صفحة تسميع الحديثين هنا
الحديثُ السادسُ وَالثلاثونَ
عَن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَومٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ , وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَه، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)).رواه مسلِمٌ بهذا اللفظِ.
الشرح :
قال عليه الصلاة والسلام: ((من نفَّسَ عن مؤمنٍ كربةً من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كُرب يوم القيامة))، (الكُربَة): ما يكون معه الضيق والضَّنك والشدة على المسلم: ولهذا ناسَب معها التنفيس لأنها تستحكم من جميع الجوانب؛ من جهة نفس المؤمن وقلبه وما يجول فيه، ومن جهة يده، ومن جهة ما حوله، فتستحكم عليه حتى تضيق به الأرض الواسعة، فهنا إذا نُفس عنه فبقدر ذلك التنفيس يكون الثواب.
قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من نَفَّس عن مؤمن كُرْبةً)) وهذا فيه إطلاق، يعني: أي كربة من كُرَبِ الدُّنيا، فيدخُل في ذلك الكُرب النفسية، والكرب العملية، وما يدخل في تَنفيسه في الكلمة الطيبة، وما يدخل تَنفيسه في المال، وما يدخل تَنفيسه في بذل الجاه، إلى آخره.. فتنفيسُ الكُربة عامٌ، والكُرَب هنا أيضاً عامة، فمن نفس عن مؤمن كربة بأن يَسَّر له السبيل إلى التخلص منها، أو خفَّف عليه من وْطأةِ الكُرْبة والشدَّة والضيق الذي أصابه؛ كان جزاؤهُ عند الله -جلّ وعلا- من جنس عمله، لكن في يومٍ هو أحوج إلى هذا التنفيس من الدنيا، ولهذا كان الثواب في الآخرة فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((نفَّس الله عنه كربةً من كُرب يوم القيامة))
قال: (ومن يَسَّر على معسِر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة) :
المعْسِر: هو الذي عليه حق لغيره لا يستطيع أداءهُ.
والتيسير على المعسر يكون بأشياء منها: أن يُعطيه مالاً ليفُك به إعسارهُ، أو أن يكون الحقُ له فيضعهُ عن المعسر فيخفف عنه، وقد قال جل وعلا: {وإن كان ذو عُسْرةٍ فنظرَةٌ إلى ميسرة} فالتيسير على المعْسِر من الأمور المستحبة ومن فضائل الأعمال ومن الصدقات العظيمة.
قال هنا -عليه الصلاة والسلام-: ((ومن يَسَّر على معسِر)) يعني: خفَّف عنه شأن إعساره بإعطائه مالاً، أو بإسقاط بعض المال الذي عليه، أو بإسقاط المال كله، أو السعي له في التخلص من الإعسار، يَسَّر الله عليه جزاءً وفاقاً على ما يسَّر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، وهذا من الثواب الذي جُعل في الدنيا والآخرة، فلا بأْس من أن يقصده المسلم؛ في أن ييسر على إخوانه رغبةً فيما عند الله جل وعلا، ورغبةً في أن ييسر عليه في الدنيا والآخرة؛ لأنَّ هذا -كما ذكرنا في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات- لا يُنافي الإخلاص فإن العمل إذا رُتِّب عليه الثواب في الدنيا، أو في الدنيا والآخرة، وجاءت الشريعة بذلك فإن قصده مع ابتغاء وجه الله جل وعلا والإخلاص له لا حَرَج فيهِ.
قال: ((ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) : من ستر مسلماً: (مسلم) هُنا أيضاً تَعم جميع المسلمين، سواءً أكانوا مطيعين صالحين، أم كانوا فسقة، فإنَّ الستر على المسلم من فضائل الأعمال، بل جعلهُ طائفة من أهل العلم واجباً، فإنَّ المسلم الذي ليس له ولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب عليه أن يَسترَ أَخاهُ المسلم أو يتأكد عليه أن يستر، فإذا عَلِم منه معصية كتمها، وإذا عَلِم منه قَبيحاً كتمه، وسعى في مناصحته وتخليصه منه.
وأمَّا أهل الحسْبَة؛ أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنَّهُم يجوز لهم أن يعلموا هذا فيما بينهم، لكن لا يجوز لهم أن يتحدثوا بما قد يقترفه بعض المسلمين من الذنوب والآثام والقاذورات والمعاصي لأنَّ هذا أيضاً داخلٌ في عموم السَّتْر، ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والأخرة))، لكن الحاجة إلى تأْديبه قائمة، فهؤلاء لهم أن يتداولوا أمره بحسب الحاجة الشرعية.
وهذا ينبغي التنبيه عليه كثيراً فيمن يلي مثل هذه الأمور؛ في أنهم قد يتوسّعون في الحديث عن أهل العصيان وعن من يقبضون عليه ممن يرتكب جرماً أو يرتكب ذنباً أو معصية؛ لتأديبه رحمةً به فمثْلُ هؤلاء ينبغي لهم أن يكتموا القضايا التي يتداولونها فيما بينهم، وألا يذكروا شيئاً منها إلا لمحتاج إلى ذلك الحاجة الشرعية.
قال -عليه الصلاة والسلام-: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عونِ أخيه)):
هذا فيه حث على أن يعين المرءُ أخاهُ بأعظم حثٍّ، حيث جَعل أن العبد إذا أعان أخاه فإنّ الله في عونه، فإذا كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك، وإذا أعنت إخوانك المسلمين واحتجت إلى الإعانة فإن الله يعينك، وهذا من أعظم الفضل والثواب.
قال:((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنَّة)): وهذا فيه الحثُّ والترغيب على سلوك طريق العلم والرَّغَب فيه، فأيُّ طريق من طُرق العلم سلكته فإنّ الله جل وعلا يسهل لك به طريقاً إلى الجنة، بشرط إخلاصك في طلب العلم؛ لأنَّ العلم بابٌ من أبواب الجنة، والجنَّةُ لا تصلح إلا لِمَن علم حقَّ الله -جل وعلا- فمن طَلبَ العلمَ ورغب فيه مخلصاً لله جل وعلا سهل الله له به طريقاً إلى الجنَّة.
قال: ((وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة..)) الحديث، قوله: (وما اجتمع قومٌ) استُدِل به على أنَّ هذا لا يُخص به قوم من قوم، فيصلُح أن يكون هؤلاء المجتمعون من العلماء، أو من طلبة العلم، أو من العامَّة، أو من العُبَّاد، أو من غيرهم، فالمساجد تصْلُح للاجتماع فيها لتلاوة كتاب الله ولتدارسه، فإذا اجتمع أي قومٍ؛ أي فئةٍ، لأجلِ تلاوةِ كتابِ الله وتدارسه فإنهم يتعرَّضُون لهذا الفضْل العظيم.
قال: ((وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله)) والمراد بذلك المسجد، والمسجد -بيتُ الله- إضافة تشريف للمسجد؛ لأنهُ بيتُ يُطْلبُ فيه رضا الله -جل جلاله.
قال: ((يتلون كتاب الله)) هذا حال أولئك؛ والمقصود بذلك أن يتلو واحدٌ منهم والبقية يسْمَعون كما كان عليه هدْي السَّلف؛ أمَّا التلاوة الجماعية فهي محدثة ولا تُقَرُّ، وإنما الذي كان عليه عمل الصحابة فمن بعدهم أنهم يجعلون قارئاً يقرأُ القرآن ثم يستمعُ البَقية، وقد يتناوبون القراءة فيما بينهم، ويتدارسون كلام الله -جل وعلا-.
قال: ((إلا نزلت عليهم السَّكينة)): والسَّكينة هذه هي الطمأْنينة والرَّوح والرَّحمة التي تكون من الله جل وعلا، (نزلت عليهم السكينة) نفهم من ذلك أنها من عند الله -جل وعلا- لأنَّه قال: (نزلت عليهم السكنية)، وهذا فيه تعظِيمٌ لها.
قال: ((وغشيتهم الرَّحمة)) وقوله غشيتهم الرحمة: أنَّ الرَّحمة صارت لهم غشاءً، يعني أنَّها اكتنفت هؤلاء من جميع جهاتهم، فلا يتسلطُ عليهم شيطان -يعني وهم على تلك الحال- بل الرحمة اكتنفتهم من جميع الجهات، فصارت عليهم كالغشاء، وهذا من فَضل الله -العَظِيم- عليهم، حيثُ تعرضوا للرحمة فصارت غشاءً عليهم لا ينفذُ إليهم غيرها.
قال: ((وحفتهم الملائكة)): وأيضا كلمة حفتهم الملائكة يعني: أحْدقت بهم بتراصٍّ، حيثُ لا ينفذ إليهم من الخارج، وهذا كما قال جل وعلا: {وترى الملائكة حافين من حوْل العرْش يُسبِّحون بحمد ربِّهم}، فَحفُّ الملائكة بالعرش أو بهؤلاء الذين يتلون يعني: أنهم أحدقوا بهم من جميع الجهات، وتراصوا بحيثُ كانوا حافين بهم وهذا يدل على أن هؤلاء تعرضوا لفضل عظيم، لا يتسلَّطُ عليهم وهم إذ ذاك شيطان، إلا ما كان من هوى أنفسهم والقرين.
قال: ((وذكرهم الله فيمن عنده)): والذِّكر هنا معناهُ الثناء، يعني: أثنى الله عليهم فيمن عندهُ، ومن عنده هم الملائكة المُقرَّبون، كما قال جل وعلا: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون} فالملائكة المقربون هم الذين عند الله -جل وعلا-: {والذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون}.
وقال بعده: ((ومن بطأ به عمله لم يُسْرع به نسبُه)): فيه أنَّ التفاخر بالأنساب، والظن أنه لأجل النَّسب يكون المرءُ محبوباً عند الله -جل وعلا-، هذا جاءت الشريعةُ بإبطاله، والأمرُ على التقوى والعمل: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فالتقوى هي مدارُ التفضيلُ ومدار التفاضل بين الناس.

الحديثُ السابعُ وَالثلاثونَ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وتَعالى قالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)). رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما بهذهِ الحروفِ.
الشرح
القول هنا: ((فيما يرويه عن ربه تبارك تعالى))يعني: أنَّ هذا حديث قُدسي.
قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات؛ ثم بيَّن ذلك)): يعني كتبها عنده، فبيَّنها في القرآن، بيَّن العمل الذي يُكْتبُ للمرء به حسنة، وبيَّن العمل الذي يُكتبُ للمرْء به سيئة.
قال: ((فمن همَّ بحسنة فلم يعملها..)) إلخ، استُدِل به على أنَّ المَلكين اللذين يكتبان ما يصدرُ عن العبد يعلمان ما يجولُ في قلبه فالهمُّ معلومٌ للمَلك وهذا بإقدارِ الله جل وعلا لهم وإطلاعهِ إيّاهُم وإذنه بذلك، وقد كان بعض الأنبياء يعلمُ ما في نفس الذي أمامه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر رجلاً بما في نفسه، وهكذا حَصل من عدَدٍ من الأنبياء فهذا من أنواع الغيب الذي يُطلعُ الله جل وعلا إياهُ من شاء من عباده، فالملائكة أطلعهم الله جل وعلا على ذلك كما قال سبحانه: {عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول} والرسول هنا يدخل فيه الرسول الملكي والرسول البشري.
قال: ((فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة..))؛ لأنَّ الهم نوع من الإرادة، وإرادته للحسنة طاعة، فيكتُبُها الله جل وعلا له من رحمته ومنّه وكرمه يكتبها له حسنة.
(3) قال: ((فإن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف)) يعني: أنّه إنْ همَّ بالحسنة فعمل، فأقَلُّ ما يُكتب له عشر حسنات، وقد يَصلُ ذلك إلى سبعمائة ضِعْف بحسب الحال. -وقد ذكرنا لكم تفاصيل ذلك في أوائل هذا الشرح- فإنّ المسلمين يتفاوتون في ثواب الحسنة:
منهم: من إذا عملها كُتبت له عشر أضعاف.
ومنهم: من إذا عملها كُتِبت له مائة ضعف.
ومنهم: مائتا ضِعْف.
ومنهم: من تُكتب له أكثر من ذلك إلى سبعمائة ضِعف، بل إلى أضعافٍ كثيرة، وهذا يختلف -كما ذكرنا- باختلاف العلم وتوقير الله جل وعلا والرَّغَب في الآخرة ولهذا كان الصحابةُ -رضوان الله عليهم- أَعظَمَ هذه الأمة أجوراً، وكانوا أعظمَ هذه الأمة منزلة.
وقد ثبت عنه-عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)) يعني: أنهم مع قلة ما ينفقون وما عملوا فإنهم أعظم مما لو أنفق أحدكم، وهؤلاء في متأخري الإسلام؛ فكيف فيمن بعدهم لو أنفقوا مثل أحد ذهباً! وهذا يختلف باختلاف حسن الإسلام وحسن اليقين...
قال: ((وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة)): (إن همّ بسيئة) يعني: أراد سيئةً فلم يعملها، فهذا فيه تفصيل:
إن تركها من جرّاء الله -جل وعلا- يعني: خشيةً لله ورغباً في ما عنده؛ فإنه تكتب له حسنة، كما ذُكر في هذا الحديث، وقد جاء في حديث آخر أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((فإنّما تركها من جَرَّائي))، فإذا ترك السيئة -همّ بها فتركها- يعني: فلم لأنَّ إخلاصه قَلَبَ تلك الإرادة السيئة إلى إرادة حسنة، والإرادة الحسنة والهم بالحسن يكتب له به حسنة.
والحال الثانية: أن يَهمَّ بالسيئة فلا يعملها؛ لأجْل عدمِ تمكنِه مِنْها، والنفس باقية في رغبتها بِعَملِ السيئة، فهذا وإن لم يَعمل فإنه لا تُكتبُ له حسنة بذلك، بل إن سعى في أسباب المعصية فإنه تُكتبُ عليه سيئة، كما جاء في الحديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا: يا سول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: إنهُ كان حريصاً على قتل صاحبه)).
قال العلماء: إذا تمكن المرءُ من أسباب المعصية وصرفه صارفٌ عنها خارجٌ عن إرادته؛ فإنَّهُ يُجزى على همِّه بالسيئة سيئةً، ويكون مؤاخذاً بها بدلالة حديث القاتل والمقتول في النار.
(4) قال: ((وإن هَمَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة)): وهذا من عظيم رحمة الله -جل وعلا- بعباده المؤمنين؛ أنهم إذا عملوا سيئة لا تُضاعَفُ عليهم، بل إنمَّا يَكتُبُها الله -جل وعلا- عليهم سيئة واحدة.
وأمّا الحسنات فتضاعَفُ عليهم، ولهذا: لا يَهْلكُ على الله يوم القيامة إلا هالك؛ لا ترجُحُ سيئات أحد على حسناته إلا هالك؛ لأن الحسنات تضاعف بأضعاف كثيرة، وحتى الهم بالسيئة إذا تركه تقلب له حسنة، والسيئة تكتب بمثلها، فلا يظهر بذلك أن يزيد ميزان السيئات لعبد على ميزان الحسنات إلا وهو خاسر، وقد سعى في كثيرٍ من السيئات، وابتعد عن الحسنات، لهذا نشكر الله جل وعلا، ونحمدك ربي على إحسانك وفضلك ونعمتك على هذا الكرم وعلى هذه النعمة العظيمة، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وتَعالى قالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)). رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما بهذهِ الحروفِ.
الشرح
القول هنا: ((فيما يرويه عن ربه تبارك تعالى))يعني: أنَّ هذا حديث قُدسي.
قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات؛ ثم بيَّن ذلك)): يعني كتبها عنده، فبيَّنها في القرآن، بيَّن العمل الذي يُكْتبُ للمرء به حسنة، وبيَّن العمل الذي يُكتبُ للمرْء به سيئة.
قال: ((فمن همَّ بحسنة فلم يعملها..)) إلخ، استُدِل به على أنَّ المَلكين اللذين يكتبان ما يصدرُ عن العبد يعلمان ما يجولُ في قلبه فالهمُّ معلومٌ للمَلك وهذا بإقدارِ الله جل وعلا لهم وإطلاعهِ إيّاهُم وإذنه بذلك، وقد كان بعض الأنبياء يعلمُ ما في نفس الذي أمامه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر رجلاً بما في نفسه، وهكذا حَصل من عدَدٍ من الأنبياء فهذا من أنواع الغيب الذي يُطلعُ الله جل وعلا إياهُ من شاء من عباده، فالملائكة أطلعهم الله جل وعلا على ذلك كما قال سبحانه: {عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول} والرسول هنا يدخل فيه الرسول الملكي والرسول البشري.
قال: ((فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة..))؛ لأنَّ الهم نوع من الإرادة، وإرادته للحسنة طاعة، فيكتُبُها الله جل وعلا له من رحمته ومنّه وكرمه يكتبها له حسنة.
(3) قال: ((فإن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف)) يعني: أنّه إنْ همَّ بالحسنة فعمل، فأقَلُّ ما يُكتب له عشر حسنات، وقد يَصلُ ذلك إلى سبعمائة ضِعْف بحسب الحال. -وقد ذكرنا لكم تفاصيل ذلك في أوائل هذا الشرح- فإنّ المسلمين يتفاوتون في ثواب الحسنة:
منهم: من إذا عملها كُتبت له عشر أضعاف.
ومنهم: من إذا عملها كُتِبت له مائة ضعف.
ومنهم: مائتا ضِعْف.
ومنهم: من تُكتب له أكثر من ذلك إلى سبعمائة ضِعف، بل إلى أضعافٍ كثيرة، وهذا يختلف -كما ذكرنا- باختلاف العلم وتوقير الله جل وعلا والرَّغَب في الآخرة ولهذا كان الصحابةُ -رضوان الله عليهم- أَعظَمَ هذه الأمة أجوراً، وكانوا أعظمَ هذه الأمة منزلة.
وقد ثبت عنه-عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)) يعني: أنهم مع قلة ما ينفقون وما عملوا فإنهم أعظم مما لو أنفق أحدكم، وهؤلاء في متأخري الإسلام؛ فكيف فيمن بعدهم لو أنفقوا مثل أحد ذهباً! وهذا يختلف باختلاف حسن الإسلام وحسن اليقين...
قال: ((وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة)): (إن همّ بسيئة) يعني: أراد سيئةً فلم يعملها، فهذا فيه تفصيل:
إن تركها من جرّاء الله -جل وعلا- يعني: خشيةً لله ورغباً في ما عنده؛ فإنه تكتب له حسنة، كما ذُكر في هذا الحديث، وقد جاء في حديث آخر أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((فإنّما تركها من جَرَّائي))، فإذا ترك السيئة -همّ بها فتركها- يعني: فلم لأنَّ إخلاصه قَلَبَ تلك الإرادة السيئة إلى إرادة حسنة، والإرادة الحسنة والهم بالحسن يكتب له به حسنة.
والحال الثانية: أن يَهمَّ بالسيئة فلا يعملها؛ لأجْل عدمِ تمكنِه مِنْها، والنفس باقية في رغبتها بِعَملِ السيئة، فهذا وإن لم يَعمل فإنه لا تُكتبُ له حسنة بذلك، بل إن سعى في أسباب المعصية فإنه تُكتبُ عليه سيئة، كما جاء في الحديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا: يا سول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: إنهُ كان حريصاً على قتل صاحبه)).
قال العلماء: إذا تمكن المرءُ من أسباب المعصية وصرفه صارفٌ عنها خارجٌ عن إرادته؛ فإنَّهُ يُجزى على همِّه بالسيئة سيئةً، ويكون مؤاخذاً بها بدلالة حديث القاتل والمقتول في النار.
(4) قال: ((وإن هَمَّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة)): وهذا من عظيم رحمة الله -جل وعلا- بعباده المؤمنين؛ أنهم إذا عملوا سيئة لا تُضاعَفُ عليهم، بل إنمَّا يَكتُبُها الله -جل وعلا- عليهم سيئة واحدة.
وأمّا الحسنات فتضاعَفُ عليهم، ولهذا: لا يَهْلكُ على الله يوم القيامة إلا هالك؛ لا ترجُحُ سيئات أحد على حسناته إلا هالك؛ لأن الحسنات تضاعف بأضعاف كثيرة، وحتى الهم بالسيئة إذا تركه تقلب له حسنة، والسيئة تكتب بمثلها، فلا يظهر بذلك أن يزيد ميزان السيئات لعبد على ميزان الحسنات إلا وهو خاسر، وقد سعى في كثيرٍ من السيئات، وابتعد عن الحسنات، لهذا نشكر الله جل وعلا، ونحمدك ربي على إحسانك وفضلك ونعمتك على هذا الكرم وعلى هذه النعمة العظيمة، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

صفحة التسميع
الحديثُ الثامنُ وَالثلاثونَ
عَنْ أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأَُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأَُعِيذَنَّهُ)). رواه البخاريُّ.
الشرح
هذا حديثٌ عظيم، قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله تعالى قال): فهو حديث قدسي.
((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) (عادى) يعني: اتخذ الولي عدوًّا، وهذا معناهُ أنّهُ أبغضهُ.
قال العلماء: (إنْ أبغض الولي لما هو عليه من الدين فهذا ظاهرٌ دخوله في الحديث).
وأمّا إن عاداهُ لأجْل الدنيا وحَصَل بينه وبينه خصومات لأجل الدنيا، فهذا فيه تفصيل: إن صار مع الخصومات بغضاء وكُرْهٌ فإنَّه يُخشى عليه أن يَدخُلَ في هذا الحديث.
وأمَّا إن كانت الخصومات بدون بغضاء، فإنه لا يدخل في هذا الحديث، يعني لا يكون مؤذناً بالحرْب، وذلك لأنَّ سادات الأولياء من هذه الأمة قد وقعت بينهم خصومات؛ فتخاصَمَ عمر وأبو بكر في عِدَّة مجالس، وتخاصَمَ العبّاسوعلي وحَصَل بينهم خُصومة وترافعا إلى القاضِي، وهكذا في عددٍ من الأحوال، فوُقوع الخُصومةِ بلا بغضاء لولي من أولياء الله -جل وعلا- لا يدخل في هذا الحديث وأمّا إذا أبغض ولياً من أولياء الله جل وعلا فإنهُ مؤذن بالحرب، يعني قد آذنهُ الله جل وعلا بحرْبٍ من عندهِ.
وإيذانه بالحرْب معناهُ: أنَّهُ أُعلِم وأُنْذِرَ بأنّهُ سيعاقب من الله -جل وعلا، إذْ حرْبُ الله جل وعلا: إيصالُ عذابه ونَكالهِ لعباده.
قال: ((من عادى لي وليًّا)) والولي عند أهل السنة والجماعة عرَّفه بعض العلماء-: بأنه (كلُّ مؤمنٍ تقيٍّ ليس بنبيّ)، هذا الولي في الاصطلاح عند أهل السنة والجماعة.
يعني أن الولي كل من عنده إيمان وتقوى، والإيمان والتقوى تتفاضل، فتكون الوَلاية يعني: محبة الله جل وعلا لعبدهِ ونصرته لعبدهِ، تكون تلك الولاية متفاضلةً.
وإنما يُقصَدُ بالولي:
من كمَّل بحسب استطاعته الإيمان والتقوى، وغلب عليه في أحواله الإيمان والتقوى، وذلك لقول الله جل وعلا: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} فجعل الأولياء هم المؤمنين المتقين، إذاً فمن عادى مؤمناً متقياً قد سعى في تكميل إيمانه وتقواه بحسب قدرته ولم يُعرف عنه ما يخدشُ كمال إيمانه وكمال تقواهُ؛ فإنّه مُؤْذنٌ بحرْبٍ من الله، يعني: مُعْلَمٌ ومهددٌ بإيصال عقوبة الله -جل وعلا- له؛ لأنَّ هذا الولي محبوبٌ لله -جل وعلا-، منصورٌ من الله -جل وعلا-، والواجب أن تُحبَّ المرءَ لمحبة الله -جل وعلا- له.
قال: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه)): يعني أنَّ أحبَّ القُرباتِ إلى الله جلّ وعلا أن يتقرَّب العبد بالفرائض، الصلوات الخمس حيث تُصلَّى وتقام، الزكاة المفروضة، الصيام المفروض، الحج المفروض، الأمور الواجبة، كلُّ أمرٍ افترضه الله جل وعلا عليك، فالتقرُّبُ إليه به هو أحبُّ الأشياء إليه جل وعلا، وهذا خِلاف ما يأتي لبعض النفوس في أنهم يحصُل عندهم خشوع وتذلل في النوافل ما لا يحصُل في الفرائض، بل ويرجون بالنوافل ما لا يرجون بالفرائض، وهذا خِلاف العلم، والله جل جلاله -كما جاء في هذا الحديث القدسي- أحب ما يُتقرب إليه به ما افترضه سبحانه، فافترض الله جل وعلا الفرائض بأنه يحب أن يُتعبد بها.
قال: ((ولا يزال عبدي يتقربُ إليّ بالنوافل حتى أُحِبَّه)): يعني لا يزال يتقرب بالنوافل -نوافل العبادات- بعد الفرائض حتى يُحبَّهُ اللهُ جل وعلا.
وهذا يعني أنه صارت له كثرةُ النوافل وصْفاً بحيث كثر منه إتيانهُ بنوافلِ العبادات من صلاة وصيام وصدقات وحج وعمرة وأشباه ذلك.
قال: ((حتى أُحبَّه)) وهذا يدل على أنَّ محبَّة الله -جل وعلا- تُجلبُ بالسَّعي في طاعته بأداء النوافل والسَّعي فيها بعد أداء الفرائض والتقرب إلى الله -جل وعلا- بها.
قال: ((فإذا أحببته)) لمحبَّة الله -جل وعلا- لعبده أثر، فما هذا الأثر؟
قال: ((فإذا أحببته كنت سمعهُ الذي يسمع به وبصرهُ الذي يُبصرُ به…)) إلخ، هذا فسَّره علماء الحديث وعلماء السنة بقولهم أوفقُه وأُسددُه في سمعه وفي بَصره وفيما يعملُ بيده وفيما يمشي إليه برجله، فمعنى قوله: (كنت سمعه) يعني: أوفقه في سمعه، وهذا ليس من التأويل لأنّ القاطع الشرعي النصي أنّ الله -جل وعلا- لا يكون بذاته سمعاً ولا يكون بذاته بصراً ولا يكون بذاته يداً ولا يكون بذاته رجْلاً جل وعلا وتقدس وتعاظم ربنا، فدلَّ هذا القاطع الشرعي على أنَّ قوله: (كُنْتُ سمعه الذي يسمع به) يعني أنَّهُ يُوَفَّقُ في سمعه ويُسدَّدُ؛ فلا يسمع إلا ما يُحب الله -جل وعلا- أن يُسمَع، ولا يُبْصِرُ إلا ما يحب الله -جل وعلا- أن يُبصر، ولا يعملُ بيده ولا يبطش بيده إلا بما يُحبُ الله -جل وعلا- أن يعمل باليد أو أن يُبطَش بها، وكذلك في الرِّجْل التي يمشي بها، وغلاةُ الصوفية استدلوا بهذا على مسألة الحلول، وهناك رواية موضوعة زادوها في هذا الحديث بعد قوله: (ورجله التي يمشي بها)، قال: . وهذا من جرّاء عقيدة الحلول، وهذه مروية؛ لكنها بأسانيد منكرة حكم عليها طائفة من أهل العلم بالوضع.
قال: ((ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)) يعني: والله لئن سألني لأعطينه؛ لأن اللام في قوله: (لئن) هذه الواقعة في جواب القسم، ويكون قبلها قسم، ((لئن سألني لأعطينه)) يعني: والله لئن سألني لأعطينه ما سأل يعني: أنه يكون مُجاب الدعوة، و((لئن استعاذني لأعيذنه)) وهذا فرع من الجملة قبلها. جعلنا الله وإياكم من خاصة عباده وأوليائه.
الحديثُ الثامنُ وَالثلاثونَ
عَنْ أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأَُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأَُعِيذَنَّهُ)). رواه البخاريُّ.
الشرح
هذا حديثٌ عظيم، قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله تعالى قال): فهو حديث قدسي.
((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) (عادى) يعني: اتخذ الولي عدوًّا، وهذا معناهُ أنّهُ أبغضهُ.
قال العلماء: (إنْ أبغض الولي لما هو عليه من الدين فهذا ظاهرٌ دخوله في الحديث).
وأمّا إن عاداهُ لأجْل الدنيا وحَصَل بينه وبينه خصومات لأجل الدنيا، فهذا فيه تفصيل: إن صار مع الخصومات بغضاء وكُرْهٌ فإنَّه يُخشى عليه أن يَدخُلَ في هذا الحديث.
وأمَّا إن كانت الخصومات بدون بغضاء، فإنه لا يدخل في هذا الحديث، يعني لا يكون مؤذناً بالحرْب، وذلك لأنَّ سادات الأولياء من هذه الأمة قد وقعت بينهم خصومات؛ فتخاصَمَ عمر وأبو بكر في عِدَّة مجالس، وتخاصَمَ العبّاسوعلي وحَصَل بينهم خُصومة وترافعا إلى القاضِي، وهكذا في عددٍ من الأحوال، فوُقوع الخُصومةِ بلا بغضاء لولي من أولياء الله -جل وعلا- لا يدخل في هذا الحديث وأمّا إذا أبغض ولياً من أولياء الله جل وعلا فإنهُ مؤذن بالحرب، يعني قد آذنهُ الله جل وعلا بحرْبٍ من عندهِ.
وإيذانه بالحرْب معناهُ: أنَّهُ أُعلِم وأُنْذِرَ بأنّهُ سيعاقب من الله -جل وعلا، إذْ حرْبُ الله جل وعلا: إيصالُ عذابه ونَكالهِ لعباده.
قال: ((من عادى لي وليًّا)) والولي عند أهل السنة والجماعة عرَّفه بعض العلماء-: بأنه (كلُّ مؤمنٍ تقيٍّ ليس بنبيّ)، هذا الولي في الاصطلاح عند أهل السنة والجماعة.
يعني أن الولي كل من عنده إيمان وتقوى، والإيمان والتقوى تتفاضل، فتكون الوَلاية يعني: محبة الله جل وعلا لعبدهِ ونصرته لعبدهِ، تكون تلك الولاية متفاضلةً.
وإنما يُقصَدُ بالولي:
من كمَّل بحسب استطاعته الإيمان والتقوى، وغلب عليه في أحواله الإيمان والتقوى، وذلك لقول الله جل وعلا: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} فجعل الأولياء هم المؤمنين المتقين، إذاً فمن عادى مؤمناً متقياً قد سعى في تكميل إيمانه وتقواه بحسب قدرته ولم يُعرف عنه ما يخدشُ كمال إيمانه وكمال تقواهُ؛ فإنّه مُؤْذنٌ بحرْبٍ من الله، يعني: مُعْلَمٌ ومهددٌ بإيصال عقوبة الله -جل وعلا- له؛ لأنَّ هذا الولي محبوبٌ لله -جل وعلا-، منصورٌ من الله -جل وعلا-، والواجب أن تُحبَّ المرءَ لمحبة الله -جل وعلا- له.
قال: ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه)): يعني أنَّ أحبَّ القُرباتِ إلى الله جلّ وعلا أن يتقرَّب العبد بالفرائض، الصلوات الخمس حيث تُصلَّى وتقام، الزكاة المفروضة، الصيام المفروض، الحج المفروض، الأمور الواجبة، كلُّ أمرٍ افترضه الله جل وعلا عليك، فالتقرُّبُ إليه به هو أحبُّ الأشياء إليه جل وعلا، وهذا خِلاف ما يأتي لبعض النفوس في أنهم يحصُل عندهم خشوع وتذلل في النوافل ما لا يحصُل في الفرائض، بل ويرجون بالنوافل ما لا يرجون بالفرائض، وهذا خِلاف العلم، والله جل جلاله -كما جاء في هذا الحديث القدسي- أحب ما يُتقرب إليه به ما افترضه سبحانه، فافترض الله جل وعلا الفرائض بأنه يحب أن يُتعبد بها.
قال: ((ولا يزال عبدي يتقربُ إليّ بالنوافل حتى أُحِبَّه)): يعني لا يزال يتقرب بالنوافل -نوافل العبادات- بعد الفرائض حتى يُحبَّهُ اللهُ جل وعلا.
وهذا يعني أنه صارت له كثرةُ النوافل وصْفاً بحيث كثر منه إتيانهُ بنوافلِ العبادات من صلاة وصيام وصدقات وحج وعمرة وأشباه ذلك.
قال: ((حتى أُحبَّه)) وهذا يدل على أنَّ محبَّة الله -جل وعلا- تُجلبُ بالسَّعي في طاعته بأداء النوافل والسَّعي فيها بعد أداء الفرائض والتقرب إلى الله -جل وعلا- بها.
قال: ((فإذا أحببته)) لمحبَّة الله -جل وعلا- لعبده أثر، فما هذا الأثر؟
قال: ((فإذا أحببته كنت سمعهُ الذي يسمع به وبصرهُ الذي يُبصرُ به…)) إلخ، هذا فسَّره علماء الحديث وعلماء السنة بقولهم أوفقُه وأُسددُه في سمعه وفي بَصره وفيما يعملُ بيده وفيما يمشي إليه برجله، فمعنى قوله: (كنت سمعه) يعني: أوفقه في سمعه، وهذا ليس من التأويل لأنّ القاطع الشرعي النصي أنّ الله -جل وعلا- لا يكون بذاته سمعاً ولا يكون بذاته بصراً ولا يكون بذاته يداً ولا يكون بذاته رجْلاً جل وعلا وتقدس وتعاظم ربنا، فدلَّ هذا القاطع الشرعي على أنَّ قوله: (كُنْتُ سمعه الذي يسمع به) يعني أنَّهُ يُوَفَّقُ في سمعه ويُسدَّدُ؛ فلا يسمع إلا ما يُحب الله -جل وعلا- أن يُسمَع، ولا يُبْصِرُ إلا ما يحب الله -جل وعلا- أن يُبصر، ولا يعملُ بيده ولا يبطش بيده إلا بما يُحبُ الله -جل وعلا- أن يعمل باليد أو أن يُبطَش بها، وكذلك في الرِّجْل التي يمشي بها، وغلاةُ الصوفية استدلوا بهذا على مسألة الحلول، وهناك رواية موضوعة زادوها في هذا الحديث بعد قوله: (ورجله التي يمشي بها)، قال: . وهذا من جرّاء عقيدة الحلول، وهذه مروية؛ لكنها بأسانيد منكرة حكم عليها طائفة من أهل العلم بالوضع.
قال: ((ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)) يعني: والله لئن سألني لأعطينه؛ لأن اللام في قوله: (لئن) هذه الواقعة في جواب القسم، ويكون قبلها قسم، ((لئن سألني لأعطينه)) يعني: والله لئن سألني لأعطينه ما سأل يعني: أنه يكون مُجاب الدعوة، و((لئن استعاذني لأعيذنه)) وهذا فرع من الجملة قبلها. جعلنا الله وإياكم من خاصة عباده وأوليائه.

الحديثُ التاسعُ وَالثلاثونَ
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما, أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). حديثٌ حسَنٌ رواه ابنُ ماجَه والبيهقيُّ وغيرُهما.
الشرح
هذا الحديث -أيضاً- فيه بيان فضل الله - جل وعلا -ورحمته بالمؤمنين.
قال فيه عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))وفي قوله: ((إن الله تجاوز لي)): ما يُفهم أنّ هذا من خصائص هذه الأمة، فغيرنا من الأمم إذا هم العبد بحسنة لم تكتب له حسنة، وإذا هم بسيئة فتركها لم تكتب له حسنة، وكذلك في خصائص كثيرة؛ ومنها التجاوز عن الخطأ والنسيان، فرحِمَ الله -جل وعلا- هذه الأمة بنبيها صلى الله علية وسلم فتجاوز لها عن الخطأ والنسيان.
ولما نزل قول الله -جل وعلا- في آخر سورة البقرة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} شقَّ ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم جداً حتى نزلت الآية الأخرى وهي قوله -جل وعلا-: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فدعى بها الصحابة -رضوان الله عليهم- فقال الله -جلا وعلا-: (قد فعلت).
فقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وقول الله -جل وعلا-: (قد فعلت) هو في معنى هذا الحديث بل هذا الحديث في معنى الآية فدلَّ ذلك على أن من أخطأ فإنه لا إثم عليه، ومن نَسِيَ فلا إثم عليه، لكن هذا مختص بالحكم التكليفي.
أما الحكم الوضعي فإنه يؤاخذُ بخطأه وبنسيانه؛ ما يتعلق بالضمانات فإذا أخطأ، فقتل مؤمناً خطأً فإنه يؤاخذ بالحكم الوضعي عليه بالدية وما يتبع ذلك.
وأما الإثم فإنه لا إثم عليه لأنه أخطأ وكذلك إذا أخطأ فاعتدى على أحد في ماله أو في جسمه أو في أشباه ذلك؛ فإنه لا إثم عليه من جهة حق الله جلا وعلا أما حق العباد في الحكم الوضعي فإنهم مؤاخذون به، يعني أن الآية والحديث دلاّ على التجاوز فيما كان في حق الله؛ لأن الله هو الذي تجاوز، وتجاوزه -جل وعلا-عن حقه -سبحانه وتعالى- وهذا هو المتعلق بالحكم التكليفي كما هو معروف في بحثه في موضعه في علم أصول الفقه، والخطأ غير النسيان وكذلك الإكراه، ما يكره عليه -أيضاً- يختلف عنهما.
فالخطأ: إرادةُ الشيء وحصولُ غيره من غير قصدٍ لذلك.
والنسيان: الذهول عن الشيء، والإكراه: أو قوله: ((ما استكرهوا عليه)) يعني ما أكرهوا عليه فعملوا شيئاً على جهة الإكراه، فالله -جل وعلا- قال: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من ربهم..} الآية في سورة النحل، وهذا فيه من حيث التفريعات الفقهية مباحث كثيرة نطويها طلباً للاختصار.
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما, أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). حديثٌ حسَنٌ رواه ابنُ ماجَه والبيهقيُّ وغيرُهما.
الشرح
هذا الحديث -أيضاً- فيه بيان فضل الله - جل وعلا -ورحمته بالمؤمنين.
قال فيه عليه الصلاة والسلام: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))وفي قوله: ((إن الله تجاوز لي)): ما يُفهم أنّ هذا من خصائص هذه الأمة، فغيرنا من الأمم إذا هم العبد بحسنة لم تكتب له حسنة، وإذا هم بسيئة فتركها لم تكتب له حسنة، وكذلك في خصائص كثيرة؛ ومنها التجاوز عن الخطأ والنسيان، فرحِمَ الله -جل وعلا- هذه الأمة بنبيها صلى الله علية وسلم فتجاوز لها عن الخطأ والنسيان.
ولما نزل قول الله -جل وعلا- في آخر سورة البقرة: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} شقَّ ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم جداً حتى نزلت الآية الأخرى وهي قوله -جل وعلا-: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فدعى بها الصحابة -رضوان الله عليهم- فقال الله -جلا وعلا-: (قد فعلت).
فقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وقول الله -جل وعلا-: (قد فعلت) هو في معنى هذا الحديث بل هذا الحديث في معنى الآية فدلَّ ذلك على أن من أخطأ فإنه لا إثم عليه، ومن نَسِيَ فلا إثم عليه، لكن هذا مختص بالحكم التكليفي.
أما الحكم الوضعي فإنه يؤاخذُ بخطأه وبنسيانه؛ ما يتعلق بالضمانات فإذا أخطأ، فقتل مؤمناً خطأً فإنه يؤاخذ بالحكم الوضعي عليه بالدية وما يتبع ذلك.
وأما الإثم فإنه لا إثم عليه لأنه أخطأ وكذلك إذا أخطأ فاعتدى على أحد في ماله أو في جسمه أو في أشباه ذلك؛ فإنه لا إثم عليه من جهة حق الله جلا وعلا أما حق العباد في الحكم الوضعي فإنهم مؤاخذون به، يعني أن الآية والحديث دلاّ على التجاوز فيما كان في حق الله؛ لأن الله هو الذي تجاوز، وتجاوزه -جل وعلا-عن حقه -سبحانه وتعالى- وهذا هو المتعلق بالحكم التكليفي كما هو معروف في بحثه في موضعه في علم أصول الفقه، والخطأ غير النسيان وكذلك الإكراه، ما يكره عليه -أيضاً- يختلف عنهما.
فالخطأ: إرادةُ الشيء وحصولُ غيره من غير قصدٍ لذلك.
والنسيان: الذهول عن الشيء، والإكراه: أو قوله: ((ما استكرهوا عليه)) يعني ما أكرهوا عليه فعملوا شيئاً على جهة الإكراه، فالله -جل وعلا- قال: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من ربهم..} الآية في سورة النحل، وهذا فيه من حيث التفريعات الفقهية مباحث كثيرة نطويها طلباً للاختصار.
الصفحة الأخيرة
عَنْ أَبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُم عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقوَى هَهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِه ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وعِرْضُهُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشرح
هذا الحديث أصلٌ في حق المسلم على المسلم، وفيما ينبغي أن يكون بين المسلمين من أنواع التعامل.
قال فيه -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا…)) الحديث، قوله: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا...) إلخ، هذا نهي وكما هو معلوم: أنَّ النهي يفيد التحريم في مثل هذا فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تحاسدوا)) يعني أنَّ الحسد محرم وقد جاءت أحاديث كثيرة فيها بيانُ تحريم الحَسد وأنَّهُ (يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)، وكذلك التناجش محرم وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-عن النّجْش وعن النَجش في غير ما حديث، وكذلك التباغض والتدابر وأشباه هذا، مما يُزيل المحبة أو يزيل الألفة بين المسلمين، فإنهُ ممنوع منع تحريم، قوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا تحاسدوا): الحسد فُسر بعدة تفسيرات ومنها:
أن الحسد تمني زوال النعمة عن الغير.
وأيضاً من الحسد أن يعتقد أن هذا الذي أنعم الله عليه ليس بأهْلٍ لهذه النعمة ولا يستحق فضل الله جل وعلا.
ولهذا فحقيقة الحسد: اعتراضٌ على قضاء الله -جل وعلا- وعلى قدره ونعمته، ولهذا كان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فليس الحسد مقتصراً، على أنَّهُ يأثم به صاحبه فقط بل يُذهب بعض حسنات صاحبه؛ لأنهُ ينطوي على اعتقاد خبيث، وعلى ظن سوءٍ بالله -جل وعلا- حيث قام في قلبه أنَّ هذا ليس بأهلٍ لفضل الله -جلّ وعلا- ونعمته، ونحو هذا ما يستعمله بعض العامَّة، حيث يقول بعضهم: هذا حرام أن يُعطى كذا وكذا،
هذا حرام أن تكون عندهُ هذه النعمة، هذا حرام أن يكون عنده المال، وأشباه ذلك ممَّا فيه ظنُّ سوء بالله -جل وعلا- واعتراض على قدر الله وعلى نعمته وعلى رزقه الذي يصرفه كيف يشاء، فالواجب إذاً على المسلم أن يفرحَ لأخيه المسلم بما أَنعم الله عليه وقد مر معنا في الحديث: (لايؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحبُ لنفسه)، والحسدُ بضدِّ ذلك، فإنَّ الحاسد لا يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه، بل إمَّا أن يتمنى زوال النعمة عن أخيه، أو أنه يعتقد ويظن أنَّ أَخاهُ ليس بأهلٍ لما أعطاهُ الله -جل وعلا-.
(1) قال: (ولا تناجشوا) وهذا أيضاً يدل على تحريم النَّجْش، وقد تقرر في الأصول أنَّ النهي إذا تسلط على المضارع فإنه يعم أنواع المصدر؛ لأنَّ المضارع عبارة عن حدث وزمن، فتسلَّط النهي على الحدث، والحدث نكرة؛ فعمَّ أنواعه، فإذاً: نقول هنا في قوله: ((لا تحاسدوا)): يعمُّ جميع أنواع الحسد وقوله: ((ولا تناجشوا)): يعمُّ جميع أنواع النَّجْش -بالسكون- أو النَّجش -بالتحريك- والنَّجَش أو النجْش فُسِّر بعدَّةِ تفسيرات، وأعمها التفسير اللغوي، وهو أن النَّجْش أن يسعى في إبطال الشيءِ بمكرٍ واحتيالٍ وخديعة، أو هو السَّعي بالمكر والخداع والحيلة، وهذا عام يشمل جميع أنواع التعامل مع المسلمين.
فإذاً قوله: ((ولا تناجشوا)) أي: لا يسعى بعضكم مع بعضٍ بالخداع والحيلة والمواربة وأشباه ذلك من الصفات المذمومة، ويدخلُ في هذا: النَّجْش الخاص، وهو المستعمل في البيع بأن يزيد في السلعة من لا يرغب في شرائها؛ لأن هذا سَعْيٌ في ازدياد السِّعر بمكر وحيلة وخداع، فسمِّي ذلك بالنَّجَش أو النَّجْش لأنه فيه المكر والخداع والحيلة، فيُمنع ويُحرم أن يسعى المسلم مع إخوانه المسلمين بالحيلة والخداع والمكر بأيِّ نوع، بل المُسلمُ مع إخوانه يسير على نية طيبة، وعلى أن يُحبَّ لهم ما يحب لنفسه، وألا يخدعهم ولا يُغرِّر بهم بل يكون معهم كما يُحب أن يكونوا معه، وزيادة المرء في السعر -وهو لا يريد الشراء حين السوم على السلعة- هذا من أنواع الخِداع والحيلة ولهذا فهو منهي عنه ومحرَّم يأثمُ به صاحبه إثم المحرمات.
(2) قال: ((ولا تباغضوا)): والتباغض هنا أيضاً عام في كلِّ ما يكون سبباً لحدوث البغضاء؛ من الأقوال والأعمال، فكلُّ قول يؤدي إلى البغض فأنت منهي عنه، وكل فِعْلٍ يُؤدي إلى التباغض فأنت منهي عنه، فالمؤمن مأمور بأن يسعى بما فيه المحبة بين إخوانه المؤمنين، وأمَّا ما فيه التباغض فهو حرام أن يسعى فيه بقوله أو قلمه أو كلامه أو عمله أو تصرُّفاته -إشارته أو لحْظِه- حتى إنَّ الرَّجُل لا يسوغ له أن يُبغضَ أي مسلم؛ لأنَّهُ قد أَحبَّهُ لما معه من الإسلام والتوحيد، وهذا يجبُرُ غيره، وإن أبغضهُ بُغضاً دينياً فهذا لا حرج فيه، ولكن البغض الدنيوي هو الذي نُهيَ عَنْه هنا، فسَببُ البغض إذا كان دينياً مشروعاً فهذا مطلوب ولا بأس به لكن بالنسبة للمسلم فإنَّهُ لا يُبغض بالجملةَ بل يجتمع في حق المؤمن أو في حق المسلم ما يكون معهُ الحبُّ له، وهو ما معه من الإيمان والتوحيد والطاعة، وما يكون معه البغض له وهو ما قد يكون يقترفه من الإثم والعصيان.
فإذاً في المؤمن والمسلم يجتمع الموجبان في الدين: الحبُّ والبغض، والنبي -صلى الله عليه وسلم- هنا قال: ((لا تباغضوا)) قال العلماء: هذا في السَّعي فيما فيه التباغض في أمر الدنيا، أمَّا إذا كان لأمرٍ شرْعي وديني فإن هذا مطلوب ولا يدخل في هذا النهي الرجل مع أهله ينبغي له أن يسعى فيما فيه المودة والمحبة، وألا يبغض وإذا حصلت البغضاء فإنهُ ينظر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يفركُ مؤمن مؤمنةً إن سَخِطَ منها خُلقاً رَضيَ منها خُلُقاً آخر) يعني لا يبغض مؤمن مؤمنة، وهكذا قاعدة عامة أنَّ المؤمن لا يسوغُ لهُ أن يبغض مؤمناً يعني بعامَّة بل ينظر إليه إن حصل في قلبه بغضاء فينظرُ إلى أخيه المؤمن وينظر ما معه من الخير والإيمان والطاعة فيُعظم جانب طاعته لله على نصيب نفسه وحظِّ نفسه فتنقلب البغضاء عندهُ هَوْناً ما ولا يكون بغيضاً له بُغْضاً تامّاً أو ما يوجبُ المقاطعة أو المدابرة.
قال بعدها -عليه الصلاة والسلام-: ((ولا تدابروا)) يعني لا تسْعَوا في قوْلٍ أو عملٍ تكونوا معه متقاطعين؛ لأنَّ التدابر أن يفترق الناس كلٌ يُولِّي الآخر دُبرَهُ وهذا يعني القطيعة والهجران، وهجر المسلم وقطعه حرام إذا كان لأمرٍ دُنيوي.
فالهجر ينقسم إلى قسمين:
هجر لأمر الدين وهذا له أحكامه المختصة وضابطها: أنه يجوز هجْرُ المسلم لأجل الدين إذا كان فيه مصلحةٌ لذلك الهجْر، وهذا كما هَجَر النبي -صلى الله عليه وسلم- المخلفين الثلاثة في غزوة تبوك، وأمثال ذلك.
والقسم الثاني:الهجْرُ لغرض دنيوي؛ أن يَهجُر المسلمُ أخاهُ للدنيا لإيذاء آذاهُ، أو لشيءٍ وقع في قلبه عليه، فالهجر إذا كان للدنيا فللمسلم أن يهجر أخاه للدنيا إلى ثلاثةِ أيام، وما بعدها فحرامٌ عليه أن يهجَرهُ، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنهُ قال: ((لا يهجر مسلم أخاهُ فوق ثلاث يلتقيان فيعرضُ هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأُ بالسلام))، قال العلماء: الهِجرانُ إلى ثلاث مأذْونٌ به في أمْرِ الدنيا يعني: إذا كان هذا -لحظِّ نفسك- وخيرُ الرجلين الذي يبدأُ بالسلام، أمَّا أمور الدين فهذه بحسب المصلحة -كما ذكرنا في القسم الأول- قد يكون هِجْراناً إلى أسبوع أو إلى شهر أو يوم بحسب ما تقضي به مصلحة المَهجور.
قال: ((ولا يَبع بعضكم على بَيع بَعْض)) وهو مثلاً: أن يقول لِمن أراد أن يشتري سِلْعَةً بعشرة: أنا أعطيك مثلها بِتسعة، أو لِمن أرادَ أنْ يبيع سِلْعةً بعشرة: أنا أخذها منك بإحدى عشر وأشباه ذلك، يعني أنه يُغريه بألا يشتري من أخيه أو أن يبيع عليه ففي هاتين الصورتين حصل بَيعٌ على بيع المسلم، وهنا حَرَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: ((ولا يَبع بعضكم على بَيع بَعْض)) وهذا مشروطٌ بأن الذي يعرضُ الشِّراء من هذا الذي يريدُ أن يبيع شيئاً، أو يعرضُ البيع لهذا الذي يريدُ أن يشتري شيئاً بأكثر في الأول وأقل في الثاني؛ هذا مشروطٌ بأنه حصل بين الأول ومن يريدُ أن يبيعه أو أن يشتري منه انفصال وتراض؛ مثلاً: يأتي إلى صاحب دكان ويقول: أنا أريد أشتري هذه، فيتفاصلان على أنه سيشتريها بكذا وهذا راض سيشتريها، فيأتي أحدٌ ويقول تعالَ أنا أعطيك مثلها بكذا وكذا بأنقص أو أشباه ذلك، فإذا كان هناك رضىً من البائع للسلعة على من يبيع عليه أو رضىً ممن يشتري وتفاصل بينه وبين من أراد الشراء منه أو البيع عليه؛ فإنه هنا يَحرمُ أن يدخل أحدٌ، فيتدخل في هذا المبيع وهنا تمت مقدِّمات العقد بالاتفاق على الثمن والعزم على الشراء؛ فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يدخل، ونفهم من هذا أنه لو تدخل قبل أن يعقد هذا وهذا، ما دام أنه في فترة النظر انتقل من الدكان إلى دكان وأشباه ذلك؛ فهذا لا بأس به، فيشرط التحريم البيع على بيع أخيه بما كان فيه تفارق بالقول، أو انفصال بالقول بالعزم على الشراء أو العزم على البيع، إذا حصل العزم وأجابه البائع أو المشتري فإنه لا يجوز التدخل في ذلك، في أمثالها؛ مثل: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)، فإن المرء إذا تقدم إلى أحد خاطباً، وسمع به فلان من الناس، سمِعَ أن فلاناً خطب، فإن ردوا عليه بالرضا فإنه لا يجوز لأ حد أن يأتي ويقول: أنا أريد ابنتكم -ممن علم أنهم أجابوه ورضوا به- لكن قبل أن يجيبوه بالرضا له أن يدخل كخاطبٍ من الخطاب وهكذا في هذه المسألة في قوله: ((ولا يَبع بعضكم على بَيع بَعْض)).
قال عليه الصلاة والسلام بعدها: ((وكونوا عباد الله إخواناً)) يعني: حققوا أخوة الدين إذ قال جل وعلا: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، وقال جل وعلا: {إنما المؤمنون اخوة}.
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره) ((لا يظلمه)): يعني لا يظلمه في ماله، ولا يظلمه في عرضه، ولا يظلمه، في أهله، ولا يظلمه في أي أمر اختص به، بل يعدل معه، ويكون خليفته في ماله وأهله وعرضه، ولهذا جاءت الشريعة وهذا من محاسنها العظيمة بأن يتحلل المرء من إخوانه فيما وقع منه عليهم من المظالم وقد ثبت في الصحيح (صحيح أبي عبدالله البخاري) أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من كانت عنده لأخيه مَظْلِمةٌ -بكسر الام- في مالٍ أو عرضٍ فليتحلله منه اليوم قبل أن يكون يومٌ لا درهم فيه ولا دينار)) يعني من اغتاب أو من وقع في عرض إخوانه، أو من اعتدى على بعضه، فعليه أن يرد هذه المظالم، فإن كان في ردها مشقة عليه فيوسّط أحداً.
المقصود: أنه يجب أن يرد المظالم وفي الغيبة تفصيل للعلماء؛ من أنه إذا كان ذِكْره لمن اغتابه يؤدي إلى حصول منازعة ومشاقة في إخباره بغيبته إياه وطلبهِ تحليله؛ فإنه يترك هذا الإخبار ويكتفي منه بالاستغفار له وكثرة الدعاء له، لعلها أن تشفع له في تكفير غيبته أو النيل منه، وهذا من السنن التي ينبغي لنا أن نتعاهدها؛ بأن يحلل بعضنا بعضاً، وإذا سأل أحد أخاهُ أن يحللهُ فيستحب له أن يقول: حللك الله، وأنت في حل منِّي، وأشباه ذلك دون سؤال له؛ ماذا قلت؟ وماذا فعلت؟ وبأيِّ شيءٍ اعتديت علي؟ وأشباه ذلك كما قرره العلماء.
قال: ((ولا يخذله)): الخذلان: ترك الإعانة والنُّصرة، والمسلم وليُّ المسلم، محب له، ناصر له، وخذل المسلم للمسلم وخذلانه له ينافي عَقْد المولاةُ الذي بينهما، ولهذا تضمن عقد الموالاة في قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} أنَّ خذْل المسلم للمسلم لا يجوز إذا كان في مقدرته أن يعينه وأن ينصره ولو بالدعاء.
قال: ((ولا يكذبه)) يعني: لا يقول له: أنت كاذب، وكلما أخبره بخبر قال: هذا كاذب، وأنت كاذب؛ لأنَّ الأصل في المسلم أنهُ لا يكذب، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- ((أنه قيل له: أيزني المؤمن؟ قال: نعم، قيل له: أيسرق المؤمن؟ قال: نعم، قيل له: أيكذبُ المؤمن؟ قال: لا))لأنَّ الكذب خصْلَةٌ تستحكم من صاحبها وتستمرُّ معه، فيكون معه خَصلة من خصال النفاق، وأما ما يقع من زنى الشهوة ومن سرقة الشهوة وأشباه ذلك؛ فإنها عارضٌ يعرضُ ويزول، ويرتفع معه الإيمان حتى يكون فوق صاحبه كالظلة ثم إذا فارق المعصية عاد إليه، وأمّا الكذب فإنه إذا استمَر بصاحبه فإنه يدل ويهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار.
فقوله هنا -عليه الصلاة والسلام-: ((ولا يكذبه)) يدخل فيه أن يكذَّبه في الحديث.
قال: ((ولا يحقره))يعني: لا يحتقر المسلم أخاهُ المسلم بأن يعتقد أو يأتي في خاطِره أن هذا وضيع، وأنّ هذا أقلُّ قدراً منهُ، وأن هذا مَرْذول؛ إمَّا لأجْل نسبٍ، أو لأجل صناعةٍ، أو لأجل بلدٍ، أو لأجْل معنى من المعاني، بل الإسلام هو الذي رفع المسلم وجعله مُكرَّماً مخصوصاً من بين المخلوقات، ولهذا فإن المسلم عند الله -جل وعلا- كريمٌ عزيز، وتحقير المسلم يُخالفُ أصْلَ احترام المسلم لما معه من التوحيد والإيمان، فهذا البدن الذي أمامك -بدنُ المسلم- يحملُ عقيدة توحيد وحسن ظنٍ بالله ومعرفة بالله وعلمٍ بالله بحسب ما عنده من الإسلام والإيمان والعلم، وهذا ينبغي معه ألا يحتقر، بل يُحترم لما معه من الإيمان والصلاح، وهذا يتفاوتُ الناس فيه كلما كان الإيمان والصلاح والإسلام والتوحيد والطاعة والسنة أعظم في المرْءِ المسلم كان أولى بأن يكرم ويُعزّ، وأن يُبْتعد عن احتقاره، ويُقابله المشرك؛ فإنه مهما كان من ذوي المال أو ذوي الجاه أو ذوي الرِّفعة فإنّ جَسدهُ فيه روحٌ خبيثةٌ حَملت الشرك بالله والاستهزاء بالله ومسبة الله جل وعلا، والمحِبُّ لله جل وعلا يَكَرهُ ويحتقِرُ هذا الذي معه الاستهزاء بالله والنيل من الله جل وعلا وادعاء الشريك معه.
فإذاً يعظم المسلم أخاه المسلم ويحترمه ولا يحتقره؛ بما معه من الإيمان والتوحيد.
قال: ((التقوى هاهنا -ويُشير إلى صدرهُ ثلاث مرات-)) التقوى محلُّها القلب وهذا معنى إشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى صدْره ثلاث مرات.
قال: ((بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعِرْضه)) دمُ المسلم حرامٌ أن يُسفكَ بغير حق، وكذلك ماله حرامٌ أن يُؤخذَ بغير حق، وكذلك عِرضُهُ حرامُ أن يُنال منه بغير حق، فالنيل من الأعراض بالغيبة والنميمة، أو أن ينال من أهل الرَّجل، أو من أسرته، أو أن يتصرف في ماله بغير إذنه، أو أن يأخذ ماله، أو أن يعتدي على شيء من أملاكه، وكذلك أن يعتدي على دمه -وهذا أعظمه- هذا كلُّه حرام، والشريعة جاءت بتحقيق هذا الأمر فيما بين المسلمين، وفي مجتمع الإسلام؛ بأن تكون الدماء حرام والأموال حرام والأعراض حرام.
وقد ثبت في (الصحيح) في حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه -عليه الصلاة والسلام- قال في خطبته يوم عرفه: ((ألا إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمةِ يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)).