الواحه النديه
الله يرحمهم ويغفر لهم ويتقبلهم في الشهداء
ويصبر اهلهم ويفرج كرب المسلمين في كل مكان
الفراشة الزهرية
آيات الأخرس.. عروس بفستان الشهادة

امتزجت الزغاريد بالبكاء؛ فاليوم عرسها، وإن لم تلبس الفستان الأبيض وتُزف إلى عريسها الذي انتظر يوم

زفافه ما يزيد على عام ونصف!! وارتدت بدلا منه بدلة الجندية والكوفية الفلسطينية، وتزينت بدمها الأحمر الحر

لتحوله إلى عرس فلسطيني يدخل البهجة والفرح على قلب أم كل شهيد وجريح.

ففي شهر يوليو القادم كان المتوقع أن تقيم آيات محمد الأخرس حفل زفافها كأي فتاة في العالم، ولكنها أبت

إلا أن تُزف ببدلة الدم التي لا يُزف بها إلا مثلها؛ لتصنع مجد شعبها الفلسطيني بنجاحها في قتل وإصابة عشرات

المحتلين الصهاينة في عملية بطولية ناجحة نفذتها فتاة في قلب الكيان الصهيوني.

عرس لا عزاء

وفي بيت متواضع في مخيم الدهيشة أقيم عزاء الشهيدة آيات الأخرس، اعتقدت أن أسمع صوت العويل والصراخ

على العروس التي لم تكتمل فرحتها، ولكني فوجئت بصوت الزغاريد والغناء تطرب له الآذان على بُعد أمتار من

المنزل، ووالدة الشهيدة الصابرة المحتسبة تستقبل المهنئات لها، وبصعوبة استطعت أن أفوز بالحديث معها لتصف

لي صباح آخر يوم خرجت فيه "آيات" من المنزل، فقالت: "استيقظت آيات مبكرة على غير عادتها، وإن لم تكن

عينها قد عرفت النوم في هذه الليلة، وصلّت صلاة الصبح، وجلست تقرأ ما تيسر لها من كتاب الله، وارتدت

ملابسها المدرسية، وأخبرتني أنها ذاهبة للمدرسة لتحضر ما فاتها من دروس، فاستوقفتها؛ فاليوم الجمعة عطلة

رسمية في جميع مدارس الوطن! ولكنها أخبرتني أنه أهم أيام حياتها، فدعوت الله أن يوفقها ويرضى عنها".

وتكمل الأم: وما كدت أكمل هذه الجملة حتى لاحظت بريق عينيها وكأني دفعت بها الأمل، ووهبتها النجاح في

هذه الكلمات، فنظرت إليّ بابتسامتها المشرقة، وقالت: هذا كل ما أريده منك يا أمي، وخرجت مسرعة

تصاحبها شقيقتها سماح إلى المدرسة.

العلم لآخر رمق

الشهيدة "الأخرس" من مواليد 20-2-1985، طالبة في الصف الثالث الثانوي، والرابعة بين أخواتها السبع

وإخوانها الثلاثة، عُرفت بتفوقها الدراسي؛ حيث حصلت على تقدير امتياز في الفصل الأول لهذا العام، ورغم

معرفتها بموعد استشهادها فإنها واصلت مذاكرة دروسها، وقضت طوال ساعات آخر ليلة تذاكر دروسها،

وذهبت إلى مدرستها لتحضر آخر درس تعليمي لتؤكد لزميلاتها أهمية العلم الذي أوصتهم به.

وحول ذلك تؤكد زميلتها في مقعد الدراسة "هيفاء" أنها أوصتها وزميلاتها بضرورة الاهتمام بالدراسة،

والحرص على إكمال مشوارهن التعليمي مهما ألمَّ بهن من ظروف وأخطار.

وتضيف هيفاء -التي ما زالت ترفض أن تصدق خبر استشهاد آيات-: منذ أسبوع تحتفظ آيات بكافة صور

الشهداء في مقعدها الدراسي الذي كتبت عليه العديد من الشعارات التي تبين فضل الشهادة والشهداء، ولكن لم يدُر

بخلدي أنها تنوي أن تلحق بهم؛ فهي حريصة على تجميع صور الشهداء منذ مطلع الانتفاضة، وهي أشد حرصا

على أن تحصد أعلى الدرجات في المدرسة.

وداع سماح

وتستطرد والدة الأخرس بعد أن سقطت دمعة من عينها أبت إلا السقوط: وعادت شقيقتها سماح مع تمام الساعة

العاشرة بدونها؛ فخفت وبدأت دقات قلبي تتصارع؛ فالأوضاع الأمنية صعبة جدا، والمخيم يمكن أن يتعرض

للاقتحام في أي لحظة، وغرقت في هاجس الخوف ووابل الأسئلة التي لا تنتهي أين ذهبت؟ وهل يعقل أن تكون

قد نفذت ما تحلم به من الاستشهاد؟ ولكن كيف؟ وخطيبها؟ وملابس الفرح التي أعدتها؟ وأحلامها؟...

وبينما الأم في صراعها بين صوت عقلها الذي ينفي، ودقات قلبها التي تؤكد قيامها بعملية استشهادية، وإذ

بوسائل الإعلام تعلن عن تنفيذ عملية استشهادية في نتانيا، وأن منفذها فتاة، وتضيف الأم وقد اختنقت عبراتها

بدموعها: فأيقنت أن آيات ذهبت ولن تعود، وأصبحت عروس فلسطين؛ فقد كانت مصممة على أن تنتقم لكل

من "عيسى فرح" و"سائد عيد" اللذين استشهدا إثر قصف صاروخي لمنزلهما المجاور لنا.

صناعة الموت

ويشار إلى أن الشهيدة الأخرس كانت حريصة على أن تحتفظ بكافة أسماء وصور الشهداء، وخاصة

الاستشهاديين الذين كانت تحلم بأن تصبح مثلهم، ولكن طبيعتها الأنثوية كانت أكبر عائق أمامها، فقضت أيامها

شاردة الذهن غارقة في أحلام الشهادة حتى نجحت الشهيدة وفاء إدريس بتنفيذ أول عملية استشهادية تنفذها

فتاة فلسطينية، وزادت رغبتها في تعقب خطاهم، وحطمت كافة القيود الأمنية، واستطاعت أن تصل إلى قادة

العمل العسكري، ليتم تجنيدها في كتائب شهداء الأقصى رغم رفضها السابق اتباع أي تنظيم سياسي أو

المشاركة في الأنشطة الطلابية.

وأكدت والدة الأخرس أنها كانت تجاهد نفسها لتغطي حقيقة رغبتها بالشهادة التي لا تكف الحديث عنها،

وقولها: "ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا، وننتقم لأنفسنا قبل

أن نموت".

حبات الشوكولاته

أما شقيقتها سماح -طالبة الصف العاشر، وصديقتها المقربة، وحافظة سرها-، فقد فقدت وعيها فور سماعها

نبأ استشهاد شقيقتها آيات رغم علمها المسبق بنيتها تنفيذ عمليتها البطولية، وتصف لنا لحظات وداعها الأخير لها

فتقول بصوت مخنوق بدموعها الحبيسة: رأيت النور يتلألأ في وجهها ويتهلل فرحا لم أعهده من قبل، وهي

تعطيني بعض حبات الشوكولاته، وتقول لي بصوت حنون: صلي واسألي الله لي التوفيق. وقبل أن أسألها:

على ماذا؟ قالت لي: اليوم ستبشرين بأحلى بشارة؛ فاليوم أحلى أيام عمري حيث انتظرته طويلا، هل تودين أن

أسلم لك على أحد؟ فرددت عليها باستهزاء: سلمي لي على الشهيد محمود والشهيد سائد؛ لأني على يقين أنها لن

تجرؤ على تنفيذ عملية بطولية، فحلم الاستشهاد يراود كل فتاة وشاب، وقليل جدا من ينجح منهم. ثم سلمت عليّ

سلاما حارا وغادرتني بسرعة لتذهب إلى فصلها.

وسكتت سماح برهة لتمسح دموعها التي أبت إلا أن تشاطرها أحزانها، وتابعت تقول: شعرت أن نظراتها غير

طبيعية، وكأنها تودع كل ما حولها، لكني كنت أكذب أحاسيسي، فأي جرأة ستمتلكها لكي تنفذ عملية

استشهادية؟ ومن سيجندها، وهي ترفض الانضمام إلى منظمة الشبيبة الطلابية؟ ولكنها سرعان ما استدركت

قائلة: هنيئا لها الشهادة؛ فهي تستحقها لجرأتها، وأعاهدها أن أمشي على طريق الشهادة؛ فجميعنا مشروع

شهادة.

عروستي لغيري

أما "شادي أبو لبن" زوج آيات المنتظر، فقبل ساعات قليلة من استشهادها كانا يحلقان معا في فضاء أحلام

حياتهما الزوجية وبيت الزوجية الذي لم ينتهيا بعد من وضع اللمسات الأخيرة له قبل أن يضمهما معا في شهر

يوليو القادم بعد انتهائها من تقديم امتحانات الثانوية العامة، وكاد صبرهما الذي مرّ عليه أكثر من عام ونصف أن

ينفد، وحلما بالمولود البكر الذي اتفقا على تسميته "عدي" بعد مناقشات عديدة، وكيف سيربيانه ليصبح بطلا

يحرر الأقصى من قيد الاحتلال.

ولكن فجأة وبدون مقدمات سقط شادي من فضاء حلمه على كابوس الاحتلال؛ ففتاة أحلامه زُفَّت إلى غيره،

وأصبحت عروس فلسطين، بعدما فجرت نفسها في قلب الكيان الصهيوني.

وما كدت أسأل شادي عن خطيبته آيات التي أحبها بعد أن عرفها لعلاقته بإخوتها، وطرق باب أهلها طالبا

يدها أول سبتمبر من العام 2000 حتى سقطت دمعة عينيه الحبيسة، وقال بعبرات امتزجت بالدموع: "خططنا أن

يتم الفرح بعد إنهائها لامتحانات الثانوية العامة هذا العام، لكن يبدو أن الله تعالى خطط لنا شيئا آخر، لعلنا

نلتقي في الجنة، كما كتبت لي في رسالتها الأخيرة".

وصمت شادي قليلا ليشخص بصره في "آيات" التي ما زال طيفها ماثلا أمامه ليكمل: "كانت أحب إليّ من

نفسي، عرفتها قوية الشخصية، شديدة العزيمة، ذكية، تعشق الوطن، محبة للحياة، تحلم بالأمان لأطفالها؛ لذلك

كان كثيرا ما يقلقها العدوان الصهيوني". وأردف قائلا: "كلما حلمت بالمستقبل قطع حلمها الاستشهاد؛

فتسرقني من أحلام الزوجية إلى التحليق في العمليات الاستشهادية، وصور القتلى من العدو ودمائنا التي ستنزف

بها معا إلى الجنة؛ فنتواعد بتنفيذها معا".

واستطرد شادي -وقد أشرقت ابتسامة على وجهه المفعم بالحزن-، فقال: "لقد كانت في زيارتي الأخيرة أكثر

إلحاحا علي بأن أبقى بجوارها، وكلما هممت بالمغادرة كانت تطلب مني أن أبقى وألا أذهب، وكأنها

تودعني، أو بالأحرى تريد لعيني أن تكتحل للمرة الأخيرة بنظراتها المشبعة بالحب لتبقى آخر عهدي بها". ورغم

أن شادي حاول جاهدا أن يظهر الصبر والجلد على فراق آيات، ليبوح لنا بأمنيته الغالية: "كنت أتمنى أن

أرافقها بطولتها، ونُستشهد معا.. فهنيئا لها الشهادة، وأسأل الله أن يلحقني بها قريبا.. قريبا..!!".

وستبقى عروس فلسطين آيات الأخرس مثلا وقدوة لكل فتاة وشاب فلسطيني ينقب عن الأمن بين ركام مذابح

المجرم شارون ويدفع دمه ومستقبله ثمنا لهذا الأمن.
*ريناس*
*ريناس*
الله يرحمهم ويتقبلهم شهداء بأذن الله في جنات النعيم

والله ينصر الاسلام والمسلمين ويرد كيد الاعداء وينصر اخونناا في فلسطين
الفراشة الزهرية
الاستشهادية هبة دراغمة


ودعت أسرتها في طريقها لللشهادة الجامعية فحصلت على شهادةٍ خير منها


بدت أسرة الشابة الفلسطينية هبة عازم سعيد دراغمة 19 عاما من بلدة طوباس في حالة من الذهول بعدما شاع نبأ وقوفها خلف العملية الاستشهادية في العفولة لأنها غادرت المنزل في ساعات الظهر قاصدة مكاتب جامعة القدس المفتوحة في طوباس حيث تلتحق بقسم اللغة الانجليزية.
ويقول أفراد أسرتها إنهم التقوا بالباحث علي دراغمة من منظمة بتسيلم الناشطة في مجال حقوق الإنسان في الشارع حيث بادر بسؤالهم عن المعلومة بتنفيذ ابنته العملية الأخيرة فنفوا ذلك وقالوا إنها بالبيت وكان والدها غير مصدق وتوجها معا للبيت فلم يعثروا عليها فتوقع والدها أن تكون عند إحدى شقيقاتها الثلاثة المتزوجات أو في الجامعة ولكن أعمال البحث باءت بالفشل.
الوالدة لم تتمكن من احتمال الوقوف والانتظار وتسمرت أمام التلفاز حتى أتى الخبر اليقين بعدما شاع نبأ آخر أن منفذة العلمية فتاة أخرى من البلد تدعى هبة من نفس العائلة تدرس في جامعة النجاح الوطنية.
وإلى جانب الشقيقات الثلاثة للاستشهادية فإن لديها 4 أشقاء أحدهم بكر دراغمة- 20 عاماً- وهو طالب في الثانوية الصناعية بنابلس ومعتقل في سجون الاحتلال وتوجه لهم تهم خطيرة قد يصل الحكم فيها إلى المؤبد.
ويؤكد أقارب الشهيدة أنها نسقت مع سرايا القدس وانطلقت ونفذت العملية من خلال نشطاء حركة الجهاد الإسلامي الذين تبنوا العملية في بيان رسمي .
وفي أعقاب العملية اعتقلت سلطات الاحتلال والدي الاستشهادية في محاولة لتحقق من معرفتهم المسبقة بنية هبة القيام بتك العملية.
واستقطبت البلدة ومنزل الاستشهادية عشرات الصحفيين الذين بحثوا عن كل ما له علاقة بالشهيدة من أفراد الأسرة والصديقات والمدرسة.
وساد الذهول أيضا في أروقة جامعة القدس المفتوحة في طوباس حيث أشار خالد دويكات مدير فرع الجامعة أن الشهيدة أنهت فقط فصلاً دراسياً واحداً بواقع 16 ساعة دراسية وأن الجسم الطلابي نعى الشهيدة عبر مكبرات الصوت واليافطات التي علقت على الجدران.
وكانت دراغمة قد فجرت نفسها على المدخل الشرقي لمجمع" همعكيم" التجاري في مدينة العفولة شمال جنين مما أدى إلى مصرع ثلاثة صهاينة و إصابة 20 آخرين وصفت جراح أربعة من الجرحى بأنها خطيرة. وحسب المصادر الأمنية "الإسرائيلية" فقد اشتبه حارس المجمع بالفتاة ومنعها من الدخول إلى السوق الأمر الذي أدى إلى تفجير نفسها محدثة دوياً هائلاً وتبين أنها كانت تحمل عبوة زنت 5 كيلو غرام.
وقالت علقت "ميساء الطوباسي" جارة الاستشهادية إن الشهيدة هبة حققت حلم شقيقها الذي كان ينوي تنفيذ عملية استشهادية وتم اعتقاله.وأوضحت ميساء أن قوات الاحتلال اعتقلت "بكر" شقيق الاستشهادية هبة قبل عام ونصف تقريباً خلال محاولته القيام بعملية استشهادية في "إسرائيل"، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يحكم على بكر بالمؤبد.
وتصف ميساء حالة أهالي قرية طوباس بالضفة الغربية بعد وصول نبأ قيام هبة بعملية استشهادية إليهم، قائلة: "الذهول والاستغراب خيم على القرية بأكملها عندما علموا بنبأ قيام هبة بعملية استشهادية، فلم يكن أحد من أهل القرية يتوقع أن تنفذ هبة التي عرفها المقربون منها بالوداعة والهدوء، عملية استشهادية".
كما تشير إلى أن أفراد أسرة هبة لم يصدقوا نبأ وقوفها خلف العملية الاستشهادية في العفولة؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن هبة غادرت المنزل في ساعات الظهر قاصدة جامعة القدس المفتوحة في طوباس حيث تلتحق بقسم اللغة الإنجليزية.
وتصف ميساء حال والد هبة بعد وصول نبأ قيام ابنته بعملية استشهادية، قائلة: "عندما سمع والد هبة من الناس في الشارع عن تنفيذ ابنته لعملية استشهادية، ذهب مسرعاً لمنزله، فلم يجدها هناك، وبعدها ذهب لمنازل شقيقاتها الثلاث المتزوجات، فلم تكن هناك أيضا، فأيقن صحة الأنباء التي يتناقلها أهالي القرية".
ولم تكن الشهيدة دراغمة الفتاة الفلسطينية الأولى التي تنفذ عمليات استشهادية فقد سبقتها الاستشهادية الأولى وفاء إدريس من مخيم الأمعري برام الله التي نفذت العملية في مدينة القدس في مطلع العام 2002 ثم كانت دارين أبو عيشة من بلدة بيت وزن قضاء نابلس حيث فجرت نفسها في حاجز عسكري بين رام الله والقدس في شباط 2002 و آيات الأخرس من مدينة بيت لحم حيث نفذت العملية الاستشهادية في آذار 2002 في القدس الغربية إضافة إلى الشهيدة عندليب طقاطقة من مدينة بيت لحم وفجرت نفسها في مدينة القدس بشهر نيسان العام 2002.
الفراشة الزهرية
الاستشهادية عندليب طقاطقة
التي صمّمت على الثأر لدماء إيمان حجّو و شهداء مجزرة جنين


في الساعة السادسة و النصف من صباح يوم الجمعة 12/4/2002 ، استيقظت عندليب طقاقطة - 21 عاماً - من بلدة بيت فجار التي تقع على تلال تتوسط محافظتي بيت لحم و الخليل ، و كان كل من في البيت نائماً ، بعد سهر ليلة طويلة من ليالي شهر نيسان 2002 الذي شن فيه مجرم الحرب شارون أوسع عملية ضد الشعب الفلسطيني و عرفت إعلامياً باسم السور الواقي.

و كانت بلدة بيت فجار مطوّقة مثل باقي القرى و البلدات ، في مثل هذه الأجواء استيقظت عندليب و صنعت شاياً و قدّمت كأساً منه إلى شقيقها أحمد الذي بدأ يتململ في فراشه .

يستذكر أحمد تلك اللحظات الثمينة : "كان كل شيء عادياً ، جلبت لي عندليب الشاي و خرجت إلى باحة البيت لتشرب هي أيضاً كأس شاي" ، و منذ تلك اللحظات لم يرَ أحمد شقيقته ، التي خرجت من البيت ، و اعتقد الأهل أنها ربما تكون في زيارة لإحدى شقيقاتها المتزوجات في القرية أو في منزل أحد الجيران و الأقارب ، و لم يخالجهم خوف عليها رغم تقدّم النهار و عدم عودتها ، و حتى عندما تواردت الأنباء عن هجوم استشهادي في القدس الغربية ، لم يخطر ببال أيّ من في البيت أن عندليب التي لم تكن تبدي اهتماماً استثنائياً بالسياسة ، يمكن أن تكون هي نفسها بطلة ذلك الهجوم الذي شكّل صفعة قوية و مدوية للجنرال شارون الذي يحاصر المدن الفلسطينية و يتركب جنوده الجرائم في جنين و نابلس و بيت لحم و رام الله و يحاصرون كنيسة المهد ...

و في ساعات الليل كانت مخابرات الاحتلال و جنوده تقتحم منزل العائلة المتواضع الذي خرجت منه عندليب صباحاً دون أن تترك أي إشارة لعزمها على تنفيذ عملية استشهادية ، و تأكّد في تلك الليلة الصعبة أن عندليب الهادئة الوادعة صاحبة القلب الكبير كانت قرّرت و نفّذت .

و منذ ذلك اليوم اعتقلت سلطات الاحتلال العديد من أقرباء و أشقاء عندليب و تم هدم منزل العائلة في بلدة بيت فجار ، و لكن اللافت أنها بقيت هي محور سكان ذلك المنزل ، الذين لا يكادون يتحدثون عنها ، سواء كانوا صغاراً أو كباراً ، و يحتفظ كل منهم بأيّ مشهد أو كلمة أو حوار أو أي قطعة ملابس تذكّره برائحة الراحلة الغالية ..

عبير .. أقرب شقيقات عندليب إليها تقول : "كانت شخصية عندليب قوية ، و تمّتعت بعلاقات طيبة و واسعة مع الأقارب و الجيران ، و في الأيام التي سبقت استشهاد عندليب ولدت طفلة و تم وضعها في المستشفى في قسم الأطفال عدم كاملي النمو ، و فجأة بدأت عندليب تلحّ علينا بأن نجلب الطفلة ، و قلنا لها إن الطفلة سيتم إخراجها من الحضانة يوم السبت فكانت تجيب لا يوجد وقت للسبت و لم نكن نعرف عن ماذا تتحدث ، و أنها ستنفّذ عمليتها يوم الجمعة ، و ذهبت هي و أمي رغم الحواجز و الحصار ، و جلبت الطفلة و في الطريق قالت لأمي : نريد أن نلعب بأعصاب عبير ، ما رأيك لو قلنا لها إن جيش الاحتلال قتل الطفلة برصاصة ، و عندما وصلت البلدة حاولت أن تلعب بأعصابي ، و أصبح كل ذلك الآن من الذكريات المحببة إلى نفسي" ..

و تستدرك عبير : "كان ذلك يوم الخميس قبل يوم من استشهادها ، و أصّرت عندليب على حمل الطفلة طوال الطريق من الخليل إلى بلدتنا" ، و عندما استشهدت عندليب بعد يومين من جلب الطفلة التي كان اسمها إيمان ، غيّرت عبير اسم طفلتها لتصبح عندليب ، و تتذكّر عبير : "قالت لي عندليب قبل استشهادها لماذا لا تغيّرين اسم ابنتك و تسمّيها عندليب و لم أكن أعرف حينها بأن عندليب تودّعنا" .. و تضيف : "قلت لها اسم إيمان جميل ، و لكنها قالت لي (و اسم عندليب أجمل) ، سمّها عندليب أحسن" ! ..

و أصبحت عبير الآن أم عندليب ، التي تقوم بدور الأم و الأب لطفلتها بعد اعتقال زوجها و الحكم عليه بخمس سنوات بتهمة مقاومة الاحتلال ، و تم إلقاء القبض عليه بعد فترة قصيرة من استشهاد عندليب ..

و بعد استشهادها تركت عندليب مفاجأة لشقيقتها عبير ، حيث اكتشف الأهل أنها وضعت هدية للطفلة الجديدة في خزانتها و هي عبارة عن طقم للصغيرة و آية الكرسي و بنطلوناً لعبير مع بطاقة تحمل تمنياتها للصغيرة بالعيش في وطن حرّ ..
الكل في البيت و الحارة يتحدّث عن مرح عندليب ، و يعود شقيقها أحمد ليكمل ما حدث يوم استشهادها : "عندما خرجت عندليب صباحاً ، استشعرنا غيابها و جاء الظهر ثم المغرب و أيقنّا أنها تأخّرت و أنها غابت لسبب قاهر ، و في منتصف الليل ، داهمت المنزل قوة احتلالية كبيرة و تم اعتقال العديد منا و أرونا صورة لعندليب و هي ملقى على الأرض و شعرها منفوش ، فأيقنا بأن شقيقتنا التي خرجت صباحاً و أثارت قلقنا بغيابها ، هي التي انتقمت لشلال الدماء النازف من شعبنا" ..

و تقول شقيقة أخرى لها : "أعتقد أن أكثر ما أثّر في شخصية شقيقتي هو مقتل الطفلة إيمان حجّو ، لقد لاحظت عليها تأثرها الشديد و بدأت تتابع نشرات الأخبار و ربما كان الأمر الذي حسم خيارها هو ما حدث من مجازر في مخيم جنين ، كان العالم و العرب يتفرّجون ، و كان لا بد من رد ، فتقدّمت عندليب التي عابت في وصيتها المسجلة تخاذل الحكام العرب" ..

و بعد استشهادها تبيّن أنها عملت مع مجموعة مروان زلوم القائد في كتائب شهداء الأقصى في الخليل و الذي اغتالته سلطات الاحتلال بعد فترة من استشهاد عندليب ، و تم اعتقال عددٍ من أبناء بلدة بيت فجار مثل حمزة عمر شمارخة - 23 عاماً – و الذي حكم بستة مؤدبات و أمجد كامل طقاطقة - 25 عاماً – و الذي لم يحكم بعد ، لعلاقة الاثنين المفترضة بعملية عندليب ..

و تقول عبير التي مثل غيرها ، تتحدث و كأن عندليب حاضرة أو أنها ذهبت في مشوار و ستعود حالاً : "قبل أيام من استشهادها ، طلبت مني عندليب أن أصنع لها حلوى محلية ، و بقي بعض من مواد هذه الحلوى لم أصنعه ، و أحتفظ به حتى الآن كذكرى" ..

ومثل عبير يحتفظ أقارب و أصدقاء عندليب بأشياء تخصّ عبير تذكّرهم برائحتها العطرة مثل نظارتها ، قميص ، صور ، عقود و حاجيات أخرى .. و بتاريخ 27/7/2002 وصل رفات عندليب إلى البلدة و تم مواراته بإجلال في مقبرة البلدة ، و عندما خرجت من منزل العائلة قصدت المقبرة البعيدة نسبياً ، قرأت الفاتحة على روح عندليب و لم أستطع أن أمنع دمعتين انفلتتا من عيني على من جعلوا حياتنا ، باستشهادهم ، ذات معنى ..