلة والأعداء شرسون. إن تحالف (إسرائيل) وأمريكا سيستمر في محاربة الحقوق الشرعية للفلسطينيين بكل الوسائل، وعلينا أيضاً الدفاع عن حقوقنا بكل الوسائل، على المدى القريب والمتوسط والبعيد، كل حسب حاجته، ستتغير الوجوه والمسميات والوسائل لأعدائنا وستبقى المعركة مستمرة فلنستعد لها دائماً.
ولنتذكر دائماً: ما ضاع حق وراءه مطالب.
لأن: حق العودة مقدس وقانوني وممكن بل وحتمي أيضاً مهما طال الزمن.
ونتابع مع محاذير
س25: يقولون إن هناك مبالغ مرصودة لتعويض اللاجئين عن أراضيهم التي فقدوها عام 1948، هل هذا صحيح؟
ج: إذا كان المقصود بيع أرض فلسطين للصهاينة فهذا مستحيل وحرام وباطل قانوناً. لقد عاقب الفلسطينيون قبل عام 1948 من باع بضعة دونمات، فكيف بمن يريد بيع الوطن كله، هذا لا يمكن أبداً.
س26: إذن ليس للاجئين حق في التعويض، إذا أرادوا العودة إلى بلادهم؟
ج: هذا غير صحيح. للاجئين الحق في التعويض حسب قانون التعويض العام وحسب قرار 194 لكل ما خسروه مادياً ومعنوياً منذ 1948.
لهم الحق في التعويض عن الخسائر المادية الفردية مثل تدمير بيوتهم واستغلال ممتلكاتهم لمدة نصف قرن أو يزيد، والخسائر المعنوية الفردية مثل المعاناة واللجوء وفقدان أفراد الأسرة، والخسائر المادية الجماعية مثل الطرق والمطارات والسكك الحديدية والموانئ والمياه والمعادن والأماكن المقدسة، والخسائر المعنوية الجماعية مثل فقدان الجنسية والهوية والشتات والاقتلاع والتمييز العنصري والسجلات الوطنية والآثار الحضارية. ولهم أيضاً الحق في التعويض عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم ضد السلام.
س27: هل توجد قوانين وإجراءات واضحة لذلك؟
ج: نعم. توجد لدى الأمم المتحدة قوانين محددة وإجراءات معروفة طبقت بنجاح بعد الحرب العالمية الثانية وفي حالات تعويض البوسنة والهرسك وكذلك في تعويض المتضررين من احتلال الكويت عام 1990.
س28: يقولون أحياناً إن مبلغ 20 مليار دولار، وأحياناً مبلغ 40 مليار دولار قد رصدت لدفع تعويضات للاجئين ثم توطينهم في مكان آخر غير ديارهم؟
ج: فيما يتعلق بالتعويض، لقد ذكرنا سابقاً (س25) أن اللاجئين لن يبيعوا وطنهم، وفيما يتعلق بقيمة التعويض فالموضوع ليس صفقة تجارية، أو تسوية صلحة. التعويض حق لكل من تضرر لإعادة الشيء إلى أصله يقوم به أو يدفع ثمنه مسبب الضرر بقيمة الضرر نفسه. إن قيمة التعويض، التي قد تختلف من شخص إلى آخر، تُحسب بواسطة خبراء في هذا المجال وذلك حسب القواعد المحاسبية والقانون الدولي.
وقيمة التعويض المستحقة أكثر من هذه الأرقام المذكورة بكثير، كما هو واضح من حالات التعويض السابقة.
س29: تطرح بعض المبادرات السياسية اقتراحاً بأن يتكون صندوق دولي لجمع مبالغ التعويض من الدول المتبرعة. فما صحة هذا الطرح؟
ج: التعويض حق وليس منة ولا حسنة تجمع من الدول فاعلة الخير لتدفع للفلسطينيين لإسكاتهم. كل من سبب الضرر عليه إعادة الشيء إلى أصله، وإن لم يمكن عملياً، عليه دفع قيمة مثيله أو بديله اليوم. وقد حدد القرار 194 بوضوح من عليه مسؤولية هذا التعويض: وهو كما جاء في النص: "الحكومات والسلطات المسؤولة"، وهذا يشمل حكومة (إسرائيل) والأرغون والشتيرن التي تسمى اليوم جيش الدفاع (الإسرائيلي)، والصندوق القومي اليهودي والمنظمة الصهيونية العالمية وغيرها وكل من أوقع الضرر أو استفاد من وقوعه.
س30: تقول بعض المبادرات السياسية إن (إسرائيل) ستشارك في دفع التعويضات للصندوق الدولي، أليس هذا اعترافاً بمسئوليتها؟
ج: خطة (إسرائيل) في هذا الموضوع واضحة، وقد سبق نشرها عدة مرات في المجالات المتخصصة. (إسرائيل) تقيم قيمة التعويضات بمقدار 2% من قيمتها الحقيقية وتريد من كل الدول دفع هذا المبلغ مع مساهمة رمزية منها. وتريد أن تكون صاحبة القرار فيمن يستحق التعويض. وعلى الفلسطيني المطالب بالتعويض تقديم كافة الإثباتات والمستندات للملكية ومقدار الضرر الذي وقع عليه مع إثبات أنه فلسطيني كان يعيش في هذا البيت.
(وتوفر الوثائق غير ممكن في معظم الحالات بسبب نزوح الأهالي أثناء الهجوم (الإسرائيلي). ثم تصر إسرائيل على شطب اسم كل لاجئ، وهدم كل مخيّم، وإزالة كل مكتب لوكالة الغوث في المرحلة الأولى عند استلام أول دفعة من التعويض المقسط على مراحل عديدة، بحيث يدفع آخر دولار بعد شطب اسم آخر لاجئ. ثم تطلب (إسرائيل) بعد ذلك أن يصدر قرار من الأمم المتحدة يوافق عليه الفلسطينيون والدول العربية بالإضافة إلى كافة الدول بإلغاء قرار 194، وإسقاط جميع الحقوق الفلسطينية إلى الأبد.
س31: وماذا تستفيد (إسرائيل) من ذلك؟
ج: أولاً: تستفيد (إسرائيل) بالخلاص نهائياً من قضية اللاجئين، وتكون قد أنهت بذلك الصراع (الإسرائيلي)- الفلسطيني العربي الإسلامي العالمي.
ثانياً: تحصل (إسرائيل) على صك الملكية الخالصة لأرض فلسطين موقع عليه من أهلها أمام شهود، مجاناً أو بمبالغ تافهة يدفعها الآخرون، وتظفر بذلك بغنيمة تساوي 19 مليون دنم من أرض فلسطين وممتلكات أهالي 16 مدينة وأكثر من ألف قرية وضيعة، بالإضافة إلى 2000 مليون متر مكعب من المياه سنوياً بالإضافة إلى الثروات المعدنية، وكذلك الطرق والموانئ والمطارات وغير ذلك.
هذا إلى جانب مسح التاريخ العربي الفلسطيني نهائياً من الوجود، إنها صفقة رابحة لو تمت ولكنها لن تتم.
س32: يقول البعض أن منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية ستتسلم قيمة التعويض وتوزعها بمعرفتها، هل هذا ممكن؟
ج: هذه غير قانوني، لكل لاجئ الحق في تعويضه بتسلمه شخصياً أو بوكالة منه شخصياً، ولا يجوز لأي جهة أخرى التصرف بالتعويض بأي شكل.
س33: نقرأ في الصحف أنّ الدول المضيفة تطالب بتعويضات عن إيوائها اللاجئين، هل هذه المطالبات تخصم من تعويضات اللاجئين؟
ج: مرة أخرى، تعويض اللاجئ حق شخصي، لا يجوز الاقتطاع منه. ولكن يجوز للدول المضيفة أن تقاضي (إسرائيل) لما سببته لها من أضرار وخسائر، بطرد اللاجئين وتدفقهم عليها، ولكن هذه مطالبة منفصلة لها قواعد أخرى.
س34: من ناحية عملية هل هناك أمل في الحصول على تعويضات من (إسرائيل) في الوقت الحاضر؟
ج: ليس هناك أمل من جهة (إسرائيل) لأن التعويض القانوني الصحيح هو فقط عن المعاناة والخسائر المادية والمعنوية للاجئين مع استرداد أرضهم، وليس عن ثمن بيع أرض فلسطين، لأن الوطن لا يباع. و(إسرائيل) تريد الأرض ولا تريد أصحابها، ولذلك فإن كل الأطروحات التي تعرضها (إسرائيل) أو مشايعوها عن التعويض كاذبة وغير قانونية، والحديث عنه في البيانات السياسية هو مجرد إغراء بالرشوة.
التوطين
س35: يكثر الحديث عن إجبار أو إغراء الدول العربية وغيرها بتوطين اللاجئين لديهم، ما هو الغرض من ذلك؟
ج: الغرض منه هو خدمة مصالح (إسرائيل) بالتخلص من اللاجئين أصحاب الأرض، واستيلاء (إسرائيل) على أراضيهم وممتلكاتهم بصورة شرعية، وهذا هو تكريس لعملية التنظيف العرقي الذي هو جريمة حرب. ولذلك فإن التوطين القسري أو عن طريق الترغيب والترهيب هو جريمة حرب.
س36: ولكن المبادرات التي يروجون لها في الصحف والتلفزيون والمطبوعات تعطي اللاجئين خمسة خيارات، أليس هذا فرصة لهم لاختيار الأنسب؟
ج: هذا خداع. والتفسير واضح. أربعة من الخيارات الخمسة تطلب من اللاجئ اختيار عنوان منفاه الأبدي، أي إسقاط حقه في العودة نهائياً باختياره، وإعطاء الشرعية لعملية التنظيف العرقي التي عانى منها طوال نصف قرن، ليس من هذه الخيارات الأربعة العودة إلى بيته الذي طرد منه.
س37: لكن الخيار الخامس هو العودة إلى الأرض والبيت الذي طرد اللاجئ منه، أليس هذا جيداً؟
ج: نعم هو جيد لو تم ولكنه مخادع أيضاً، لأنه مشروط وليس مطلقاً كحق العودة غير القابل للتصرف، وشروط (إسرائيل) هي أن يكون اللاجئ قد ولد في فلسطين أو له أقارب درجة أولى في فلسطين، وأنه لم يقم في حياته بفعل أو قول تعتبره (إسرائيل) معادياً لها، وأنه يعود بنفسه، ولا يعود معه أولاده وأحفاده، وعليه تقديم الأوراق الثبوتية أنه فلسطيني عام 1948، ويترك لـ (إسرائيل) حق "السيادة" في قبول طلبه بالعودة أو رفضه، وتحديد عدد العائدين المسموح به، ومن الأرقام المتداولة يبدو أن عدد العائدين لن يتجاوز نصف في المائة من اللاجئين، وهذا الاقتراح هو مشروع لم الشمل، القديم في لباس جديد، وليس له قيمة عملية أو قانونية.
س38: يقولون إن الذين حصلوا على جنسيات في بلاد مختلفة ليس لهم حق العودة؟
ج: خطأ. كل لاجئ طرد من موطنه أو غادره لأي سبب كان أو منع من العودة إليه له حق العودة، ولا علاقة لذلك بكونه مواطناً في بلد آخر أو لا، سواء أكان هذا البلد عربياً أم أجنبياً، جواز السفر ليس بديلاً عن حق العودة، حتى (إسرائيل) لا تعامل اليهود المهاجرين إليها على هذا الأساس. (إسرائيل) تمنح اليهود المهاجرين إليها المواطنة الفورية فيها وجواز سفر، حسب "قانون العودة" الإسرائيلي لعام 1950، مع أن جميعهم يحملون جنسيات أخرى يستمرون في حملها بعد ذلك.
س39: ولكن التوطين يعطي اللاجئين في البلاد المضيفة حقوقاً مدنية مثل العمل والسفر والتملك؟
ج: إن حرمان أي شخص من حقوقه المدنية في البلد المقيم فيه هو تعسف غير مبرر وغير مقبول، ويجب على هذا البلد منح المقيم، سواء أكان لاجئاً أم لا، هذه الحقوق. وتقوم لجان الأمم المتحدة كل عام بمراقبة التزام الدول بحقوق الإنسان ولفت نظرها إلى أي مخالفات، ولكن لو منحت الحقوق المدنية في البلد المضيف أو لم تمنح، فإن هذا لا يلغي حق العودة أبداً.
س40: هناك اتجاه لتحويل رعاية اللاجئين الفلسطينيين من مسؤولية وكالة الغوث إلى مسؤولية المفوضية السامية للاجئين (UNHCR) من أجل حمايتهم، وهذا الاتجاه تدعمه بعض الجهات الأوروبية، هل هذا مفيد؟
ج: هذا أمر مرفوض من حيث المبدأ، لأنه يلغي دور وكالة الغوث المنصوص عليه في القرار 194، ويحول اللاجئين من شعب له حقوق معترف بها دولياً في وطنه إلى أفراد يحتاجون إلى طعام وعمل ومسكن في أي بلد، وليست لهم حقوق في وطنهم الأصلي ولا يرغبون فيها لو وجدت. ومهمة المفوضية السامية للاجئين هي مساعدة اللاجئين الفارين من بلادهم بسبب الفيضان أو النزاعات المحلية أو الحكومات الظالمة، وذلك بتوطينهم في بلاد أخرى وتأهيلهم لمعيشة مناسبة فيها، وحيث إن المفوضية قد أنشئت في تاريخ لاحق لقرار 194، لاحظ المشرعون الدوليون هذا الأمر، وخوفاً من الالتباس استثنوا اللاجئين الفلسطينيين من مسؤولية المفوضية بموجب المواد (أ-د) ولذلك فإن تحويل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية السامية للاجئين هو في الواقع عملية توطين لهم في البلاد المضيفة أو بلاد أخرى جديدة، وهو مرفوض تماماً.
س41: هل توجد حماية كافية للاجئين بموجب قرار 194؟
ج: لا توجد. والسبب أن (إسرائيل) رفضت بتاتاً قبول حماية دولية للمواطنين واللاجئين على حد سواء في الضفة وغزة ما بعد عام 1967، أما اللاجئون أنفسهم قبل حرب 1967 وبعدها في فلسطين وخارجها فتقع مسؤولية حمايتهم على لجنة التوفيق الدولية، المعطلة عن العمل، والموجودة حتى الآن رسمياً في منظمات الأمم المتحدة، وعلى وكالة الغوث، المنظمة الوحيدة العاملة الآن، وقدرتها هلى حماية اللاجئين وحماية نفسها محدودة، والسبب أن الدول الكبرى في مجلس الأمن تقف إلى جانب (إسرائيل) ولا تقف إلى جانب القانون الدولي، والحل السليم هو دعم وتقوية لجنة التوفيق الدولية ووكالة الغوث، أما إلغائهما وتحويل اللاجئين إلى أفراد يحتاجون إلى توطين، فهو مرفوض، ولذلك يتوجب على اللاجئين عدم التفريط بقرار 194 وما نتج عنه من تكوين لجنة التوفيق الدولية ووكالة الغوث.
هل العودة ممكنة؟
س42: تطالب بعض المبادرات التي يروجون لها هذه الأيام اللاجئين بالواقعية، أي القبول بالأمر الواقع، والتسليم بأن العودة إلى الديار الأصلية غير ممكنة، فهل هذا صحيح؟
ج: الواقعية الحقيقية التي لا يذكرونها هي أن أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني دافعوا عن حقهم في العودة ولا يزالون يصرون عليه رغم مرور أكثر من نصف قرن من الحروب والغارات والاضطهاد والحصار والتجويع والشتات. فهل يعقل أن يتخلوا فجأة عن حقهم التاريخي في موطنهم منذ آلاف السنين؟
س43: ولكنهم يقولون أن البلاد (فلسطين المحتلة عام 1948) أصبحت ملآنة بالمهاجرين اليهود ولا مكان للعائدين. هل هذا صحيح؟
ج: إن حقنا في أرضنا ليس مرتبطاً بأنها خالية أو ملآنة، وحقنا في أرضنا ثابت من يوم أن طردنا منها وقبل أن يصلها مهاجر واحد إلى يومنا الحاضر عندما أتى إليها المهاجرون الروس.
ومع ذلك، فإن هذا الإدعاء كاذب، إذ لا يزال 80% من يهود (إسرائيل) يعيشون في 15% من مساحة (إسرائيل) والعشرون في المائة الباقون 18% منهم يعيشون في مدن فلسطينية وأخرى صغيرة، بينما يعيش 2% فقط على أراضي اللاجئين التي تبلغ مساحتها 85% من مساحة (إسرائيل).
س44: من هم هؤلاء الـ 2% من اليهود؟
ج: هم سكان الكيبوتس والموشاف، الذين يسيطرون على هذه الأراضي الواسعة، وللمفارقة، فإن الكيبوتس الذي كان رمز الصهيوني العائد إلى الأرض، هو في طريق الزوال، ولم يعد يجذب متطوعين جدداً كما أنه أفلس اقتصادياً، حتى إن أراضي اللاجئين المؤجرة لهم تعرض الآن للبيع لأي يهودي في العالم يرغب في بناء عمارة عليها، لقد عاد اليهودي إلى صناعته القديمة في المال والتجارة، وترك الزراعة لأهلها.
س45: ولكن قالوا: إن قُرانا قد دمرت ومسحت آثارها وبنيت فوقها مدن حديثة، فإلى أين نعود؟
ج: صحيح أن حوالي 75% من قرانا قد دمرت (وبقيت المدن غالباً دون تدمير) ولكن الدراسات على الخرائط أثبتت أن 90% من مواقع القرى لا تزال خالية إلى اليوم، وأن معظم العمران الإسرائيلي قد قام على الأراضي اليهودية قبل عام 1948 أو حولها، وأن 7% من مواقع القرى الباقية يمكن البناء عليها مع بعض التعديلات، وأن 3% فقط من مواقع القرى قد بني عليه تماماً، وهذا في توسع تل أبيب والقدس.
ولو دمرت منازل القرى، فلا يعتبر هذا مشكلة قانونية أو فنية، وعلى سبيل المثال، لو كانت لدينا قرى فلسطينية عدد سكانها 1000 نسمة عام 1948، لأصبح عدد سكانها اليوم 6000 نسمة، وتوجب علينا بناء مساكن لـ 5000 نسمة جدد، وليس من المهم أن تكون مساكن الألف الأولين موجودة أو مهدمة، كل هذه الأعذار والحجج غير ذات قيمة.
س46: تقول (إسرائيل) أن عودة اللاجئين ستغير الطابع اليهودي (لإسرائيل) وقال بعض الزعماء العرب أنهم "يتفهمون" هذه المخاوف ويأخذونها في الاعتبار. هل عودة اللاجئين مرهونة بطابع (إسرائيل) اليهودي؟
ج: بالطبع عودة اللاجئين ليست مرهونة بأي شيء، فهي حق مطلق وليس على الفلسطينيين واجب قانوني أو أخلاقي أن يبقوا مشردين في المنفى لإرضاء (إسرائيل) أو إعطائها الطابع الذي تريده.
ولكن ما هو المقصود بالطابع اليهودي (لإسرائيل؟) إن كان الطابع دينياً، فاليهود عاشوا في بلاد الإسلام قروناً دون مشكلة، وإن كان الطابع اجتماعياً، فليس هناك طابع اجتماعي (لإسرائيل) لأن المهاجرين اليهود قدموا من أكثر من 100 بلد مختلف، وإن كان المقصود بالطابع اليهودي هو أن يكون اليهود أغلبية السكان، فهذا مستحيل على المدى المتوسط والبعيد، الفلسطينيون الآن حوالي نصف السكان في فلسطين التاريخية، وسيصل عددهم عام 2020 إلى حوالي 17 مليون، ولن يتجاوز عدد اليهود في إسرائيل في المستقبل تحت أي ظروف 7 أو 8 ملايين.
إذا وافقنا على هذا التفسير لمعنى الطابع اليهودي لإسرائيل، كما صرح بعض القادة العرب، فإن هذا معناه إعطاء تفويض رسمي لإسرائيل بطرد الفلسطينيين من فلسطين كلها أو (إسرائيل) نفسها، أو إبادتهم، في أي وقت ترى أنها مهددة ديموغرافياً وهذه جريمة حرب.
س47: إذا كانت العودة ممكنة، فكيف تتم في خطوات عملية؟
ج: يمكن إتمام العودة في 7 مراحل:
(1) عودة قرى الجليل من سوريا ولبنان.
(2) عودة قرى الجنوب من قطاع غزة والأردن.
(3-4) عودة قرى الوسط من الضفة والأردن.
(5-6-7) عودة أهالي مدن فلسطين الساحلية والداخلية، المسجلين وغير المسجلين، وتحتاج القرى المدمرة إلى بناء 600,000 وحدة سكنية يمكن بناؤها على أيدي عمال ومهندسين فلسطينيين خلال 6 سنوات.
كما أنه لا توجد عقبات فنية أو لوجستية أو حتى اقتصادية تمنع العودة، ولدينا وثائق كاملة عن عدد اللاجئين وأسمائهم وقراهم الأصلية وأماكن تواجدهم في المخيمات والبلاد المختلفة، كما أن لدينا سجلات كاملة وخرائط للأراضي الفلسطينية وأملاك اللاجئين، ولذلك ليس لدينا مشكلة كبيرة في معرفة من هو اللاجئ وأين هو ما هي أملاكه في غالبية الحالات.
س48: إذن ما هي العقبة في تنفيذ حق العودة، ولماذا لم نستطع العودة خلال 50 عاماً؟
ج: العقبة هي أن (إسرائيل) دولة عنصرية تنفذ مبدأ التنظيف العرقي بالاستيلاء على الأرض وطرد أهلها ومحو وجودهم، وكل مؤسساتها تعمل بموجب قوانينها العنصرية، ولم نستطع العودة حتى الآن لأن أمريكا وبعض الدول الأوروبية تقف إلى جانب (إسرائيل) وتدعمها بالسلاح والمال، وتنقض جميع قرارات مجلس الأمن التي تجبر (إسرائيل) على احترام القانون الدولي.
ما العمل؟
س49: إذن لا فائدة. لأن أمريكا اليوم أكبر قوة في العالم وستبقى إلى جانب (إسرائيل)؟
ج: يجب أن نتذكر أنه في كل قضايا التحرر الوطني في التاريخ، كان الشعب المحتل أضعف عسكرياً من القوة المحتلة، وفي كل هذه الحالات انتصر الشعب بإصراره على التمسك بحقه، ومقاومته العنيدة رغم القوة العسكرية الهائلة لخصمه، لقد غادر الاستعمار كل بلاد آسيا وأفريقيا، وانهارت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وانهدم صرح الفصل العنصري (الابرتهايد) في جنوب أفريقيا بعد أن استمر نحو قرنين من الزمان. ورغم كل الصعوبات عاد اللاجئون تطبيقاً للقانون الدولي، في البوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية ورواندا وجواتيمالا وأبخازيا وجورجيا وقبرص (في دور الإعداد).
س50: إذن ماذا يمكن أن نعمل بالفعل؟
ج: أولاً يجب أن لا نفقد الأمل ولا نجعل اليأس والإحباط يتسلل إلى نفوسنا، فهذا هو الداء القاتل، بل يجب الإصرار على التمسك بحق العودة وعدم إسقاطه تحت أي ظرف من الظروف، حتى وبالرغم من الترهيب والترغيب والقهر والاضطهاد والمعاناة.
ثانياً: يجب أن نعلم أولادنا كل شيء عن وطنهم وقريتهم وأرضهم وتاريخهم وهويتهم بالعلم والمعرفة وليس بالعواطف فقط. وذلك عن طريق دراسة الكتب والخرائط ومعرفة القانون والتاريخ.
ثالثاً: وهو المهم تنظيم جمعيات ولجان أهلية في كل مخيم وكل تجمع وكل مدينة وقرية للدفاع عن حق العودة، ورفع صوت الشعب الحقيقي وإبلاغ مطالبته بحقوقه إلى كل المنابر المحلية والعالمية وعدم السماح للمارقين بالتحدث باسمه أو إسقاط حقوقه.
رابعاً: المعركة طويلة والأعداء شرسون. إن تحالف (إسرائيل) وأمريكا سيستمر في محاربة الحقوق الشرعية للفلسطينيين بكل الوسائل، وعلينا أيضاً الدفاع عن حقوقنا بكل الوسائل، على المدى القريب والمتوسط والبعيد، كل حسب حاجته، ستتغير الوجوه والمسميات والوسائل لأعدائنا وستبقى المعركة مستمرة فلنستعد لها دائماً.
ولنتذكر دائماً: ما ضاع حق وراءه مطالب.
لأن: حق العودة مقدس وقانوني وممكن بل وحتمي أيضاً مهما طال الزمن.
ونتابع مع محاذير
الصفحة الأخيرة
هناك لبس أو سوء فهم يقع فيه بعض من يكتب عن الفلسطينيين في الخارج، فبعض الباحثين يظن أنهم اللاجئون الفلسطينيون نتيجة حرب 1948 وهذا خطأ، فكثير من لاجئي الـ48 لا يزالون يعيشون داخل فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعضهم الآخر يضيف إلى لاجئي الـ48 أولئك الذين تشردوا نتيجة حرب الـ67 من الضفة الغربية وغزة (أطلق عليهم لقب نازحين)، وهذا أيضاً لا يكفي لتحقيق الدقة المطلوبة وذلك لأن أعداداً كبيرة من الفلسطينيين خرجت من الضفة الغربية وقطاع غزة لأسباب مختلفة خلال الفترة 1948 ـ 1967، وخصوصاً من انتقل منهم للضفة الشرقية من الأردن أو ذهب إلى بلدان الخليج العربي والمهجر طلباً للرزق، وهؤلاء محرومون أيضاً من حق العودة إلى الأرض المحتلة، وهناك أيضاً أعداد كبيرة من الشباب خرجت للدراسة أو للعمل من الضفة والقطاع منذ 1967 وحتى الآن، وحرمتهم السلطات الصهيونية من حق العودة بحجج مختلفة، مثل انتهاء تصريح الخروج وغيره، فضلاً عمن أبعدوا قسراً عن فلسطين بسبب مقاومتهم للاحتلال.
وعلى هذا فإن قدراً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين هم مشردون ولكن لا يزالون في الحدود الجغرافية لفلسطين، وهناك قدر كبير آخر من الفلسطينيين خارج فلسطين ليس بالضرورة من اللاجئين بسبب حرب 1948، وحديثنا هنا ينصب على الفلسطينيين الذين يعيشون خارج فلسطين سواء من لاجئي 48 أو مشردي 67 أو لأية أسباب أخرى.
وتواجهنا بعد ذلك مشكلتان فنيتان في التعرف على أعداد فلسطينيي الخارج وأوضاعهم، أولاهما أن بعضاً يظن أن أعدادهم هي تلك المسجلة لدى وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهذا خطأ لأن هناك مئات الألوف لم يسجلوا أسماءهم لأنهم لم يسكنوا مخيمات اللاجئين ابتداء، أو لأنهم لم يحتاجوا إلى خدماتها، أو لأنهم سكنوا في مناطق لا تقدم فيها الوكالة خدماتها مثل مناطق الخليج العربي وأوروبا وأمريكا.
وثاني هذه المشكلات هي حالة التشتت التي يعانيها أبناء فلسطين في كل بقاع العالم، وموقف كل نظام من الأنظمة السياسية التي يعيشون تحت ظلها من قضيتهم، وقدرتهم على التعبير عن أنفسهم في مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية، بحيث أن معرفة أحوالهم وأعدادهم تعتمد إلى حد كبير على الرؤية السياسية للنظام ومصالحه.
ولا أود أن أشغل القارئ الكريم بدراسات رقمية وإحصائية كثيرة، ومتضاربة قدمها باحثون ومؤسسات مختلفة، فهذا ليس منهجنا في هذا البحث، ولكننا نختار إحدى الإحصاءات الأقرب إلى الموضوعية والتي قدمها أحد الباحثين إلى مؤتمر علمي في بوسطن في الولايات المتحدة حول عدد الفلسطينيين سنة 1998، ونستطيع أن نستخلص منها ما يلي:
عدد الفلسطينيين
المنطقة
2.328.803
الأردن
430.188
لبنان
456.662
سوريا
48.784
مصر
274.762
السعودية
37.696
الكويت
105.578
بلدان الخليج العربي الأخرى
74.284
العرق وليبيا
5.544
بلدان عربية أخرى
203.588
أمريكا الشمالية والجنوبية
259.248
بقية أنحاء العالم
4.225.642
مجموع الفلسطينيين في الخارج
وبتطبيق نسبة الزيادة الطبيعية للفلسطينيين (3.4%) يصبح عدد فلسطينيي الخارج أربعة ملايين و 671 ألفاً و 487 شخصاً في سنة 2001، ويصبح أربعة ملايين و 830 ألفاً و 308 شخصاً سنة 2002.
العدد
السنة
4.671.487
2001
4.830.308
2002
أما عدد الفلسطينيين داخل فلسطين فقد قدرهم الباحث نفسه للعام نفسه (1998)، بنحو (3.914.549)، ومن بين هؤلاء الذين يعيشون داخل فلسطين هناك (1.529.089)، هم لاجئون ومشردون من مساكنهم وأرضهم لكن لا يزالون يعيشون داخل الإطار الجغرافي لفلسطين.
وهكذا فإن تقدير عدد الفلسطينيين لسنة 1998 (حسب تقدير هذا الباحث) هو ثمانية ملايين و 139 ألفاُ و 191 شخصاً، ونسبة الفلسطينيين المقيمين خارج فلسطين إلى العدد الكلي للفلسطينيين هي 51.9%، أما نسبة اللاجئين والمشردين الفلسطينيين ممن حرموا حق العودة إلى أرضهم وقراهم الأصلية (سواء أقاموا داخل فلسطين أو خارجها) هي 70.69% (أي خمسة ملايين و753 ألفاً و 731 شخصاً). ووفق تقديرات سنة 2002 ـ في ضوء الزيادة الطبيعية للفلسطينيين ـ يصبح المجموع الكلي للاجئين ستة ملايين و577 ألفاً و58 شخصاً.
ولابد من الإشارة إلى أن هناك نسبة ضئيلة من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة يقيمون في الخارج بقصد الدراسة والعمل ولديهم في الوقت نفسه هوية "مواطنة" تمكنهم من العودة والإقامة في الضفة أو القطاع، غير أن هذه النسبة لا تؤثر بشكل جدي على التقديرات المشار إليها أعلاه وربما لا تتجاوز 2 ـ 3 % من عدد الفلسطينيين.
وما يهمنا هنا هو إدراك حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيون عندما نعلم أن أكثر من ثلثيهم أجبروا على ترك مدنهم وقراهم الأصلية، وأن أكثر من نصفهم لا يعيشون ضمن الحدود الجغرافية لفلسطين.
وما يزيد حجم المأساة وآلامها أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي أقدم قضايا اللاجئين في التاريخ الحديث والتي واجهها المجتمع الدولي دون اكتراث حقيقي.
لقد اتخذت قرارات دولية بشأن لاجئي الحرب الأهلية مثلاً في تيمور الشرقية وغيرها، وجرى إلزام الأطراف المعنية بتنفيذها خلال سنة أو بضع سنوات. أما بشأن الفلسطينيين فقد مضى على تهجيرهم نحو (54) عاماً، وقد اتخذت الأمم المتحدة قرار (194) الذي يطالب الكيان الصهيوني "إسرائيل" بإعادة اللاجئين، وتم تأكيد هذا القرار منذ سنة 1949 أكثر من (110) مرات في الدورات المتعاقبة للأمم المتحدة وبشبه إجماع من المجتمع الدولي، وظلت الولايات المتحدة نفسها توافق على هذا القرار حتى سنة 1993 ( عندما حول الأمر إلى اتفاق أوسلو). ومع ذلك فإن الكيان الصهيوني رفض الانصياع لهذا القرار، لأن الولايات المتحدة والقوى الكبرى لم تكن لديها الجدية الكافية لإجبار الكيان الإسرائيلي على تنفيذه.
لقد عانى الفلسطينيون من أوضاع مأساوية نتيجة تشردهم عن أرضهم، فقد تمزق كيانهم الاجتماعي السياسي، وفقدوا مصادر رزقهم من أراضٍ كان يزرعونها، أو أعمال يقومون بها، أو بيوت يسكنونها، أو ثروات منقولة يملكونها.
ووجدوا أنفسهم فجأة في مخيمات للاجئين، يسكنون الخيام أو الكهوف والمغائر لا يجدون ما يسدون به أدنى متطلبات حياتهم اليومية سواء كان ذلك طعاماً أو علاجاً أو تعليماً أو عملاً كريماً، ودون خدمات مياه. ولا تزال مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن بل وفي الضفة والقطاع وأوضاعها المأساوية التي مضى عليها أكثر من خمسين عاماً شاهداً حياً على مدى الظلم التي تعرض له أبناء هذا الشعب ومدى تجاهل المجتمع الدولي لقضيتهم.
وقد أنشأت الأمم المتحدة وكالة لغوث اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" سنة 1950 لتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين، وقامت هذه الوكالة ـ ولا تزال ـ بتوفير جانب حاجات اللاجئين من تموين بالمواد الرئيسية للطعام ومن مدراس للتعليم وبعض الخدمات الصحية..
ويبلغ عدد الفلسطينيين المسجلين رسمياً لديها سنة (1999) نحو ثلاثة ملايين و 600 ألف لاجئ. ورغم أن اللاجئين يستفيدون من خدماتها إلا أنهم يتعاملون بحذر ورفض عنيف لأية محاولات تستهدف توطينهم في أماكن لجوئهم الحالي، ولا يرضون عن العودة إلى أرضهم في فلسطين بديلاً.
وتعاني وكالة الأونروا من مشاكل مزمنة في التمويل ومن عجز متواصل في ميزانيتها مما أدى إلى تناقص كبير في خدماتها، ومن أمثلة ذلك أنه منذ عام (1993) وحتى نهاية عام (1999) تقلصت خدمات الأونروا إلى المخيمات بنسبة (30 ـ 35%) حسبما ذكر وزير شؤون اللاجئين الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية أسعد عبد الرحمن.
ولأن الفلسطينيين شعب يتميز بالنشاط والقدرة على المبادرة، فقد أخذ اللاجئون يتكيفون مع ظروف حياتهم الصعبة، فأصبحت المخيمات مراكز عمل وطني وتعبئة سياسية ومعنوية، وكان أبناؤها روحاً أساسية في حركات المقاومة والتحرير، واهتم الفلسطينيون بالتعليم ودرس الكثيرون ليلاً في ضوء القمر أو على فتائل الكاز.. وبعد سنوات من المصابرة والكفاح أصبحت نسبة المتعلمين الفلسطينيين أفضل النسب في العالم العربي بل ومن أفضل النسب في العالم أجمع.
وبدأ اللاجئون يستبدلون بالخيام أبنية من الطين أو الطوب في نفس مواقعهم، غير أن السلطات ـ خصوصاً في لبنان ـ تمنعهم رسمياً من سقف بيوتهم المتواضعة بالإسمنت، ويكتفون لذلك بألواح الزينكو. وتفتقد المخيمات إلى الآن إلى أدنى مواصفات التنظيم البلدي وخدمات توصيل شبكات المياه والصرف الصحي.
ومن الطبيعي ـ في ظروف تمنع فيه السلطات المخيمات من التوسع والامتداد ـ أن يضطر الكثيرون للبحث عن العمل أو السكن خارج المخيمات أو الهجرة إلى بلدان الخليج العربي وأوروبا وأمريكا حيث تتوفر فرص العمل. وعلى ذلك فإن إحصاءات اللاجئين في المخيمات لا تعكس بالضرورة الأعداد الحقيقية للاجئين.
فنسبة المقيمين داخل المخيمات في الأردن وسوريا ولبنان لا تتجاوز بعد خمسين عاماً من اللجوء (سنة 1999) الـ 25% حسب إحصاءات الأونروا نفسها، بينما تسكن معظم الأعداد الأخرى في مدن وقرى هذه البلاد.
الفلسطينيون في دول الطوق
كما لاحظنا في الجدول السابق فإن أغلب فلسطينيي الخارج يقيمون في بلدان لها حدودها المباشرة بفلسطين، وخصوصاً الأردن وسوريا ولبنان، حيث يتشابه الفلسطينيون مع سكان هذه البلاد بشكل عام في خصائصهم السكانية والاجتماعية باعتبار أن الجميع ينتمون إلى ما يعرف جغرافياً وتاريخياً بلاد الشام.
وأن الحدود الحالية بينهم جاءت نتيجة المؤامرات الاستعمارية الدولية وخصوصاً اتفاقية سايكس بيكو 1916 بين بريطانيا وفرنسا. ويقيم في هذه البلدان الثلاثة نحو ثلاثة ملايين و 215 ألفاً و158 شخصاً أي نحو 76.1% من الفلسطينيين خارج فلسطين حسب إحصاءات 1998. وهذه النسبة العالية تعكس رغبة الفلسطينيين الكبرى في البقاء بجوار أرضهم التي حرموا بالقوة من العودة إليها، والسعي للعودة متى سنحت الظروف.
وفي الأردن نجد أن الفلسطينيين قد منحوا رسمياً الجنسية الأردنية وكافة حقوق المواطنة، من إقامة وعمل وشراء أراضٍ وبناء، وانتخاب وترشيح للبرلمان ومشاركة في الحكم وكان ذلك إثر توحيد الضفة الغربية مع الضفة الشرقية للأردن في دولة واحدة سنة 1950، تحت حكم الملك عبد الله بن الحسين.
وتسلَّم عدد من الفلسطينيين رئاسة الوزراء من أمثال سمير الرفاعي، وسليمان النابلسي، وطاهر المصري. غير أن علاقة النظام الحاكم مع الفلسطينيين أو من يمثلهم تعرضت إلى بعض المنعطفات كان من أبرزها إشكالية التمثيل الرسمي للفلسطينيين خصوصاً منذ إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، التي أصبحت رسمياً الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني حسب قرارات القمة العربية في الرباط سنة 1974، مما جعل هناك نوعاً من ازدواجية التمثيل.
وكان من الأحداث الجسام احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية في يونيو 1967، وخسارة الأردن من الناحية الفعلية سيادته وسيطرته عليها. وظل الأردن يَعُدُّ الضفة الغربية جزءاً من كيانه الجغرافي إلى أن أصدر الملك حسين بن طلال في صيف 1988 قراره بفك العلاقة مع الضفة الغربية، ليخلي الساحة لمنظمة التحرير لمحاولة تمثيلها، وكانت لا تزال عملياً تحت الاحتلال الصهيوني.
وقد أوجدت أحداث سبتمبر/أيلول 1970 شرخاً كبيراً بين الحكم الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، إذ إن المعارك الكبيرة التي اندلعت بين الطرفين أدت لقيام الجيش الأردني بسحق حركات المقاومة الفلسطينية وخسارتها لنفوذها في الأردن. وقد انعكس ذلك سلباً بشكل أو بآخر على طريقة تعامل النظام مع الفلسطينيين بشكل عام، حيث تقلص أثرهم في مؤسسات الحكم والدولة، رغم أن حقوقهم الدستورية بقيت كما هي من الناحية الرسمية. ويتحدث بعض المحللين أن تحسناً إيجابياً أخذ يظهر مؤخراً كان أحد معالمه تشكيل حكومة أبو الراغب في يونيو 2000، والتي شارك فيها عشر وزراء من أصول فلسطينية أي ثلث أعضاء الحكومة.
ولا توجد إحصاءات دقيقة في الأردن عن الفلسطينيين من حملة الجنسية الأردنية غير أن التقديرات تحوم حول معدل 60% من مجموع الشعب الأردني، وهو ما تؤيده مصادر أوروبية وأمريكية. غير أن طريقة توزيع الدوائر الانتخابية لا تسمح لهم مطلقاً بتشكيل أغلبية برلمانية، وفي انتخابات سنة 1997 كان عدد الفلسطينيين 13 نائباً من أصل 80 نائباً أي نحو 16.25%. وقد انتقدت مصادر أوروبية وأمريكية هذا الأمر، ودعت إلى انتخابات تعبر بشكل أفضل عن حقيقة التركيبة السكانية. ولكننا لا يمكن أن نسلم بحسن نوايا هذه المصادر، لأنها تريد أن يكون ذلك جزءاً من خطة التوطين، والوطن البديل للاجئين في الأردن، مع أننا في الوقت نفسه نؤمن أن الفلسطينيين والأردنيين شعب واحد وجسد واحد، وأن تحقيق العدالة للجميع حق طبيعي، ولا يعني التنازل عن الحقوق الأخرى.
وفي الأردن عشرة مخيمات للاجئين هي:
1 ـ الحسين
2 ـ البقعة
3 ـ الوحدات
4 ـ الطالبية
5 ـ الزرقاء
6 ـ ماركة (حطين)
7 ـ إربد
8 ـ الحصن (عزمي المفتي)
9 ـ جرش
10 ـ سوف
وأكبر هذه المخيمات هو مخيم البقعة يليه مخيم الوحدات، ولا تزيد نسبة من يقيمون داخل المخيمات عن 18.2% (أي 247816) من عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن المسجلين لدى الأونروا سنة 1999 والبالغ عددهم مليوناً واحداً و 612 ألفاً و 742 شخصاً، وتظهر الخريطة التالية مخيمات اللاجئين في الأردن:
ونتابع حالة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان