فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
شرح الآية الأولى :[ إنا أنزلناه في ليلة القدر ] " إنا أنزلناه ".. قيل : نزل جبريل بالقرآن الكريم جملة واحدة في ليلة القدر ، من اللوح المحفوظ إلى للسماء الدنيا، إلى بيت العزة ، وأملاه جبريل على السفرة، ثم كان جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم نجوماً نجوما، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة . وقوله تعالى : " في ليلة القدر " قال مجاهد في ليلة الحكم أو ليلة التقدير ، وسميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها مايشاء من أمره، إلى مثلها من السنة المقبلة ؛ من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلمه إلى مدبرات الأمور، وهم أربعة من الملائكة : إسرافيل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وجبريل عليهم السلام. وعن ابن عباس قال : يكتب في أم الكتاب مايكون في السنة من رزق ومطر وحياة وموت ، حتى الحاجّ. وقال الزهري وغيره : سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها. وقال أبو بكر الوراق : سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدرٍ إذا أحياها وقيل : لأنه ينزل فيها ملائكة ذا قدر ، على رسولٍ ذي قدر ، على أمة ذات قدر. وقيل : لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة . وقال سهل : لأن الله تعالى قدّر فيها الرحمة على المؤمنين . وقال الخليل : لأن الأرض تضيق بالملائكة ؛ كقوله تعالى : " ومن قدر عليه رزقه " أي ضُيّقَ. انتهى توضيح معاني الآية الأولى .. ونواصل عن قريب بإذن الله .
شرح الآية الأولى :[ إنا أنزلناه في ليلة القدر ] " إنا أنزلناه ".. قيل : نزل جبريل بالقرآن...
في تفسير سورة القدر :
{ وما أدراك ماليلة القدر (2 ) ليلة القدر خيرٌ من ألفِ شهر ( 3 ) }

قال الفراء : كل مافي القرآن من قوله تعالى : " وما أدراك " فقد أدراه.
وماكان من قوله :" وما يدريك " فلم يدره ..

والآية الثالثة تبين فضلها وعظمتها. وفضيلة الزمان تكون بكثرة
مايقع فيه من الفضائل . وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير
الذي لايوجد مثله في ألف شهر . والله أعلم .
وقال كثير من المفسرين : أي العمل فيهاخير من العمل في ألف شهر
ليس فيها ليلة القدر .
وقيل عُنيَ يألف شهر جميع الدهر ؛ لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء؛
كما قال تعالى :" يود أحدهم لو يعمّر ألف سنة " يعني جميع الدهر .
وقيل : إن العابد كان فيما مضى لايسمى عابداًحتى يعبد الله ألف شهر ،
ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر ؛ فجعل الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
عبادة ليلة خيراً من ألف شهرٍ كانوا يعبدونها..
قال علي وعروة : ذكر النبي الكريم أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين سنة،
لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون،
فعجب أصحاب النبي من ذلك . فأتاه جبريل فقال :يامحمد عجبت أمتك
من عبادة هؤلاء النفر ، فقد أنزل الله عليك خيراً ؛ ثم قرأ :
" إنا أنزلناه في ليلة القدر".


قريباً نواصل تفسير السورة بإذن الله ..
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
في تفسير سورة القدر : { وما أدراك ماليلة القدر (2 ) ليلة القدر خيرٌ من ألفِ شهر ( 3 ) } قال الفراء : كل مافي القرآن من قوله تعالى : " وما أدراك " فقد أدراه. وماكان من قوله :" وما يدريك " فلم يدره .. والآية الثالثة تبين فضلها وعظمتها. وفضيلة الزمان تكون بكثرة مايقع فيه من الفضائل . وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لايوجد مثله في ألف شهر . والله أعلم . وقال كثير من المفسرين : أي العمل فيهاخير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر . وقيل عُنيَ يألف شهر جميع الدهر ؛ لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء؛ كما قال تعالى :" يود أحدهم لو يعمّر ألف سنة " يعني جميع الدهر . وقيل : إن العابد كان فيما مضى لايسمى عابداًحتى يعبد الله ألف شهر ، ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر ؛ فجعل الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عبادة ليلة خيراً من ألف شهرٍ كانوا يعبدونها.. قال علي وعروة : ذكر النبي الكريم أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين سنة، لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون، فعجب أصحاب النبي من ذلك . فأتاه جبريل فقال :يامحمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ، فقد أنزل الله عليك خيراً ؛ ثم قرأ : " إنا أنزلناه في ليلة القدر". قريباً نواصل تفسير السورة بإذن الله ..
في تفسير سورة القدر : { وما أدراك ماليلة القدر (2 ) ليلة القدر خيرٌ من ألفِ شهر ( 3 ) } قال...
{ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } /4

قوله تعالى: « تنزل الملائكة » أي تهبط من كل سماء، ومن سدرة المنتهى؛
ومسكن جبريل على وسطها. فينزلون إلى الأرض ويؤمنون على دعاء الناس،
إلى وقت طلوع الفجر؛ فذلك قوله تعالى: « تنزل الملائكة » .
« والروح فيها بإذن ربهم » أي جبريل عليه السلام.
وحكى القشيري: أن الروح صنف من الملائكة، جعلوا حفظة على سائرهم،
وأن الملائكة لا يرونهم، كما لا نرى نحن الملائكة.
وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة. وأقربهم من اللّه تعالى.
وقيل: إنهم جند من جند اللّه عز وجل من غير الملائكة. رواه مجاهد عن ابن عباس مرفوعا؛
ذكره الماوردي وحكى القشيري: قيل هم صنف من خلق اللّه يأكلون الطعام، ولهم أيد وأرجل؛ وليسوا ملائكة.
وقيل: « الروح » خلق عظيم يقوم صفا، والملائكة كلهم صفا.
وقيل: « الروح » الرحمة ينزل بها جبريل عليه السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها؛ دليله: « ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده »2/ النحل
أي بالرحمة. « فيها » أي في ليلة القدر.
« بإذن ربهم » أي بأمره. « من كل أمر » أمر بكل أمر قدره اللّه وقضاه
في تلك السنة إلى قابل؛ قاله ابن عباس؛
كقوله تعالى: « يحفظونه من أمر الله » 11/ الرعد أي بأمر اللّه.
وقراءة العامة « تنزل » بفتح التاء؛
إلا أن البزي شدد التاء. وقرأ طلحة بن مصرف وابن السميقع،
بضم التاء على الفعل المجهول.
وقرأ علي وابن عباس وعكرمة والكلبي « من كل امرئ » .
وروي عن ابن عباس أن معناه: من كل ملك؛
وتأولها الكلبي على أن جبريل ينزل فيها مع الملائكة، فيسلمون على كل امرئ مسلم. « وعن أنس قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: « إذا كان ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة، يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر اللّه تعالى.»
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
{ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } /4 قوله تعالى: « تنزل الملائكة » أي تهبط من كل سماء، ومن سدرة المنتهى؛ ومسكن جبريل على وسطها. فينزلون إلى الأرض ويؤمنون على دعاء الناس، إلى وقت طلوع الفجر؛ فذلك قوله تعالى: « تنزل الملائكة » . « والروح فيها بإذن ربهم » أي جبريل عليه السلام. وحكى القشيري: أن الروح صنف من الملائكة، جعلوا حفظة على سائرهم، وأن الملائكة لا يرونهم، كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة. وأقربهم من اللّه تعالى. وقيل: إنهم جند من جند اللّه عز وجل من غير الملائكة. رواه مجاهد عن ابن عباس مرفوعا؛ ذكره الماوردي وحكى القشيري: قيل هم صنف من خلق اللّه يأكلون الطعام، ولهم أيد وأرجل؛ وليسوا ملائكة. وقيل: « الروح » خلق عظيم يقوم صفا، والملائكة كلهم صفا. وقيل: « الروح » الرحمة ينزل بها جبريل عليه السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها؛ دليله: « ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده »2/ النحل أي بالرحمة. « فيها » أي في ليلة القدر. « بإذن ربهم » أي بأمره. « من كل أمر » أمر بكل أمر قدره اللّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل؛ قاله ابن عباس؛ كقوله تعالى: « يحفظونه من أمر الله » 11/ الرعد أي بأمر اللّه. وقراءة العامة « تنزل » بفتح التاء؛ إلا أن البزي شدد التاء. وقرأ طلحة بن مصرف وابن السميقع، بضم التاء على الفعل المجهول. وقرأ علي وابن عباس وعكرمة والكلبي « من كل امرئ » . وروي عن ابن عباس أن معناه: من كل ملك؛ وتأولها الكلبي على أن جبريل ينزل فيها مع الملائكة، فيسلمون على كل امرئ مسلم. « وعن أنس قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: « إذا كان ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة، يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر اللّه تعالى.»
{ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } /4 قوله تعالى: « تنزل الملائكة » أي تهبط من...
الآية الخامسة..

روي عن نافع وغيره؛ أن ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها،
« حتى مطلع الفجر » أي إلى طلوع الفجر.
قال الضحاك: لا يقدر اللّه في تلك الليلة إلا السلامة،
وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة ،
وقيل: أي هي سلام؛ أي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن ومؤمنة.
وكذا قال مجاهد: هي ليلة سالمة، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذى. وروي مرفوعاً -
وقال الشعبي: هو تسليم الملائكة على أهل المساجد،
من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر؛
يمرون على كل مؤمن، ويقولون: السلام عليك أيها المؤمن.
وقيل: يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض فيها.
وقال قتادة: « سلام هي » : خير هي. « حتى مطلع الفجر » أي إلى مطلع الفجر.
وقرأ الكسائي وابن محيصن « مطلِع » بكسر اللام، الباقون بالفتح.
والفتح والكسر: لغتان في المصدر.
والفتح الأصل في فعل يفعل؛ نحو المقتل والمخرج.
والكسر على أنه مما شذ عن قياسه؛ نحو المشرق والمغرب والمنبت
والمسكن والمنسك والمحشر والمسقط والمجزر.
حكى في ذلك كله الفتح والكسر، على أن يراد به « المصدر لا الاسم» .
وهنا ثلاث مسائل:

الأولى:
في تعيين ليلة القدر؛ وقد اختلف العلماء في ذلك.
والذي عليه المعظم أنها ليلة سبع وعشرين؛
لحديث زر بن حبيش قال: قلت لأبي بن كعب:
إن أخاك عبدالله بن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر.
فقال: يغفر اللّه لأبي عبدالرحمن! لقد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان،
وأنها ليلة سبع وعشرين؛ ولكنه أراد ألا يتكل الناس؛
ثم حلف لا يستثني: أنها ليلة سبع وعشرين.
قال قلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟
قال: بالآية التي أخبرنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،
أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
قال الحسن وابن إسحاق وعبدالله بن الزبير:
هي ليلة سبع عشرة من رمضان، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر.
كأنهم نزعوا بقوله تعالى: « وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان »
وكان ذلك ليلة سبع عشرة،
وقيل هي ليلة التاسع عشر.
والصحيح المشهور: أنها في العشر الأواخر من رمضان؛
وهو قول مالك والشافعي والأوزاعي وأبي ثور وأحمد.
وروي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:
( التمسوها في العشر. الأواخر في تاسعة تبقى، في سابعه تبقى، في خامسة تبقى ) . رواه مسلم،
قال مالك: يريد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين،
والسابعة ليلة ثلاث وعشرين،
والخامسة ليلة خمس وعشرين.
وقيل: ليلة سبع وعشرين. وقد مضى دليله،
وهو قول علي رضي اللّه عنه وعائشة ومعاوية وأبيّ بن كعب.
وروى ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ( من كان متحريا ليلة القدر، فليتحرها ليلة سبع وعشرين ) .
وقال أبيّ بن كعب:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: ( ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ) .
وقال أبو بكر الوراق: إن اللّه تعالى قسم ليالي هذا الشهر
على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال:
هي ليلة القدر كرر ذكرها ثلاث مرات،
وهي تسعة أحرف، فتجيء سبعا وعشرين.
وقيل: هي ليلة تسع وعشرين؛ لما روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: « ليلة القدر التاسعة والعشرون - أو السابعة والعشرون - وأن الملائكة في تلك الليلة بعدد الحصى » . وقد قيل: إنها في الأشفاع. قال الحسن: ارتقبت الشمس ليلة أربع وعشرين عشرين سنة، فرأيتها تطلع بيضاء لا شعاع لها. يعني من كثرة الأنوار في تلك الليلة. وقيل إنها مستورة في جميع السنة، ليجتهد المرء في إحياء جميع الليالي. وقيل: أخفاها في جميع شهر رمضان، ليجتهدوا في العمل والعبادة ليالي شهر رمضان، طمعا في إدراكها، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات، واسمه الأعظم في أسمائه الحسنى، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة وساعات الليل، وغضبه في المعاصي، ورضاه في الطاعات، وقيام الساعة في الأوقات، والعبد الصالح بين العباد؛ رحمة منه وحكمة.

الثانية:
في علاماتها: منها أن الشمس، تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها. وقال الحسن قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في ليلة القدر: ( إن من أماراتها: أنها ليلة سمحة بلجة، لا حارة ولا باردة، تطلع، الشمس صبيحتها ليس لها شعاع ) . وقال عبيد بن عمير: كنت ليلة السابع والعشرين في البحر، فأخذت من مائه، فوجدته عذبا سلسا.

الثالثة:
في فضائلها. وحسبك بقوله تعالى: « ليلة القدر خير من ألف شهر وقوله تعالى: »
تنزل الملائكة والروح فيه « .
وفي الصحيحين: ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه )
رواه أبو هريرة.
وقال ابن عباس: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم:
( إذا كان ليلة القدر، تنزل الملائكة الذين هم سكان سدرة المنتهى، منهم جبريل، ومعهم ألوية ينصب منها لواء على قبري، ولواء على بيت المقدس، ولواء على المسجد الحرام، ولواء على طور سيناء، ولا تدع فيها مؤمنا ولا مؤمنة إلا تسلم عليه، إلا مدمن الخمر، وآكل الخنزير، والمتضمخ بالزعفران ) :
وفي الحديث: ( إن الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتى يضيء فجرها،
ولا يستطيع أن يصيب فيها أحدا بخبل ولا شيء من الفساد،
ولا ينفذ فيها سحر ساحر » .
وقال الشعبي: وليلها كيومها، ويومها كليلها.
وقال الفراء؛ لا يقدر اللّه في ليلة القدر إلا السعادة والنعم، ويقدر في غيرها البلايا والنقم؛ وقد تقدم عن الضحاك. ومثله لا يقال من جهة الرأي، فهو مرفوع. واللّه أعلم. وقال سعيد بن المسيب في الموطأ: ( من شهد العشاء من ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها ) ، ومثله لا يدرك بالرأي. وقد روى عبيدالله بن عامر بن ربيعة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ( من صلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة من ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر ) ذكره الثعلبي في تفسيره. وقالت عائشة رضي اللّه عنها: قلت: يا رسول اللّه إن وافقت ليلة القدر فما أقول؟ قال: ( قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) .
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ


قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1)
قوله تعالى : قل أعوذ برب الناس أي مالكهم ومصلح أمورهم . وإنما ذكر أنه رب الناس ، وإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين :
أحدهما : لأن الناس معظمون ؛ فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا .
الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم ، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم .

مَلِكِ النَّاسِ 2) إِلَٰهِ النَّاسِ 3)
وإنما قال : ملك الناس إله الناس لأن في الناس ملوكا يذكر أنه ملكهم . وفي الناس من يعبد غيره ، فذكر أنه إلههم ومعبودهم ، وأنه الذي يجب أن يستعاذ به ويلجأ إليه ، دون الملوك والعظماء .


من شر الوسواس الخناس 4)
يعني : من شر الشيطان .
والمعنى : من شر ذي الوسواس ؛ فحذف المضاف ؛
قاله الفراء : وهو ( بفتح الواو ) بمعنى الاسم ؛ أي الموسوس .
و ( بكسر الواو ) المصدر ؛ يعني الوسوسة . وكذا الزلزال والزلزال .
والوسوسة : حديث النفس . يقال :
وسوست إليهم نفسه وسوسة ووسوسة ( بكسر الواو ) .
ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس .
وقال الأعشى :
تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل

ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء ؛
ومنه قول الله تعالى : فلا أقسم بالخنس يعني النجوم ، لاختفائها بعد ظهورها .
وقيل : لأنه يخنس إذا ذكر العبد الله ؛ أي يتأخر .
وفي الخبر " إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا غفل وسوس ،
وإذا ذكر الله خنس " أي تأخر وأقصر . وإذا نسي الله التقم قلبه فوسوس .
وقال ابن عباس : إذا ذكر الله العبد خنس من قلبه فذهب ، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه . وقال إبراهيم التيمي : أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء .
وقيل : سمي خناسا لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله .
والخنس : الرجوع . وقال الراجز :
وصاحب يمتعس امتعاسا يزداد إن حييته خناسا
وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى :
الوسواس الخناس وجهين :
أحدهما : أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى .
الثاني : أنه الخارج بالوسوسة من اليقين .


الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ 5) من الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ. 6)
أي أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
وقوله تعالى : من الجنة والناس أخبر أن الموسوس قد يكون من الناس .
قال الحسن : هما شيطانان ؛ أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس ،
وأما شيطان الإنس فيأتي علانية . وقال قتادة :
إن من الجن شياطين ، وإن من الإنس شياطين ؛ فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .
وروي عن أبي ذر أنه قال لرجل : هل تعوذت بالله من شياطين الإنس ؟
فقال : أومن الإنس شياطين ؟
قال : نعم ؛ لقوله تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن . . . الآية . وذهب قوم إلى أن الناس هنا يراد به الجن . سموا ناسا كما سموا رجلا في قوله : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن - وقوما ونفرا . فعلى هذا يكون ( والناس ) عطفا على الجنة ، ويكون التكرير لاختلاف اللفظين .
وذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث :
جاء قوم من الجن فوقفوا . فقيل : من أنتم ؟
فقالوا : ناس من الجن . وهو معنى قول الفراء .
وقيل : الوسواس هو الشيطان .
وقوله : من الجنة بيان أنه من الجن والناس معطوف على الوسواس .
والمعنى : قل أعوذ برب الناس من شر الوسواس ، الذي هو من الجنة ، ومن شر الناس . فعلى هذا أمر بأن يستعيذ من شر الإنس والجن .
والجنة : جمع جني ؛ كما يقال : إنس وإنسي . والهاء لتأنيث الجماعة .
وقيل : إن إبليس يوسوس في صدور الجن ، كما يوسوس في صدور الناس .
فعلى هذا يكون في صدور الناس عاما في الجميع . و من الجنة والناس بيان لما يوسوس في صدره .
وقيل : معنى من شر الوسواس أي الوسوسة التي تكون من الجنة والناس ،
وهو حديث النفس .
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
إن الله - عز وجل - تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به.
رواه أبو هريرة ، أخرجه مسلم . فالله تعالى أعلم بالمراد من ذلك.
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
(( تفسير سورة النّصر ))
سورة مدنية من ثلاث آيات .




تفسير الآية الأولى : " إذا جاءَ نصْرُ الله والفَتح "
النصر : العون ؛ مأخوذ من قولهم : قد نصر الغيثُ الأرضَ ..
قال الشاعر :إذا انسلخ الشهر الحرام فودّعي - بلاد تميمٍ وانصري أرض عامرِ
والاسم ( النُّصرة )
والمراد به هنا نصر الرسول على قريش ، نصره الله على من قاتله من الكفار
وكانت عاقبة النصر له .
أما الفتح فهو فتح مكة ( عن الحسن ومجاهد وغيرهما )
وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : هو فتح المدائن والقصور .
وقيل : مافتحه عليه من العلوم .
و" إذا" جاءت بمعنى " قد " أي قد جاء نصر الله لأن نزولها بعد الفتح .
ويمكن أن يكون معناه : إذا يجيئك .

تفسير الآية الثانية :
"ورأيت النّاسَ يدْخلون في دينِ الله أفواجا "
ورأيت الناس .. أي العرب وغيرهم يدخلون أفواجاً في الإسلام :
أمّة بعد أمّةٍ .. والأمّة : أربعون رجلاً.. وكان أهل اليمن كذلك ، إذ ورد من اليمن
سبعمائة إنسانٍ مؤمنين طائعين ، بعضهم يؤذن ن ، وبعضهم يقرؤن القرآن ،
وبعضهم يهللون ؛ فسُرّ النبي بذلك .. وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:
" أتاكم أهل اليمن، هم آضعف قلوباً، وأرقّ أفئدةً . الفقه يمانٍ ، والحكمة يمانيّة '.

تفسير الآية الثالثة :
" فسبّح بحمْد ربّكَ واستَغْفره ، إنّه كان توّابا "
أي إذا صليت فأكثر من ذلك .
وقيل (سبّح ) المراد به التنزيه.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ماصلى رسول الله صلاة
بعد أن أنزلت عليه هذه السورة إلّا يقول : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي .
وفي تفسير معناها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقصر نفسه
لعظم ماأنعم الله به عليه، ويرى قصوره بخق ذلك ذنوباً
ويحتمل أيضاً معنى : كن متعلّقاً به ،سائلا. راغباً ، متضرّعاً على رؤية التقصير
في أداء الحقوق ؛ لئلا ينقطع إلى رؤية الآعمال .
وقيل : الاستغفار تعبّد يجب إتيانه ، لاللمغفرة ، بل تعبّداً .
وقيل ذلك تنبيه لأمة محمد عليه الصلاة والسلام لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار ..