هنالك العديد من الأفكار الخاطئة عن ما هو الماكروبيوتيك.
بدون الفهم الصحيح لهذا العلم, فإن كثير من الناس سيجدون تعلمه وتطبيقه عبء يصعب عليهم تحمله ومع مرور الوقت فإنهم سينجرفون وراء النزعة الداخلية التي سترفضه وأيضا تعيبه كعلم.
لقد شككت في صحة هذا العلم مرات عديدة قبل أن أصل إلى المعنى الحقيقي للحياة نفسها.
الآن أنا أؤمن أن الماكروبيوتيك والحياة هما شئ واحد, فهما الدعامة لاستمرار الحياة.
في محاولتي لتعريف الماكروبيوتيك, توصلت أن نظرة كل شخص و تفهمه للماكروبيوتيك والحياة يعكس لنا أي مستوى من التحكيم الذي يحكم به على مجريات الأمور قد توصل إليه ذلك الشخص.
مستويات جورج أوشاوا السبع للتحكيم
جورج أوشاوا, مولد علم المايكروبيوتيك الحديث, وصف سبع مستويات للتطور الإنساني و أسماها مستويات التحكيم السبع . هذا الترتيب عبارة عن أداة رائعة تساعد على معرفة ماهية المايكروبيوتيك الحقيقية.
هذه المستويات السبع هي كالتالي:
الميكانيكي
الحسي
الوجداني
العقلاني
الاجتماعي
التصوري
السمو
هنالك قصة قديمة من الهند تجسد لنا الصعوبة في محاولة تعريف أي شئ ومهما كانت المحاولة فإن التعريف سيكون شخصي أو غير موضوعي و ناقص.
يقال أنه طلب من ثلاث رجال كفيفي البصر تعريف الفيل . الأول تحسس خرطوم الفيل ووصفه على أنه يشبه الحية, أما الآخر فقد تحسس جانب الفيل وقال أنه يشبه الحائط, و الأخير تحسس ذيل الفيل ومن ثم قال إنه يشبه الفرشاة.
أيهما أدلى بالوصف الصحيح؟
بالطبع لم يوفق أي منهما وذلك لأن تعريف الفيل أشمل من كل التعريفات التي ذكروها, حيث أنها جميعاً تعريفات جزئية مبنية على الأجزاء التي لمسها كل رجل من جسم الفيل.
بالمثل, فإن بعض الناس لديهم خبرة بسيطة وغير كاملة عن الماكروبيوتيك بالتالي فإنهم يتوصلون إلى تعريف ناقص عنه وذلك نتيجة أن مستوى التحكيم لديهم لم يصل إلى المستوى الذي يجعلهم ينظرون إلى الماكروبيوتيك والحياة على أنهما وحدة متكاملة. حيث أن الماكروبيوتيك هو في الحقيقة تفاني وتكريس للوصول إلى ذلك المستوى الشامل من التحكيم.وإلى أن يصل الشخص إلى ذلك المستوى الذي يسمى بالسمو في مستويات أوشاوا, فإن فهم الماكروبيوتيك لديه سيبقى جزئي وقاصر. وهذا القصور سيجعلنا نسئ الحكم على هذا العلم.
هنا تكمن المفارقة: ضعف مستوى التحكيم يجعلنا نسئ تقدير هذا العلم, فكيف يمكننا أن نتغلب على هذا القصور؟
تكمن الإجابة في قدرة الشخص على تأجيل حكمه والتروي فيه, أو على الأقل أن يضع في اعتباره أنه مبتدئ, ولا يمكن أن يصل لنهاية المطاف. هذه النظرة المتفتحة للحياة أساسية للنمو, فهؤلاء الذين يظنون أنهم قد وصلوا, والذين يحكمون بأدنى مستويات التحكيم, غالباً ما يتوصلون إلى اعتقادات خاطئة حول المايكروبيوتيك و التي تكون محبطة للنفس.
لنتذكر دائما أنه مهما علمنا أو كيف تعلمنا أو من نكون, فنحن لم نتعلم شيئاً ونحن لا-أحد وهذه أولى دروس الحياة. فإن أهمية الرحلة لا تكمن في الوصول وإنما في الخطوات التي نخطوها لتصل تلك القطرة إلى المحيط. فنحن جميعاً واحد, مثلما أن القطرة هي المحيط.
هذه قصة من الأثر في علم المايكروبيوتيك تصف طالب شاب يتحدث كثيراً مع معلمه و كيف أنه يريد أن يتغلب على الأنا , ويصل لمرحلة إنكار الذات , وأن يدرس و يتعلم كل ما يمكنه عن الماكروبيوتيك , وفي كل وقت وهو يخبر أستاذه بما لديه من معرفة ليبهر أستاذه ويستحسن التزامه بالتدريب والتهذيب.
في النهاية تناول المعلم إبريق الشاي وأخذ يصب للتلميذ في كوبه إلى أن امتلأ الكوب وفاض الشاي على جوانبه ولم يتوقف المعلم, حينئذٍ انتبه الطالب توقف عن الكلام وصاح لقد امتلأ الكوب وهو الآن ينسكب !
فيجيبه معلمه, " نعم, بالضبط تماماً مثل عقلك. لا يمكنني أن أعلمك أي شئ عن الماكروبيوتيك طالما عقلك ملئ بالمعرفة لا بد من أن تفرغه حتى تستفيد من توجيهاتي."
كيف يمكننا أن نتعلم ونحن نظن أننا متعلمين؟
ذكر ميتشو كوتشي ذات مرة أنه توجب عليه إلغاء كل ما تعلمه في جامعة كولومبيا حتى تمكن من تعلم و فهم الماكروبيوتيك.
من أكثر الاعتقادات الشائعة عن الماكروبيوتيك أنه نظام غذائي ثم يأتي كل شئ آخر بعد ذلك. تبعاً لهذه الطريقة في التفكير فإن ( كل شئ آخر) ليس ماكروبيوتيك.
هذا الاعتقاد الخاطئ مبني على أساس ازدواجية التحكيم العقلي. للوصول إلى تعريف ما ليس له علاقة بالماكروبيوتيك وما له علاقة به عبارة عن ازدواجية متأصلة و هراء. فمثلاً هل البازلاء الخضراء ماكروبيوتيك أم لا؟ هل مطبوخة أم لا؟ هل تملح أم لا ؟ بماذا تخلط ؟ في النهاية , كونها ماكروبيوتيك أو لا يعتمد أساسا على الشخص التي تُعد له, حالته الصحية, طريقة طبخها وإعدادها, الطقس, المناخ, النشاط, المستوى, .....الخ
فإذا كان الطعام المعد مناسباً تماماً للشخص الذي يتناوله, حالته, نشاطه, الخ , إذاً فهو ماكروبيوتيك.
لننظر إلى الشخص كمخلوق كامل ولننظر إلى الكون أنه الأم الكاملة , فالشخص عدة وليس عدد لهذه الأم, إذاً فنحن واحد مع الكل وكلنا مع الواحد الأحد . هذا هو نظام الكون , و نحن ضمن هذا النظام, هذه هي رقصة الحياة المقدسة و هذا هو الاختيار. لنعش خياراتها , لنتعلم من آلامنا وأفراحنا, من صحتنا ومرضنا.
رأيت العديد من معلمي الماكروبيوتيك يقفون أمام الناس على المسرح ليعرضوا أنفسهم ويبهروا الناس بالمعرفة الواسعة والمحشوة داخل أذهانهم , حقيقة فإن عرضهم لا بد من مشاهدته! و لكن انتبهوا! املكوا جسمكم الذي هو ملككم!
إنني لا أقلل من براعتهم الذهنية الفائقة وقدرتهم على إبهار الناس . بل على العكس فإن ذلك القدرة التي أقنعوا بها الناس لتجربة الماكروبيوتيك جديرة بالثناء والإطراء.ولكن ما هو مؤسف أنهم قد يقودوهم إلى اعتقادات افعل و لا تفعل التي لا تمت إلى المايكروبيوتيك بصلة و التي تستعبدهم لهذه الأفكار. و عندما يطلب من هؤلاء الأفراد التفكير لأنفسهم فإن ذلك النصح يقع على أذان صماء. هؤلاء الطلبة لم يأتوا ليكونوا آذان تعي وإنما أتوا ليقال لهم ماذا يأكلوا وماذا يشربوا وأي زر يجب الضغط عليه ليتماثلوا بالشفاء السريع.
إن الماكروبيوتيك ليس كذلك على الإطلاق و إنما هو طريقة حياة , فليست الحكمة في الوصول بسرعة وإنما العيش بوعي وحب.
الماكروبيوتيك الحقيقي هو الحرية مثل حرية الحياة . هذه الحياة , إنها الهدية الثمينة التي أعطيت لكل شخص ليعيشها كما يشاء وبحرية , كذلك التعلم والرغبة في التطور هدية ثمينة منحت من قبل خالق محب كريم .
إن القواعد الأساسية للماكروبيوتيك بسيطة ومعدودة. فأي شئ يبعدك عن بساطة هذا العلم قد يضلك و يستعبدك. تمسك بعقلية المبتدئ! حاول ألا تنجرف وراء عقائد و منطقيات تجعل من القواعد والآداب الأخرى كارثة! كن بسيطاً, حر وطليق.فالمنطق ليس حباً, القانون ليس حباً, إنما الحب هو الحياة , الحب هو الطريق الوحيد. حب نفسك , هذه هي الخطوة الأولى , ولتحب نفسك يجب أن تعرف من تكون! فأن تعرف هي الخطوة الأولى لتكون.هذا هو الوجود الإنساني , وهذه رحلتنا. لنمسك الأيادي حول الكوكب, أمنا الأرض و أينما نقف فثم أرضنا المقدسة.
الماكروبيوتيك ليس عقيدة أو دين , إنه التدين الموجود في القلب والحب للحياة.وهو ليس فكر تصوري بل إنه يتخطى ذلك البعُد. إنه عاجل وفوري , إنه التعويض والتكفير مع الحياة . هو والحياة لا يتجزأن إنه جوهر الحياة , الصحة , السعادة والحرية التي حاول البشر تعليبها وتغليفها ثم ألصقوا عليها المسميات. كل ما هو معلب و مغلف ليس الحياة و إنما سجن للأموات الذين ينتظرون الدخول إلى القبور لا للقبول.
الماكروبيوتيك هو الاختيار الحر. إذا أردت أن تعرف غني أغنية للحرية. غني للفرح , غني لجمال الطبيعة, لتعاقب الليل و النهار , للشمس والسحاب, للماء والهواء, للخلف و الأمام , للمغلق والمفتوح. كل باب يفتح فإنه يُغلق على الماضي . فكل بداية هي أيضاً نهاية. و بما أن المرض له بداية فله أيضاً نهاية. وكل ما ليس له بداية ليس له نهاية. ذلك هو الماكروبيوتيك
هل تتذكر جدتك , كيف كانت تطبخ , هل كانت تنظر في كتاب؟ أم أنها كانت تطبخ من قلبها؟ لقد رأيت العديد من النساء اللواتي ينظرون ويطبخون بدون أي كتاب , إذا أنظر و أطبخ و ألقي بالكتب. أنت الكتاب أنظر إلى الداخل , فداخلك هو المدخل الوحيد.
هذه هي قوة العيش و الحركة بتناغم مع نظام الطبيعة.هذا التناغم هو هدف الحب, الصلاة , التقديم والعديد من العادات و الآداب الشرقية . و هي أيضا هدف الماكروبيوتيك.
وكما قال جورج أوشاوا , إن بساطة تطبيق الماكروبيوتيك تكمن في أنه يمكن أن يطبقه أي شخص , أي مكان , كل يوم. فهو لا يتطلب وقتاً مخصصا مستقطعاً من يومنا لتطبيقه. إنه متكامل مع الحياة اليومية . لذلك فهو أفضل وسيلة للتطوير الذاتي. إنه التناغم الحقيقي للحياة و هو التزاوج بين الفلسفة والفن و الحياة اليومية.
بعد إتباع الماكروبيوتيك لأكثر من 35 عاماً , أعتقد أني بدأت أفهمه أكثر مما كنت قبل 10 سنوات , بل و أعتقد أني أفهمه اليوم أفضل من فهمي له قبل عام
الأشخاص الغير موفقين الذين يحاولون أن يكونوا أصحاء, إن تقديرهم مبني على أساس مسبق لاعتقادات خاطئة عن صحة أسلوبهم الحالي في الغذاء والحياة. ذلك التقدير الغير منطقي يمكن اعتبار أنه مبني على التحكيم الميكانيكي, الحسي و الوجداني.
وهناك من يدرس و يتعلم أكثر دون أ ن يطبق , قد يصل إلى نتيجة أن هذا العلم حسن المقصد لكنه يفتقد إلى القيمة الغذائية الكافية. هذا التقدير مبني على أساس التعلم المبني على التفكير الذهني . فهم قد استخدموا التحكيم العقلي لإجراء هذا التقييم على شئ غريب عنهم و لا يتداخل مع النموذج الخاص بهم.
ولكن التحكيم العقلي يتغير مع مرور الوقت , كلما أضيفت الحقائق والمعلومات مروراً عبر الوعي الاجتماعي. بهذه الطريقة, التحكيم الاجتماعي يؤثر على التحكيم العقلي و العكس صحيح . هذان المستويان من التحكيم يكونان جسراً للمستويات الأخرى و يسمحان بالتحول الذاتي الداخلي أن يحدث خلال المستويات الأدنى و الأعلى منهما.
لهذا السبب فإن التحكيم الاجتماعي يمكن أن يقيم الماكروبيوتيك بموضوعية أكثر من التحكيم العقلي .إن الأشخاص الذين استطاعوا ملاحظة الجزء الأكبر من سكان العالم الذين عاشوا بتفوق عبر العديد من الأجيال بتطبيق نظام الماكروبيوتيك يمكنهم تقبل هذا النظام بسهولة أكبر من هؤلاء الذين تحكم حياتهم المستويات الأربع الأولى من التحكيم.
إن مستوى التحكيم الفكري التصوري هو الذي يولد نظرية أو مبدأ الحقيقة. و الحقيقة لا يمكن تصنيفها. فمحاولة تصنيف الماكروبيوتيك و تعليمه على أساس فلسفي أو نظام فكري ما هو إلا تعبير عن التحكيم التصوري. هذا التحكيم يستعبد الشخص في نظام الفكرة.
مستوى التحكيم السامي أو السمو في التحكيم يحرر بالكلية. فهو يمكن الشخص من الاستمتاع بالحياة بسهولة وأمان. إنه يتقبل كل شئ بدون شروط أو قيود. إنه ممتن على كل شئ بدون تحفظ. فهو لا ينتقد أو يحكم بعدم الصلاحية. إنه يرى النظام الطبيعي في كل حدث. ويتقبل الكل بدون شروط.
إن المراحل الأولية في تعلم الماكروبيوتيك قد تكون غير مشجعة لما فيها من تعلم اختيار و إعداد لوجبات ماكروبيوتيك متوازنة وصحية. إنما الفائدة الإيجابية هي تغذية الجسم والجهاز العصبي حتى يتم التوازن في جسم خالي من الاتزان. عند ذلك الحد من الاتزان والتحسين في مستويات التحكيم , فإن التقدم يصبح سهل وعفوي. إن الوصول لمرحلة الحكمة الصادرة بعفوية هي رغبة الجميع للوصول إليها سواء أدركوا تلك الحقيقة أم لم يدركوها.فالحقيقة هي في كل قلب , والمحاضر الحقيقي هي قوتنا . لنستمع إلى صمتنا حيث تكمن الحكمة .
عندما تعود إلى الوضع الطبيعي , ستفهم ماهية الماكروبيوتيك. بعد ذلك إذا شعرت بالنزعة الداخلية فحاول أن توضحه للآخرين بمتعة واستمتاع.
الماكروبيوتيك هي نظام الكون. الله هو الكل ونظامه للحياة مبيني على قوتان هما , الين واليانغ , إيجابي و سلبي , ذكر وأنثى , ألفا و أوميغا, المسميات عديدة لكن المسمى واحد, لنعيش هذا النظام و نكون في نظام. هذه هي طريقة الحياة لنكون من نكون ونحيا كما نكون. معرفة نفسك هي أولى الخطوات في هذه الرحلة...... لتتشابك أيدينا و قلوبنا و نشفي حياتنا وأمنا الأرض ليحل السلام على الأرض. والسلام عليكم........
إعداد د مريم نور

تعقيبا علي رسالة د. عزالدين الدنشاري, تحت عنوان الاقلاع أفضل, أقول إن هناك علما يسمي علم الماكروبيوتيك وهي كلمة يونانية تعني الحياة الطويلة ورائد هذا العلم هو الأستاذ أوسادا وتلميذه كوشيي من اليابان ويقوم هذا العلم علي التوازن الغذائي للوقاية من الأمراض وعلاجها ومنها السكر والسرطان بجميع أنواعه وأساس التغذية طبقا لقواعد هذا العلم يقوم علي أكل الحبوب الكاملة مثل القمح الكامل والأرز غير منزوع القشرة والذرة والبقول والخضروات الطازجة والطهي بالطريق التقليدية ـ فنصف الطعام يجب ان يكون حبوبا كاملة غير منزوعة القشرة, كالقمح والفريك والبرغل والخبز والمكرونة من دقيق طبيعي, ثم بقوليات وربعه خضروات وثمنه حساء.
كما يجب عند اتباع هذا النظام الامتناع تماما عن أكل السكر واللحوم والدواجن والبيض والألبان ومنتجاتها ـ ويستعاض عما تحمله كل هذه المواد من بروتينات وفيتامينات بما يعادلها من المنتجات النباتية الأخري والعسل بجميع أنواعه, عسل النحل وعسل التمر وعسل العنب والرمان.. إلخ وكذلك الفواكه.
كما يدخل ضمن هذا النظام الغذائي الأعشاب البحرية وهي عدة أنواع وتحتوي علي نسب عالية من المعادن والكالسيوم والبروتين والفيتامينات.
وهذا النظام منتشر جدا في كل البلاد المتقدمة وله أطباء متخصصون يرشدون إلي كيفية اتباعه بل وطريقة اعداد الطعام وهناك محلات متخصصة لبيع الأغذية المذكورة والتي لاتدخل في تكوينها أي مواد كيماوية ريا ولا رشا.
ويتوافق هذا النظام مع التعاليم الاسلامية فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعالج بالغذاء وهذا كله مذكور في كتاب الطب النبوي لابن القيم وفي بحث تم في الولايات المتحدة أثبت العلماء أن القمح الكامل يعالج السرطان لقد دخلت أجوافنا أنواع من الطعام تسببت في اصابتنا بكثير من الامراض خاصة تلك الأنواع المنتشرة في الأسواق الجاهزة التي لانعرف كيف تعد وتطهي وآن الأوان لأن نلجأ إلي ماينقذنا وينقذ أبداننا من هذه العادات الضارة.
الشاعرة علية الجعار
كما يجب عند اتباع هذا النظام الامتناع تماما عن أكل السكر واللحوم والدواجن والبيض والألبان ومنتجاتها ـ ويستعاض عما تحمله كل هذه المواد من بروتينات وفيتامينات بما يعادلها من المنتجات النباتية الأخري والعسل بجميع أنواعه, عسل النحل وعسل التمر وعسل العنب والرمان.. إلخ وكذلك الفواكه.
كما يدخل ضمن هذا النظام الغذائي الأعشاب البحرية وهي عدة أنواع وتحتوي علي نسب عالية من المعادن والكالسيوم والبروتين والفيتامينات.
وهذا النظام منتشر جدا في كل البلاد المتقدمة وله أطباء متخصصون يرشدون إلي كيفية اتباعه بل وطريقة اعداد الطعام وهناك محلات متخصصة لبيع الأغذية المذكورة والتي لاتدخل في تكوينها أي مواد كيماوية ريا ولا رشا.
ويتوافق هذا النظام مع التعاليم الاسلامية فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعالج بالغذاء وهذا كله مذكور في كتاب الطب النبوي لابن القيم وفي بحث تم في الولايات المتحدة أثبت العلماء أن القمح الكامل يعالج السرطان لقد دخلت أجوافنا أنواع من الطعام تسببت في اصابتنا بكثير من الامراض خاصة تلك الأنواع المنتشرة في الأسواق الجاهزة التي لانعرف كيف تعد وتطهي وآن الأوان لأن نلجأ إلي ماينقذنا وينقذ أبداننا من هذه العادات الضارة.
الشاعرة علية الجعار
الصفحة الأخيرة
وتفضيل الغذاء في العصر الإسلامي رأفة بالمرضى
الدكتور بول غليونجي
جمهورية مصر العربية
اختلف القدامى في تعييرهم لفائدة الدواء بالمقارنة بفائدة الغذاء للحفاظ على الصحة والبرء من المرض، ابتداء من أبقراط الذي أكد فائدة الغذاء ، ووضع له مؤلفا خاصا أوضح فيه خصائص الأطعمة طعاما طعاما ، وأدخل فكرة التدبير بالغذاء في كل مؤلفاته حتى التي تعني بالكسور، يبدو دور الغذاء فيها بعيدا عن الاحتمال.
وقد أثبت أبو الطب- كما سمي أبقراط- في هذا المؤلف صعوبة تناول هذا الموضوع في دقة تامة، واستحالة وضع قوانين جامدة له، نظرا للتباين بين أمزجة الناس والأعمار والبلاد والأجواء ولاختلاف تركيب العينات المختلفة من الطعام الواحد، وقد أكد أبقراط في الباب الثامن والستين من مؤلفه أنه عالج هذا الموضوع لصالح الذين يتغذون بصفة غير منتظمة ويكدحون وبتنقلون ويتعرضون لأجواء مختلفة ويجوبون البحار بحثا عن قوتهم .
والواقع أنه لا يمكن الغلو في تقدير الدور الذي أعاره الطب الإغريقي الكلاسي للطعام المناسب، فقد اعتبر الغذاء- بما أنه العنصر الوحيد الذي يرد على البدن من الخارج ويتشبه به- العنصر الوحيد الذي يدخل المرض إلى الجسم.
ولكن علم التغذية- للجهل بالكيمياء الحيوية وبقوانين التمثيل والأيض وباحتياجات الجسم السعرية أو الكيماوية- إنما كان مبنيا على التجربة من جهة ومن جهة أخرى على اعتبارات دينية أو سحرية أو قياسية، استلهمت من الفيثاغوريين الذين- وتبعهم في هذا أفلاطون- ذهبوا إلى أن مهمة العلم هي تنقية الروح وأن صحة الروح تتبع صحة الجسم.
وهناك عقيدة أخرى لعبت دورا تاريخيا في هذا الصدد وهي أن الطعام يتحول في الأمعاء إلى مواد مرضية إذا كان الهضم ناقصا أو فاسدا، وقد أخذ بها المصريون القدامى واقتبست منهم هذه الفكرة مدرسة قندوس الإغريقية وربما أيضا مدرسة قو الأبقراطية.
ومع هذا فقد أعتنق آخرون مبدأ مخالفا فحواه أن العلاج إنما يتم بالدواء، وقد اختلف في ذلك أيضا أطباء الحرب وإن اعترفوا بأن الاثنين يكونان ركيزتي العلاج وأكد ابن سينا هذا المعنى في أرجوزته حيث حدد أهمية إعادة المزاج إلى أصله في حالة المرض وفي مختلف المواسم والأعمار والأجواء وظروف المعيشة حيث قال:-
للحفظ في الصحة جنس مشتمل من عمل الطب على ضربي عمل
إن الــمزاج إن ترد بقــــاءه بحالــه شبــــه بــــــه غــــــداءه
والجسم إن تعزم على إخراجـــه مــن طبعــه فالضـــد مــن مزاجـــــــه
وإذا نظمت جزء حفظ الصحة فالآن أبدأ ببــــــــرء العلــــــــــة
وهو من الأعمال جنس واحد يقابــــل الشـــيء بمـــــا يضـــادد
إن كان من حرارة فـبـــــرد أو كــــان مــــن برودة فالضــــد
أو كان من لين فبالجفـــاف أو كـــــان مـــن يبس فبالخـــــلاف
نرى في هذا الرجز ابن سينا متبنيا مذهب لينوس القائل بأن العلاج يتم بالضد وقد خالفه أمثال ابن رشد الذي قرر أن الشفاء إنما يتم بفعل القوى الطبيعية التي وضعها الخالق في البدن وأن الدواء إنما هو المحرك لهذه القوى الشافية.
ومع ذلك فإن علاقة الدواء بالغذاء أو بالأحرى بالمواد التي تستعمل عادة للغذاء لم تكن مجرد علاقة مساندة ، بل تجاوزتها وأصبحت، علاقة تساو في الخصائص والطبائع.
وهذا يصبح واضحا إذا تأملنا المبادىء التي أرسخ عليها العرب نظريتي الغذاء والدواء وهي لم تضع فيصلا قاطعا بين طبائع كل منهما. ويمكن تلخيص هذا في بعض نقاط:-
ا- إن فعل أية مادة ترد على البدن إنما هو نتيجة فعل وتفاعل بين طبيعة المادة وطبيعة البدن.
2- إن طبائع الكائنات- سواء أكانت حيوانية أو نباتية أو معدنية- حصيلة كيفيات عناصرها أي حصيلة كيفيات نسب الأرض والماء والنار والهواء فيها.
3- إن كيفيات هذه العناصر أربع اثنتان تقابل اثنتين، الحرارة تقابل البرودة والرطوبة تقابل اليبس.
4- إن هذه الكيفيات تمتزج بنسب مختلفة في الكائنات وتستقر على تعادل أو تغالب وإذا استقرت سميت حصيلتها المزاج.
5- إن المزاج على نوعين: مزاج أول عن العناصر، كل بكيفيته ، ومزاج ثان جديد يحدث عن التمازج (أي ما نطلق عليه الآن التركيب الكيماوى)، وهو يختلف عن المزاج الأول.
والجسم مثل الغذاء والدواء مكون من الأركان الأربعة التي تحولت إلى الأخلاط الأربعة (الدم والبلغم والمرتين)، ومن الأخلاط نشأت الأعضاء كل منها متصف بالمزاج الناتج عن تمازج كيفيات الأخلاط التي كونته.
وهذه الوسيلة ، التي وضعت في أناقة البدن والدواء والغذاء في إطار موحد، هي التي مكنت من تصور كيفية التفاعل بينها، وقد أوضحها ابن سينا في قوله " إن ما يؤكل ويشرب يفعل في البدن من وجوه ثلاثة، إما بكيفيه وإما بعنصره وإما بجملة جوهرها ".
أما الذي يفعل بكيفيته فإنه يبرد أو يسخن الشيء ببرودته أو سخونته من غير أن يتشبه به، وأما الذي يفعل بعنصره فإنه يتحول إلى صورة العضو مع احتفاظه بكيفيته كالدم إذا تكون من الخس فإنه يصطحب ببرودة وإذا تكون من الثوم اصطحب بسخونة.
وأما الذي يفعله بجملة جوهره فإنه يفعل بحصيلة امتزاج (أو تركيب) بسائطه إذا حدث عنه شيء مخالف لها.
إذن فلا فيصل بين الغذاء والدواء في جوهر فعلهما وإن كمن الفيصل في مراتبهما.
فالمرتبة الأولى أن يكون فعل المتناول فعلا غير محسوس.
والمرتبة الثانية أن يكون الفعل أقوى من ذلك دون الضرر.
والمرتبة الثالثة أن يكون الفعل موجبا للضرر البين دون الإهلاك.
والمرتبة الرابعة وهي مرتبة السموم أن يصل الفعل إلى درجة الإهلاك.
ولهذا السبب ، أي الفيصل ، ناقش ابن سينا المعادن والغذاء والدواء والسم تباعا في باب الأدوية المفردة من الكتاب الثاني للقانون فذكر مثلا على التوالي اللقاح واللبني واللازورد، أو العدس والعسل والعشر (Asclepia or Calot-ropis gigantea) والعقرب والعظاءة (وهو نوع من الحرباء)، أو الحديد والحمام والحور (نوع من الصفصاف) والحبة الخضراء (Pistacia terebin thus) والحرباء والحية والحمار.
ولا أدل على هذا المنهج من التسلسل الذي تراؤه بين الغذاء والغذاء الدوائي والدواء الغذائي والدواء المطلق والسم ، فقد تغير الشيء عند تناوله ويتشبه بالبدن ولا يغيره وهذا هو الغذاء.
وإن لم يتشبه بالبدن كان الدواء المعتدل ، وإذا تغير وغير البدن، إذا تشبه به كان غذاء دوائيا وإن لم يتشبه به كان دواء مطلقا .
أما إن لم يتغير وغير البدن فهو السم.
بتعريف آخر، إذا قهره البدن غاية القهر سمى غذاء وإذا قهر البدن كان دواء وإذا قهر البدن في أول الأمر ثم قهره البدن فهو غذاء دوائي .
ولنا أن نتساءل كيف حدد العلماء خواص الأدوية أو كيفياتها في عصر لم يعرف العلماء الخواص الكيماوية بمعانيها الحالية مثل الأكسدة والاختزال والحموضة والقلوية ولم يكن لهم علم بالخمائر والفيتامينات والهورمونات وما إليها.
والجواب أنهم استعملوا القياس ووسائل الفحص الفيزيائية، فاستنتجوا مرتبة الحرارة من سرعة الاحتراق ومرتبة البرودة من سرعة التجمد مستعينين أيضا بالحواس أي المذاق والرائحة واللمس واللون لاعتقادهم أن اختلاف الإدراكات الحسية مردها اختلاف مقادير الأركان وكيفياتها .
فقيل إن الكيفيات البسيطة التي يدركها اللسان تسع: المسخ والقابض والعفص والمالح والمر والحريف والحامض والحلو والدسم، وعرفت كل منها وحددت أفعالها ونشأتها.
ا- يسمى مسخا إذا كان الشيء المذاق لا يفعل في اللسان شيئا ولا يحس منه بلذة أو بأذى ومثله مثل الماء إذ إن جوهره لا ينحل منه شيء يخالط اللسان فيدركه.
2- يسمى قابض ، إذا جمع اللسان وجففه وخشنه وينشأ عن برودة مع تركيب متوسط بين الغلظ واللطف.
3- ويسمى عفصا إذا كانت أفعاله مماثلة ولكنها أشد وأفعاله العصر وينشأ عن غلظ ورطوبة.
4- ويسمى مالحا إذا فعل ضد ذلك وغسل اللسان مما لصق به وجلاه وأفعاله الغسل والتجفيف ومع العفونة وينشأ عن حرارة وتركيب متوسط الغلظ واللطف.
5: ويسمى مرا متى جلا أكثر من جلاء المالح والبورقي وخشن اللسان تخمينا مؤذيا وينشأ عن سخونة وغلظ.
6- ويسمى حريفا إذا أحدث لدغا وأكلا مع حرارة شديدة ، وأفعاله التحليل والتقطيع والتعفين وينشأ عن حرارة ولطف.
7- ويسمى حامضا متى كان اللدغ خاليا من الحرارة التي يحدثها الحريف ومع ذلك أحدث غليانا وأفعاله التبريد والتقطيع وينشأ عن برودة مع تركيب لطيف.
8- ويسمى حلوا إذا لقي اللسان فأصلحه وسكن أذى قد ناله وملس خشونته وصار كالمرهم وأحدث استلذاذا وأفعاله الإنضاج و التليين وإكثار الغذاء وينشأ عن غلظ في التركيب ومزاج متوسط بين الحرارة والبرودة.
9- ويسمى دسم إذا كان كالسابق دون استلذاذه، وأفعاله التليين والإزلاق وبعض الإنضاج وينشأ عن تركيب لطيف مع مزاج متوسط بين الحرارة والرطوبة.
وقد يجتمع أكثر من طعم ، فالمر مع القبض يسمى بشعا، والمر مع الملوحة يسمى زعفا.. إلخ.
أما الرائحة فقد نظر إليها على أنها أضعف دليلا من الطعم لأن البخارات المنبعثة من الأشياء المشمومة تؤثر في الشم مثلما تؤثر المذاقات ، إلا أنها أضعف دليلا من الطعم، والسبب في هذا أن الرائحة إنما تدل على البخار الذي ينحل وهو لا ينحل من جميع أجزاء المشموم في حين أن اللسان يلتقي بجميع أجزاء الشيء الذي يذاق.
واللون دون الروائح في صحة دلالته إلا في مختلف أصناف النوع الواحد فإن ما يضرب إلى البياض أقل حرارة مما يضرب إلى الحمرة وأما الأسود فقد يكون قاتلا.
أما الصفارت الظاهرة الأخرى فهي التي تستمد من اللمس وهي اللطافة والكثافة واللزوجة والهثاشة والسيلان والجمود واللعابية والدهنية والنشف والخفة والثقل.
على أن هذه الأفعال الحسية لم تفهم على أنها مقصورة على أعضاء الحس المعنية بل أخذت دليلا على أفعاها على الأعضاء داخل البدن.
وبهذه الوسائل وصف ابن سينا ما لا يقل عن 49 كيفية.
هذا عن دلائل الحس ، وبالإضافة فإن الأطباء استقرأوا قوى مجهولة عن قوى معلومة على أن تخضع هذه الاستنتاجات القياسية لمحك التجربة ، وهذا ما أكده ابن سينا إذ قال: " إن قال الإنسان في هذا شيئا فإنما يقوله على وجه التخمين " ووضعوا للتجربة دستورا حدد له سبعة شروط:
ا- خلو المادة من كيفيات مكتسبة كالتبريد والتسخين.
2- إجراء التجربة على شخص مصاب بعلة واحدة مفردة.
3- التجربة على. علل متضادة للحكم إن كان الفعل بالعرض.
4- تعادل قوة العمة والدواء.
5- مراعاة وقت ظهور الفعل ، فإذا ظهر مع أول استعمال الدواء استنتج أنه يفعل بذاته وإن تأخر كان موضع شك.
6- تكرار نجاح التجربة.
7- تجربته على الإنسان.
وانقسم في هذا الأطباء إلى أهل التجربة وأهل القياس ولكن كبار الأطباء رأوا أن تأليف الدواء يستخرج بالقياس وفائدته تمتحن بالتجربة، أليس هذا نموذجا جديرا بأن يقتدي به باحثونا؟
سادتي، لقد سبق لنا أن ذكرنا بشيء من الإلحاح أن الفيصل بين الغذاء والدواء لم يكن حاسما ولذا فاقد آثر بعض كبار الأطباء العلاج بالغذاء وابتعدوا إن أمكن عن الدواء، منهم الرازي الذي نقل عنه قوله: " إن استطاع الحكيم أن يعالج بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السعادة.
ومنهم أيضا ابن النفيس، قيل عنه: " وكان ابن النفيس على وفور علمه بالطب وإتقانه لفروعه وأصوله قليل البصر في العلاج فإذا وصف لا يخرج بأحد عن مألوفه ولا يصف دواء ما أمكنه أن يصف غذاء ولا مركبا ما أمكنه الاستغناء بمفرده ، وكان ربما وصف القمحية (وهي نوع من البليلة) لمن شكا القرحة والتطماج (وهو نوع من اللحم المطهو بالتوابل) لمن شكا هواء والخروب والقضامة لمن شكا إسهالا ومن هذا ومثله ولكل ما يلائم مأكله ويأكله حتى قال له العطار الشرابي الذي كان يجلس عنده: " إذا أردت أن تصف مثل هذه الوصفات اقعد على دكان اللحام، وأما إذا قعدت عندي فلا تصف إلا السكر والشراب والأدوية ".
ورغم شكنا في أن هذه الرواية ما هي إلا (نكتة)، إلا أنها تمثل في شكل (كاريكاتوري) اتجاه هذا العالم الذي علينا أن نعجب بوسائله العلاجية فإن القمحية ضماد واق للقرح وللخروب قوى قابضة تنفع في الإسهال، وقد حكى أيضا عن ابن النفيس الشيخ أبو ثناء الحلبي: " شكوت إلى ابن النفيس عقالا في يدي فقال لي " وأنا والله بي عقال فقلت فبأي شيء أداويه؟ " فقال: " والله ما أعرف بأي شيء أداويه ثم لم يزد على هذا ".
ولئن كان سبب الامتناع عن وصف الدواء مجرد الحرص على تجنيب المرضى المضار المحتملة للعقاقير لكان كافيا لامتداح بعد نظر أطباء العرب وشفقتهم بالمرضى ، إذ أن إهمالنا هذه الناحية من الطب أدى إلى فتح باب جديد في الطب هو باب الأمراض الدوائية التي أطلق عليها " iatrogenic " أي التي يحدثها الطبيب، وإلى نشأة جماعات طبية داعية إلى العودة إلى الطب الطبيعي على نمط الطب الأبقراطي وإلى إعادة الفحص عن الخواص العلاجية للمواد التي تعد غذائية بالأساليب المخبرية والتجارب الدقيقة بدل من الاعتماد على المذاق والرائحة والحدس والقياس، وللعالم الإسلامي الحديث شأن عظيم في هذا الاتجاه السليم.
ولكن درء مضار العقاقير لم يكن السبب الوحيد في العزوف عن وصفها، حيث أن الشفقة بالمرضى تعدت الصحة فتناولت الاقتصاد.
هذا وإن الأطباء كانوا يتقاضون أجورا باهظة من الأغنياء والأمراء وكانوا يصفون أدوية مركبة ومستوردة من الهند والصين وبلاد نائية كأنهم كانوا يعانون- كما نعاني اليوم- من عقدة المستورد.
وقد ذكر المؤرخون هذه الأجور وتباهى بها أمثال ابن سينا حين قال- تبعا لابن أبي أصيبعة حين اتصل به أبو عبيد الجورجاني:-
لما عمظمت فليس مصر واسعي لما غلا ثمني عدت المشتري
ولاشك، في أن بعض الأطباء من جميع العصور حرصوا أول حرصهم على جمع المال بشتى الطرق، فقد وجد عبد اللطيف البغدادي ياسين السيميائي كذابا ومشعوذا ومدعيا علم الكيمياء وموسى بن عمران فاضلا في الغاية ولكن قد غلب عليه- حب الرئاسة وخدمة أرباب الدنيا ولكن الكثيرين اشتهروا بكرم خلقهم وبرحمتهم بالمرضى ووضعوا لمهنتهم مثلا عليا مثال ذلك ما قاله الرازي: " ينبغي أن تكون حالة الطبيب معتدلة، لا مقبلا على الدنيا كلية ولا معرضا عن الآخرة كلية، فيكون بين الرغبة والرهبة.
وقد ورد عنه أنه كان كريما متفضلا، بارا بالناس، حسن الرأفة بالفقراء والأعلاء حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة، وأنه كان رؤوفا بالمرضى مجتهدا في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه.
وروى علي بن رضوان في سيرته الذاتية: " وأجتهد في حال تصرفي في التواضع والمداراة وغيث الملهوف، وكشف كربة المكروب وإسعاف المحتاج ، وأجعل قصدي في ذلك الالتذاذ بالأفعال والانفعالات الجميلة "، ويضيف: " ولابد أن يحصل مع ذلك كسب ما ينفق فأنفق.. فما فضل بعد ذلك كله صرفته في.. مثل إعطاء الأهل والإخوان والجيران.
كما قال إن الطبيب في رأي أبقراط هو الذي اجتمعت فيه سبع خصال منها أن تكون رغبته في إبراء المرضى أكثر من رغبته فيما يلتصق من الأجرة ورغبته في علاج الفقراء أكثر من رغبته في علاج الأغنياء.
ولذا فإن الكثير منهم عبر عن اهتمامه بعامة المرضى المحتاجين بوضع مؤلفات تعني بالعلاج بواسطة الأغذية والأدوية الرخيصة. وقد ذكر الأستاذ الدكتور سلمان قطاية بعض هذه المؤلفات منها كتاب الرازي المسمى " من لا يحضره الطبيب " ويدعى أيضا " طب الفقراء ومؤلف ابن الجزار القيرواني " طب الفقراء والمساكين " الذي حققه الدكتور قطاية ورأى أن مضمونه استوحى من الرازي وقد ورد فيه أنه لما رأى كثيرا من الفقراء والمساكين يعجزون عن أن ينالوا منافع كتبه لفقرهم رأى أن يعتمد شفاء المرض على الأطعمة والأشربة مع أنه ألف كتابا في الأدوية المفردة وآخر في الأدوية المركبة وقد كان مثالا للفضيلة لم يحافظ عنه بالقيروان زلة قط ولا أخلد إلى لذة وكان يشهد الجنائز والعرائس ولا يأكل منها، وكتب رسالة يحذر فيها من إخراج الدم من غير حاجة إلى إخراجه .
من كل هذا يبدو أنه تكونت مكتبة كاملة مكونة من مجموعة المؤلفات التي تعين بعلاج الفقراء ، وهذا باختبار الأدوية الرخيصة أو بتفضيل الغذاء الصالح المناسب لهم لإتاحة فرص العلاج الملائمة لهم رأفة بحالهم .