كشخة
كشخة
الف تحذير وصلني قبل أن أستأجر هذا البيت .. قالوا ان الأشباح تستوطنه وترتع فيه .... وزعموا ان المصائب تلاحق كل من يسكنه .. ومع هذا فلم أستطع التراجع .. فقيمة الإيجار أكثر من معقولة ..فهي تناسب دخلي .. والأهم من هذا ان البيت يناسب شابا أعزب مثلي .. وقد وجدت ان صاحب البيت يوشك أثناء توقيع عقد الإيجار أن يسكنني مجانا في عقاره بدعوى انه ارتاح لي .. حيث قال انه لن يأخذ مني أي مبلغ الا بعد مرور ثلاثة أشهر من سكني .. لم ألحظ شيئا اول يوم .. ولا حتى ثاني يوم .. كنت أحرص على النوم و الأضواء مضاءة في الغرفة .. هكذ تعودت طوال عمري .. أشعر وكأن النور يؤنس وحدتي ومكاني .. أعترف بأن هناك شيئا من الخوف لا زال يسكن قلبي زرعه كلام الناس .. مرت عدة أيام ولا أثر لأي أمر غير طبيعي رغم حرصي الشديد على الانتباه لكل ما حولي من أشياء .. ولكن ذات ليلة حدث أن أستيقظت من نومي والدنيا من حولي سواد في سواد .. رفعت أصبعي لم أره .. قفزت من سريري و أنا أتخبط و اتعثر بكل ما حولي إلى أن وصلت الى مفتاح المصباح فطرقت عليه بعنف فاسترد المكان نوره .. من أطفأ الضوء ..؟ لست أنا بالتأكيد .. حاولت أن أتجاهل الأمر .. لم أستطع .. الف هاجس يحيط بي .. بقيت مستيقظا للصباح ثم ذهبت الى مكان عملي .. ورغم الإجهاد والتعب الذي لحقني من قلة النوم إلا إنني كنت حريصا أن أروي الحكاية لكل من أصادفه .. اصدقائي يقولون ان هذه هي البداية .. !! احدهم تبرع بالحديث عن أشباح تخطف و تقتل و .. تعشق ..؟!! سعيت الى أضبط أعصابي الى أقصى درجة .. لست مستعدا للخروج من هذا البيت.. علىالأقل في هذه الفترة .. في الآيام التالية إزدادت الأمور تعقيدا و سوءا .. !! أبواب تغلق فجأة و نوافذ تفتح بلا سبب .. أبحث عن أشيائي فلا أجدها .. أكون نائما فأستيقظ فجأة على صوت يهمس في أذني بكلمات غير مفهومة .. لا أدري .. هل هي أوهام خلقها خوفي أم هي حقائق تحاول أن تخرج من رحم الخيال .. ذات مساء عدت الى البيت فصدمت بأن رأيت غرفة نومي مرتبة و نظيفة و انا الذي تركتها بحرا من الفوضى .. هرعت الى المطبخ فوجدت الصحون والملاعق تلمع من شدة النظافة وانا الذي تركتها غارقة في الزيوت و الدهون .. البيت كله يلمع .. في حين حاصرني القلق والخوف والتوتر من كل جانب .. هل آن أوان الإنسحاب ؟ هل أبحث عن أدلة أكثر من هذه للخروج من هذا البيت .. هذه المرة البيت والمطبخ .. المرة القادمة قد أكون أنا الهدف .. والأمور أصبحت واضحة .. لا تحتاج الى عبقرية .. هناك من يشاركني هذا المسكن .. هل أنسحب ..؟ هل أهرب ..؟ هل أترك المكان ..؟ نعم .. أشعر بالرعب و الهلع .. ولكن .. أحوالي المادية لا تسمح لي أن أتحرك من مسكني هذا شبرا واحدا .. ما الحل ..؟ التجاهل .. التجاهل ولا غيره .. ذات يوم فوجئت بأن ملابسي التي كنت أوشك أن أذهب بها الى المغسلة نظيفة ومكوية ومرتبة في دولاب الملابس تنبعث منها رائحة زكية .. كيف حدث هذا وانا لا أملك أدوات التنظيف أو كي الملابس ..؟ البرج الوحيد الذي بقي في رأسي يوشك أن ينهار .. كل يوم أحكي لأصدقائي ما يستجد معي إلى أن وجدتهم يوما بعد يوم ينفضون من حولي ويتجاهلون الحديث معي سوى واحد هو أكبرهم وأعقلهم .. قال لي : ألم تسمع بالمثل العامي الذي يقول " اللي يخاف من العفريت يطلع له " ؟ قلت : طبعا أعرفه .. قال : إذن لا تظهر خوفك .. كن شجاعا .. حاول أن تتجاهل ما يدور في بيتك طالما ان المسألة لم تصل الى حد الخطر على حياتك ..! حاولت ان أعمل بنصيحة صديقي الى أن دخلت ذات يوم غرفة نومي لأجد وردة حمراء فوق مخدتي ..!! - يتبع -
الف تحذير وصلني قبل أن أستأجر هذا البيت .. قالوا ان الأشباح تستوطنه وترتع فيه .... وزعموا ان...
تابعي
وتسلمين على جهودك الرائعة :26: :26:
سراب
سراب
يوم جديد .. لا يحمل جديدا .. سوى الإمعان في الوحدة والمزيد من الكآبة .. أتوجه إلى عملي .. ذات الطريق كل يوم .. وذات الضجيج كل يوم .. وذات الزحام كل يوم .. وذات العذاب كل يوم .. أقتحم مقر عملي ببرودتي المعهودة .. ذات الوجوه وذات الأماكن .. أصعد الدرج بنفس محملة بالقرف والملل .. لقد حفظت عدد الدرجات .. هذه المرة هناك درجة مكسورة .. ربما هناك من كسرها متعمدا ليقتل الروتين ، وربما هناك من فعل ذلك ليسقط منها شخص فيحدث هرج ومرج فيعود للحياة نبضها وحيوتها ويصبح هناك باب للثرثرة .. أصل إلى مكتبي .. أشيائي الباهتة تشبه شجرة لم ترتو منذ زمن بعيد .. زمن أشتاق إليه .. زمن الطفولة..عندما كان للحياة بريقها .. ولليوم نبضه .. وللساعة لمعانها .. ولكل شيء في الحياة بهاؤه وحضوره .. لقد ماتت الدهشة في قلبي وعيني .. ومات الإحتفاء بالزمن داخلي .. أرتمي على الكرسي .. كل شيء على مكتبي يحمل عنوانا للفوضى والفشل .. حتى وإن قمت بترتيب أوراقي وملفاتي ستظل تحمل بين طياتها مرارة الهزيمة والخنوع .. والملل .. أتأمل المكان .. أغرس عيني في الهاتف الصامت .. إنه مثلي .. لا يحمل نبضا للحياة .. منذ شهور لم أسمع رنينه .. أشك أنه ميت .. أرفع السماعة فيصافح الطنين أذني .. إنها حرارة باردة كالصقيع .. لا تحمل إليّ نبض الحياة ولا جمالها .. فجأة .. هرج ومرج يتسللان إلى ّ .. صراخ .. " لقد مات .. لا .. لا زال قلبه ينبض " .. أقفز من مكاني لإستطلع الأمر .. نعم .. لقد فعلتها الدرجة المكسورة .. سقط بسببها عامل عجوز ودماؤه تغطي المكان .. زحام .. وألف رأي وألف إنفعال وألف حسرة .. ولكن لم يتحرك أحد لطلب الإسعاف .. أهرع إلى مكتبي .. أمسك بالهاتف " الصقيع " الذي لم يتحرك من مكانه منذ شهور طويلة .. أطلب الإسعاف .. أطلب الحياة .. أطلب الأمل لشخص يتخبط بين الحياة والموت .. فجأة .. يدب في داخلي شيء .. شيء يشبه النور .. يهمس في أذني : أنت تفعل شيئا جديرا بالتقدير .. ما أكثر المنظرون والمتنطعون والمدّعون .. ولكن من يفعل ويقدم ويجرؤ .. قليل .. بل أقل من القليل .. جاءت سيارة الإسعاف وحملت المصاب الذي تم إنقاذه .. همس لي المسعف قائلا : لو تأخرتم في طلبنا بضع دقائق لكان مكانه الآن في ثلاجة الموتى .. شعرت بالزهو والفخر .. نظرت إلى الدرجة المكسورة .. تأملتها بعجب عميق .. ياالله .. لقد أزاح هذا الكسر التراب عن قبر عميق وواسع في أعماقي .. ألف طير أخضر إنطلق من الأسر .. وألف قصيدة فرح نسجت حروفها في سمائي الآن .. وألف وردة بيضاء تفتحت أمام عيني .. وألف شمس أشرقت في نفسي .. يبدو أن للغد طعم جديد حقا ..
يوم جديد .. لا يحمل جديدا .. سوى الإمعان في الوحدة والمزيد من الكآبة .. أتوجه إلى عملي .. ذات...
مرحبا الأمل الراحل
شكرا لمرورك الكريم ..
تحياتي ..
حفنة ضوء
حفنة ضوء
يوم جديد .. لا يحمل جديدا .. سوى الإمعان في الوحدة والمزيد من الكآبة .. أتوجه إلى عملي .. ذات الطريق كل يوم .. وذات الضجيج كل يوم .. وذات الزحام كل يوم .. وذات العذاب كل يوم .. أقتحم مقر عملي ببرودتي المعهودة .. ذات الوجوه وذات الأماكن .. أصعد الدرج بنفس محملة بالقرف والملل .. لقد حفظت عدد الدرجات .. هذه المرة هناك درجة مكسورة .. ربما هناك من كسرها متعمدا ليقتل الروتين ، وربما هناك من فعل ذلك ليسقط منها شخص فيحدث هرج ومرج فيعود للحياة نبضها وحيوتها ويصبح هناك باب للثرثرة .. أصل إلى مكتبي .. أشيائي الباهتة تشبه شجرة لم ترتو منذ زمن بعيد .. زمن أشتاق إليه .. زمن الطفولة..عندما كان للحياة بريقها .. ولليوم نبضه .. وللساعة لمعانها .. ولكل شيء في الحياة بهاؤه وحضوره .. لقد ماتت الدهشة في قلبي وعيني .. ومات الإحتفاء بالزمن داخلي .. أرتمي على الكرسي .. كل شيء على مكتبي يحمل عنوانا للفوضى والفشل .. حتى وإن قمت بترتيب أوراقي وملفاتي ستظل تحمل بين طياتها مرارة الهزيمة والخنوع .. والملل .. أتأمل المكان .. أغرس عيني في الهاتف الصامت .. إنه مثلي .. لا يحمل نبضا للحياة .. منذ شهور لم أسمع رنينه .. أشك أنه ميت .. أرفع السماعة فيصافح الطنين أذني .. إنها حرارة باردة كالصقيع .. لا تحمل إليّ نبض الحياة ولا جمالها .. فجأة .. هرج ومرج يتسللان إلى ّ .. صراخ .. " لقد مات .. لا .. لا زال قلبه ينبض " .. أقفز من مكاني لإستطلع الأمر .. نعم .. لقد فعلتها الدرجة المكسورة .. سقط بسببها عامل عجوز ودماؤه تغطي المكان .. زحام .. وألف رأي وألف إنفعال وألف حسرة .. ولكن لم يتحرك أحد لطلب الإسعاف .. أهرع إلى مكتبي .. أمسك بالهاتف " الصقيع " الذي لم يتحرك من مكانه منذ شهور طويلة .. أطلب الإسعاف .. أطلب الحياة .. أطلب الأمل لشخص يتخبط بين الحياة والموت .. فجأة .. يدب في داخلي شيء .. شيء يشبه النور .. يهمس في أذني : أنت تفعل شيئا جديرا بالتقدير .. ما أكثر المنظرون والمتنطعون والمدّعون .. ولكن من يفعل ويقدم ويجرؤ .. قليل .. بل أقل من القليل .. جاءت سيارة الإسعاف وحملت المصاب الذي تم إنقاذه .. همس لي المسعف قائلا : لو تأخرتم في طلبنا بضع دقائق لكان مكانه الآن في ثلاجة الموتى .. شعرت بالزهو والفخر .. نظرت إلى الدرجة المكسورة .. تأملتها بعجب عميق .. ياالله .. لقد أزاح هذا الكسر التراب عن قبر عميق وواسع في أعماقي .. ألف طير أخضر إنطلق من الأسر .. وألف قصيدة فرح نسجت حروفها في سمائي الآن .. وألف وردة بيضاء تفتحت أمام عيني .. وألف شمس أشرقت في نفسي .. يبدو أن للغد طعم جديد حقا ..
يوم جديد .. لا يحمل جديدا .. سوى الإمعان في الوحدة والمزيد من الكآبة .. أتوجه إلى عملي .. ذات...
سراب ،،،

خاطره .. جميله .. جدا... وعميقه ...
بقايا جراح
بقايا جراح
يوم جديد .. لا يحمل جديدا .. سوى الإمعان في الوحدة والمزيد من الكآبة .. أتوجه إلى عملي .. ذات الطريق كل يوم .. وذات الضجيج كل يوم .. وذات الزحام كل يوم .. وذات العذاب كل يوم .. أقتحم مقر عملي ببرودتي المعهودة .. ذات الوجوه وذات الأماكن .. أصعد الدرج بنفس محملة بالقرف والملل .. لقد حفظت عدد الدرجات .. هذه المرة هناك درجة مكسورة .. ربما هناك من كسرها متعمدا ليقتل الروتين ، وربما هناك من فعل ذلك ليسقط منها شخص فيحدث هرج ومرج فيعود للحياة نبضها وحيوتها ويصبح هناك باب للثرثرة .. أصل إلى مكتبي .. أشيائي الباهتة تشبه شجرة لم ترتو منذ زمن بعيد .. زمن أشتاق إليه .. زمن الطفولة..عندما كان للحياة بريقها .. ولليوم نبضه .. وللساعة لمعانها .. ولكل شيء في الحياة بهاؤه وحضوره .. لقد ماتت الدهشة في قلبي وعيني .. ومات الإحتفاء بالزمن داخلي .. أرتمي على الكرسي .. كل شيء على مكتبي يحمل عنوانا للفوضى والفشل .. حتى وإن قمت بترتيب أوراقي وملفاتي ستظل تحمل بين طياتها مرارة الهزيمة والخنوع .. والملل .. أتأمل المكان .. أغرس عيني في الهاتف الصامت .. إنه مثلي .. لا يحمل نبضا للحياة .. منذ شهور لم أسمع رنينه .. أشك أنه ميت .. أرفع السماعة فيصافح الطنين أذني .. إنها حرارة باردة كالصقيع .. لا تحمل إليّ نبض الحياة ولا جمالها .. فجأة .. هرج ومرج يتسللان إلى ّ .. صراخ .. " لقد مات .. لا .. لا زال قلبه ينبض " .. أقفز من مكاني لإستطلع الأمر .. نعم .. لقد فعلتها الدرجة المكسورة .. سقط بسببها عامل عجوز ودماؤه تغطي المكان .. زحام .. وألف رأي وألف إنفعال وألف حسرة .. ولكن لم يتحرك أحد لطلب الإسعاف .. أهرع إلى مكتبي .. أمسك بالهاتف " الصقيع " الذي لم يتحرك من مكانه منذ شهور طويلة .. أطلب الإسعاف .. أطلب الحياة .. أطلب الأمل لشخص يتخبط بين الحياة والموت .. فجأة .. يدب في داخلي شيء .. شيء يشبه النور .. يهمس في أذني : أنت تفعل شيئا جديرا بالتقدير .. ما أكثر المنظرون والمتنطعون والمدّعون .. ولكن من يفعل ويقدم ويجرؤ .. قليل .. بل أقل من القليل .. جاءت سيارة الإسعاف وحملت المصاب الذي تم إنقاذه .. همس لي المسعف قائلا : لو تأخرتم في طلبنا بضع دقائق لكان مكانه الآن في ثلاجة الموتى .. شعرت بالزهو والفخر .. نظرت إلى الدرجة المكسورة .. تأملتها بعجب عميق .. ياالله .. لقد أزاح هذا الكسر التراب عن قبر عميق وواسع في أعماقي .. ألف طير أخضر إنطلق من الأسر .. وألف قصيدة فرح نسجت حروفها في سمائي الآن .. وألف وردة بيضاء تفتحت أمام عيني .. وألف شمس أشرقت في نفسي .. يبدو أن للغد طعم جديد حقا ..
يوم جديد .. لا يحمل جديدا .. سوى الإمعان في الوحدة والمزيد من الكآبة .. أتوجه إلى عملي .. ذات...
خاطره راااااااااااااااااائعه جدآ اختي سراب
سراب
سراب
همسات ساقطة تتردد بين أروقة القاعة الدراسية يحاول أن يهرب منها .. أن يتجاهلها .. لا يمكن أن يكون مثلهم و لا أن يسير على دربهم .. انهم حثالة .. هكذا همس لنفسه .. ولكن هل خفتت همساتهم ؟ لا .. فذاك البيت المشبوه في آخر الشارع أصبح مشهورا أكثر من البيت الأبيض في أمريكا ..والجميع يتهامس عن رقيق ابيض يباع ويشترى في غفلة عن العيون.. قال له صديقه : تعال معي .. ستعرف أشياء لا تخطر لك على بال .. قال : اتركني أرجوك .. باغته صديقه مغريا : لا تقلق .. سأدفع عنك الفاتورة .. فقط أريد أن أخرجك من هذه الحياة الكئيبة المسيطرة عليك .. أجابه و هو يتحسس جيبه : لا ..إنها مسألة مبدأ .. أخلاقي لا يمكن أن تنحدر إلى هذا الحضيض .. أجابه صديقه وهو يبتعد عنه : كما تريد .. ولكن اكتشف على الأقل هذا العالم .. أدخل للفرجة فقط .. للفرجة يا .. أبا المبادئ .. قالها ساخرا .. وانسحب .. وغرق صاحبنا في صمت عميق .. حاصرته الأفكار .. دس يده في جيبه .. انها بضع ورقات نقدية استدانها من شقيقته ليكمل بقية الأسبوع بها .. يفكر في بيته .. أمه .. أخته .. شقيقه الصغير .. كل هؤلاء ينتظرون منه أن يتخرج من الجامعة ليبحث عن عمل و يصرف عليهم .. أخته سبقته إلى التخرج وحملت شيئا من العبء .. أصبحت تعمل صباح مساء في أحد المستشفيات لتوفر له لقمة هانئة و وسادة مريحة ينام عليها آخر النهار .. بقي هو .. عليه أن ينتحر في المذاكرة لينهي دراسته بامتياز .. ولكن .. هؤلاء اخوة الشيطان لا يتركونه .. وان ابتعدوا عنه فإن كلماتهم لا زالت ترفرف فوق رأسه : أدخل و اتفرج يا أبا المبادئ .. نعم .. فقط أريد أن أعرف ماذا في الداخل .. قالها لنفسه وهو يسير إلى نهاية الشارع بخطوات مرتبكة .. يعلم جيدا موقع البيت .. ولكن .. هل يملك الجرأة لدخوله .. ؟ وقف بجانب البناء الذي يحتضن البيت المشبوه .. تسمرت قدماه .. نظر حوله .. الحركة تضج في الشارع .. للحظة شعر أن كل العيون ترقبه .. و كل الأصابع تشير إليه و كل اتهامات الدنيا تطوق عنقه .. هل يدخل المبنى ..؟ تذكر أمه .. أخته .. أخوه الصغير .. تذكر أباه الذي يرقد في مقبرة مجاورة لهذا المكان .. تراجع .. ولكن .. ( سأتفرج .. لن أرتكب أي حماقة .. أريد أن أعرف أي بيئة ساقطة هذه ) .. كلمات قليلة همس بها لنفسه كانت كفيلة بأن تجعله يتسلل بهدوء إلى العمارة و يهبط الى القبو الأرضي منها .. باب واحد فقط أمامه ..امتدت يده ليقرع الجرس .. تراجع .. أوشك أن يصعد .. كل شيء داخله يقول له : هذا ليس مكانك .. ولكن كلمة الشيطان البشري لا زالت تدور فوق رأسه : تفرج .. فقط تفرج ..!! قرع الجرس .. ووقف لبرهة قبل أن يسمع صوتا أنثويا خلف الباب يقول : من ؟ اضطرب .. أمطر جبينه عرقا .. قلب قفز من صدره .. أوشك أن يطلق ساقيه للريح لولا أن الباب فتح بسرعة لتطل سيدة تكاد تقترب من الخمسين من العمر .. تأملها .. تأملته .. أرخى عينيه في الأرض .. خجلا ؟ .. رعبا ؟ .. حزنا ؟ ربما كل هذا .. قالت له : أهلا .. أهلا .. تفضل .. هل ( يتفضل ) ؟ .. انه لم يأت ليقف عند الباب .. دلف إلى الداخل .. العتمة توشك أن تحتضن كل شيء .. لم يتبين ملامح البيت .. جلس .. وجلست السيدة بجواره .. لحظات صمت خالها صاحبنا دهرا .. قالت له : يبدو انك مهموم .. لم أرك من قبل هنا ..ما اسمك ؟ قال مرتبكا : لا داعي للأسماء يا ( طنط ) .. قالت له : نعم يا روح أمك ؟؟ طنط ؟؟ قال : آسف .. آسف .. يبدو أني .. انه ماذا ؟؟ لقد حاول أن يكذب ويوهمها أنه يبحث عن صديق له.. قالت : ها .. أطلب .. أؤمر .. طلباتك كلها متوفرة .. قال : أنا .. أنا .. لا أدري .. نعم .. لا يدري .. لا يدري كيف اقنع نفسه بالوصول إلى هنا ودخول هذا البيت و الجلوس هنا مع هذه السيدة .. قالت له : واضح انك محرج .. وأنا عندي التي تفك عقدتك .. انظر ذاك الباب .. افتحه .. ستجد من تنسيك هموم الدنيا كلها .. قال ولا زال الاضطراب يخنقه : ولكن .. أنا .. لا أريد أن .. قاطعته : لا بأس .. هذا الاضطراب سيزول فور دخولك هنا .. انتبه .. لا تفزعها .. لا تستخدم العنف معها .. إياك من أي تصرف خاطئ .. إنها بشر هي أيضا .. قام من مقعده .. و امتدت يده إلى الباب .. فتحه .. ودخل .. فتح عينه جيدا .. إنها هناك .. لم تنبته لدخوله .. قال على استحياء : احم .. احم .. انتبهت له .. رفع عينيه إليها .. يا للكارثة .. إنها أخته ..!!
همسات ساقطة تتردد بين أروقة القاعة الدراسية يحاول أن يهرب منها .. أن يتجاهلها .. لا يمكن أن يكون...
كنت موظفا عاديا في الظل .. لا أطمح من حياتي سوى أن أحافظ على هذا الظل من التلاشي .. كان همي الوحيد و شغلي الشاغل توفير قوت يومي لأهل بيتي .. أعيش حياة هادئة روتينية وأحيانا مملة جدا .. ومع هذا فكنت سعيدا بذلك .. حيث لا مشاكل ولا هموم ولا قلق ولا توتر ..
انقلبت حياتي رأسا على عقب يوم وجدت مديري في العمل يختارني مديرا لمكتبه ..
يا لسعادتي .. كرسي لم أسع إليه و نجاح لم أخطط له و تميز لا أدري ما الذي قادني اليه ..
أنا بكل قدراتي المتواضعة أجد نفسي في المقدمة ..
بكل تفكيري المحدود و حضوري الباهت أجد نفسي فجأة أشارك في صنع قرار ..
لم أسأل مديري لماذا اختارني لهذا ..
لم أسأله لماذا تجاهل العشرات ممن هم أقدم مني و أكفأ مني ..
وهل تُسأل النعمة لماذا أتت ؟
وهل تسأل الفرحة لماذا ولدت ؟
وهل تسأل الشمس لماذا أشرقت ؟
ومع أول يوم لعملي الجديد حرصت على أن أكون كما أنا .. على سجيتي و طبيعتي .. لم أغيّر ضحكتي .. ولم أغير ثوبي .. ولم أغير أصدقائي ..
كنت أشعر بالحسد من المحيطين بي .. معظمهم كان يشعر أنه كان الأجدر بالكرسي والأحق بالمكتب و الأليق بالإدارة .. كان معظمهم يشعر أني قفزت من الصفوف الخلفية ومع هذا حرصت ألا أصطدم مع أحد منهم وكان كل همي أن أنجح في عملي و أحوّل هذا الكرسي الدوار إلى سلّم نجاح وتفوق و إثبات حضور
حاولت أن أتعلم كيف أملأ هذا الكرسي ..
هل العمل وحده يكفي ؟
طبعا لا ..
لا بد من ابتسامة دائمة ونظرات هادئة ..
لابد من إقناع الآخرين أنني هنا نيابة عنهم ولن أكون ضدهم بحال من الأحوال ..
مرت الأيام ..
بدأ القلق و التوتر..
بدأ الهم والغم ..
بدأ الكر و الفر ..
رغم نجاحي في عملي وتفوقي في أداء كل ما يطلب مني إلا أن هواجس أصبحت تطاردني مع كل ثانية تمر بي ..حتى في منامي ..
أستيقظ من نومي فجأة على كابوس مفزع يصوّر لي أن كرسيا سقط فوق رأسي أو أني أجلس على كرسي وسط السنة اللهب ..
أهب من نومي ..
استر يا رب ..
هل أنا سيئ إلى هذه الدرجة ..؟
أنتظر الصباح بفارغ الصبر .. واهرع إلى مقر عملي .. أطير إلى مكتبي .. أكاد أعانق الكرسي ..
هل بدأت أخاف أن أفقده ؟؟
لقد أصبحت شرسا مع الجميع .. أضع ألف قناع في اليوم و ابتسامتي لن تكون إلا لشخص أخشاه أو أعلى مرتبة مني ..
لم أعد أساير الزملاء .. وجدت أن الكرسي الدوار يدفعني إلى الدوران معه في كل الاتجاهات والقفز فوق كل الحواجز .. فجأة وجدت أن هذه الدنيا التي كنت أعيش على هامشها ولا أطلب إلا الفتات منها احتلت كياني و ضربت بجذورها في قلبي وأصبحت تطلب مني اكثر مما أطلب منها .. و أنا أركض و أسابق الريح و البشر لأحقق أحلاما و أمنيات لا أعرف كيف اعترضت سبيلي و نبتت في طريقي ..
شعرت أن جميع زملائي لا يحملون لي ودا .. وأنا صرت على حذر من كل شيء.. حتى من ظلي ..
لا أشعر بالراحة إلا متى جلست على الكرسي .. ويسكنني القلق إذا ابتعدت عنه ولو لثوان ..
يا الله ..
ما هذا العشق الجديد لكرسي أصم .. ؟
وما هذا العشق لدنيا كنت أتحاشى الخوض في أمواجها وفجأة أجدت نفسي غارقا فيها .. ؟
وما هذا العشق لأمنيات كان معظمها في عيني وهم و سراب ..؟
وكيف السبيل لعودة الهدوء الضائع إلى قلبي ؟؟
هل أترك عملي ؟؟
ولقمة عيشي ؟؟
هل أترك الكرسي ؟؟ كيف أتركه وقد بدت الحياة معه أكثر جمالا و أكثر ربيعا و أكثر بهاءً ..
اليوم أنا بلا أصدقاء ..بلا أحباب ..ولكني محاط بألف عدو يُجهر عداءه .. و ألف سـاخط يعلن تبرمه .. و ألف متربص ينتظر سقوطي .. هل تنهي الاستقالة معاناتي ..؟
أدخل إلى مديري بورقة استقالتي .. نظر فيها .. تأملها .. قال لي :
لماذا ؟
قلت :
الكرسي الدوار لم يعد مريحا ..
فهم قصدي .. صمت برهة ثم قال :
لا ذنب للكرسي إن كان يدور .. المشكلة في الذي يجلس عليه ..
قلت له :
لم أستطع أن أحتفظ بتوازني ويبدو أني سقطت عنه ..
قال وهو يرمقني بنظرة حانية :
لقد اخترتك لهذا الكرسي لأني كنت أرى فيك واجهة للخير و الصلاح قبل كل شيء ولكن يبدو أن الكرسي كان وثيرا أكثر مما يجب ..
قلت بانفعال :
أريد أن أعود إلى صومعتي .. لقد فقدت أشياء كثيرة لا تعوض بسبب كرسي لم يعطني سوى القلق ..
قال :
سأعيدك إلى عملك السابق ..
قلت بحدة :
لا .. هناك ألف شامت ينتظرني خلف الباب وهذه الاستقالة بمثابة توبة عن أخطاء كثيرة قمت بها
قال :
لن أوقع استقالتك الآن .. أعتبر نفسك في إجازة لمدة أسبوع .. وبعدها لكل حادث حديث .
حاولت أن أثنيه عن موقفه فوجدته يسحبني من يدي إلى الباب وهو يقول لي :
إجازة سعيدة ..
خرجت إلى الشارع و صورة لا تبرح مخيلتي .. كرسي يدور بشدة ويقذف بشرا في كل اتجاه ولا أحد يصمد أمام هذا الدوران العنيف إلا من رحم ربي ..