صباح الضامن
صباح الضامن
4

التوافق بين ذاك الشارع الكبير الذي يحوي حكايا كبيرة وبين الممر المؤدي إلى بيت كفاح لطالما كان سرا أخفته الصغيرة في قلبها , فكم من مرة وقفت في آخر الشارع تخشى العبور وإلقاء أفكارها الحالمة في وضح نهاره ,وكم من مرة أجبرتها سطوة امتداده أن تعبث بقليل من كبريائه وتدوس عليه برؤى من صنعها قوية المنحى لتجد أنه غالبا ما يغلبها فتعود سراعا إلى ذاك الممر الحبيب حيث ألفته وألفها
حيث شقاوة الصغار وهمهات الكبار
حيث الأمان من جلد يد كبيرة غريبة على روحها الحرة المنطلقة في ليل أو نها ر
لكنها اليوم وتحديدا في هذه الساعة وهي ممسكة بيد الشيخ الجليل عبد الرحمن توقفت في أعلى نقطة في الممر وتحت مظلة بيت الجيران وكأنها تروم انكفاء من مطر مقبل أو تستدعي انسدالا لظلمة فالشمس باتت تحرق البرود الذي تتصنعه ....فما هو آت قد جربته!!
كم من مرة تعرضت لتعنيف من أختها الكبيرة علياء
علياء تكبرها بخمسة عشر عاما وتحل محل أمها في كل الأمور تقريبا
قوية الشخصية حتى لتخال أنها جمعت قلوب الأهل كلها وجسارتهم وصنعت منها فؤادا واحدا بقبضة واحدة تسير فيه مركب العائلة الذي كثيرا ما أوقفته أحلام الأب النهارية .....
تشظت نفس عالية كثيرا وكثيرا.وهي تحاول لملمة صدع هنا وهناك فخرجت منها ألف نفس ونفس ونسيت في غمرة الاجتماع مع الذوات أنها تعيش!
كل ما تملك في جيوب الآخرين , ثواني العمر لعلياء تعلو ببسمة أخ أو أخت وحلم علياء الذي كثيرا ما شاقها هو تحلق الجميع على مائدة الحب في بيت دفيء غذاؤها تلك الألفة التي كان الجميع يتشاطأ على سواحلها ولكن قلب البحر المعطاء لعلياء ترسو فيه سفن وسفن وتغرق فيه آمال سرية من روحها فلا تملك مرسى خاص براية خاصة
بل رايات كثيرة تنوء بسفينتها فتغرق علياء رايتها لتعلو بالغير
هكذا علياء ... وتلمحت كفاح ذلك ولكنها لا تجرؤ على الاقتراب فذلك القلب الكبير مدينة شامخة ذات مروج بحارس في يد علياء يمسك بقفل كبير رنينه قسوتها وطلسمه لا يفك ليخفي مرجا تغنى بحب فريد ......
علمت كفاح أنها على مفترق أيام حالكات ولم تخف ملامحها المرحة قلقا وإحجاما تنبه الشيخ عبد الرحمنليربت علىرأسها ويجلس وإياها على سلمة خشبية قديمة للجيران وليدور الحوار الجميل التالي بينهما :
- عرفت اسمك ياصغيرتي كفاح فهل تعلمين معنى اسمك ؟
لم تتبسم كفاح للسؤال رغم توقها لذلك فالشيخ لا يعلم أنها تقرأ يوميا من الشعر والقصص ما لايعرف وتعرف مفردات الحياة الأدبية من أفواه الشعراء والكتاب
ولكنها المنطلقة الجريئة فأجابت
_ كفاح يعني نضال يعني مواجهة
لمحت ابتسامة الشيخ الذي عقب قائلا
_ ويعني جهاد !!!!
اتسعت حدقتا الفتاة للكلمة فتذكرت بيتا من الشعر فسارعت بالقول
_ دقات قلب المرء قائلة له................... إن الحياة عقيدة وجهاد
هذه المرة الدهشة استعارها الشيخ ,وعلم أن البيت به خطأ ولكنه لم يبدها كثيرا ليسألها :
_ وماذا تقول دقات قلبك يا جهاد ؟؟؟؟؟
تبسمت كفاح لتغيير اسمها فأشرق وجهها الأبيض الجميل وتشرب قليلا بحمرة خفيفة وكأنها برعمة بيضاء توشحت بخطوط من شمس غسقية لتبدو أكثر جمالا
وأجابت مع مجاهدة بحبس الدمع :
_ تقول أنني هربت من عصا غريبة .......إلى عصا قريبة
وهنا دمعت عينا الشيخ وتمنى لو احتضن الصغيرة ولكنه احجم فتناول مصحفا أخضرا من جيبه وابتدأ يتلو بعضا من آي الذكر الحكيم وكفاح تطرق مستمعة ثم عاجلها بسؤال
- هل تصلين يا كفاح ؟
- _ أحيانا!قالتها بخجل
- _ متى ؟؟؟؟؟
- _ في الليل قبل أن أنام أصلي وفي رمضان
- _ وبقية الصلوات ؟؟؟؟؟
- نظرت كفاح إليه رأته متحمسا فأجابت بحماس آخر
- _ الجمعة !
- وتبسم ضاحكا فقال
- _ أو تريدين أن تتحملي العصا القريبة والغريبة ؟؟؟
- قالت كيف ؟
- ابدأي بالصلاة وادعي ربك أن يلهمك السداد في الأفعال والأقوال عند كل سجود _
- تمهلت كفاح على غير العادة بالاجابة فقد أحست بشيء عريب يعتري كيانها ورغبةفي البكاء ولكنها تجالدت كعادتها لتجيب بإ جابة ألجمت الشيخ
- _ يا عمي الشيخ أنا أريد ألا ترفع عصا في وجهي لا أن أتحملها !!!!!!
- يتبع
صباح الضامن
صباح الضامن
5
علم الشيخ عبد الرحمن أن من أمامه روحا حرة تستنفر ولا تقبل الظلم وعلم أنه قد عثر على كنز مخبوء في بيت عتيق عتق هذه الدنيا وممر طويل أصيل وخاف عليه أن يبدد
فأخذ بيدها الصغيرة وقال لها
- سنرى كيف ننتصر معا على جنود مخبوئين في زوايا خوفك
وانطلق بها إلى البيت
الباب مفتوح كالعادة لتفوح منه رائحة الياسمين والنعناع في حوض صغير بجانب مطبخ الأم
تقدم الشيخ إلى الباحة ونادى علىأم كفاح
ابتدأ العرق يتصبب من جبين كفاح واستغرق الجدل بينهاوبين ذاتها الحرة الصادقة
- ماذا سأقول لأمي وأختي ؟ كيف أحكي لهما القصة ؟ لن يصدقاني
سلم الشيخ على الأم التي كانت تنظر بإحراج إلى ابنتها وتخوف وقلق ليطمئنها الشيخ قائلا :
- لا عليك ياأم كفاح فابنتك الرائعة لم تفعل شيئا ولكنها أبدلت الذهاب للمدرسة بالدخول إلى الجامع فأتيت معها لأنها خافت من العودة إليكم .
لم يكن في قاموس الأم الطيبة مثل هذا ولقد ربت سبعة أفراد قبل كفاح صبيانا وبنات وما أتت ابنة بمثل ما تأت به كفاح
_ آآه تأوهت أم كفاح
وقع تأوه الأم في قلب كفاح و غارت شمسها في داخلها لتعتم وتلج في الظلمة الآسفة
_ أجاب الشيخ لتأوه الأم لا عليك يا أم كفاح . لاعليك الأمر بسيط بإذن الله اذهبي بنيتي وأحضري لي قليلا من الماء
ركضت كفاح إلى الداخل كطير وجل يشتكي عاصفة خارجا ظانا بحياطة في قلب البيت لتقع في إعصار كانت تتحاشه
يد علياء تقبض عليها
وغم سحاب الكفاح عند سماع أختها علياء بصوتها القوي وهي تهزها وقد قبضت على ذراعيها وجلست أمامها القرفصاء وواجهتها .كلما كانت كفاح تحاول أن تشيح بوجهها عن النظر في عيني أختها الواسعتين حتى ترى قبضتها تعيدها إلى الاستقامة لتضجر الأخت الكبيرة أخيرا فتصفع كفاح صفعة كريح قاسية سفنت على وجه الأديم .
وترتمي كفاح أرضا لتجد الحانيات الخضر في صدر أمها مدائن لها و تريد تبكي على صدرها
_ لا تدلليها يا أمي أما سمعت المديرة وما قالت ؟؟؟أما رأيت كيف وصومها ؟هل تحبين أن يقال عن ابنتك أنها تهرب من المدرسة ؟؟؟وإلى أين الله أعلم هذه المرة إلى الجامع ورحمها ربك ومن يدري هل سيصدق الناس ذلك .؟؟هل تريدين أن تضيع ؟؟
وابتدأ السيل الجارف من لسان علياء .هي تلك الجنود المخيفة التي خبأها لها بيتها الحبيب
ولم تكتف علياء بذلك بل أقتلعت كفاح من بين أحضان أمها لتبدأ بضربها صفعات تنزل عليها
وتتمنع الصغيرة من البكاء
لتصيح فيها علياء _ ولا تبكين أيضا !!!!! أو لا تشعرين بالأسى على ما فعلت ؟ هل تريدين فضحنا ؟؟؟
ويطرق الشيخ على الباب مستئذنا بالدخول وقد رأى كبرياء الصغيرة تتكسر على أعتاب القسوة مرة أخرى ولكن من يد قريبة
_ أتسمحان لي ؟
ونظر إلى كفاح ليراها مطرقة وقد تورمت خداها من الضرب وكان يتمنى أن تبكي حتى تنسكب الرحمة على النار المتقدة في خديها فتطفيء قليلا من حزن
ولكنها حتى لم ترفع عينها وتنظر إليه
وهنا سألها الشيخ أخبريهم بنيتي لم هربت ؟؟؟؟؟؟
ولم تجب كفاح
وعاجلتها علياء هازة إياها بيدها
_ هيا قولي !!!!! فقد أرحمك فامامك عذاب طويل
نظرت كفاح إلى أمها لطالما تمنت أن تأخذ هي زمام المبادرة لم تتركني لأختي لم لا تحرك ساكنا إنها تعرف أنني أحب المدرسة وتعلم تفوقي فلم لا تدافع عني لم لم ؟؟؟؟؟
أيتها الأم ..أمنوعة عن المؤازة الآن وأنا في أمس الحاجة
ولم تستطع علياء الكلام .......وحاولت لتحتبس الحروف في حلقها
وابتدأت تصدر أصواتا غير مفهومة فامسكت بحنجرتها وكأنها تشير إليهم لتقول لهم
وخرس سحاب الكفاح
يتبع
امل الامة
امل الامة
تابعي اختي الغالية

فانا متشوقة لباقي القصة

فالى الامام اختي الغالية

اسال الله لكي التوفيق
صباح الضامن
صباح الضامن
6-
لم تعد تلك الديمة الثائرة تندفق بألف قطرة وقطرة من ذاك الفم الصغير
استنجدت كفاح بكل قوة لها كي تخرج الحرف ولكنه فضل أن يقبع في داخلها هي هكذا دائما طليقة كرامتها الشامخة .
أي تفسير سيقنع !!!!! حدثت نفسها ؟؟ أي محاولة ستجدي الآن ؟؟ وما نفع الكلام وقد نالت من التعنيف مانالت ؟ فلتبقي يا نفس محتفظة بردك داخلك ولتتمردي بسكونك ثأرا لنفسك العزيزة ولتكن عباراتك ضرامة في القلب مختفية .....
واستمرت تعف عن البوح وتردد ....لن أقول !!!!!
ولن تكون حروفي نَفحة لها
سأصمت وأضم حزني لنفسي
ولكن ....... أمي الحبيبة
آآه سيلفها ظلمة الحزن على صمتي
وهذا الشيخ الكريم الذي صاحبها وسبح في طيب كلامه ورعايته , هاهو ينظر إليها وقد أنجمت عيونه رجاء مشعا .......فهمته وكادت أن ترق لقول وبوح بصوت عال فيأتي كلام أختها ليئد أولى محاولاتها
_ آه أتينا إلى الحيلة ! هل تظنين أنك ستنجين مم أنت فيه إن صمت ِ ؟ لا وألف لا سأحيل نهارك ليلا . سأربيك وستقومين بتنفيذ ما قالته المديرة : ستذهبين معي الآن وفي طابور الفسحة ستقفين أمام الجميع وتعتذرين عما بدر منك ولن أحرك ساكنا إن ضربتك المديرة فهذا أقل عقاب لك .
يا إلهي تقفزين من السور ....ثم تهربين من المدرسة لا أصدق أن لي أختا تفعل هذا أرأيتم ما فعلت ؟؟!!! أكاد أخرج عن صوابي .!!!!!!
وفوق هذا لا تبكين ولا تتكلمين ولا تعتذرين !!!!! هيا انطقي و لا تمثلي علينا دور الحمل الوديع .
(((حمل يُرهِـب ))) هكذا وصفت كفاح ذاتها
و أقبل الشيخ يمسح على رأسها وكان يعلم أن ماسيقوله سيثيرها أكثر ولن تستسلم فما رأى من ذاك الوميض المستقيم الصوب في العين لا يمكن أن يتبدد هكذا تحت وطأة الضغط بل له توجيه فريد كتفرده فقال لها :
_ بنيتي : ما فعلته خطأ وأنت بقرارة نفسك تعلمين ولكننا نسامحك ونساعدك إن أنت اعتذرت للمديرة هيا !
ماكان ذاك أمل كفاح من الشيخ وأحست بتحييد قلبها عن ميل راق لها في البدء فنظرت إليه وفي مرج العيون ألف برعم توافز يبحث عن إجابة
وتقدمت أخيرا عزيزة وهي التي تفهم الكفاح جيدا
نحيلة هي ....رقيقة في عينيها قلبها النابض تحتوي , وفي قلبها حكمة ساكنة تروي وأشرقت لما تكلمت كعادتها :
_ يا أمي ...... سأذهب أنا معك بعد الفسحة , ولن تقفي أمام الجميع بل في مكتب المديرة معززة مكرمة وستتعتذرين عن خطئك وتفهمين المديرة أسفك , ولن أسمح ليد غريبة أن تمتد لك بسوء حتى لو كلفني الأمر أن تجلسي ببيتك .
و تبسم الشيخ مسرا في نفسه لهذا أنت يا كفاح هكذا .....
واستدارت الأم إلى علياء قائلة :
_ ارفقي يا حبيبتي ....فهي كفاح درة من بحر , كرامتها من كرامتنا وعلوها من علونا .
وهنا انهالت الدموع من قلب كفاح وتساقطت على أرض الحنان فمنه استقت وإليه ستسقي كانت تنتظر الفهم وتنتظر تلك الأمواج التي تسيرمركب ثائرا برفق ولين فاندفعت إلى أمها معانقة و لم تتوقف عن البكاء لتحتويها تلك بكل حب الدنيا وكل رفق .
وتخرج علياء مغاضبة
وتنطلق عزيزة أم كفاح مع ابنتها الصغيرة يرافقهما الشيخ إلى مدرستها حيث المواجهة مع المديرة


يتبع
زهــرة الشــعر
قصة تستحق التشويق..
تابعي عزيزتي..:26: