بنت شيوخ وكلي طموح

تسميع الحديث هنا

الحديث السادس والعشرون

كل سلامى من الناس عليه صدقة

عَنْ أَبي هُريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ , وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ)). رواه البخاريُّ ومسلِمٌ..



الشرح



هذا الحديث من حيثُ تفاصيل الصدقات، يكفي عنه ما مر معنا في الحديث السابق؛ لأنَّ هذه التي ذُكِرت؛ بعضها من الصدقات الذّاتية، وبعضها من الصدقات المتعدية.
قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كلُّ سلامى من الناس عليه صدقة))(سُلامى) هذه المقصود منها: العظام أو المفاصل، من أهل العلم من قال العظام.
ومنهم من قال:مفاصل العظام يعني: الصِّلاتُ بين العظم والعظم، أو العِظامُ أنفسُها فعِظامُ الإنسان كثيرة، والله -جل وعلا- مَنَّ عليك بهذه، فخلقَك في أحسنِ تقويم، وجَعَلك في تصرُّفك في عِظامِكَ، وما ابتلاك به من شكرِ هذه النِّعمة في محطِّ الابتلاء، فهل تشكر أم لا تشكر؟‍!
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((كلُّ سلامى من الناس)) يعني: كلُّ عظمٍ من أعْظم ابن آدم، أو كُلُّ مفصلٍ من مَفاصِل جَسد ابن آدم عليه صدَقة فقوله: (عليه) نعلم من الأصول أنَّها من ألفاظ الوجوب، فيدل على أن شُكْرَ هذه النعمة واجب، فشُكر نعمة البدن، نعمة العِظام، نعمة المفاصل، واجب دلّ على الوجوب قوله: ((عليه صدقة))((كل سلامى من الناس عليه صدقة)) يعني: يجبُ أن يتصدق بصدقة تُقابلُ تلك النّعمة وَتكون شُكْراً لها.
هذه التي ذُكرت أمثالٌ لبعض الصدقات، والصدقة الواجبة التي بها يخلصُ المرْء من الإثم، في عدم شُكرِ نعمةِ البدن: أن لا يستعمل هذه المفاصل في معصية الله -جل وعلا-، فإذا كان يومٌ من الأيام سَلِمَ من المحرمات التي فعلها بهذه المفاصل، واستعمل المفاصل في أداء الواجبات؛ فقد أدّى الشُّكر الواجب في ذلك اليوم.


فكلُّ مَقتصدٍ -يعني فاعل للواجب، تارك للمحرم- في يوم؛ قد أدّى شكر ذلك اليوم الذي يجبُ عليه لنعمة البدن.

ثم هناك شُكرٌ مستحب، وهو: أن يأتي بأنواع الصدقات المستحبة:

- كالقولية.
- والعملية.
- والمالية.
وأنْ يأتي بنوافل العبادات المتنوعة.
فإذاً:الصدقات نوعان:واجبة، ومُستحبة.
فالواجبة هي:أن تستعمل الآلات في الطاعة، وأن تبتعد بها عن الحرام، فإذا فعلت ذلك فقد أدَّيت شُكر تلك الآلات.





قال -عليه الصلاة والسلام-: (كُلُّ يوم تطلع فيه الشمس؛ تَعدلُ بين اثنين صدقة) (كل يوم تطلع فيه الشمس) كلمة (يوم) قد تأتي في النصوص وفي اللغة ويُرادُ بها أكثر من يوم، فيكون عِدة أيام، إذا كان يجمعها شيء واحد، كما أنّه يُقال: (ساعة) وقد تكون ساعات كثيرة، وهذا له فوائده المعروفة في اللغة والبلاغة.
قال هنا: (كل يوم تطلع فيه الشمس) فلما قيده بـ(تطلع فيه الشمس) علمنا أنَّ الوجوب يَومي، يعني كل يوم من طلوع الشمس إلى طلوعها المرة الأخرى، يعني كما نقول: (في كلِّ أرَبعٍ وعشرين ساعة، يجب عليك تجاهَ هذه النَّعمة، وهي نعمة البدن، المفاصل، العظام، أن تشكُر الله -جل وعلا- عليها).
فمثل -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((تعدلُ بين اثنين صدقة))((تعدل)) يدخلُ في العَدْل: الحكم بينهما بالعدل، يدخلُ في ذلك: الصلح، فيما يصلح به، كما قال: {أو إصلاحٍ بين الناس} وأشباه ذلك من الأعمال الخيِّرة.

قال: ((وتُعِينُ الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها، متاعه؛ صدقه)) الإعانة؛ في كلِّ ما يُحتاجُ إليه هذا من أنواع الصدقات؛ تُعينُه في سيارته، تعينه في إصلاح شيءٍ فيها، تعينه في الإركاب، تساعد كبير السِّن أوالمحتاج، إلى آخره..، كل هذا من أنواع الصدقات التي يحصل بها شيء من شُكْرِ نعمة المفاصل والعظام.

قال: ((والكلمةُ الطيبة صدقة، وبكلِّ خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقة)).

((وتُمِيط الأذى عن الطريق صدقة)) هذه أمثلة متنوعة للصدقات اللازمة والمتعدية.




وجاء في رواية في (الصحيح): ((ويجزئُ من ذلك ركعتان يركعهما المرْء من الضُّحى)) فإذا استعلمت هذه المفاصل في ركعتين تركعهما من الضُّحى فقد أدّيت الشكر المستحب لهذه المفاصل.




بنت شيوخ وكلي طموح

صفحة التسميع هنا

الحديث السابع والعشرون

حديث البر حسن الخلق
عن النَّوَّاسِ بنِ سِمْعانَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ , وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عليْهِ النَّاسُ)).

وعن وابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍرَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: أتيتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقالَ: ((جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ.
قالَ: ((اسْتَفْتِ قَلْبَكَ؛ الْبِرُّ مَا اطْمَأنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكََ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ)). حَديثٌ حَسَنٌ رُوِّينَاهُ في (مُسْنَدَيِ الإمامَيْنِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ والدَّارِمِيِّ) بإسنادٍ حَسَنٍ




الشرح

تكمن عظمة هذا الدين في تشريعاته الدقيقة التي تنظم حياة الناس وتعالج مشكلاتهم ، ومن طبيعة هذا المنهج الرباني أنه يشتمل على قواعد وأسس تحدد موقف الناس تجاه كل ما هو موجود في الحياة ، فمن جهة : أباح الله للناس الطيبات ، وعرفهم بكل ما هو خير لهم ، وفي المقابل : حرّم عليهم الخبائث ، ونهاهم عن الاقتراب منها ، وجعل لهم من الخير ما يغنيهم عن الحرام .



وإذا كان الله تعالى قد أمر عباده المؤمنين باتباع الشريعة والتزام أحكامها ، فإن أول هذا الطريق ولبّه : تمييز ما يحبه الله من غيره ، ومعرفة المعيار الدقيق الواضح في ذلك ، وفي ظل هذه الحاجة : أورد الإمام النووي هذين الحديثين الذين اشتملا على تعريف البر والإثم ، وتوضيح علامات كلٍ منهما .



فأما البر : فهي اللفظة الجامعة التي ينطوي تحتها كل أفعال الخير وخصاله ، وجاء تفسيره في الحديث الأول بأنه حسن الخلق ، وعُبّر عنه في حديث وابصة بأنه ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، وهذا الاختلاف في تفسيره لبيان أنواعه .



فالبرّ مع الخَلْق إنما يكون بالإحسان في معاملتهم ، وذلك قوله : ( البرّ حسن الخلق ) ، وحسن الخلق هو بذل الندى، وكف الأذى ، والعفو عن المسيء ، والتواصل معهم بالمعروف ، كما قال ابن عمر رضي الله عنه : " البرّ شيء هيّن : وجه طليق ، وكلام ليّن " .



وأما البر مع الخالق فهو يشمل جميع أنواع الطاعات الظاهرة والباطنة ، كما قال الله تعالى في كتابه : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } ( البقرة : 177 ) ، فيُطلق على العبد بأنه من الأبرار إذا امتثل تلك الأوامر ، ووقف عند حدود الله وشرعه .



ثم عرّف النبي صلى الله عليه وسلم الإثم بقوله : ( والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس ) ، فجعل للإثم علامتين : علامة ظاهرة ، وعلامة باطنة .

فأما العلامة الباطنة : فهي ما يشعر به المرء من قلق واضطراب في نفسه عند ممارسة هذا الفعل ، وما يحصل له من التردد في ارتكابه ، فهذا دليل على أنه إثم في الغالب .

وعلامته الظاهرية : أن تكره أن يطلع على هذا الفعل الأفاضل من الناس ، والصالحون منهم ، بحيث يكون الباعث على هذه الكراهية الدين ، لامجرّد الكراهية العادية ، وفي هذا المعنى يقول ابن مسعود رضي الله عنه : " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ " .

وإرجاع الأمر إلى طمأنينة النفس أو اضطرابها يدل على أن الله سبحانه وتعالى قد فطر عباده على السكون إلى الحق والطمأنينة إليه ، وتلك الحساسية المرهفة والنظرة الدقيقة إنما هي للقلوب المؤمنة التي لم تطمسها ظلمات المعصية ورغبات النفس الأمارة بالسوء .

ولكن هل كل ما حاك في الصدر ، وتردد في النفس ، يجب طرحه والابتعاد عنه ؟ وهل يأثم من عمل به ، أم أن المسألة فيها تفصيل ؟

إن هذه المسألة لها ثلاث حالات ، وبيانها فيما يلي :

الحالة الأولى : إذا حاك في النفس أن أمرا ما منكر وإثم ، ثم جاءت الفتوى المبنيّة على الأدلة من الكتاب والسنة بأنه إثم ، فهذا الأمر منكر وإثم ، لا شك في ذلك .



الحالة الثانية : إذا حاك في الصدر أن هذا الأمر إثم ، وجاءت الفتوى بأنه جائز ، لكن كانت تلك الفتوى غير مبنيّة على دليل واضح من الكتاب أو السنة ، فإن من الورع أن يترك الإنسان هذا الأمر ، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن أفتاك الناس وأفتوك ) ، أي : حتى وإن رخّصوا لك في هذا الفعل ، فإن من الورع تركه لأجل ما حاك في الصدر ، لكن إن كانت الفتوى بأن ذلك الأمر جائز مبنية على أدلة واضحة ، فيسع الإنسان ترك هذا الأمر لأجل الورع ، لكن لا يفتي هو بتحريمه ، أو يلزم الناس بتركه .



وقد تكون الفتوى بأن ذلك الأمر ليس جائزا فحسب ، بل هو واجب من الواجبات ، وحينئذٍ لا يسع المسلم إلا ترك ما حاك في صدره ، والتزام هذا الواجب ، ويكون ما حاك في الصدر حينئذٍ من وسوسة الشيطان وكيده ، ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في صلح الحديبية بأن يحلّوا من إحرامهم ويحلقوا ، ترددوا في ذلك ابتداءً ، وحاك في صدورهم عدم القيام بذلك ، لكن لم يكن لهم من طاعة الله ورسوله بد ، فتركوا ما في نفوسهم ، والتزموا أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم .



ومثل ذلك إذا كان الإنسان موسوسا ، يظن ويشكّ في كلّ أمر أنّه منكر ومحرّم ، فإنه حينئذٍ لا يلتفت إلى الوساوس والأوهام ، بل يلتزم قول أهل العلم وفتواهم .



الحالة الثالثة : إذا لم يكن في الصدر شك أو ريبة أو اضطراب في أمرٍ ما ، فالواجب حينئذٍ أن يتّبع الإنسان قول أهل العلم فيما يحلّ ويحرم ؛ عملا بقوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ( الأنبياء : 7 ) .



إن تعامل الإنسان المسلم مع ما يمر به من المسائل على هذا النحو ، ليدل دلالة واضحة على عظمة هذا الدين ، فقد حرص على إذكاء معاني المراقبة لله في كل الأحوال ، وتنمية وازع الورع في النفس البشرية ، وبذك يتحقق معنى الإحسان في عبادة الله تعالى .




بنت شيوخ وكلي طموح
هنا صفحة التسميع

الحديث الثامن والعشرون

وجوب لزوم السنة - حديث فعليكم بسنتي



عَنْ أَبي نَجِيحٍ العِرْباضِ بنِ سَاريةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ , فَقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، كَأنَّها مَوْعِظَةُ مُودِّعٍ فَأَوْصِنا. قالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , تَمَسَّكُوا بِهَا , وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)). رواهُ أبو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ ، وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

الشرح
خلال ثلاث وعشرين سنة ،لم يدّخر النبي صلى الله عليه وسلم جهدا في تربية الناس وإرشادهم ، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم هداية للناس ، ونورا للأمة ، يضيء لهم معالم الطريق ، ويبين لهم عقبات المسير وصعوباته .

لقد ظل هذا النبي الكريم على هذا المنوال طيلة حياته ، حتى جاء ذلك اليوم الذي نزل عليه قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } (النصر : 1 - 3 ) ، حينها أدرك دنوّ أجله ، وازداد يقينا بذلك حينما خيّره الله بين البقاء في الدنيا والانتقال للدار الآخره ، وتكاثرت الإرهاصات الدالّة على قرب لحوقه بربّه ، فأدركته الشفقة على أمته من بعده ، وأراد أن يعظهم موعظة نافعة ، ووصية جامعة ، تعطيهم منهاجا متكاملا للتعامل مع ما سيمرّ بهم من فتن ، وما قد يبتلون به من محن ، فتكون هذه الوصية لهم بمثابة طوق النجاة في بحر الحياة الخِضم .

وكان لهذه الموعظة العظيمة أكبر الأثر في تلك النفوس الكريمة ، والمعادن الأصيلة ، لقد استشعروا في هذه الوصية قرب فراق نبيهم للدنيا ؛ ولذلك ذرفت عيونهم ، وخفقت قلوبهم ، وأحسوا بعظم الموقف ، مما جعلهم يقولون : " يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا " .

لقد طلبوا منه وصية تكفيهم من بعده ، وتكفل لهم البقاء على الجادّة ، وصحة المسير ، فجاءتهم الوصية النبوية بتقوى الله ؛ فإنها جماع كل خير ، وملاك كل أمر ، وفيها النجاة لمن أراد في الدنيا والآخرة .

ثم أتبع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر ببيان حقوق الإمام التي كفلها الشرع، فقال : (.. والسمع والطاعة – أي : للأمير - ، وإن تأمر عليكم عبد ) ، فالسمع والطاعة حقّان من حقوق الإمام الشرعي كما قال الله عزوجل : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } ( النساء : 59 ) ، وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول : ( يا أيها الناس اتقوا الله ، واسمعوا وأطيعوا وأن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع ، ما أقام فيكم كتاب الله عز وجل ) رواه أحمد وأصله في البخاري ، وغيرها من النصوص الكثيرة الدالة على ذلك .

وعلى الرغم من دخول السمع والطاعة للإمام في باب التقوى ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرده بالذكر ؛ تأكيدا على أهميته، وعظم شأنه وخطره .

لكن ثمة أمر ينبغي أن نلقي الضوء عليه ، وهو أن هذه الطاعة التي تلزم للإمام الشرعي مشروطة بأن تكون موافقة لأحكام الشرعية ، وليست مستقلة بنفسها ، فإذا تعارض أمره مع شرع الله ورسوله فلا تجب طاعته في ذلك ، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في المعصية ، إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري و مسلم .

وقد ذكر العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإن تأمّر عليكم عبد ) أمران ، الأول: أن ذلك من باب الإخبار بالأمور الغيبية ، حين تُسند الولاية إلى غير أهلها ، وتوضع في غير موضعها ، فهنا يجب له السمع والطاعة درءا لحدوث الفتن ، والثاني : أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر جاء من باب ضرب المثل ، وذلك كقوله في الحديث الآخر : ( من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر ، بنى الله له بيتا في الجنة ) رواه ابن ماجة ، ومفحص القطاة أقل من أن يتسع لفرد ، وأصغر من أن يكون مسجدا .

ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن اختلاف أمته من بعده ، وكيفية النجاة من هذا الاختلاف ، لقد قال : ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) ، إنها إشارة إلى ما سيؤول إليه أمر الأمة من تفرّق يوهن قوتها ، وابتعاد عن الهدى والحق ، فوصف الداء وبيّن الدواء ، وأرشدها إلى التمسك بسنته ، وسنة خلفائه الراشدين من بعده ، الذين منّ الله عليهم بالهداية ومعرفة الحق ، والاستقامة على المنهاج النبوي ، حتى صار عصرهم أنموذجا رفيعا يُقتدى به .

وفي ضوء ذلك، يمكن أن نفهم تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم الله على التزام هديهم عندما قال : ( عضّوا عليها بالنواجذ ) ، والنواجذ هي آخر الأضراس ، فهي إذاً كناية عن شدة التمسّك وعدم الحيدة عن هذا الطريق .

إن هذه النصيحة النبوية لتحمل في ثناياها التصوّر الواضح والتأصيل الشرعي الصحيح الذي ينبغي على المسلم أن ينتهجه في حياته ، وبذلك تزداد الحاجة إلى تأمل هذا الحديث واستخراج معانيه العظيمة ، نسأل الله تعالى أن يكتب لنا العصمة من الضلال ، آمين .




بنت شيوخ وكلي طموح
صفحة التسميع هنا
الحديث التاسع والعشرون .

رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة



عن معاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ويُباعِدُني عَنِ النَّارِ.

قالَ:((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ , وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ)). ثمَّ قَالَ: ((أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ)). ثُمَّ تَلاَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ..} حَتى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ} . ثُمَّ قالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟)).
قُلْتُ: بَلى يَا رسولَ اللهِ.
قالَ: ((رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ)). ثمَّ قالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟)).
قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقالَ:((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا)).
قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، وإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ به؟
فقالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أو قالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِم- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)). رواه التِّرمذيُّ , وقالَ: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ.



الشرح

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: ( يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار ) الجنة هي الدار التي أعدها الله عزوجل لعباده المتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والنار هي الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، وفيها من العذاب الشديد ما هو معلوم في الكتاب والسنة، سأل عن هذا الأمر لأنه أهم شيء عنده رضي الله عنه وينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا أهم شيء عنده، أن يدخل الجنة ويباعد عن النار.
وهذا هو غاية الفوز لقوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم
{ لقد سألت عن عظيم } أي شيء ذي عظمة وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار ولكن قال: { وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه } ويحتمل أن يكون قوله: { عن عظيم } عن العمل الذي يدخل الجنة ويباعده عن النار { وإنه } أي ذلك العمل { ليسير عن من يسره الله تعالى عليه } أي سهل على من سهله الله عليه ثم فصل له ذلك بقوله: { تعبد الله ولا تشرك به شيئاً } وعبادة الله سبحانه وتعالى هي القيام بطاعته امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه مخلصاً له { لا تشرك به شيئاً } أي لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، لأنه من شرط العبادة والإخلاص له عزوجل.
والأمر الثاني: من العمل الذي يدخل الجنة ويباعد عن النار إقامة الصلاة حيث قال: { وتقيم الصلاة } ومعنى إقامتها أن تأتي بها مستقيمة تامة الأركان والواجبات والشروط وتكميلها بمكملاتها.
الأمر الثالث: { وتؤتي الزكاة } وهي المال الذي أوجبه الله عز وجل يخرجه الإنسان من أموال معينة بشروط معروفة إلى أهلها المستحقين لها، وهذا معروف في كتب العلماء رحمهم الله.
الأمر الرابع: أي شهر رمضان وهو أيضاً معلوم والصوم هو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
الأمر الخامس: { وتحج البيت } أي تقصد البيت الحرام وهو الكعبة لأداء المناسك.
وهذه أركان الإسلام الخمسة، تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت.
وشهادة أن محمداً رسول الله داخلة في شهادة أن لا إله إلا الله إذا لم تذكر معها، لأن شهادة أن لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله ومن عبادة الله التصديق برسوله عليه السلام واتباعه
ثم قال اي النبي صلى الله عليه وسلم: { ألا أدلك على أبواب الخير؟ } يعني على ما تتوصل به إلى الخير، كأنه قال نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { الصوم جُنة } يعني أنه وقاية يقي من المعاصي في حال الصوم ويقيه من النار يوم القيامة ثم قال صلى الله عليه وسلم: { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار } الصدقة: هي بذل المال للفقير المحتاج تقرباً لله سبحانه وتعالى وتقرباً وإحساناً إلى الفقير وهذه الصدقة تطفئ الخطيئة، أي ما أخطأ به الإنسان من ترك واجب أو فعل محرم { كما يطفئ الماء النار } وكلنا يعرف أن إطفاء الماء للنار لا يبقي من النار شيئاً، كذلك الصدقة لا تبقي من الذنوب شيئاً.
{ وصلاة الرجل في جوف الليل } أي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وجوف الليل وسطه وأفضل صلاة الليل النصف الثاني أو ثلث الليل بعد النصف الأول وقد كان داود عليه السلام ينام نصف اللي ويقوم ثلثه وينام سدسه ثم قرأ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ .. قرأها استشهاداً بها، و الاية كما هو ظاهر فيها أنها تتجافى جنوبهم عن المضاجع يعني للصلاة في الليل وينفقون مما رزقهم الله وهاتان هما الصدقة وصلاة الليل اللتان ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: { ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ } قلت بلى يا رسول الله، قال: { رأس الأمر الإسلام } يعني الشأن الذي هو أعظم الشئون ورأسه الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وبالإسلام يعلو الإنسان على شرار عباد الله من الكفار والمشركينوالمنافقين، { وعموده } أي عمود الإسلام { الصلاة } لأن عمود الشيء ما يبنى عليه الشيء ويستقيم به الشيء ولا يستقيم إلا به وإنما كانت الصلاة عمود الإسلام، لأن تركها يخرج الإنسان من الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله { وذروة سنامه الجهاد } في سبيل الله والسنام ما علا ظهر البعير وذروة أعلاه وإنما ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله، لأن به يعلو المسلمون على أعدائهم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: { ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ } أي بما به ملاك هذا الأمر كله، فقلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه وقال: { كف عليك هذا } يعني لا تطلقه بالكلام لأنه خطر، ( قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ ) هذه جملة استفهامية والمعنى هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { ثكلتك أمك } أي فقدتك حتى كانت ثكلى من فقدك، وهذه الجملة لا يراد بها معناها، وإنما يراد بها الحث والإغراء، على فهم ما يقال، فقال: { ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ }، أوهنا للشك من الراوي هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: { على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلاحصائد ألسنتهم } أي إلا ما تحصد ألسنتهم من الكلام والمعنى أن اللسان إذا أطلقه الإنسان كان سبباً أن يُكب على وجهه في النار والعياذ بالله.
وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة:
حرص الصحابة رضي الله عنهم على الأعمال التي تدخلهم الجنة وتباعدهم من النار وأن هذا هو أهم شيء عندهم ولهذا سأل معاذ بن جبل رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار.
ومنها: إثبات الجنة والنار وهما الآن موجودتان وهما لا يفنيان أبداً.
ومنها: بيان أن سؤال معاذ بن جبل رضي الله عنه عظيم لأن عوضه عظيم والعوض على قدر المعوض ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لقد سألت عن عظيم } أي سألت عن عمل عظيم بدليل ما ترتب عليه من جزاء.
ثم بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ان هذا الشيء العظيم يسير على من يسره الله عليه، فيستفاد من هذا أنه ينبغي للإنسان أن يلجأ إلى الله عزوجل في طلب تيسير الأمور وليعلم أن من أسباب تيسير الله تقوى الله لقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا .
ومن فوائد هذا الحديث: أن أول شيء وأعظمه توحيد الله عزوجل والإخلاص لله لقوله: { تعبد الله ولا تشرك به شيئاً }.
ومن فوائد هذا الحديث: أهمية الصلاة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرهابعد الإخلاص فإن قال قائل: أين الشهادةالثانية ؟ شهادة أن محمداً رسول الله، قلنا: إنها معلومة من قوله: { تعبد الله لا تشرك به شيئاً } وسبق بيان ذلك.
ومن فوائد الحديث: تقديم الزكاة على الصوم لأنها آكد.
ومن فوائد الحديث: تقديم الصوم على الحج لأنه يتكرر كل عام بخلاف الحج فإنه لا يجب إلا في مرة في العمر.
ومن فوائد الحديث: الإشارة في هذه الجملة إلى أركان الإسلام الخمسة { تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت }.
ومن فوائد الحديث: عرض المسألة على الطالب بالتشويق لقوله: { ألا أدلك على أبواب الخير ؟ }.
ومن فوائد الحديث: أن للخير أبواباً وهذه الأبواب لها مداخل وهو يشبه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: { الإيمان بضع وسبعون شعبة }.
ومن فوائد الحديث: أن الصوم جنة، أي مانع للصائم من اللغو والرفث ومن قول الزور والعمل به والجهل، وهو أيضاً جنة للصائم من النار يقيه النار لقوله تعالى: { الصوم لي وأنا أجزي به }.
ومن فوائد الحديث: فضيلة الصدقة لقوله عليه السلام: { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن صلاة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة لقول النبي عليه السلام: { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل }.
ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يستدل بالقرآن لأنه تلى قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ .
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرض المسائل بصيغة الاستفهام لتنبيه المخاطب كما مر في هذا الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث: { أن الأمر } أي شأن الخلق له رأس وله عمود وله ذروة سنام { فرأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة } يعني عمود الإسلام الصلاة، { وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن تارك الصلاة كافر لقوله صلى الله عليه والسلام: { وعموده }أي عمود الإسلام { الصلاة } ومعلوم أن العمود إذا سقط سقط البنيان وهذا القول الراجح من أقوال أهل العلم بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وقد بينا ذلك في رسالة لنا في هذا الأمر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الجهاد في سبيل الله فيه علو الإسلام ورفعته لقوله: { ذروة سنامه الجهاد }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الذي يملك هذا كله هو حفظ اللسان لقوله صلى الله عليه وسلم: { ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ } فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلساني وقال: { كف عليك هذا }.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز التعليم بالإشارة، لانه صلى الله عليه وسلم أخذ بلسان نفسه وقال: { كف عليك هذا }.
ومن فوائد هذا الحديث: خطر اللسان على الإنسان لقوله صلى الله عليه وسلم: { ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! }.
ومن فوائد هذا الحديث: تحري ما نقل في الحديث من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: { على وجوههم أو على مناخرهم }، وهذا يدل على الأمانة التامة في نقل الحديث، والحمد لله.