ام بودى68
ام بودى68
خصوصيات النساء في الحج

نبذة :
وهذه أختي المسلمة بعض النصائح والتوجيهات والأحكام التي تختص بها من أرادت الحج، وهي مما يعين على جعل الحج متقبلاً مبروراً، والحج المبرور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس له جزاء إلا الجنة» .





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،، أما بعد:

أختي المسلمة: هنيئاً لك ماعزمت عليه من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، تلك الفريضة التي غابت عن كثير من نساء المسلمين، فبعضهن يجهلن أن الحج فريضة عليهن، وبعضهن يعلمن ولكن يركبن مركب التسويف حتى يفجأهن الأجل وهن تاركات للحج، وبعضهن لا يدرين شيئاً عن المناسك، فيقعن في المحظور والمحرم، وربما بطل حجهن دون أن يشعرن، والله المستعان. أما أنت أيتها الأخت الفاضلة: فلا أراك من هؤلاء، لأنك تعلمين أن الحج فريضة الله على عباده، وهو ركن الإسلام الخامس، وهو جهاد المرأة؟ لقول النبي لعائشة رضي الله عنها: «جهادكن الحج» .

وهذه أختي المسلمة بعض النصائح والتوجيهات والأحكام التي تختص بها من أرادت الحج، وهي مما يعين على جعل الحج متقبلاً مبروراً، والحج المبرور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس له جزاء إلا الجنة» .

1 - الإخلاص لله شرط في صحة وقبول أي عبادة ومنها الحج، فأخلصي لله تعالى في حجك، وإياك والرياء فإنه يحبط العمل ويوجب العقوبة.

2 - متابعة السنة ووقوع العمل وفق هدي النبي شرط ثان في صحة وقبول العمل. لقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» . وهذا يدعوك إلى تعلم أحكام الحج وفق سنة النبي مستعينة على ذلك بالكتب المفيدة التي تعتمد على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.

3 - احذري الشرك الأكبر والأصغر والمعاصي بجميع أنواعها، فإن الشرك الأكبر يوجب الكفر وحبوط العمل والعقوبة، والشرك الأصغر يوجب حبوط العمل والعقوبة، والمعاصي توجب العقوبة.

4 - لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره بدون محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة يوم وليلة، إلا مع ذي محرم» . والمَحْرم هو الزوج وكل من تحرم عليه المرأة تحريماً دائماً بقرابة أو رضاعة أو مصاهرة، وهو شرط في وجوب الحج على المرأة، فإذا توفر للمرأة المحرم مع الزاد والراحلة وأمن الطريق، وجب عليها الحج وإلا لم يجب.

5 - للمرأة أن تحرم فيما شاءت من الثياب من أسود وأخضر أو غيرهما، مع الحذر مما فيه تبرج أو شهرة كالثياب الضيقة والشفافة والقصيرة والمشقوقة، وكذلك يجب على المرأة الحذر مما فيه تشبه بالرجال، أو مما هو من ألبسة الكفار. ومن هنا نعلم أن تخصيص بعض العامة من النساء للإحرام لوناً معيناً كالأخضر أو الأبيض ليس عليه دليل، بل هو من البدع المحدثة.

6 - يحرم على المحرمة بعد عقد نية الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب، لا في البدن ولا في الثياب، ويحرم عليها قصد شم الطيب واستعمال الأدهان المطيبة أو الصابون المطيب. وكذلك يحرم على المرأة التطيب مطلقاً بما يظهر ريحه إذا مرت على الرجال سواء أكانت محرمة أو غير محرمة.

7 - يَحْرم على المحرمة إزالة الشعر من الرأس وجميع البدن بأي وسيلة وكذلك تقليم الأظافر.

8 - يحرم على المحرمة لبس البرقع والنقاب أو ما خيط على قدر الوجه، ولبس القفازين وهما ما خيط على قدر الكفين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين» .

9 - المحرمة لا تكشف وجهها ولا يديها أمام الرجال الأجانب، متعللة بأن النقاب والقفازين من محظورات الإحرام، لأنها يمكن أن تستر وجهها وكفيها بأي شيء كالثوب والخمار ونحوهما، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه" .

10 - بعض النساء إذا أحرمن يضعن على رؤوسهن ما يشبه العمائم أو الرافعات حتى لا يلامس الوجه شيء من الخمار أو الجلباب، وهذا تكلف لا داعي له لأنه لا حرج في أن يمس الغطاء وجه المحرمة.

11 - يجوز للمحرمة أن تلبس القميص والسراويل والجوارب للقدمين، وأساور الذهب والخواتم والساعة ونحوها، ولكن يتعين عليها ستر زينتها عن الرجال غير المحارم في الحج وفي غير الحج.

12 - بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض، قد لا تحرم ظناً منها أن الإحرام تشترط له الطهارة من الحيض، فتتجاوز الميقات بدون إحرام، وهذا خطأ واضح، لأن الحيض لا يمنع الإحرام، فالحائض تحرم وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، فتؤخره إلى أن تطهر، وإن أخرت الإحرام وجاوزت الميقات بدونه، فإنها إن رجعت إلى الميقات وأحرمت منه فلا شيء عليها، وإن أحرمت من غير الميقات فعليها دم لترك الواجب عليها.

13 - للمرأة أن تشترط عند الإحرام إذا خافت من عدم إكمال نسكها فتقول: "إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني"، فلو حدث لها ما يمنعها من إتمام الحج أحلّت ولا شيء عليها.

14 - تذكري أعمال الحج:

أولاً: إذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، اغتسلي وأحرمي ولبِّي قائلة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

ثانياً: اخرجي إلى منى، وصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر مع قصر الصلاة الرباعية ركعتين بدون جمع.

ثالثاً: إذا طلعت شمس يوم التاسع سيري إلى عرفة، وصلّي بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وقت الظهر، وامكثي في عرفة داعيةً ذاكرةً مبتهلةً تائبةً إلى غروب الشمس.

رابعاً: إذا غربت شمس اليوم التاسع سيري من عرفة إلى مزدلفة، وصلّي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، وامكثي بها إلى صلاة الفجر، واجتهدي بعد الفجر في الذكر والدعاء والمناجاة حتى يسفر جداً.

خامساً: انطلقي من مزدلفة إلى منى قبل شروق شمس يوم العيد، فإذا وصلت إلى منى فافعلي ما يلي:

أ ‌- ارمي جمرة العقبة بسبع حصيات.

ب ‌- اذبحي الهدي بعد ارتفاع الشمس.

ج ‌- قصِّري من كل أطراف شعرك قدر أنملة.

د ‌- انزلي إلى مكة، وطوفي طواف الإفاضة، واسعي بين الصفا والمروة سعي الحج إذا كنت متمتعة، أو لم تسعي مع طواف القدوم إذا كنت مفردة أو قارنة.

سادساً: ارمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال إذا أردت التأخر، أو الحادي عشر والثاني عشر إذا أردت التعجل، مع المبيت بمنى ليلتين أو ثلاث.

سابعاً: إذا أردت الرجوع إلى بلدك فطوفي للوداع، وبهذا تنتهي أعمال الحج.

15 - المرأة لا تجهر بالتلبية، بل تسر بها فتُسمع نفسها ومن بجوارها من النساء، ولا تُسمع الرجال الأجانب حذراً من الفتنة ولفت الأنظار إليها.

16 - وقت التلبية يبدأ من بعد الإحرام ويستمر إلى رمى جمرة العقبة يوم النحر.

17 - إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي، فإنها تكمل بقية المناسك فتسعى ولو كان عليها الحيض؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة.

18 - يجوز للمرأة استعمال حبوب منع الحيض لتتمكن من أداء نسكها بشرط عدم حدوث ضرر عليها.

19 - احذري مزاحمة الرجال في جميع مناسك الحج، وبخاصة في الطواف عند الحجر الأسود والركن اليماني، وكذلك في السعي وعند رمي الجمرات، وتخيّري الأوقات التي يخف فيها الزحام، فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطوف في ناحية منفردة عن الرجال، وكانت لا تستلم الحجر أو الركن إن كان ثمة زحام.

20 - ليس على المرأة رمل في الطواف ولا ركض في السعي: والرمل هو إسراع الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، والركض يكون بين العلمين الأخضرين في جميع أشواط السعي، وهما سنة للرجال.

21 - احذري هذا الكتاب، وهو كتاب صغير يحوي بعض الأدعية المبتدعة، وفيه دعاء مخصوص لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي، وليس في ذلك دليل من كتاب أو سنة، فالدعاء مشروع في حال الطواف والسعي بما شاء الإنسان من خيري الدنيا والآخرة، وإن كان دعاءً مأثوراً عن النبي صلى الله علي كان أولى.

22 - للمرأة الحائض أن تقرأ كتب الأدعية والأذكار الشرعية، ولو كان بها آيات من القرآن، ويجوز لها أيضاً أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف.

23 - احذري كشف شيء من بدنك وبخاصة في الأماكن التي يمكن أن يراك فيها الرجال، كأماكن الوضوء العامة، فإن بعض النساء لا تبالي بوجود الرجال قريباً من تلك الأماكن، فينكشف منها حال الوضوء ما لا يجوز كشفه من وجه وذراعين وساقين، وربما خلعت ما على رأسها من خمار، فتظهر الرأس والرقبة، وكل ذلك محرم لا يجوز، وفيه فتنة عظيمة لها ولغيرها من الرجال، وهو كذلك من صور التعاون على الإثم والعدوان.

24 - يجوز للنساء الدفع من مزدلفة قبل الفجر، فقد رخص النبي لبعض النساء ولا سيما الضعيفات بالانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر في آخر الليل، وذلك حتى يرمين جمرة العقبة قبل الزحام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها استأذنت النبي ليلة جَمْع - أي مزدلفة - أن تدفع قبل حَطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة - فأذن لها، وأرسل أم سلمة كذلك، فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت وأفاضت .

25 - يجوز تأخير الرمي إذا رأى ولي المرأة أن الزحام قد اشتد حول جمرة العقبة، وأن في ذلك خطراً على من معه من النساء، فيجوز تأخير رميهن الجمرة حتى يخف الزحام أو يزول، ولا شيء عليهن في ذلك. وكذلك الحال عند الرمي في أيام التشريق الثلاثة، يمكن أن يؤخرن رمي الجمرات إلى ما بعد العصر، وهو وقت يخف فيه الزحام جداً كما هو مشاهد ومعلوم.

26 - لا يجوز للمرأة أن تمكن زوجها من جماعها أو مباشرتها طالما أنها لم تتحلل التحلل الكامل، ويحصل هذا التحلل بثلاثة أمور:

الأول: رمي جمرة العقبة بسبع حصيات.

الثاني: التقصير من جميع الشعر قدر أنملة، وهي ما يقدر ب (2 سنتيمتر) وليس على النساء حلق.

الثالث: طواف الحج (طواف الإفاضة).

فإذا فعلت المرأة هذه الثلاثة مجتمعة جاز لها كل شيء حُرم عليها بالإحرام حتى الجماع، وإذا فعلت اثنين منها جاز لها كل شيء إلا الجماع.

27 - لا يجوز للمرأة أن تبدي شعرها للرجال الأجانب وهي تقصر من أطرافه، كما تفعل كثير من النساء عند المسعى؛ لأن الشعر عورة لا يجوز كشفه أمام أحد من الأجانب.

28 - احذري النوم أمام الرجال، وهذا ما نشاهده من كثير من النساء اللاتي يَحْجُجن مع أهاليهن دون مخيّم أو أي شيء يسترهن عن أعين الرجال، فينمن في الطرقات وعلى الأرصفة وتحت الجسور العلوية وفي مسجد الخيف مختلطين مع الرجال، أو قريباً من الرجال، وهذا من أعظم المنكرات التي يجب منعها والقضاء عليها.

29 - ليس على الحائض والنفساء طواف وداع، وهذا من تخفيف الشرع وتيسيره على النساء، فللمرأة الحائض أن تعود مع أهلها وإن لم تطف طواف الوداع، فاحمدي الله أيتها المرأة المسلمة واشكريه على هذا التيسير وتلك النعمة.

آداب الحج والعمرة:

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: ينبغي لمن أراد الحج والعمرة الآتي:

1 - أن ينوي بذلك وجه الله وثوابه.

2 - أن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً.

3 - وأن يتحلل مَنْ له حق عليه أو بينه وبينه معاملة.

4 - و يستعين بالله في أموره كلها، ويسأله الهداية والتسديد والتسهيل.

5 - ويعلم أنه قد قصد سفراً مباركاً، يعد خير الأسفار وأبركها، فيحتسب كل ما أنفقه في هذا السفر على نفسه ورفقته ومن يتصل به، وما ينفقه على فقير أو مسكين، وما يقضي به حاجة مسلم غنياً كان أو فقيراً.

6 - ويحتسب تعبه ونصبه وما يصيبه من المشقات في هذا السبيل.

7 - وليحرص على مرافقة من يعينه في سفره على أمور دينه.

8 - و ليحافظ في سفره على الصلوات الخمس وإقامة شروطها وحدودها.

9 - وليكثر من ذكر الله في جميع سفره، فإن أفضل الحجاج أفضلهم لله ذكراً.

من أخبار زبيدة في الحج:

هي زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي، امرأة هارون الرشيد، وأم ولده محمد الأمين.

كانت ذات معروف وخير وفضل، ونفقة واسعة على الفقراء وأصحاب الحاجات.

وقصه حجها وما فعلته في طريقها من الإحسان مشهورة، فقد قال بعض المؤرخين: إنها سَقَتْ أهل مكة الماء بعد أن كانت الراوية عندهم بدينار، وإنها أسالت المياه عشرة أميال، وغرست بعض البساتين.

وأما حجتها المشهورة فقد أنفقت فيها ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، ما بين مساجد بنتها، أو آبار حفرتها، أو فقراء مدت لهم يد العون. فرحمها الله رحمة واسعة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ام بودى68
ام بودى68
أعمال الحج

نبذة :
مجلة حائط لمناسك الحج...





rar/3.5 MB ت
ام بودى68
ام بودى68
.


الحج..(تعريفه- منزلته- حكمه- شروطه)




الحمد لله الذي جعل حج بيته العتيق شرعة لأهل الإيمان، من لدن إبراهيم عليه السلام إلى محمد بن عبد الله خير بني الإنسان، واختص هذه الأمة المجيدة بوراثة البيت المجيد إلى قيام الساعة في آخر الزمان، وجعل الكعبة المشرفة قياماً للنّاس، يقيمون وجوههم إليها من كل مكان وتجتمع قلوبهم عليها في كل زمان، وتكون شعاراً لأمة واحدة، تعبد ربًّا واحداً على اختلاف الزمان والمكان، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} .

والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة، الذي بعث لإخراج خير أمة أخرجت للنّاس، جعلت الكعبة قبلتها، والحج والعمرة سياحتها، ولبيك اللّهم لبيك نشيدها، والمسجد الحرام ملتقاها، يأتون إليه من كل فج عميق، حيث يذكرون الله بكل لسان، ويؤدون عبادة عظيمة بالأموال والأبدان والوجدان.

أمّا بعد:

فإنّ الحج من أفضل الطاعات عند ربّ العالمين، وأجل الأعمال الصالحة لمحو ذنوب المذنبين. فما هو الحج؟ وما منزلته في الدين، وما شروطه وأركانه؟

تعريف الحج:

قال في لسان العرب: الحج: القصد، حج إلينا فلان أي قدم(1).

والحج: قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضاً وسنة. وهو قصد الكعبة لأداء أفعال مخصوصة، أو هو زيارة مكان مخصوص في زمن مخصوص بفعل مخصوص والزيارة هي:الذهاب، والمكان المخصوص: الكعبة وعرفة. والزمن المخصوص: هو أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة ، والعشر الأول من ذي الحجة. ولكل فعل زمن خاص، ، والفعل المخصوص: أن يأتي محرماً بنية الحج إلى أماكن معينة.

متى شرع الحج؟

فُرض الحج في أواخر سنة تسع من الهجرة، وآية فرضه قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} . نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع وهو رأي أكثر العلماء.

منزلة الحج في الدين وفضائله:

الحج من أفضل الأعمال فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: «لكنّ أفضل من الجهاد حج مبرور» .

ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة» .

إنّ الحاج إن حج ولم يرفث ولم يفسق تطهَّر من ذنوبه وآثامه فيرجع كيوم ولدته أمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» .

فهنيئاً للحجاج مغفرة الذنوب، إنّهم وفد الله عز وجل، فعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلاّ الجنّة» .

حكم الحج:

اتفق العلماء على فرضية الحج مرة في العمر بدليل الكتاب والسنة. أمّا الكتاب فقول الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} . وأمّا السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» .

والدليل على فرضية الحج مرة واحدة في العمر هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيّها النّاس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم» .

وقد يجب الحج أكثر من مرة لعارضٍ كنذر كأن يقول: "لله علي حجة". وقد يحرم الحج كالحج بمال حرام، وقد يكره كالحج بلا إذن ممّن يجب استئذانه. كأحد أبويه محتاج إلى خدمته، وكالدائن الغريم لمدين لا مال له يقضي به، وكالكفيل لصالح الدائن. إلاّ بالإذن.

وهنا مسألة يتكلم عنها الفقهاء كثيراً، وهي: هل وجوب الحج على الفور أم على التراخي؟ وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال بالوجوب على الفور، وهم أصحاب المذاهب الثلاثة الحنابلة والحنفية المالكية، واستدلوا بأدلة منها: قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} . وحديث: «تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإنّ أحدكم لا يدري ما يعرض له» .
وحديث: «من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً» .
ورواية الترمذي: «من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً»؛ وذلك لأنّ الله قال في كتابه: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} .

وروى سعيد بن منصور في سننه، والبيهقي عن عمر بن الخطاب أنّه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان جدة (أي سعة من المال). ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين".

وقال الشافعية وأحمد والحنفية: بوجوب الحج على التراخي، قالوا: ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة، لأنّ فريضة الحج نزلت على المشهور عندهم سنة ست، فأخر النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنة عشر من غير عذر، و الرأي الأول قوي لدلالة الأحاديث السابقة وإن كان في بعضها ضعفٌ. ولسنا بصدد ذكر أدلة الفريقين والرد عليها. وإنّما ذكرنا هذه المسألة بشيء من الاختصار؛ لأنّ المقال لا يسع ذلك.

حكم من أنكر فرضية الحج:

من أنكر فرضية الحج فهو كافر مرتد عن الإسلام إلاّ أن يكون جاهلاً وهو ممّن يمكن جهله بهذا الحكم كحديث عهد بإسلام، وناشئ في بادية بعيده لا يعرف من أحكام الإسلام شيئاً، فهذا يُعذر بجهله ويُعرَّف، ويُبين له الحكم، فإن أصر على إنكاره حُكم بردته.

وأمّا من تركه متهاوناً مع اعترافه بفرضيته فهذا لا يكفر، ولكنّه على خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم بكفره.

شروط الحج:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وأمّا شروط وجوب الحج والعمرة فخمسة مجموعة في قول الناظم:
ام بودى68
ام بودى68
خطتنا في أيام الجنة نبذة : ورقة دعوية للشيخ هاني حلمي للطباعة والتوزيع المجاني.. لطباعة الورقة يجب عليك أن تحمل ملف البي دي أف.. ورقة دعوية بحجم a4 بجودة الطباعةpdf/1.2 MB
خطتنا في أيام الجنة نبذة : ورقة دعوية للشيخ هاني حلمي للطباعة والتوزيع المجاني.. لطباعة الورقة...
رسالة إلى أهل عرفة ومزدلفة ومنى

نبذة :
وأنت في هذه الأيام المباركة.. استشعر أن الوقت محدود سريع الانقضاء، فانزع إلى خير الصحب وأفضل المرافقين، وابحث عن أحرصهم على تكبيرة الإحرام وأداء النوافل وقراءة القرآن، واجعله لك معيناً ومساعداً، وليكن هو رفيق الرحلة الذي يعينك ويشد من إزرك على الطاعة والع






الحمد لله الذي أعان على العبادة ويسّر، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:

فإنّ نعم الله عز وجل كثيرة لا تعد ولا تحصى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} ، وأعظم النعم وأجلها نعمة الإسلام التي أكرمنا الله بها فله الحمد والشكر على منّه وفضله {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} . فكم على وجه الأرض من كافر حرم نعمة الإسلام؟ وكم من حسيب ووجيه؟ وكم من تاجر ورئيس أغلق دونه الباب؟ فلك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

ثم من نعمة الله عليك أيها الحاج أن أظلك برحمته ويسّر لك سبل الحج، فلم يمنعك مرض، أو قلة مال، أو خوف طريق أو غيرها من التأخير عن أداء الركن الخامس من أركان الإسلام الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم من أداه بقوله: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة» . فالحج ركن من أركان الإسلام، والحج أعظم الأعمال بعد الإيمان والجهاد، وهو من أفضل القربات ويهدم ما قبله.

وأبشر بيوم تقال فيه العثرة، وتغفر فيه الزلة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة» .

فهنيئاً لك هذا الخير العظيم، وهذه النفحات الإيمانية التي تغسل أدران المعاصي والذنوب. وأوصيك بتقوى الله والإخلاص في العمل، والبعد عن الرياء والعجب، وعليك بالإنابة والإخبات والذل لربّك عز وجل، واحمده على نعمة أداء هذا الركن العظيم.

وإليك وقفات يسيرة لا تغيب عن بالك:

أولا: تذكر أنّك في أيام عظيمة وهي أيام عشرة ذي الحجة، قال صلى الله عليه وسلم: «ما العمل في أيام أفضل من هذه العشر»، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلاّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» .

وسئل ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان أيّهما أفضل؟

فأجاب: " أيّام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة " .

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: " والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة: لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره " .

ثانياً: أنت في بلد الله الحرام مكة. وهو بلد تضاعف فيه الحسنات وكذلك السيئات يعظم إثمها، وقد توعّد الله عز وجل من يرد فيه الفساد بعذاب أليم، وقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} .
قال ابن كثير رحمه الله: "أي يهم بأمر فظيع من المعاصي الكبار". وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة» وذكر منهم: «ملحد في الحرم» .
قال في فتح الباري: "وظاهر سياق الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين، لأذاقه الله عذاباً أليماً"، هذا فيمن همّ فكيف بمن عمل!

واحرص أيّها المسلم على تعظيم شعائر الله فإنه جل وعلا يقول: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} .

ثالثاً: في هذا الموسم والمكان فرصة للتوبة إلى الله عز وجل، ومحاسبة النفس على تقصيرها، وخطمها بخطام العودة والإكثار من دموع الندم والتوبة، ويكفي ما امتلأت به الصحائف من الذنوب والآثام، ويكفي ما مضى من العمر، وفيه ما فيه من تفريط وغفلة.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربّكم".

قال مالك بن دينار رحمه الله: "رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله، تعالى فكان لها قائداً".

رابعاً: لقد تركت أهلك وديارك وأموالك وأولادك راغباً فيما عند الله عز وجل، فلا تضيع هذه الأوقات الثمينة، وفرّغ نفسك من لقاء الناس وكثرة الحديث، وتفرغ لأمر آخرتك، واستشعر هول المطلع وعظمة الجبار.

خامساً: لا بد أن يكون الصبر لك شعاراً ودثاراً فتجمّل به واحرص عليه، فأنت في عبادة عظيمة تصاحبها مشقة السفر ووعثائه، وقلة الزاد وضيق المركب، وكثرة الزحام وطول الطريق، فلا تتأفف ولا تتذمر، ولا تدافع من حولك، وعليك بالرفق والسكينة.

عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل فقال: «أيها الناس عليكم بالسكينة، فإنّ البر ليس بالإيضاع - يعني الإسراع» . وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أيّها النّاس السكينة السكينة» . ومن خطبة لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله بعرفات أنّه قال: «ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له».

سادساً: تذكر أيّها الأخ المسلم أنّ الله عز وجل حرّم الظلم على نفسه وجعله محرماً، وحرّم إيذاء المؤمنين والمؤمنات فاحذر أن يزل لسانك بكلمة جارحه أو يدك بدفع أحدة الحجاج، أو بالاستعلاء والتكبر عليهم وإدرائهم، وابتعد عن الرفث والفسوق في الحج. قال تعالى:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، قال ابن سعدي رحمه الله: " الرفث: هو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصاً عند النساء بحضرتهن. والفسوق: وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام. والجدال: وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة، والمقصود من الحج: الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مفارقة السيئات، فإنه بذلك يكون مبروراً، والمبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة، وهذه الأشياء، وإن كانت ممنوعة في كل زمان ومكان، فإنه يغلظ المنع عنها في الحج".

سابعاً: وأنت في هذه الأيام المباركة.. استشعر أن الوقت محدود سريع الانقضاء، فانزع إلى خير الصحب وأفضل المرافقين، وابحث عن أحرصهم على تكبيرة الإحرام وأداء النوافل وقراءة القرآن، واجعله لك معيناً ومساعداً، وليكن هو رفيق الرحلة الذي يعينك ويشد من إزرك على الطاعة والعبادة.

ثامناً: الدعاء.. الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» . فاحرص أخي الكريم على الدعاء وأكثر منه بقلب حاضر ورجاء في الإجابة، فإن الله جواد كريم، وقد اجتمع لك المكان الطاهر والزمان الفاضل وأنت حاج مسافر.. فتحرّ فتح الأبواب وأكثر من الدعاء لخاصة نفسك ولوالديك وذريتك وادع الله عز وجل أن يجعلك من المقبولين، واجعل لأمة محمد نصيباً من الدعاء.. بأن يصلح أحوالهم، وأن يهديهم سواء السبيل.

تاسعاً: في هذا التجمع يكثر اختلاط الرجال بالنساء وعلى كل مسلم ومسلمة أن يحرص على البعد عن المزاحمة مع غضّ البصر. قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} ، وقال تعالى: {وقل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} .

قال ابن كثير رحمه الله: "وهذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم لما حُرم عليهم، فلا ينظروا إلاّ إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً".

والنبي صلى الله عليه وسلم يُذكّر علي ابن أبي طالب وهو من هو في الورع والتقى، فيقول: «يا علي، إنّ لك كنزاً في الجنّة فلا تُتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» ، وهذا ابن سيرين رحمه الله يقول: " إنّي أرى المرأة في المنام فأعرف أنّها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها..". فاستحضر يا من أنت في بلد الله الحرام.. عظم الذنب وقرب الرحيل، وتذكر يوماً تتطاير فيه الصحف، وتشيب فيه الولدان.

هذا وقد فتح الله لك أبواباً كثيرة للخير ومنها:

1 - الحرص على أداء الصلاة في وقتها، وعوّد نفسك أن تأتي مع الآذان فأنت في إجازة تامة من أعمال الدنيا، ومتفرّغ للطاعة والعبادة، وأعظمها بعد الشهادتين أداء الصلاة. قال صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لاستهموا عليه» .

2 - للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلة عظيمة في الإسلام، وعدّه بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدّمه الله عز وجل على الإيمان في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} وقدّمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وفي هذا التقديم بيان لشان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعظم منزلته وخطر تركه. ودرجات تغيير المنكر ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من رأى منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» .

ومجالات الأمر بالمعروف كثيرة في موسم الحج منها: إقامة الصفوف حال الصلاة، وتنبيه الغافل، وتعليم الجاهل، وإبعاد النساء عن الرجال، والأمر بالحجاب والتحذير من السفور. والمسلمة تعلّم النساء كيفية الصلاة الصححية وأحكام الطهارة، وتحذّرهنّ من البدع والشرك، وتأمرهنّ بالحجاب، وغير ذلك.

3 - الدعوة إلى الله عز وجل باب عظيم من أبواب الخير، قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً» . ويتم ذلك بتعليم الجاهل، والغافل، وتوزيع الكتب الشرعية والأشرطة الإسلامية، والدلالة على مكان الدروس والمحاضرات وغيرها كثير.

وأهيب بالإخوة الذين لديهم علم شرعي، أو ملكات أدبية المشاركة في أنشطة المخيمات، فكم اهتدى في هذه الرحلة من شخص، كما أن المشاركة تجعل الحجاج أكثر قرباً وترابطاً، وإبعاداً لهم عن القيل والقال.

4 - من أعمال الحج التي كانت معروفة قديماً إطعام الطعام خاصة في أوقات الزحام، وفي الإطعام أجر عظيم. قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} ، وكان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح قال صلى الله عليه وسلم: «أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة..» .

5 - استثمر الوقت في أنواع العبادة والطاعة، وأيام الحج قلائل فلا تضيّعها في القيل والقال والغمز واللمز ومراقبة الناس، وانتقاد الأكل والشرب والمخيم والمكيفات، بل اسمو بنفسك عن أمور الدنيا.

6 - بادر بإعانة المسنين ومساعدتهم، فإنّ في ذلك إحترام وتوقير لذي الشيبة ومن الرحمة بهم.

7 - توزيع الماء البارد، (السقيا) حيث كثرة الزحام والعطش قال صلى الله عليه وسلم: «.. ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم» .

8 - الصدقة بالمال، فإنّ الإنفاق من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، والآيات والأحاديث في فضل الصدقة كثيرة جداً، ومن بين هذا الجمع المبارك الفقير وأصحاب الحاجات، ففي إعطائهم سدّ لجوعتهم وتفريج لكربتهم وإغنائهم عن السؤال، حتى وإن كانت بالقليل من المال، قال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، فأقرض الله عز وجل وهو غني عنك ليضاعف لك الأجر والمثوبة {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} .
قال ابن القيّم رحمه الله: "فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ولو كانت من فاجر، أو ظالم، بل من كافر، فإن الله يدفع بها أنواعاً من البلاء".

9 - إشاعة السلام، في هذا التجمع الكبير وفي وسط الزحام المتتابع والحر الشديد، تكون الابتسامة طريق مودة ورحمة، ورفع للمعاناة وإظهار للترابط والتواد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» .

10 - البشاشة والتبسم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» .
وقال عبدالله بن الحارث: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ولا تكثر الضحك والمزاح فإنها أيام عبادة وجد لا هزل وضحك.

11 - تفريج الكرب، في السفر يحصل بعض المتاعب والمصاعب وفي إعانة المسلمين وتفريج كربهم خير عظيم قال ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها كربة من كرب يوم القيامة» . ومن صور تفريج الكرب إرشاد التائهين، وإيصال المنقطعين، وإعانة المحتاجين.

13 - التضحية والإيثار، لقد كان من سمات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم التضحية والإيثار وتقديم إخوانهم المسلمين على أنفسهم في المأكل والمشرب، وتحمل الجهد والعناء عنهم.

13 - حسن الصحبة، للصحبة آداب يحسن بك معرفتها، فأنت في سفر، والسفر يسفر عن أخلاق الرجال. واحذر كثرة السؤال والتدقيق والتحدث في كل شيء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» .

14 - الإستئذان عند الدخول والخروج، عند الرغبة في الذهاب للحرم، أو رمي الجمرات أوغيرها، لا بد من إعلام المسؤول ليعرف وجهة كل فرد حتى يسهل ترتيب العمل، كما وأن ذلك أدعى لعدم التفرق والضياع.

15 - اجعل لك في هذه الأيام المباركة جدولاً لحفظ سور من كتاب الله عز وجل، ولتكن: سورة البقرة، أو سورة الكهف، أو سورة النور مثلاً، واستعن بالله.. وسوف يفتح الله على قلبك.

16 - حافظ قدر المستطاع على نظافة المكان الذي تنزل فيه، والطريق الذي تسير فيه، ومن أوجه الصدقة إزالة الأذى عن الطريق.

17 - من آداب السفر الشرعية اتخاذ أمير في السفر، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم» . وهذا أدعى للاتفاق والبعد عن كثرة الآراء وتعددها.

أخي الكريم: احذر العُجب والمباهاة بعملك، فإنّ الله عز وجل هو الذي وفقك وأعانك، وهو الذي هداك، فلا تعجب بعملك فإنه قليل في جنب الله عز وجل، بل استشعر عظمة خالقك وسعة مغفرته، وادعه عز وجل أن لا يكلك إلى عملك، ولا إلى نفسك طرفة عين.

احذر الرياء والسمعة عند العودة والتفاخر وإعلام الناس ليعظموك.

تجنّب أن تسوّد عملك الصالح بالمنّ والأذى، ولا تردد أقوال بعض الجهلة (تعبنا)، (الزحام كثير)، (والحر شديد)، (خسرت كذا).. واصبر واحتسب، فالعبادة فيها مشقة وطول طريق واجتماع كبير، تحدث خلاله أمور على غير ما اعتدت عليه في بلدك.

تأمّل غربتك في مكة وهنّ أيام قلائل، ووسائل الاتصال متاحة! فكيف هي حالك في غربة القبر ووحشته؟! واعلم.. أنّك تموت وحدك وتحاسب وحدك وتبعث وحدك، فاستعد لهذا اليوم وما بعده.

أكثر من الدعاء أن يتقبل الله حجك وأن يكتب أجرك وأن يثبتك على دينه حتى تلقاه.

الحال بعد العودة:

ها أنت قد حججت إلى بيت الله الحرام، وأكرمك الله عز وجل بأداء هذه الشعيرة العظيمة، وادعو الله عز وجل أن تكون قد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، وابشّرك بحديث الصادق الذي لا ينطق عن الهوى: «ما أهلّ ـ يعني لبّى ـ مهلّ ولا كبّر مكبّر قط إلاّ بشّر بالجنّة» .

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلاّ كتب الله بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع له درجة» .

ها قد عادت صحائفك بيضاً، فماذا الحال بعد هذا العفو والعتق؟! وهل تعيد السيرة الأولى من كثرة الذنوب والآثام؟ أم تسارع إلى ملئ الصحف بالطاعات وكثرة العبادة؟!

تقبّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلها صواباً خالصةً لوجهه الكريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


<DIV align=right>
شيم***
شيم***
جزاك الله خخخير
جزاك الله خخخير
جزاك الرحمن كل ماتتمنيه من خير