الحلقة السابعة :
في العدد الماضي بدأت سلمى سرد تفاصيل مثيرة في قصتها مع عدي فهي وقعت في الشرك وبعد المطاردة الهادئة التي عاشتها طيلة سنتين تقريباً ، انتهت أجواء التوتر والقلق التي عاشتها ، ولكن ليس الى خير كما خططت وخطط معها أصدقاء لها ، لكن الى بيت لا تدري موقعه تماما وضعت فيه ، وقد أخذوا ولدها منها ، لاحقها رجال عدي ووضعوها في سيارة ، ثم ألقوا بها في بيت، وتركوها تبكي وحيدة ، قبل أن تواصل سرد قصتها التي ألحت هي على تسميتها مأساة سألتها:
- سيدة سلمى ، خلال هذه الفترة من الملاحقة ألم تفكري بالالتجاء الى أهلك ، أقصد أنهم لم يكونوا ليتركوك تواجهين ماواجهت؟
- لم أطلب النجدة لسببين الأول أنني كنت خائفة من ردة فعلهم ، يعني يمكن كنت سأصير سجينة في بيت واحد من أقاربي الذين أظن بأنهم أكثر تخلفا من أن يسمحوا لي حتى بتربية ولدي تدري كانوا يقولون عني هذه مثل أمها مع أن أمي ربتني تربية ممتازة لكن وحسب مفهومهم هم أمي كانت مو خوش إنسانة ، والسبب الثاني أني كنت خائفة عليهم ، يعني لم أرغب في توريطهم في مشاكل لاذنب لهم فيها ، المشكلة أنه عدي صدام حسين وليس أي شخص آخر.
- هل من الممكن الآن أن نعود لإكمال ماحدث بعد أن ابتعدت السيارة ماذا جرى ؟
- قلت لك بأنني ظللت أصرخ ولكن بلا جدوى ، ارتميت على الأرض أنتحب وأبكي ، وفجأة سمعت خشخشة مفاتيح في الباب الخارجي ، شعرت بالانقباض في صدري ، فتح باب الغرفة ودخل أحد الأشخاص كان اسمه على ماأظن فارس ، خفت كثيرا حين رأيته كنت أسمع من ابو هادي بأن هذا الرجل مجرم حقيقي وقادر على قتل الناس بسهولة ، كانت عيناه مخيفتين حقاً ، وقف وصار ينظر الي ثم قال بهدوء : ها ألم يلن هذا الرأس الجميل بعد؟ انتبهي مدام فكري جيدا قبل أن تردي على الكلام الذي سأقوله لك ، وإلا .... كان منظره مخيفاً ، يعلك باستمرار وهو يتكلم ، تابع بهدوء : دعاك الأستاذ أكثر من مرة ولم تردي عليه ، هذه القصة لم تحدث ابدا ، والأستاذ زعلان من هذا الأمر أنا قلت له بأنك لن ترفضي دعوته هذه المرة ، الولد بخير ، لكن يمكن أنه لن يكون بخير بعد الآن ، فكري بهدوء ، وتفضلي هذه سجائر من النوع الذي تدخنينه ، الأستاذ أرسلها لك ، أرأيت هو حريص على أن تكوني مرتاحة وأنت مصرة على جعله يغضب منك هكذا لن نتفق ياست .
رمى لي علبة التبغ ، ثم وقف قرب الباب يرمقني ، انقضضت على العلبة ، سحبت سيجارة وصرت
أدخن بشراهة ، وفارس ينظر إليّ ، قال لي : السيجارة لذيذة إذا دخنها الواحد وهو جالس في بيت
يعني وضع مختلف عن هذا الوضع مدام ها؟
- واستمر يتحدث وأنت تدخنين؟
- تركني وغادر الغرفة للحظات ثم عاد بعد قليل وكان يحمل بيده كيساً رمى به على الأرض وقال : تفضلي سيدتي هذه الملابس هدية من الأستاذ حتى تكوني جاهزة لسهرة اليوم بعد قليل نأخذك الى الكوافيرة حتى تصفف لك شعرك وتضع لك مكياجاً .
قلت له برعب أنا لاأريد الذهاب ، أنا امرأة متزوجة ، وعندي طفل ، ولا يمكن أعرض نفسي لمثل هذه الأشياء ، قال بسخرية : متزوجة ها زوجك رحمه الله لم يعد موجوداً أليس كذلك يامدام ؟
قالها بطريقة جعلتني أشك في أن يكون موت زوجي مدبرا واستعدت في لحظات كلام المهندس بسام الذي كان يشك في أن موت زوجي رحمه الله كان حادثاً ، وكان مصرا على اعتباره حادثا مدبرا ، تذكرت كيف نقل من الدورة الى الجنوب وانقطعت أخباره تماما ، أضاف فارس وأنا في شرودي : يعني الزوج مات وأنت تعرفين كيف مات وفهمك كفاية . والولد موجود عندنا وعنادك قد يجعله ليس موجودا لا عندنا ولا عند غيرنا .كل كلمة قالها جعلت جسدي يرتج يهتز ، جعلت قلبي يخفق بشدة ، فكرت بالانقضاض عليه ، ولكني لم أمتلك القوة لفعل ذلك ، ارتميت على الأرض باكية وتوسلته ألا يؤذي ولدي ، كان يضحك بأعصاب باردة ، غير مبال بحالتي ، تراجع الى الخلف ونادى : ماجدة ، ماجدة ، أطلت من ورائه امرأة جميلة تتحدث بلهجة لبنانية وقالت له : شو فارس ، مامشي الحال ؟
رد عليها فارس ضاحكا : لا ، لكن أكيد بعد قليل المدام مثل الناس الممتازين سوف توفر علينا وعلى نفسها هذه المتاعب كلها ، ضحكت المرأة وقالت : يعني هذه الفرصة لاتأتي للإنسان مرتين في حياته، الأستاذ عدي شخصياً أرسلنا للاهتمام بك ، تخيلي كم أنت غالية عليه ، والآن هيا انهضي وسنأخذك الى المدام سونيا وهي ستعرف ماذا يجب أن تفعل لك كي يستعيد وجهك الجميل حلاوته ، حرام عليك تخلي وجهك يبدو بهذه الصورة ، هذا ثمنه نقود . ضحكت ماجدة ، بينما اقترب فارس مني ، سحبني وكأنه يسحب خروفاً، وأنا أصرخ وأستغيث ، وكل مارأيته في عيونهما هو السرور ، حملني فارس الى السيارة وضعني في المقعد الخلفي وجلس هو وسونيا في الأمام ، سارت السيارة ، حتى وصلنا الى وسط بغداد ، انعطفت السيارة في شارع فرعي وتوقفت أمام بناية ، قال لي فارس قبل أن ننزل : تذكري مدام أي تصرف لايعجبني يعني الصغير في خطر مفهوم ، لم أقل حرفاً واحداً ، ظللت صامتة ، نزلنا من السيارة ، وسارت ماجدة في الأمام ، سحبني فارس من ذراعي وقال تقدمي ، جرني جراً حتى دخلنا الى البناية ، صعدنا السلالم حتى الطابق الثاني ، أخرجت ماجدة مفتاحاً من حقيبتها وفتحت الباب ، دخلنا شقة في غاية الأناقة تنبعث روائح العطور منها ، ومن باب في الصالة وقبل أن يمر على دخولنا ثوان خرجت امرأة ترتدي لباساً شفافاً وقالت وهي تضحك : ها وصلت الحلوة ، فعلا حلوة ، أين كنت تخبئين هذه الإمكانيات ياأمورة ، تعالي اقتربي مني.
-هل كانت تلك المرأة عراقية؟
نعم ، لكنها كانت تتحدث بطريقة غريبة ، أقصد تجعل الذي يسمعها يشعر بأنها كويتية أو خليجية ، لكن العراقي يعرف أنها عراقية
- هل يمكن أن تصفي لي حالتك في ذلك الوقت ؟
- تصدق ، أنا لم أكن أحس بشيء سوى أنني نعجة وتساق الى الذبح.
- مدام سلمى ، دعيني أسألك بصراحة ، هل كنت مستعدة للتنازل ؟ أقصد هل قررت أن تسلمي نفسك ؟
- لا ، أقولها وبكل صدق ، كنت مستعدة للموت أكثر ، كان الموضوع يجعلني أشمئز من نفسي ومن العالم ومن ذكر ذلك الرجل الكريه الذي حول حياتي الى جحيم ، تخيل هذه البشاعة التي تصرف بها معي ، تخيل لقد قتل زوجي وخطف ....
تبدو عيناها مستعدتين للانفجار بالبكاء فأقطع عليها الطريق وأسألها :
- ماذا فعلت تلك المرأة لك سيدتي ؟
أدخلتني معها الى الغرفة التي خرجت منها ، كانت غرفة أشبه بصالون حلاقة ، أجلستني على كرسي ، وأشعلت لي سيجارة ثم قالت متنهدة : اسمعي ، لن تستفيدي شيئاً ، مايريده الأستاذ سيصل اليه ، ولذلك حاولي ألا تقاومي أكثر ، لأن الموضوع منته ، وبعد فترة سيمل منك ، ويدعك تذهبين في حال سبيلك أو يزوجك لواحد من رجاله ، كما حدث معي ، هل تعلمين بأني أنا مررت بما مررت به ، وقاومت مثلك ، لكن في الأخير ، كما ترين لم أستفد شيئا منذ أربع سنوات وأنا متزوجة من رجل لاأعرف مااسمه ، رأيته فقط عندما قرر الأستاذ الاستغناء عني أحضره الى قصر العابد حيث كان الأستاذ يضعني وقال لي هذا زوجك ، أحضروا شيخاً وزوجنا ثم اختفى زوجي ، ونقلني فارس وأديب الى هذه الشقة ، وصاروا كل فترة يحضرون لي واحدة ويقولون لي جهزيها الأستاذ يريدها ، فلذلك أنصحك أن توافقي وكلها شهر أو شهرين وثم تصيرين حرة ولن يزعجك أحد بعد ذلك ، ارتاحي الآن ، دخني سيجارتك بهدوء ، وناديني عندما تكونين جاهزة للمكياج ، ضحكت ثم أضافت : أنا أعرف ذوق الأستاذ تماماً،صدقيني سوف تلبسين الحرير وتأكلين أفضل الطعام وتحصلين على كل ماتشتهيه نفسك ، كلها شهر أو شهرين وتصيرين حرة تذكري هذا ، وغير الحرية هناك النقود والذهب والألماس ، عزيزتي ببساطة كل أحوالك سوف تتغير ، والبلد محاصر ، والناس ليس لديها حتى ثمن الطعام ، فكري بكل هذه الأمور ثم ناديني ، باي .
قالت كلمتها الأخيرة ضاحكة ، وخرجت مغادرة الغرفة ، جلست أتأمل وجهي في المرأة التي أمامي ، تداعت صورة أبي رحمه الله وزوجي وولدي أمام عيني ، فنهضت وقد أحسست بقوة تحركني ، صرت أصرخ : ياكلاب ، ياسفلة ، لعنكم الله ، اللعنة عليكم ، وعلى الأستاذ ، وعلى هذه البلد . دخل فارس مسرعاً ، وهجم علي وضع يده على فمي ، ودفعني بشدة حتى سقطت على السرير القريب ، ثم انقض عليّ ، ثبتني بقوة ، وقال : اسمعي ، اذا رفعت صوتك مرة أخرى ، فسأتصل بالجماعة وأجعلهم يرمون الصغير في الدجلة ، اسمعي جيدا ، لا أريد أن أسمع صوتك أبدا ، ولازم تكوني جاهزة بعد ساعة فقط ، سمعت ساعة فقط ، الأستاذ ينتظر ، ولا أريده أن يغضب مني بسببك ، مفهوم ، لا أريده أن يغضب مني. ثم نادى وهو مازال يمسك بي : سونيا ، ماجدة ، دخلت سونيا وماجدة بسرعة فقال لهما : عليها أن تكون جاهزة بعد ساعة ، سحبت نفسي وقلت له : خوية الله يخليك خليني أرتاح قليلا ثم نتفاهم ، زجرني بحدة ثم قال لي : أريدك أن تفهمي أني أنا من يصدر الأوامر هنا، وأنا قلت بعد ساعة يعني بعد ساعة ، فهمت ياست ، نهض عني ، ثم قال وهو يغادر الغرفة : العمى تظن نفسها مهمة الى هذه الدرجة ، خلوها تفهم أن العالم مليء بالنساء ، وعليها أن تفهم أن ما يريده الأستاذ لايناقش ، ولا يمكن التفكير فيه ، مايقوله الأستاذ أوامر ، سأنتظر في الخارج حتى تكون جاهزة .
خرج فارس من الغرفة وبقيت أنا على السرير ، اقتربت مني ماجدة اللبنانية ، وهمست لي : ياالله ياحلوة ، انهضي خلينا نبدأ ، لأن فارس إذا غضب مصيبة ، يعني لايمكن لأحد أن يجعله يهدأ ، رفعتني ، وسحبتني ثم أجلستني على الكرسي ، اقتربت سونيا مني وقالت : نصحتك فلم تردي ، والآن فارس زعلان وهذا ليس شيئا جيدا ، على كل حال ، سنرى ماذا يمكن أن تفعل لك حتى يعود إليك جمالك ، بدأت المرأتان تعملان على وجهي بهدوء ، وأنا لم أكن أحس بشيء ، غائبة عن الوعي تماماً ، بعد قليل عاد فارس الى الغرفة وقال بإعجاب : لك عاشت ايديكم ، هذا الشغل ممتاز الأستاذ سوف يسر كثيراً لرؤية هذا الوجه بهذا الشكل لا مثلما كان . مدام سلمى سوف ترتدين الملابس التي أرسلها لك الأستاذ ، وأنا سأذهب لإحضار الطعام ، أعرف بأنك لم تأكلي منذ البارحة . خرج فارس من الغرفة وأغلق الباب بالمفتاح وظللنا أنا وسونيا وماجدة جالسات ندخن ، لم نتحدث في أي شيء كانت كل واحدة منا تنظر الى الأخرى نظرة ريبة وشك ثم تبتعد بعينيها بعيدا ، عاد فارس وفتح الباب ، وضع على الطاولة أكياس طعام أحضرها ثم قال : هيا كلي ، وبعد أن تنهي طعامك سننطلق الأستاذ ينتظرنا في النادي ، كلي بالهناء ، خرج فارس ، اقتربت سونيا من الطاولة فتحت الأكياس ، وقدمت لي قطعة لحم ، ولكني رفضت ، قالت : قلت لك لن يفيدك هذا في شيء ، يعني الموت أحسن ، صرخت : نعم الموت أحسن ، الموت أحسن من الذل ، ضحكت ماجدة وقالت ساخرة : ذل ، ماهذا الكلام الكبير ، ومن تحدث عن الذل ، اقتربت مني أكثر وقالت : حبيبتي الموضوع أبسط مما تتصورين ، الأستاذ يريدك ، يمكن موضوع تسلية ، قصدي ممكن أن ترافقيه في حفلاته وسفراته ، يعني دون أن يكون هناك ........ثم ضحكت ، وأضافت يعني مثلي أنا الأستاذ يطلبني من لبنان فآتي مهما كانت ظروفي ، هل تصدقين في البداية خفت من الموضوع ، يعني أنا أيضا عندي بيت وعندي بنت صغيرة وزوجي لايقبل أن أكون على علاقة مع رجل آخر حتى وإن كان عدي صدام حسين نفسه ، أنت لاتعرفين بأني طبيبة وعندي عيادة في بيروت .
سألتها باستغراب: طبيبة ؟! أجابت : نعم أنا طبيبة نسائية ، وأحياناً يحتاجني الأستاذ لبعض القضايا ، يعني أنت تعرفين الأمور كيف تتم ، آتي من بيروت ، عملية صغيرة ، بتأخذ ساعة من وقتي ، وبعدها يدعوني الأستاذ لحضور حفلة مثلا ، الأستاذ يحب الحفلات كثيراً ، ويحب الصيد أيضا ، وهو يضحك عليّ كثيراً لأني أخاف من بارودة الصيد ، يقول لي : النساء كلهن جبانات ، لكن جميلات .
ظلت ماجدة تتحدث وهي تأكل حتى قطع حديثها دخول فارس الذي قال مباشرة: ها ألم تنتهوا من الطعام ؟
- سيدة سلمى ألم تأكلي مع سونيا وماجدة ؟
- لم آكل ولا لقمة واحدة .
- ولكنك لم تأكلي مدة يومين على ماأظن
- نعم ، لكن كنت أحس بأن أي لقمة يمكن أن أضعها في فمي ستنزل مثل العلقم .
- وبعد أن دخل فارس ، ماذا فعلت ؟
- لم أفعل شيئاً، اقترب مني وقال لي : هيا بنا ، الأستاذ اتصل وهو ينتظر
خرجنا من البناية ، وصعدنا الى السيارة .
- أنت وفارس فقط ؟
- لا ، ماجدة ذهبت معنا ، وصلنا الى النادي ، كان هناك الكثير من الأشخاص يحيطون بالنادي ، والكثير من السيارات ايضا ، نزلنا من السيارة تقدمتنا ماجدة ودخلت من الباب ، وسرت أنا يسحبني فارس سحباً ، دخلنا الى القاعة الرئيسية ، وكان الجميع يرقصون ، وفي الزاوية كان عدي يجلس وحيدا يتفرج على الذين يرقصون ، كان يجلس على طاولة قربه أديب شعبان ومعه فتاة كنت أراها تتردد كثيرا على اللجنة أثناء عملي فيها ، وعلى طاولة قريبة أيضاً ، كان خليل فياض معه ثلاث بنات ، اقتربت ماجدة وسلمت على عدي ثم أشارت علينا ، أشار عدي لنا بيده فركض فارس اليه ، وهمس في أذنه ، ثم عاد الي ، سحبني حتى صرت قرب عدي ، الذي قال مباشرة : أهلاً يامدام ، تأخرت علينا كثيراً ، لكن أهلاً .
سحب لي فارس كرسياً ، وطلب مني أن أجلس عليه ، كان مهذباً تماماً ، وكأنه شخص آخر غير الذي كان قبل قليل.
في الحلقة القادمة :
قدم لي ساعة من الذهب الخالص ، وعقد ألماس
يتبع

الحلقة الثامنة :
في الحلقة الماضية سارت سلمى إلى ما كانت تخشى السير إليه طيلة ثلاث سنوات تقريباً ، لقد اقتيدت إلى حيث كان عدي صدام حسين بانتظارها ، بعد أن قام فارس جمعة رئيس ورشة التعذيب ومدير عمليات الاغتصاب في مجموعة عدي بتهديدها والضغط عليها مستغلاً كون ولدها موجوداً لديهم لقد قال لها وببرودة أعصاب :الولد موجود عندنا وعنادك قد يجعله ليس موجوداً ، وبين مشاعرها كأمّ وبين خوفها على نفسها من الجحيم الذي كان عدي يريد أن يضعها فيه ، تغلبت عواطف أمومتها على حبها لذاتها فسارت إلى قدرها ، وهاهي تتابع اليوم سرد قصتها التي ألحت هي على أن تسميها مأساة .
-سيدة سلمى ، قلت بأنك دخلت وجلست الى طاولة عدي صدام حسين ، أريد أن أقاطعك قليلاً قبل أن تكملي الكلام ، هل فكرت مثلا في طلب النجدة من السلطات ، أقصد ألم يخطر في بالك أبدا أن تتجهي الى مخفر للشرطة لتشتكي على تلك الملاحقة ؟
تضحك سلمى بحسرة ، وتقول :
-أستاذ أكيد أنت تمزح قل لي فقط في أي بلد يمكن أن يحدث هذا الأمر ! هل هناك مواطن عربي يستطيع أن يقول لرجل شرطة أو حتى لضابط كبير في الشرطة بأن ابن الرئيس أو أخاه أو أحد أقاربه يقوم بمضايقته أو ملاحقته أو حتى يقتله ، أنت لا تعرف ماذا يعني ذلك ، ياأستاذ هذا يعني أن الموت ليس للمشتكي فقط ولكن لمن سمع شكواه وللشهود إذا كان هناك شهود ، وأنت تسألني إذا كنت فكرت بتقديم شكوى ، أقول لك لا ، لا والله لم يخطر هذا في بالي أبداً ، يعني كيف يمكن أن يشتكي الإنسان على عدي صدام حسين ، شيء مخيف أستاذ.
-إذا مدام ، هاأنت جالسة الى طاولة عدي في نادي الزوارق ، ماالذي فعله عدي بعد جلوسك؟
-اقترب عدي مني وقال لي : ها التأخير الذي تأخرته سأنساه ، لأجل هذه العيون ، ثلاث سنوات مدام وأنا أنتظر لم أرغب أن أجبرك ، أردتك أن تأتي بإرادتك ، وها أنت أخيرة جئت بإرادتك ، ولم يجبرك أحد . ثم ضحك ضحكة قوية فصار الجالسون يضحكون ، دون أن يسمعوا شيئاً مما قاله ، كان صوت الغناء يملأ القاعة الممتلئة تماماً ، تعرف كان أغلب الموجودين بنات ، يعني الشباب أقل من البنات ، قال عدي رافعا صوته : ياالله ، قوموا أرقصوا . اندفع الجميع الى الرقص ، وصاروا يدورون على صوت الموسيقى المرتفع ، لم يكونوا يرقصون بل كانوا يريدون أن ينفذوا أوامر الأستاذ ، بعضهم كان الثمل باديا عليه ، وكانوا يدورون في المكان نفسه ، اقتربت مني ماجدة وقالت ضاحكة : ألن ترقصي ياحلوة ، قبل أن أرد عليها قال عدي : لا ، المدام اليوم لاترقص ، اليوم تتفرج عليكم دكتورة ، وبعد ذلك سترقص حتى تشبع ، التفت إلي عدي بعد أن انصرفت ماجدة الى الرقص ، وهمس : تعرفين أنك جميلة ، وحرام أن تكوني بتلك النفسية ، يعني لماذا فعلت كل ما فعلت ها، على العموم الكل يعرفون بأني أسامح الناس كثيرا وخاصة الذين أحبهم ، ثم أشار الى رجل كان يقف قرب الباب ، فجاء راكضاً : أمرك أستاذ ، قال له : روح ابني ، احضر العلبة الموجودة في السيارة . حاضر أستاذ ، قالها الرجل ثم اندفع راكضا غادر القاعة وعاد بعد أقل من دقيقة يحمل علبة مجوهرات ، قدمها لعدي ووقف ينتظر ، نظر اليه عدي وهو يضع سيجارا بين شفتيه وقال : ابني ، اشعل لي السيجار ، ثم انصرف . أشعل الرجل السيجار ثم عاد الى مكانه الذي كان يقف فيه ، فتح عدي العلبة ، وأخرج مافيها الكثير من الأساور والعقود والساعات ، اختار منها قطعتين وأغلق العلبة ، نظر الى وجهي ملياً ثم قدم لي ساعة من الذهب الخالص ، وعقد ألماس ، وقال وهو يسحب نفساً عميقاً من سيجاره : هذه للتعارف فقط مدام ، ونادى بصوت مرتفع : أديب ، أديب . توقف أديب شعبان عن الرقص ، وجاء بسرعة قال وهو يلهث : نعم أستاذ . رد عدي : اسمع أديب المدام تنزل في بيت الأعظمية ، وتخلون هاي البنت ، مااسمها ؟ رد أديب : زينب أستاذ ، قال عدي : نعم زينب ، تخلون زينب تقوم بخدمتها ، وسيارة تحت أمرها بدون سائق المدام تقود سيارة أحسن منك أديب ولذلك فهي ليست بحاجة الى سائق . ضحك عدي ضحكة قوية وضحك أديب من مداعبة عدي له ، ثم أضاف عدي بهدوء : سأذهب الآن ، أوصلوا المدام الى البيت وخلي أبو حسين يحرسها ، لا نريد أن يؤذيها أحد المدام غالية علينا ، أليس كذلك مدام ؟ ظللت صامتة دون أن أنبس بحرف واحد ، نهض عدي واقفاً فتوقف الجميع عن الرقص ، واتجت أنظارهم اليه ، قال وكأنه يخطب ، وهو يحرك السيجار في يده : اسمعوني جيداً ، اليوم أنا مضطر لترككم وحدكم ، لكن استمتعوا بوقتكم ، ولا تفكروا إلا بأن تفرحوا ، سأذهب الآن ، هتف أحد الواقفين : كلنا نحبك ياأستاذ ، فرد الجميع كلنا نحبك ياأستاذ ثم غادر القاعة وكان وراءه مجموعة من المرافقين ، وأيضاً من البنات . عدت للجلوس علىالطاولة وجاءت ماجدة وجلست على الكرسي الى جانبي نظرت الى الساعة وعقد الألماس وقالت بدهشة : ياالله ، ماأجمل هذه الساعة وهذا العقد بيطير العقل ، مبارك يا حلوة ، أرأيت كرم الأستاذ ، إنه يعطي الذين يحبهم كل شيء .
قال أديب شعبان مبتسماً : دكتورة ماجدة الأستاذ كريم دائماً ، ولهذا فكلنا نحبه .
قلت لها :
- مدام لاحظت أنك لم تتحدثي أبداً لا مع عدي حين كان جالساً معك ، ولا مع ماجدة وأديب شعبان.
- لأني لم أتحدث ، يعني كنت أرد على كلام عدي بهزة رأس أو نعم أو شكراً لأني كنت خائفة ومرتبكة ، قلت لنفسي إذا لم أرد عليه فربما يقتلني أو يأمر رجاله فيقتلون ابني ، وكنت أريد معرفة مصير ولدي ، كنت أريد رؤيته والاطمئنان أنه بخير ثم بعد ذلك فليفعلوا ما يريدون بي ، ليس فقط يقتلونني بل يقطعونني ويرمون قطعي في دجلة ، أما مع الآخرين فكنت لاأعرف ماالذي يمكن أن أقوله يعني ماذا أرد عليهم مثلاً ، تصدق لم أكره أحداً منهم ، لكن كرهت نفسي أكثر ، بحثت عندهم عن خلاصي فلم أجده ، لأنهم لم يكونوا يمتلكون وسيلة لإنقاذي ، ولذلك فلم أكرههم ، لكني لم أستطع تقبلهم .
- بعد ذلك أخذك أديب شعبان الى البيت ؟
- لا ليس أديب ، بل أبو حسين وهو سائق من سائقي عدي كنت أراه أحيانا في اللجنة الأولمبية ،كان شكله مخيفاً ، وصلنا الى البيت فأنزلني ودون أن يقول كلمة واحدة فتح لي باب البيت وأدخلني ، ثم قال وهو يشعل الأضواء في الصالة : سيدتي أنا موجود هنا لحمايتك ، وستأتي زينب لخدمتك ، إذا احتجت أي شيء ، فقط ناديني وسأكون عندك خلال ثوان ، قلت له : خوية ، أنا أريد ان أرى ولدي ، فرد عليّ بتجهم : ولدك ! أنا لاعلم لي لا بأولاد ولا بأي شيء ، أنا نهمتي أن أحميك فقط، ولا شيء آخر ،اتفقنا مدام . جلس أبو حسين على الأريكة التي في الصالون بينما دخلت أنا الى غرفة أخرى ، كانت الغرفة مجهزة بأثاث فاخر جداً ، وعلى الجدار كانت هناك صورة كبيرة للرئيس صدام وصورة أصغر منها قليلا لعدي ، وهناك صور أخرى صغيرة معلقة على الجدار أيضا لعدي وهو يحمل بندقية الصيد ، وهو يركب الحصان ، وهو يضحك ، وهو يدخن السيجار ، وصور أخرى كثيرة .جلست على طرف السرير وأخرجت علبة التبغ وصرت أدخن ، بعد قليل شعرت بجوع جديد ، وصار رأسي يؤلمني بشدة ، حاولت النهوض عن السرير فلم أستطع ، ناديت أبو حسين فجاء راكضاً ، قلت له بأني جائعة ،فقال بانزعاج : جائعة ، لم يقولوا لي بأنك لم تأكلي ، سأذهب لأحضرلك الطعام ، وسأعود بعد قليل ، الملعونة زينب كان يجب أن تصل قبل ربع ساعة لكنها تأخرت ، سأعود في الحال مدام ، هناك مطعم قريب في آخر الشارع لن أتأخر عليك ، فلا تقلقي . خرج أبو حسين من الغرفة وحين سمعته يغلق الباب وسمعت صوت سيارته تتحرك ، استجمعت قواي كلها ونهضت ، وصرت أبحث في البيت عن مخرج يمكن أن أهرب منه ، دخلت الى المطبخ فوجدت نافذة غير مغلقة من الخارج فتحت النافذة وقفزت منها الى الخارج ، ركضت بسرعة في الشارع ، كان فرحي شديداً، أحسست بأني تخلصت من الموت وقبل أن أفكر بالمكان الذي سأذهب إليه سقطت بسبب حجر صغير تعثرت به ، كنت أحاول النهوض حين امتدت يد لتمسك بي من الخلف حين نظرت كان أبو حسين يبتسم وهو يضغط بكل قوته على كتفي ، قال ساخرا : ها مدام قررت تموتيني ، أنا ذهبت لأحضر الطعام لك وأنت تفتحين باب النار بوجهي ،وكان حظي جيدا لأن المطعم قريب ولحقت بك قبل أن تهربي ، مدام أبو حسين لاتأكل عقله امرأة ، سبع سنوات بالمخابرات وتمر علي مثل هذه الألاعيب ، لا يامدام أنا أبو حسين وأسألي عني ، سحبني بشدة واقتادني الى البيت ، أدخلني الى الغرفة ووضع الطعام بكل لطف على الطاولة ثم خرج من الغرفة ، تصور أنه لم يغلق الباب ، بسبب الجوع نسيت حزني على فقدان هذه الفرصة بالهروب ، انقضضت على الطعام وبدأت آكل ، ولم أنتبه الى أن هناك أحدا كان واقفاً قرب الباب ، رفعت رأسي ونظرت حين أحسست بحركة فرأيت امرأة تقف وتبتسم ، قالت : يخسا الجوع مدام ،أنا اسمي زينب وأنا في خدمتك ، كانت فتاة في العشرين تقريباً ، ترتدي ثياباً ريفية ، دعوتها لتشاركني الطعام أحسست في وجهها طيبة لم أرها منذ زمن طويل ، اعتذرت عن مشاركتي وقالت لي بأنها ستحضر لي الشاي .
صباح اليوم التالي أيقظتني زينب ، كنت نائمة مرتدية ملابسي ، وفي المكان الذي كنت آكل فيه ، أخبرتني زينب بأنها وجدتني نائمة حين أحضرت الشاي ، جلست زينب على طرف السرير وسألتني عن سبب حزني فأخبرتها قصتي كاملة ، كنت بحاجة لإنسان واحد أحكي له ماحدث معي ، بدا عليها الحزن الشديد وهي تستمع الى ماقلته ، ثم قالت بحماسة : لا تهتمي ، إن شاء الله سأجد ولدك ، ابن عمي مرافق الأستاذ وسيقول لي أين يضعون الولد ، ولكني لن أستطيع مساعدتك كي تهربي ، أبو حسين لن يغادر البيت أبدا ، ولكن إن استطعت أنت أن تقومي بخداعه فسوف أساعدك ، عانقت زينب كأخت ، أنا التي لا أخوة ولا أخوات لي ، في المساء جاء أبو حسين وأخبرني أن أستعد للذهاب الى مزرعة الأستاذ فهناك حفلة ، ساعدتني زينب في ارتداء ملابسي ، صعدت في السيارة وانطلقت بسرعة شديدة ، بعد نصف ساعة تقريبا وصلنا الى مزرعة كبيرة ، محاطة بأشجار النخيل من كافة أطرافها ، على الفور نزلنا من السيارة ، لم ألاحظ أن هناك مايشير الى وجود حفلة أو سهرة، الهدوء كان يعم المكان بأسره ، أمسكني أبو حسين من ذراعي وقادني بهدوء شديد الى مدخل المزرعة ، سرنا مسافة طويلة قبل أن نصل الى البناء الفخم المشيد وسط المزرعة ، توقفنا عن متابعة السير ، تركني أبو حسين في مكاني وتوجه الى الباب ، رن الجرس ، وماهي إلا ثوان حتى فتح الباب وأطل منه عدي ، كان يرتدي كلابية ويضع على رأسه كوفية ، قال عدي فوراً : ياهلا بابو حسين ، ياهلا مدام ادخلا، دخلنا الى البيت ، كانت الضواء خافتة ، جلس عدي على كرسي مرتفع قليلا ، وأشار لي بان أجلس على كرسي قريب من كرسيه ، ظل ابو حسين واقفاً ، أشار له عدي بيده ، فقال متلعثماً : صار أستاذ ، وغادر البيت مغلقا الباب خلفه، نظر إليّ عدي لثوان ، ثم تناول من قربه زجاجة كحول صب في كأس وقدمه لي قلت له : أشكرك أستاذ أنا لاأشرب ، قال ضاحكا : مع عدي كل الناس يشربون ، ماكو أحد مايشرب ، مفهوم .
شعرت بأنه سكران ولذلك فقد قررت ألا أجعله يغضب ، لأني تذكرت أن أبي رحمه الله حين كان يسكر لا نزعجه أبدا لأنه حين يكون عصبياً ، يصير يضرب ويشتم دون أن يعرف ماذا يتصرف ، مد لي الكأس مرة أخرى فتناولته من يده وقربته من فمي تظاهرت بأني أشرب ، بينما هو يراقبني ويضحك ، والسيجار لايفارق يده أبداً.
نهض بعد ربع ساعة تقريباً وسحبني من يدي وقادني الى الداخل ، كان يغني ويتمايل وهو يجرني كأني لعبة في يده ، أدخلني الى غرفة النوم ، ودفعني بشدة فارتميت على السرير ،صار يتاملني وهو مازال واقفاً قرب الباب ، ثم انقض عليّ كأنه الذئب وصار يعضني ، ويعصرني بشدة ، وأنا أصرخ ، لم أدر سر تلك القوة التي جاءتني وجعلتني أرفسه بقدمي ، ثم أنهض وأركض بسرعة مغادرة البيت ، ولكن ، في الحديقة كان أبو حسين يقف وحين رآني ، اندفع وأمسك بي ، ثم أعادني الى الداخل حيث كان عدي يقف في الصالة ضاحكا وينظر الى وجهي ، قربني أبو حسين منه فهوى بكفه على وجهي ، ثم شدني من شعري وأدخلني الى غرفة النوم مرة أخرى ، وصار يضربني وهو يصرخ ويلعن ويشتم ، ظل يضربني حتى لم أعد أحس بشيء ، بعد ذلك بدأ يهدأ هكذا بدا لي وجهه ، حين اقترب مني وقال هامساً : ها ، ياحليوة ، ماكو أمل يصير عندك عقل ، بكيت بحرقة ، فنهض غادر الغرفة وتركني وحيدة ، لم يغب سوى فترة قصيرة وبعدها عاد وكان غاضباً ، انقض عليّ مرة أخرى و
تنفجر سلمى باكية ، ينقطع الحديث وترجوني بأن أبتعد عنها ، خرجت من الغرفة الى غرفة التحرير ، ظللت جالساً في الغرفة الأخرى قرابة العشر دقائق ، ثم عدت الى الغرفة الثانية حيث كانت سلمى هناك ، جلست على المقعد المواجه لها ، كانت لازالت تبكي وفور رؤيتي انفجرت صارخة: دمرني ، مزقني مثل الذئب ، لم يرحمني لحظة واحدة ، بعد أن غادر الغرفة بقليل جاء أبو حسين وقال لي : ياالله مدام ، خلينا نروح ، الأستاذ متضايق ، لماذا جعلته يغضب .
سألتها : - يغضب ؟ ولماذا ؟ ألم ينل كل ما أراده منك ؟
نعم يغضب لأني قاومته ، ومانعت كثيراً ، ولذلك فهو اعتبرني سافلة ، نعم سافلة ، هذا ماقاله وأنا أغادر البيت ، وقبل أن نخرج تماما صرخ بشدة : أبو حسين ، خلي فارس يداوي الست ، تفو يلعن أبو هكذا نساء .
وضعني أبو حسين في السيارة وانطلق ، وصلنا منتصف الليل تقريبا الى بيت الكرادة ، أنزلني أبو حسين واقتادني صعدنا الأدراج ، فتح فارس لنا الباب ، وقال مبتسما : اتصل بي الأستاذ ،وقال عقل المدام مريض ، وأكيد الدواء عندي .
في الحلقة القادمة:
كان المكان مظلما ، وكنت أحس بأنفاسه تخترقني
يتبع
في الحلقة الماضية سارت سلمى إلى ما كانت تخشى السير إليه طيلة ثلاث سنوات تقريباً ، لقد اقتيدت إلى حيث كان عدي صدام حسين بانتظارها ، بعد أن قام فارس جمعة رئيس ورشة التعذيب ومدير عمليات الاغتصاب في مجموعة عدي بتهديدها والضغط عليها مستغلاً كون ولدها موجوداً لديهم لقد قال لها وببرودة أعصاب :الولد موجود عندنا وعنادك قد يجعله ليس موجوداً ، وبين مشاعرها كأمّ وبين خوفها على نفسها من الجحيم الذي كان عدي يريد أن يضعها فيه ، تغلبت عواطف أمومتها على حبها لذاتها فسارت إلى قدرها ، وهاهي تتابع اليوم سرد قصتها التي ألحت هي على أن تسميها مأساة .
-سيدة سلمى ، قلت بأنك دخلت وجلست الى طاولة عدي صدام حسين ، أريد أن أقاطعك قليلاً قبل أن تكملي الكلام ، هل فكرت مثلا في طلب النجدة من السلطات ، أقصد ألم يخطر في بالك أبدا أن تتجهي الى مخفر للشرطة لتشتكي على تلك الملاحقة ؟
تضحك سلمى بحسرة ، وتقول :
-أستاذ أكيد أنت تمزح قل لي فقط في أي بلد يمكن أن يحدث هذا الأمر ! هل هناك مواطن عربي يستطيع أن يقول لرجل شرطة أو حتى لضابط كبير في الشرطة بأن ابن الرئيس أو أخاه أو أحد أقاربه يقوم بمضايقته أو ملاحقته أو حتى يقتله ، أنت لا تعرف ماذا يعني ذلك ، ياأستاذ هذا يعني أن الموت ليس للمشتكي فقط ولكن لمن سمع شكواه وللشهود إذا كان هناك شهود ، وأنت تسألني إذا كنت فكرت بتقديم شكوى ، أقول لك لا ، لا والله لم يخطر هذا في بالي أبداً ، يعني كيف يمكن أن يشتكي الإنسان على عدي صدام حسين ، شيء مخيف أستاذ.
-إذا مدام ، هاأنت جالسة الى طاولة عدي في نادي الزوارق ، ماالذي فعله عدي بعد جلوسك؟
-اقترب عدي مني وقال لي : ها التأخير الذي تأخرته سأنساه ، لأجل هذه العيون ، ثلاث سنوات مدام وأنا أنتظر لم أرغب أن أجبرك ، أردتك أن تأتي بإرادتك ، وها أنت أخيرة جئت بإرادتك ، ولم يجبرك أحد . ثم ضحك ضحكة قوية فصار الجالسون يضحكون ، دون أن يسمعوا شيئاً مما قاله ، كان صوت الغناء يملأ القاعة الممتلئة تماماً ، تعرف كان أغلب الموجودين بنات ، يعني الشباب أقل من البنات ، قال عدي رافعا صوته : ياالله ، قوموا أرقصوا . اندفع الجميع الى الرقص ، وصاروا يدورون على صوت الموسيقى المرتفع ، لم يكونوا يرقصون بل كانوا يريدون أن ينفذوا أوامر الأستاذ ، بعضهم كان الثمل باديا عليه ، وكانوا يدورون في المكان نفسه ، اقتربت مني ماجدة وقالت ضاحكة : ألن ترقصي ياحلوة ، قبل أن أرد عليها قال عدي : لا ، المدام اليوم لاترقص ، اليوم تتفرج عليكم دكتورة ، وبعد ذلك سترقص حتى تشبع ، التفت إلي عدي بعد أن انصرفت ماجدة الى الرقص ، وهمس : تعرفين أنك جميلة ، وحرام أن تكوني بتلك النفسية ، يعني لماذا فعلت كل ما فعلت ها، على العموم الكل يعرفون بأني أسامح الناس كثيرا وخاصة الذين أحبهم ، ثم أشار الى رجل كان يقف قرب الباب ، فجاء راكضاً : أمرك أستاذ ، قال له : روح ابني ، احضر العلبة الموجودة في السيارة . حاضر أستاذ ، قالها الرجل ثم اندفع راكضا غادر القاعة وعاد بعد أقل من دقيقة يحمل علبة مجوهرات ، قدمها لعدي ووقف ينتظر ، نظر اليه عدي وهو يضع سيجارا بين شفتيه وقال : ابني ، اشعل لي السيجار ، ثم انصرف . أشعل الرجل السيجار ثم عاد الى مكانه الذي كان يقف فيه ، فتح عدي العلبة ، وأخرج مافيها الكثير من الأساور والعقود والساعات ، اختار منها قطعتين وأغلق العلبة ، نظر الى وجهي ملياً ثم قدم لي ساعة من الذهب الخالص ، وعقد ألماس ، وقال وهو يسحب نفساً عميقاً من سيجاره : هذه للتعارف فقط مدام ، ونادى بصوت مرتفع : أديب ، أديب . توقف أديب شعبان عن الرقص ، وجاء بسرعة قال وهو يلهث : نعم أستاذ . رد عدي : اسمع أديب المدام تنزل في بيت الأعظمية ، وتخلون هاي البنت ، مااسمها ؟ رد أديب : زينب أستاذ ، قال عدي : نعم زينب ، تخلون زينب تقوم بخدمتها ، وسيارة تحت أمرها بدون سائق المدام تقود سيارة أحسن منك أديب ولذلك فهي ليست بحاجة الى سائق . ضحك عدي ضحكة قوية وضحك أديب من مداعبة عدي له ، ثم أضاف عدي بهدوء : سأذهب الآن ، أوصلوا المدام الى البيت وخلي أبو حسين يحرسها ، لا نريد أن يؤذيها أحد المدام غالية علينا ، أليس كذلك مدام ؟ ظللت صامتة دون أن أنبس بحرف واحد ، نهض عدي واقفاً فتوقف الجميع عن الرقص ، واتجت أنظارهم اليه ، قال وكأنه يخطب ، وهو يحرك السيجار في يده : اسمعوني جيداً ، اليوم أنا مضطر لترككم وحدكم ، لكن استمتعوا بوقتكم ، ولا تفكروا إلا بأن تفرحوا ، سأذهب الآن ، هتف أحد الواقفين : كلنا نحبك ياأستاذ ، فرد الجميع كلنا نحبك ياأستاذ ثم غادر القاعة وكان وراءه مجموعة من المرافقين ، وأيضاً من البنات . عدت للجلوس علىالطاولة وجاءت ماجدة وجلست على الكرسي الى جانبي نظرت الى الساعة وعقد الألماس وقالت بدهشة : ياالله ، ماأجمل هذه الساعة وهذا العقد بيطير العقل ، مبارك يا حلوة ، أرأيت كرم الأستاذ ، إنه يعطي الذين يحبهم كل شيء .
قال أديب شعبان مبتسماً : دكتورة ماجدة الأستاذ كريم دائماً ، ولهذا فكلنا نحبه .
قلت لها :
- مدام لاحظت أنك لم تتحدثي أبداً لا مع عدي حين كان جالساً معك ، ولا مع ماجدة وأديب شعبان.
- لأني لم أتحدث ، يعني كنت أرد على كلام عدي بهزة رأس أو نعم أو شكراً لأني كنت خائفة ومرتبكة ، قلت لنفسي إذا لم أرد عليه فربما يقتلني أو يأمر رجاله فيقتلون ابني ، وكنت أريد معرفة مصير ولدي ، كنت أريد رؤيته والاطمئنان أنه بخير ثم بعد ذلك فليفعلوا ما يريدون بي ، ليس فقط يقتلونني بل يقطعونني ويرمون قطعي في دجلة ، أما مع الآخرين فكنت لاأعرف ماالذي يمكن أن أقوله يعني ماذا أرد عليهم مثلاً ، تصدق لم أكره أحداً منهم ، لكن كرهت نفسي أكثر ، بحثت عندهم عن خلاصي فلم أجده ، لأنهم لم يكونوا يمتلكون وسيلة لإنقاذي ، ولذلك فلم أكرههم ، لكني لم أستطع تقبلهم .
- بعد ذلك أخذك أديب شعبان الى البيت ؟
- لا ليس أديب ، بل أبو حسين وهو سائق من سائقي عدي كنت أراه أحيانا في اللجنة الأولمبية ،كان شكله مخيفاً ، وصلنا الى البيت فأنزلني ودون أن يقول كلمة واحدة فتح لي باب البيت وأدخلني ، ثم قال وهو يشعل الأضواء في الصالة : سيدتي أنا موجود هنا لحمايتك ، وستأتي زينب لخدمتك ، إذا احتجت أي شيء ، فقط ناديني وسأكون عندك خلال ثوان ، قلت له : خوية ، أنا أريد ان أرى ولدي ، فرد عليّ بتجهم : ولدك ! أنا لاعلم لي لا بأولاد ولا بأي شيء ، أنا نهمتي أن أحميك فقط، ولا شيء آخر ،اتفقنا مدام . جلس أبو حسين على الأريكة التي في الصالون بينما دخلت أنا الى غرفة أخرى ، كانت الغرفة مجهزة بأثاث فاخر جداً ، وعلى الجدار كانت هناك صورة كبيرة للرئيس صدام وصورة أصغر منها قليلا لعدي ، وهناك صور أخرى صغيرة معلقة على الجدار أيضا لعدي وهو يحمل بندقية الصيد ، وهو يركب الحصان ، وهو يضحك ، وهو يدخن السيجار ، وصور أخرى كثيرة .جلست على طرف السرير وأخرجت علبة التبغ وصرت أدخن ، بعد قليل شعرت بجوع جديد ، وصار رأسي يؤلمني بشدة ، حاولت النهوض عن السرير فلم أستطع ، ناديت أبو حسين فجاء راكضاً ، قلت له بأني جائعة ،فقال بانزعاج : جائعة ، لم يقولوا لي بأنك لم تأكلي ، سأذهب لأحضرلك الطعام ، وسأعود بعد قليل ، الملعونة زينب كان يجب أن تصل قبل ربع ساعة لكنها تأخرت ، سأعود في الحال مدام ، هناك مطعم قريب في آخر الشارع لن أتأخر عليك ، فلا تقلقي . خرج أبو حسين من الغرفة وحين سمعته يغلق الباب وسمعت صوت سيارته تتحرك ، استجمعت قواي كلها ونهضت ، وصرت أبحث في البيت عن مخرج يمكن أن أهرب منه ، دخلت الى المطبخ فوجدت نافذة غير مغلقة من الخارج فتحت النافذة وقفزت منها الى الخارج ، ركضت بسرعة في الشارع ، كان فرحي شديداً، أحسست بأني تخلصت من الموت وقبل أن أفكر بالمكان الذي سأذهب إليه سقطت بسبب حجر صغير تعثرت به ، كنت أحاول النهوض حين امتدت يد لتمسك بي من الخلف حين نظرت كان أبو حسين يبتسم وهو يضغط بكل قوته على كتفي ، قال ساخرا : ها مدام قررت تموتيني ، أنا ذهبت لأحضر الطعام لك وأنت تفتحين باب النار بوجهي ،وكان حظي جيدا لأن المطعم قريب ولحقت بك قبل أن تهربي ، مدام أبو حسين لاتأكل عقله امرأة ، سبع سنوات بالمخابرات وتمر علي مثل هذه الألاعيب ، لا يامدام أنا أبو حسين وأسألي عني ، سحبني بشدة واقتادني الى البيت ، أدخلني الى الغرفة ووضع الطعام بكل لطف على الطاولة ثم خرج من الغرفة ، تصور أنه لم يغلق الباب ، بسبب الجوع نسيت حزني على فقدان هذه الفرصة بالهروب ، انقضضت على الطعام وبدأت آكل ، ولم أنتبه الى أن هناك أحدا كان واقفاً قرب الباب ، رفعت رأسي ونظرت حين أحسست بحركة فرأيت امرأة تقف وتبتسم ، قالت : يخسا الجوع مدام ،أنا اسمي زينب وأنا في خدمتك ، كانت فتاة في العشرين تقريباً ، ترتدي ثياباً ريفية ، دعوتها لتشاركني الطعام أحسست في وجهها طيبة لم أرها منذ زمن طويل ، اعتذرت عن مشاركتي وقالت لي بأنها ستحضر لي الشاي .
صباح اليوم التالي أيقظتني زينب ، كنت نائمة مرتدية ملابسي ، وفي المكان الذي كنت آكل فيه ، أخبرتني زينب بأنها وجدتني نائمة حين أحضرت الشاي ، جلست زينب على طرف السرير وسألتني عن سبب حزني فأخبرتها قصتي كاملة ، كنت بحاجة لإنسان واحد أحكي له ماحدث معي ، بدا عليها الحزن الشديد وهي تستمع الى ماقلته ، ثم قالت بحماسة : لا تهتمي ، إن شاء الله سأجد ولدك ، ابن عمي مرافق الأستاذ وسيقول لي أين يضعون الولد ، ولكني لن أستطيع مساعدتك كي تهربي ، أبو حسين لن يغادر البيت أبدا ، ولكن إن استطعت أنت أن تقومي بخداعه فسوف أساعدك ، عانقت زينب كأخت ، أنا التي لا أخوة ولا أخوات لي ، في المساء جاء أبو حسين وأخبرني أن أستعد للذهاب الى مزرعة الأستاذ فهناك حفلة ، ساعدتني زينب في ارتداء ملابسي ، صعدت في السيارة وانطلقت بسرعة شديدة ، بعد نصف ساعة تقريبا وصلنا الى مزرعة كبيرة ، محاطة بأشجار النخيل من كافة أطرافها ، على الفور نزلنا من السيارة ، لم ألاحظ أن هناك مايشير الى وجود حفلة أو سهرة، الهدوء كان يعم المكان بأسره ، أمسكني أبو حسين من ذراعي وقادني بهدوء شديد الى مدخل المزرعة ، سرنا مسافة طويلة قبل أن نصل الى البناء الفخم المشيد وسط المزرعة ، توقفنا عن متابعة السير ، تركني أبو حسين في مكاني وتوجه الى الباب ، رن الجرس ، وماهي إلا ثوان حتى فتح الباب وأطل منه عدي ، كان يرتدي كلابية ويضع على رأسه كوفية ، قال عدي فوراً : ياهلا بابو حسين ، ياهلا مدام ادخلا، دخلنا الى البيت ، كانت الضواء خافتة ، جلس عدي على كرسي مرتفع قليلا ، وأشار لي بان أجلس على كرسي قريب من كرسيه ، ظل ابو حسين واقفاً ، أشار له عدي بيده ، فقال متلعثماً : صار أستاذ ، وغادر البيت مغلقا الباب خلفه، نظر إليّ عدي لثوان ، ثم تناول من قربه زجاجة كحول صب في كأس وقدمه لي قلت له : أشكرك أستاذ أنا لاأشرب ، قال ضاحكا : مع عدي كل الناس يشربون ، ماكو أحد مايشرب ، مفهوم .
شعرت بأنه سكران ولذلك فقد قررت ألا أجعله يغضب ، لأني تذكرت أن أبي رحمه الله حين كان يسكر لا نزعجه أبدا لأنه حين يكون عصبياً ، يصير يضرب ويشتم دون أن يعرف ماذا يتصرف ، مد لي الكأس مرة أخرى فتناولته من يده وقربته من فمي تظاهرت بأني أشرب ، بينما هو يراقبني ويضحك ، والسيجار لايفارق يده أبداً.
نهض بعد ربع ساعة تقريباً وسحبني من يدي وقادني الى الداخل ، كان يغني ويتمايل وهو يجرني كأني لعبة في يده ، أدخلني الى غرفة النوم ، ودفعني بشدة فارتميت على السرير ،صار يتاملني وهو مازال واقفاً قرب الباب ، ثم انقض عليّ كأنه الذئب وصار يعضني ، ويعصرني بشدة ، وأنا أصرخ ، لم أدر سر تلك القوة التي جاءتني وجعلتني أرفسه بقدمي ، ثم أنهض وأركض بسرعة مغادرة البيت ، ولكن ، في الحديقة كان أبو حسين يقف وحين رآني ، اندفع وأمسك بي ، ثم أعادني الى الداخل حيث كان عدي يقف في الصالة ضاحكا وينظر الى وجهي ، قربني أبو حسين منه فهوى بكفه على وجهي ، ثم شدني من شعري وأدخلني الى غرفة النوم مرة أخرى ، وصار يضربني وهو يصرخ ويلعن ويشتم ، ظل يضربني حتى لم أعد أحس بشيء ، بعد ذلك بدأ يهدأ هكذا بدا لي وجهه ، حين اقترب مني وقال هامساً : ها ، ياحليوة ، ماكو أمل يصير عندك عقل ، بكيت بحرقة ، فنهض غادر الغرفة وتركني وحيدة ، لم يغب سوى فترة قصيرة وبعدها عاد وكان غاضباً ، انقض عليّ مرة أخرى و
تنفجر سلمى باكية ، ينقطع الحديث وترجوني بأن أبتعد عنها ، خرجت من الغرفة الى غرفة التحرير ، ظللت جالساً في الغرفة الأخرى قرابة العشر دقائق ، ثم عدت الى الغرفة الثانية حيث كانت سلمى هناك ، جلست على المقعد المواجه لها ، كانت لازالت تبكي وفور رؤيتي انفجرت صارخة: دمرني ، مزقني مثل الذئب ، لم يرحمني لحظة واحدة ، بعد أن غادر الغرفة بقليل جاء أبو حسين وقال لي : ياالله مدام ، خلينا نروح ، الأستاذ متضايق ، لماذا جعلته يغضب .
سألتها : - يغضب ؟ ولماذا ؟ ألم ينل كل ما أراده منك ؟
نعم يغضب لأني قاومته ، ومانعت كثيراً ، ولذلك فهو اعتبرني سافلة ، نعم سافلة ، هذا ماقاله وأنا أغادر البيت ، وقبل أن نخرج تماما صرخ بشدة : أبو حسين ، خلي فارس يداوي الست ، تفو يلعن أبو هكذا نساء .
وضعني أبو حسين في السيارة وانطلق ، وصلنا منتصف الليل تقريبا الى بيت الكرادة ، أنزلني أبو حسين واقتادني صعدنا الأدراج ، فتح فارس لنا الباب ، وقال مبتسما : اتصل بي الأستاذ ،وقال عقل المدام مريض ، وأكيد الدواء عندي .
في الحلقة القادمة:
كان المكان مظلما ، وكنت أحس بأنفاسه تخترقني
يتبع

الحلقة التاسعة :
تحدثت سلمى في الحلقة السابقة عن تفاصيل اقتيادها الى مزرعة عدي ، وكيف تصرف معها عدي بوحشية ونال منها ولكنه كان متضايقا كثيرا بسبب عنادها ، وقد أوعز الى أبو حسين بأن يأخذ سلمى الى بيت فارس رئيس مسؤول ورشة التعذيب لكي يداويها ، قاطعتها وهي تدخن سيجارتها بعصبية واضحة وقلت لها :
- مدام ، كان يقال عن عدي بأنه يصل الى ما يريده مباشرة دون الحاجة الى الانتظار مدة طويلة ، فهل هناك مبرر برأيك لانتظاره كل تلك المدة حتى يصل اليك ؟
- هذا السؤال أنا نفسي سالته مرات ومرات ، ولم يجبني عليه سوى الدكتورة ماجدة لقد قالت لي : لو كان الأستاذ ليس صيادا ماهرا لتصرف منذ البداية ونال منك ، ولكن حبه الشديد للصيد جعله يصبر ، ويبحث عن أكثر من وسيلة لاصطيادك .
- إذن فعدي كان يعتبرك فريسة ، وهو صياد
- طبعاً . هذه هي الصورة التي نقلتها الدكتورة ماجدة والتي تعرف عدي جيدا ، وتعتبره صديقا وهو يعتبرها كذلك ، وسمعت فيما بعد بأنها حصلت على الكثير من صداقتها له ، ومنها عقود نفط ، ومجوهرات ، وأشياء كثيرة أخرى.
- سيدة سلمى هل يمكن أن نعود الى ماحدث بعد أن استقبلك فارس
هنا توقف جهاز التسجيل عن العمل ، أبدلت شريط التسجيل ، وأشرت لسلمى بيدي كي تبدأ الكلام ، فبدأت تكمل حكايتها التي أصرت هي على أن تسميها مأساة .
- بعد أن أخذني أبو حسين الى بيت فارس انزلني فارس الى قبو البناية التي فيها البيت ، تركني هناك واغلق الباب ، وكان يقول وهو يخرج : من قال بأني لاأستطيع شفاء الأمراض المستعصية ، والله لأكسر رأسك . كان المكان مظلما بشكل غريب ، ولا أي خيط من الضوء ينبعث ، ارتميت على الارض من شدة التعب ،تذكرت ماحدث معي فانفجرت بالبكاء ، مرت حياتي أمام عيني ، كرهت كل لحظة عشتها في حياتي ، وتذكرت ولدي ، صرت أصرخ وأنادي : ياولدي ، ياولدي ، سمعت خشخشة مفاتيح ، وسمعت الباب يفتح اندفع ضوء قوي الى الداخل للحظات ثم انقطع مع اغلاق الباب ، سمعت فارس يقول : ست سلمى الصراخ بآخر الليل لايناسبك ، انصحك بالصمت ، كي أستطيع النوم ، وتستطيعين أنت ايضا النوم .
كان المكان مظلماً ، والهدوء يجعل أية حركة مسموعة بشكل واضح، وكنت أحس بأنفاسه قريبة من وجهي ، لكني لم أكن أراه ، أحسست بيده تمسكني ، وتشدني بقوة ، وقال هامساً وأنا أحاول التخلص منه: تدرين مدام ، لولا أن الأستاذ وضعك في باله منذ اليوم الأول لدخولك اللجنة لاختطفتك ، أنت جميلة جدا مدام ، والآن الفرصة لي لكي أستمتع بك ، لا يوجد من يرانا . حينها صحت ولا أدري كيف خطرت لي تلك الفكرة : إذا لمستني سأقول للأستاذ ، وأنت تعرف ماذا سيفعل الأستاذ حين يعلم بأنك اقتربت مني ، قال مرتبكا : تقولين للأستاذ ، لا مدام ، احذري أن تفعلي ذلك ، والله إذا علم الأستاذ عدي بأني لمستك لمساً سيقطع عنقي ، انتهى الموضوع ، لكن مسألة تأديبك لم تنته مدام ، سأتركك الآن ولكن توقعي دخولي في أي وقت ، أنا لن أتركك وحيدة بعد هذه اللحظة . تركني وانسحب بهدوء ، غادر الغرفة وأغلق الباب ، حاولت لملمة نفسي والسيطرة على الخوف الشديد الذي صار يشاركني أوقاتي كلها ، لم أدر كم مر من الوقت ، لكني كنت نائمة حين فتح الباب مرة أخرى ، ودخل فارس يحمل بيده صحناً فيه طعام ، وقال لي وهو يقدم لي الصحن تفضلي كلي بعد قليل تبدأ الحفلة ، ظننت أن هناك حفلة يقيمها عدي وسيأخذوني اليها ، لكن الحفلة كانت عبارة عن صوت موسيقى قوية اندفعت من قلب الظلام الحالك ، يرافقها ضحك فارس الذي لم يتوقف ، استمر الأمر لا أدري كم من الوقت ، صرت أبكي وأصرخ لكن الموسيقى استمرت ، كنت اتخبط مثل المجنونة تماما وأنا ابحث عن ذلك الملعون الذي كان صوت ضحكه يمزقني ، صرت أدور في مكاني وانا أصرخ : كفى ، كفى ،أحسست بأن طبلة أذني تمزقت وأني فقدت السمع حين توقفت الموسيقى فجأة وعاد الهدوء الخانق ليسيطر على المكان ، حاولت إخراج صوتي لأتأكد بأن سمعي مازال بخير ، قلت : حرام ، حرام ، فخرج صوتي مبحوحاً ، واندفعت ضحكة صغيرة ، وبعدها قال فارس : حرام ست سلمى ، والذي تفعلينه ليس حراماً ، ترفضين النعمة التي أرسلها الله إليك ، وترفضين الأستاذ عدي ، من أنت لترفضي الأستاذ ، تدرين لولا أنه يريدك لصرت الآن في دجلة ، مدام سلمى ماكان قبل قليل هو بداية احتفالاتنا التي لن تنتهي ان شاءالله أنت لا تدرين كم تجعلني هذه الاحتفالات سعيدا ، الله كم هو رائع أن يحتفل الناس ، اليس كذلك مدام ، ألا تحبين الاحتفالات أنت أيضا ، ها تكلمي مدام ، ثم شدني من شعري وسحلني على الأرض وكنت أصرخ بشدة .وكل فترة كان يتكرر هذا الأمر مرتين أو ثلاثاً.
- مدام وضعت في قبو وبدأ فارس بتعذيبك ، كم استمر هذا الأمر؟
- لا أدري يمكن يومين أو ثلاثة أيام أو خمسة لاأدري الليل والنهار متشابهان تماماً ، ظلام دامس وصراخ وموسيقا عالية تصم الآذان ، وسحل ، كنت أسحل كأني نعجة مذبوحة ، كان يربط قدمي ويبدأ يسحلني على أرض الغرفة ، وهو يضحك دون توقف إلى الآن أستغرب ماالذي كان يضحكه ، كان يستمتع وهو يسمع صراخي، وتوسلي اليه ، بعد لاأدري كم من الأيام فتح الباب ودخل ثلاثة رجال ، كان الذي في الوسط عدي ، عرفته لأنه كان أطولهم ، أضيء المصباح وتأكدت فعلا بأنه عدي كان يحمل سيجاره ويبتسم ، كنت مرتمية على الأرض الباردة ، نظر الي عدي متأملا وقال وهو ينظر الى أديب شعبان : هل تعتقد أن الست تربت . رد أديب : أكيد أستاذ المدام إنسانة واعية ومتعلمة ولا يمكن تظل تعاند بلا سبب ، يعني الموضوع منته مثل ما قال فارس ، ونحن واثقون بأن عقلها سيرشدها الى الطريق الصحيح أليس كذلك مدام ؟ لم أرد لم أقل شيئاً ، صاروا يضحكون ثم أشار عدي لفارس فحملني وأخرجني من القبو كان الوقت نهاراً ، وضعني فارس في السيارة ، التي انطلقت بسرعة ، كان فارس يقود السيارة وقربه كان يجلس شخص لم أره من قبل ، بعد قليل وصلنا الى منزل الأعظمية ، انزلوني من السيارة وسحبوني سحبا الى الداخل ، حين رأيت زينب في الصالون ارتحت قليلا ، ورغم عدم قدرتي على الكلام الاّ أني سألتها عن ولدي ، فأشارت لي بيدها أن أسكت ، فسكت ، أدخلتني زينب الى الحمام ، ووضعتني في الحوض ، وفتحت مرش الماء ثم أجرت لي حماما ، واثناء ذلك قالت لي بأن قريبها عرف بأنهم يضعون ولدي عند زوجة أحد أفراد مرافقة عدي وأن زوجة ذلك الرجل متضايقة من وجود الصغير عندها لأنه يبكي طوال الليل ويطلب أمه ويزعجها مع أولادها الثلاثة ، وقد طلب قريب زينب من العقيد عامر أن يسمح له بأخذ الصبي ووضعه عنده لأن زوجته لن تغضب من وجوده ، كلام زينب جعلني أنسى كل مامر ، صدقني ، انتهت همومي وأوجاعي كلها يعني ابني بخير ، ويمكن يصير بأيدي أمينة ، زينب وعدتني بأنها هي من ستهتم بالصغير وستحاول قدر المستطاع أن تؤمن لي فرصة لرؤيته ، كان هذا الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لي
- مدام ، بعد وضعك في بيت الأعظمية ، واطمئنانك على الصغير ماالذي حدث تماما ؟
- صار الأمور تتم في البداية بشكل عادي لاشيء ، أنام واستيقظ وأسأل كل يوم عن ابني ، كان أبو حسين يأتي مرتين في اليوم ، وكان الباب مقفلا طيلة الوقت ، كل احتياجات البيت مؤمنة تقريبا ، ولا ينقص شيء أبدا ، أحضروا لي مجموعة كبيرة من ملابس السهرة ، والمكياجات والمجوهرات بعضها حقيقي وبعضها مزيف ، جاءت الدكتورة ماجدة لزيارتي مرتين وفي كل مرة كانت تقدم لي النصائح كي أهتم بنفسي ، وقالت لي : يريد الأستاذ أن يراك كما رآك أول مرة في اللجنة ، هو لايحب أن يراك بهذه الصورة ،ونصحتني أن أنسى كل ما حدث خلال الأيام الماضية ، وأحاول إرضاء الأستاذ ، لأني لم أر غضبه الحقيقي بعد ، هكذا أكدت لي ماجدة التي ودعتني لأنها مسافرة الى لبنان لأن لديها عملا ، وقالت بأنها ستحاول العودة بعد شهر أو شهرين ، ورجتني أن أتخلى عن عنادي كيلا أصاب بأذى ، صدقني ، شعرت بأنها صادقة وأنها تريد الخير لي وليس بيدها حيلة تجاه مايحدث ، عانقتني الدكتورة ماجدة وغادرت ، وتلك كانت المرة الأخيرة التي أراها فيها ، فكرت لمدة يومين فيما قالته ماجدة ، وفررت أن أعمل بنصيحتها ، بدأت الاهتمام بنفسي ، وصرت آكل بشكل جيد ، وطلبت من أبو حسين أن يخبر الأستاذ بأني أرغب في رؤيته ، غاب أبو حسين فترة بعد الظهر كلها ، وعاد مساء وطلب مني أن أجهز نفسي للذهاب الى سهرة يقيمها الأستاذ ، لبست أفخر واحد من الثياب التي جلبوها لي ، ووضعت عقدا ماسيا حول عنقي ، ثم ركبت في السيارة الى جانب ابو حسين ، وصلنا الى مزرعة عدي ، وكان عدي جالسا يدخن السيجار ، وبالقرب منه ذئب مربوط بسلسلة ذهبية ، أحسست بالخوف لرؤية الذئب ، لكن عدي قال ضاحكا : اقتربي ، لاتخافي ، هذا الذئب أحسن من البني آدم ، هذا ذيب مخلص ، يسمع الكلام ، اشار لي فجلست الى جانبه ، قدم لي كأس ويسكي ، فشربته دفعة واحدة كانت تلك هي المرة الأولى التي أشرب فيها الكحول ، لكن كما قلت لك قررت أن أعمل بنصائح ماجدة ، وهي قالت لي بأن عدي لايحب من لايطيع وكان علي أن اكون مطيعة تماماً ، بعد قليل وصلت سيارتان فيهما شباب وفتيات ، نزلوا بصخب وهم يضحكون ، سلموا على عدي ، وجلسوا على المقاعد القريبة من الطاولة ، ثم بدأ الشرب والغناء وماهي إلا نصف ساعة تقريباً ، حتى جاءت سيارة أخرى ، ونزلت منها الراقصة نوسة وهي ، وبدأ التصفير والتصفيق حين بدأت ترقص على أنغام الموسيقا التي كانت تعزفها فرقة موسيقية كانت موجودة في جانب المكان الذي كنا نجلس فيه ، استمر الوضع حتى منتصف الليل كان الجميع ثملين بمن فيهم أنا ، لم أكن فاقدة التركيز تماما ، لكني كنت أشعر بدوار يجتاحني ، أشار عدي للجميع فتوقفوا عن الحركة ولكنهم كانوا يضحكون بشكل هستيري ، قال عدي : اسمعوا ولاك ، انتم سكرانين ، ولازم الرجل بينكم يشوفنا كيف يمكن يبقى رجلا بعد كل الذي شربتموه ، قال أحدهم ضاحكا : وداعتك أستاذ ، أية امرأة موجودة هنا لايمكنها أن تقاومني ، ضحك عدي وقال : هيا دعونا نرى مراجلكم ، بدأ الرجال يخلعون ملابسهم مثل المجانين ، وكان عدي يراقب مايحدث ضاحكا ، ثم هجموا مثل الوحوش على الفتيات اللواتي كن يضحكن ، طارعقلي وأنا أرى ما يحدث ، أمسكني عدي من يدي وقال لي ضاحكاً: عزيزتي ، هذه أمتع لعبة في العالم ، شوفي الناس كيف يحبون بعضهم ، هذه هي المتعة ، عيوني الحياة شلون تقول الأغنية ها نعم الحياة حلوة بس نفهمها ، وأنا أفهم الحياة أكثر منكم كلكم ، أنا أعرف أكثر منكم ، ولأجل هذا فأنا أرى الحياة ليس كما يراها الآخرون ، لأنهم لايفهمونها وأنا أفهمها ، انتم مساكين تفكرون بأشياء غريبة، كلكم مساكين ، لكن أعدك بأن أعلمك كيف تعيشين الحياة ، اتفقنا ، هززت رأسي موافقة وأنا أشيح ببصري عن تلك القذارة التي كانت تحدث ، شيء ليس معقولا ، شيء مقرف حقا ، مثل الحيوانات تماما ، لا ، الحيوانات أحسن ، كان عدي يراقب بنشوة غريبة وهو يبتسم ، ويداعب رأس الذئب ، استمرت السهرة حتى سمعنا صوت أذان الفجر عندها نهض عدي ، وامسك بيدي وسرنا الى غرفة في الطابق الثاني من البناء الموجود وسط المزرعة تماما ، من شدة التعب ومن تأثير الخمر نمت مباشرة ، وحين فتحت عيني في الصباح ، ورأيت عدي نائما الى جانبي ، وكنت شبه عارية صرت أبكي بصوت مخنوق ، ولم أستطع التوقف عن البكاء إلاّ حين فتح عينيه ، خفت أن يتسبب بكائي بإزعاجه ، الحقيقة خفت من ردة فعله إذا رآني أبكي .
- سيدة سلمى ، هل يمكن أن تصفي لي تماما ماهي المشاعر التي كانت تنتابك ، وقد صرت عشيقة عدي صدام حسين ، يعني ، واعذريني ، ألم تشعري بأنك محظوظة مثلاً ، عفواً لجرأتي؟
- أستاذ أنا تهدمت حياتي كاملة ، قتلوا زوجي وأبعدوا ابني عني ، خربوا حياتي كلها وتقول لي محظوظة ، خوية ، أي حظ بعد أن تحولت حياتي بالكامل إلى هذا الشكل السيء ، أنا كنت أشعر بالكراهية لكل شيء في العالم ، ولنفسي في البداية ، كرهت كوني جميلة ولفت نظره ، وكرهت زوجي ، الله يرحمه ، لأنه لم يسمع كلامي حين طلبت منه أن نغادر بغداد ، حتى ابني كرهته ، لأن وجوده منعني من الانتحار ، وتقول لي محظوظة ، لكن ربما أكون محظوظة لأن عدي لم يلق بي لأتحول إلى واحدة من أولئك المسكينات اللواتي لاشك بأنهن مررن بظروف تشبه ظروفي وربما أقسى حتى تحولن الى ماهن عليه .
- وربما اخترن ذلك بأنفسهن ، طمعاً بالهدايا ، والحظوة ، و.....ز
- لا أستاذ اسمح لي ، لا يمكن هناك إنسانة أو إنسان يقبل أن يكون في ذلك الوضع الذي رأيتهم فيه إن كان في رأسه ذرة عقل واحدة ، يمكن لأنك لم تر الوضع تقول ذلك الكلام ، ولكن لو رأيت لغيرت رأيك ، ولبكيت لحالهم .
- تقصدين أن عدي فعل بهم مثلما فعل بك كي يصلوا الى ما وصلوا اليه ؟
- تماما ، وأنا واثقة من كلامي ، رجاله ومرافقوه يشبهون الذئاب الجائعة ، شرهون في الأكل والشرب والكلام ، في كل شيء هم شرهون ، وتشعر حين تنظر الى أي واحد منهم بأنك تنظر الى وحش لا إلى إنسان ، على الرغم من الثياب الأنيقة والعطورات الفاخرة والسيارات الفخمة .
- كيف هم شرهون؟
- تشعر وأنت تنظر اليهم بأنهم قادرون على التهام الطعام الموجود في الأرض كله ، وعلى اغتصاب النساء كلهن ، قبيحون بشكل لايتصوره العقل ، بشاعة لاحدود لها ، أتمنى ألا أرى في يوم من الأيام واحدا منهم لأني لا أدري ماالذي يمكن أن أفعله .
- مدام سلمى ، اعذريني للتعبير ، ولكن بعد أن صرت عشيقة عدي ماالذي تغير في حياتك ؟ أقصد هل خفت الضغوط التي كنت تعيشينها ؟ وماذا حل بولدك ؟.
في الحلقة القادمة :
احتضنته ، وقبلته ، وكان ينظر إلى وجهي مستغربا
يتبع
تحدثت سلمى في الحلقة السابقة عن تفاصيل اقتيادها الى مزرعة عدي ، وكيف تصرف معها عدي بوحشية ونال منها ولكنه كان متضايقا كثيرا بسبب عنادها ، وقد أوعز الى أبو حسين بأن يأخذ سلمى الى بيت فارس رئيس مسؤول ورشة التعذيب لكي يداويها ، قاطعتها وهي تدخن سيجارتها بعصبية واضحة وقلت لها :
- مدام ، كان يقال عن عدي بأنه يصل الى ما يريده مباشرة دون الحاجة الى الانتظار مدة طويلة ، فهل هناك مبرر برأيك لانتظاره كل تلك المدة حتى يصل اليك ؟
- هذا السؤال أنا نفسي سالته مرات ومرات ، ولم يجبني عليه سوى الدكتورة ماجدة لقد قالت لي : لو كان الأستاذ ليس صيادا ماهرا لتصرف منذ البداية ونال منك ، ولكن حبه الشديد للصيد جعله يصبر ، ويبحث عن أكثر من وسيلة لاصطيادك .
- إذن فعدي كان يعتبرك فريسة ، وهو صياد
- طبعاً . هذه هي الصورة التي نقلتها الدكتورة ماجدة والتي تعرف عدي جيدا ، وتعتبره صديقا وهو يعتبرها كذلك ، وسمعت فيما بعد بأنها حصلت على الكثير من صداقتها له ، ومنها عقود نفط ، ومجوهرات ، وأشياء كثيرة أخرى.
- سيدة سلمى هل يمكن أن نعود الى ماحدث بعد أن استقبلك فارس
هنا توقف جهاز التسجيل عن العمل ، أبدلت شريط التسجيل ، وأشرت لسلمى بيدي كي تبدأ الكلام ، فبدأت تكمل حكايتها التي أصرت هي على أن تسميها مأساة .
- بعد أن أخذني أبو حسين الى بيت فارس انزلني فارس الى قبو البناية التي فيها البيت ، تركني هناك واغلق الباب ، وكان يقول وهو يخرج : من قال بأني لاأستطيع شفاء الأمراض المستعصية ، والله لأكسر رأسك . كان المكان مظلما بشكل غريب ، ولا أي خيط من الضوء ينبعث ، ارتميت على الارض من شدة التعب ،تذكرت ماحدث معي فانفجرت بالبكاء ، مرت حياتي أمام عيني ، كرهت كل لحظة عشتها في حياتي ، وتذكرت ولدي ، صرت أصرخ وأنادي : ياولدي ، ياولدي ، سمعت خشخشة مفاتيح ، وسمعت الباب يفتح اندفع ضوء قوي الى الداخل للحظات ثم انقطع مع اغلاق الباب ، سمعت فارس يقول : ست سلمى الصراخ بآخر الليل لايناسبك ، انصحك بالصمت ، كي أستطيع النوم ، وتستطيعين أنت ايضا النوم .
كان المكان مظلماً ، والهدوء يجعل أية حركة مسموعة بشكل واضح، وكنت أحس بأنفاسه قريبة من وجهي ، لكني لم أكن أراه ، أحسست بيده تمسكني ، وتشدني بقوة ، وقال هامساً وأنا أحاول التخلص منه: تدرين مدام ، لولا أن الأستاذ وضعك في باله منذ اليوم الأول لدخولك اللجنة لاختطفتك ، أنت جميلة جدا مدام ، والآن الفرصة لي لكي أستمتع بك ، لا يوجد من يرانا . حينها صحت ولا أدري كيف خطرت لي تلك الفكرة : إذا لمستني سأقول للأستاذ ، وأنت تعرف ماذا سيفعل الأستاذ حين يعلم بأنك اقتربت مني ، قال مرتبكا : تقولين للأستاذ ، لا مدام ، احذري أن تفعلي ذلك ، والله إذا علم الأستاذ عدي بأني لمستك لمساً سيقطع عنقي ، انتهى الموضوع ، لكن مسألة تأديبك لم تنته مدام ، سأتركك الآن ولكن توقعي دخولي في أي وقت ، أنا لن أتركك وحيدة بعد هذه اللحظة . تركني وانسحب بهدوء ، غادر الغرفة وأغلق الباب ، حاولت لملمة نفسي والسيطرة على الخوف الشديد الذي صار يشاركني أوقاتي كلها ، لم أدر كم مر من الوقت ، لكني كنت نائمة حين فتح الباب مرة أخرى ، ودخل فارس يحمل بيده صحناً فيه طعام ، وقال لي وهو يقدم لي الصحن تفضلي كلي بعد قليل تبدأ الحفلة ، ظننت أن هناك حفلة يقيمها عدي وسيأخذوني اليها ، لكن الحفلة كانت عبارة عن صوت موسيقى قوية اندفعت من قلب الظلام الحالك ، يرافقها ضحك فارس الذي لم يتوقف ، استمر الأمر لا أدري كم من الوقت ، صرت أبكي وأصرخ لكن الموسيقى استمرت ، كنت اتخبط مثل المجنونة تماما وأنا ابحث عن ذلك الملعون الذي كان صوت ضحكه يمزقني ، صرت أدور في مكاني وانا أصرخ : كفى ، كفى ،أحسست بأن طبلة أذني تمزقت وأني فقدت السمع حين توقفت الموسيقى فجأة وعاد الهدوء الخانق ليسيطر على المكان ، حاولت إخراج صوتي لأتأكد بأن سمعي مازال بخير ، قلت : حرام ، حرام ، فخرج صوتي مبحوحاً ، واندفعت ضحكة صغيرة ، وبعدها قال فارس : حرام ست سلمى ، والذي تفعلينه ليس حراماً ، ترفضين النعمة التي أرسلها الله إليك ، وترفضين الأستاذ عدي ، من أنت لترفضي الأستاذ ، تدرين لولا أنه يريدك لصرت الآن في دجلة ، مدام سلمى ماكان قبل قليل هو بداية احتفالاتنا التي لن تنتهي ان شاءالله أنت لا تدرين كم تجعلني هذه الاحتفالات سعيدا ، الله كم هو رائع أن يحتفل الناس ، اليس كذلك مدام ، ألا تحبين الاحتفالات أنت أيضا ، ها تكلمي مدام ، ثم شدني من شعري وسحلني على الأرض وكنت أصرخ بشدة .وكل فترة كان يتكرر هذا الأمر مرتين أو ثلاثاً.
- مدام وضعت في قبو وبدأ فارس بتعذيبك ، كم استمر هذا الأمر؟
- لا أدري يمكن يومين أو ثلاثة أيام أو خمسة لاأدري الليل والنهار متشابهان تماماً ، ظلام دامس وصراخ وموسيقا عالية تصم الآذان ، وسحل ، كنت أسحل كأني نعجة مذبوحة ، كان يربط قدمي ويبدأ يسحلني على أرض الغرفة ، وهو يضحك دون توقف إلى الآن أستغرب ماالذي كان يضحكه ، كان يستمتع وهو يسمع صراخي، وتوسلي اليه ، بعد لاأدري كم من الأيام فتح الباب ودخل ثلاثة رجال ، كان الذي في الوسط عدي ، عرفته لأنه كان أطولهم ، أضيء المصباح وتأكدت فعلا بأنه عدي كان يحمل سيجاره ويبتسم ، كنت مرتمية على الأرض الباردة ، نظر الي عدي متأملا وقال وهو ينظر الى أديب شعبان : هل تعتقد أن الست تربت . رد أديب : أكيد أستاذ المدام إنسانة واعية ومتعلمة ولا يمكن تظل تعاند بلا سبب ، يعني الموضوع منته مثل ما قال فارس ، ونحن واثقون بأن عقلها سيرشدها الى الطريق الصحيح أليس كذلك مدام ؟ لم أرد لم أقل شيئاً ، صاروا يضحكون ثم أشار عدي لفارس فحملني وأخرجني من القبو كان الوقت نهاراً ، وضعني فارس في السيارة ، التي انطلقت بسرعة ، كان فارس يقود السيارة وقربه كان يجلس شخص لم أره من قبل ، بعد قليل وصلنا الى منزل الأعظمية ، انزلوني من السيارة وسحبوني سحبا الى الداخل ، حين رأيت زينب في الصالون ارتحت قليلا ، ورغم عدم قدرتي على الكلام الاّ أني سألتها عن ولدي ، فأشارت لي بيدها أن أسكت ، فسكت ، أدخلتني زينب الى الحمام ، ووضعتني في الحوض ، وفتحت مرش الماء ثم أجرت لي حماما ، واثناء ذلك قالت لي بأن قريبها عرف بأنهم يضعون ولدي عند زوجة أحد أفراد مرافقة عدي وأن زوجة ذلك الرجل متضايقة من وجود الصغير عندها لأنه يبكي طوال الليل ويطلب أمه ويزعجها مع أولادها الثلاثة ، وقد طلب قريب زينب من العقيد عامر أن يسمح له بأخذ الصبي ووضعه عنده لأن زوجته لن تغضب من وجوده ، كلام زينب جعلني أنسى كل مامر ، صدقني ، انتهت همومي وأوجاعي كلها يعني ابني بخير ، ويمكن يصير بأيدي أمينة ، زينب وعدتني بأنها هي من ستهتم بالصغير وستحاول قدر المستطاع أن تؤمن لي فرصة لرؤيته ، كان هذا الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لي
- مدام ، بعد وضعك في بيت الأعظمية ، واطمئنانك على الصغير ماالذي حدث تماما ؟
- صار الأمور تتم في البداية بشكل عادي لاشيء ، أنام واستيقظ وأسأل كل يوم عن ابني ، كان أبو حسين يأتي مرتين في اليوم ، وكان الباب مقفلا طيلة الوقت ، كل احتياجات البيت مؤمنة تقريبا ، ولا ينقص شيء أبدا ، أحضروا لي مجموعة كبيرة من ملابس السهرة ، والمكياجات والمجوهرات بعضها حقيقي وبعضها مزيف ، جاءت الدكتورة ماجدة لزيارتي مرتين وفي كل مرة كانت تقدم لي النصائح كي أهتم بنفسي ، وقالت لي : يريد الأستاذ أن يراك كما رآك أول مرة في اللجنة ، هو لايحب أن يراك بهذه الصورة ،ونصحتني أن أنسى كل ما حدث خلال الأيام الماضية ، وأحاول إرضاء الأستاذ ، لأني لم أر غضبه الحقيقي بعد ، هكذا أكدت لي ماجدة التي ودعتني لأنها مسافرة الى لبنان لأن لديها عملا ، وقالت بأنها ستحاول العودة بعد شهر أو شهرين ، ورجتني أن أتخلى عن عنادي كيلا أصاب بأذى ، صدقني ، شعرت بأنها صادقة وأنها تريد الخير لي وليس بيدها حيلة تجاه مايحدث ، عانقتني الدكتورة ماجدة وغادرت ، وتلك كانت المرة الأخيرة التي أراها فيها ، فكرت لمدة يومين فيما قالته ماجدة ، وفررت أن أعمل بنصيحتها ، بدأت الاهتمام بنفسي ، وصرت آكل بشكل جيد ، وطلبت من أبو حسين أن يخبر الأستاذ بأني أرغب في رؤيته ، غاب أبو حسين فترة بعد الظهر كلها ، وعاد مساء وطلب مني أن أجهز نفسي للذهاب الى سهرة يقيمها الأستاذ ، لبست أفخر واحد من الثياب التي جلبوها لي ، ووضعت عقدا ماسيا حول عنقي ، ثم ركبت في السيارة الى جانب ابو حسين ، وصلنا الى مزرعة عدي ، وكان عدي جالسا يدخن السيجار ، وبالقرب منه ذئب مربوط بسلسلة ذهبية ، أحسست بالخوف لرؤية الذئب ، لكن عدي قال ضاحكا : اقتربي ، لاتخافي ، هذا الذئب أحسن من البني آدم ، هذا ذيب مخلص ، يسمع الكلام ، اشار لي فجلست الى جانبه ، قدم لي كأس ويسكي ، فشربته دفعة واحدة كانت تلك هي المرة الأولى التي أشرب فيها الكحول ، لكن كما قلت لك قررت أن أعمل بنصائح ماجدة ، وهي قالت لي بأن عدي لايحب من لايطيع وكان علي أن اكون مطيعة تماماً ، بعد قليل وصلت سيارتان فيهما شباب وفتيات ، نزلوا بصخب وهم يضحكون ، سلموا على عدي ، وجلسوا على المقاعد القريبة من الطاولة ، ثم بدأ الشرب والغناء وماهي إلا نصف ساعة تقريباً ، حتى جاءت سيارة أخرى ، ونزلت منها الراقصة نوسة وهي ، وبدأ التصفير والتصفيق حين بدأت ترقص على أنغام الموسيقا التي كانت تعزفها فرقة موسيقية كانت موجودة في جانب المكان الذي كنا نجلس فيه ، استمر الوضع حتى منتصف الليل كان الجميع ثملين بمن فيهم أنا ، لم أكن فاقدة التركيز تماما ، لكني كنت أشعر بدوار يجتاحني ، أشار عدي للجميع فتوقفوا عن الحركة ولكنهم كانوا يضحكون بشكل هستيري ، قال عدي : اسمعوا ولاك ، انتم سكرانين ، ولازم الرجل بينكم يشوفنا كيف يمكن يبقى رجلا بعد كل الذي شربتموه ، قال أحدهم ضاحكا : وداعتك أستاذ ، أية امرأة موجودة هنا لايمكنها أن تقاومني ، ضحك عدي وقال : هيا دعونا نرى مراجلكم ، بدأ الرجال يخلعون ملابسهم مثل المجانين ، وكان عدي يراقب مايحدث ضاحكا ، ثم هجموا مثل الوحوش على الفتيات اللواتي كن يضحكن ، طارعقلي وأنا أرى ما يحدث ، أمسكني عدي من يدي وقال لي ضاحكاً: عزيزتي ، هذه أمتع لعبة في العالم ، شوفي الناس كيف يحبون بعضهم ، هذه هي المتعة ، عيوني الحياة شلون تقول الأغنية ها نعم الحياة حلوة بس نفهمها ، وأنا أفهم الحياة أكثر منكم كلكم ، أنا أعرف أكثر منكم ، ولأجل هذا فأنا أرى الحياة ليس كما يراها الآخرون ، لأنهم لايفهمونها وأنا أفهمها ، انتم مساكين تفكرون بأشياء غريبة، كلكم مساكين ، لكن أعدك بأن أعلمك كيف تعيشين الحياة ، اتفقنا ، هززت رأسي موافقة وأنا أشيح ببصري عن تلك القذارة التي كانت تحدث ، شيء ليس معقولا ، شيء مقرف حقا ، مثل الحيوانات تماما ، لا ، الحيوانات أحسن ، كان عدي يراقب بنشوة غريبة وهو يبتسم ، ويداعب رأس الذئب ، استمرت السهرة حتى سمعنا صوت أذان الفجر عندها نهض عدي ، وامسك بيدي وسرنا الى غرفة في الطابق الثاني من البناء الموجود وسط المزرعة تماما ، من شدة التعب ومن تأثير الخمر نمت مباشرة ، وحين فتحت عيني في الصباح ، ورأيت عدي نائما الى جانبي ، وكنت شبه عارية صرت أبكي بصوت مخنوق ، ولم أستطع التوقف عن البكاء إلاّ حين فتح عينيه ، خفت أن يتسبب بكائي بإزعاجه ، الحقيقة خفت من ردة فعله إذا رآني أبكي .
- سيدة سلمى ، هل يمكن أن تصفي لي تماما ماهي المشاعر التي كانت تنتابك ، وقد صرت عشيقة عدي صدام حسين ، يعني ، واعذريني ، ألم تشعري بأنك محظوظة مثلاً ، عفواً لجرأتي؟
- أستاذ أنا تهدمت حياتي كاملة ، قتلوا زوجي وأبعدوا ابني عني ، خربوا حياتي كلها وتقول لي محظوظة ، خوية ، أي حظ بعد أن تحولت حياتي بالكامل إلى هذا الشكل السيء ، أنا كنت أشعر بالكراهية لكل شيء في العالم ، ولنفسي في البداية ، كرهت كوني جميلة ولفت نظره ، وكرهت زوجي ، الله يرحمه ، لأنه لم يسمع كلامي حين طلبت منه أن نغادر بغداد ، حتى ابني كرهته ، لأن وجوده منعني من الانتحار ، وتقول لي محظوظة ، لكن ربما أكون محظوظة لأن عدي لم يلق بي لأتحول إلى واحدة من أولئك المسكينات اللواتي لاشك بأنهن مررن بظروف تشبه ظروفي وربما أقسى حتى تحولن الى ماهن عليه .
- وربما اخترن ذلك بأنفسهن ، طمعاً بالهدايا ، والحظوة ، و.....ز
- لا أستاذ اسمح لي ، لا يمكن هناك إنسانة أو إنسان يقبل أن يكون في ذلك الوضع الذي رأيتهم فيه إن كان في رأسه ذرة عقل واحدة ، يمكن لأنك لم تر الوضع تقول ذلك الكلام ، ولكن لو رأيت لغيرت رأيك ، ولبكيت لحالهم .
- تقصدين أن عدي فعل بهم مثلما فعل بك كي يصلوا الى ما وصلوا اليه ؟
- تماما ، وأنا واثقة من كلامي ، رجاله ومرافقوه يشبهون الذئاب الجائعة ، شرهون في الأكل والشرب والكلام ، في كل شيء هم شرهون ، وتشعر حين تنظر الى أي واحد منهم بأنك تنظر الى وحش لا إلى إنسان ، على الرغم من الثياب الأنيقة والعطورات الفاخرة والسيارات الفخمة .
- كيف هم شرهون؟
- تشعر وأنت تنظر اليهم بأنهم قادرون على التهام الطعام الموجود في الأرض كله ، وعلى اغتصاب النساء كلهن ، قبيحون بشكل لايتصوره العقل ، بشاعة لاحدود لها ، أتمنى ألا أرى في يوم من الأيام واحدا منهم لأني لا أدري ماالذي يمكن أن أفعله .
- مدام سلمى ، اعذريني للتعبير ، ولكن بعد أن صرت عشيقة عدي ماالذي تغير في حياتك ؟ أقصد هل خفت الضغوط التي كنت تعيشينها ؟ وماذا حل بولدك ؟.
في الحلقة القادمة :
احتضنته ، وقبلته ، وكان ينظر إلى وجهي مستغربا
يتبع

الحلقة العاشرة :
في الحلقة الماضية كانت سلمى قد استسلمت تماماً لقدرها ، وقد روت لنا كيف شهدت واحدة من ليالي عدي الحمراء المجنونة ، التي تضم كل شيء وفيها حسب تعبيرها هي مايثير اشمئزاز أي إنسان ، سألتها عن شعورها بعد أن صارت عشيقة عدي صدام حسين ، وسألتها عن ولدها الذي لم تره منذ أسابيع، هنا لابد أن أقول بأن سلمى تحدثت واصفة بدقة كل ماحدث معها ، وكان يبدو عليها أثناء الحديث كمٌّ كبير من المعاناة والألم جعلني في الكثير من المرات أطلب منها أن تتوقف عن مواصلة الحديث ، لكنها كانت في كل مرة ترجوني بأن تتابع لأنها كانت تجد راحتها في سرد قصتها التي أصرت هي على تسميتها مأساة.
- تسألني عن ولدي وعن الأشياء التي تغيرت في حياتي بعد أن صرت عشيقة عدي كما تقول ، حيالتي كلها تغيرت رأسا على عقب ، صار لزاما عليّ أن أكون جاهزة في كل يوم يطلبني للذهاب الى واحدة من سهراته وحفلاته التي لاتنتهي ، يعني تصدق يمكن كل يوم كان هناك سهرة وكان عنده ضيوف .
- تقولين ضيوف ! هل يمكن أن تقولي لنا من هم هؤلاء الضيوف ؟
- ضيوف مختلفون كل مرة ، بعضهما عرب وبعضهم أجانب ، أذكر مرة أني رأيت أحد الأثرياء الأوكرانيين ضيفاً في مزرعة عدي ، كان الجميع مهتمين بالمستر نيقولاي كما كانوا ينادونه ، وقد فهمت من أحد الموجودين أن نيقولاي جاء لعقد صفقة نفطية كبيرة مع الأستاذ عدي ، وأن قيمة الصفقة تتجاوز ملايين الدولارات ، وبالمقابل كان نيقولاي يعرض عقد صفقة مع بعض المسؤولين العراقيين بوساطة عدي هي صفقة ألماس ، كان مايحدث يثير استغرابي كثيراً ، الأرقام التي كانت تذكر أمامي جعلتني أحس بأني أعيش في بلد آخر غير العراق ، ملايين الدولارات والشعب يكتوي بنار الحصار والجوع والقهر . ماكان يحدث كان يجعل الدنيا تسود في وجهي كثيرا ، وكنت أرجو الله دائما أن يلهمني الصبر كي أستطيع البقاء متماسكة حتى أتمكن من رؤية ولدي .
- مدام ألم تسألي عدي عن ولدك ؟ أقصد ألم تطلبي منه أن يسمح لك برؤيته وإبقائه معك ؟
- نعم حدث هذا ، مرة في الليل وقبل أن يغادر عدي البيت قلت له بأني مشتاقة لابني كثيرا وأرغب برؤيته ، صار يضحك وقال لي : الأيام قادمة فلا تستعجلي ، وكل شيء باوانه جميل.
- سيدتي قلت قبل أن يغادر البيت ، هل كنت تقيمين معه في البيت نفسه ؟
- لا طبعا ، لكن كان عدي يزورني في البيت مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا ، وأحيانا يأخذونني إليه حيثما كان ،مرة أخذوني الى شط العرب ، كان عدي موجودا هناك مع أحد الأثرياء الأردنيين في يخت كبير .
- الى شط العرب ؟
- نعم كان هناك على ظهر اليخت ، وكانت هناك مطربة أردنية معهما قال لي أديب بأن اسمها هو أسمهان .
- هل تتذكرين اسم الثري الأردني ؟
- أعرف اسمه الأول فقط محمود ، كان في حوالي الخمسين يضحك بلا توقف ، وكان يبدو أن المطربة هي صديقته ، فلم أر أحدا اقترب منها .
- هل كان هناك آخرون ؟
- لا فقط عدي والأردني والمطربة وأنا وبعض أفراد حماية عدي وأديب شعبان ، استمرت إقامتنا على اليخت ثلاثة أيام ، وعندما عدنا الى بغداد قال لي عدي : إذا عرف أحد بأمر هذه الرحلة الجميلة غيرنا فسأجعل رأسك يتدحرج مثل الكرة ، مفهوم حبيبتي .حتى لو كان السيد الوالد لاأريد أن يعلم أحد .قلت له : لم يحدث أستاذ أن فتحت فمي لأبوح بأي شيء ، فلماذا تنبهني هذه المرة تحديدا ؟. رد علي مبتسماً : لأن هذه المرة غير كل المرات ، هذه المرة مختلفة تماماً . ويمكن إذا أحسست أنك تسمعين الكلام بشكل جيد سأجعلك ترين الصغير ، هذا وعد .
- مدام ، كيف كنت تخاطبين عدي ، يعني كنت تنادينه باسمه أم أستاذ ؟
- في النهار حتى وإن كنا بمفردنا كنت لاأقول له إلا أستاذ ، أما في الليل فكان يحب أن أناديه عداوي ، يعني تصدق كان ينسى نفسه تماما في الليل ، تحس بأنه شخص مختلف ، يحب المزاح والضحك كثيرا ، ويطلب من القريبين منه أن يحكوا له نكاتاً ، وكان دائما يقلد طريقة الرئيس في الجلوس والكلام ، بعض مرافقيه كانوا لاينادونه أستاذ بل سيدي ، وكان هو يفرح بهذا ، مرة فرض على واحد من المطربين أن يغني له أغنية خاصة به ، يعني أن تكون الأغنية تتحدث عنه ، في اليوم الثاني جاء المطرب ومعه الفرقة الموسيقية ، وبدأ يغني :
وداعتك سيدي الأستاذ ماكو مثلك بالبلاد
هاي الناس تترجاك وجاية تكول عد عيناك
عدي فرح بالأغنية كثيراً ، وكافأ المطرب وفرقته مكافأة كبيرة ، في اليوم الثاني جاء المطرب يركب مرسيدس هدية من عدي وتغير وضعه ( طلبت من سلمى بإلحاح أن تبوح باسم ذلك المطرب لكنها رفضت ، وقالت بأنها تعرف أنه كان مضطرا ليفعل مافعله ، لأنه لو رفض ، لفقد رأسه ، أو لوضع في الرضوانية حتى يتعفن جسمه ) تعرف أستاذ مرة أخطأ أحد السائقين في نوع السيارة التي طلبها منه عدي فهو طلب منه أن يجهز البورش للخروج لكن السائق جهز المرسيدس ، أتعرف ماكانت عقوبته ، لقد أمضى أسبوعا في سجن الرضوانية ، وبعد خروجه أرسل الى القطعات العسكرية البعيدة جدا ، يمكن أرسلوه الى القطاع الشمالي .
- ولكن هل كان ذلك السائق عسكرياً ؟
- أغلب الذين مع عدي هم من العسكريين ويقوم باختيارهم أحد مساعدي عدي من القطعات العسكرية ، أو يقومون بفرزهم خصوصاً لصالح عدي ، وأغلبهم من تكريت ، تماما مثل مرافقة الرئيس وحرسه الخاص
- برأيك هل كان الرئيس على علم بما يفعله عدي في مزارعه وسجونه ؟
- الرئيس أكيد كان يعرف ، عندنا في العراق كانوا يقولون لايحدث شيء لايعلم به صدام حسين أجهزته الأمنية كانت تراقب الجميع ، كنا نعرف ذلك كلنا في العراق ، ولا يمكن أن يقوم عدي بكل أعماله دون أن يعلم به الرئيس ، وخصوصا أن أعمال عدي لم تكن سرية ، بل كانت علنية ،وكل الناس يعرفون بها ، أبناء الشارع كلهم يعرفون ماذا يفعل ابن الرئيس ، أتذكر مرة أن عدي كان غاضبا كثيرا بعد أن جاء من مقابلة مع والده ، وقد طرد في ذلك اليوم كل الذين كانوا موجودين ، وبقيت أنا جالسة أكثر من ساعتين دون أن يقول لي كلمة واحدة ، بعد ذلك طلب مني وبهدوء أن أتركه وحيدا وأدخل الى الغرفة الأخرى ، دخلت الى الغرفة ، وسمعته يتحدث على الهاتف مع قصي ، كان يقول له وبالحرف : أكلك صاح بوجهي مرتين ، كدام حسين . فهمت من ذلك أن الرئيس أنب عدي في حضور حسين كامل الذي كان عدي يكرهه كثيرا ، وأكثر من مرة كان يشتمه ، ويبدو متضايقا حين يذكر اسمه . كانت الأيام تمر ببطء عليّ وأنا أنتظر أن يسمح لي برؤية ولدي ، وفي إحدى الأمسيات وكان عدي في مزاج جيد ، قال لي : ها ألا تريدين أن تري ابنك ؟ صحت بفرح : أستاذ هذا الشيء الذي سيجعلني أسعد إنسانة في الدنيا ، قال بهدوء : غدا تحضره زينب ، وأنا أحب أن تكوني أسعد إنسانة في الدنيا . في تلك الليلة كدت أن أطير من الفرح ، أخيرا وبعد أشهر سأرى ولدي ، في اليوم التالي ومنذ الصباح الباكر ، فتح باب غرفتي وكنت نائمة ، فتحت عيني بتثاقل ، ورأيته كان يخطوخائفا باتجاه سريري وزينب تقف خلفه وتقول : اذهب هذه ماما ، اذهب حبيبي ، لاتخف ، حين أدركت أن هذا الصغير هو ولدي نهضت بلهفة احتضنته ، وقبلته على وجهه على رأسه ، على يديه ، على قدميه ، وكان ينظر إلي باستغراب ، قال : ماما انت عدت من السفر ، نعم حبيبي عدت من السفر ولن أسافر بعد هذا اليوم أبدا ، كان عمره صار أربع سنوات ونصف ، يشبه أباه رحمه الله كثيرا ، يعني العيون نفسها ، وتدويرة الوجه نفسها ،ولكنه كان طويلاً ، يعني الذي يراه يقول بأن عمره ست أو سبع سنوات ، قال لزينب : خالة زينب شفتي ، ماما عادت ولن تسافر مرة ثانية ، لن أذهب بعد اليوم الى بيتكم ، لأن أمي ستأخذني معها ، مع كلماته هذه بدأ الحزن يعود إليّ ، تساءلت بيني وبين نفسي : ولكن ماذا لو أن عدي لم يسمح لي بإبقائه معي ؟ ماذا سأفعل ؟ هل سأستطيع فرض رغبتي عليه ؟ يمكن أن يأخذ الصغير مني ولن يجعلني أراه بعدها ، لكني قررت أن أطلب منه هذا الطلب ، وألا أضغط عليه كيلا تكون ردة فعله عكسية،
- إذن مدام هل كان الصغير موجودا عند زينب طيلة هذه الفترة ؟
- نعم هذا ماقالته زينب لي ، قالت بأن قريبها ، وهو بالمناسبة إنسان رائع ، شهم ، وعراقي أصيل ، ساعدني كثيرا فيما بعد ، قريبها هذا الذي يعمل مع عدي أخذ الصغير ووضعه في بيته ، منذ سنة تقريبا ، ومن يومها وهو وزوجته وزينب يهتمون بالصغير أكثر من اهتمامهم بأولادهم ، تصدق أستاذ ، أحيانا طيبة الناس ومعدنهم الأصيل تنسيك أذى الآخرين ، وإساءاتهم ، يعني لولا وجود زينب وقريبها رمضان ، ماذا كان سيكون مصير ولدي ، أكيد أنه كان سيلاقي الأمرين في البيت الذي وضعوه فيه أول مرة .
- مدام ، ولكن ألا ترين معي أن يبقى طفلك يتذكرك بعد كل هذه المدة من الغياب عنه أمر غريب !
- نعم في هذه معك حق ،وأنا أيضا استغربت الأمر في البداية ، لكن زينب قالت لي بأن صورتي كانت دائما في الغرفة التي هو فيها ، وقد أفهموه أنني مسافرة ، وكل فترة كانت زينب تطلب مني صورة من صوري وكنت أعطيها دون أن تعرف السبب ، لأني كنت أظن بأنها أوامر عدي ، ولكنها اعترفت لي حين أحضرت الصغير بأنها كانت تريه الصور وتقول له بأنني أرسل له الصور والهدايا ، وقالت لي زينب بأن قريبها رمضان كان يشتري كل شهر هدية ويلفها بشكل أنيق ويقدمونها للصغير على أنها مني ، طبعا هذا المعروف الذي قدموه لي لايمكن أن أنساه أبدا ، وحين عاتبت زينب لأنها لم تخبرني عن مكان وجود ولدي على الرغم من أنني كثيرا ماكنت أسألها ، قالت لي بأن هذا كان الشرط الذي وضعه أبو حسين كي يبقى الصغير عندهم ، ولو علموا بأني عرفتمكان ولدي ، لما سمحوا لهم بإبقائه أبداً.
- مدام دعينا نعود الى التفاصيل التي حدثت فيما بعد ، أقصد هل هناك حوادث معينة حصلت أثناء وجودك قريبة من عدي صدام حسين ، حوادث يمكن أن يكون لها مدلولات معينة مثلاً؟
- نعم سأقول لك ، ذات يوم استدعاني عدي الى مقر اللجنة الأولمبية وحين دخلت الى مكتبه رأيت رجلا أفريقيا ، يلبس ملابس غريبة ، ويتكلم بطريقة غريبة أيضاً ، كان عربياً ، أو ربما هو يتقن العربية بشكل جيد ، أشار لي عدي بأن أجلس فجلست وصرت أراقب الرجل وهو يتحدث ، كان يتحدث عن شيء له علاقة بالسحر وتحضير الأرواح ، وكان يمسك بيده صورة أحد الأشخاص ، حاولت كثيرا استراق النظر لأعرف صورة من كانت لكني لم أستطع ، كانت قياس الصورة صغيرا، ولذلك فلم أستطع تمييزها بشكل واضح لكنها كانت صورة رجل ، ثم طلب عدي من الرجل إخراج الأرواح الشريرة مني ، اقترب مني ذلك الرجل وبدأ يردد كلمات لا معنى لها وطلب مني أن أردد بعده ، امتثلت للأمر فلم يكن بإمكاني الرفض ، ظل ذلك الرجل يتلو تعاويذه قرابة النصف ساعة ، ثم ابتعد عني واقترب من عدي وهمس في أذنه شيئا ، فتغيرت ملامحه وقال لي : اذهبي لاأريد رؤية وجهك لمدة عشرة أيام ، حملت حقيبتي وخرجت راكضة ، لم أفهم ماذا جرى تماماً ، لكن وبعد عشرة أيام طلبني عدي الى المزرعة فذهبت .
- عفوا للمقاطعة مدام ولكن هل كنت تذهبين بمفردك ؟
- في البداية كان يأتي أحد لمرافقتي ، ولكن فيما بعد صار يتصل بي ويطلب مني المجيء الى أحد ألمكنة فأركب السيارة وأذهب، حين وصلت الى المزرعة كان عدي يجلس في الحديقة والى جانبه أحد معاونيه وفور وصولي أمر مساعده بمغادرة المكان ، ذهب المعاون وبقينا وحدنا أنا وهو قال لي ضاحكا : لازم أنت تسألين نفسك لماذا طردتك منذ عشرة ايام ، تعرفين قال لي ذلك الساحر الملعون بأني يجب أن أبتعد عن النساء فترة من الزمن ، وقال لي بأني يجب أن أبتعد عنك أنت عشرة أيام لأني يمكن أصاب بمرض خطير ، وأنا واثق أنك لا تريدينني أن أمرض ، أليس كذلك مدام ؟طبعا وافقته على كل ماقاله ، ولكني كنت في غاية الاستغراب للطريقة التي يفكر فيها .
- مدام هل هناك عادات معينة وغريبة عرفتها عن عدي خلال الفترة التي كنت فيها ، واعذريني للتعبير، عشيقته ؟
- عدي كان كله غريباً ، نمط تفكيره ، طريقته في الأكل وفي ( المعاشرة ، السيدة سلمى لم تذكر الكلمة لكنها لمحت لها تلميحا) يعني يتصرف بطريقة غريبة يلبس لباساً لاأدري كيف أصفه ، وهو لايكف عن توجيه الملاحظات للآخرين ، تصور حتى الى والده الرئيس ، دائما يرى في الناس أخطاء، ويحب أيضاً أن يتحدث عنه الآخرون في حضوره ( ذكرت سلمى بعض الحالات الغريبة التي كان عدي يمارس فيها الجنس معها ، قالت بأنه لامانع عنده من أن يقوم بذلك الأمر في السيارة أو علىالكرسي ، المهم أن يرضي نزوته ) .
- سيدة سلمى هل ظل صغيرك معك بعد أن أعادوه اليك ؟
- لا ياأستاذ ،أخذته زينب ، وغابت عني يومين ثم عادت ومعها الصغير ، وبعدها ظل معي ، وهنا بدأت فكرة الهرب تعود لتسكن تفكيري ، ماكان يجعلني أبعد هذه الفكرة عني هو افتقادي لصغيري لكنه الآن معي ، ولم يعد شيء يمنعني عن الهروب والخلاص من هذا الجحيم.
في الحلقة القادمة :
أبلغوني أنه مات ، فتجمدت في مكاني ،لم أعد قادرة على الحراك.
يتبع
في الحلقة الماضية كانت سلمى قد استسلمت تماماً لقدرها ، وقد روت لنا كيف شهدت واحدة من ليالي عدي الحمراء المجنونة ، التي تضم كل شيء وفيها حسب تعبيرها هي مايثير اشمئزاز أي إنسان ، سألتها عن شعورها بعد أن صارت عشيقة عدي صدام حسين ، وسألتها عن ولدها الذي لم تره منذ أسابيع، هنا لابد أن أقول بأن سلمى تحدثت واصفة بدقة كل ماحدث معها ، وكان يبدو عليها أثناء الحديث كمٌّ كبير من المعاناة والألم جعلني في الكثير من المرات أطلب منها أن تتوقف عن مواصلة الحديث ، لكنها كانت في كل مرة ترجوني بأن تتابع لأنها كانت تجد راحتها في سرد قصتها التي أصرت هي على تسميتها مأساة.
- تسألني عن ولدي وعن الأشياء التي تغيرت في حياتي بعد أن صرت عشيقة عدي كما تقول ، حيالتي كلها تغيرت رأسا على عقب ، صار لزاما عليّ أن أكون جاهزة في كل يوم يطلبني للذهاب الى واحدة من سهراته وحفلاته التي لاتنتهي ، يعني تصدق يمكن كل يوم كان هناك سهرة وكان عنده ضيوف .
- تقولين ضيوف ! هل يمكن أن تقولي لنا من هم هؤلاء الضيوف ؟
- ضيوف مختلفون كل مرة ، بعضهما عرب وبعضهم أجانب ، أذكر مرة أني رأيت أحد الأثرياء الأوكرانيين ضيفاً في مزرعة عدي ، كان الجميع مهتمين بالمستر نيقولاي كما كانوا ينادونه ، وقد فهمت من أحد الموجودين أن نيقولاي جاء لعقد صفقة نفطية كبيرة مع الأستاذ عدي ، وأن قيمة الصفقة تتجاوز ملايين الدولارات ، وبالمقابل كان نيقولاي يعرض عقد صفقة مع بعض المسؤولين العراقيين بوساطة عدي هي صفقة ألماس ، كان مايحدث يثير استغرابي كثيراً ، الأرقام التي كانت تذكر أمامي جعلتني أحس بأني أعيش في بلد آخر غير العراق ، ملايين الدولارات والشعب يكتوي بنار الحصار والجوع والقهر . ماكان يحدث كان يجعل الدنيا تسود في وجهي كثيرا ، وكنت أرجو الله دائما أن يلهمني الصبر كي أستطيع البقاء متماسكة حتى أتمكن من رؤية ولدي .
- مدام ألم تسألي عدي عن ولدك ؟ أقصد ألم تطلبي منه أن يسمح لك برؤيته وإبقائه معك ؟
- نعم حدث هذا ، مرة في الليل وقبل أن يغادر عدي البيت قلت له بأني مشتاقة لابني كثيرا وأرغب برؤيته ، صار يضحك وقال لي : الأيام قادمة فلا تستعجلي ، وكل شيء باوانه جميل.
- سيدتي قلت قبل أن يغادر البيت ، هل كنت تقيمين معه في البيت نفسه ؟
- لا طبعا ، لكن كان عدي يزورني في البيت مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا ، وأحيانا يأخذونني إليه حيثما كان ،مرة أخذوني الى شط العرب ، كان عدي موجودا هناك مع أحد الأثرياء الأردنيين في يخت كبير .
- الى شط العرب ؟
- نعم كان هناك على ظهر اليخت ، وكانت هناك مطربة أردنية معهما قال لي أديب بأن اسمها هو أسمهان .
- هل تتذكرين اسم الثري الأردني ؟
- أعرف اسمه الأول فقط محمود ، كان في حوالي الخمسين يضحك بلا توقف ، وكان يبدو أن المطربة هي صديقته ، فلم أر أحدا اقترب منها .
- هل كان هناك آخرون ؟
- لا فقط عدي والأردني والمطربة وأنا وبعض أفراد حماية عدي وأديب شعبان ، استمرت إقامتنا على اليخت ثلاثة أيام ، وعندما عدنا الى بغداد قال لي عدي : إذا عرف أحد بأمر هذه الرحلة الجميلة غيرنا فسأجعل رأسك يتدحرج مثل الكرة ، مفهوم حبيبتي .حتى لو كان السيد الوالد لاأريد أن يعلم أحد .قلت له : لم يحدث أستاذ أن فتحت فمي لأبوح بأي شيء ، فلماذا تنبهني هذه المرة تحديدا ؟. رد علي مبتسماً : لأن هذه المرة غير كل المرات ، هذه المرة مختلفة تماماً . ويمكن إذا أحسست أنك تسمعين الكلام بشكل جيد سأجعلك ترين الصغير ، هذا وعد .
- مدام ، كيف كنت تخاطبين عدي ، يعني كنت تنادينه باسمه أم أستاذ ؟
- في النهار حتى وإن كنا بمفردنا كنت لاأقول له إلا أستاذ ، أما في الليل فكان يحب أن أناديه عداوي ، يعني تصدق كان ينسى نفسه تماما في الليل ، تحس بأنه شخص مختلف ، يحب المزاح والضحك كثيرا ، ويطلب من القريبين منه أن يحكوا له نكاتاً ، وكان دائما يقلد طريقة الرئيس في الجلوس والكلام ، بعض مرافقيه كانوا لاينادونه أستاذ بل سيدي ، وكان هو يفرح بهذا ، مرة فرض على واحد من المطربين أن يغني له أغنية خاصة به ، يعني أن تكون الأغنية تتحدث عنه ، في اليوم الثاني جاء المطرب ومعه الفرقة الموسيقية ، وبدأ يغني :
وداعتك سيدي الأستاذ ماكو مثلك بالبلاد
هاي الناس تترجاك وجاية تكول عد عيناك
عدي فرح بالأغنية كثيراً ، وكافأ المطرب وفرقته مكافأة كبيرة ، في اليوم الثاني جاء المطرب يركب مرسيدس هدية من عدي وتغير وضعه ( طلبت من سلمى بإلحاح أن تبوح باسم ذلك المطرب لكنها رفضت ، وقالت بأنها تعرف أنه كان مضطرا ليفعل مافعله ، لأنه لو رفض ، لفقد رأسه ، أو لوضع في الرضوانية حتى يتعفن جسمه ) تعرف أستاذ مرة أخطأ أحد السائقين في نوع السيارة التي طلبها منه عدي فهو طلب منه أن يجهز البورش للخروج لكن السائق جهز المرسيدس ، أتعرف ماكانت عقوبته ، لقد أمضى أسبوعا في سجن الرضوانية ، وبعد خروجه أرسل الى القطعات العسكرية البعيدة جدا ، يمكن أرسلوه الى القطاع الشمالي .
- ولكن هل كان ذلك السائق عسكرياً ؟
- أغلب الذين مع عدي هم من العسكريين ويقوم باختيارهم أحد مساعدي عدي من القطعات العسكرية ، أو يقومون بفرزهم خصوصاً لصالح عدي ، وأغلبهم من تكريت ، تماما مثل مرافقة الرئيس وحرسه الخاص
- برأيك هل كان الرئيس على علم بما يفعله عدي في مزارعه وسجونه ؟
- الرئيس أكيد كان يعرف ، عندنا في العراق كانوا يقولون لايحدث شيء لايعلم به صدام حسين أجهزته الأمنية كانت تراقب الجميع ، كنا نعرف ذلك كلنا في العراق ، ولا يمكن أن يقوم عدي بكل أعماله دون أن يعلم به الرئيس ، وخصوصا أن أعمال عدي لم تكن سرية ، بل كانت علنية ،وكل الناس يعرفون بها ، أبناء الشارع كلهم يعرفون ماذا يفعل ابن الرئيس ، أتذكر مرة أن عدي كان غاضبا كثيرا بعد أن جاء من مقابلة مع والده ، وقد طرد في ذلك اليوم كل الذين كانوا موجودين ، وبقيت أنا جالسة أكثر من ساعتين دون أن يقول لي كلمة واحدة ، بعد ذلك طلب مني وبهدوء أن أتركه وحيدا وأدخل الى الغرفة الأخرى ، دخلت الى الغرفة ، وسمعته يتحدث على الهاتف مع قصي ، كان يقول له وبالحرف : أكلك صاح بوجهي مرتين ، كدام حسين . فهمت من ذلك أن الرئيس أنب عدي في حضور حسين كامل الذي كان عدي يكرهه كثيرا ، وأكثر من مرة كان يشتمه ، ويبدو متضايقا حين يذكر اسمه . كانت الأيام تمر ببطء عليّ وأنا أنتظر أن يسمح لي برؤية ولدي ، وفي إحدى الأمسيات وكان عدي في مزاج جيد ، قال لي : ها ألا تريدين أن تري ابنك ؟ صحت بفرح : أستاذ هذا الشيء الذي سيجعلني أسعد إنسانة في الدنيا ، قال بهدوء : غدا تحضره زينب ، وأنا أحب أن تكوني أسعد إنسانة في الدنيا . في تلك الليلة كدت أن أطير من الفرح ، أخيرا وبعد أشهر سأرى ولدي ، في اليوم التالي ومنذ الصباح الباكر ، فتح باب غرفتي وكنت نائمة ، فتحت عيني بتثاقل ، ورأيته كان يخطوخائفا باتجاه سريري وزينب تقف خلفه وتقول : اذهب هذه ماما ، اذهب حبيبي ، لاتخف ، حين أدركت أن هذا الصغير هو ولدي نهضت بلهفة احتضنته ، وقبلته على وجهه على رأسه ، على يديه ، على قدميه ، وكان ينظر إلي باستغراب ، قال : ماما انت عدت من السفر ، نعم حبيبي عدت من السفر ولن أسافر بعد هذا اليوم أبدا ، كان عمره صار أربع سنوات ونصف ، يشبه أباه رحمه الله كثيرا ، يعني العيون نفسها ، وتدويرة الوجه نفسها ،ولكنه كان طويلاً ، يعني الذي يراه يقول بأن عمره ست أو سبع سنوات ، قال لزينب : خالة زينب شفتي ، ماما عادت ولن تسافر مرة ثانية ، لن أذهب بعد اليوم الى بيتكم ، لأن أمي ستأخذني معها ، مع كلماته هذه بدأ الحزن يعود إليّ ، تساءلت بيني وبين نفسي : ولكن ماذا لو أن عدي لم يسمح لي بإبقائه معي ؟ ماذا سأفعل ؟ هل سأستطيع فرض رغبتي عليه ؟ يمكن أن يأخذ الصغير مني ولن يجعلني أراه بعدها ، لكني قررت أن أطلب منه هذا الطلب ، وألا أضغط عليه كيلا تكون ردة فعله عكسية،
- إذن مدام هل كان الصغير موجودا عند زينب طيلة هذه الفترة ؟
- نعم هذا ماقالته زينب لي ، قالت بأن قريبها ، وهو بالمناسبة إنسان رائع ، شهم ، وعراقي أصيل ، ساعدني كثيرا فيما بعد ، قريبها هذا الذي يعمل مع عدي أخذ الصغير ووضعه في بيته ، منذ سنة تقريبا ، ومن يومها وهو وزوجته وزينب يهتمون بالصغير أكثر من اهتمامهم بأولادهم ، تصدق أستاذ ، أحيانا طيبة الناس ومعدنهم الأصيل تنسيك أذى الآخرين ، وإساءاتهم ، يعني لولا وجود زينب وقريبها رمضان ، ماذا كان سيكون مصير ولدي ، أكيد أنه كان سيلاقي الأمرين في البيت الذي وضعوه فيه أول مرة .
- مدام ، ولكن ألا ترين معي أن يبقى طفلك يتذكرك بعد كل هذه المدة من الغياب عنه أمر غريب !
- نعم في هذه معك حق ،وأنا أيضا استغربت الأمر في البداية ، لكن زينب قالت لي بأن صورتي كانت دائما في الغرفة التي هو فيها ، وقد أفهموه أنني مسافرة ، وكل فترة كانت زينب تطلب مني صورة من صوري وكنت أعطيها دون أن تعرف السبب ، لأني كنت أظن بأنها أوامر عدي ، ولكنها اعترفت لي حين أحضرت الصغير بأنها كانت تريه الصور وتقول له بأنني أرسل له الصور والهدايا ، وقالت لي زينب بأن قريبها رمضان كان يشتري كل شهر هدية ويلفها بشكل أنيق ويقدمونها للصغير على أنها مني ، طبعا هذا المعروف الذي قدموه لي لايمكن أن أنساه أبدا ، وحين عاتبت زينب لأنها لم تخبرني عن مكان وجود ولدي على الرغم من أنني كثيرا ماكنت أسألها ، قالت لي بأن هذا كان الشرط الذي وضعه أبو حسين كي يبقى الصغير عندهم ، ولو علموا بأني عرفتمكان ولدي ، لما سمحوا لهم بإبقائه أبداً.
- مدام دعينا نعود الى التفاصيل التي حدثت فيما بعد ، أقصد هل هناك حوادث معينة حصلت أثناء وجودك قريبة من عدي صدام حسين ، حوادث يمكن أن يكون لها مدلولات معينة مثلاً؟
- نعم سأقول لك ، ذات يوم استدعاني عدي الى مقر اللجنة الأولمبية وحين دخلت الى مكتبه رأيت رجلا أفريقيا ، يلبس ملابس غريبة ، ويتكلم بطريقة غريبة أيضاً ، كان عربياً ، أو ربما هو يتقن العربية بشكل جيد ، أشار لي عدي بأن أجلس فجلست وصرت أراقب الرجل وهو يتحدث ، كان يتحدث عن شيء له علاقة بالسحر وتحضير الأرواح ، وكان يمسك بيده صورة أحد الأشخاص ، حاولت كثيرا استراق النظر لأعرف صورة من كانت لكني لم أستطع ، كانت قياس الصورة صغيرا، ولذلك فلم أستطع تمييزها بشكل واضح لكنها كانت صورة رجل ، ثم طلب عدي من الرجل إخراج الأرواح الشريرة مني ، اقترب مني ذلك الرجل وبدأ يردد كلمات لا معنى لها وطلب مني أن أردد بعده ، امتثلت للأمر فلم يكن بإمكاني الرفض ، ظل ذلك الرجل يتلو تعاويذه قرابة النصف ساعة ، ثم ابتعد عني واقترب من عدي وهمس في أذنه شيئا ، فتغيرت ملامحه وقال لي : اذهبي لاأريد رؤية وجهك لمدة عشرة أيام ، حملت حقيبتي وخرجت راكضة ، لم أفهم ماذا جرى تماماً ، لكن وبعد عشرة أيام طلبني عدي الى المزرعة فذهبت .
- عفوا للمقاطعة مدام ولكن هل كنت تذهبين بمفردك ؟
- في البداية كان يأتي أحد لمرافقتي ، ولكن فيما بعد صار يتصل بي ويطلب مني المجيء الى أحد ألمكنة فأركب السيارة وأذهب، حين وصلت الى المزرعة كان عدي يجلس في الحديقة والى جانبه أحد معاونيه وفور وصولي أمر مساعده بمغادرة المكان ، ذهب المعاون وبقينا وحدنا أنا وهو قال لي ضاحكا : لازم أنت تسألين نفسك لماذا طردتك منذ عشرة ايام ، تعرفين قال لي ذلك الساحر الملعون بأني يجب أن أبتعد عن النساء فترة من الزمن ، وقال لي بأني يجب أن أبتعد عنك أنت عشرة أيام لأني يمكن أصاب بمرض خطير ، وأنا واثق أنك لا تريدينني أن أمرض ، أليس كذلك مدام ؟طبعا وافقته على كل ماقاله ، ولكني كنت في غاية الاستغراب للطريقة التي يفكر فيها .
- مدام هل هناك عادات معينة وغريبة عرفتها عن عدي خلال الفترة التي كنت فيها ، واعذريني للتعبير، عشيقته ؟
- عدي كان كله غريباً ، نمط تفكيره ، طريقته في الأكل وفي ( المعاشرة ، السيدة سلمى لم تذكر الكلمة لكنها لمحت لها تلميحا) يعني يتصرف بطريقة غريبة يلبس لباساً لاأدري كيف أصفه ، وهو لايكف عن توجيه الملاحظات للآخرين ، تصور حتى الى والده الرئيس ، دائما يرى في الناس أخطاء، ويحب أيضاً أن يتحدث عنه الآخرون في حضوره ( ذكرت سلمى بعض الحالات الغريبة التي كان عدي يمارس فيها الجنس معها ، قالت بأنه لامانع عنده من أن يقوم بذلك الأمر في السيارة أو علىالكرسي ، المهم أن يرضي نزوته ) .
- سيدة سلمى هل ظل صغيرك معك بعد أن أعادوه اليك ؟
- لا ياأستاذ ،أخذته زينب ، وغابت عني يومين ثم عادت ومعها الصغير ، وبعدها ظل معي ، وهنا بدأت فكرة الهرب تعود لتسكن تفكيري ، ماكان يجعلني أبعد هذه الفكرة عني هو افتقادي لصغيري لكنه الآن معي ، ولم يعد شيء يمنعني عن الهروب والخلاص من هذا الجحيم.
في الحلقة القادمة :
أبلغوني أنه مات ، فتجمدت في مكاني ،لم أعد قادرة على الحراك.
يتبع
الصفحة الأخيرة
في الحلقة السابقة بدأت سلمى تدخل في تفاصيل تخطيطها للفرار من الجحيم الذي عدي ورجاله يضعونها فيه، فهي اتفقت مع صديقة لها تدعى تماضر ومع أشخاص آخرين على تدبير محاولة فرارها من العراق بحجة العلاج ، باستصدار جواز سفر لها ولولدها الصغير.
كانت قد عادت الى بيتها ليلا بعد لقائها تماضر وجمال ومصطفى والدكتور أحمد الدليمي وهم الأشخاص الذين قرروا تقديم يد المساعدة لها ، كانت فرحة ، سعيدة ، وقد استعادت ثقتها بنفسها وبالآخرين ، هكذا قالت ، وفور دخولها الى بيتها وقبل أن تهدأ وتخلد للنوم مرتاحة ، قرع الباب مرتين دون أن تجد الطارق وفي المرة الثالثة وبعد تردد ، اندفعت بسرعة باتجاه الباب وقامت بفتح الباب. واليوم تواصل سلمى رواية قصتها التي تصر على تسميتها مأساة .
حين فتحت الباب لم أصدق عيني ، كان يقف ضاحكا بطوله الفارع، و وو
-تقصدين عدي صدام حسين ؟
نعم ، عدي ، كان يضحك بهدوء ، وهو يبدو مخمورا تماما ، يعني أحسست من طريقته في الوقوف بأنه كان سكرانا ، ارتبكت ولم أعرف ماذا ، خوية ، أحسست بأني مقيدة تماما ، ولا أستطيع تحريك يدي ، ولا حتى قدمي ، حتى تنفسي أحسسته معطلا ، خفت خوفاً ليس له مثيل ، عدي صدام حسين بشحمه ولحمه ، وقوته وكل شيء ، يعني عدي صدام حسين يقف أمام بيتي ، ماذا أقول وماذا أفعل لم أعرف...
تكلم بهدوئه الشديد وقال : أنا أعرف بأنك وحيدة ، لذلك لن أزعل إذا لم تطلبي مني الدخول ، لكن غدا في التاسعة أريدك في مكتبي ، في اللجنة ، وأي تأخر يمكن أنا أزعل وأنا لاأحب أن أزعل منك ، أوكي. استدار وتركني أقف في مكاني لم ارد عليه لم أعرف ماذا حدث لي في تلك اللحظة ، يمكن توقعت أن يرسل لي أحدا ما لكن أن يأتي بنفسه ، فهذا مالم أتوقعه في حياتي .
لكن سيدتي ، هل يعقل أن يكون عدي طرق الباب مرتين واختبأ ، لماذا لم يكن موجودا منذ المرة الأولى؟
أستاذ ، هو لم يكن وحيدا ، كان معه ثلاثة رجال في سيارته ، وكانت وراءهم سيارة ثانية فيه اثنان ، يعني ممكن يكون واحد منهم هو الذي قرع الباب ، أقصد ليس ضروريا أن يكون عدي هو الذي قام بقرع الباب.
-وماذا فعلت بعد ذهابه؟
أول شيء قمت به هو الاتصال بتماضر وأخبرتها بكل ماحدث ، حاولت تماضر أن تهدئني ، قالت لي بسيطة ، نحن كنا متوقعين مثل هذه الأشياء ، لكن أهم شيء هو أن نبقى محافظين على هدوء أعصابنا ، سوف نواصل ما نريد القيام به ، دون أن نشعر الآخرين بما سنفعل ، ثم قالت لي بثقة اذهبي لمقابلته في مكتبه ،وحاولي قدر المستطاع أن تكوني عادية ، يعني جامليه حتى نستطيع تأمين جواز السفر ، وتهربين بسرعة ، كان كلامها مقنعا ،وفيه تفكير سليم أفضل مما فكرت أنا به ،فقد فكرت ألاّ أذهب الى الموعد في اليوم التالي وأن أحاول الاختباء ، لكن تخيل لو نفذت ذلك اين كان ممكنا أن اختبئ، اقتنعت تماما بكل كلمة قالتها تماضر ، وقد قالت لي قبل أن تغلق الهاتف : لازم تبقي قوية ، ولا تنهاري ، تذكري أن الحل قريب إن شاء الله . كلام تماضر أراحني كثيرا ، جعلني أهدأ قليلا ، يعني أكيد ليس مثل قبل مجيء عدي ، لكن الهاتف جعلني قادرة على النوم ، ممكن لأن تماضر تحدثت بموضوع السفر وهذا الموضوع كما تعلم بالنسبة لي هو حبل النجاة من الهول الذي أعيشه .
-ذهبت لمقابلة عدي في اليوم التالي ؟
طبعا ، في تمام التاسعة كنت أقف أمام باب مكتبه ، طرقت الباب فجاءني صوته من الداخل : تفضلي مدام ، تصور كان واثقا من ذهابي لمقابلته، فتحت الباب ودخلت ، كان دخان سيجاره يملأ الغرفة تماما،
وقفت على مقربة من مكتبه ، قال لي ممازحا : ولو يامدام ، أنت من أهل الدار ، تفضلي اجلسي ، لايوجد أي سبب لبقائك واقفة ، اختاري المكان الذي تريدينه واجلسي .
جلست على الكرسي القريب مني لم اشعر بشيء كنت أتحرك مثل المخدرة تماما ، تصدق، كنت أسمع صوت دقات قلبي ، كم هذا مخيف ، نظر إلي للحظات ثم قال : معقولة ست سلمى ، لماذا غبت عنا كل هذا الوقت ؟ يعني أدري الظروف كانت صعبة ، وفاة زوجك رحمه الله ، والترتيبات الأخرى التي تقومين بها ، أكيد كلها تشغلك عنا ، لكن تعرفين نحن نحب أن نطمئن على الناس الذين نحبهم . سكت وضحك ، ثم أدار قرص الهاتف وصار يتحدث بصوت منخفض لم أسمع كلمة مما قال ، تصدق حين قال الترتيبات الأخرى أحسست بأنه يعرف كل ما أقوم به ، وحين فتح باب الغرفة أيقنت بأنه يعرف .
-كيف؟
دخل الأستاذ ناجي وهو يحمل صورة كبيرة لي ، مع تماضر ، صورة قديمة من أيام المتوسطة .وهذا يعني بكل بساطة أنه يعرف بأن تماضر كانت تساعدني في مسألة السفر ، فتح عدي درج مكتبه وهو يضحك ثم أخرج جواز سفر وقال : ست سلمى معقولة أنت تعملين مع عدي صدام حسين وتطلبين من غيره أن يستصدر لك جواز سفر ، مدام تفضلي هذا هو جواز السفر الذي كنت تريدينه ، تفضلي ، قال جملته الأخيرة بغضب ، وكان ناجي خلالها يضحك وهو يراقبني وأنا أكاد أحترق في كرسيي ، ثم أضاف وهو يلتفت الى الجدار المقابل له : ست سلمى سأمهلك حتى يوم غد لتراجعي نفسك ، وبعدها إن لم تأت الى هنا معتذرة عن كل ماقمت به ، فلا تلومي إلا نفسك ، مفهوم ست سلمى ، ثم صرخ بقوة : ناجي ، أوصل المدام الى بيتها .
أخرجني ناجي من اللجنة ساحبا إياي من ذراعي بعنف ، وكان طيلة الطريق يردد : لايوجد أحد في الدنيا يمانع طلب الأستاذ ، هذا الأستاذ عدي وليس أي واحد آخر .
تركني ناجي أمام باب منزلي ، بقيت واقفة اكثر من نصف ساعة ، يعني مالذي يمكن أن أقوم به ، إنه يهددني بنفسه لم يرسل لي أحد رجاله ، هو بنفسه قال لي ، أين سأذهب وإلى من سألجأ ، قرعت الباب ففتحت لي المربية ، اتجهت مباشرة الى المطبخ ، أخرجت سكين تقطيع اللحم ، وقررت قطع شراييني .
قلت لها باستغراب:
-تنتحرين مدام ؟
نعم ، أنتحر ، لا يمكن أبدا أن أبقى أسيرة هذه الموت البطيء الذي يطبق على حياتي ، حين رفعت السكين الى الأعلى سمعت صوت ولدي يناديني /ماما/ هزني صوته من الداخل ، سقط السكين من يدي وسقطت أنا على الأرض ، صرت أبكي مثل الأطفال الصغار ، جاء الصغير الى المطبخ ، وصار ينظر اليّ باستغراب ، احتضنت صغيري وأنا انتحب وأبكي والمربية تقف قرب باب المطبخ تنظر اليّ دون ان تفهم ماالذي يحدث ، بعد أن هدأت قليلا قالت لي : مدام ، إن شاءالله خيراً ، لست بحالة جيدة .قلت لها بأني تذكرت المرحوم زوجي وهذه الحالة السيئة التي نعيش فيها ، هزت رأسها بدت غير مصدقة ، يعني كان معها حق ، قبل يوم رأتني أرقص فرحة ، والان تراني أبكي وأنتحب .
- ثم ماذا قررت مدام؟
قررت الاتصال بتماضر ، تقريبا بعد أكثر من ساعة من عودتي الى البيت ، فعلا اتصلت بها ، ردت عليّ أمها قالت لي بأنها ليست موجودة ، اتصلت بعد ساعة أيضا ، وردت أمها بأنها غير موجودة ، ظللت أتصل يمكن خمس أو ست مرات ، وكل مرة تقول لي أمها بأنها غير موجودة ، أخيرا قررت الذهاب الى بيتها لأراها ، كان لدي شعور بأنها تتهرب من الحديث معي ، حين وصلت الى بيتها فتحت لي أمها الباب، وكانت تبدو خائفة ،وأنكرت وجودها ، لكن إلحاحي جعلها تنادي تماضر ، خرجت تماضر من الغرفة الداخلية ، وكانت تبكي بحزن ، عانقتني وانهارت على الصوفة القريبة ، تركتنا أمها وحيدتين ، سألت تماضر عن السبب الذي يجعلها تبكي بهذه الطريقة ، قالت لي بأنها البارحة بعد أن أوصلتني الى البيت ، يعني بعد خروجنا من بيت جمال حيث التقينا مع الدكتور أحمد ، وحين وصلت الى بيت أهلها ، رأت سيارة سوبر غريبة تقف قرب الباب ، حين دخلت الى البيت رأت رجلا شكله مخيف يجلس قرب أخيها مرتضى ، كان يبدو أنه من رجال الدولة ، وفور دخولها قال لها أحمل لك رسالة آنسة ، بخصوص موضوع صديقتك ، إذا لم تتركي الموضوع فلن تري أخاك بعد هذه اللحظة ، شقيق تماضر كان في الأول الإعدادي ، طبعا الرجل ترك البيت ، حاولت تماضر الاتصال بمصطفى لكن زوجته قالت لها بأن جماعة من القصر جاؤوا وأخذوه ، وكذلك الدكتور احمد الدليمي ، وجمال شقيق مصطفى كلهم أخذتهم جماعة من القصر ، القصر يعني جماعة الأمن الخاص ، أو حماية صدام وأولاده .
- الواضح أنهم كانوا يراقبون تحركاتكم كلها مدام .
نعم هذا صحيح ، كانوا يعرفون كل مافعلناه ، هكذا قالت لي تماضر ، قالت بأن الرجل حكى لها عن خطتنا لترتيب مسألة السفر والمرض ، وكل شيء كل شيء.يعني كانوا يروننا ، تخيل رجعت الى البيت أول شيء فعلته هو أني قمت بطرد المربية أحسست بأنها قد تكون جاسوسة ، أو هي عينهم عليّ ، صرت مثل المجنونة تماماً أصرخ بلا توقف وكان الصغير ينتحب بالقرب مني ، لم أرد عليه ، لم أطعمه ، لم أغير له ملابسه ، تمنيت موته .
انفجرت سلمى باكية ، تنتحب ، ولم أعرف ماذا يمكن أن أفعل لها ،لقد بدت أمامي شبه منهارة ، وكأن الزمن عاد بها الى الوراء ، كانت كأنها تعيش الحدث للمرة الأولى ،نصحتها أن تنهض وتذهب لتغسل وجهها بالماء البارد ، لكنها رفضت ، وظلت تبكي ثم تابعت بسرعة وهي تجهش:
تصور بأني أم وتريد الموت لولدها ، لكن كان علي أن أتصرف قبل فوات الأوان ، حملت مااستطعت من الأغراض والألبسة وحملت صغيري وركضت مغادرة البيت كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلا ، الشوارع خالية تقريبا إلا من بعض السيارات والمارة الذين كانوا يراقبونني بفضول واضح ، أثناء ركضي سقطت من يدي إحدى الحقائب التي أحملها ، ولكني لم أرجع لالتقاطها كان كل همي أن أبتعد عن المنطقة بأسرها.
- ولكن أين قررت الذهاب؟
لاأدري ، صدقني لم أكن أعرف إلى أين أذهب ، كل ماكنت أفكر فيه هو الابتعاد بولدي عن المكان ،وبينما كنت أركض والصغير يبكي انتبهت الى وجود سيارة تتبعني ، كان فيها رجلان يضحكان.
- مدام ، قلت بأنك كنت تركضين ، فكيف انتبهت الى وجود السيارة وكيف رأيت الرجلين اللذين كانا فيها يضحكان.
حين أحسست بوجود السيارة توقفت ، ونظرت الى من فيها ، كانا رجلين ملتحيين ، تسمرت في مكاني ، والولد اشتد بكاؤه ، توقفت السيارة ونزل أحد الرجلين تقدم مني بهدوء ، وقال بصوت كريه : ها مدام رح نظل نركض وراءك كل الليل ، تفضلي ، اصعدي الى السيارة ، صعدت الى السيارة بكل هدوء ، وكأن قوة غريبة كانت تسيرني ، يعني لاأدري ماالذي حركني للركوب في السيارة .
-سيدتي ، لم تقاومي ، لم تصرخي؟
حتى لو قاومت أو صرخت النتيجة ستكون نفسها ، قررت الاستسلام ، لا عفوا أنا لم أقرر الاستسلام ، لكن لم يكن هناك سبيل للمقاومة ، تحركت السيارة ، وكنت أحتضن ولدي بخوف وذهول ، كنت مذهولة ، قال أحد الرجلين : أفضل شيء هو العقل ، لازمة تصيري عاقلة مدام ، الى أين كنت تريدين الذهاب ، صدقيني لو سافرت الى آخر الدنيا فسنعثر عليك ، هكذا قال الأستاذ ، إذا صارت في المريخ أحضروها ، ها هكذا أحسن أليس كذلك مدام ، لم أجب ظللت متمسكة بولدي ، قال الآخر : كان الناس الذين قمنا بالإمساك بهم بسببك سيموتون ، ولكن الآن سوف نطلق سراحهم ، هكذا أوصانا الأستاذ ، عندما نحضرك نطلقهم ، استجمعت قوتي كلها وقلت : ولكن الى أين ستأخذانني ؟ رد الذي يقوم بالقيادة : هناك بيت بانتظارك مدام ، لاتخافي كل شيء مرتب كما أمر الأستاذ ، ظلت السيارة تسير قرابة النصف ساعة تقريبا ، وصلنا منطقة خارج بغداد .
-هل يمكنك تحديد المنطقة تماما؟
لا، أولا كنت خائفة ، وثانيا لم أكن أنتبه الى الطريق ، خوية ، تصدق لم أنتبه اذا كنا اتجهنا الى الشمال أم الى الجنوب ، حين توقفت السيارة أنزلوني ، وأمسك بي أحدهما من ذراعي وسحبني بعنف حتى كاد الصغير يسقط من يدي ، صرخت : ابني . فجاء الثاني وأخذ الصغير الذي كان يبكي وينادي ماما،ماما
صرت أبكي ، ولكن لم يستجيبا لبكائي أخذا ذلك الرجل ولدي ووضعه في السيارة والولد يبكي ، ثم سحبني الآخر الى بيت كبير لم أكن قد انتبهت لوجوده حين وصلنا ، بدأت الكلاب المربوطة في حديقة البيت بالنباح بشكل مخيف ، كان الواضح أن عددها كان كبيرا جدا ، ظلت تنبح حتى صرخ الرجل الذي كان يسحبني : /بس ولاك /، فسكتت الكلاب كلها دفعة واحدة ، فتح الرجل باب البيت ودفعني الى الداخل ، صرخت : ولدي ، ولدي . صار يضحك عليّ ، وقال ساخرا : لا أنا لست ولدك ، ولدك راح الى البيت ياماما .أدخلني الى غرفة خالية من الأثاث ، ولم يكن فيها أي شيء ، فقط نافذة تطل على الحديقة ، عليها شبك معدني ، وخرج ثم أغلق الباب بقوة ، وتحرك مفتاح في قفل الباب ، فاندفعت وأدرت القبضة بعصبية ، وأنا أصرخ : افتح ياكلب ، افتح ياابن الكلب ، لكني لم أسمع صوتا ، بعد لحظات سمعت صوت إغلاق الباب الخارجي للبيت ثم سمعت صوت السيارة تتحرك مبتعدة .
- إذن تركوك وحيدة وذهبوا ، والصغير ؟
أخذوه معهم ، ظللت طيلة الليل أبكي ، وكانت الكلاب لا تكف عن النباح ، لم أستطع القيام بأي حركة ، ظللت واقفة قرب الباب أبكي وأضرب الباب بكلتا يدي ، لكن لم يسمعني أحد ، خارت قواي وسقطت على الأرض ، ولم أنهض إلا حين سمعت صوت زمور سيارة قوياً ، فتحت عيني ، فكانت الشمس تملأ الغرفة ، كان النهار قد جاء ، نهضت واندفعت الى النافذة ، وصرت أصرخ : ياناس النجدة أنقذوني ، النجدة ، لكن صوت السيارة بدأ يبتعد ، عدت الى البكاء من جديد ، وصار الوقت يمر ببطء شديد ، وأنا أقف على النافذة ، وأترقب أي شيء ، حتى لو كان الأوغاد أنفسهم ، المهم أني أردت الاطمئنان على صغيري .
في الحلقة القادمة :
قال لي : أريدك أن تفهمي أني أنا من يصدر الأوامر هنا
يتبع