rainyheart
rainyheart
جزاك الله خيرا كثيرا يا أشرقت، وأنا أسأل الله العلي العظيم ألا يحرمك ثواب تشجيعي.:27: :24:
rainyheart
rainyheart
سورة القَصَص

هذه السورة تركِّز بشكل أساسي على سيدنا موسى في مرحلة ولادته ونشأته-وهي أكثر سورة ركَّزَت على مولده ونشأته- ثم ذهابه إلى مَديَن وزواجه ،وعودته إلى مصر ،ثم تحقُّق وعد الله وانتصاره ...ولكنها لم تركِّّز على مشاكله مع بني إسرائيل.
وقد نزلت هذه السورة وقت الهِجرة من مكة إلى المدينة ،وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حزيناً لفراق مكة ،حتى انه خرج منها وعيناه تدمعان وهو يقول :" اللهُ يعلم أنَّكِ أحبَّ البلاد إلى قلبي ،ولولا أن قومكِ أخرجوني ما خرجت"
وكأن قصة موسى في هذه السورة نزلت لتروِّح عن النبي صلى الله عليه وسلم وتمسح عنه أحزانه...فقد قال الله تعالى لأُمِّ موسى في الآية (8) من هذه السورة:" إنَّا رادُّوهُ إلَيكِ وجاعِلوهُ مِنَ المُرسلين" ، ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم في الآية رقم (85) من نفس السورة :" إنَّ الذي فرضَ عليكَ القُرآنَ لرادُّكَ إلى مَعاد" !!!
ولد تحقّقَ وعدُ الله لموسى ومحمد،وهذا هو هدف هذه السورة أو المحور الذي تدور حوله،وهو:
" ثِق في وعد الله فإنه لابد أن يتحقَّق"!!!!!!
فأنت يا محمد ستعود إلى مكة كما عاد موسى لأمه رغم ما صادف من أهوال ومخاطر .
والآن:
أرأيت كم هو محمد صلى الله عليه وسلم غالٍ عند ربِّه ؟!!!
وهل هو غالٍ عندك أنت أيضاً أخي المؤمن؟!!!!
ثم هناك ملحوظة عجيبة جداً : فقد خرج موسى من مصر و كان الاتفاق أن يمكث خارجها ثماني أو عشر سنوات كما قال له شعيب :"على أن تأجُرَني ثمانيَ حِجَج ،فإن أتمَمتَ عشراً فمِن عِندِك"
ومحمد صلى الله عليه وسلم عاد إلى مكة فاتحاً منتصراً بعد ثماني سنوات،ثم اكتملت رسالته في السنة العاشرة!!!!
كما أن موسى خرج من مصر "خائِفاً يترقَّب"
ومحمد صلى الله عليه وسلم خرج من مكة يبحث عن طريق مُتوارِى يوصِله إلى المدينة بأمان!!!
والآن يا مؤمنون هل تثقون في وعد الله بنصره لكم ؟ هل تثقون بأنه سيُعِزّ الإسلام ،كما جاء في الآية رقم (55) من سورة النور:" وعدَ اللهُ الذينَ آمَنوا مِنكم وَ عَمِلوا الصَّالِحاتِ ليَستَخلِفَنَّهُم في الأرضِ كما استخلَفَ الذينَ مِن قَبلِهِم ،و لَيُمَكِنَّنَ لَهُم دينَهُمُ الذي ارتضى لَهُم ،ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بعد خَوفِهِم أمناً ،يعبدونني لا يُشرِكونَ بي شيئاً" ؟!!!
وتأملوا معي كيف تحدثت سورة القصص عن الثقة بوعد الله:
في الآية رقم (3) من السورة كان الحديث إلى المؤمنين فقط لأنهم هم الذين يثقون بوعد الله :" نتلو عليكَ مِن نَبَإ موسى وفِرعَون بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يؤمِنون"
وفي الآية رقم (4)نجد الوضع شديداً على سيدنا موسى والذين آمنوا معه ،كما كان مع محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين :" إنَّ فِرعَونَ عَلا في الأرضِ وجعلَ أَهلَها شِيَعاً يستَضعِفُ طائِفَةً مِنهُم * يُذبِّحُ أبناءَهُم و يَستَحْيي نِسائَهُم * إنَّهُ كانَ مِنَ المُفسِدين"
وأنت يا رب ماذا تريد؟
الجواب أتى في الآية رقم (5)" ونُريدُ أن نَمُنَّ على الذينَ استُضعِفوا في الأرضِ ونجعَلَهُم أَئِمَّة ًونجعَلَهُمُ الوارِثين" !!!
وكيف سيتحقَّق مُراد الله؟!!!
سيتحقق بالتدريج ،لأنه يحتاج إلى وقت وإلى أن يبذل المؤمنون الجُهد ثم يتوكَّلوا على الله ويثقوا بنَصره!!!
فكانت الخطوة الأولى لِتَحقُّق مراد الله ، ومَولد أُمَّة هي:
أُمٌّ ترضع إبنها ،ثم تُلقيه في البحر!!!!!
لقد استجابت لأمر الله ولم تخف على وليدها ،بل وثقت بوعد الله تعالى لها !!!
وكانت الخطوة الثانية هي : أن قذف الله حب موسى في قلب امرأة فرعون فقالت:" لا تقتُلوه عسَى أَنْ ينفَعَنا أو نتَّخِذَهُ وَلَداً "
ولعلنا نلاحظ ملحوظة عجيبة وهي دور المرأة في حياة سيدنا موسى عليه السلام:
أولاً: دور الأم ، وكان دوراً غايةً في القوة.
ثانياً:دور الأخت التي تتبَّعت أثره وأعادته بفطنتها لأمه.
ثالثاً: دور ابنة شُعَيب حين أوصت به ليتخذه أبوها أجيراً .
وكأن الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: يا أيها النبي ويا أُمة محمد إهتمُّوا بالمرأة فأن لها دوراً فعَّالاً في نُصرة الأُمَّة.
فقد كانت خديجة رضي الله عنها أول مَن ساندتهُ ، وكانت سُميَّة أول شهيدة في الإسلام،وكان لأمهات المؤمنين جميعاً دوراً فعَّالاً في مناصرة النبي وحِفظ وتوريث الإسلام!!!
فنصر الله وعِزَّتُكم أيها المؤمين آتٍ ولكن لابد من أن يكون لكم دور ،وعليكم أيضاً الاهتمام بدور المرأة وتشجيعها على مشاركتكم ،وفيما يلي نموذج من النماذج التي نجحت في الثقة بوعد الله ثم اجتهدت ،ومنها: أم موسى،لقد قال لها الله في الآية (7) من السورة:" ولا تخافي ولا تَحزَني إنَّا رادُّوهُ إلَيكِ وجاعِلوهُ مِنَ المُرسَلين" ،ثم ماذا حدث؟
لقد تحقق وعد الله ، وأخبرت بذلك الآية رقم (13)"فرَدَدْناهُ إلى أُمِّهِ كي تَقرَّ عينُها ولا تحزَن* ولِتَعلَم أنَّ وعدَ اللهِ حَقٌ "!!!!
أي ولتعلم الأمة كلها أن وعد الله حق!!!
أما الوعد الثاني ،فقد أخبرت الآية رقم (30) عن تَحقُّقه:"فلمَّّا أتاها نودِيَ من شاطىء الوادِ الأيمَنِ في البُقعَةِ المُبارَكَةِ من الشجرة ِ أن يا موسى إنِّي أنا اللهُ ربُّ العالَمين"
وأما الوعد الثالث،فحدَّثت عنه الآية رقم(35): " قال سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخيكَ ونجعَلُ لَكُما سُلطانا فلا يَصِلونَ إلَيكُما بِآياتِنا أنتما ومَن اتَّبَعَكُما الغالبون"
ثم تحقق هذا الوعد في الآية رقم(40):" فأخَذناهُ وجُنودَهُ فنَبَذناهُم في اليَمِّ فانظُر كيف كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبين" !!!
وفي نفس السورة نجد وعداً لمحمد صلى الله عليه وسلم:" إنَّ الذي فرضَ عليكَ القٌرآنَ لَرادُّكَ إلى مَعاد " وكأنه يقول له: كما تحقق وعدنا لموسى فكذلك سيتحقق وعدنا لك يا محمد...فهل تحقَّق؟!!
نعم لقد تحقق ودخل صلى الله عليه وسلم مكة فاتِحا ً مُنتصراً، ودخلت الجزيرة العربية كلها في الإسلام!!!!
والدليل على ثقة النبي بوعد ربِّه له أنه حين خرج مهاجراً إلى المدينة وتعقَّبَهُ سُراقة بن مالك...وكان كلما اقترب منه سراقة وقع به الفرس وغارت قوائمه في الرمال،فعلم سُراقة أنه ممنوعٌ منه ،فقال له:" يا محمد أراكَ مَمنوعاً فاعطِني شيئاً (أي بدلاً من المال الذي وعدته به قريش إن عاد بمحمد أو قتله ) فقال له بمنتهى الثِّقة:"أعِدُكَ سِوارَي كِسرَى"!!!!
فرد عليه متعجِّباً:" كِسرَى مَن ؟ مَلِك الفُرس؟!!!"فقال له :" نعم" ،فأمر النبي أبا بكر أن يكتب له وعداً بذلك ... إنه لم يقُل له أعدك ببستان في المدينة مثلاً أو شيء من هذا القبيل لأنه واثق بوعد الله له!!!!
،وبعد فتح مكة أسلم سُراقة،
ثم بعد وفاة النبي وأبي بكر ،فُتِحت البلاد للمسلمين في عهد عمر ،ومن هذه فارس،فأُتي بالغنائم،ومنها سوارَي كِسرَى،فأخذهما عمر رضي الله عنه،ونادى:" أين سُراقة بن مالِك"؟!! فجاءه سراقة فقال له: "أتذكُر الوعد؟ " قال:" نعم" قال:" فاعطِني الكِتاب"،فأعطاه الكتاب ...فإذا به مكتوباً به:" أعِدُكَ سِوارَي كِسرَى" فبكى عمر ،وبكى لبكاءه كل مَن في المسجد!!!!
ولذلك نجد عمر يرسل عمَّار بن ياسر إلى العراق ليولِّيه الإمارة لمدة شهر،ويرسل معه أحد الصحابة ليعينه علة ذلك ،لأن عماراً ليس بأهل لهذه الوظيفة،فسألوه عن السبب فقال رضي الله عنه:"نظرتُ إلى القرآن فوجدتُ أن كل وعود الله قد تحقَّقت ،وقرأتُ الآية :" ونُريدُ أن نمُنَّ على الذينَ استُضعِفوا في الأرض ونجعلَهُم أئِمَّةً ونجعلَهُمُ الوارثين" ،فرأيت أن عمار كان من المستضعفين ،فأردتُ تحقيق الآية به"!!!!
أنظروا إلى فقه عمر وتنفيذه لوعود الله سبحانه !!!!
ثم انظروا إلى الآية رقم (83) التي تخبرنا عن الفئة التي تتحقق لها هذه الوعود:
" تِلكَ الدارُ الآخِرةُ نَجعَلُها لِلَّذين لا يُريدونَ عُلوَّاً في الأرضِ ولا فساداً * والعاقِبَةُ لِلمُتَّقين"
هذه الآية قالها الإمام عمر بن عبد العزيز وهو يموت مبتسماً .
***
وبعد هذه النماذج الطيبة تتحدث السورة عن نموذج لمن أفسده المال والجاه والسُلطان ،فابتعد عن الله تعالى ،وهو قارون ،فكانت النتيجة :" فخسَفنا به وبِدارِهِ الأرض" ،كما حدث مع فرعون !!!!
و الآن : لماذا سُمِّيَت السورة بسورة القَصَص؟!!!
إن المعنى اللغوي لكلمة قَصَّ هو تتبُّع أثر الشيء حتى نهايته ،إذن هدف السورة هو أن تقول:" لو تتَبَّعتُم القصص في هذه السورة حتى نهاية كل قصة لتَيقَّنتُم أن وعد الله يتحقق !!!!"

فيا محمد ،ويا أُمَّة محمد صلى الله عليه وسم: إذا كان واقعكم الآن مُشابه للوضع القاتم أيام هجرة النبي من مكة إلى المدينة ،فلا تفقدوا الأمل ،بل ثِقوا في وعد الله الذي جاء في الآية رقم (55) من سورة النور:" وَعدَ اللهُ الذينَ آمَنوا مِنكم وَ عَمِلوا الصَّالِحاتِ ليَستَخلِفَنَّهُم في الأرضِ كما استخلَفَ الذينَ مِن قَبلِهِم ،و لَيُمَكِنَّنَ لَهُم دينَهُمُ الذي ارتضى لَهُم ،ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بعد خَوفِهِم أمناً ،يعبدونني لا يُشرِكونَ بي شيئاً"
وثِقوا في وعد النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:" إنَّ الله زَوى ليَ الأرضَ فوجدتُ أن مُلكَ أُمَّتي سيبلغ ما زُوي لي من الأرض "!!!

ولكن مع الأمل والثقة بوعد الله ورسوله لابد من أن تعملوا لنُصرة الدين ،" واللهُ غالِبٌ على أمره ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يعلمون"!!!! صدق الله العظيم.
***
rainyheart
rainyheart
سورة العنكبوت

إن هدف هذه السورة واضحٌ منذ بدايتها،تقول الآية رقم (2) :" أحَسِبَ الناسُ أن يُترَكوا أن يقولوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنون"؟!!!!(أي لا يُختَبَرون؟!)
فهدف السورة واضح وهو:" أيُّها المؤمن: جاهِد الفِتَن"
والفِتَن أنواع: فمنها فتنة النساء بالرجال والرجال بالنساء
ومنها فتنة المال
وفتنة الأولاد
وفتنة الأهل
ثم أشد فتنة وهي فتنة الدين !!!
فقد يظنُّ بعض الناس أن المؤمن القريب من الله يحيا حياة هادئة ،ولا يتعرض للمشاكل ،ولكن الحقيقة –كما هو واضح عبر الأجيال- أن المرء يُبتَلى على قَدر إيمانه،
ولكن مع ذلك فإن المؤمن يظل يشعر بسَكينة وهدوء داخلي لثقته بأن الله معه وأنه لن يضيِّعُه أبداً .
فالأصل أن المؤمن يُبتلى ، فلا تظنُّ _أبداً_ أيُّها المؤمن أنك وحدك المُبتَلى ،كما جاء في الآية رقم (3):" ولقد فَتَنَّا الذينَ مِن قَبلِهِم"
((لماذا؟؟!!!))
جاءت الإجابة في النصف الثاني من هذه الآية: "فليعلمَنَّ اللهُ الذينَ صَدَقوا وليَعلَمَنَّ الكاذبين"
أي ليظهر المؤمن الحقّ من مُدَّعي الإيمان ....فالفِتَن والابتلاءات إختبار للإيمان!!!!
لذلك قالت الآية رقم (11):"وليَعلمَنَّ اللهُ الذينَ آمَنوا ولَيَعلَمَنَّ المنافقين"!!!!
فهذه الاختبارات والامتحانات تُميِّز بين المؤمن و المنافق!!!!

وتستمر السورة في عرض نفس الموضوع:" مَن كان يرجو لِقاءَ اللهِ فإن أجلَ اللهِ لآتٍ وهوَ السميعُ العليم* ومَن جاهَدَ فإنَّما يُجاهِدُ لِنَفسِه،إنَّ اللهَ غَنيٌ عنِ العالَمين"(5-6)!!!
فمَن ظنَّ أن الدنيا سهلة ،خالية من المشاكل فهو مُخطىء ،ومَن كان يرجو ثواب الله فليَصبِر في الدنيا على مجاهدة الفِتَن والاختبارات ،وعلى طاعة الله حتى يلقى ربَّه فيجازيه ،فإن لقاء الله قريب .
فلا تظُنَّنَّ أيها المؤمن أن الله محتاج إلى مجاهدتك لنفسك وللفِتَن ،بل هي من أجلك وحدك ... لأن الله غَنِيٌّ عن عملك ،وعبادتك ،وعن كل شيء في العالَمِين،بينما أنت فقير ومحتاج إليه في كل شيء!!!!!
و الطريف أن الآية الأولى من السورة كانت:" أحَسِبَ الناسُ أن يُترَكوا أن يقولوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنون" ؟!
بينما نجد الآية الأخيرة تقول:" والذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا و إنَّ اللهَ لمَعَ المُحسِنين"(69)
فالأصل أن الفِتَن مُستمِرَّة أيُّها المؤمن ،ولكي يهديك الله إلى الطريق السليم وسط هذه الفَتَن عليك بالجهاد والإحسان .

ثم تعود السورة للتأكيد على هذا المعنى فتتحدث عن أشد أنواع الفتن -وهي فتنة الدين -ثم تطلب من المؤمن المجاهدة كما جاء في الآية رقم (8): لقد أمرنا الإنسان بالإحسان إلى والديه غاية الإحسان...ولكن إن بذلا ما في وسعهما ،وحرصا كل الحِرص على أن تكفُر بالله وتُشرك به إلَهاً آخر لا عِلم لك به ،فلا تُطِعهُما ...ولقد نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي كان بارَّاً بأمه ،فلما أسلم قالت له:" لتدَعَنَّ هذا الدين أو لا آكُل أو أشرب حتى أموت فتُعيَّر بي ، ويُقال قاتِل أُمَّه"...فقال لها: لا تفعلي يا أُمَّاه فإني لا أدع هذا الدين لشيء أبداً ...فلما امتنعت عن الأكل والشُّرب لمدة يومين وليلتين وبلغ منها الجَهد ، قال لها:" تعلمين والله يا أُمَاه ، لو كانت لك ألف نَفسٍ فخرجت نَفساً نَفساً ما تركتُ ديني لِشيءٍ أبداً !!!
ثم نجد الآية رقم (10) تؤكِّد على نفس المَعنى : إن فتنَك والديكَ في دينك ،فلا تنزعج وتعتبر هذه الفِتنة كعذاب الله،وإنما جاهِد في الله وتحمَّل.

ثم تستعرض السورة كيف واجه الأنبياء الفتن وجاهدوها :
فنرى نوح الذي صبر على قومه وتكذيبهم له واستهزائهم به ألف سنة إلا خمسين عاماً!!!
ولقد ذكر الله تعالى هذه المدة الزمنية لكي يستشعر المؤمنون عبر الأجيال مقدار المجاهدة والصبر الذين بذلهم نوح،فيكون لهم قُدوة تعينهم على تحمُّل ما قد يواجهونه من فتن ،هي -في كل الأحوال- أقل من فتنته بكثير!!!!
ثم نرى قصص إبراهيم،ولوط،وشُعيب ،وموسى ،ومحمد عليهم السلام ،وكيف جاهد كل منهم ،وصبر.... ثم بعد استعراض هذه القصص نجد الله سبحانه وتعالى ينادي عباده نداءً رقيقاً :" يا عباديَ الذينَ آمَنوا: إنَّ أرضي واسِعَةٌ فإيَّايَ فاعبُدون"(56)!!!!
أي: يا مَن شرَّفَكُم الله بالعبودية له: لا تبقَوا في دار الكُفر، وأمامكم أرضي واسعة تستطيعون أن تختاروا منها دار إيمان فتمكثوا فيها آمنين على دينكم!!!!
لماذا؟!!!!!!
جاء الجواب في الآية التالية:" كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ ثُمَّ إلَينا تُرجَعون" (57)
فأينما تكونوا يُدرِككُم المَوت فاثبتوا على الطاعة ،فإن داركم الحقيقي الخالد هو في جوار الله تعالى في الجنة!!!!!!
لقد نزلت هذه الآية في ضُعفاء مُسلِمي مَكة تحرِّضهم على الهِجرة ،ولكنها ستظل تحدِّث المؤمنين المحارَبين في دينهم إلى يوم القيامة،فاعتَبر أيُّها المؤمن واختر من بقاع الأرض ما تأمن فيها على دينك!!!!!!

والطريف أن هذه السورة سُمِّيَت بسورة العنكبوت،فما علاقة هذا بالفِتَن ومجاهدتها؟!!!
يقول الله تعالى في الآية رقم (41):" إنَّ أوهَنَ البُيوتِ لَبيتُ العَنكَبوتِ لَو كانوا يَعلَمون"
ولعلنا لاحظنا أن الله تعالى حين يسمِّي السور بأسماء كائنات يكون القصد إما أن هذا الكائن يرمز لشيء،أو أن يكون هذا الكائن له سمات ومميزات لها علاقة بهدف السورة: ففي سورة النمل أراد الله تعالى منا أن نتعلم منها الدقة والنظام والتفوق الحضاري.
وفي سورة النحل أراد الله تبارك وتعالى أن نتعلم منها الطاعة و اتِّباع أوامر الله ، فطاعتها لله كانت نتيجتها أن أخرج منها العسل الشهي،وكذلك المؤمن لو أطاع الله كما ينبغي فإنه يجعله سبباً للخيرات!!!
أما العنكبوت،فبيتها كثير الخيوط،وهذه الخيوط متشابكة ومعقَّّدة كالفِتَن حين تُحيط بالإنسان ...وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا: إذا استعَنتُم بالله فإن هذه الفِتَن المتشابكة المعقدة ستصير واهنة كبيت العنكبوت تماماً !!!!!
فالإنسان عادةً إذا ما أصابَتهُ فِتنة انقلب على وجهه وجرى يبحث عن ملجأ ،وفي الغالب هذا الملجأ يكون من البشر،فتريد هذه السورة أن تقول لنا: إذا لجأتم إلى البشر هرباً من الفتن،فكأنما هربتم ولجأتم إلى بيت العنكبوت!!!!!
وما مشكلة بيت العنكبوت؟؟؟
إن هذا البيت واهنٌ من الناحية الاجتماعية ،فبعد أن يلقِّح الذَّكر الأنثى تقوم بقتله وإلقاءه خارج البيت!!!
ثم حين يكبر الأولاد يقومون بقَتل الأم وإلقائها خارج البيت أيضاً !!!!
فهذا البيت هو أسوأ البيوت على الإطلاق!!!!!
فما الحل إذن للنجاة من الفِتَن ؟!!!!!
الحل تخبرنا عنه الآيات: رقم (59) من السورة:"الذينَ صبَروا وعلى ربِّهِم يتوَكَّلون"
فالصبر ، مع التوكُّل الحقيقي على الله هو المَخرج !!!!!
ولعلَّكُم تذكرون أيُّها الإخوة أن التوكل الحقيقي هو: السعي بالجوارح وبذل الجُهد،ثم انتظار الفرَج من الله،و الثقة في وعده للمتوكِّلين عليه :" ومَن يتوكل على الله فهوَ حَسْبُه ، إنَّ اللهَ بالِغُ أمْرِه" صدق الله العظيم.
rainyheart
rainyheart
سورة الروم

تهدف هذه السورة إلى أن تقول:" إنَّ آيات الله ظاهرة،واضِحة بيِّنة "
بدليل أن الجملة "ومِن آياتِه" ذُكِرَت كثيراً .
فمن أراد أن يستدِل على الله فلديه طريقين:
1-كتاب الله المقروء، وهو القرآن الكريم.
2-كتاب الله المنظور، وهو صفحة الكون.
وكل طريق منهما يدل على الآخر، فالقرآن يأخذ بيدك لتقرأ الآية المنظورة ، والكون يساعدك على أن تعود إلى الله فتعبده وتقرأ كتابه.
فهذه السورة تدعونا لأن نتفكر في الكون وفي علاقاتنا الاجتماعية ،و الأُسريه كي نعرف من هو خالِق الكون ومدبِّر أموره.
ولعلنا نلاحظ أن بداية السورة تتحدث عن هزيمة الروم من الفُرس هزيمة مُنكرة ،ثم إخبار بأنهم سينتصرون في خلال سنوات قليلة لا تزيد على تسعة...فما علاقة هذا بآيات الله؟!!!!
إن البشارة بنصر الروم تعد آية مادية واضحة يسوقها الله تبارك وتعالى ويتحدى بها أولئك الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالآيات رغم كل ما يحيط بهم من الآيات الكونية...فلما انتصر الروم كان ذلك دليلاً واضحاً على أن وعد الله حق،هذا الدليل لم يكن لأولئك المكذبين فقط بل كان بشارةً للنبي وأصحابه ،و دليلاً للبشر عبر الأجيال إلى يوم القيامة!!!!ليس فقط لأن الروم انتصرت،وإنما لإخبار الآية بأن مكان المعركة الذي هُزمت فيه الروم هو أدنى مكان في الأرض،كما اكتشف العلم الحديث !!!!
ثم تخبرنا الآية رقم ( 39) عن آية أخرى وهي الرِّبا،فالمفروض أن الزَّكاة تُنقَص المال ،والربا يزيد المال،ولكن الآية تقول:" وما آتَيتُم مِن رِبا ليَرْبوَ في أموالَ الناس فلا يَربو عند الله،وما آتَيتُم مِن زكاةٍ تُريدونَ بِها وجهَ اللهِ فأولئِكَ هُمُ المُضعِفون" !!!!
ولقد أثبت علم الاقتصاد الحديث أن أفضل ما ينمِّي الأموال هو أن يكون سعر الفائدة (صِفر) ،أي لا يكون هناك ربا!!!!!
ثم تستمر السورة في التحدِّي بآيات الله الكونية ،في دعوة لأن نتأمل خلق الله في شتى المجالات: من خلال علم الأحياء والجيولوجيا والتاريخ والاقتصاد،وسائر العلوم.... ولكن هيهات أن يتعِظ أولئك المكذِّبون،ففي نهاية السورة تقول الآية:" ولقد ضربنا في هذا القرآن مِن كلِّ مَثَل ،ولئِن جِئتَهُم بِكُلِّ آيةٍ ليقولُنَّ الذينَ كَفَروا إن أنتُم إلا مُبطِلون"
فالآيات واضحة بيِّنة لمَن أراد أن يؤمن،وأما مَن يعاند ويكذِّب لمجرد التكذيب،فمهما جئناه بآياتٍ فلن يؤمِن!!!!!!
و تختتم السورة بتوصية النبي صلى الله عليه وسلم - ونحن من بعده - بالصبر على أمثال هؤلاء المكذِّبين لأن الله وعده حق ، فسواء كذَّبوا أو آمَنوا فإن الله ناصرُ عِباده، ومُظهِرُ دينَه!!!!!!
***
سورة لقمان
هذه السورة هي سورة تربية الأولاد، فهي تعلِّمنا من خلال وصايا لُقمان لابنه كيف نربي أبناءنا وكيف نتعامل معهم،فليت مدارسنا تعلِّم أولادنا هذه السورة -ولكن بالشكل الصحيح-وليتنا نُعلِّم أولادنا هذه السورة العظيمة!!!!!
فلقمان يتحدث مع ابنه برفق ، ورِقَّة ،ورحمة ، ففي بداية كل نصيحة يخاطبه قائلاً:" يا بُنَيّ " وهي صيغة تصغير تفيد التدليل ،فهي محاولة من لقمان للاقتراب من وجدان ابنه لعله يستمع إلى نصائح أبيه برحابة صَدر،ويُنفِّذُها عن طيب خاطر!!!
فهو يتحدث إلى ابنه وكأنه صاحبه ، و يعامله بلُطف وهدوء، حتى أننا نكاد نتخيله يربت على كتفه وهو يحادِثُه!!
أما وصاياه فكانت الأولى والأهم هي الوصية الخاصة بالعقيدة:(( لا تُشرك بالله !!!))
ثم تتابعت الوصايا ببر الوالدين ،و شكر الله ، والحذر من المعاصي مهما صغُرت،و إقام الصلاة،والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر(الإيجابية)،بعد ذلك ظل لقمان يشرح له حقيقة الدنيا وكيف أنها تحتاج إلى صبر،ثم عاد ليوصيه بعدم التكبر والغرور والعُجب والخُيَلاء...وهنا نلاحظ أنه يريد لابنه أن يعيش في الواقع ولا ينساق وراء الأحلام الوردية .
بعد ذلك ينتقل إلى تعليمه الذوقيات والآداب والمعاملات،فيقول له: إمشِ الهُوَينَى،وقد يقصد بها أيضاً أن يكون له هدف فلا يخطو خطوة إلا بهدف واضح ،ثم يعلِّمه أن يكون صوته خفيضاً ،وينفِّره من علو الصوت بصورة بَشعة .
ومن لقمان نتعلم أن وعظ الأبناء يجب أن يكون بِحُبٍّ، وحنان،وحِكمة ،وإقناع ،فلا نُجبرهم على شيء دون أن يكونوا مقتنعين به،حتى لا يُقلِّدوننا تقليداً أعمى كما فعل الذين تحدَّثت عنهم السورة في الآية رقم(21)" وإذا قيلَ لهُمُ اتَّبِعوا ما أنزَلَ اللهُ قالوا بل نتَّبِعُ ما وجدنا عليهِ آباءنا* أوَلَو كان الشيطانُ يدعوهُم إلى عذابِ السَّعير"

فالإسلام يرفض أن يكون الإنسان إمَّعَة ، ويرفض الإكراه في الدين ، ويحض على التفكُّر،و التَّبَيُّن .
وتختتم السورة بالتأكيد على تقوى الله عز وجل والعمل الصالح ،وعدم الاغترار بالدنيا ، ثم توضِّح قُدرة الله تعالى وواسع عِلمه من خلال الإخبار بالغيبيات الثلاث: (( عِلم الساعة ،ونزول المطر،وما تُكِنُّه الأرحام،والرِّزق،وموعد ومكان الموت))
***

سورة السَّجدة
هذه هي سورة الخضوع لله تبارك وتعالى،فهي تعلمنا كيفية هذا الخضوع،ولعلكم لاحَظتم أيُّها الإخوة أن كل سورة من سور القرآن تعالج نقطة من نقاط إصلاح الإنسان،ومن ثم إصلاح المجتمع،حتى يكتمل اقرآن باكتمال معالجة ما يحتاجه المؤمن في دينه ودنياه،فيتولَّد إنسان من صُنع جديد...فهذا المُصحف نقل العرب من أُمَّة ترعى الغنَم إلى أُمَّة ترعى الأُمَم !!!!
فإذا قرَأتَ المُصحف وفهِمته وعمِلتَ به إرتقى بك من إنسان يعيش على هامش الحياة إلى إنسان صالح لقيادة الأرض!!!!!
وتخبرنا الآية الرئيسة بهذه السورة وهي الآية رقم (15)عن حال المؤمنين الذين يسجدون لله خضوعاً ، وتواضُعاً، وذُلَّاً عن طواعيةٍ واختيار ، لأن ذلك يُشعِرهم برِفعَةٌ الشأن وعلُوّ ا لمَقام ..... أما الذين لا يريدون أن يسجدوا لله ويخضعوا لعظمته في الدنيا بطيب خاطر، فإن الآية رقم (11) تخبرهم بأنهم سيخضعون ويَذِلون لِلّه في الآخرة ولكن الذُّل في ذلك الوقت لن يكون باختيارهم!!!! وتأمَّل معي الآية :" ولو ترَى إذِ المُجرمون ناكِسوا رؤوسِهِم عِندَ ربِّهِم ربَّنا أبصَرنا وسَمِعنا فارجِعنا نعمَل صالِحاً إنَّا موقِنون"!!!!!

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة السجدة في الركعة الأولى من صلاة الفجر، وكأنَّه يريد أن يستشعر الذل والخضوع لعَظَمَة الله تبارك وتعالى ، وذلك في يوم عيد المسلمين ،يوم خُلِقَ آدم ، ولعلنا نقتدي به صلى الله عليه وسلم في يوم عطلتنا الأسبوعية واستعدادنا لأسبوع جديد من العمل والسَّعي،فتظل قلوبنا خاشعة لله ونحن نتعامل مع الآخرين في المجتمع .

ثم تحكي السورة عن حال المؤمن كلما أراد أن ينام تذكَّر الآخرة ووجد جنبيه يتباعدان عن المضجع ، فيقوم بين يدي ربِّه ساجداً وقائماً يرجو رحمته ويَخشى عذابه.

فتذكَّر الآخرة أخي المؤمن فإن ذلك يساعدك على الخضوع لله تبارك وتعالى ،

واخشع لله في الدنيا فإن المَوت قادم!!!
rainyheart
rainyheart
سورة الأحزاب

قبل أن نتحدث عن سورة الأحزاب أود أن أشير إلى أن سورة الأحزاب هي واحدة من ست سور يدور محور كل منها حول ضرورة الاستسلام لله!!!!
فقد قطعنا حتى الآن إثنين وعشرين جزءاً ،فاتضحت معالم المنهج ومعانيه الأساسية ،وظهرت ظهوراَ بَيَّناً ..فهل فهمتَ أيُّها المسلم شكل علاقتك بالله؟
هل اتَّضح لك شكل دينك؟!!
فما هو دينك ؟
هو الإسلام!!!!
وماذا يعني الإسلام؟!!!

هو أن تُسلِم نفسَكَ لله ،أي أن تستسلم له بكل مافيك، حتى لو كان ذلك يتعارض مع أهوائك ومصالحك وأحلامك.
فعنوان ديننا هو:" سلِّم نفسك لِلَّه"!!!!!
إذن أيُّها المؤمن بعد أن اتَّضح لك منهجك ،وتيقَّنت من قُدرة الله تعالى وعَظَمته وحِكمته في خَلقه أما آنَ لك أ ن تُسلم نفسك له؟!!!

ولعلك لاحظتَ أن الله تعالى لم يقُل ذلك إلا بعد أكثر من عشرين جزء من القرآن لكي تكون مستعداً لتلقِّي هذا السؤال!!!!
فإذا سألت :" وما هو الاستسلام؟!!"
أقول لك: الاستسلام هو الخضوع والانصياع لأوامره سبحانه حتى لو كنت غير راضٍ عنها ،حتى لو لم تفهمها، أو تُدرك الحِكمة منها...فتنفِّذها لأنك عرفتَ الله،وتيقَّنتَ كم هو عظيم وجليل وقادر وحكيم ورحيم،وخير مدبِّر للأمور.

وإذا استفسرتَ :" في أي شيء أستسلم له ؟!!"
فالجوا ب هو: في كل شيء: في حياتك وحركتك وسُكونك وتصرُّفاتك وقراراتك...في كل شيء وأي شيء.
ولتعلم أن استسلامك له سبحانه هو مصدر عِزَّتكَ في الدنيا والآخرة
وأن من مظاهر استسلامك له :
*أن تظل تدعو إليه مهما واجهتَ من صعوبات ،ومهما أعرض عنك الناس!!!!!
*و أن تعود للحق ولا تستكبر بالإصرار على المعصية وأنت تعلم أنها معصية!!!!

ولقد ظهرت محاور الاستسلام في سورة الأحزاب حين روت عن أصعب موقف مر به المسلمون على الإطلاق ،حين كانوا في غزوة الأحزاب وكان الكفار يحيطون بهم من كل جانب وانظر إلى الآيات الكريمة وهي تصف هذا الموقف ببلاغة رائعة:" إذ جاءوكُم مِن فَوقِكُم ومِن أسفَلَ مِنكُم ،وإذ زاغَت الأبصار ُ وبلَغَتِ القلوبُ الحناجِر ((من شِدَّة الخَوف))، وتظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنونا * هُنالِكَ ابتُلِيَ المؤمِنون وزُلزِلوا زِلزالاً شديداً "!!!!!
أرأيتُم الموقف؟!!!!!
أما المحور الأساسي للسورة فجاء في الآية رقم (36)"وما كانَ لِمؤمِنٍ ولا مؤمِنَةٍ إذا قضَى اللهُ ورسولُهُ أمراً أن يكونَ لَهُمُ الخِيَرَةِ مِن أمرِهِم * ومَن يَعصِ اللهُ ورَسولُهُ فقد ضلَّ ضلالاً مُبيناً"
فهي تفيد الاستسلام الكامل لله تعالى دون أن يكون لك رأي بعد رأيه ,أو اختيارٍ بعد اختياره،ولا أن يطلب الله منك طلباً فتقول : ((أنا غير مقتنع!!!!))

وهذا لا يعني أن الإسلام يلغي العقل ،لأن الله تعالى حدَّثك في الأجزاء الاثنين والعشرين السابقين بالمنطق والعقل،ليقنعك،والآن هناك معنى مهم يجب أن تفهمه،وهو الله تعامل معنا بالمنطقين وكأنه يقول لنا :
1- إفهم واعقِل ،ثم نفِّذ(في الأجزاء الاثنين والعشرين السابقين من القرآن الكريم)
2- ألستُ بِرَبِّك؟!!! إذن مادمتُ ربِّك فكيف لا تنفِّذ مِن أوامري إلا ما يوافِق هواك؟!!!!
ولِلَّهِ المثل الأعلى: لو قال إبن لوالده:"سأطيعك يا أبي" ،ولكن اقنعني"!! فأين الأبُوَّة ؟!
فاستسلامك لله خالقك دليل العبودية الحَقَّة له سبحانه ،فلا ينبغي أن تكون عبوديتك له مشروطة ،أي لا تضع لها شروطاً توافق هواك !!!!فهذا لا يجوز في حقه سبحانه.

وهذا هو المحور الذي تدور حوله السور الست التي يتكون منها هذا الجزء من القرآن
وهذا ما يجب أن يستقر في أعماقنا .
فنجد السورة تحكي عن نماذج من المستسلمين لله سبحانه ، المُصِرِّين والثابتين على الاستسلام الكامل له:"مِن المؤمنين رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا اللهَ عليهِ فَمِنهُم مَن قضَى نَحبَهُ ومِنهُم مَن ينتَظِر* وما بدَّلوا تَبديلاً "(22-23)
فهذه السورة هدفها التأكيد على ضرورة الاستسلام لأوامر ونواهي الله في المواقف الصعبة ،وهذا يتفق مع كونها تحكي عن أصعب المواقف التي مر بها المسلمون في غزوة الأحزاب –كما ذكرنا - هذا إلى جانب عدة مواقف أخرى شديدة الصعوبة بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم،مثل إلغاء التبنِّي ،وعودة زيد بن حارثة إلى أبيه ،وعدم مناداته بعد ذلك بزيد بن محمد،ثم طلاق زيد من زينب بنت جحش ،وزواج النبي صلى الله عليه وسلم منها!!!!
ثم موقف شديد الصعوبة على الكثير من النساء ،وهو الحجاب!!!! ومن صعوبته على بعضهن أن هؤلاء لا يزلن يتسائلن حتى الآن :" هل الحجاب فرض؟!!" ،وما الدليل على فرضيَّته؟!!!"
فتجيب سورة الأحزاب عن هذين السؤالين، بالإضافة إلى ما جاء عن الحجاب في سورة النور في الآيات: (31)،(60)
ثم تختتم السورة بالحديث عن الأمانة التي حملها الإنسان ،وأشفقت منها السماوات والأرض والجبال-رغم أنها مستسلمة لله تعالى بالعبودية والطاعة- خوفاً من اختيارات الحياة!!!
أما الإنسان فهو ليس ظلوماً جهولاً لأنه قبل حَمل الأمانة ،وإنما لأنه ظلم نفسه بعدم الاستسلام الكامل لله تعالى بعد حملها ،وليته أدرك كم خافت السماوات والأرض والجبال من حمل هذه المسؤولية ،وليته يستسلم لله حق الاستسلام!!!

فلنقرأ هذه السورة –إخواني- ونتذكر كيف استسلم المؤمنون لله تعالى في أصعب المواقف التي مروا بها،ولعلنا نقتدي بهم!!!!!
***


سورة سبأ



هذه السورة تقول للمؤمن: إحترس !!! فالاستسلام لله تعالى هو سبيل بقاء الحضارات،فتضرب مثَلَين على ذلك: سيدنا داوود الذي استمرت حضارته واستقرت وانتشرت لأنه كان ومَن في مملكته مستسلمين لله جل جلاله.
تقول الآية رقم (10):" ولقَد آتَينا داوودَ مِنَّا فَضلاً يا جِبالُ أوِّبي مَعَهُ والطَّير* وألَنَّا لَهُ الحَديد" !!!!
كما تقول الآية رقم(12) عن سيدنا سليمان " ولِسُلَيمان الرِّيحَ غُدُوُّها شَهرٌ ورواحُها شَهرٌ وأسَلنا لَهُ عَينَ القِطرِ* ومِنَ الجِنِّ مَن يعمَلُ بينَ يَدَيهِ بإذنِ ربِّه* ومَن يَزِغ مِنهُم مِن أَمرِنا نُذِقْهُ مِن عذابِ السَّعير"
أنظر إلى استسلام الكائنات لداود وسليمان اللَّذين استسلما بفلبيهما إلى الله ، واستمع إلى تحذير نهاية الآية من عدم الاستسلام لأمر الله: (ومَن يَزِغ مِنهُم مِن أَمرِنا) و أن من يفعل ذلك تكون عاقبته:
( نُذِقْهُ مِن عذابِ السَّعير)
إذن :الإسلام –الذي يعني الاستسلام لله – هو سبيل ازدهار وبقاء الحضارات!!!!

المثل الثاني –وهو مثل عَكسي- هو قصة سبأ:" لقَد كان لسبَإٍ في مَسكَنِهِم آيةً جنَّتانِ عَن يمينٍ وشِمال* كُلوا مِن رِزقِ ربِّكُم واشكُروا لَه * بَلدَةٌ طيِّبَةٌ وربٌّ غَفور* فأعرَضوا فأرسَلنا عليهِم سَيلَ العَرِمِ وبدَّلناهُم بِجَنَّتيهِم جنَّتَينِ ذواتَيْ أُكُلٍ خَمطٍ وأَثلٍ وشَيءٍ مِن سِدرٍ قليل * ذلِكَ جزَيناهُم بِما كَفَروا * وهَل نُجازي إلَّا الكَفور"؟!!!!
لقد أنعم الله عليهم فأعرَضوا!!! أي لم يستسلموا لله تعالى .
والمشكلة ليست مشكلة سبأ وحدها،فالمشكلة باقية على مر الأزمان...لذلك يمكنك أن تستبدل كلمة ((سبأ)) باسم أي حضارة أخرى لم تستسلم لأوامر الله فهلَكَت!!!!

وهل ساد المسلمون وقادوا العالم لفترة 1300 سنة إلا باستسلامهم لأوامر الله عز وجل؟!!!!!

إلى هنا تنتهي هذه الخواطر حول سورة سبأ، وفيما يلي تعقيب واجب .


************

بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الحبيبات في الله :
السلام عليكن ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد
لقد تشرَّفتُ بنقل هذه الخواطر المباركة- بفضل الله تعالى – وفق ما كان يتيسر لي من وقت وجهد،وكنت أنوي المواصلة حتى نهايتها، ولكن الله منَّ علي بأن طلبت مني بالأمس إحدى أخواتي في الله-وهي مُحفِّظة ،ومعلمة تجويد- أن آتيها بالخواطر الخاصة بجزء عم وذلك في موعد أقصاه غداً ظُهراً ، ولما كانت الحلقة الخاصة بهذا الجزء قد فاتتني على قناة "إقرأ " لتغير المواعيد في فترة العيد،فقد حاولت الدخول على موقع الأستاذ "عمرو خالد" للحصول عليها...ولكن يبدو أن الموقع كان مزدحماً وقتها فلم أتمكن من الدخول، فبحثت على محرك بحث"جوجل "
www.Google.com
بالمصطلح: ((خواطر قرآنية)) فكانت إحدى النتائج هي إحدى صفحات منتدى قلعة العرب ، التي تنقل فيها أخت فاضلة تسمى " زهرة البنفسج" هذه الخواطر التي كتبتها،فرأيت أن أتصفحها لأعرف إلى أي سورة قد وصلت، فإذا بها –جزاها الله خيرا- تضع رابطاً خاصاً بملخص آخر للخواطر على موقع الأستاذ" عمرو خالد"، وهو الرابط التالي:
http://www.amrkhaled.net/phpBB2/viewtopic....der=asc&start=0
ولكن الرابط لم يعمل وقتها ، فوضعت هذا المنتدى على قائمتي المفضلة حتى أحاول في وقت لاحق.
وفي الصباح كان الرابط- بفضل الله - يعمل، فإذا بالخواطر مكتوبة حتى سورة الصف ،فحمدت الله تعالى على هذه الغنيمة ، ورأيت أن أطلعكم على هذا الرابط ، لتكتمل هذه الخواطر لديكم كما تكتمل جواهر العقد .
والله تعالى أدعو للأستاذ "عمرو خالد"- مُعِد ومُقدِّم هذه الخواطر- بكل الخير في الدنيا والآخرة لفتحه هذا الطريق لنا، ومحاولته تيسير فهم القرآن وأهدافه بهذا المنهج الجديد ،و رسمه خريطة تحدد المعالم الرئيسة للقرآن ؛ و تساعدنا على أن نلتمس الهُدَى بين صفحاته ....مما أدى إلى إزالة الوحشة والغُربة بيننا وبين كتاب الله الكريم ، وإلى جعلنا ننظر للقرآن بطريقة جديدة ...خاصة وأن لغتنا العربية - في معظم البلاد العربية -قد ضعفت ضعفاً يستحيل معه أن نفهم القرآن كما أراد الله سبحانه.
لذا أوصي نفسي وإيَّاكن أخواتي الغاليات بالمداومة على مراجعة هذه الخواطر قبل قراءة أي سورة ، والحرص على إهداءها لكل مَن نستطيع ، بل وترجمتها لمن لا يُجيدون اللغة العربية من المسلمين ، وغير المسلمين ....فالقرآن الكريم يا غاليات هو أعز ما نملك بعد إيماننا بالله عز وجل ،وهو حبل الله المتين الذي طرفه بيد الله ، فلنستمسك بالطرف الآخر،
و لنقرأه قبل أن يُرفع...فقد قرأت – في إحدى كتب التراث- أن القرآن الكريم سوف يُرفع في آخر الزمان من صدور الحُفَّاظ، وأن الناس سيهرعون إلى المصاحف عساهم أن يجدوا القرآن بها ،فيجدون الصفحات قد طُمست، وأن الأرض – بكاملها - قد حُرمت منه !!!!

أدعو الله ألا نكون من هؤلاء ، وألا يصل الفساد في زماننا حتى نستحق هذا العقاب الشديد !!!!

وحتى ألتقي بكم يا أخواتي في عمل آخر، أستودعكم الله العظيم الذي لا تضيع ودائعُه.
:27: