مات قلبي البارحة ..
كنت وحيدا في منزلي عندما استيقظت على أنين هامس .. ودموع صامتة .. تفقدت المكان .. تفقدت الزمان ..
لا شيء سوى الأنين .. لا شيء سوى الدموع ..
مات قلبي البارحة ..
كنت محاطا بالأصدقاء و الأحباب عندما شعرت بجثة تسقط داخلي .. هرعت اليها .. أنجدها .. اساعدها .. وجدت قلبي في رمقه الأخير يقول لي : ساعد نفسك يا صديقي .. حتى تساعدني ..!!
مات قلبي البارحة ..
كنت أقف على الشرفة .. تحت الظلام .. فوق الغيوم .. بين الهموم .. سمعت أنينا يبرق بين السحب ..
قلت : ستمطر ..
قال قلبي : انه انين الفراق يا صديقي ..
قلت : ستمطر حتما
قال قلبي : انه لحن الوداع يا رفيقي ..
قلت : انها ستمطر لا محالة ..
قال قلبي : انها مواكب الموت يا عزيزي ..
مددت يدي الى السماء أبحث عن نقطة مطر .. وجدت نقطة ساخنة تهوى على أصابعي .. تحرقها .. تسحقها ..
وصوت يشق عنان الظلام : وداعا .. يا قاتلي ..
مات قلبي البارحة ..
كنت وحيدا في منزلي عندما استيقظت على أنين هامس .. ودموع صامتة .. تفقدت...
وفجأة .. اضطرب كل شيء أمامي .. الصورة تهتز بشدة .. كل ما حولي يتأرجح .. سيارتي تحولت فجأة إلى طائرة .. هكذا أحسستها .. لا شيء تحتي سوى الهواء و الفراغ و الهلع ..
هل كانت ثوان ..؟
بل دقائق هزت الأرض هزا .. كنت وصلت إلى نهاية الجسر لأدفع بقدمي بشدة نحو كابح السيارة لأرى ما الذي حدث ..؟
هل إختل توازن السيارة و أنا أعبث بالمؤشر ..؟
هل إختل توازني أنا شخصيا عندما ملت نحو المذياع ..؟
أم انفجر إطار السيارة بسبب سرعتي التي تجاوزت المسموح ..؟
خرجت من السيارة و أنا أدور حول نفسي ..؟
هناك شيء لا زال يتخبطني .. ارتميت على سيارتي أحتضنها .. لعلي أحتفظ بالبقية الباقية من توازني ..
ألتقط أنفاسي .. ألتقط ذاتي .. ألتقط أي شيء حولي لأعرف ماذا حدث ..
أدور ببصري حول المكان .. لا شيء سوى الغبار .. لا شيء سوى الصراخ .. لا شيء سوى الركام .. سيارات فجأة أصبحت فوق بعضها البعض .. الجسر من حولي تلاشى سوى بقية باقية وقفت عندها عشرات السيارات لا تتجاوزها ..
انهار كل شيء من حولي .. ذاك المبنى الضخم هو الآن مجرد كومة من الحديد و الإسمنت .. معالم الطريق اختفت .. ومعالم مدينتي التي أعرفها ضاعت .. الجسور من حولي مالت بنفسها وعشرات السيارات و البشر يتراكضون في كل اتجاه ..
فجأة تتصاعد أصوات سيارات الإسعاف .. بل المطافئ .. بل النجدة .. أصوات تشق غبار الصباح الدامي ..
الأنين في كل مكان .. هل أستطيع أن أتحرك للمساعدة ..؟
انه زلزال مدمر .. هكذا يبدو .. أتحرك في كل اتجاه .. أنين في كل شبر .. و عيني لا تخطيء جثثا تكومت في سيارات انقلبت بفعل السرعة والهزة .. أركض بسرعة أبحث عن شيء لا أعرفه .. لا أرى بشرا .. لا أرى سوى الركام والدماء و الأشلاء .. الطريق أمامي تحول فجأة إلى مقبرة ضخمة نبشت قبورها و الجثث في كل مكان .. قدماي توشك على خيانتي .. أواصل الركض .. لا أرى طريقي .. لا أرى مستقبلي .. لا أرى يومي .. لا أرى شيئا من اللحظة القادمة .. فقدت أثر الاتجاهات .. و تساوت الدروب المحترقة تحت ناظري ..
يطوقني الصراخ .. يطوقني الأنين .. يطوقني زلزال احتل يومي و ابتلع غدي ..
يارب .. ما العمل .. ؟
لم يعد لي عمل هذا الصباح ..
وتركت ورائي بيتا لا أعلم ألا زال قائما أم أنه غفا فوق صغاري ..
ولكن .. أنا بخير .. أو هكذا أظن ..
لا زلت أحرّك يدي ..
لا زلت أحرك عيني ..
ولازال بين جوانحي قلب ينبض ..
لم أصب .. لم يجرحني الزلزال .. ولكن .. طعنني في مقتل ..
مدينتنا ساحلية جميلة .. لا تاريخ لها مع الزلازل .. ولم تحفظ كتب الأيام أي حكاية لها مع هزات ولو خفيفة ..
ماذا حدث اليوم ..؟
هل غدرت بنا كتب التاريخ ..؟
أم غدر بنا حزام صخري في باطن البحر ..؟
أم إندس بين جبالنا السمراء جبل بركاني شرخ قشرة أرضنا فزلزل كياننا و قلوبنا ..؟
وأين أنت يا ريختر لتأتي بمقياسك العجيب وتقيس مقدار فاجعتنا و ألمنا و رعبنا و خوفنا ..؟
أين أنت يا هذا و أين " ترمومترك " ليقس أوجاعنا و مقدار الشرخ الذي حصل في نفوسنا و بيوتنا ..؟
هل أبقى هنا أندب حظي و مدينتي .. لا ..لا ..
أركض من جديد على غير هدى .. أركض فوق الريح .. فوق الركام .. فوق الألم ..
وأقف فجأة .. تصطدم قدمي بأمواج متلاطمة .. لقد وصلت البحر .. انه يصرخ .. يزأر .. يتلون بكل الألوان القاتمة .. لقد ماتت زرقته .. ومات هدوءه .. وهاأنا محاصر بين زلزال قاتل وبحر ثائر ..
الموج يزحف نحو الطرقات .. يبتلع كل ما حوله .. انه يتسلل إلى مدينتي الحبيبة .. يطوقها .. يلتهمها .. ولا أملك سوى الركض من جديد ..
إلى أين الهروب ..؟
أرفع رأسي فجأة ..
انه مبنى ضخم يتمايل للحظات ..
يدك الأرض دكا .. يوشك أن يخر صريعا فوق جسدي .. لا .. لا .. لا .. وأصرخ بأعلى صوتي : لا ..
وأهب من مكاني لأواصل الهروب .. ولكن ..
أي هروب ..
أنا هنا في غرفتي ..
صوت التلفاز يسبح في المكان ..
أضع يدي على قلبي .. انه يدق بعنف .. بل بقسوة ..
أين الزلزال ..؟
أتأمل مكاني من جديد .. كل شيء كما هو وبنفس الملل القديم ..
نعم .. إنها تلك الصحيفة التي كنت أقرأها قبل غفوتي هذه ..
لقد هزني ذاك " المانشيت " الغريب :
" جدة ليست بمعزل عن الزلازل "
يا الله .. ارحم عبادك ..