خبايا واسرار
خبايا واسرار
احداث شيقة جدا جدا
اكملي اختي بارك الله فيك انا معك متابعة
الأمل الأخير
الأمل الأخير
شكرا لك اختى على المتابعة
الأمل الأخير
الأمل الأخير
وبينما هو يمشي رأى مجموعة من الفتيات قادمات من مجمع الماء, يحملن على أكتافهن جرار الماء. وكانت بينهن مريم التي كانت تبدو كالقمر بين النجوم, ملامح وجهها الناعمة الجميلة, وبشرتها البيضاء التي تشبه بشرة أهل الشمال, عكس الفتيات الباقيات اللواتي كانت بشراتهن داكنة كأغلبية سكان أهل الجنوب, وبينما يتميز لون شعر أهل الجنوب بلون أشبه بلون التراب وكذلك أعينهم , كانت مريم بيضاء البشرة بشعر وعينين حالكي السواد, برموشها الكثيفة الطويلة وحواجبها المرسومة. نظرت الفتيات إليه وأخذن يهمسن ويضحكن, ورغم ضيقه من أسلوب القرويين هذا إلا أنه وجد متعة فائقة في مراقبة ضحكة مريم ونظراتها إليه. فسار بسعادة تجاههم وبينما هو يتخطاهم تجاه مجمع الماء ألتفت تجاه مريم التي ألتفتت إليه, وشعر بألم في معدته بينما صمتت هي وتابع كل منهما طريقه.
أستغرب من شعوره, كيف يشعر بسرور بينما والده قد غُدر به؟! إنه أمر غريب أن يختفي كل شيء في تلك اللحظات التي يرى فيها مريم.
أنضم للرجال وجلس بينهم وهم يناقشون أمور القرية, والتحدث عن هذا وذاك وتذكر كثير من حكايات الأجداد التي يُلاحظ المرء المبالغة الخيالية فيها. وأنضم نور إليه, وعند الظهيرة قرر العودة فقد شعر بتوعك بسيط. قال له نور:
- هل أذهب معك.
فقال سيف بتذمر:
- لستُ طفلاً يحتاج للرعاية.
عاد وذكريات الماضي والحقد داخله يكبر ويكبر وحين وصل للمنزل, تضايق لأنه لم يكن هناك في المنزل غير الأطفال. فأراد دخول غرفته حين جاءه مجموعة الأطفال وطلبوا منه أن يقص عليهم قصة وكاد أن يرفض بعنف, لولا أنه لاحظ في تلك اللحظة خروج مريم من أحد الغرف, وذهابها إلى والدتها التي تقف بقرب قدر كبير أسود على حجارة سوداء, وأخذت مكانها عند القدر لتذهب الأم وتصنع الخبز. شعر سيف بيد تسحب يده فالتفت فرأى وجه الطفل الصغير وأنفه السائل, قال الطفل:
- قصة.
رد سيف مبتسماً:
- حسناً.
وجلس على الأرض يروي قصة علي بابا والأربعين حرامي, بينما وقفت مريم تراقبه خفية لقد سمعت عنه من رسائل عمتها جوهرة, ولكنها شعرت بأن عمتها لا ترتاح له. ورغم أن عمتها لم تكف عن مديح نور, إلا أنها لم تكن تتحدث عن سيف إلا نادرا, وبطريق جعلت مريم تشعر أنها لا تميل إليه. وبعد لقاء مريم بالشقيقين لاحظت مقدار طيبة نور وشخصيته الرائعة, فقد تعلق به جميع من في القرية. أم سيف, ونظرت إليه كم هو وسيم ببشرته البيضاء التي لم تستطيع الشمس تسميرها, وعيناه العسليتان الرائعتي الجمال, وجسده الرياضي الطويل, وطريقة وقفته وسيره الأرستقراطي الذي يميزه, رغم اللباس البسيط الذي أستعاره من والدها, وكان يبدو كالعملاق الضخم مع الأطفال المحيطين به. لا بد أنه سيكون أباً رائعاً وعند هذا التفكير أحمرت وجنتيها خجلاً, وأختار سيف تلك اللحظة أن ينظر إليها وتقابلت عيناهما وأتسعت إبتسامة سيف أمام خجل مريم.
فكر سيف كم هي جميلة إنها مثلما تقول الأساطير أخذت من القمر إستدارته, ومن النجوم لمعانها,
ومن الأغصان رقتها, ومن الأوراق خفتها, ومن الشمس إشراقها, ومن العصافير زقزقتها, ومن المها عينيها.
شد الطفل ذراعه قائلاً:
- أكمل القصة عمي.
الأمل الأخير
الأمل الأخير
أبتسم سيف بحنان قائلاً:
- حسناً.
وأخذ يكمل القصة, ولكن قاطعه أحد الأطفال صائحاً وهو يقف محتجاً:
- ولكنها سفاحة.
أستغرب سيف, يبدو أن شيء ما قد فاته. وسأل:
- من ؟؟
- ياسمين.. لقد قتلت العصابة المسكينة.
رد سيف بتفهم وهو يضحك بحرج:
- ولكنهم لصوص.
رد الطفل بعناد:
- وعلى بابا أيضاً.
عندها قام سيف بدفع الصبي بعيداً عنه من دون أن تلاحظ مريم..
- أرحل .. هيا.
أخرج الطفل لسانه وهرب.
أغتاظ سيف قائلاً:
- طفلاً غبي..
ثم أستدار ينظر إلى مريم التي ضحكت وغطت طرف وجهها, فكر سيف وهو ينظر إليها ما أجمل أن تخالف المرأة مبادئها وفطرتها الرقيقة, وتقوم بقتل مجموعة رجال بغلي أدمغتهم بالزيت الحار من أجل الرجل الذي تحب. كم هو محظوظ على بابا.
وجلس سيف يكمل القصة لبقية الأطفال. حضر نور من الحقول في ذالك الوقت فوقف فاتحاً فمه من غرابة المنظر أمامه, سيف المتعالي جالساً على الأرض في وسط مجموعة من الأطفال, وأي أطفال صغار حافين الأقدام , ملابسهم قذرة بعض الشيء , ووجوههم مغبرة , وبعضهم بأنوف سائلة . وهو يلاطف الجميع, ويحكي لهم قصة. بل حصل ما هو أغرب قامت طفلة بالوقوف بجواره ورآها نور وهي تقوم بوضع يدها القذرة فوق كتف سيف, أغمض نور عينيه متوقعاً ردة فعل سيف, ولم لم يحصل شيء فتح عينيه وفوجئ بسيف وقد وضع الطفلة في حجره وتابع القصة. نظر نور بذهول تجاه الجندي جاويد الذي حضر معه, ليراه فاتحاً فمه من شدة الذهول.
أقترب نور من سيف فأنتبه له الأخير وأبعد الأطفال بحرج ووقف محتجاً..
- من الأفضل أن أذهب معك إلى الحقول بدلاً أن أصاب بالجنون في المنزل. أعتقد أني بدأت بالتحول لربة منزل لطيفة.
ضحك نور قائلاً:
- من اللطيف رؤية ذلك.
أغتاظ سيف وترك شقيقه وأتجه نحو غرفتهما, وفي الطريق ألقى نظرة إلى مريم التي إبتسمت على إستحياء فشعر بقلبه يذوب في مكانه, ولكنه تماسك ودخل غرفته.
ومنذ ذلك اليوم وحفاظاً على قواه العقلية تنازل الأمير سيف الدين عن تعاليه وصار يذهب مع شقيقه للعمل في الحقول. وكم كان منظره ملفتاً للإنتباه فقد ظهر واضحاً للعيان أنه ليس في مكانه الصحيح, وأن المكان الطبيعي له هو القصر عوضاً عن وقوفه في وسط الحقول, وإنحناءه نصف إنحناء تجاه الأرض وهو يقوم بحراثتها.
ولكنه تأقلم مع العمل الشاق سريعاً, وساعده بذلك طبيعة جسده القوية والرياضية وكذلك تعاليه الذي يأبى إلا أن يكون الأفضل, وأستعادت ذراعه قوتها بعد فتح الجبيرة, بينما كان العمل الشاق في الحقول يقوي عضلات جسده بالكامل.
بينما مع الأيام زاد تعلقه بمريم ورغم عدم محادثته لها, إلا أنهما كان يتبادلان النظرات المختلسة لبعضهما.
الأمل الأخير
الأمل الأخير
وذات يوم خرج سيف لإحضار الحطب من أجل التدفئة للمساء الذي يصبح بارداً جداً في هذه الأماكن النائية بينما تشتد الحرارة في النهار.
وكانت القرية تقع على أرض مرتفعة تنخفض تجاه الجنوب الغربي, بينما تنتهي عند الشمال بهاوية بسيطة. وتقع البيوت في أرض متوسطة بين الغابة الجافة التي تقع في أعلى منطقة, وبين الحقول التي تنخفض حتى تصل لأرض مستوية في الجنوب والغرب من القرية, وبجوار الغابة يمر الطريق الذاهب إلى الحقول ومجمع الماء. وبينما سيف في تلك الغابة على أطراف الطريق يقطع الأغصان الجافة ويجمعها, رأى مريم تمر على الطريق مع شقيقها الصغير ذاهبة إلى مجمع الماء حيث يصدر من هناك ضحكات الفتيات.
وقف سيف يراقبها, وسارت هي بهدوء دون أن تلتفت إليه ولكنه شعر أنها رأته وأنها تعرف أنه يراقبها, ولكنها تقدمت دون أن تلتفت إليه وترك هو ما في يده وبدأ بالسير محاذاة لها على الطريق المرتفع, شاهد الإبتسامة تتوسع على شفتيها فبدأ قلبه يرقص في مكانه, أفلت شقيق مريم يده من يد شقيقته وركض ضاحكاً تجاه أصوات الفتيات, ضحكت مريم وركضت هي أيضاً تجاه شقيقها وركض هو ملاحقاً لخطواتها وقفزت الدنيا فرحاً وسروراً في قلبه وهو يركض ضاحكاً, وفجأة ظهرت إحدى الأشجار في وجهه دون أن يتمكن من تجاوزها, فصدم برأسه في الشجرة وسقط على ظهره.
نظر إلى السماء وتساءل لم لا تنشق الأرض حين يرجى منها ذلك, وسمع خطوات مريم المهرولة توقفت عند رأسه ونظرت إليه برعب, ولكنها حين لاحظت أنه بخير ضحكت وهربت.
كم أصبح أحمقاً عليه أن يتوقف عن هذه الحماقات, ولكن من يستطيع التحكم في قلبه وخاصة عندما يكون غارقاً في الحب.
توقف مذهولاً . حب, كلا إنه لا يحب أحداً وخاصة فتاة قروية, حين يتزوج سيتزوج من أميرة. ورغم أن مريم من عائلة نبيلة وكانت عائلتها من العائلات التي قاتلت الإنجليز ولم تعاهدهم وأستطاعت الإحتفاظ بهذه القرية, رغم أنهم دفعوا في سبيل ذلك الكثير من رجالهم, بل أن عائلة مريم تعتبر شبه منقرضة ولا يتعدى عدد الرجال البالغين فيها العشرين رجلاً.
فكر إنهم بعكس عائلته التي عاهدت الإنجليز ولم يتبقى منهم غيره وشقيقيه. أحس بالألم يعتصر قلبه وأحس بالعار, لقد كان مع التعاهد ولكنه أمام هؤلاء البسطاء وأمام فجيعته عرف بأنهم لم يكونوا على حق, لقد كان نور دائما محقاً برأيه تجاه هؤلاء الأجانب. ولكنه كان مخطئاً تجاه مهتاب, وشعر بالحنين تجاه مهتاب لقد نسي أمره في تفكيره بأبيه. رغم أنه شعر وهو في القصر أنه يحبه أكثر من والده, وتمنى أن يكون مهتاب قد نجا ووجد طريقة للفرار والنجاة.
بعد يومين بينما كان يشرب الماء من الزير الذي في المنزل, مرت مريم بجانبه وقالت دون أن ينتبه لها أحد:
- قابلني في الغابة.
قفز قلبه فرحاً وذهب للحقول مع شقيقه وأنتظر قليلاً ثم أستأذن من شقيقه وأدّعى التوعك والرغبة في الرحيل. سأله نور بقلق:
- هل تشعر بألم في ذراعك.
- أطمئن ذراعي شفيت تقريباً ولكني سأرتاح قليلاً وأعود.
- إذا شعرت أنك على غير ما يرام أرسل لي أحد الصبية وسأعود فوراً.
قال سيف بحرج:
- كلا لا داعي. ربما سأرتاح في السقيفة.
- حسناً, ولكني ما زلت على رأيّ إذا شعرت بأي ألم أرسل لي أحدهم.
قال سيف بسرعة:
- حسناً حسناً.
وأسرع تجاه الغابة وبعد أن بحث قليلاً وجد مريم خلف أحد الأشجار الضخمة الجافة, أقترب منها وشعر بحمرة الخجل تورد وجهها نفخ صدره وتقدم منها..
- مرحباً.
ردت بخجل:
- مرحباً.
قال سيف:
- كيف حالك.
- بخير وأنت.
قال بإبتسامة:
- أنا بخير.
نظرت إليه ثم أرخت رأسها..
- كيف حال رأسك اليوم.
ضحك وقال:
- لا تذكريني لقد شعرت بالعار.
ضحكت هي أيضاً:
- لا داعي لذلك لم أخبر أحد.
قال بهدوء وهو ينظر إليها:
- لا يهمني أحد سواك.
نظرت إليه بعينيها الواسعتين وشعر بها تتعمق داخله, وقفا هكذا فترة قبل أن تقول:
- يجب أن أرحل. والدتي تنتظر الماء.
شعر كأن روحه ستغادره فقال:
- ألا تستطيعين البقاء قليلاً.
- كلا أمي سترسل بعد قليل أحد إخوتي للبحث عني.
فقال برجاء:
- هل نلتقي غداً.
نظرت إليه بتردد مالذي تفعله هنا, إذا ما أكتشف أحد ما تفعله سيحكم على عائلتها بالعار, وهذا ظلم في حق العائلة التي ناضلت سنوات طويلة من أجل كرامتها وشرفها, ودفعت في سبيل ذلك الكثير من دمها. لقد كانت حماقة كبيرة منها التواعد معه اليوم.
- لا أستطيع .
شعر سيف بألم في قلبه وكأنه مسجون حُكم عليه بالإعدام, وتوسل من أجل الرحمة:
- أرجوكي.
تركته دون أن ترد وبعد عدة خطوات كانت بمثابة سيوف تمزق قلبيهما, توقفت وأستدارت تنظر إليه, قد تكون مجنونة وقد تكون مجرمة في حق عائلتها لكنها لا تستطيع أن تقاوم ما يدفعها بجنون إليه منذ تلك اللحظة التي رأته فوق الحمار..
- غداً في نفس هذا الوقت.
ورحلت مسرعة وهو يشعر كأنما روحه رُدت إليه, ما أن أبتعدت حتى قفز فرحاً وأنطلق بسعادة تجاه شقيقه, الذي باتت محاولاته لكي يعرف مالأمر الذي يجعل عيني شقيقه تبرقان فرحاً بالفشل. وهكذا أستمرا باللقاء يومياً وأزداد قربهما من بعض.