عطاء
عطاء
ماشاء الله...تابعي..
الأدب برونقه يطوف بواحتنا..في تشوق لمعرفة النهاية...:26:
صباح الضامن
صباح الضامن
11
والد كفاح
رجل من عتق التاريخ نسي ابجديات اللهاث وراء مادة عصره , فعاش صاحب فكر في زمن التخاذل
ونسي عشق الدنيا فبسطت له أخيلة من تاريخ تقادم بين كتب الشعر وأقمار الكتاب وقوافي الشعار وجد فيها ملاذا من تعلل ليوم أفضل
تعيش كفاح السويعات القليلة التي يأتيها من عمله آخر الأسبوع في تحلق حول قلبه , حول عيونه وحول ما يجود لها به من مشاكسة أبوية لعفريتة العائلة كما يسميها
يحب فيها إنصاتها له وهو يلقي شعر البواسل والكواسل
يحب فيها اتقاد الذكاء وجمال الخلقة
ويطيب له مجالستها ولكنه الآن يرى غير تلك البسمة المشرقة الشمسية الوهج في شتائه , إنه يرى دموعا تسقي كفه الخشن من عمل الأسبوع المضني فيبادرها متسائلا :
_ مابال الحبيبة تبكي ؟؟ وأخذ يشاكسها لما رآها لا تتكلم
_ هل اكلت القطة أسنانك ؟
لا تحب كفاح أن يعاملها والدها كطفلة صغيرة فأبعدت يده بضيق :
_ أنا لست طفلة ؟
_ ويحك يا نور الدين قال الأب ممازحا أصبحت ابنتك عروسة لقد أكل عليك الدهر وشرب
أخذت كفاح تركض على السلم والدماء الخجلة لا تختفي من وجنتيها , هاربة من تعليقات أبيها المحرجة
ولحق بها قائلا
_ لا تهربي قبل أن أعرف السبب من بكائك , هيا انطقي !
_ لا شيء .. لاشيء
تمعن الأب في ابنته ليرى شيئا جديدا لم يعهده لقد ابتدأت كفاح تخفي عنه وهو الذي ظن أنها لا تفعل. إذا فقد كبرت فعلا منذ مدة, ولم يلحظ ذلك
وأجلسها أمامه متسائلا
_ أين كنت يا كفاح ؟
_ عند الشيخ عبد الرحمن
_ وماذا أتى بك مبكرة أليس الدرس ينتهي بعد نصف ساعة ؟
_ لن أذهب بعد الآن
قالتها كفاح وكأن عيونها سماء ممطارة حجبت بإصرار الغيم فمنعتها
غيوم كفاح رانت على قلبها فأقفلت الطريق فتكلفت كفاح الرضا بما لديها فلم تحاول أن تحارب لإبرازها حتى لا تسأل مرة أخرى عن سببها
وتعجب والدها قائلا لم يا كفاح هل أزعجك الشيخ ؟؟
لم تستطع كفاح الكذب ولا استطاعت بوحا
ماذا ستقول ؟؟؟؟؟؟؟
تعديت يا أبي حدودي وسألت الشيخ أسئلة خاصة ...
أم أنها ستقول له
لم أتعدها والشيخ الجليل عنفني , إنها لا تعرف حقا ولربما لا تريد مصارحة نفسها
كل ما تعرفه أنها لا تريد الذهاب وكفى
وبحكمة الأبوة فرد والد كفاح مظلة خيالية في سمائها وأخذ يحكي لها قصة حصلت معه في عمله وأن المدير أساء له حتى تحلف لن يعود
وبابتسامة المكر المعهود مع شقاوة الصبية الصغيرة قالت كفاح
_ أبي ...... لم يسيء لي الشيخ إنما أنا لا أريد الذهاب
_ تمهل الأب قليلا بعد فشل أول خطوة هو يعلم أن كفاح ترفض التواجد في القيد ولا شك أن الشيخ أصاب من هذه الروح الحرة شيئا فقال لها
_ قومي وتعالي معي
_ إلى أين يا أبت
_ إلى حيث أعرف ......... ألسنا أنا وأنت أدباء هذه العائلة ؟؟!!
تهلل وجه كفاح للتسمية وظنت أن أباها سيأخذها لمكتبة فقالت
_ بلى .بلى
_ إذن فهيا
أمسك نور الدين بيد ابنته وقبل رأسها لما رآها تقفز معانقة لروحه ورفع رأسه وكأنه امتلك طيرا شاردا بقولة حب
ومضيا إلى حيث ...........
يتبع



========

12


مضيا إلى حيث أراد الأب وقد أسر في نفسه أمرا
الطريق إلى السوق القديم المغطى كان من أجمل الطرق حيث تشتم فيه رائحة الخبز البلدي الأصيل وحلويات المدينة الشهيرة تخرج إلى الخارج كقرص الشمس المتربع أصلا في القلوب العاملة .
فترى عامل الحلوى وقد أخذ يمسك بطبقه الأرجواني يديره يمنة ويسرة حتى ينساب القطر منه ووجهه المحمر بحبات العرق المنسابة من وهج النار من أثر ذاك الطبق المائل حمرة الممتليء من القطر اللذيذ ...وابتسامة مشرقة إلى نور الدين تتبعها دعوة لتناول بعض منها فتتسمر الصغيرة لتأكل الكنافة الشهيرة
تحويلة لم ترق للأب ولكن كفاح أصرت على تناولها فانتظرها بصبر وحنان
لم تكن كفاح تخشى والدها بقدر خوفها من اختها الكبيرة فقد كان طيبا جدا كأنه نهر صاف لا يعكره شيء وما تلك الخطوط المهمومة في جبينه إلا من ظلم ذاقه من ذوي القربى , فتعكر صفو سيره ليلجأ هاربا للحلم بطيور تحمل في مناقيرها رزقا أسطوريا يعوضه عن نهب الكواسر لعش بناه .
وما ان انتهت كفاح من أكل الكنافة التي زادتها إشراقا حتى نبهها بضرورة الإسراع فقالت له متعجلة :
_ المكتبة يا أبي قريبة ولا تقفل فلا تخف .
تردد الأب في إخبار كفاح بما نوى من مواجهتها بالشيخ فلم يكن يعرف التفنن في الأساليب رغم حكمته إلا أنه ظن الأمر أسهل من أن يعمل فيه التفكير .
وبين تردده المعهود وبين خوفه من تفلت تلك الثائرة من قبضة يده وصلا إلى باب الجامع القديم وزكمت رائحة الخشب القديم المحبب أنفيهما
وانكمشت كفاح , وغارت أنجم كانت من قبل تشرق من عيونها لتتساءل بقوة
_ أبي ... لم نحن هنا ؟؟
وبحزم وبلا تكلف
_ سأرى الشيخ عبد الرحمن
_ لم ؟؟؟؟
_ أريد أن اعرف لم ستتركين درس الشيخ ؟؟
وقع في نفسها كلامه موقعا مؤلما وكادت شواردا أخفتها وبددتها أن تعود لكنها كبحتها لتقول له
_ لا أريد . وكفى
نهرها والدها ولكن برقة الأب الشاعر قائلا
_ سنرى لم ؟؟؟؟
أحست كفاح وأبوها يجرها إلى الداخل كأنها شاة تؤخذ للذبح
ستعمل فيها سكين حروف الشيخ ولن تنفذ من أقطارها حتى لو دخلت في كم معطف والدها أو تناثرت مع رشاش الماء الذي أخذ يتدفق الآن من بركة الجامع ساعة مرورهما
وأمام الباب وقف الأب وابنته ليسكب الشيخ من كرمه في إنائهما ويسلم على الأب بحرارة ويرمق الصغيرة
وتمهل الشيخ حتى فاتحه الأب كالسيف دون مقدمات ابتدأت تظن كفاح أن حده في رقبتها فتسارعت دقات من قلبها
_ ياشيخنا الفاضل بادر الأب , كفاح لا تريد أن تتابع درسك وأنا أتمنى معرفة السبب
مفاجئة صراحة الأب ولكنها كوضح النهار وزرقة السماء في يوم صيفي
فأجاب الشيخ
_ أولم تسألها السبب
_ لا
_ إذا فلنترك لها القول
وهنا تخاطر قلب كفاح المتمرد مع عقلها أيهما سيكسب
قلبها يسلم لها القياد بثورته الصبيانية وعقلها يحاول ان يفوز
أتخبر أباها بأنها المخطئة وأن لسانها المنطلق لا حد يحد انبثاقه هو السبب
أم تخبره أنها لا ترى من التبسط مع الشيخ سوى المعرفة
شيء في نفس كفاح لم يستقر كأنها تلك الشجرة المتناثرة أغصانها لم تهذب بعد تحاول ان تحمل ثمرها وشيء ما يعيق نضج الثمرة
وبعين ناقدة متفحصة نظر الأب إلى ارتباك ابنته وهو يعلم ثقتها بنفسها فأدرك أن الأمر تعدى الشيخ ليلقى في نهرها الصغير
فكان لا بد ان يحتوي ارتباكها ويوجهه ويمنع إحراجه وإحراجها
لا بد ان يحميها من تلك النظرات الزائغة الهاربة من سرب متناسق لصفاتها الوثابة
فقال متعجلا
_ أنا أثق بقرار ابنتي واعلم أنها لا تقول إلا ما يصلح لها وقد كنت أتمنى أن تبقى في صفوفك ولكن لا بأس لربما في فرصة أخرى وجزاك الله خيرا
وما أن هم الأب بالخروج حتى استوقفته كلمات كفاح
لتعلمه أن ثقته بها ستتعدى الآن إنقاذا من إحراج فقالت :
_ كما علمتني أبي ..... سأظل وأعتذر لك يا عمي الشيخ فقد علمني أبي ألا أكابر في الحق وأن أعترف بخطأي وعلمني أن أقف بشجاعة أمام خطأي وأراجعه وأقر به
علمني أن أنتصر على كل معركة في داخلي وألا أحرج نفسي أو غيري
أنا آسف لأني لم ألتزم معك بأدب التلميذة ولن أسأل أبدا إلا ما يخص الدرس فهل تسمح لي بالعودة إلى الصف
قالت هذه الكلمات وهي تنظر لأبيها الذي كلما تابع حرفا ازدهى وجهه الأبيض ولمحت تناثر البريق في عينيه الزرقاوتين كأنهما سماء مشرقة
ولم تكن كفاح تقول ذلك اقتناعا بل لتحمي والدها من إحراج فقد انتصرت على قلبها الصبياني النزعة ليحكمها عقل القلب أيضا
فقال لها الشيخ وقد فطن لما خلف الاعتذار ...................

يتبع

13
تنبه الشيخ عبد الرحمن لما تفعله كفاح وعلم انها تروم انقاذا لأبيها من إحراج المعرفة فأراد لها تصد لنفسها الرافضة المتمردة وأراد لها درس حياة
وضع الأمور في نصابها
وأرادها أن تعي أنها ليست نتلك الطفلة المنطلقة خلف طيور السنونو ولا بين أشجار الياسمين
إنها تكبر وعليها أن تخضع القلب لأوامر العقل وتسير العقل في نسق مع القلب الشاب
كفاح الرقيقة رغم ما تبدو من تسلق لجبال قاسية في سلوكها إلا أنها تخشى على من تحبه فلا تجرح ولا تسيء وتصنع قناعا من تحمل وهي تشكو تفردا يخصها وحدها فتحمل الغير وترفض حملا من أحد إلا من والديها .... وتتقن فن المناورة وتملك العناد الكبير لتحقيق ما تريد
رأت والدها من بين ثنايا الكلام يحاول أن يحتضنها , فقد عرف أنها تنقذه ولكنه لم يعارض لها حرفا فتركها تعطي لتحكي كيف أنها تعلمت منه فزاد افتخارا
لكن الشيخ لم يكن يريد لها ذلك وأشفق عليها أن تتخطى سنين عمرها إلى عمر الغير في مشاعرها وأراد لها أن تعيش تسامقها الطبيعي بتؤدة فتؤدي المعقول والمطلوب منها فانبرى قائلا :
_ أظنني يا ابنتي أرحب بك تلميذة في صفي مجددا ولكن لي شرط واحد
أو لنقل شرطان
أجمل ما في كفاح الاستماع عند الضرورة فلا تشرك اندفاعها أبدا في خضم بحور الغير
وأنصتت
_ الشرط الأول أن تقولي لوالدك عندما تعودين للبيت ما سبب تخليك عن الدرس مسبقا
أما الثاني وهو الأهم
أن تلبسي الحجاب
يا إلهي !!!!!!!!!
شيئان لم تتخيلهما
وسر الأب للثانية ورفع اصبعه في وجه الفتاة المطرق
_ نعم يا شيخنا وهذا أملي وسأعمل جاهدا لمساعدتها
أما كفاح التي ابتدأت معركة في داخلها لا تفقه فنون حربها الآن فعنصر المفاجأة سيطر عليها
هل أخطأ سهم الشمس الواضح الظلمة في نفسها
هل كان الطلب مفاجئا لدرجة عبث باتزانها
اعتلت في كل سنيها السابقة متن الحرية عابثة وراء الطير والشجر , سادرة بلا ضابط بتلامع في إطار يحيط بها كما السوار الذهبي في معصم لم يعرف الذهب سابقا ليزدان
كفاح لم تر الحجاب إلا على جدتها وأمها فهو للكبار
فغشى ضباب من جهل على قلوب زمنها المتراكض سريعا لتأت عاصفة قوية مصنوعة من عبارات الشيخ تبدد هذا الضباب وتقف ماثلة ناثرة حقيقة تاهت عنها وعالما لم تسبره
وعالما رفضته
ولتخرج من عند الشيخ وكأنه وضع على رأسها ثقلا كبيرا فكانت تمشي ببطء مطرقة تخشى أن يقع ما على رأسها فيتكسر
ولتأخذها زقاقات مؤدية لبيتها مشتها كثيرا وهي تركض خلف عربات الكعك والحلوى والكرز الأخضر
وزقاقات وهي تتسلق شجر الليمون الأصفر لتحظى بأكبر ثمرة من شجرة الجيران
وزقاقات وهي تسبق الرفيقات إلى أعلى الجبل حيث المقابر لتحكي وإياهم قصص الجن المخيفة , ولتطير بلا جناحين على أشجار الصنوبر الباسقة تكتب بجلاء الحب وسناء النقاء أنها كانت منقوشة بحرف الحياة على شجرها الكبير
لم تنضب عين ماء احتست منها وصحبها
ولم تكثر هموما تقاسمتها وهي تفهم لغة الطير ولون ريشه
وهي تعيش بلا سبي لروحها
فأي حجاب ذاك الذي يريد الشيخ أن تستر هذه الحرية فيه أي حجاب !!!!!!
وابتدأ الصوت من داخلها يرتفع قليلا قليلا ليحس والدها بهمهمات من شفتيها تعلو لتقول أخيرا .......


يتبع
صباح الضامن
صباح الضامن
للجميع
شكر من الأعماق على اللطف والرقة والمتابعة

وإلى من حملت حروفي وتابعتها بكل محبة ستبقى الحروف وسأذهب كغيري فدعواتكم أن تنفع بها
um_suhaib
um_suhaib
جزاك الله خير
باذن الله سننتفع بها
فتاة اللغة العربية
تابعي










جزاك الله خيرا على هذا الأدب الراقي