❤غلا سامي❤

❤غلا سامي❤ @ghla_samy_1

كبيرة محررات

سلسلة المحاضرات المكتوبة - لجماعة التوعية الاسلامية - للمدارس - للمساجد - جمعتها هناا

ملتقى الإيمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحببت جمع المحاضرات المكتوبة ووضعها في موضوع واحد ليسهل الوصول اليه وطباعته

بأمكانكم اخواتي طباعته وارساله الى المدرسة ليتم وضع دروس يومية بوقت الفسحة وهي اختيارية لمن يريد الحضور اليها

ويتم القاء بعض الدروس هذه

او حين يكون لديكم تجمع عائلي كبير في استراحة

او حتى بامكانك ارساله لإمام المسجد لان بعض المساجد يلقي دروس او محاضرات بعد صلاة المغرب او العشاء


جمعت لكم الدروس ويشهد الله انها خالصة لوجهه

لاأريد من عرض الدنيا شيئاً الا رضاه سبحانه وتعالى

اللهم اجعل عملي هذا خالصا لوجهك
وأبعدني عن الشيطان والرياء

كتبته وجمعته

أم جودي وعبودي
37
7K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

❤غلا سامي❤
❤غلا سامي❤
للشيخ/ محمد المنجد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وبعد :

ففي دويلة صغيرة ، لا تعدو أن تكون جزيرة نائية قي شمال المحيط الأطلسي ، يثور بركان صغير من تحت نهر جليدي ، لينفث موجات من السحب الغبارية ، فيحدث فزعاً عاماً في قارة أوربا بأسرها ، وارتباكاً عالميا للرحلات الدولية.

توقَّفت الطائرات، وأُغلقت المطارات، وعُلقت الرحلات ، فـ (113) مطاراً أوروبيا يغلق أبوابه الجوية أمام الملاحة العالمية ، وأكثر من (63 ) ألف رحلة طيران تلغى ، وخسائر شركات الطيران تصل نحو (250) مليون دولار يومياً... والمتأثرون من الناس فاق عددهم سبعة ملايين مسافر ، تقطعت بهم السبل ، وتحولت صالات المطارات إلى مهاجع للمسافرين ، وبدأت المطارات بتزويدهم بالأسرة والأغطية ... فضلا عن خسائر المصدرين والمستوردين .

لقد غدت أوروبا اليوم شبه معزولة عن العالم الخارجي ، وهي تواجه أكبر تعطل للنقل الجوي في تاريخها ، بل عدها البعض الأسوأ من نوعها في تاريخ الطيران المدني!!

1 ـ فاعتبروا يا أولي الأبصار :

سحابُ غبارِ بركانٍ واحدٍ يصيب قارة كاملة بالذعر والخوف ، ويشل حركتها الجوية ، فكيف لو تفجرت عدة براكين ؟!.

إنه لأمر يستدعى منا التأمل والنظر ، والتفكر والاعتبار ، فالمسلم لا تمر عليه مثل هذه الأحداث العظيمة دون أن تكون له وقفة تأمل تنطلق من عقيدته وإيمانه بالله ، ويقينه بأن كل ما يقع في كونه من خير فهو من فضله ورحمته ، وكل ما يقع فيه من شر فهو بعلمه (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ، وله الحكمة في كلِّ ما يقضي ويقدِّر: (لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـئَلُونَ) .

والمؤمن يقف عند مواقع العبر، وأحكام القدر، ينظر ويتدبر ، ولا يقتصر اعتبار المؤمن على ما يحدث قريباً منه في الزمان والمكان ، بل هو معتبر بكل ما يبلغه من آيات الله قربت منه أو بعدت عنه زماناً ومكاناً .

2 ـ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً:

فالبراكين والزلازل جند من جند الله يرسلها على من يشاء من عباده في الوقت الذي يشاء على النحو الذي يشاء ، إنذاراً ، ووعيداً وابتلاءً ، وتمحيصاً ، وعقاباً ، ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ، وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ).

ومن جنود الله هذا الرماد المكون من جزيئات صغيرة من الزجاج والصخور المفتتة التي تهدد محركات الطائرات وهياكلها وتعيق حركتها ... وقد وُصِفَ هذا الرماد بالقاتل ؛ لأن استنشاقه يمزق النسيج الرئوي.

والاقتصار في تعليل ما حدث بأنه مجرد أمر طبعي لا يسير إلا وفق نظم ونواميس كونية ... يدل على غفلة عن مدبر الكون ومسيِّره ، فمن الذي يجريها وفق ذلك النظام ، ويسلطها على من يشاء وفق تقديره وتدبيره !! .

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ، وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ).

3 ـ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَر:

إن ما حدث آية من آيات الله يرسلها لعباده تذكرة وموعظة للمؤمنين ، وتخويفاً وترهيباً للمعرضين ، فالقلوب المؤمنة تتعظ وتخبت وتنيب لربها، والقلوب الغافلة لا يشغلها سوى الخسائر الاقتصادية ، والمتابعة الإعلامية ، ومراقبة البركان... متناسين رب البركان : ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) .

إن من علامة قسوة القلوب وطمسها أن يسمع الناس قوارع الأحداث ، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال ، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم ، عاكفين على اتباع شهواتهم ، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد.

4 ـ المؤمن مرهف الحس حي القلب:

يتأثر بمثل هذه الأحوال المخيفة ، مقتدياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا رأى ريحاً أو غيماً عُرِفَ ذلك في وجهه ، فأقبل وأدبر ، خوفاً من نزول عذاب.

وما ذاك إلا لرؤية غيم ، فكيف بأعمدة من الرماد على ارتفاع (11 ) كيلومترا في الجو !! ..

وكان حاله صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس ـ تلك الآية الكونية ـ من أشد أحوال الخوف والانكسار والتضرع، حتى إنه خرج فزعاً يجر رداءه مستعجلاً يخشى أن تكون الساعة

ومع ذلك فإننا نجد الآن من لا يتأثر ، ولا يخاف ، ولا يتعظ؟!

5 ـ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ:

إن ما حدث شاهد عظيم على قدرة الله جل جلاله ، فقدرته سبحانه فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة.. أرانا عجائب قدرته، ودلائل قوته فيما خلق وقدَّر..

فما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير ( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).

فقدرة الله لا يحدها شيء : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).

6 ـ عجز بني البشر :

فهذا الإنسان كلما طغى وتكبَّر وتجبَّر في الأرض ، وادعى الوصول لأعلى درجات الكمال والاستغناء عن خالقه ، يبعث الله ما يبين له ضعفه وعجزه وفقره إلى مولاه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد) .

فماذا صنعت الدول بأجهزتها وقوتها أمام هذا الجندي من جنود الله ... هل يستطيعون منعه أو إيقافه ؟

إنهم يشاهدون ما يحدث ، ولا يملكون نحوه شيئًا ، مع كل ما وصلوا إليه من علوم وتقنيات!!.

فأين قوتهم وقدرتهم، وأين دراساتهم وأبحاثهم، ومكتشفاتهم ومخترعاتهم؟

هل دفعت لله أمرًا؟ ، أو منعت عذابًا؟ أو عطَّلت قدراً؟!

في لحظات معدودة ينقلب الأمن خوفاً، وتتحول مكاسب شركات الطيران إلى خسائر قدرت بمئات الملايين، وتقف قارة بأكملها عاجزة أمام هذه الكارثة ، بالرغم مما توصلت إليه من تِقْنِيَّة علمية، ليطلعهم الله عز وجل على مدى ضعفهم ، وقلة حيلتهم ، وليعلموا صدق قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) .

7 ـ أين القوة المادية ؟

لطالما تبجحوا بقوتهم وجبروتهم المادي واغتروا به ... لكن هذا التطور لم يستطع أن يفعل شيئاً أمام سحابة من الدخان ، ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ).

فهم في غرور يهيئ لهم أنهم في أمان ، وفي حماية ، وفي اطمئنان !! .

فلما خُيِّل إليهم أنهم بلغوا شأواً عظيما في مجال صناعة الطيران.. أتاهم البركان على حين غرة؛ فأصاب طيرانهم بالعجز، والخسارة الفادحة (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً) .

8 ـ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا:

فأين العلم ، والتقدم ، والتقنية للقضاء على هذه السحابة البركانية .

لقد غدا علماء البيئة وعلم الأرض والأرصاد في حيرة واضطراب : فالبعض يقول إن البركان سيهدأ .... والبعض الآخر يقول سيزداد ، والبعض يقف حائراً ولا يدري متى سيتوقف البركان عن نفث الغبار الذي يسبح على ارتفاع كيلومترات في الجو، فقد تتواصل لعدة أيام وربما عدة أشهر ، وربما أكثر !!

والبعض يرى أن الأسوأ لم يأتِ بعد !!

وقد صرح المتخصصون في علم الأرض بمكاتب الأرصاد بقولهم : "نرى إشارات متباينة ، توجد بعض الإشارات التي تدل على أن الثوران سيهدأ ، وأخرى تظهر أنه لا يتراجع ".

9 ـ قصور الحسابات البشرية :

ومع أن لهذه الآيات الكونية أسباباً بمقدور البشر في أحيان كثيرة التنبؤ بها قبل وقوعها.... إلا أن هذه الحوادث تثبت يوماً بعد يوم قصور البشر ، سواء في التحليل وتوقع الأزمات، أو في الاستعدادات والاحتياطات ، أو في التصدي لها.

وإذا وقع قدر الله ، فلا تنفع حينئذ مراكز الدراسات الإستراتيجية, ولا الاحترازية, ولا أجهزة التحكم, ولا مراكز الأبحاث ورصد المعلومات ولا غيرها فـ ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ).

كما اعترف الخبراء أن تأثير السحابة البركانية بهذه الصورة يعد الأول من نوعه (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)..

10 ـ لا ملجأ منه إلا إليه :

إذ ليس للإنسان - مهما عظمت قوته واشتد ذكاؤه - من حيلة أمام هذه الآيات الكونية الكبرى سوى اللجوء إلى الله خالقها ومدبرها ، والانطراح بين يديه ، وإخلاص الدعاء والعبادة له ، ولهذا شرعت الصلاة عند حصول الآيات العظيمة كالكسوف والخسوف (هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ ).

11 ـ سبحان مقلب الأحوال :

فما أسرع ما تتبدل الأحوال, وتتغير الأمور ... إذا أراد الله شيئا قال له كن فيكون ، بلمح البصر، من غير ممانعة ولا منازعة.

مابين غمضة عين وانتباهتها .. يغير الله من حال إلى حـال

فبينا الناس في حياتهم ومعائشهم غادون رائحون ، ودون أي مقدمات يفجؤهم البركان بهذه السحب العظيمة ، ليربك تخطيطاتهم وحساباتهم وتوقعاتهم .

والمؤمن ينتقل من هذا الأمر ليتذكر أمر الساعة: (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ، وقال : (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).

12 ـ أعاجيب الله في قدره :

فهذه النيران المستعرة يخرجها سبحانه وتعالى من قلب الجليد، ومن تحت نهر جليدي، كما قال رئيس أيسلندا: "ما نشاهده هنا في أيسلندا .. منظر لا يمكنكم أن تروه في مكان آخر من العالم، وهو امتزاج ثورة بركانية وأنهار جليدية" .

فما أعظم قوة الله وما أبهر عجائبه التي يسوقها لتبصير الغافلين، ودعوتهم للتفكير ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ).

يقيم اللّه لعباده من آياته في النفس والكون ما يدل على بديع صنعته، وباهر قدرته، ليتبين لهم الحق، والمخذول من أعرض وتولى .

ومن العجائب أن دولة البركان " أيسلندا" لم تتأثر بما حدث؛ لأن التيارات الهوائية حملت ذرات الغبار البركاني واتجهت به بعيداً عنها ، فتهبط طائراتها وتقلع بلا قلق ودون خوف... فقد قُدِّر لهذا الغبار أن يذهب لمكان محدد !!.

13 ـ النظرة الإلحادية للطبيعة :

فمن جحود البشر لخالقهم ونكرانهم له نسبة كل صغيرة وكبيرة في الكون لقدرة الطبيعة ، فبدلا من الإذعان لقدرة الله فيما حصل ، نجد رئيس دولة البركان يقول: " إن ما يحدث عرضٌ لقوى الطبيعة".

وينسون قدرة الله الذي خلقها وسخرها ، وأن الطبيعة لا حول لها ولا قوة ، بل كل ما يحدث فبإرادته سبحانه ومشيئته ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ، يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) .

(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .

14 ـ نار تذكر بنار :

فالصهير الناري البركاني الذي سبب هذا الرماد بلغت درجة حرارته (1200) درجة مئوية ، وأذاب 10% من نهر الجليد، وهذه من نار الدنيا ، فكيف بنار الآخرة ، ولهذا لما ذكر الله نار الدنيا ، قال : (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً) تُذَكِّر بالنار الكبرى يوم القيامة ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَارُكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) .

15 ـ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا:

فالسحب البركانية أدت إلى إغلاق المطارات, واحتجاز ملايين المسافرين ، حتى لجأ بعضهم لإرسال استغاثات إلى سفارات دولهم لمساعدتهم في العودة إلى منازلهم..

وكم من مؤتمرات نُظِّمَت ، ولقاءات أعد لها ، وحجوزات تأكدت ، ومواعيد تحددت ... ثم أصحابها اليوم يفترشون مقاعد المطارات (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ).

16 ـ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.

فهي سنة ربانية... فكلما كثرت المعاصي, والظلم والقتل, وإشاعة الفاحشة؛ كثرت المصائب العامة من الأعاصير المهلكة، والفيضانات المغرقة، والزلازل المدمرة، والبراكين المحرقة، والأمراض الفتاكة، والطواعين العامة، والحروب الطاحنة، والنقص والآفات في النفوس والزروع والثمار، وغيرها من المصائب التي يخوف الله بها العباد، ويذكرهم بقوته وسطوته، وأنهم إن تركوا أمره لم يبال بهم في أي واد هلكوا، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) .

وليست هذه بآخر الكوارث التي ستصيب من أعرض عن منهج الله وطغى وظلم وتجبّر: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ ، أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) .

17 ـ مصائب قوم عند قوم فوائد :

أمام هذه الكارثة الاقتصادية لشركات الطيران العالمية, زاد الطلب على القطارات والباصات والعبارات المائية... وزاد الضغط كذلك على الفنادق.

ونشطت شركات السكك الحديدية التي سيرت قطارات إضافية بين دول أوروبا ... وارتفعت أسعار الرحلات عموما...

فسبحان مقسم الأرزاق ، فبينا أولئك يتجرعون مرارة خسائرهم الفادحة ، ينعم هؤلاء بأرباح خيالية لم تكن لهم يوما بالحسبان !!

18 ـ استحضار نعم الله علينا:

فمن نظر إلى ما أصاب الناس في المطارات، ونومهم على المقاعد ، وقد أرهقهم التعب وأقلقهم الترقب والانتظار، استحضر نعمة الله عليه بالراحة والطمأنينة والأمان.

والمؤمن ينظر للمصائب النازلة بالآخرين، فتهون عليه مصائبه ، ويمتلئ قلبه بحمد الله ، ويلهج لسانه بشكره.

19 ـ مشاهد ومشاهد :

إن هذه البراكين والزلازل تذكرنا بالزلزلة الكبرى، فبركان واحد أحدث ما أحدث من الفزع والكوارث ، فكيف بزلزلة الأرض كلها: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى وَمَا هُم بِسُكَـارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) .

والغبار الذي حجب الشمس عن سماء هذه الدول يذكرنا بقوله تعالى: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) أي: ذهب ضوءها .

وتناثر أجزاء البركان في الهواء يذكر بقوله: ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) أي : تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض .

وتعطل حركة الطيران والمطارات يذكرنا بقوله تعالى: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) ، والعشار : هي خيار الإبل والحوامل منها ، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك ، فنبه سبحانه بذلك على تعطل كل ما هو في معناه من كل نفيس من المال ، حيث يأتي الناس ما يذهلهم عنها فيتعطل الانتفاع بها .

وعجز القارة الأوربية بعدتها وعتادها ، وذهولها مما يحدث ، وتساءل الجميع عما يحدث، يذكرنا بعجز الإنسان عند قيام الساعة ، يوم يقف مشدوها مستعظما ما يرى ( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا...) أي: أي شيء عرض لها؟

وإن هذه الغيوم المتراكمة التي تملأ الأجواء على ارتفاعات هائلة ... تذكرنا بالدخان الذي يبعثه الله قبل قيام الساعة : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

وختاماً...

فإن مشاهدة ومعاينة آيات الله الكونية العظيمة المخيفة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناصح.. وإن في مراحلِ العمُر ، وتقلّبات الدّهر ، وفجائع الزمان لعِبَرًا ومزدجرًا ومَوعِظة ومُدّكرًا، يحاسِب فيها الحصيف نفسَه، ويراجع مواقفَه، حتى لا يعيشَ في غَمرة ويؤخَذَ على غِرّة.

نسأل الله أن يلطف بإخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يجعل من هذه الآية عبرة يهدي بها أهل الضلال إلى صراطه المستقيم ودينه القويم. إنه سميع مجيب ، لطيف خبير.

والحمد لله رب العالمين،،

مصدر المادة المختار الاسلامي
❤غلا سامي❤
❤غلا سامي❤
لاتحزن
عبدالرحمن الشهري
ان الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن
إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان علكم رقيباً }
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً
يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما}
أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور
محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله
تبارك وتعالى واشكروه على ما هداكم للإسلام، وجعلكم من أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام، راقبوه ولا تعصوه، واعلموا أنكم لديه محضرون، وعلى أعمالكم محاسبون، وعلى تفريطكم نادمون .
أما بعد
:
فلا تحزن أخي مما ترى وتسمع من حرب على الإسلام
لا تحزن من تخاذل المسلمين عن نصرة قضاياهم واشتغالهم بأموالهم ودنياهم لا تحزن من تداعي أمم الكفر على الإسلام لا تحزن من الصمت العالمي الرهيب عما يحدث للمسلمين لاتحزن لا تحزن مما يخطط للمسجد الأقصى ويُكاد له من مؤامرات : أعمال حفرٍ مستمرة وتغيير معالم ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لا تحزن من إن زادت الجراح لا تحزن فبعد الليل يأتي الصباح لا تحزن إن توالت الخطوب وتتابعت الكروب فالفرج قريب قريب بإذن علام الغيوب
(لا تحزن إن الله معنا) قالها من ؟ قالها محمد صلى الله عليه وسلم
أشرف الخلق .
ولمن ؟ لأكرم الصحب أبي بكر رضي الله عنه
.
ومتى؟ في أشد الظروف
وأحلك اللحظات استمع إلى ربك وهو يصف هذا الموقف في سورة التوبة فيقول جل وعلا ( إلا تنصروه ) أي رسول الله (فقد نصره الله) أيده ونصره وكافيه وحافظه كما (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين) أي عام الهجرة لما همَّ المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه عليه الصلاة والسلام وخرج منهم هارباً بصحبة الصديق وصديقه وصاحبه أبي بكر فلجئا إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيرا نحو المدينة فجعل أبو بكر رضي الله عنه يجزع أن يطلع عليهما فيُخلص إلى رسول الله صلى الله عليهوسلم ويقول له الرسول صلى الله عليه وسلم : وهو يسكنه ويثبته (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) لهذا قال تعالى : (فأنزل الله سكينته عليه ) أي أنزل تأييده ونصره عليه وأيده بجنود لم تروها أي الملائكة وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وهي الشرك وكلمة الله هي العليا
وهي لا إله إلا الله والله عزيز ذو انتقام ،
وانتصاره منيع الجناب لا يضام من لاذ بجنابه واحتمى بجنابه .
أرأيتم إنه الثبات
وقت الأزمات والثقة برب الأرض والسماوات إنه التفاؤل في زمن اليأس والقتوط فلمالحزن أخي؟ لم الحزن وإن صُمَّت الآذان وعمَّيت الأبصار وكُمَّمت الأفواه عما يحدث للمسلمين فلا تحزن لا تحزن فإن الله ناصر دينه ومعلن كلمته (إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) (إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد) إنالله غالب على أمره ولو تخاذل المسلمون ونسوا إخوانهم في الدين أين المسلمون؟ أين المسلمون؟.
إني أنادي والرياح عصيبةٌ والأرض جمر والديار ضرام

يا ألف مليون
أ لا من سامع هل من مجيب أيها الأقوام
لقد نكأت الأحداث المستجدة الجراح سوف
يقتحمون المسجد الأقصى يوم الأحد القادم ويا ويح أمتنا ماذا أصابها ؟ أيطيب لنا عيش؟ أيهدأ لنا بال ؟ أيرقأ لنا دمع؟ ومقدساتنا تئن كل ذلك يحدث وسيحدث على مرأى ومسمع من العالم كله وكأن المسلمين ومقدسات المسلمين لا بواكي لها أين العالم بهيأته ومنظماته ؟ أين هم من بكاء المسلمين وصراخ المؤمنين ؟ أين هم من اغتصاب الأرض وتدنيس العرض؟ .
على الإنسانية السلام
.
أين شعاراتهم ؟ أين منظمات حقوق
الإنسان الزائفة ؟ إنها حرب شعواء على المسلمين وعلى الإسلام حرب توسعية لا تبقي ولا تذر ولكن مع ذلك كله لن نحزن ولن نيأس بل سيزيدنا ذلك ثباتاً فهذه سنة الله فيتمحيص أولياءه .
(وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى
بعض زخرف القول غرورا)
وهذه الحرب على الإسلام ومقدساته لا تدل على ضعفه بل هي
أكبر دليل على أن الإسلام يشكل مصدر خطر ورعب على أعداءه ألم أقل لك أخي لا تحزن إننا نجزم يقيناً أن وراء هذه الابتلاءات وهذه المحن خير كثير قد لا نتصوره الآن ولكنه سوف يظهر قريباً بإذن الله (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خيرٌ لكم ) ولربما ينقدح في ذهنك أخي تساءل مفاده وهل تعني أن وراء هذه الفتن وهذه المصائب التي تحل بالمسلمين منفعة وفائدة ؟ المسلمون يقتلون ويطاردون ويهددون وتلفق عليهم التهم العظام وأنت تقول إن وراء ذلك فائدة ومصلحة ؟
أقول نعم ليست فائدة واحدة بل
فوائد عظيمة ربما غفلنا عنها ولذلك أخشى أن يسيطر علينا اليأس والقنوط ولذلك إليك أيها المسلم يا من يحزنك ما ترى وتسمع من أحوال المسلمين إليك هذه الفوائد لتعلم أنه كم في المحن من منح وكم في البلايا من عطايا .
أولاً: قد يكون الابتلاء
سبباً ليراجع الإنسان نفسه ويحاسبها على ما اقترفت من الذنوب (فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) لقد أخذهم الله بالبأساء والضراء ليرجعوا إلى أنفسهم لعلهم تحت وطأت الشدة يتوبون إلى الله وكم من الناس قد تاب إلى الله ورجع إليه بعد حادث أصابه أو فقد عزيز عليه فكان ذلك البلاء خيراً له والشدائد الصعاب تربي الرجال وتصلح فاسدهم والمؤمن قد يشغله الرخاء ،
وهناء العيش فينسيه ضعفه وحاجته إلى ربه
والشدائد تذكره بربه وخالقه.
ثانياً: في الابتلاء تهيئة للمبتلين بمقامات رفيعة
في الدنيا والآخرة وهذا أمر مشاهد معروف فقد قيل للشافعي رحمه الله : أيبتلى المرءقبل أن يمكن ؟ فقال لا يمكن حتى يبتلى .
وهذا هو الإسلام يُحارب ويُضيق عليه
وتُشن عليه الدعايات الكاذبة وما علموا أنهم بذلك ينشرونه في الدنيا ليصل إلى أماكنلا يمكن أن يصل إليها بهذه السرعة وليعرف أقوام الإسلام قد كانوا أكثر الناس جهلاً به.
ثالثاً : الابتلاء يعرف المسلم عدوه من صديقه فتتميز الصفوف وتسقط الأقنعة
(ليميز الله الخبيث من الطيب ) .
رابعاً: من فوائد الابتلاء رجوع كثير من
المسلمين إلى إسلامهم الحق الإسلام الذي أراده الله بعدما عاشوا ذائبين في حضارة الغرب الكافرة ويبقى الغرب الكافر ينظر للمسلم على أنه مسلم وعندها يعرف المسلم أنهلا التقاء بين الإسلام والكفر ليس هناك إلا البراء من الكفر والكافرين .
خامساً
: من فوائد الابتلاء قدر عداوة الكفار للمسلمين وحقدهم الشديد على الإسلام وأهله (قدبدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكثر) .
إن الحروب التي يشعلونها هي
حروب دينيه عقديه وإن لبَُّست بلبوس العدل أو نشر الحرية فأي عدل يتحدثون عنه وأي حرية يزعمون؟
أين العدل الذي يتشدقون به من المجاز التي ارتكبها اليهود أين هذا
العدل الأعور من مجزة واحدة مجزة لا تنسى وهي مجزرة صبرا وشاتيلا يقول شاهد عيان لقد صليت على ستة آلاف جثه وهناك ألفا جثه دفنتها الجرافات دون أن نصلي عليها (ومانقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) .
منظر لا يتصوره عقل جثث بغير
رؤوس وأخرى أشلاء وبرك من الدماء لم يفرقوا بين الأطفال والنساء حتى الرضع نالهم مانالهم كما تمخضت هذه المجزرة عن مئات الثكالى وآلاف الأيتام والهائمين على وجوههم بحثاً عن أقاربهم الذين طالهم الذبح يبحثون عنهم بين أكوام الجثث وتحت الأنقاذ هذاغير آلاف الجرحى الذين يعانون من آلامٍ وتشوهات ٍ لحقت بأجسادهم والكثير ممن أصيب بصدمات نفسية أفقدتهم القدرة على الكلام هذه مجزرة واحدة فقط من ذاكرة التاريخ وغيرها كثير أليس هذا إرهاباً؟
إن دم المسلم اليوم أرخص الدماء وعرض المسلم أهون
الأعراض وحقه أشد الحقوق ضياعاً ولكن (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) .
إن فيما سبق أخي دافع لك للعمل لهذا الدين الذي تكالب عليه الأعداء ودافع لك
لعدم اليأس وعدم القنوط إن الشعور بأن الله ناصر دينه فيكسب المؤمن طمأنينة بما قدرله وهو يمر بالابتلاء الذي تزيغ به القلوب والأبصار .
إن المؤمن حقاً يعلم أن
ربه معه لنصره وتأييده وتنقلب المحنة إلى منحه وينقلب الخوف إلى رجاء والقلق إلى طمأنينة ربما فيما تستعجل به من الخلاص تعرَّض لمحنة أخرى وبلاء أشد فلا تستبطأ وعد ربك بالرحمة والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
أيها المؤمنون إنما يجري اليوم من
الابتلاءات والمحن ما يتعرض له المسلمون في أكثر البلدان من تسلط الأعداء والكيد للمسلمين كل ذلك يتم بعلم الله وحكمته والعاقبة للمتقين وما نشاهده من رجوع المسلمين إلى ربهم لهو أكبر البشائر بعودة هذا الدين والتمكين لأهله في الأرض وإنكل هذه المصائب وكل هذا التسلط لم يزد المسلمين إلا ثباتاً ووعياً بحقيقة هذا الدين وحقيقة المعركة ولو أن هذه الحروب الشرسة قد تعرض لها غير المسلمين لانتهى أمرهم منزمن بعيد ولكنه دين الله تكفل بحفظة ونصر إتباعهم (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) .
ولقد مرت بالمسلمين في
تاريخهم تسلط فيها الأعداء من التتار الصليبين وأهل البدع وبلغ التطرف بين المسلمين مداه وذاق المسلمين حياة الذل والمهانة حتى خُيل لكثير من المسلمين ممن عاش في ذلك الزمن أنه لن تقوم للإسلام قائمة ومع ذلك جاء نصر الله وقامت دولة الإسلام قوية كما كانت وخرج الأعداء من ديار المسلمين صاغرين فلا يأس ولا قنوط من عودة الإسلام في هذا الزمن ولكن ذلك يتطلب التضحيات والصبر والثبات والالتزام بهذا الدين ظاهراً وباطناً (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كمااستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) فإن اللبنة الأولى في مواجهة الصراع مع أعداءالإسلام هي العودة ثم العودة إلى الله وإصلاح قلاع الأمة من الداخل واعتصام الأمةبحبل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والوقوف صفاً واحداً امام العدو المتربص لامكان للاختلافات ولا مكان للوقوف في هذا الوقت والتفطن من العدو من الصديق في هذاالوقت بالذات الذي تواجه فيه الأمة ألوناً من التحديات وأصنافاً من الابتلاءات التي لم تكد تمط بها الأمة يتولى كبر هذه التحديات حكام صهيون وأذنابهم وأفراخهم في حروب معلنة وخفية حتى بلغوا مبلغاً خطيراً ولكن (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) .
لقد أنجبت هذه المخططات رجالاً ونساءً عاقين لهذه الأمة أنجبت نوابت في بلاد
المسلمين ترفض الشريعة وتعبث بالأخلاق والقيم وقد سخَّرت أقلام ووسائل إعلام لخدمة هذه المخططات الآثمة لتصرف أفراد الأمة عن قضيتهم الأساس ألا وهي الدفاع عن حياض الإسلام وفي الأمة وللأسف من لا يزال سادراً في غيه مثبطٌ ومخدر ولا تمثل عنده مقدسات الأمة شيئاً لا تثير فيه عاطفة إسلامية يرى الأقصى كأي مكان آخر في وجهٍ علمانيٍ كالح وآخرون في الأمة أشتات متناثرون لعبت بهم الفرقة والخلافات والأهواء واكتوت قلوبهم بالحسد والبغضاء والتنافر والشحناء إنها دعوة للأمة إلى أنه لا يسترد مجد ولا يطلب نصر إلا بالسير على خطى سلف هذه الأمة فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا ماصلح أولها.
وإن التفريط في الثوابت ودخول النقص على الأفراد والمجتمعات وعقيدتهم
وقيمهم وأخلاقهم سببٌ في حصول الهزائم في الأمم والانتكاسات في الشعوب فلن يحررالأقصى إلا بالقيام بما أمر الله به وأوصى ولن تسترد ديار المسلمين إلا برعاية العقيدة والدين ولنثق بربنا سبحانه وأبشروا فهذه بوارق النصر تلوح ورائحته الزكيةتفوح على أيدي المخلصين من أبناء هذه الأمة التي أنجبت الأبطال ( الشهم ) ولئن كان سياق العاطفة يغلب في طرح قضايا المسلمين وأي عاطفة يجمل بها أن تتجمد فتتبلد في اوضاع كهذه غير أن عاطفتنا ينبغي ألا تطغى على عقولنا وحكمتنا فتخرج بها عن الضوابط الشرعية والأنظمة المرعية في كفاح موهوم.
لا بد من الجد في الإصلاح والاستيقاظ
من الغفلة والاستيقاظ من الغفلة حتى يبدل الله حالنا هذه بأحسن منها .
اللهم إنا
نشكو إليك ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس
❤غلا سامي❤
❤غلا سامي❤
كونوا مع الصادقين
خالد الراشد

إن الحمد لله نعبده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له فأشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد بأن محمداً عبده ورسوله
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون ﴾
﴿ ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ﴾ سورة النساء
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ۝ يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾ سورة الأحزاب
أما بعد
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وإن شر الأمور محدثاتها فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
معاشر الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حيَاكم الله وبيَاكم وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم , أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في ذلك الدار إخواناً على سرر متقابلين, أسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

المؤمن الفذ من ضمت جوارحه ديناً تأرقه دوماً قضاياه
ومن تطاوله الأيام فهو على ثباته تزرع الأيام يمناه
وإن دعا للجهاد طفل داعية بالروح والمال والأقدام تلقاه
قال ابن القيم :
من منازل قوله تعالى ﴿إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ سورة الفاتحة
منزلة الصادقين
نحن في ليلة بعنوان كونوا مع الصادقين العملة النادرة التي نحتاجها هذا الزمان وكل زمان ...المنزلة التي فرقت بين المسلمين وبين المنافقين
المنزلة التي فرقت بين أهل النار وبين أهل الجنان.
الصدق من صال به لم تُرد صولته ...الصدق من جال به لم تُرد جولته
وهو باب دخول على الرحمة قال تعالى
﴿ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ﴾
فلا ينجو في ذلك اليوم إلا الصادقون أهل الصدق أما أهل الكذب والمنافقين فلقد أُعرض عنهم ويوم القيامة وجوههم مسودة
﴿ أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ﴾مرتبة الصدق مرتبة رفيعة مرتبة الصادقين هي مرتبة الأنبياء كما قال الله تعالى عن أنبياءه ﴿واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا﴾ سورة مريم
وقال عن إدريس علي السلام
﴿ واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا ًنبيا﴾ سورة مريم
وعن إسماعيل قال
﴿ إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا﴾ سورة مريم وقال عن يوسف﴿ يوسف أيها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان...﴾ سورة يوسف
فالصدق مرتبة الأنبياء هي أدنى من مرتبة النبوة وأعلى من مرتبة الشهداء قال الله تعالى
﴿ فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا﴾ سورة النساء
اللهم أجعلنا منهم واجعلنا معهم .
الصدق عملة نادرة نفتقدها في هذا الزمن ... في الرخاء يدَعي الكثير بالصدق أما في وقت الشدة فتظهر معادن الناس
قال الله تعالى
﴿ ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم ﴾
قال الله آمراً المسلمين أن يلتحقوا بقافلة محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾ سورة التوبة
إن لم يكن محمد ومن معه فمن يكن ... ليس بالكلام ولكن الأفعال تصدق الأقوال .
في أيام مضت وفي سنين قضت كان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عن أرض يقيم عليها هذا الدين العظيم فبايعه مجموعة من الرجال
﴿رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ۝ ليجزى الله الصادقين بصدقهم وبعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ﴾.سورة الأحزاب
اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بأواسط أيام التشريق عند العقبة جاؤوا وقد عاهدوا وتواعدوا على أن يبذلوا كل غالي ونفيس من أجل هذا الدين ونصرته واجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مباركة ضربوا فيها فنون البيعة .
الصادق منا يحتاج أن يجدد تلك البيعة اليوم
﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما﴾ سورة الفتح
فيقولون عن تلك البيعة ( تسللنا من قرشنا كما يتسلل القطر حتى جئنا المكان الموعود ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس ولم يكن اسلم بعد فكان أول المتكلمين العباس رضي الله عنه {يا معشر الأوس والخزرج إن محمد منا كما تعرفون وإنه في عِزة ومنعة في قومه ولكنه أبى إلا اللحاق بكم فإن أنتم وفيتم بما وعدتموه فأنتم وما أزرتم وإلا فدعوه فإنه في عِزة ومنعة من قومه }.
قالوا: انتهيت ؟
قال : نعم
قالوا: فتكلم يا رسول الله وخذ بربك وبنفسك ما أردت.
فقال الرسول عليه الصلاة والسلام قرأ عليهم القرآن الذي لو أنزل على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله فلما قرأ عليهم القرآن علموا أنها البيعة وثمنها الجنة على أن يقدموا في سبيل الله تلك الأنفس والأموال ومن ذلك بنود البيعة من بنودها :
-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النشر وفي المكره وفي النفقة في العسر واليسر وعلى أن تمنعوني ما تمنعون منهم أسركم
قالوا : يا رسول الله إن بيننا وبين القوم عهود ومواثيق إن نحن قطعناها وأظهرك الله ترجع وتتركنا ؟
قال صلى الله عليه وسلم : بل أنا منكم وأنتم مني الدم بالدم والحد بالحد .
قال: مد يمينك نبايعك .
فقام اسعد بن زرارة أصغر القوم يبين للقوم خطورة البيعة قال: يا قومي أتدرون على ماذا تبايعون ؟؟ أنتم تبايعون على عداوة القاصي والداني , تبايعون على ترميل النساء وتيتم الأطفال وضياع الأموال إن وافقتم على البيعة وبنودها فعز الدنيا وعز الآخرة , وإلا خزي الدنيا وخزي الآخرة .
قالوا : انتهيت يا أسعد ؟
قال نعم.
قالوا: يا رسول الله مد يدك نبايعك على أن يكون الثمن الجنة .
ثم يظهر الرجال أنهم صادقون في أموالهم وأفعالهم وقالوا : يا رسول الله نحن أهل حرب ولئن شئت نميل على أهل مِنى غداً بأسيافنا,
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نُؤمر بعد ).
الله اشترى وهم باعوا على أن يكون الثمن الجنة عبدٌ صادق ووعدٌ صادق ومن أصدق من الله قيلا
﴿رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ۝ ليجزى الله الصادقين بصدقهم وبعذب النافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ﴾.سورة الأحزاب
في الرخاء الكل يدًَعي أنه يفعل ويفعل ويأتي وقت الشدة يبان الصادق من غير ه والخبيث من الطيب .
هم بايعوا على النصرة والبذل... في المدينة يمتحن الله هؤلاء الرجال في بيعتهم...عندما هاجروا المؤمنين من مكة المكرمة خلَفوا ورائهم أموالهم عند قريش واستولت قريش عليها وفي يوم خرجت قريش لقافلة لها تريد بلاد الشام رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه من باب استرداد بعض ما خلفوه في مكة أن يستولوا على القافلة فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع رجاله ولم يرد الحرب أرادوا العير وإذ هم يلاقون النقيض
﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ۝ يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ﴾ سورة الأنفال
خرج 300 رجل خرجوا يريدون العير وإذا الأمور تغيرت وإذا الأوضاع تبدلت مرت القافلة من طريق آخر عندما علم سفيان بالخبر استنفر قريش ومن معها خرجوا بجيش عظيم خرجوا ب1000 مقاتل و700 بعير ينحرون كل يوم 10 من الجزور جيش قوي بالسلاح والعدة والعتاد أما الفريق الآخر قلة قليلة لا تتجاوز 300 رجل يزيدون أو ينقصون معهم من الإبل 70 ومعهم فرس واحد أو فرسان ما معهم وسائل الحرب لأنهم لم يخرجوا للحرب أصلاً فرت القافلة ولجت بمن فيها وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم بالموقف ﴿ وإذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن يقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحي منحي عن بينة وإن الله لسميع عليم ﴾ سورة الأنفال
لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوضع قد تغير شاور أصحابه لأن المبدأ الرباني المشورة قال أشيروا علي أيها الناس فتكلم أبو بكر وأجاد الكلام وتكلم عمر وأجاد الكلام وتكلم المقداد وأحسن بالكلام هؤلاء المهاجرون ما خرجوا إلا للبذل والعطاء مستعدون للقتال والرسول يريد الأنصار فثقل المعركة يقع عليهم هؤلاء المبايعين داخل المدينة والآن خارج المدينة لكن الصادق عنده استعداد على البذل في أي وقت وفي كل مكان طاعة لله ولرسوله ﴿ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا سمعنا وأطعنا في الشدة وفي الرخاء.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس
فقال سعد بن معاذ: كأنك تعنينا يا رسول الله لقد آمنا بك وصدقناك وبايعناك ..صل حبل من شئت واقطع حبل من شئت ,عادي من شئت وسالم من شئت ,خذ من أموالنا ما شئت واترك ما شئت فوالله الذي أخذته أحب إلينا مما تركته والله لو أمرتنا أن نرمي بأنفسنا من أعالي الجبال لرميناها ما تخلف منا احد والله لو خضت بنا البحار لخضناها أمامك ما تخلف منا أحد , والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لنبيهم موسى عليه السلام
( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ,فلما رأى الله صدقهم قال ﴿إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدّكم بألف من الملائكة مردفين۝ وما جعلهم الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم.﴾ سورة الأنفال
﴿إذ ّيوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ۝ ذلك بأنهم شاّقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ﴾ سورة الأنفال
صدقوا مع الله فصدق الله معهم في الشدة والرخاء رجال .
فرضي الله عنهم ورضوا عنه وأنت فيهم آية ثبت مكانتك عند الله
﴿لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا﴾ سورة الفتح
إن قلوبهم مليئة بالصدق والحب لله ولرسوله فنزلت الآيات تزكيهم وتبشرهم بما عند الله
﴿ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا ًسجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ...﴾ سورة محمد
وكثير من الآيات التي تزكي هؤلاء الرجال .
في يوم من الأيام تطاول الكفار على المؤمنين وقتلوا رسول النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهم من يعذبهم من المؤمنين أرسل 3000 رجل وحين ما وصلوا أرض المعركة وإذ القوم 100000 رجل, فنظم الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش كما ينبغي فجعل الإمارة لزيد ثم لجعفر ثم لعبد الله بن رواحه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينقل المعركة مباشرة لمن معه فكان يخبرهم ..حمل الراية زيد ثم قتل ثم حمل الراية جعفر ثم قتل ثم ابن رواحه فقتل ثم سكت ,فقال : ولقد رُفعوا إلى الجنة جميعاً ,ثم رجع إلى أرض المعركة وأخبره بأن ثابت بن أقرط حمل الراية ,
وقال ثابت : يا خالد بن الوليد أحمل الراية
اعتذر خالد وقال له:
أنت أكثر مني خبرة وأكبر مني سناً .
فقال ثابت: لكنك أعلم مني بفنون القتال ,
ثم شاوروا المسلمين أترضون أن يحمل خالد الراية ويكون القائد فرضوا المسلمين فحملها خالد ,
نرجع للمدينة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : أما الآن حمل الراية سيف من سيوف الله ولقد حمي الوطيس .
قال خالد بن الوليد :تكسر بيدي تسعة أسياف ولم يبقى معي سوى صحيفة يمانية .
كم صدقوا هؤلاء الرجال في تلك المعركة وأبلوا بلاءً حسناً . ولقد رأى خالد بحنكته وحكمته العسكرية أن الجيش قدّم ما يستطيع ومن الانتصار أن يخرج من تلك المعركة بأقل الخسائر أعاد تنظيم الجيش فجعل الميمنة ميسرة ووضع خطة عسكرية تدرس إلى اليوم , وانسحب الجيش بأقل الخسائر إلى المدينة .
كيف أُستقبل الجيش عندما عاد من ارض المعركة ؟؟
أُستقبلهم أطفال المدينة بالحجارة يقولون لهم :يا فرَار تفرون من الموت في سبيل الله ؟؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس بالفرَار بل الكرَام إن شاء الله
انظروا الفرق بين الأمس واليوم ,بالأمس كانوا صغارنا يستقبلون خالداً بالحجارة تفرون من الموت يا فرَار .
واليوم يستقبلون غانياً ومطرباً ولاعباً في صالة المطار بالورود والأزهار
مختار يا مختار هذا زمان العار من طنجة إلى قندهار
معتقد يعيش حالة احتضار أمتنا ليس لها قرار
ملعوبه باليمين وباليسار نرجو بصلاح الدين
ندور في مأساتنا حتى أصابنا الدوار
لكن لا خيار من موتنا فوق الشجار
حتى يصير الشوك سجناء أهو فنون يا مختار من نهاية المشوار
فإن النصر مع الصبر واضطراب فوق النار
هذا باختصار كلمة اعتذار عن أمة تعداده مليار ليت لها قرار .

الصادق مستعد في كل حال من الأحوال مهما كانت الروابط والضوابط في الشدة والرخاء .
سمع النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يقال له خالد الهذلي يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم ,لم يرسل له كتيبة أو جيش بل أرسل له رجل واحد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله بن حنيف اذهب إلى مكة وآتني برأس خالد الهذلي (قال المهمة صعبة أو أعذرني أو ابحث عن غيري )قال: سمع وطاعة
قال : يا رسول الله ما اعرف الرجل ؟
قال الرسول عليه السلام :من علامات الرجل إذا رأيته تهابه (كان العرب تقول عنه رجل بألف رجل).
قال عبد الله : سمعا وطاعة .
خرج وحيداً وصل إلى مكة المكرمة وقد أقام خالد معسكر في مِنى.
جاء عبد الله إلى خالد وقال له :ضمني معك حتى نقضي على محمد
وكان عبد الله صاحب رأي ومشورة فضمه إليه وقربه منه في اليوم الثاني إذا هما يسيران بعيداً عن الخيام حتى بَعُدا عن الناس قام عبد الله وسل سيفه وقطع رأس خالد وجاء به إلى المدينة وقبل أن يصل عبد الله إلى المدينة أخبر الوحي النبي صلى الله عليه وسلم بأن الجندي أتم المهمة على أكمل وجه فلما وصل عبد الله المدينة أستقبله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (افلح الوجه)خذ عصاي هذه وتوكأ عليها أعرفك بها يوم القيامة شاهد وآية وعلامة وقليل المتوكئون من أمتي ,فلما توفي عبد الله أمر بتلك العصا أن تكفن معه آية وشاهد وعلامة ,أطاع الله وأطاع رسوله.
لسان حالهم يقول :
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاب الردى
إما حياة تسـر الصـديـق وأما ممات يغيض العدى

عسكر المسلمين في يوم تبوك يقول عبد الله بن مسعود بتنا تلك الليلة استيقظت في آخر الليل تحسست فراش الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا هو خالي من صاحبه وتحسست فراش أبو بكر وعمر فإذا هي خالية من صاحبيها نظرت في آخر المعسكر فإذا بنار موقدة انطلقت إليها فلما جئتها فإذا بالرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر قد حفروا قبراً قلت: يا رسول الله من هذا ؟قال صلى الله عليه وسلم :هذا أخوك عبد الله بن جادين فر بدينه إلى الله ورسوله وقد عذبوه وضربوه وجردوه من ثيابه ,وعندما أنزله رسول الله في قبره قال: اللهم إني أمسيت عنه راض فأرض عنه ,قال عبد الله بن مسعود:والله ما تمنيت إلا أن أكون صاحب ذلك القبر .
فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
الصادق صادق في دعوته إذا ناجى ربه ناجى بقلب صادق وجوارح متوجهة إلى الله .
يوم أحد يوم صفت الصفوف قال عبد الله بن جحش لسعد بن وقاص :يا سعد أدعُ وأنا أأمن على دعوتك ,
فقال سعد : يا رب إني أسألك فارس شديد البأس شديد الحربة يقاتلني وأقتله وآخذ غنيمته .
قال: عبد الله انتهيت يا سعد
قال :نعم
فقال :أمن يا سعد ,أما أنا فأسألك يا رب فارساً شديد البأس شديد الحربة يقاتلني وأقاتله فيبطر بطني ويجدع أنفي ويقطع أذني ,فإذا سألني ربي لما فعلت هذا ؟فأقول: فعلته فيك .
فيقول سعد :فكانت دعوة عبد الله أحسن من دعوتي .
ويوم كانت المعركة رأيناه بعد المعركة وقد بُطِر بطنه وجُدِع أنفه وقُطِعت أذنه
﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ﴾ سورة الأحزاب
المؤمن الصادق يعتز بدينه ويعتز بعقيدته ويعلم أن الأيام دُول وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون .
بأشد الظروف تظهر عزة المؤمنين في المواقف تظهر معادن الرجال .
لما حُصرت المدينة من كل صوب , صور الله ذلك الموقف تصويرا عجيباً قال سبحانه
﴿إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا بلغت وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ۝ هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزلا شديدا ۝ وإذا يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا﴾ سورة الأحزاب
تقطعت الأسباب الأرضية كلها ولم يبقى إلا الحبل الموصل بالله تعالى
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :ابشروا إن النصر من عند الله ,
ولما رأى السلمون النصر قالوا: هذا ما وعد الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتصديقاً .عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤامرة اكتملت من كل جهاتها أراد أن يخفف الحصار على أولئك الرجال الصادقين ,فأتى بقادة خطفان قال لهم:في عرض يرضيهم و يصلح فيما بينهم : ما رأيكم بأن أعطيكم ثلث ثمار المدينة على أن ترجعوا وتفكوا هذا الحصار (4000 من خطفان خرجت من المدينة ليس للثأر من المسلمين وإنما خرجت للغنيمة يريدون أن يجعلوا الصادقين غنيمة لهم ولكن الله يأبى أن يكونوا كذلك , عندما عرض النبي صلى الله عليه وسلم هذا العرض لغطفان طلب منهم أن يستشير قادة المدينة(وأمرهم شورى بينهم)فجاء بالسعدين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقال لهم :ما رأيكم على أن نعطي غطفان ثلث ثمار المدينة ويرجعوا ويتركوا الحصار؟
فقالوا: أمر من السماء فليس لنا إلا التسليم أم أمر تحبه لنا .
قال: بل أمر أحبه لكم .
قالا: يا رسول الله كنَا مع هؤلاء القوم وكنَا على شرك وكفر فكانوا لا يأكلون ثمارنا ويأخذون أموالنا إلا بيعاً واليوم عندما أعزنا الله والإسلام يأخذون أموالنا والله ليس بيننا وبينهم إلا السيف .
فلما علم الله صدقهم وتوكلهم عليه قال تعالى مصوراً الموقف
﴿يا أيها الذين آمنوا أذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم رياحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصير ﴾ سورة الأحزاب
بصير بما تعملون من الاستعداد فقلب الله الأمر عندما رأى عزة هؤلاء الرجال مستمدة من الله ونبيه وقال لهم
﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ۝ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ۝وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ۝ أم حسبتم إن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين آ﴾ سورة آ ل عمران
عزة مستمدة من كتاب الله وسنة نبيه أما ترى بأننا بأمس الحاجة لمثل هذه العزة وهذا التمسك .
فلست بموت العدو تخشعاً ولا تضرعاً إني إلى الله مرجعي
ولست أبالي حين أقتل على أي جنب في الله كان مصرعي

أليس البيع تمت والثمن !! الجنة أليس الثمن قد دفع ؟؟ أليس الله اشترى وهم باعوا على أن يكون الثمن الجنة ولذلك خاطب الله الذين يقرؤون القرآن الكريم كونوا معهم
﴿ياآيها الذين آمنوا أتقو الله وكونوا مع الصادقين﴾ سورة التوبة
كونوا مع محمد وأصحابه .
اسمع تضحياتهم يا رعاك الله
﴿الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وآذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا ﴾اسمع الثمن ﴿لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب ۝ لا يغرنك الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم ولبئس المهاد ﴾
اسمع تضحيات القوم وقل أين نحن من هؤلاء ؟!
﴿للفقراّء المهاجرين الذين أُخرِجوا من ديارِهم وأموالِهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسولَه أولئّك هم الصادقون ﴾ سورة الحشر
هم فقط ؟؟ بل لكل من سار على دربهم
﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا ّإنك رءوف رحيم ﴾ سورة الحشر
زار أبو ذر مكة المكرمة بعد انقطاع فرأى أهلها عجبا رآهم قد تطاولوا في البنيان وتوسعوا في المأكل والمشرب فصار يطوف حول الكعبة ويقول ( ياأيها الناس ..أنا جندب بن جنادة صاحب رسول الله فأقبلوا علي فأنا لكم ناصح مشفق أمين .
فأقبلوا عليه وقالوا : ما عندك يا صاحب رسول الله ؟
قال : أرأيتم لو أن رجل أراد السفر ألم يكن يأخذ معه عدة للسفر؟!
قالوا : بلى .
قال : فإن سفر الآخرة أفضل ما تريدون , فخذوا ما يبلغكم .
قالوا : وما يبلغنا ؟
قال : صوموا يوم شديد الحر يبقى ليوم مشهود , وصلوا في ظلمة الليل لظلمة القبور , وحجوا حجة لعظائم القبور , واجعل الدنيا مجلسين مجلس لله وآخر في طلب الأمر وآخر ترده لا يضرك , واجعل الدرهم درهمين درهم أنفقه لك ولعيالك ودرهم تنفقه في سبيل الله وثالث يضرك لا ترده
ما لكم تبنون مالا تسكنون , وتجمعون مالا تأكلون , وتأملون وتطيلون قتلكم حرصا على الدنيا لستم ببالغيه , انقل إلى الله المشتكى
كيف لو جاء أبو ذر ورأى أحوالنا ورأى القصور الشاهقات لا يسكنها إلا اثنين أو ثلاثة .
كيف لو جاء أبو ذر ورأى البنوك الربوية .
كيف لو جاء أبو ذر ورأى أبنائنا ونسائنا كيف يتمايلون مع المعازف والألحان وساعات أمام الشاشات .
كيف لو جاء أبو ذر ورأى عبّاد البقر يهدمون مساجدنا .
كيف لو جاء أبو ذر ورأى عبّاد الصليب ينتهكون أعراضنا .
كيف لو جاء أبو ذر ورأى أحفاد القردة والخنازير يتلاعبون بعقيدتنا .
الصادق عنده قضية يحيا من اجلها ويموت من اجلها .
يوم أحد اجتمع اليهود لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم , قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن حوله : من يدفع عني الرجال وله الجنة وهو رفيقي في الجنة ؟ فتطايرت الكلمات إلى الشباب ممن سمعها سعد بن الربيع فقال : الثمن الجنة ورفيق الرسول بأبي هو وأمي , فأنطلق يدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأبلى بلاء حسنا أمام الرسول حتى قتل ,فلما انتهت المعركة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يأتيني بخبر سعد بن الربيع ؟ فبدا البحث بين القتلى فوجدوه في آخر رمق من الحياة ,فقالوا له : يا سعد إن رسول الله يقرأك السلام .فرد وقال : اقرأ النبي مني السلام وقل له :جزاك الله خير ما جزا الله نبي عن قومه ,فإني والله لأجد ريح الجنة , واقرأ للأنصار مني السلام وقل لهم : لا عذر لكم أمام الله أن يخلص على رسول الله وفيكم عين ( فلم يوصي بمال أو عيال ) فلما رجعوا إلى رسول الله وأخبروه عنه استقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وهو يقول : اللهم القي سعد بن الربيع وأنت عنه راض, رحمك الله يا سعد كم نحن بحاجة إلى مثل سعد .
انظر إلى المسلمين يمنة ويسرة
ولا تلمني فلا يلام جريح
لا يلوم المظلوم حين يصيح
لا تلمني ولوم خافق بين جنبي لم تحتضنه القروح
وأنا لن ألوم من مات حسدا
وإنما ألوم لمن فيه روح
وأنا لن يضيق باللوم صدري
فإن صدر المحب للمحب فتيح

واعلم أن الطريق محفوف بالمكاره والمصائب والآلام
﴿حتى يقول الرسول والذين آمنوا متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ﴾
﴿ ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريّن من أنصاري إلى الله قال الحواريّون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ﴾. سورة الصف
أما آن النصر كما قالوا أولئك , إذا كانوا قد فعلوا فنحن نقدر أن نفعل فالمنبع واحد والمصدر واحد والطريق واحد والمعبود واحد والذي وعد بالنصر لا يخلف بالوعد .
﴿أوفوا بعهدي أوفي بعهدكم ﴾ سورة البقرة
﴿اذكروني أذكركم﴾ سورة البقرة
﴿ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ﴾ سورة محمد
اللهم اجعلنا منهم ومعهم اللهم أدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق واجعلنا ممن إذا أنعمت عليه شكر وممن إذا ابتلته صبر وإذا أذنب استغفر, اللهم أبلغ بأمتنا يوما رشدا يعز أهل طاعتك ويذل أهل معصيتك ويأمر فيهم بالمعروف وينهى عن المنكر ,اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك وأطاعك واتبع رضاك , نسألك اللهم قادة مصلحين و وعلماء ربانيين ودعاة مخلصين وشباب عاملين وبنات عاملات , اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذله ,اللهم انصر المجاهدين في كل مكان ومن على كلمة الدين واجمع كلمتهم على الحق . اللهم اخسف عدوك وعدوهم إنهم لا يعجزونك , اللهم اشدد وطأتك على القوم الكافرين ,الله عليك بهم فإنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز , ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير , ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمورنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين يا قوي يا عزيز ,نستغفرك ونتوب إليك وصلي وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
❤غلا سامي❤
❤غلا سامي❤

أحوال العابدين
خالد الراشد

معاشر الأحبة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. طبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، وأسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين. عنوان هذا اللقاء المبارك: أحوال العابدين. وسيتكون اللقاء من هذه النقاط: أولها: سبب الاختيار للموضوع، ثم أولياء لرب العالمين، ثم سيد العابدين، ثم من أحوال العابدين، ثم أين نحن من هؤلاء، ثم خبر عابد صغير، وأخيراً اغتنم شبابك. وأحب قبل أن أنطلق أن أبين للأخوات أني لم أتطرق في الموضوع إلى أحوال العابدات، والسبب أني سأخص هذا بموضوع منفرد لحاجة النساء إلى مثل هذا. أسأل الله أن ينفع السامع والمتكلم بما نسمع وبما نقول. إن سبب اختيار هذه الأحوال والأخبار ما نراه من قسوة في القلوب وهجر للقرآن، فلا يعرف ختم القرآن إلا من رمضان إلى رمضان. قال الله: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا . ومن الأسباب أيضاً: ما نراه من تفريط بالنوافل، بل بالفرائض، فالصلاة أصبحت مجرد حركات، من قيام وقعود بلا أثر، وكذلك ما نراه من تخلف عن تكبيرة الإحرام ورضا بالصفوف الأخيرة. اعلم أنه من عزم ثابر، ومن أراد إدراك المفاخر لم يرض بالصف الآخر. ومن الأسباب أيضاً: ما نراه من تكاسل عن الجمعة والجماعات، وشح في البذل والصدقات، كأن لم يكن الله قد اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنات. إن حاجتنا للعبادة كحاجة الأرض للمطر، فلا تحيا القلوب إلا بذكر علام الغيوب، فنحن في أمس الحاجة إلى تقوية الصلة بالله؛ حتى نكون من أوليائه الذين قال عنهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، وهل تنتصر الأمة إلا بأوليائها والعباد والزهاد الصادقين، قال سبحانه: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ . بالصادقين والمخلصين الذين يدعون ويتضرعون تنتصر الأمة، عن علي رضي الله عنه قال: (ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح يناجي ربه ويتضرع: اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصبة لا تعبد بعد اليوم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسُهم حتى سقط رداؤه عن ظهره، فقال له أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: هون عليك يا رسول الله! إن الله منجزك وعده، ثم غفا إغفاءة، ثم قال: أبشر يا أبا بكر هذا أخي جبريل آخذ بعنان فرسه، فأنزل الله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ). بالعباد الأولياء وبرهبان الليل وفرسان النهار تنتصر الأمة، لذا فإن حاجتنا اليوم لتقوية الصلة بالعبادة أشد من حاجتهم، فأهل العصور الماضية كانوا يعيشون في محيط إسلامي تسوده الفضائل ويسوده التواصي بالحق، أما اليوم فغفلة وقسوة في القلوب، وانشغال بتوافه الأمور. ......

نذكر أخبارهم تحفيزاً للنفوس، وتشجيعاً للسير على طريقهم، فهم أولياء رب العالمين، قال الله عنهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ، فماذا لهم بإيمانهم وتقواهم؟ قال سبحانه: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، صدقوا إيمانهم بتقواهم، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي. فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله تعالى ولياً؛ لذلك كانت لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فالثناء الحسن، والمودة في القلوب، والرؤية الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به، وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرف سيِّئها عنه، أما في الآخرة فبشارة عند قبض أرواحهم، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ، ثم تثبيت لهم في قبورهم قال سبحانه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ، ثم تمام البشرى بدخول جنات النعيم والنجاة من العذاب الأليم. هم أولئك الذين إذا رءوا ذكر الله عز وجل، هم أولئك الذين تنبعث من وجوههم أنوار الطاعة، هم أولئك الذين قال الله عنهم كما في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، هم أولئك الذي يثبت الناس برؤياهم وكلامهم. حكى ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: يعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، وما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاب، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه؛ فيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة. قال الله: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ، بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. ......

وإليك طرفاً من أخبار الأولياء والعابدين: قال البخاري : ما اغتبت مسلماً منذ احتلمت. وقال الشافعي : ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً، ولو أعلم أن الماء يفسد علي مروءتي ما شربته. وقيل لـمحمد بن واسع : لم لا تتكئ؟ قال: إنما يتكئ الآمن، وأنا لا زلت خائفاً. وقُرئَ على عبد الله بن وهب : وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ ، فسقط مغشياً عليه. وحج مسروق فما نام إلا ساجداً. وعن جعفر بن سليمان قال: بكى ثابت البناني حتى كادت تثقب عيناه؛ فجاء رجل يعالجها فقال الطبيب: أعالجك على أن تطيعني، قال ثابت : على أي شيء أطيعك؟ قال: على ألا تبكي، قال: فما خيرهما إن لم تبكيا؟ أما قال الله: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ، أما قال عن أوليائه: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا . سهر العيون لغير وجهك باطل وبكاؤهن لغير فقدك ضائع عن سلام بن مطيع قال: جيء للحسن بكوز من ماء؛ ليفطر عليه وكان صائماً، فلما أدناه إلى فيه بكى، فقيل: ما أبكاك؟ قال: ذكرت أمنية أهل النار في قوله جل في علاه: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ، ثم ذكرت الجواب: قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ . الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . دخلت امرأة على أهل الأوزاعي ، فنظرت فوجدت بللاً في موضع سجود الأوزاعي ، فقالت لزوجته: ثكلتك أمك، أراك غفلت عن الصبيان حتى بالوا في مسجد الشيخ، فقالت زوجة الأوزاعي : ويحك أمة الله، هذا أثر دموعه في مسجده، وليس من بول الصبيان. لله درهم، أما قال الله عنهم: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ . لسان حالهم: والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولا جلست إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي كان يزدجرد ملك الفرس قد أرسل يستنجد بملك الصين، وذكر له المسلمين ومن أوصافهم فقال: لا ينامون بالليل، ولا يأكلون بالنهار، شعث رءوسهم، بالية ثيابهم. فأجابه ملك الصين: إنه يمكنني أن أبعث إليك جيشاً أوله في منابت الزيتون يعني: في الشام، وآخره في الصين. ولكن إن كان هؤلاء القوم كما تقول، فإنه لا يقوم لهم أهل الأرض، فأرى لك أن تصالحهم، وتعيش في ظلهم، وتأمن في عدلهم. ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا وكنا حين يأخذنا ولي بطغيان ندوس له الجبينا وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا قال الحافظ ابن حجر : المراد بولي الله المواظب على طاعته، المخلص في عبادته، ومن أعظم ما يتبين به الولي أن يكون مجاب الدعوة، راضياً عن الله في كل حال، قائماً بالفرائض، مجتهداً بالنوافل، تاركاً للنواهي، له هدف غير أهداف الناس الدنيوية، غير حريص على الدنيا وما فيها، إذا وصل إليه القليل صبر، وإذا وصل إليه الكثير شكر، يستوي عنده المدح والذم، والفقر والغنى، غير معتد بما منَّ الله عليه من خصال الولاية، كلما زاده الله رفعة ازداد تواضعاً وخشوعاً. من صفاته: حسن الأخلاق، كريم الصحبة، كثير الحلم، كثير الصبر والاحتمال، فمن اتصف بهذه الصفات فليس ببعيد أن تظهر على يديه الكرامات؛ لأن الله تعالى قال عنه كما في الحديث القدسي: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).......

إليك رعاك الله موجزاً مختصراً عن سيد الأولياء والعابدين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلوات ربي وسلامه عليه، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوابين العابدين المتبتلين، لم تتغلب نفسه على أهداف حياته العظمى قيد شعرة، ولم يخلف موعده مع الله في عبادة ولا جهاد، لله در أمهات المؤمنين حين يصفن علو همته صلى الله عليه وسلم للصحابة، تقول إحداهن: (وأيكم يطيق ما كان يطيق) وتقول الأخرى: (ما لكم وصلاته صلى الله عليه وسلم) همة عالية في كل مقامات الدين. فلقد كان صلى الله عليه وسلم سيد المجاهدين والعابدين والصابرين والصائمين، كان أعلى الناس توكلاً، وأوفر الناس نصيباً من الرضا والحمد والدعاء والشكر والتبتل، وأعلى الناس يقيناً. كان أشجع الناس، وأرحم الناس، وأشد الناس حياء. كان أحسن الناس خلقاً ومروءة وتواضعاً، وأكثر الناس مراقبة لربه، وأعلى الناس خشوعاً، وأشد الناس عبادة، وكان أطول الناس صلاة. عن حذيفة : (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فكان يقول في صلاته: الله أكبر -ثلاثاً- ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه فكان قيامه نحواً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، ثم رفع رأسه من السجود فكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، في أربع ركعات، قرأ البقرة، والنساء، وآل عمران، والمائدة أو الأنعام)، شك الراوي في ذلك. يقول أبو هالة في وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة). وتقول عائشة رضي الله عنها: (قام صلى الله عليه وسلم ليلة بآية يرددها حتى الفجر وهو يبكي: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) أقول: ردد وكرر هذه الآية، ثم انظر إلى الأثر في قلبك رعاك الله. يقول عبد الله بن الشخير : (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء). قال له ربه: قُمْ فَأَنذِرْ ، فانطلق يبلغ دعوة الله. وقال له ربه: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ، فقام حتى تفطرت قدماه. قال لـعائشة ليلة: (دعيني أتعبد لربي، تقول: فقام يصلي، وجعل يبكي حتى بل لحيته، ولا يزال يبكي حتى بل الثرى تحته، فجاءه بلال ليعلمه بدخول وقت الصلاة فوجده يبكي، فقال له: تبكي بأبي أنت وأمي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال صلوات ربي وسلامه عليه: كيف لا أبكي يا بلال !.. أفلا أكون عبداً شكوراً؟! لقد تنزلت علي الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتدبرها، ثم تلا قوله جل في علاه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ). إنها آيات تصور العابدين في ليلهم ونهارهم وفي جميع أحوالهم تصور خوفهم ورجاءهم وتذكرهم ودعاءهم. لما علمت بأن قلبي فارغ مما سواك ملأته بهواكا وملأت كلي منك حتى لم أدع مني مكاناً خالياً لسواكا فالقلب فيك هيامه وغرامه والروح لا تنفك عن ذكراكا والسمع لا يصغي إلى متكلم إلا إذا ما حدثوا بعلاكا والطرف حيث أجي له متلفتاً في كل شيء يشتهي معناكا اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك يا رب العالمين.


كان سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة حتى في أشد الأحوال وأصعبها، فقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً من جهينة فقاتلوا قتالاً شديداً، فلما صلينا الظهر، قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة واحدة لاقتطعناهم، فأخبر جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقد قالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من أولادهم، فلما حضرت صلاة العصر، قال: قمنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول، وتقدم الصف الثاني فقاموا مقام الأول فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني جلسوا جميعاً، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعاً). الله أكبر! المقام مقام حرب وخوف وقتال شديد، ومع هذا ما تأخر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما تكاسلوا وما تهاونوا في صلاة الجماعة، ولقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في أيام مختلفة، وعلى أشكال متباينة، كل هذا الحرص؛ ليربي العباد على المحافظة على الصلوات في كل الظروف والأحوال. وروى البخاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: ألا تحدثيني عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: بلى، ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا فاغتسل فذهب لينوء -يعني: ليقوم- فسقط فأغمي عليه، ثم أفاق صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! قال: ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: فقعد فاغتسل، ثم ذهب ليقوم فسقط فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله! فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، فقعد فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس). الله أكبر! كم كان صلوات ربي وسلامه عليه حريصاً على صلاة الجماعة، يشتد مرضه فيغتسل، ثم يغمى عليه فيفيق فيغتسل ثم ثانية وثالثة، كل ذلك لعله يكتسب خفة ونشاطاً يمكنه بفضل الله تعالى من حضور صلاة الجماعة، فكيف كانت الخفة؟ وكيف كان خروجه للناس؟ اسمع رعاك الله! روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة، فخرج يهادى بين الرجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع). سبحان الله! لم يكن يتمكن من المشي إلا اعتماداً على رجلين، ولم يكن يقدر على تمكين رجليه على الأرض لشدة ضعفه، ومع هذا خرج لصلاة الجماعة في المسجد؛ ليبين للناس أن العابدين لا يتخلفون عن الصلوات في المساجد، خرج ليبين أن العابدين لا يكونون إلا في المساجد والمحاريب.

إن أي استقامة لا تنطلق من المسجد والمحراب لا خير فيها، إن سجود المحراب واستغفار الأسحار ودموع المناجاة هي من أهم صفات العابدين، ولئن ظن أهل الدنيا أن جنتهم في الدينار والنساء والقصر المنيع، فإن جنة العابدين في محرابهم في صلواتهم لربهم، أما سمعت قول الله ليحيى عليه السلام: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ، إن صلوات العباد في المحاريب تربية لهم وتيجان على رءوسهم أغلى من التيجان على رءوس الملوك. أعيد وأكرر: وهل تنتصر الأمة إلا بالعباد والزهاد؟ فهيا معاً نسمع أحوال العابدين الذين جعلوا محمداً صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة لهم، من أحوال العابدين:


العباد الزهاد في الناس كالعملة النادرة، يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة)، رواه مسلم . ومعنى الحديث: أن المرضي الأحوال من الناس، الكامل الأوصاف، الحسن المنظر، القوي على الأحمال والأسفار، قليل جداً، كقلة الراحلة في الإبل، ولذا عمت المصيبة بفقدهم وعمت الرزية بموتهم. لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر يموت بموته بشر كثير فالرجل من أولئك بألف، قال أبو بكر رضي الله عنه: ( صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل ). ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لفتح مصر كتب إليه عمر رضي الله عنه: أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف، الزبير بن العوام و المقداد بن عمرو و عبادة بن الصامت و مسلمة بن مخلد . وهل تنتصر الأمة على أعدائها إلا بأمثال هؤلاء؟! (قال الأصمعي : لما صاف قتيبة بن مسلم الترك -وهذا هو أمرهم- سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو معك في الميمنة، جانح على قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء قال: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع



ومن أهم صفات العابدين: أنهم أهل صلاة وقيام وأهل محافظة على الفرائض، وتقرب إلى الله بالنوافل، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) الحديث. فلما سمع القوم منادي المحب يناديهم؛ انطلقوا خفافاً إليه، وعلموا أن أفضل القربات هي الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة). كيف لا وهي عماد الدين، وعصام اليقين، ورأس القربات، وهي المعين للعبادة، التي تفتح القلب وتوثق الصلة بالله. ولقد بدأ الله صفات المؤمنين بالصلاة وختمها بالصلاة؛ لعظيم مكانها في بناء الإيمان، وهي أكمل صورة من صور العبادة، قال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر)، حسنه الألباني رحمه الله. وقال سيد العابدين صلوات ربي وسلامه عليه: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)، رواه مسلم . وقال بأبي هو وأمي: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)، حسنه الألباني رحمه الله. أما يكفيك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه)، صححه الألباني رحمه الله. علم العباد قدر الصلاة وأنها ميدان سباق، فانطلقوا يتسابقون ولسان حالهم: من فاته منك وقت حظه الندم ومن تكن همه تسمو به الهمم

روى مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف). لله درهم من مرضى، لا والله بل نحن المرضى، مرضى القلوب. وعن عطاء بن السائب قال: (دخلنا على أبي عبد الرحمن السلمي وهو يقضى -يعني: ينازع- في المسجد، فقلنا له: لو تحولت إلى دارك وفراشك فإنه أوفر لك، فقال لهم: حدثني فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أحدكم في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة، والملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، فأنا أريد أن أموت في مسجدي) يا ألله! من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: رجل قلبه معلق في المساجد. قيل لـنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. وعن محمد بن زيد : أن ابن عمر رضي الله عنهما كان له متراس فيه ماء فيصلي فيه ما قدر له، ثم يصير إلى فراشه فيغفي إغفاءة الطائر، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمس. وروى نافع : أن ابن عمر كان يحيي بين الظهر والعصر. فمن منا فعل ذلك؟! عن الربيع بن خثيم قال: أتيت أويساً القرني فوجدته قد صلى الصبح وقعد في مصلاه، فقلت: لا أشغله عن التسبيح، فلما كان وقت الصلاة -يعني: بعد الشروق- قام فصلى إلى الظهر، فلما صلى الظهر قام فصلى إلى العصر، فلما صلى العصر قعد يذكر الله إلى المغرب، فلما صلى المغرب صلى إلى العشاء، فلما صلى إلى العشاء قام فصلى إلى الصبح، فلما صلى الصبح جلس فأخذته عينه ثم انتبه، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من عين نوامة، وبطن لا تشبع. رحم الله أويساً ما أعلى همته، يعاتب نفسه على إغفاءة خاطفة، ولهذا يعده الشاطبي ممن يأخذ بما هو شاق على الدوام، ومع هذا لا يعتبر مخالفاً للسنة، بل إنه من السابقين الأولين، ألم يكن سيد العابدين يقوم الليل حتى تتورم قدماه؟! عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح, وكان إذا أمسى قال: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح، كان رحمه الله يقول: لأعبدن الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء. أما سيد التابعين في العلم والعمل سعيد بن المسيب فكان كاسمه في الطاعات سعيداً، ومن المعاصي والجهالات بعيداً، عن أبي حرملة عن ابن المسيب قال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين، وما نظرت في قفا رجل منذ خمسين سنة، وما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. قال رحمه الله: من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة. والله لولا الأسانيد الصحاح والرجال الثقات لقلنا: إن هذه الأخبار ضرباً من الخيال، ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومن لج ولج، ومن وقف على الباب يوشك أن يفتح له. عن شرحبيل : أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني فلم يجداه في منزله، فأتيا المسجد فوجداه يركع ويسجد، فانتظراه فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاثمائة ركعة قبل أن ينصرف، فقالا له: يا أبا مسلم كنا قاعدين خلفك ننتظرك، فقال: لو عرفت مكانكما لانصرفت إليكما، وأقسم لكما بالله إن خير ما قدم المرء ليوم القيامة كثرة السجود. عمن أخبرك؟ عن الربيع ، أمْ عن عامر بن قيس ، أم أسمعك من خبر الحسن و الفضيل و ابن المبارك ، أم أتلو عليك خبر مرة الهمداني . قال الذهبي : يقال له مرة الخير لعبادته وخيره وعلمه.. قال الذهبي : بلغنا عنه أنه سجد لله حتى أكل التراب جسده. عن عطاء بن السائب قال: كان مرة يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فلما ثقل وبدن صلى أربعمائة ركعة، وكنت أنظر إلى مباركه كأنها مبارك الإبل. ومثل هؤلاء كثير ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم، لكن الله يعرفهم. أما مسروق العالم بربه الهائم بحبه، فقال عنه ابن إسحاق : حج مسروق فما بات إلا ساجداً. قال سعيد بن جبير : لقيني مسروق فقال: يا سعيد ! ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفِّر وجوهنا في التراب، وما آسى على شيء إلا على السجود لله تعالى. كانت امرأة مسروق تقول: والله ما كان مسروق يصبح ليلة من الليالي إلا وساقاه منتفختان من طول القيام، وكنت أجلس خلفه فأبكي رحمة له. وكان رحمه الله إذا طال عليه الليل وتعب صلى جالساً، ولا يترك الصلاة، وكان إذا فرغ من صلاته يزحف كما يزحف البعير من الضعف. إن الذي قاد هؤلاء وأوصلهم إلى ما هم عليه تلك الهمم العالية والنفوس الأبية. قال السعدي في أبيات جميلة يصور سيرهم وحالهم: سعد الذين تجنبوا سبل الردى وتيمموا لمنازل الرضوان فهم الذين أخلصوا في مسجد متشرعين بشرعة الإيمان وهم الذين بنوا منازل سيرهم بين الرجا والخوف للديان وهم الذي ملأ الإله قلوبهم بوداده ومحبة الرحمن. أقول: من أراد الوصول فعليه بالأصول، ومن سار على الدرب وصل......


إليك خبر عابد صغير من أهل زماننا، أخبرني أحد الثقات عن ابن أخيه، واسمه مسفر وعمره خمس سنوات. يقول: بدأت قصة مسفر عندما قلت له: إن الذي يصلي يحبه الله، ومنذ تلك اللحظة وهو محافظ على الصلوات جميعها، بل في الصف الأول، بل خلف الإمام أكثر الأحيان وإذا سألته لماذا تصلي؟ يجيب بكل بساطة وعفوية: حتى يحبني الله، يقول: في يوم من الأيام ارتفعت حرارة مسفر واحمرت عيناه من شدة المرض، فلما رأى أباه خارجاً سأله: إلى أين يا أبي؟ فقال: إلى المسجد، إلى صلاة العصر، فقام من حضن أمه وقال لأبيه: سوف أذهب معك إلى المسجد، فقال: ولكن أنت مريض، وحرارتك مرتفعة، فرد مسفر : أذهب إلى المسجد والله سيشفيني؛ لأن الله يحب الذين يصلون. يقول صاحبي: فذهب إلى المسجد وصلى، وخرج من المسجد معافى، كأنه لم يكن به شيء، ولم تنته القصة: ذهب مسفر لزيارة عمته، ولما أراد أبوه أن يرجعه إلى البيت، رفض الرجوع، قال: أريد البقاء مع عمتي، وهي أمي من الآن وأصبح يناديها بأمي. أتدرون ما السبب؟ السبب: أن زوج عمته مؤذن، ويأخذه إلى المسجد مبكراً، وهو يحب التبكير إلى الصلاة كلما اتصلت عليه أمه، قال: اسمعي أماه، الله أكبر، الله أكبر. يردد على مسامعها الأذان، أقول: آن الأوان أن نربي أنفسنا وصغارنا على الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر).......

قبل النهاية أوصي الشباب بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم شبابك قبل هرمك)، الشباب: هو زمن العمل؛ لأنه فترة قوة بين ضعفين: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة. لذا قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، رواه الحاكم وصححه. فالشباب هو وقت القدرة على الطاعة، وهو ضيف سريع الارتحال، فإن لم يغتنمه العاقل تقطعت نفسه حسرات: ألا ليت الشباب يعود يوماً. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه..) الحديث. والسؤال الذي أسألك إياه أخي الكريم: أليس الشباب قطعة من العمر؟ فلماذا التأكيد والتشديد على مرحلة الشباب، ذكر صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في عبادة الله. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما آتى الله عز وجل عبداً علماً إلا شاباً والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله جل في علاه: قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ، وقوله سبحانه: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ، وقوله تعالى: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا . قالت حفصة بنت سيرين : يا معشر الشباب! اعملوا فإنما العمل في الشباب، وهل كان صحابة محمد صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه إلا شباب؟! شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا تعهدهم فأنبتهم نباتاً كريماً طاب في الدنيا غصونا إذا شهدوا الوغى كانوا كماةً يدكون المعاقل والحصونا وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا ولم تشهدهم الأقداح يوماً وقد ملئوا نواديهم مجونا وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلا صيغت لحونا وما عرفوا الخلاعة في بنات ولا عرفوا التخنث في بنينا كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا. حكى المسعودي في شرح المقامات: أن المهدي العباسي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي، وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة و إياس يتقدمهم، فقال المهدي : أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم إن المهدي التفت إليه وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني أطال الله بقاء الأمير سن أسامة بن زيد لما ولاه النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم أبو بكر و عمر ، فقال المهدي : تقدم بارك الله فيك. فالشباب هم روح الأمة، وهم حملة الراية، ولن تقوم للأمة قائمة إلا على أكتاف الشباب الذين يريدون ما عند الله والدار الآخرة. لقد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً؛ يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة). اعلم رعاك الله أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال، واحتمال المشتاق تكون الفرحة واللذة. قيل للربيع بن خثيم : لو أرحت نفسك، قال: راحتها أريد. وقيل للإمام أحمد : متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: عند أول قدم في الجنة. أحزان قلبي لا تزول حتى أبشر بالقبول وأرى كتابي باليمين وتسر عيني بالرسول عوتب أحدهم لشدة اجتهاده فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وستكون ولن أكون فيها، ولا أحب أن أغفل أيامي. فالصلاة خير من النوم، والتجلد خير من التبلد، والمنية خير من الدنية، فكن رجلاً رجله في الثراء وقامة همته في الثريا فإن إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا. قال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرَّتْ بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها). فكم ضاعت ومرت بنا من ساعات؟ عن قتادة أن عامر بن قيس لما حُضِرَ جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك، قال: ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وعلى قيام ليالي الشتاء. قال فضيل رحمه الله: الزم طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. قيل لـمحمد بن واسع : إنك لترضى بالدون، قال: إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا. هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى انتقال فما دنياك إلا مثل ظل أظلك ثم آذن بالزوال اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا ربنا من الراشدين. اللهم أصلح الشباب والشيب واحفظ النساء والأطفال يا رب العالمين. اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا حي يا قيوم. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير، واعف عنا الكثير، وتقبل منا اليسير إنك يا مولانا نعم المولى ونعم النصير، أستغفر الله العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
❤غلا سامي❤
❤غلا سامي❤
ياأهل الفجر
منوع

الحمد لله وصلى اله على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد
فئة موفقة،وجوههم مسفرة ، وجباههم مشرقة ، وأوقاتهم مباركة ، فإن كنت منهم فاحمد الله على فضله ، وإن لم تكن جملتهم فدعواتي لك أن تلحق بركبهم،أتدري من هم ؟

إنهم أهل الفجر
قوم يحرصون على أداء هذه الفريضة،ويعتنون بهذه الشعيرة ، يستقبل بها أحدهم يومه ، ويستفتح بها نهاره،والقائمون بها تشهد لهم الملائكة ، من أداها مع الجماعة فكأنما صلى الليل كله...
إنها صلاة الفجر التي سماها الله قرآنا فقال جل وعز:
{وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً} سورة الإسراء من الآية 78.

المحافظة عليها من أسباب دخول الجنة،والوضوء لها كم فيه من درجة،والمشي إليها كم فيه من حسنة،والوقت بعدها تنزل فيه البركة،قال النبي صلى الله عليه وسلم: \"
اللهم بارك لأمتي في بُكورهَا\".أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

أهل الفجر
الذين أجابوا داعي الله وهو ينادي حي على الصلاة،حي على الفلاح
فسلام على هـؤلاء القوم ، حـين استلهموا ( الصلاة خير من النوم )، واستشعروا معاني العبودية،فاستقبلتهم سعادة الأيام تبشرهم وتثبتهم،قال صلى الله عليه وسلم\"
بشر الشائين في الظلم إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة\" أخرجه الترمذي وأبو داود.

يا أهل الفجر
لقد فزتم بعظيم الأجر،فلا تغبطوا أهل الشهوات والحظوظ العاجلة فما عندهم-الله- ما يغتبطون عليه،بل بفضله وبرحمته فاغتبطوا،وإياه على إعانتكم فاشكروا،إياه فتوجهوا،يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم\"من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل،ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله\".أخرجه مسلم.

يا أهل الفجر
هنيئاً لكم أن تتمتعوا بالنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم: \"إنِّكم سترون ربَّكم كمَا ترون هذا القَمرَ لا تُضامونَ في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشَّمسِ وقبلَ غروبها فافعلُوا ثم قرأ: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} \" أخرجه البخاري ومسلم.

يا أهل الفجر
ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال والزوجات ، وترجعون أنتم بالبركة في الأوقات والنشاط وطيب النفس وأنواع الهديات ، ودخول الجنات ونزول الرحمات،قال صلى الله عليه وسلم: \"من صلى البُردين دَخل الجنة\" أخرجه البخاري ومسلم.والبردان:صلاة الفجر وصلاة العصر،وقال صلى الله عليه وسلم: \"لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها\" أخرجه مسلم.والمراد بهذا صلاة الفجر وصلاة العصر.

يا أهل الفجر
أنتم محفوظون بحفظ الله،أنفسكم طيبة،وأجسادكم نشيطة ، يقول صلى الله عليه وسلم: \"من صلَّى الصبح فهو في ذمة الله\".أخرجه مسلم،وقال صلى الله عليه وسلم: \"يعقدَ الشيطان على قافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد،ويضرب على مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد،فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى إن حلت عقدة،فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان\"متفق عليه.

يا أهل الفجر

كفاكم شرفاً شهادةُ ملائكة الرحمن لكم ، قال صلى الله عليه وسلم: \"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم- وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون:تركناهم وهم يصلون،وأتيناهم وهم يصلون\" متفق عليه.

يا أهل الفجر
خاصة،ومن يحافظون على صلاة الجماعة عامة : أبشروا ، فوضوؤكم درجات ، وممشاكم إلى المسجد حسنات ، وجلوسكم فيه رحمات من ربكم وصلوات : \"من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح\" أخرجه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: \"
صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة ، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رفعت له درجة وحُطَّت بها خطيئة ، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه:اللهمَّ صلِّ عليه،اللهم ارحمه ، ولا يزال أحدهم في صلاة ما انتظر الصلاة\" متفق عليه ، وفي رواية مسلم: \"اللهم ارحمه ، اللهم اغفر لهُ ، اللهم تب عليه ، ما لم يؤذِ فيه ، ما لم يحدث فيه\".

وقال صلى الله عليه وسلم : \"
ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ؟ قالوا:بلى يا رسول الله،قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط\" أخرجه مسلم.

فسلامٌ على المحافظين على صلاة الفجر، حين تركوا السَّهر، وودَّعوا السَّمر، وفازوا بعظيم الأجر، ترى الواحد من هؤلاء يستعدُّ لها من الليل بالساعة المنبِّهة، والوضوء والأوراد المتنوعة، وإذا خشي له فوات القيام لها وصَّى أحداً يوقظه، وقبل هذا كله إحساس الإيمان الذي يعمر قلبه، فحتى لو عرض له أمرٌ فتأخر عن النوم مرَّةً وجدته عند الصلاة يهبُّ من نومه فزعاً إليها،مبادراً بأدائها ، فللَّه درُّهم حين صلَّوا صلاة الفجر لميقاتها،فحفظوا وقتها،وداوموا عليها ، وفازوا بأحب عمل إلى الله عز وجل ، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((
سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله عز وجل ؟ قال:الصلاة على وقتِها….الحديث،متفق عليه.

أولئك هم الرِّجال حقاً ، والمؤمنون صدقاً ، قال ربُّنا_جلَّ وعَلا_ : {
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } سورة النور(36-37-38).

أمَّا مَن ضيَّعوا الصلاة وتهانوا بها وأخَّروها عن وقتها فيا ليت شعري لو يعلمون ماذا تحمَّلوا من الوِزر؟ وماذا فاتهم من الأجر؟ قال تعالى: {
فويل للمصلين*الذين هُم عن صلاتهم ساهون} سورة الماعون(4-5) ، وقال تعالى: { فخلفَ من بعدِهِمْ خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً*إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنَّة ولا يظلمون شيئاً} سورة مريم(59-60)، وقال صلى الله عليه وسلم: \"إنَّ أوَّل ما يُحاسبُ به العبدُ يومَ القيامة مِن عملهِ صلاتُهُ ، فإن صلُحت فقد أفلحَ ونَجَح ، وإن فسدت خابَ وخَسِرَ….\" الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن.

أيُّها المضيِّع لصلاة الجماعة ولا سيما صلاة الفجر،أفما لك همَّةٌ ترتفع بها لتكون مع من سبق الثَّناء عليهم والإشادة بهم ، لماذا تجعل للشيطان عليك سبيلا ؟ ولماذا ترضى أن يبول في أذنيك ؟ فقد ذُكِرَ رجلٌ عند الله صلى الله عليه وسلم نام ليلةً حتى أصبح فقال: \"
ذاكَ رجلٌ بالَ الشيطانُ في أذُنيهِ\"أخرجه البخاري ومسلم.

أيُّها الأخ
تذكَّر وأنت تتنعّض لذيذ المنام ، ما يعقب ذلك من حسرةٍ وألم ، ويكفيك قوله: \"...أصبَحَ خبيثَ النَّفسِ كِسلان \"متفق عليه ، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرُّؤيا: \"وأمَّا الرَّجلُ الذي يَثْلَغُ رأسَهُ بالحجرِ فإنَّه يأخذُ القرآن فيرفُضُهُ ، وينامُ عنِ الصلاةِ المكتوبةِ\" أخرجه البخاري ، فحين تلذَّذ بالنوم عن الصلاة جُوزي بأن يرضَّ رأسه بالحجارة ، والجزاء من جنس العمل.

ألا فالْحق بأهل الفجـر؛ لكي تكون في ذمة الله ، ولتُكتب في ديوان الأبرار ، وتحصل لك السعادة والنور ، وتمحى من صحيفة النفاق ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: \"
ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من صلاةِ الفجرِ والعشاءِ ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا\" أخرجه البخاري ومسلم.

يا أخي

حاسب نفسك،واصدق مع ربك،واستفتح يومك بتوبةٍ تمحو ما سلف منك ، وتذكر نِعَمَ الله عليك ، واسأل الله دائماً أن يعينك ، واحذر السَّهر فهو سببٌ رئيسٌ لفوات فريضة الفجر ، وابذل مع هذا من الأسباب ما يكون لك عوناً بإذن الله : بأن تنام على طهارة وقد قرأت أذكار النوم،وجعلت الساعة المنبهة عندك ؛ فإن خفت مع هذا ألاَّ تقوم فأوص بعض أهلك أو جيرانك بالاتصال عليك وإيقاظك ، وإذا استيقظت فاذكر الله مباشرة ، وانهض من فراشك بسرعة،ولا تتململ فيه أو يوحي إليك الشيطان بأن تستريح قليلاً،فهذا مدخل من مداخله،وابتعد عن المعاصي والذنوب ولا سيما النظر المحرَّم ، فإن المعصية سببٌ لحرمان الطاعة،وكن ذا عزيمةٍ قوية ، وتذكر ثواب المسارعين إلى المساجد الذين تعلقت قلوبهم بها،وأكثروا من التردُّد عليها فهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله،وهم السعداء الموفَّقون في الدنيا ، وأهل الجنة في الآخرة ، قال صلى الله عليه وسلم: \"ثلاثةٌ كلهمْ ضامنٌ على الله إنْ عاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ،وإنْ مات أدخله الله الجنَّةَ ، ومنهم : مَن خرجَ إلى المسجدِ فهو ضامنٌ علَى الله\"أخرجه أبو دادود وابن حبان.

أسأل الله لي ولمن قرأ هذه الرسالة ولجميع المسلمين والمسلمات سعادة الدنيا والآخرة والفوز برضوانه وجنَّته.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.


أخوكم
صالح بن عبدالرحمن الخضيري