_17_
سألني عمي خالد " ما هي خططك ؟؟"
كنت طوال اسبوع أفكر في خططي .. فقلت له باقتناع "سأرتاد معهد كمبيوتر وسكرتياريه .. ومن ثم سأبحث عن وظيفه .."
"ألا تريدين انهاء دراستك الجامعية ؟"
"لا .. لا أريد الدراسة .. أريد فقط أن أعمل فقط .. "
فكر عمي قليلا ثم قال " اذا اذا تعدت نسبتك السبعين وظيفتك ستكون مضمونه لدي"
فرحت كثيرا .. ووافقت على شرط عمي ..
وبذلت جهدا مضاعفا في الفصل الثاني . .وكنت لا أفكر في شيء سوى دراستي ..
" فاطمه .. لن تصدقي . أنا حامل !"
نظرت إلى زوجة أخي منال .. وفرحت كثيرا .. قلت لها فرحة
"هل سأصبح عمة ؟؟ "
" أجل "
فرحت كثيرا أحسست أن روتين حياتي سيتغير ..
جلست بقرب مريم وساره وكانت مها قد استأذنت لتذهب إلى المنزل .. فاليوم زفاف أحد قريباتها وتحتاج إلى العوده للمنزل مبكرا لتستعد ..
قالت ساره " لاتعرفون مها .. أي حفلة زفاف تذهب لها كأنها تخصها .. "
علقت مريم " شيء جميل أن تكون لديها الرغبة والاستعداد لذلك .."
واستمرت مريم في التحدث مع سارة عن حفلات الزفاف والاستعدات بينما غرقت في حلم يقظة .. تصورت نفسي نحيلة وأن إحدى حفلات الزفاف التي يتحدثون عنها هي حفلتي وأن من سأزف إليه هو فيصل .. بوسامته الشديده وطوله الفارع .. يجلس إلى قربي وأنا في فستان أبيض يتلألأ وباقة من أزهار الربيع والتوليب الاصفر والأبيض بين يدي لا أحد هناك سواي .. وسواه ..
" فاطمه .. فاطمه .. "
عدت إلى واقعي إلى محدثتي .. كانت عينا مريم تحدقان في بغموض .. كأنها فهمت فيما أفكر .. قالت سارة
" ألم تنتهي بعد ؟"
هززت رأسي بلا .. "لن أنتهي أبدا ! "
عدت إلى كتابي بهدوء ولم تشأ أي منهما أن تجادلني في أحلامي ..يحق لي أن أحلم بما أشاء ..
مضت الشهور بطيئة .. لم يحدث فيها أي شيء سوى أنني ازددت تعلقا بمريم وساره ومها .. ولا أستطيع تخيل حياتي بدونهم ..
كانت والدتي غارقة في أنشطتها وزياراتها .. ولم أجد الوقت للذهاب إلى منزل عمتي .. فقد كان هدفي أن أحقق شرط عمي حتى لا أتعب في البحث عن الوظيفة ..
خرجت ذات ليله إلى الحديقة وكنت أمسك كتابي بيدي .. وحجابي حول رأسي ..وكان هناك .. يقف مع أخي مبارك ..
" فاطمة "
افتربت من أخي الذي ناداني قائلا " سأذهب لأرتدي ملابسي ابقي مع فيصل قليلا ! "
سألني ببساطة قتلتني
" كيف حالك فاطمة ؟؟"
" بخير .."
أكاد أقسم أن صوتي لم يكن سيخرج للحظات .. حاولت أن أركز نظراتي في كتابي .. لقد عاهدت سارة على عدم فعل ما يزيد الأمور سوءا ..
اقترب مني لينظر إلى كتابي .. كدت أفقد الوعي من قوة تسارع نبضات قلبي ..
" ماذا تدرسين ؟؟ "
أغلقت الكتاب ليرى عنوانه .. فلم يكن بي طاقه لأنطق كلمة وحده ..
" صعبه؟؟"
هززت رأسي بلا .. وكأنه شعر برفضي .. قال لي مستغربا
" لما أشعر أنك تغيرت منذ آخر مرة رأيتك .. ؟؟"
أغمضت عيني وتماسكت نفسي .. كانت صوته يحدث شرخا في قلبي لمجرد سماعه كيف بعتابه ؟؟
" لم أتغير .. مبروك .. "
"ماذا ؟"
"مبروك .. أنت ومنى .. مبروك .."
أخيرا نطقتها .. لا أعرف من أين جاءتني القوة .. لكن نطقتها .. لأنهي فصلا فاشلا في حياتي ..
قال وقد كان صمته قد طال " أتقصدين خطوبتي لمنى ؟؟ .. شكرا أشعر أنك متوترة .. لم تكوني هكذا عندما تكلمت معك آخر مرة .."
"لست متوترة .. فقط احاول أن أركز .."
وأشرت لكتابي المغلق !!
جاء مبارك وقال " لنذهب "
قال فيصل مودعا " ادرسي جيدا يافاطمه .. "
هززت رأسي ايجابا .. وتناهى إلى سمعي كلامهما
فيصل " مابها فاطمة ؟أهي حزينه أو قلقه ؟؟ ؟ "
مبارك " لاشيء .. انها فقط خجولة وحساسة جدا .. لاتشغل بالك قد تكون قلقه بسبب الامتحانات . "
التفت فيصل في تلك اللحظة ليلوح لي بوداعا .. رددت عليه بابتسامة مقتضبه ... ولوحت بيدي بدوري ... يا إلهي أنه يعلم بوجودي .... ولم أستطع كبح دموعي .. تبا للحب .. تبا للسمنه .. تبا لك يا .. قلبي !
جاءت نتيجة امتحاناتي ... جاء أخيرا حصاد تعبي طوال الاثنى عشر سنه الماضيه .. أخيرا حصلت على نسبة 72%
مما يعني أن مجموعي كان عاليا في الفصل الدراسي الثاني .. لم تكن أمي جنبي .. كانت مسافره كعادتها .. حتى جدتي سافرت لترى شقيقتها في الامارات .. لم يكن أحد بقربي سوى منال التي ازداد وزنها بسبب حملها ..
بكيت فرحا .. وحزنا لأني لم أجد أحدا لأشاركه فرحتي .. لم أستطع منع نفسي من التوجه إلى منزل عمتي واخبارها .. فرح الجميع لي .. منى وصافيه وعبدالعزيز .. وعمتي التي بكت فرحا لأجلي ...
مرت أشهر الصيف ... وازدادت علاقتي ببيت عمتي .. لكني كنت لا أذهب يوم الجمعة ... لكي لا ألتقي بفيصل .. عادت جدتي ... وأصبحت أبقى معها كثيرا .. ازدادت زياراتي لساره ومريم .. ولم ترفض جدتي ذهابي أو تعارض فقط طلبت مني ألا أذهب من غير دعوه وألا أطيل البقاء .. وأن أستقبلهن بدوري
_18_
دناءه !...ومفاجأة !
أصبحت منال لا تخرج من المنزل بتاتا .. فقد ازدادت تعبا .. وأصبحت أخواتها يأتين إلى منزلنا طوال الوقت .. ولم يكن حجابهن محكما، كثيرا ما كانوا يرمين به مجرد دخولهن المنزل ... كانوا ثلاثه هيا و هدى وندى ..يأتينا بأبهى حله ... ولا يفكرن بوجود شباب في المنزل ! ...
أتين ذات مساء . وكانت الخادمة نائمة فاضطررت لتلبيه طلب جدتي وارسال العصير لهن .. اقتربت من الباب ليصلني صوت منال
" انها تذهب أكثر من مرة في الاسبوع إلى منزلهم .. أتوقع أنها تريد ايقاع عبدالعزيز بحبالها .. سمعتها مره تتكلم إليه عبر الهاتف .. انها لاتخجل ... أجل وسمعت جدتها تقول أنه من الأفضل لها لو تزوجت عبدالعزيز فشاب طيب مثله سيرضى بنصيبه ولن يتكلم ! "
رنت ضحكات شقيقاتها بلا حياء
عاد صوت منال لتتكلم "أخبرتكن أن تأتين الساعة الرابعه وليس الآن .. خرج كل الشباب .. ولن يروا أي منكن .. لقد سمعت أم زوجي تتكلم عن رغبتها في تزويج محمد .. أرجوكن إلتزمن بالخطة التي أخبرتكن إياها لا أريد أن يتزوج أي من أشقاء زوجي امرأة غريبه .. أريد أخواتي بقربي "
لم أستطع سماع المزيد لم أكن ممن يحبون التجسس . .. انسحبت بهدوء وأخبرت جدتي بأن منال ستأتي وتأخذ العصير .. سحبت نفسي بقوة إلى غرفتي وازددت غضبا من دناءة منال وكيف تطلق عني الشائعات !! بقيت كل كلمة نطقتها تدور في رأسي .... كل قصة حبكتها بدناءتها تسخر مني !!! يا إلهي ... يا إلهي ...
أككل هذا يدور من حولي ولا أعلم ؟؟ استسلمت للبكاء لضعفي وعدم امتلاكي للجرأة في الصراخ عليها ومواجهتها في كذبها .. عبدالعزيز؟؟؟ ...يا لمخيلتكن الواسعة ...
لكنني اعتزمت شيئا واحدا ... لن أدع أي من أخواتها تتزوج بأخي ... لذا واعدت سارة ذات يوم في احد المجمعات وطلبت من محمد ايصالي .. كانت سارة تقف منتظرة قرب أحد المحلات الشهيرة .. أشرت إليها وقلت لمحمد "تلك صديقتي تستطيع الذهاب وسأعود معها .. "
نظر إليها محمد بإعجاب ..
سارة فتاة جميلة تملك من المميزاات الكثير .. بالتأكيد سأرغب بها كزوجة لأخي .. كنت قد فكرت في مريم .. لكن مريم ذكرت لي مرة عن رغبتها في السفر إلى الخارج ... وإكمال دراستها ..
قال لي " عرفيني عليها "
قلت له بحزم " إنها ليست من ذلك النوع .. "
صمت ولم يتكلم .. اقتربت منها أكثر فرافقني إلى أن وصلت إليها .. فقال باحترام "السلام عليكم "
"وعليكم "
التفت لي وقال " سأذهب .. مع السلامة "
نظرت إلى أخي الوسيم وهو ينصرف .. باحترام .. ثم نظرت إلى ساره وشعرت كأن علامة استفهام ضخمة ارتسمت فوق رأسها ..
"ماذا حدث للتو؟ "
قلت لها مفسرة " هذا أخي محمد ... "
قالت بصوت غريب " فهمت "
"ماذا فهمت يا ساره عما تتحدثين؟؟"
قالت بذكاء أدهشني " أتعرضيني عليه ؟؟ ... أترغبين في أن يتزوجني ؟"
لم أستطع الحديث من دهشتي ... لكن ساره ابتسمت .. وقالت " فعلت مها نفس الفصل معي منذ شهر .. "
" أعرضتك على أخوها ؟؟"
" لا بل على خالها ... لكني لم أرض فهو كبير بالسن .."
" ومحمد "
" لا أعرف .. لا أريد أن أعلق آمالي .لا أعرف مالذي أوحى لكن أنني أبحث عن زوج .... لكني لن أغفر لك جرأتك .. لهذا سوف تدفعين ثمن تذاكر السينما والعشاء .."
" لا أمانع "
واتجهنا لنأخذ مانتاوله خلال الفيلم ..
عدت للمنزل لأفاجأ بمحمد ينتظرني ..
" كيف حالك ؟"
" بخير وأنت ؟؟"
" لست بخير .. منذ رأيت صديقتك وأنا أفكر بها .. ابنة من هي ؟؟ أخبريني عن كل شيء عنها "
صدمت لردة الفعل السريعة التي رأيتها لدى محمد .. أخبرته كل شيء عن سارة وشخصيتها الرائعة .. والحنونة .. وأخبرته إن كان يفكر في فتاة أخرى لكنه اعترف لي بصراحة
" رأيت أخوات منال لكن لم تعجبني أي منهن ... لكن صديقتك .. شعرت أنها دخلت قلبي بسرعة .."
" حقا ؟؟ .. حب من النظرة الأولى "
" لا .. لكنني أفكر في الزواج .. على الأقل عقد القران .. لا أريد أن أفعل كما فعل مبارك الزواج سريعا .. أريد أيام الخطوبة وحفلة الخطوبة .. .. أريد أن استمتع بكل لحظة حتى يحين الزواج .."
صدمني كلام محمد وأخبرته مايجول في خاطري وذكرني نوعا ما بعبدالعزيز ..
" انك رومانسي نوعا ما.. لا بل كثيرا .. .."
" لا .. الفكرة هي أنني أحتاج على الأقل لسنة أو سنتين حتى أجهز نفسي للزواج .. حيث أنني مشغول هذه الفترة بالعمل ولدي الكثير من الدورات ولن أستقر في عملي لمدة سنة .. لكن لا أريد أن أمضي الوقت وحيدا .. أريد خطيبة .. "
" اذن سارة هي المناسبة لك تماما .. "
شعرت بفرحه من خلال قسمات وجهه .. ولا أعرف ..لكن خلال الأيام التالية حدث الكثير .. أصبحت خطبة محمد لسارة رسمية ..لم يمانع أبي أو جدتي التي أثنت على خيار محمد كثيرا خصوصا أنها تعرف سارة ورأتها أكثر من مرة .. وكانت أمي توافق جدتي رغم أنها لاتعرف ساره كثيرا !
أما أنا ففي قمة الفرح .. !! ...ستصبح صديقتي الرائعه سارة بالقرب مني ... وسأغيض منال !!
**********
كنت في غرفة سارة أحدثها عن محمد .. قالت بتردد ..
" لكني .. أشعر بتردد وقلق .."
حاولت تهدئتها " لماذا .؟؟ محمد لايريد الزواج الآن .. يريده بعد سنه أو سنتين .. ستتعرفان على بعض جيدا ... "
" أريد فعلا أن أكون بقربك .. وأشعر أن محمد يشبهك "
صرخت "ماذا ؟؟أتقارنين بين محمد وبيني ؟؟ محمد رشيق ووسيم شخصيته رائعه .. "
" هذا ما أقصده .. إن شخصيته يجب أن تكون جميلة كشخصيتك أنت .. أعتقد أنه حساس أيضا ! "
"حساس ؟؟ "
" أجل فأنت حساسة ورقيقة كثيرا "
" لا أعرف .. إن كان حساسا .. لكن شخصيته قوية جدا لدرجة أنه إذا لم يعجبه شيء يبين هذا وبقوة .."
" لادخل لهذا بذاك ... أنا فتاه طائشة أخاف أن أفعل شيئا يجرحه ..أو ..يسيء إليه "
"ساره ؟؟كلامك يحيرني .. عندما تتزوجان ستصبحان شخصا واحد .. وستتقبلان تصرفات بعضكما وعيوبكما .. فلايوجد أحد كامل .. وستبنيان امبراطوريتكما الصغيرة بغباءكما وحكمتكما ومشاكلكما وحبكما ..ستكونان قريبين من بعضكما البعض .. وستزول كل الحواجز .. "
ابتسمت سارة . وقالت " مايريحني .. أنك ستكونين موجوده .. بالقرب مني .يا أفلاطون !."
ابتسمت ووضعت ذراعي على كتفها " أجل لن يفصلنا سوى غرفتين .."
********
_19_
مرحلة جديدة ...
_________
أنهيت دورة السكرتارية . والكمبيوتر. شعرت بتغير كبير في حياتي .. ذهبت لمكتب عمي في وزارة الخارجية . وكان قد جهز لي وظيفتي .. ذهبت لأبدأ مرحلة جديدة في حياتي .. دخلت إلى مكتب عمي عبر سكرتيرته (شيرين ) ..
"أهلا .. أهلا .. بابنة أخي العزيزة .. أنا على وعدي .. لكن .. يجب أن تثبتي نفسك ."
شعرت بالخجل من ترحيبه " شكرا يا عمي .. إني فرحه لأنني سأعمل معك ... هنا ... "
جلست بعدما سلمت عليه .. قال بسرعه
" لدي عمل الآن .. لاتخيبي ظني بك ... أريد منك أن تستلمي السكرتارية بدل شيرين .."
أصبت بالهلع وخفت أنني قد تسببت في طرد شيرين
" وشيرين؟؟ "
"ستنتقل لفرع آخر بالقرب من منزلها كما طلبت مني .. لكنها لن تنتقل حتى تعلمك كل العمل الذي تحتاجين لتعلمه .. لدي الآن مراجعات ومعاملات .. اذهبي لشيرين واجلسي في المكتب المقابل لها .. ستبقى هي لمده يومين .. "
شعرت بالإرتياح وتمتمت بسعادة " شكرا يا عمي .. "
... قال مصححا لي بجدية " أستاذ خالد "
فهمت اصراره على الرسمية بيننا فقلت بهدوء " عن اذنك أستاذ خالد .. "
خرجت وأنا أشعر بطموح غريب .. سأثبت نفسي .. ولن أدع عمي يستطيع الإستغناء عني .. عدت لشيرين .. مددت يدي لأصافحها كبداية لتعارفنا" أنا فاطمة .. السكرتيرة الجديدة .. "
ردت بابتسامة مشرقة
" تشرفت بمعرفتك ... "
خلال الثلاث ساعات التالية عرفت الكثير عن عمل عمي ...وأوراقه .. ومن حسن حظي أن لغتي الإنجليزية جيده جدا فقد اكتشفت أن معظم مراسلات عمي تكون بين مكاتب خارجية من كل الدول أسبانيا وأمريكا وبريطانيا ... وعرفت نفوذ عمي الكبير في هذه الوزارة ...
ـ أتعبت يا فاطمة ؟؟
نظرت إلى شيرين التي بدت صغيرة في العمر رغم الشعيرات البيضاءالتي تخللت شعرها الكستنائي ...
" لا بالعكس .. إنني مذهولة فقط لم أتوقع أن أبدأ بهذه السرعة .." .
نظرت إليها وتجرأت على سؤالها " كم عمرك شيرين .. ومنذ متى تعملين لدى عمي "
أجابت في خبث "أهم الأشياء التي لاتسأل المرأة عنها ... عمرها .. لكني أقول لك أنني لوتزوجت وأنا في عمرك الآن .. لأصبحت لدي فتاة في عمرك .."
انها في منتصف الثلاثينات إذن .. فقالت متابعة حديثها " أعمل لدى عمك منذ عشر سنوات تقريبا .. انتقلت معه خلال ترقياته كان لايثق بأحد سواي .. "
" اذن لماذا الآن ؟؟ "
كانت تفهم معنى كلماتي ماسبب رحيلها .. لم يقنعني عمي بقوله أنها تريد عملا بقرب سكنها .. هناك سبب آخر
نظرت إلي شيرين وقالت " لسببين .. الأول .. أنه وجد أخيرا شخصا يثق به كثقته بي .. والسبب الثاني .. سأحتفظ به لنفسي .. "
شعرت أن هناك لغزا لاتريد شيرين الكشف عنه .. لكن لايحق لي السؤال .. شعرت بالخجل من نفسي وفي نفس الوقت بالإطراء .. أن عمي يثق بي ..ولم أعمل لديه بعد .. سأثبت استحقاقي لثقته ..طرق الباب فنظرت . كان يقف هناك الطيف الذي حاولت نسيانه طوال الأشهر التي مضت يقف أمامي وقد اعتلت الدهشة وجهه ..كما اعتلت المشاعر قلبي من جديد
" السلام عليكم ...فاطمة ماذا تفعلين هنا ؟"
توقف قلبي لحظات من نظراته وسؤاله ..وشكرت الله أن شيرين أجابت عني
" أنسيت يا فيصل ؟؟ ستحل محلي .."
" ماذا ؟؟ .. هل الأستاذ خالد موجود ؟؟ "
شعرت بغضبه من فكرة عملي لدى عمي وبان الإستياء على وجهه للحظة شعرت أنني احدى بطلات الروايات الرومانسية .. حيث يغار البطل على حبيبته و .. عدت للواقع ووجدت نفسي أحدق في الأوراق التي أمامي وفيصل يقف هناك منتظرا خروج شيرين .. من مكتب عمي ..
وشعرت بغباء لانهاية له !إلى أين قادتني أفكاري؟؟ كيف أمكنني أن أعود إلى هذا كله بعدما قررت الانتهاء من هذه الأوهام ؟؟ نظر إلي نظرة اخترقتني وقال بلامبالاة " متى ستعملين هنا ؟"
خرجت الكلمات من فمي بصعوبة " اليوم ..بدأت "
شعرت بالخوف .. نظراته كانت غاضبة أنه يعارض فكرة عملي هنا بالتأكيد ..
خرجت شيرين وابتسامة عريضة على وجهها
" تفضل .."
دخل فيصل وأغلق الباب خلفه .. نظرت إلى شيرين " ماذا يعمل فيصل هنا ؟؟ "
"فيصل ... انه مدير المكتب"
توقف قلبي للحظات .تذكرت أن هيا ابنة عمي الصغيرة أخبرتنيس مرة أنه يعمل مع عمي ..كيف نسيت ؟؟ . الحماس الذي بدأت اليوم به بدأ يتلاشى .. هل هذا يعني أنني سأراه كل يوم ؟؟ جزء من قلبي رقص .. وجزء آخر بكى ..
خرج فيصل من المكتب متجهم الوجه .. وقال " فاطمة هلا أتيت إلى مكتبي "
لكن عمي خالد خرج من المكتب وقال بلهجة جاده " فيصل .. انتهينا من هذا النقاش يا فيصل .. فاطمة عودي لعملك .. "
صمت فيصل وغادر المكتب غاضبا .نظرت إلى عمي أبحث عن إجابه فابتسم بود أراح قلبي .. وقال " تعالي .. "
تبعته إلى داخل المكتب .. وجلست على الكرسي للمرة الثانية اليوم
قال ساخرا " تعرفين .. شباب اليوم .."
" لم هو غاضب ؟"
"لا عليك منه .. وإن وجه لك كلمة واحده ... أخبريني بدون تردد .."
إذا .. هي غيرة الرجل الشرقية ... لايريدني أن أعمل في نطاق عمله .. لايريدني أن ...أن ماذا ؟؟ يا لأفكاري السخيفة ..
انتهى اليوم الأول عدت للمنزل أريد فقط أن أحدث سارة وأخبرها عما حصل معي .. طلبت رقمها فوجدته مشغولا .. ابتسمت وشعرت بالغيرة.. منذ عقد قرانهما .. سارة ومحمد يقضيان الوقت في الحديث الدائم ...شعرت أنه أخذها مني .. كنت دائما أجدها عندما أحادثها .. اتصلت بمريم .. التي ستسافر ثانية بعد أسبوع ..
" مرحبا "
"أهلا ... للأسف فاطمة لا أستطيع محادثتك الآن.. لدي مقابلة وسأذهب إليها .."
"مقابلة ماذا ؟؟"
" لا أعرف ... بالضبط لكني مضطرة للذهاب فقد تأخرت .. سأحادثك قريبا .."
أغلقت الهاتف وأنا أشعر برغبة قوية في الصراخ .. أريد أن أحدث شخصا ما عما في داخلي من أعاصير .. أعدت طلب رقم سارة .. لايزال مشغولا .. تبا .. عما تتحدثين أنت ومحمد كل هذا الوقت ..
شعرت بغضب وغيرت ملابسي ونزلت لجدتي لأجلس معها قليلا ..
عدت بعد نصف ساعة لغرفتي ..وطلبت رقم سارة .. لكنه لايزال مشغولا .. طرقت الباب الخادمة .. وأخبرتني أن هناك من يريد الحديث معي .. رجل ..
ارتديت حجابي ونزلت مستغربة من يكون .. دخلت الصالة كان يجلس لوحده .. والغضب يشع من عينيه جعلني أرتجف
"السلام .."
لم أكمل السلام حتى هب واقفا غاضبا
" ماهذا يا فاطمة ؟؟ لم تجدي مكانا للعمل سوى في مكتب عمي ؟؟ هل انتهت الوظائف ؟؟ألا تملكين أي ......"
تراجعت بخوف إلى الوراء وعرف هو أنه أرعبني بصراخه .. فإعتذر " لا أقصد أن أخيفك .. لكن .. ماذا تفعلين ؟؟؟ "
لم أعرف بما أجيبه ...إلتزمت بالصمت.. لا أريدأن أترك العمل .. وفي الوقت ذاته أريد أن أرضي فيصل بشتى الطرق .. لم أستطع أن أنظر إليه ولم أستطع تحمل الموقف فإنفجرت بالبكاء كطفلة صغيرة لاتعرف ماذا تفعل !...
"لانبكي فاطمة .. أرجوك لاتبكي .. لا أقصد أن أصرخ ..رجاء يا فاطمة رجاء .. "
استمراري بالبكاء كان رغما عني ... قال بلهجة هادئة جعلتني أبكي أكثروأكثر "لما لاتكملين الجامعة؟؟ لم لاتعملين في مدرسة ؟؟ عملك في مكتب عمي سيجلب المشاكل للجميع .."
لثانية نسيت كل آلامي ونسيت كل دموعي وفكرت باستغراب أيه مشاكل ..
لم يجبني انما قال بجدية وهو يقف ويبدو أن دموعي جعلته يتراجع عن موقفه " ان شئت الإستمرار ... فعليك ألا تغادري المكتب .. إن أردت شيئا إطلبيه مني .. لاتختلطي بباقي الموظفين لأجل مصلحتك .."
خرج وتركني في دهشة وذهول ... عدت لدموعي وركضت إلى غرفتي ... لا أعرف ماذا أفعل .. بكيت كثيرا .. ولكني خرجت بقرار لارجعة عنه " سأكمل العمل في مكتب عمي "
سأعانده ... لا لشيء ..فقط لمجرد العناد !
عدت اليوم الثاني إلى المكتب .. وجدت شيرين تنتظرني ..
"صباح الخير "
"صباح الخير ... سنبدأ اليوم في طريقة ترتيب الملفات .."
بدأت العمل مع شيرين وأنا أحاول أن أركز في ماتقوله ..
لكن كنت أنظر إلى الباب بين حين وآخر .. أخشى من نظرات فيصل وغضبه .. أو ربما أترقب دخوله بكل لهفة .. !
لكن مر ذلك اليوم دون أن أراه ...
وكذلك اليوم الثالث ..
غادرت شيرين واستلمت العمل بصفة رسمية .. وأصبحت مجتهدة في عملي .ولم أستطع محادثة سارة طوال الأيام الماضية..
كنت أطبع كتاب طلبه عمي مني على الكمبيوتر عندما دخل أحد الموظفين
" هل الأستاذ خالد موجود؟"
"لحظة"
دخلت إلى مكتب عمي أحمل الكتاب الذي طلبه وقلت له
" مساعد المدير عبدالرحمن ..يود مقابلتك "
"أجل .. أرسليه إني أريد أن أحدثه لاتدخلي أحدا ...."
خرجت وأخبرته أن عمي ينتظره . جلست على مكتبي أنهي أعمالي من خلال الكومبيوتر عندما دخل فيصل يحمل ملفا بيده ..أخيرا .. رأيته .. لكني تصرفت ببرود وكنت أعمل على الكومبيوتر بتركيز مزيف ..
"هل هو لوحده ؟"
رفعت رأسي وقلت " إنه يجتمع مع مساعد المدير عبدالرحمن "
توجه نحو باب المكتب ليدخل لكني لم أستطع منع نفسي " لحظة "
"ماذا "
"يجب أن أعلمه بحضورك "
ارتسم الغضب على ملامح وجهه .. وقال وهو يحاول أن يتكلم بهدوء " أنا مدير المكتب .. وحضوري مهم .."
قلت وأنا أحاول التظاهر بأني غير مهتمة بغضبه " طلب مني الأستاذ خالد عدم دخول أي شخص ..انتظر لدقيقة .."
رفعت السماعة ورد علي عمي " نعم"
" أستاذ خالد مدير المكتب السيد فيصل هنا "
" كنت سأطلبه .. أدخليه "
"حاضر .."
إلتفت بثقة إلى فيصل وقلت " تفضل "
نظر إلي نظرة نارية تحمل الكثير من الغضب والحقد ودخل إلى المكتب .. لكني عدت إلى عملي وحاولت تناسي نظرته تلك ..
ولكنني للأسف لم أنسها !!
خرج عبدالرحمن وذهب وبقي فيصل .ثم خرج بعد دقائق ونظر إلي . كأنه أراد أن يوبخني لكنه عدل عن ذلك وخرج.. فتح عمي الباب وقال بمرح " تعالي أيتها القطة المشاكسة .. "
ضحكت .. ودخلت قال لي "ماذا فعلت بفيصل "
"لم أفعل شيئا ..طلبت مني ألا يدخل أحد ولم أسمح له بالدخول دون إذنك "
"إنه فيصل ..مدير المكتب ... عندما يحضر مرة أخرى أدخليه ..فأنا أثق به كثقتي بك ..."
"آسفة "
نظر إلي بود وقال مبتسما
"لا ..لا تتأسفي .. يسرني أن يغضب فيصل بين فترة وأخرى ..أحب أن أتسلى برؤيته ينفث النار .. "
" يبدو أنه كان كتنين هائج مؤخرا !"
قلت هذا بعفوية فإنفجر عمي في الضحك ابتسمت بدوري فقال عمي.. "لم أكن أراه مؤخرا سوى غاضب ... أيتها القطة المشاكسة .. لنذهب للمنزل .. أصبحت الساعة الثالثة عصرا .."
" حسنا "
وفي الطريق إلى السيارة قال عمي بمرح " أتودين الذهاب معي إلى بيت عمتك أم عبدالعزيز ؟"
" أرغب في هذا "
وكنت أرغب في هذا فعلا ..فلقد اشتقت إلى صافية ومنى .. وعمتي ..وعبدالعزيز ..
وصلنا إلى المنزل بعد أن مررنا بإحدى المطاعم وحملنا غداءنا معنا .. كنت أحب حنان عمي خالد .. كان لايتوانى عن عناقي والدخول معي في أحاديث شيقة .. وودت كثيرا لو كان والدي بهذا الحنان ..كانت فرحة عمتي لاتوصف برؤيتي وعمي خالد ...لم يكن عبدالعزيز موجودا .. لكن قضينا وقتا ممتعا في الحديث مع عمتي وعمي .. ودخلت إلى غرفة منى التي قالت لي بهدوء " هل رأيت فيصل ؟"
"أجل .. "
" انه غاضب من عملك ..يقول أنه يرفض أن تكون ابنة عمه تعمل في مجال مختلط .بين رجال غرباء .لكني تشاجرت معه ..ان هذا سخيف ..انك تعملين مع عمي ..ومعه ..لايحق له بالغضب .."
لذت بالصمت ولم أعرف ما أستطيع القول .. أنزلت رأسي وقلت
" هل لازلتما متشاجران ؟"
قالت منى "لا .. لكنه لم يعد يكلمني في الموضوع وهو ما يخيفني ..لا أعرف ما رأيه "
قلت لها " لازال غاضبا ..وخصوصا بعدما حدث اليوم "
سألتني منى " ماذا ؟ ماذا حدث "
أخبرت منى بما حدث ولم تعلق .. لكني لا أعرف لماذا كنت أشعر بغضب شديد .. خرجت إلى حيث يجلس عمي وعمتي وكان عبدالعزيز قد انضم إليهما ,,,قال لي "ما أخبارك .؟"
" بخير .."
كان عمي وعمتي يتناقشان في موضوع جانبي بينما جلس عبدالعزيز بقربي وقال " أخبار عملك الجديد "
"رائع "
"رائع ؟؟ "
" رائع "
أكدت له ذلك بإبتسامة .. فقال "ماذا حدث لكوفي عنان ؟؟"
قلت "بعض الأحلام ..تبقى مجرد أحلام"
ابتسم وقال " أكملي دراستك ..أرجوك .."
قلت بعزم وتأكيد " لا .،...يعجبني عملي "
"لكنه لايعجب فيصل .."
كأنه كان يدرس ردة فعلي فقلت له في لامبالاة مصطنعة " لا يهمني ..فيصل .. مايهمني أن عمي يثق في قدراتي "
قال بسخرية "لكنك في السابعةعشرة !"
لم أرد أن أجيبه ..لكن نطقت عفويا " يحق لي أن أفعل ما أريد "
كعادته ..يعرف متى بالضبط أغضب ومتى يغير الموضوع فقال لي في مرح " ألن تباركي لي ؟؟ لقد خطبت لي صافية إحدى صديقاتها "
لا أعرف مالذي إعتلاني من مشاعر غريبة لكن قلت له " حقا ؟هل أنت صادق فيما تقول ؟؟"
قال لي في خبث " لا إني أكذب "
لم أستطع منع نفسي من لكمة بخفة على كتفه .. لكنه لسبب ما خلق لي أسئلة كثيره كرهت أن أفكر بها..
قال سائلا إياي " ماذا كان شعورك .."
"لا أعرف ..تفاجأت .."
لا أعرف معنى نظراته .. لكنه ابتسم ..
عدت ذلك اليوم إلى المنزل وبقيت اتحدث مع سارة على الهاتف طويلا ..حتى دخل محمد وغضب مني وقال
"دعيها تغلق الهاتف ..أريد أن أحادثها "
قالت سارة " أخبريه أني لن أحادثه طالما هو بهذا العناد "
"أي عناد .."
"أخبريه وحسب "
إلتفت إليه ونقلت له الرسالة فقال بغضب
" لن أرضخ لرأيها أخبريها هذا .."
خرج من الغرفة بغضب وعدت لها "مابكما ؟"
قالت " يريد أن نتزوج في الصيف ..وأنا أريد الزواج في الشتاء ! "
" جيد .فليكن في الخريف أو الربيع ...كلا خياراتكما سيئة "
"أنك على حق يا فاطمة ..."
" يالكما من زوجين "
قالت لي "فاطمة ..لم لا تتبعي حمية ريجيم حتى تفاجيء الكل في حفل زفافي "
لم أجبها نظرت إلى نفسي في المرآة ..وتذكرت ماحدث في زفاف أخي مبارك .. ملأتني الأحاسيس الغامضة ..تذكرت نظرات فيصل ...فقلت تلقائيا " حسنا !"

-20-
ريجيم ..........
ـــــــــــــــــــ
لازلت أتذكر صراخ سارة وسعادتها بقولي ..ومازلت أتذكر صمتي وتفكيري العميق ...
واستيقظت في اليوم التالي على رنين الهاتف نظرت إلى الساعة كانت الخامسة صباحا ..
هلعت ...وقفزت بسرعه "ماذا ! ماذا"
" صباح الخير فاطمة ..هيا ..لقد بدأت اليوم مرحلة جديدة ."
"سارة ؟؟ ماذا ؟؟"
كنت لا أزال أرتجف وكان صوت سارة كان باردا كالثلج منذ الصباح ..جاءني صوتها بكل ثقة ..
" جدولك لهذا اليوم .. اذهبي للمطبخ تناولي عصير برتقال فقط من دون سكر..ثم انتظريني عند الباب ..وارتدي ملابسك الرياضية أسفل عباءتك .."
لم أستطع سوى ترديد " ماذا ؟؟ماذا ؟؟"
أغلقت سارة الهاتف وأنا لم أستوعب بعد ماقالته ..عدت للنوم ..لكن لم تكن لدي أي رغبة للعودة للأحلام .ذهبت لأغسل وجههي وأغسل أسناني وأصلي صلاة الصبح ..
وبعد انتهائي توجهت للمطبخ وكنت قد ارتديت ملابسي ..سكت كوبا من عصير البرتقال .. كانت الخامسة وعشر دقائق ..وجدت جدتي تقف وهي مستغربة ..
"ماتفعلين يا فاطمة في هذا الوقت ؟"
" لاشيء .."
"إلى أين ذاهبة؟"
" أتوقع للرياضة مع سارة .. "
"في هذا الوقت ؟"
قلت باستسلام "لاتسأليني ..إنها سارة "
ابتسمت جدتي وسألتني "هل صليتي الفجر؟"
"أجل .."
عات لغرفتها تاركة اياي أواجه عصير البرتقال المر الذي أمامي .. وكم وددت أن أتناول فطورا شهيا .. ثواني واستمعت لطرق الباب توجهت لأجد سارة تقف وهي مبتسمة " لنذهب !"
"أين "
"لنمشي لمدة ساعة ..هيا .."
لم أتحدث معها طوال الطريق لثقتي بأنها متحمسة كثيرا للفكرة عكسي ...وصلنا برفقة السائق إلى شارع جانبي ..نزلت وأنا صامته ..وأخرجت ساره قنينة ماء وأعطتني إياها وقالت ...
"طول هذا الشارع 2 كيلو متر ذهابا وايابا ..سأجلس في السيارة وأدرس ...لدي امتحان بعد ساعتين ...لكني سأتبعك مع السائق في السيارة .. لا تخافي ..خذي .."
وأعطتني جهاز تسجيل صغير ..وقالت "بعض أغاني الروك لكي تزدادي نشاطا ! "
صرخت بعدما استوعبت حديثها "لوحدي ألن تمشي معي ؟؟"
قالت في هدوء "لا ... لا أحتاج للرياضه ..فجسدي مناسب ..اقطعي الشارع ذهابا وايابا لمده ساعه .. لكي نذهب .. "
أمسكت بقنينة الماء ووضعت المسجل على أذني وبدأت بالمشي ..استحملت أول ربع ساعه ..ثم بدأت بالصعب .. شعرت أن جسدي يصرخ بي قفي ...كل عضلاتي بدأت بالإنكماش ...فالرياضة عدوي اللدود ...وشعرت أن كل عضو من أعضاء جسدي يتهمني بالخيانه ..أردت أن أتوقف ..لكني لم أستطع .. بعد ربع ساعة أخرى شعرت بتعب شديد .. يا إلهي سأموت .. أريد الإتجاه إلى السيارة لكن سارة وقفت بعيدا .. حركت قدمي بتعب .. أريد الوصول فقط الوصول ,,فالمشي السريع أهلكني ..اتجهت للسيارة فنزلت سارة ونظرت إلى الساعه وقالت " بالنسبة لأول يوم ..سأجعلك ترتاحين .."
وددت أن أخنقها بأصابعي ... جلست بالسيارة ...وعندما وصلنا للمنزل ..رفضت النزول ..لا لسبب معين ولكن لأن قدماي خذلتني بشكل مريع فهي تؤلمني بشده ! ..
لا أعرف كيف وصلت إلى غرفتي في الطابق الثاني ..لكني أعرف أنني استغرقت وقتا طويلا لأنقل قدمي في كل خطوة ..وبعد حمام منعش استرخيت ...لا أريد الحركة ...نظرت إلى الساعه تكاد أن تصبح السابعه ..أرغمت نفسي مجددا على الوقوف وارتداء ملابسي والتوجه للعمل وأنا أكاد أبكي !
شعرت بعظامي تكاد تتفكك .. والجوع استبد بي ..لكني وعدت سارة ألا أكل سوى ما سترسله لي كإفطار .. وعند الساعة العاشرة دخل الفراش ليعطيني كيسا صغيرا .. كان به حليب أبيض ووقطعة خبز صغيرة محشو بجبنه بيضاء ...غضبت كثيرا لكن لجوعي الشديد تناولت ما أرسلته سارة .. وبينما أنا أتناول فطوري دخل فيصل وهو ينظر إلي نظرات لامبالية ودخل لعند عمي فورا ..سقطت الساندويش من يدي . ولملمت ما أمامي بيأس ...ووضعته جانبا ... كانت نظرته نظرة ازدراء أكثر منها لامبالاة .. ولكني
قررت في قرارة نفسي " سأبهرك ..وسأجعل نظرتك هذه تتغير إلى العكس تماما .."
عدت للمنزل .. لاجد الخادمة قد وضعت لي غداء وهو عبارة عن عصير برتقال ودجاج مشوي وصحن سلطة وكوب زبادي خالي من الدسم ..لم يكن هناك خبز لم يكن هناك أرز ! ابتلعت دهشتي ..وتناولت برفق ما أمامي ..وكل ثانية وأخرى ..أرى طيف فيصل بتلك النظرة .. فأكره الأكل أكثر وأكثر .. أتركه لدقيقة ..ثم أعود لتناول القليل ... رميت بجسدي على السرير ..وغبت في نوم طويل مزعج حيث كل عضلة من عضلات جسدي تؤلمني ..
أود أن أقول أنه مرت سته أشهر وأصبحت نحيفة جدا ورشيقة ..وجميلة وانتهى العذاب ..ووووو....
لكن ما أسهل الكلام ..وما أسهل الخيال ...استيقظت على رنين الهاتف في اليوم التالي ..كانت سارة ... إرتديت ملابس الرياضة بتكاسل ... وأعدت نفس الموال وخرجت معها .. وسارة تتفادى الحديث معي .. لكنها أخيرا نطقت ..وكانت كمن صمت دهرا ونطق كفرا ..
" سجلتك في نادي رياضي .. ساعة من الإيرووبيك يوميا لمدة خمسة أيام في الأسبوع "
وصمتت ...تجاهلت ردة فعلي ورفضي ... تجاهلت التعابير التي ارتسمت على وجههي ..وقالت دون أن تنظر إلي وهي تنظر إلى كتاب من موادها الدراسية
" اشكرينني لاحقا .ستبدأين اليوم كوني جاهزة عند الساعة الخامسة .."
"لكني أحتاج لوقت راحة بعد عملي "
قالت بجدية " لا .. الراحة هي عدو الريجيم الأول .. ليعتاد جسدك على التغير الجديد يجب أن تجبريه .. "
ولم تزد حرفا .. كي لا ندخل في نقاشات لاطائل منها...
ذهبت للعمل وأنا مليئة بالسخط والتعب والإرهاق ...وجدت على مكتبي جهازا لم يكن موجودا من قبل ..إنه جهاز تمزيق الأوراق ..
طرقت الباب ودخلت لأجد عمي جالسا ..
" صباح الخير .."
"صباح الخير يا فاطمة ... "
" مبكر اليوم يا عمي .."
" لدي أعمال ...لم أنته منها في الأمس ."
خرجت بعد أن استأذنت أحضرت لعمي كأس الشاي الذي يحب استفتاح الصباح به ..
" عمي .. لم جهاز تمزيق الأوراق ؟؟ "
رفع رأسه من بين ملفاته وقال " توجد بعض الأوراق سرية للغاية ولايجب أن تخرج من مكتبي سوى إلى سلة المهملات .. الجهاز لمكتبي هنا .. لكن أردت أولا أن أجهز له زاوية .. "
لم أعلق واتجهت إلى الباب لأخرج لكن عمي استدرك حديثه قائلا
" هل تعرفين كيفية تشغيله ؟؟"
" أجل .. "
كنت قد تدربت نظريا على كافة أنواع أجهزة المكتب في دورة السكريتاريه ..
فتحت الباب لأفاجأ بفيصل أمامي ..ليخطف نفسي برائحة عطره المركز ونظرته الغاضبه .. ابتعدت عن طريقه لأسمح له بالدخول .. وذكرت نفسي بوعدي ... لن أسمح بأي تخاذل أو... مها يكن ..
دخل دون أن يلق نظرة علي .. يجب أن أهين نفسي أكثر .. خرجت وذهبت لمكتبي .. وشيء واحد ليس على مايرام ..وهو قلبي ..
حاولت أن أشغل نفسي بترتيب المكتب ...لكن هناك شيء ما في داخلي يئن ...
خرج بعد دقائق .. وحمل جهاز تمزيق الأوراق إلى الداخل ..
لقد بدأت جديا أفكر بترك العمل .. لكن لم يهن علي ترك عمي بعدما فرط في سكرتيرته المخلصة ..
خرج مرة أخرى وألقى بخطاب وقال لي
" أعيدي كتابته ووجههيه إلى الوزير بعد أن يمضي عمي عليه ..بسرعه .. سآتي بعد عشر دقائق وأجده منتهيا ..
كان الخطاب بخط يد فيصل .. كلماته غير مفهومه سريعه و خطه في الواقع قبيح !
استلمت الكمبيوتر وبسرعة أنهيت الخطاب وطبعته .. وأرفقته بالمسوده وذهبت به إلى مكتب عمي ... الذي راجعه بسرعه وأقره ثم قال
" هيا لنجرب الجهاز .. مزقي المسوده من خلاله .. "
ابتسمت .. وبعد دقائق أنهيت ماطلبه عمي وأرشدته إلى الطريقه الصحيحة لإستخدام الجهاز ..
ثم طلب مني عمي ارسال الخطاب إلى الوزير .. ففعلت ..
بعد دقائق جاء فيصل غاضبا إلى مكتبي وقال
" لم مزقت المسوده وكيف أرسلت الخطاب دون تريني إياه ."
شعرت بمدى غضبه وقلت له " إسأل عمي .. سيجيبك .."
دخل إلى المكتب .. وسمعت صراخ فيصل ... وصوت عمي الغاضب ..
خرج عمي بعد دقائق ..
" فاطمة تعالي "
شعرت بوجود مشكله .. كان عمي غاضبا لكن ليس كغضب فيصل ..الذي بدأ في الصراخ علي
" كيف ترسلي الخطاب .؟؟ وتمزقي المسوده الوحيده .."
قال عمي غاضبا من أسلوب فيصل " أنا من طلبت منها ذلك كف عن توبيخها "
قال فيصل " أحتاج لنسخة عن الخطاب ... ضروري ..."
قلت أخيرا " لدي نسخة ."
نظر عمي إلي مرتاحا وفيصل مندهشا وصرخ " ولم لم تقولي ؟؟ "
قلت مدافعة عن نفسي " أني أحتفظ نسخة عن كل شيء أرسله بتاريخه والمستلم على جهاز الكمبيوتر .."
فوجئت بغضب فيصل يزداد ..
" ماذا ؟؟ إن هذه أسرار حكوميه تضعينها على جهازك هكذا ؟؟"
قلت وقد استبد الغضب بي " أنني أحمي الجهاز بكلمة سر .. "
صمت هو وابتسم عمي قائلا
" لا داعي لغضبك ..لقد حل كل شيء ..فاطمة خذي كأس الشاي ...و انسخي له من الخطاب نسختان ليطمئن عقله المريض!.. "
نظرت إلى الشاي ووجدته كما هو
"لم لم تشرب الشاي ياعمي ؟؟؟"
وقبل أن أجيب صرخ بي فيصل غاضبا" هذا ليس وقت الحديث .. هيا .."
خرجت حانقة من فيصل واتجهت للجلوس على مكتبي والشاي كان بيد .. فتحت الجهاز وأردت ادخال كلمة السر لكني فوجئت بشخص يقف بالقرب مني ..شعرت بأنني قد شللت تماما !
" هلا ابتعدت ؟ أريد أن أكتب كلمة السر "
قال بهدوء "لهذا أقف هنا .. أريد معرفة كلمة السر حتى لا أواجهه موقفا مشابهها في غيابك "
"لا ؟؟.لا ..لن أعطيك كلمة السر ! "
" لن أتحرك من هنا حتى أعرفها "
لم يكن لخوفي داع في موقف مشابهه .. لكن في هذا الموقف بالذات كانت أصابعي ترتجف وعقلي محتار .. وقد شعرت بإحراج شديد .. لا لشيء سوى أن كلمة السر ستضعني في موقف محرج !!
لا أريده أن يرى كلمة السر .. فكلمة السر هي اسمه (فيصل )متبوعا بكلمة إلى الأبد !!!
قلت بارتباك " لا.."
قال بثقة " لن أتزعزع من مكاني حتى أعرفها .."
شعرت بحيرة كبيرة وخانني التفكير .. ولم أجد حلا سوى ...
كأس الشاي الذي بقربي .. ولم أستطع منع نفسي سأتحمل العواقب ..سأتحمل صراخه وغضبه ..وسأتحمل حتى توبيخ عمي لي ...رميت بكأس الشاي على ملابسه بحركة بدت كأنها عفوية فصرخ وقفز إلى الخلف ..فطبعت كلمة السر بسرعة كبيرة .. وأغمضت عيناي لإرتياحي من التخلص من هذا المأزق واستعدادا للدخول في مأزق أكبر ..
رأيت عيناه استحالت إلى اللون الأحمر .. وكما قال عمي مرة إنه ينفث النار !! لم أستطع كبح ابتسامتي !! ولم أكلف نفسي عناء الإعتذار !
نظر إلي ولم ينطق بكلمة واحده ..دخل إلى مكتبه ...وطبعت نسخا من الخطاب .. وغيرت اعداادات كلمة السر إلى اسم صديقتي ساره ..
خرج بعد لحظات من مكتبه .. صدمت عندما رأيته بملابس جديده ..أين ذهبت بقعة الشاي الكبيرة ؟؟ قال بصوت يملأه الغموض
" يوما ما .. سأجد طريقة لأجعلك تبكين ألما ! "
ارتجفت ركبتاي ..واختفت الإبتسامة التي رسمتها على وجههي ..وبدأ عقلي في الكلام .." لقد فعلت .. لاتحتاج لطريقة لتؤلمني .. فبسببك ينزف قلبي حبا مستحيلا !.."
لم أستطع كبح دمعتي .. فأنزلت رأسي وادعيت انشغالي بما أمامي ، دخل لمكتب عمي لدقائق ثم عاد .. وقال وهو يشير لمكتب عمي وهو في طريقه للخروج
" يريدك "
لا أعرف كيف وقفت .. واتجهت بكبرياء إلى مكتب عمي الذي قال لي مبتسما
"من حسن حظك أنه يملك ثوبا في مكتبه .. فهو يبيت هنا في بعض الليالي ... "
قلت مستغربة " لم ؟؟"
قال عمي بثقة " ينتظر بعض الخطابات الهامة عبر الفاكس والتي لاتأتي سوى في وقت متأخر .. بسب فارق التوقيت "
جلست أمام عمي واستمعت إلى مايريد عمله اليوم ورتبت بعض مواعيده .. عدت للمنزل لأفكر بتعب بأحداث اليوم ..
أغمضت عيناي بعد أن تناولت الطعام الخالي من الطعم ! المسمى بطعام الريجيم .. ثم استيقظت فزعة على صوت الهاتف
"ألو .."
" هيا .. اخرجي .. ستصبح الخامسة "
"ماذا ؟؟"
"النادي هل نسيتي ؟؟ إني أنتظرك في الأسفل "
لم أستطع الإحتمال فبدأت في البكاء بعدما أغلقت الهاتف ..إنني متعبة كثيرا .. وللتو أتيت .. نزلت وأنا أرتدي ملابس الرياضه .. لأنتظر ساره حتى تأتي ..
خرج محمد وقال " أريد أن أحدثها إنتظري دقيقة .. "
وخرج ليلاقي سارة في الخارج ..يالهما من ..عاشقين !
_21_
الورقة البيضاء!
كانت تمرينات الإيروبيك أصعب من المشي .... كدت أصرخ كل عشر دقائق من الحركة ..
قالت سارة وهي تقف بقربي ولايبدو عليها التعب " ارتاحي .. وإشربي القليل من الماء .. ولا تطيلي الراحة قفي بسرعه "
فعلت ما طلبت وكان صعبا جدا .. عدت للتمارين الشاقة .. كانت المدربة متساهلة معي .. لكن شديدة مع الفتيات الأخريات .. وعندما انتهينا قالت إحدى الفتيات " غدا ستجعلك ترتاحين مرتين فقط وبعد غد مرة واحده لمده يومان .. ثم لن ترحمك لانها تعرف أن جسدك اعتاد التمارين "
قلت بكآبه " وأنا كنت سعيده لإعتقادي بأنها ستشفق علي في المرات القادمة "
ابتسمت الفتاة وقالت " ستعتادين الأيام الأولى هي المؤلمة "
عدت للمنزل مع سارة التي قالت لي
" لقد عرفت الطريق .. وسأتصل بك كل يوم .. لأتأكد من ذهابك "
"ألن ترافقيني ؟؟"
"لا .. لاتعجبني نظرات منال .. وأمي ترفض فكره قدومي يوميا إلى هنا .."
قلت لها " أنا سأصحبك .."
قالت بابتسامة حنونه " يجب أن تعتمدي على نفسك .. ثم إن أمورا كثيرا ستشغلني العرس الدراسة محمد ! "
ابتسمت وشعرت أن ابتسامتي جهد متعب " يبدو أن محمد حقق حلمه أخيرا ووجد من تحبه "
قال بخجل ملموس " أجل .. أحببته .. إنه حنون رائع ."
قلت بفرح " أنا متعبه لكن كلماتك جعلتني أرتاح قليلا "
قالت بهمس "ما أخبار فيصل ؟؟"
" لاجديد .. سوى أن اليوم قال لي بعد مقلب سخيف أنه سيجد طريقه لإيلامي "
قالت سارة بسخرية
"لايحتاج لذلك .. إنك تبكين ألما من وهمه .."
"إنه كما قلتي وهم ...وداعا"
نزلت وأنا أشعر بعظامي محطمه .. وقلبي محطم ..اتجهت لغرفتي أغرق في نوم عميق ..ولم أستيقظ سوى في اليوم التالي .. !
مر أسبوع وأنا أشعر أن عظام جسدي قد تحطمت .. وأنا أقاوم رغبة شديدة في الذهاب إلى احد مطاعم الوجبات السريعة وإلتهام طن من الأكل اللذيذ ..فسارة خلقت لي نظاما غذائيا فقير بالدهون والنشويات .. وهي ما أشتاق إليه بشده !
أصبحت لا أتحدث مع فيصل على الإطلاق ..وإن أردت شيئا بعثت له الفراش ...
قال لي عمي مرة " شيء واحد ندمت عليه ..هو قبولي بفسخ
الخطبة بين فيصل وابنتي ..."
وأخيرا فتح شخص ما الموضوع المحرم ..قلت له بفضول
"ماسبب ذلك يا عمي ؟؟لم فسخ فيصل خطوبته بحمده ؟"
قال لي عمي "السبب هو التعيس حسن ...لقد مللت من هذا الصبي ..ولا أعرف أين اختفى الآن ...إنه يدمي قلبي بضياعه ..لقد حدثت مشاده بينه وبين فيصل أدت لفسخ الخطوبة .."
"ماذا ؟"
"أجل .. لا أعرف ماذا قال حسن لأخته حتى تقرر رفضها لفيصل ...وبعد فسخ العلاقة اكتشفت حمده حقيقة الأمر ..وأن ماقاله حسن ليس بالشيء الأكيد وأن فيصل سجله نظيف ,..لكن فيصل استعجل وخطب منى...فندمت حمده على ماحدث ..ولاتستطيع أن تعود له بعد أن خطب ابنه عمتها ...فهي تعيش تعيسه الآن ...لايفارقها الحزن ..أما فيصل فانتقم لكبرياؤه ولقنها درسا ..."
لم تستطع فاطمة أن تصدق ماتسمع من عمها ..يا إلهي ..فيصل ..أنك معذب قلوب العذارى ... أيوجد فتاه أخرى في هذا العالم تشعر بما أشعر به بسببك ؟؟
قررت أن أعود مع عمي إلى منزله ذلك اليوم .. لأرى حمده .. جلست معها لدقائق ..كانت تسرح كثيرا .. ثم تعود لتعلق تعليقا قصيرا .. وأخيرا قالت لي " أنت تعملين مع أبي ؟؟"
"أجل .."
"مع فيصل ؟؟؟"
هززت رأسي بأجل ...قالت لي وهي تحاول أن تخفي عينيها تحت غرتها الكثيفة "كيف حاله ؟"
" لا بأس .."
لم أستطع أن أجيبها فقد كنت أبكي من الداخل .. قالت لي
" هل هو سعيد مع منى ؟"
لم يا حمده تعذبين نفسك ؟؟ ...قلت لها اجابة محايده
" لا اعرف ..: "
لكنني كنت أعرف ..أنه يحب منى ..ومنى تحبه ...قالت لي بهمس
" هل أئتمنك على شيء ؟"
هززت رأسي ..فقالت "اتبعيني .."
ذهبنا إلى غرفتها .. أخرجت ظرفا .ومزقت ورقتين من أحد الدفاتر ..وحشرتهما داخل الظرف ووضعته بين كفي ..
"" أرجوك ..أرجوك ...أوصليها لفيصل ؟ .."
هززت رأسي بحاضر ..
سألتها "ماهذه ؟؟"
كان سؤالي سخيفا للغاية ...قالت لي في يأس
"إن أردت قراءتها إقرأيها أنت فقط .. لكن لاتدعيها تقع بين أيدي أي شخص غير فيصل .."
لا أعرف لماذا سمحت لي بقراءتها ..قلت لها "هل أنت متأكده ؟"
"أجــــل .."
كانت حمده يائسة جدا .. قالت لي بعد دقائق وهي تبكي
"تقدم لي خاطب جيد ..وسأقبل به .. لكن كانت هناك كلمات أحتاج لقولها إلى فيصل ... لهذا .. كتبتها بهذه الورقة حتى أنتهي من كل شيء يربطني به وأبدأ حياة جديد .."
قلت لها وأنا أكاد أبكي "وإن أرسل لك ردا ؟؟"
قالت في ثقة "لن يرسل .. "
خرجت من عندها ذلك اليوم وأنا مستعجلة للعوده لقراءه ماذا يوجد في هذا الخطاب ... ولم أستطع الإنتظار ..فتحته وأنا في السيارة .
إلى فيصل ..
كبداية أعتذر عما بدر مني من سوء بالظن ..كان يجب أن أثق بك ..آسفة ..وفقك الله في زواجك من ابنة عمتي ..وادع لي بالتوفيق في حياتي ***** الله ..وما بدأناه بالمعروف سننهيه بالمعروف فلاضغينة بيننا بإذن الله أبارك لمنى وسأزورها يوما ما .. فقد رزقها الله زوجا صالحا .. أتمنى لكما التوفيق ..
أتمنى أن لاترسل ردا .فلتكن هذه الرسالة آخر رسالة بيننا ..
ابنة عمك .
لم توقع حتى بإسمها !! يا إلهي ..لم تشف هذه الرسالة غليلي ..رسالة لاتحوي شيئا سوى كلمات توفيق! صدمت كثيرا ..لم تشبع فضولي في معرفة المزيد عن خطبتهما الماضية .. ولم تذكر أي تفاصيل تستحق اللهفة التي كنت أشعر بها !! ..أعدت الورقة لكنني تذكرت تمزيقها لورقتين من الدفتر ..نظرت إلى الظرف لأجد ورقة فارغة لم أفهم المغزى .. أتكون بالحبر السري ؟؟ يالمخيلتي الواسعه!! أهي قصة لشارلوك هولمز؟؟انني مدمنة قصص بوليسية ..كدت أن أرمي الورقة الفارغة من السيارة .. لكني لم أفعل .. أعدت الرسالة إلى الظرف ... يا إلهي إنها الخامسة لدي اليوم ايروبيك ... وضعت الرسالة في دفتر مواعيد عمي ..وحشرتها في شنطتي .. أدفع نصف عمري لمعرفة لغز الورقة البيضاء ... لأنني رأيتها تمزقها على حده .. إن لها لغز ..
وجدت سارة تنتظرني هناك .بدأنا تمرينات الإيروبيك وأنا أكاد أصرخ من التعب .. كانت المدربة قاسية فعلا .. يا إلهي تمارين البطن عشرون مرة ؟؟ أكاد أجن .. ماذا تفعلين بي يا سارة إنك تعذبينني ..
شعرت بعضلاتي تكاد أن تتمزق ...
قلت لسارة ماحدث اليوم فقالت لي ساخرة "هل تعدين دكتوراه عن حياته السابقه .؟؟ أنا لا أفهمك يافاطمة ... لم تعذبين نفسك من أجل لاشيء ؟؟ لم ذهبت لحمده وشغلت نفسك بفصول غريبة من مراسلات العشاق ؟؟ لا أفهم ماذا تفعلين .."
لم تفهم ولن تفهم سارة أبدا مايملأ قلبي من مسودات ومشاريع وخطط أنا نفسي لا أعلم عنها!
عدت إلى المنزل وأنا أفكر .. إن حمده مسكينه .. بل غبية غبية كان بين يديها فيصل .. كان بين يديها .. رجل مثله تقبله المرأة بكل عيوبه ..بكل خياناته .. بكل سيئاته .. بكل مغامراته .. إنه..فيصل .. الرجل الذي اذا اشتعل غضبا أشعر بأني في قمة الحب .. فكيف سأتصرف إن اشتعل حبا ؟؟ ... كم أود أن أعرفه عن قرب .. كم أود أن أحفظ كل تحركاته كل همساته كل ابتسامة له في ذاكرتي لأسلي نفسي في وحدتي ..
أفقت من تفكيري لدى رؤيتي لأمي تنتظرني ..
"مساء الخير .."
"مساء الخير ..أين كنت ؟؟"
"في نادي الرياضة برفقة سارا .."
لمحت الرضا في ملامح والدتي ..وقالت بابتسامة عريضة
"ماذا ؟؟ رياضة ؟؟ "
"أجل ..إنني أرغب في خسارة بضع كيلو جرامات .."
اتجهت لغرفتي .. مررت بمنال ..
""كيف حالك .."
"جيده .. "
لكنها لم تكن كذلك .. منذ خطوبة محمد .. وهي منفعلة جدا .. يبدو أن الحمل يجعلها سيئة الطبع ..إنني أرى مبارك دائم السفر ..وهي تبقى وحيده في غرفتها أو في منزل والدتها ..
دخلت لغرفتي ..فتحت الثلاجة ..إنني جائعه جدا .. لكن لم يكن هناك شيء سوى طبق من السلطة .. غضبت كثيرا ... أغلقت الثلاجة .. رفعت سماعة الهاتف لأتصل بمحل البيتزا ليرسل لي بيتزا بالمارتديلا وجبن الموزيريلا .. .. وخلال عشرين دقيقة وصلت .. نزلت إلىالمطبخ للأتناولها .. حملتها واتجهت إلى أمام التلفاز ..لأتابع بشغف أحد أفلام باربرا سترايسند الرومانسية .. الذي يحكي قصة حبها مع مطرب مشهور وحولها إلى نجمة .. بكيت كثيرا عندما انتهى الفيلم ... يا إلهي .. لا أحد يشعر بالسعاده .. إلى الأبد .. .. نظرت إلى البيتزا ..وكنت قد إلتهمت نصفها .. وضعتها في الثلاجة ..وإستسلمت للنوم .. استيقظت في الصباح على رنين الهاتف وكنت قد اعتدت ذلك من سارة ..
"أخبرني محمد أنه رأى بالأمس سيارة البيتزا "
"يا إلهي ألا تنتهيا ؟؟ هل أصبحت محور أحاديثكما ؟؟ هل عينته ليتجسس علي ؟؟ "
"أتسمعين نفسك ؟؟ إنك تتخذين سياسة الهجوم أفضل وسيلة للدفاع .. هل تعلمين أنك بما تناولته قد خسرت تعب الأسبوع الماضي ؟؟"
قلت يائسة "إحتجت لأن أكافيء نفسي .. لقد خسرت 2كيلو جرام "
صرخت سارة بغضب " المكافأة عندما تخسرين 15 كيلو جراما ! هكذا كان إتفاقنا .أنني سأدعوك إلى مطعمك المفضل ومن ثم نستأنف الحمية .. ماهذا . .كلما خسرت اونصة كافأتي نفسك بالأطعمة الدسمه ؟؟ بيتزا ؟؟ بيتزا ؟؟ .."
أغلقت سارة الهاتف وكانت في قمة غضبها .. شعرت بالأسف على نفسي .. والإحراج منها ... أخرجت ماتبقى من البيتزا وأرسلتها إلى المطبخ ..كفى .. كفى .. ماهذا ؟؟
خرجت لأمشي .وذهبت الخادمة في رفقتي . وعاقبت نفسي بأن سرت ثلاثين دقيقة إضافية .. اليوم إجازة .. اتجهت بعد المشي الى المنزل .. جلست مع جدتي قليلا .. ورأيت والدي الذي لم أره منذ فترة طويلة ..
"كيف حالك؟"
"بخير وأنت يا أبي ؟؟"
"بخير .. سأخرج ..أخبري امك ."
"حاضر .."
خرج ولاحظت أن جدتي غاضبة منه .. قبل رأسها كالمعتاد لكنها لم توجه له كلمة .
سألتها والشك يملأني " ماذا هناك ؟؟"
لم تجبني جدتي وأشارت لي بيدها تصرفني .. قلت لها قبل ذهابي
"سأذهب لمنزل عمتي "
صرخت جدتي "لا ..:"
لم أفهم .. قلت "لماذا ؟؟"
لم تجبني جدتي سوى "لن تذهبي اليوم لمنزل عمتك ..ولانقاش في هذا الموضوع اذهبي لغرفتك .."
لم أفهم اتجهت لغرفتي وأنا أشعر بإكتئاب شديد ..ان جدتي مكتئبة ولاتريد ان تخبرني شيئا .. عدت مرة أخرى لغرفتي وأخرجت المفكرة وقرأت رسالة حمده مرة أخرى .. ونظرت للورقة البيضاء ..إنها تختلف عن ورقة الرسالة .. لم أفهم ...حدقت فيها لمده ساعة ..ولم أخرج بإجابة .. أعدتها إلى مكانها .. وأمسكت بإحدى المجلات لاقلب بين عروض الأزياء وأتحسر ..
_22_
بعد رفض جدتي ذهابي لمنزل عمتي بدأت الشكوك تساورني .. اتصلت بسارة .. وأخبرتها عما حدث .. ومن ثم أخبرتني بدورها أن مريم سافرت ... وسبب هذا صدمة لي
"سافرت ؟؟ كيف .. ولم لم تودعني ؟؟ "
قالت سارة "لا أعرف ,,اتصلت في منزلها وأخبرتني والدتها أنها سافرت منذ يومين .. "
صدمت ..لكني قلت لسارة " فعلت نفس الشيء في سفرها السابق ."
حزنت كثيرا .. خصوصا أن الأيام الماضية كانت سيئة جدا ولم أجد وقتا لأحادثها ...
"ألا يوجد لها رقم أو بريد؟؟"
"سألت والدتها لكنها قالت لي بغضب أنها لم تستقر بعد . "
استغربت حدوث ذلك ... ثم سألتها
"كيف حال مها ؟؟ "
"إنها مشغولة في حضور حفلات الزفاف .."
دخل محمد الغرفة ليقول لي بلهجة آمرة " أريد أن أكلمها ..أغلقي الهاتف "
صدمني ذلك قلت لسارة بعد مغادرة محمد " بدأت أندم لأني السبب في .."
"لاتقولي ذلك ... " قالت سارة ذلك بجدية ,,,
صمتت حفاظا على مشاعر ساره .. قلت مبتسمة " أعتذر إني فقط أغار منه !"
سمعت ضحكة سارة التي قالت "ستبقين أنت الأولى دائما .. "
ابتسمت وقلت لها "إنه ينتظرك .... أكلمك لاحقا "
أغلقت الهاتف واتجهت إلى غرفة والدتي لأجدها في مزاج سيء .. خرجت من هناك واتجهت لغرفة جدتي .. التي كانت في مزاج سيء .. مابال الجميع في مزاج سيء اليوم ؟؟ .
ارتديت حجابي واتجهت إلى الحديقة أمسكت بإحدى المجلات وبدأت أقلب فيها ..
"كيف حالك ؟"
رفعت رأسي ..كان عبدالعزيز .. ابتسمت له لكنه كان في مزاج سيء للغاية .. فقلت
" لم الكل في مزاج سيء ؟؟"
جلس إلى جانبي .. وقال وهو يمسح عينيه بيديه ويبدو كمن لم ينم منذ ليلتين "ألاتعرفين ؟؟"
استغربت من قوله " أعرف ماذا ؟"
قال بجدية لم أعهدها منه " لاشيء .."
"قل يا عبدالعزيز أرجوك .."
"حسن ..إبن خالي "
" حسن أبن عمي خالد ؟ "
" أجل ."
"مابه ؟؟"
"حادث ."
"مااااااااااااذا ؟"
وقفت رغما عني مد يده ليطمئنني " ليس خطيرا .. "
لم أستطع كبح دموعي " متى ؟؟"
قال " اهدئي .. اهدئي .. لاشيء خطير .."
"وعمي خالد ؟؟ كيف هو ؟"
" أنه متعب،لقد وضعوه في العناية وحاله خطره .."
صرخت بشده ..ركضت لغرفتي ولم يستطع أن يتبعني عبدالعزيز لكني خرجت بعد أن ارتديت ملابسي وقلت له " خذني إليه ."
لم يجب .. لكنه هز رأسه موافقا . وصلنا إلى المستشفى ليأخذني عبدالعزيز إلى غرفة الملاحظة .. لكني عندما دخلت لم أجد عمي ...بل حسن ملفلفا بالأربطه لاأحد حوله . قلت لعبدالعزيز
" أين عمي ؟؟ خذني إلى عمي .. "
قال عبدالعزيز متشككا" عمك في المنزل .."
اصبت بصدمة " لقد قلت أنه في العناية "
" لا .. حسن هو ..اعتقدت أنك أردت أن تزوري حسن ."
لم أجادل عبدالعزيز .. لكني سألته " لا أرى أحدا هنا..أين "
صمت عندما دخل الطبيب وأمر بخروجنا ..
" إنه في غيبوبه ..لن يميز أحدا إطلاقا .. أخرجوا .."
تبعت عبدالعزيز الذي قال "أنذهب لمنزل خالي خالد؟"
هززت رأسي بأجل .. ثم تذكرت أني لم أقل لجدتي عن خروجي مع عبدالعزيز .. طوال الطريق كنت أقاوم رغبة في السؤال ..لكني سألت أخيرا
"لم إعتقدت أني أريد أن أذهب لحسن ؟؟"
كنت أعرف الإجابة في زاوية من زوايا قلبي .. كنت أعرف أن عبدالعزيز يظن أنه هو من يحتل قلبي .. لا أعرف كيف .. لكنني كنت أعرف .. لكنني لم أستطع منع نفسي من السؤال ..
لم يجبني ..وطال صمته ثم بعد عشر دقائق قال
" اختلطت علي الأمور .. "
كانت اجابة دبلوماسية .. أدرت وجهي إلى النافذه ..لأرى انعكاس وجهي ..وعبدالعزيز غارقا في أفكاره عبر انعكاس الصورة ..
لا أعرف مالذي كان بيننا أنا وعبدالعزيز ..ربما صداقة بريئة .. أو أخوة صادقة .. وصلت لمنزل عمي وانضممت إليه حيث كان يجلس متعبا في مجلسه .. وحده .. ارتميت في حضنه (وخفت من أني كسرت ضلعا في جسد عمي الضئيل ..) ..
" مابك يا فاطمة .. لاشيء خطير ***** الله .."
"أنا قلقة عليك يا عمي .. "
"لاتخافي .. "
جلست وجلس عبدالعزيز إلى جانبي .. سألت عمي عن الحادث ومتى حدث فأخبرني أنه حدث مساء أمس .. في وقت متأخر .. عاد حسن من دولة أجنبية وبسبب الضباب اصطدم التاكسي بحافلة ضخمة .. توفي سائق التاكسي ولطف الله في حسن .."
دخل والدي بعد دقائق إلى المجلس وقال مستغربا " فاطمة متى أتيت ومع من ؟؟"
دخل أخي محمد في ذات الوقت وقال منقذا الموقف " معي .."
"اذهبي إلى الداخل .."
ذهبت مرغمة إلى الداخل بعد أن طلب أبي مني ذلك . بعد دقائق خرجت بعد أن أخبرني عمي أن أخي محمد يريدني .. دخلت إلى السيارة وعندما خرجنا من المنزل صرخ أخي " لماذا فعلت ذلك ؟؟ كيف تخرجين مع عبدالعزيز ؟؟ ولما لم تقولي لأحد ؟؟"
"كنت خائفة على عمي ..."
" من حسن حظك أن جدتي رأتك وأنت تغادرين وأرسلتني خلفك ..إنني لا أقبل منك أن تكوني غير مسؤولة هكذا .. "
لم أستطع أن أجيب .. قلت أخيرا وأنا أبكي ,,
"أنا آسفة .."
لم يجب أخي محمد .. لكنه مد يه ليقرص بها خدي ..
" أنا أثق بك ..لكن لاتعيدها.."
لم تقل جدتي شيئا .لكنها نظرت إلي نظرة لوم .. كان تصرفا لامسؤولا مني .. ..
رن هاتف غرفتي .. وعندما رفعته سمعت صوتا لم أميزه
" فاطمة ؟؟"
" أجل .. "
" أنا بنة ... "
لدقائق لم أصدق .. بنة ؟؟
" كيف حالك؟"
"بخير ... اتصلت بك لأطلب منك خدمة ."
استغربت اتصال بنه .. فرددت بشك
"خدمة ؟؟ "
*****
أغلقت الهاتف بعد خمس دقائق والذهول يتملكني .. ماقالته لي بنه .. خارج نطاق فهمي للأمور ..إتجهت إلى غرفة أخي ابراهيم .. دخلت ولم أجد أحدا هناك .. بدأت أبحث في الخزائن والأدراج لعلي أجد شيئا .. وأخيرا وجدت .. ظرفا صغيرا يحوي رسائل وصور ..أخذتها واتجهت إلى غرفتي .. قلبت الأوراق إنها جريئة جدا .. رسائل حب حقيقية .. أعطتني انطباعا عما يدور بين كل المحبين ..رسائل شعرت أن رائحتها هي رائحة الحب .. تبادرت إلى ذهني كلمات بنة ..
"أحببته جدا .. لكن سأتزوج ابن عمي .. ولم أقل له ذلك حتى لايغضب وينتقم مني بالرسائل والصور ..انها رسالتين وصورتين ... أريد أن تبحثي عنهما . وسأكون مدينة لك حتى آخر حياتي ."
وحين سألتها عن ابراهيم وماذا سيحل به أجابت في برود
"سيجد حبيبة غيري تحبه أفضل مني .."
لن أتحدث عن الجانب الأخلاقي لدى بنة .. فهو معدوم ..
نظرت إلى الرسالة وأعدت قراءتها ..
(( إلى حبيبي ) ) …
آه كم لهذه الكلمة وقع على نفسي ..
أغلقت الرسالة ونظرت إلى صورة بنة .. انها جميلة بالرغم من كل شيء .. وعدتها بأني سأمزق الرسالتين وأالصورة .. مزقت الصور .. لكني لم أستطع أن أحرق الرسائل في باديء الأمر .. نظرت إلى الرسالة لم أكن أعرف أن لبنة أسلوبا شعريا جميلا .. لكني مزقت_ الرسالتنين وأحرقتها على ضوء شمعة حمراء ..
نمت تلك الليلة وأنا أفكر في جرأة بنة .. وكيف تعرفت على ابراهيم ..لكني لم أتجرأ وأسألها .. هل هذه نهاية ألاعيبيك يا بنة ؟ أم أنها البداية .. !
وأغمضت جفني لأحلم بحلم غريب .. وعندما استيقظت لم اتذكر منه شيئا !!!!!
-23-
نظرت إلى الظرف الذي بيدي لم يأتي عمي اليوم .. فقد يخضع حسن لجراحة مصيرية كنت أدعو له في صلاتي .. فعمي خالد رجل رائع رقيق ..لايتحمل الصدمات ..
كان حلمي المستحيل وفارسي الخيالي يجلس على مكتبه .. ولم نتبادل اليوم كلمة واحده .. كان الصمت سيد الموقف ..نظرت إلى الساعة ..إنها العاشرة والنصف صباحا .. أود الوقوف والتوجهه إليه لكني تكاسلت ..فقدمي تؤلماني كثير .. لقد مشيت لمدة ساعة كاملة .. ولم أتناول شيئا حتى اللآن باستثناء كأس العصير الخالي من السكر حملت الظرف واتجهت لمكتب فيصل .. قلت له بهدوء ..
" كنت في منزل عمي مساء أمس ..وهذه رسالة لك .."
وضعت الظرف على طرف المكتب لكنه استوقفني
"ممن ؟؟ .."
" حمده .."
اتجه باتجاه الظرف ورفعه وأعطاني إياه وقال
" شكرا .. أعيديه إليها.."
شعرت بالإرتباك كدت لدقيقة أن أن أنسحب لكني قلت له
" ألن تقرأ مافي داخله ؟؟"
"لا .."
كان صوته بسيط هاديء .. أغمضت عيني لدقيقة وقلت مجازفة باهانات لانهاية لها قد يوجهها إلي
" لماذا ؟؟ قد يكون الأمر ضروريا .. إنها ..ستـــ…"
كدت أن أقول ستتزوج لكني فكرت لدقيقة واكتشفت مدى غبائي فقلت راجية
" أرجوك من أجلي .. "
نظر إلي نظرات لم أفهمها .. وقال " حسنا "
ابتسمت وأعطيته الرسالة وغادرت مسرعة .. أشعر أن عقلي توقف عن التفكير فعلا يا سارة إنك على حق ,, ماذا أفعل في توريط نفسي في هكذا موقف ؟ مالنهاية لهذا المسلسل الفاشل ..
رنين الهاتف أيقظني من أفكاري ..
" السلام عليكم "
كان صوت عمي
" وعليكم السلام .. كيف حالك يا عمي ؟؟ هل انتهت عملية حسن ؟"
"لا .. لم تنتهي بعد .. انني أنتظر هنا ..مالجديد ؟"
" لاشيء سوى بعض المراسلات الخارجية .. حولتها إلى فيصل ..وبعض المواعيد التي أجلتها إلى يوم آخر ."
"جيد .. "
شعرت بحزن عمي فقلت له محاولة أن أواسيه " لا تخف يا عمي .. ادع الله أن ينجي حسن من كل هذا .. "
" حسنا .. سأذهب الآن .. "
أغلقت الهاتف ولم أستطع كبح دموعي .. انهرت أبكي بصمت .
كان عمي يشغل كل تفكيري .. خرج فيصل ورآني في حالتي تلك.
"هل حدث لحسن شيء ؟؟ "
هززت رأسي بلا .. قلت بكلمات متقطعة "لايزال في العملية لكنني قلقة على عمي .."
لم يتكلم .. ولم يكلف نفسه عناء تهدئتي .. عاد إلى مكتبه ..
فانهرت في بكاء صامت .. لإخرج مافي قلبي من أحزان ...
فكل دمعة تغسل قلبي من الأحزان ..
عدت إلى المنزل وأنا تعبه كثيرا .. رفعت الهاتف لأكلم سارة لكني شعرت بضيق كبير . خرجت لأجد أخي ابراهيم في حال صعبة .. كان يبدو كمن لم ينم ..كنت أعرف السبب .. لكني سألته
" مابك ؟"
" لا شيء لنخرج .."
"سأرتدي ملابسي"
دخلت وارتديت ملابسي .. ثم ركبت في سيارته .. وضع شريطا لخالد عبدالرحمن .. لم نتكلم تقريبا لكنني كنت اعرف مابه فقلت له
" أنا من أخذت الصور وحرقتها .."
لم يجب كأنه كان يعرف ... قال في هدوء
" إنني مستاء لأنها جعلتني أحبها طوال الأشهر الماضية وهي تعلم أنها ستتزوج بإبن عمها ... لقد كانت تلهو .. كأن الحب لعبة لديها ..ولم تفكر في مشاعري أو قلبي .. "
لم أعرف ماذا أقول له ...
" لقد كرهت الحب والنساء بعدما فعلت هذا بي لقد كنت ادخر مشاعري لزوجة المستقبل ..لم أكن أريد أن أن أحب سوى زوجتي مهما تكن .. إن الحب شيء ثمين .. ولا أعرف كيف تطورت الأمور بيننا .. رغم أن ما بدأ هذا مكالمة بالصدفة .."
لم أعلق تركت شقيقي ينساب في وصف صدمته في ما فعلته بنة به .وكان تفكيري ينحصر في ردة فعل فيصل هل قرأ الرسالة ؟؟ أم لم يقرأ ؟؟ لا أعرف .. عدت لأنظر لشقيقي المفجوع في تجربته الاولى في الحب وقلت بحكمةغبية لا أعرف من ألهمني بها
" لكل شيء مرة أولى .. وبما أنها انتهت من حياتك .. يجب أن تنساها .. وصدقني انها لا تستحق العناء .. ستجد من تستحقك وتبادلك الاحساس بالإحساس .. "
فكرت لثانية تبادلك الإحساس بالإحساس ؟؟ ما هذا أهي اعلان تجاري للشوكلاته الرائعة (جلكسي ) آه تلك الشوكلاته اللذيذه مم كيف تذوب بكل أناقة بين الشفاة.. وأدركت في تلك اللحظة كم كنت جائعة .,.... تبا للريجيم ... تبا ... نظرت إلى شقيقي الذي إلتزم الصمت .. وكانت ملامحه تصرخ بالقهر ..والحزن ..والحب ... أشياء أعرفها تمام المعرفة .. يا إلهي ..كنت أنصح شقيقي بنسيان شيء انتهى من حياته .. ونسيت نفسي ..نسيت أنني من تعلقت بحب يائس من طرف واحد ..
********
اتصلت بعمي لأسأله عن حال حسن .. وقال لي انه في العناية المشددة ومنعوا أي شخص من أن يدخل إليه .. أخبرت جدتي بذلك فسألتني غاضبة " طلبت منك أن تعرفي نتيجة العملية .. اتصلي مرة اخرى وأعطيني السماعة "
فعلت كما أمرت .. وسمعتها تتمتم بأسئلة عن حال حسن ...خرجت إلى المطبخ لأشرب كأس ماء .. كم تقت لأن أفتح الثلاجة . لكني خرجت لأجد جدتي مكتئبة ..
"ماذا ..هناك ؟؟"
أجابتني جدتي والدموع تتدفق من عينيها بقوة ..
" لا أعرف .. لم يشف غليلي حديث عمك .. أخذ يطمني بأن كل شيء يسير على مايرام ..وأنا أعرفه .. هناك مشكلة .. سأرتدي ملابسي واذهبي لتغير ملابسك سنذهب إلى هناك .."
أطعت جدتي .. رغم أن عظامي قد تكسرت من حصة الإيروبيك المسائية ..
وعندما وصلنا وجدت أبي ومحمد ومبارك وعبدالعزيز وفيصل وعمي خالد وسيف أخو حسن الكبير .. اجتمعوا جميعا والحيرة ارتسمت على وجههم .. قال أبي مستاء
" مالذي أتى بك يا أمي .. فاطمة .. "
قالت جدتي في حزم مانعة أبي من توجيه اللوم لي " أنا أحضرتها معي لم يعجبني صوت خالد .. قولوا الحقيقة .. ماذا حدث ؟"
تردد الجميع في الإجابة .. أخيرا أجاب سيف
" العملية لم تنجح تقريبا .. انه الآن في غرفة العمليات منذ ساعتان"..جلست جدتي ولم تستطع منع دموعها وبقيت تدعو له هامسة .. وكان منظرها هي وعمي خالد يمزق قلبي .. قال عبدالعزيز " لنذهب لنتاول شيئا .."
قال أبي في تعب " سأذهب الآن .. لم أتناول دواء القلب ."
قال عمي خالد بإمتتنان واضح " لقد أتعبتك كثيرا معي .. "
أمسك أبي بكتف عمي مانعا اياه من الحديث
" سأعود بعد نصف ساعه ..لن أدعك وحدك .."
ازداد بكاء جدتي وازدادت دعواتها ..
خرج أبي وخرج الشباب ليتناولوا شيئا ومعهم عمي خالد وبقينا أن وجدتي ننتظر في انتظار السيدات .. أمسكت بقرآن صغير وضع على الطاوله وبقيت أقرأ جزءا منه لجدتي التي لايهدأ بالها سوى بالقرآن ...
"فاطمة "
خرجت من عند جدتي لأجد عبدالعزيز يحمل طعاما بيده " أقنعي جدتي أن تتناول شيئا .."
هززت رأسي موافقة قال هامسا " هل كان هذا صوتك في الترتيل ؟؟ "
هززت رأسي مرة أخرى .. ورأيت استحسانا منه .. قلت له وأنا أنظر خلفه
" أين الباقي ؟؟"
قال وهو ينظر إلى الساعة " سيأتون بعد ربع ساعة .."
استأذن وغادر لينضم إليهم ..
أقنعت جدتي بصعوبة بتناول شيء من الطعام .. وعنما اجتمعنا مرة أخرى، مرت ساعتان قال عمي خالد وهو ينظر إلى الساعة
" فيصل ..يجب أن تغادر .. وخذ فاطمة معك .. الساعة قاربت العاشرة .. ولديكما عمل ان عبدالعزيز وسيف ومبارك ومحمد أخذوا اجازة للغد .. "
شعرت أن قلبي قبض ...مع فيصل في سيارة لوحدنا ؟؟
هل جن عمي ؟؟ هل يريد أن يتسبب لي بجلطة قلبية ؟؟
نظرت إلى محمد ثم إلى جدتي ولم أستطع أن أتجنب النظر إلى عبدالعزيز .. لم يعترض أي منهم ..
قالت لي جدتي تستعجلني " لم ترتاحي اليوم يا فاطمة .. اذهبي .."
تمتمت " وأنت ؟؟ "
قالت في نشاط " انا بخير اذهبي "
لا أعرف لم أصبحت خطواتي بطيئة هكذا .. كان بيني وبين فيصل خمسة أمتار على الأقل ونحن ننتقل بين أروقة المستشفى .. كان لايلتفت إلى الخلف وخطواته سريعه جدا .. واضطررت إلى أن أجري كي لايغلق المصعد وأتوه عنه .. كان في المصعد ممرضتين آخرتين ..تتبادلنا الحديث باللغة الانجليزية .. حول حياة كل منهما .. هذه تقول أنها تحدثت بالهاتف مع زوجها مساء أمس وتشاجرت معه والأخرى تقول أنها حادثت والدتها لكنها لم تجد شقيقتها ..
خرج فيصل ولحقت به كي لا أفقده .. توجه نحو سيارته الفورويل وركبها دون أن يناديني .. لم أعرف هل أصعد أم ؟؟ وقفت متحيره .. ليشغل السيارة .. قال لي عبر النافذه " ألن تصعدي ؟"
صعدت في المقعد الخلفي .. ليصرخ بي " هل أنا السائق لتجلسي في الخلف ؟؟ تعالي إلى المقعد الأمامي .."
لثواني ترددت وكدت أبكي .. لكنني نفذت ماطلب ..
شعرت بأنني من الداخل كأنني لوح زجاج مليء بالشروخ ..شعرت أن قلبي سينفجر الآن ...حيث ازدادت نبضات قلبي بشكل مجنون ..جلست في مقعدي أنظر إلى الأمام ..وأسترق النظر إليه بين ثانية وأخرى .. كتمت دموعا غزيرة .. يا إلهي .. كم أحبه !
قال لي بهدوء " لدي عدة مشاوير .. ثم سأقلك إلى منزل عمي "
لم أجب ..لقد شعرت أن قلبي سيطير من مكانه .. أدار الراديو .. ليطربنا عبد المجيد عبدالله بأغنيته الرائعه " تنتظر كلمة أحبك " .. انتابتني أحاسيس شتى .. لم أستطع كبح دموعي أكثرأدرت وجهي بعيدا .. كي لايرى دموعي ..
وقف قرب محل للصرافة .. ثم قرب محل للبريد( فيديكس) .. ..ثم في النهاية وقف لدى مطعم وقال " انتظري هنا .. سأقابل شخصا مهما ... "
هززت رأسي .. غاب لأكثر من عشر دقائق ثم عاد وقال " انزلي .."
استغربت طلبه ...قال شارحا
" كنت على موعد مع أحد الدبلوماسيين الأجانب .. وهو برفقة ابنته .. هي في مثل عمرك تقريبا .. أحتاج للحديث معه في أشياء عده .. سيسافر غدا .. "
نظرت إلى الساعة " إنها الحادية عشرة مساء !"
قال غاضبا " سيسافر الرجل في الساعة الواحدة صباحا .. لاتعقدي الأمور .. هيا .. سنبقى لنصف ساعة فقط .."
تأكدت من منظري .. كنت جيده .. نزلت من السيارة برفق .. لندخل إلى المطعم واتجهنا إلى طاولة يجلس عليها فتاة شاحبة شقراء نحيلة .. ورجل في العقد الخامس اكتسى الشعر الأبيض رأسه .. قابلنا بابتسامة رائعه .. قال له فيصل بانجليزية قوية أنني كنت مترددة فقلت له على الفور أن السبب كان في الوقت لاغير ..
جلست بقرب الفتاة التي كانت تدعى كريستين ترتدي صليبا ماسيا حول عنقها .. تبادلت معها كلاما بسيطا حول السياحة في البلد والدولة التي جاءت منها .. وأعربت عن مدى عشقها للصحراء..وأنها ووالدها سيكرران الزيارة مرة أخرى إلى هنا ..
كنت أنظر إلى فيصل الذي انغمس في حديث جدي .. تناولنا العشاء .. ومن ثم عرض فيصل أن يوصل الدبلوماسي إلى المطار .. نظرت إلى الساعة انها الثانية عشر وخمس عشرة دقيقة ..
ركبنا السيارة ووصلنا جميعا إلى المطار وكانت حقائب الدبلوماسي قد وصلت قبلنا عدت إلى السيارة .. وكان التعب قد أهلكني .. ونسيت للحظة أن فيصل يجلس بقربي وأننا معا منذ ساعتين ..
قال فيصل " سنذهب الآن إلى المنزل.."
كان المطار بعيدا نوعا ما عن المنزل .. شعرت أن الحاجز بيننا قد زال ..قلت له سائلة " هل قرأت رسالة حمده ؟؟"
لم ينظر إلي هز رأسه وقال " أكيد ."
قلت وأنا أعرف أنني أتجاوز كل حدودي " ما سر الورقة البيضاء ؟؟"
رأيت تعبيرا غريبا ارتسم على وجهه كأنه تذكر شيئا آلمه .. ثم قال " لم لم تسألي حمده ؟؟"
قلت محاولة أن أبدو طبيعية .. " لا أعرف .."
لم يجبني وتركني أغلي فضولا ..يالي من متناقضة .. أذكر مرة أنني أخبرت عبدالعزيز بأنني لا أحب الفضول .. لكن ..من أجل فيصل إنني أتشوق لمعرفة كل شيء يخصه ..نظرت إلى الساعة ..إنها الواحده .. وصلت إلى المنزل ولم أستطع ان أنطق سوى بكلمة شكرا ... ورميت بجسدي على السرير لأغرق في نوم عميق...
ريجيم ..........
ـــــــــــــــــــ
لازلت أتذكر صراخ سارة وسعادتها بقولي ..ومازلت أتذكر صمتي وتفكيري العميق ...
واستيقظت في اليوم التالي على رنين الهاتف نظرت إلى الساعة كانت الخامسة صباحا ..
هلعت ...وقفزت بسرعه "ماذا ! ماذا"
" صباح الخير فاطمة ..هيا ..لقد بدأت اليوم مرحلة جديدة ."
"سارة ؟؟ ماذا ؟؟"
كنت لا أزال أرتجف وكان صوت سارة كان باردا كالثلج منذ الصباح ..جاءني صوتها بكل ثقة ..
" جدولك لهذا اليوم .. اذهبي للمطبخ تناولي عصير برتقال فقط من دون سكر..ثم انتظريني عند الباب ..وارتدي ملابسك الرياضية أسفل عباءتك .."
لم أستطع سوى ترديد " ماذا ؟؟ماذا ؟؟"
أغلقت سارة الهاتف وأنا لم أستوعب بعد ماقالته ..عدت للنوم ..لكن لم تكن لدي أي رغبة للعودة للأحلام .ذهبت لأغسل وجههي وأغسل أسناني وأصلي صلاة الصبح ..
وبعد انتهائي توجهت للمطبخ وكنت قد ارتديت ملابسي ..سكت كوبا من عصير البرتقال .. كانت الخامسة وعشر دقائق ..وجدت جدتي تقف وهي مستغربة ..
"ماتفعلين يا فاطمة في هذا الوقت ؟"
" لاشيء .."
"إلى أين ذاهبة؟"
" أتوقع للرياضة مع سارة .. "
"في هذا الوقت ؟"
قلت باستسلام "لاتسأليني ..إنها سارة "
ابتسمت جدتي وسألتني "هل صليتي الفجر؟"
"أجل .."
عات لغرفتها تاركة اياي أواجه عصير البرتقال المر الذي أمامي .. وكم وددت أن أتناول فطورا شهيا .. ثواني واستمعت لطرق الباب توجهت لأجد سارة تقف وهي مبتسمة " لنذهب !"
"أين "
"لنمشي لمدة ساعة ..هيا .."
لم أتحدث معها طوال الطريق لثقتي بأنها متحمسة كثيرا للفكرة عكسي ...وصلنا برفقة السائق إلى شارع جانبي ..نزلت وأنا صامته ..وأخرجت ساره قنينة ماء وأعطتني إياها وقالت ...
"طول هذا الشارع 2 كيلو متر ذهابا وايابا ..سأجلس في السيارة وأدرس ...لدي امتحان بعد ساعتين ...لكني سأتبعك مع السائق في السيارة .. لا تخافي ..خذي .."
وأعطتني جهاز تسجيل صغير ..وقالت "بعض أغاني الروك لكي تزدادي نشاطا ! "
صرخت بعدما استوعبت حديثها "لوحدي ألن تمشي معي ؟؟"
قالت في هدوء "لا ... لا أحتاج للرياضه ..فجسدي مناسب ..اقطعي الشارع ذهابا وايابا لمده ساعه .. لكي نذهب .. "
أمسكت بقنينة الماء ووضعت المسجل على أذني وبدأت بالمشي ..استحملت أول ربع ساعه ..ثم بدأت بالصعب .. شعرت أن جسدي يصرخ بي قفي ...كل عضلاتي بدأت بالإنكماش ...فالرياضة عدوي اللدود ...وشعرت أن كل عضو من أعضاء جسدي يتهمني بالخيانه ..أردت أن أتوقف ..لكني لم أستطع .. بعد ربع ساعة أخرى شعرت بتعب شديد .. يا إلهي سأموت .. أريد الإتجاه إلى السيارة لكن سارة وقفت بعيدا .. حركت قدمي بتعب .. أريد الوصول فقط الوصول ,,فالمشي السريع أهلكني ..اتجهت للسيارة فنزلت سارة ونظرت إلى الساعه وقالت " بالنسبة لأول يوم ..سأجعلك ترتاحين .."
وددت أن أخنقها بأصابعي ... جلست بالسيارة ...وعندما وصلنا للمنزل ..رفضت النزول ..لا لسبب معين ولكن لأن قدماي خذلتني بشكل مريع فهي تؤلمني بشده ! ..
لا أعرف كيف وصلت إلى غرفتي في الطابق الثاني ..لكني أعرف أنني استغرقت وقتا طويلا لأنقل قدمي في كل خطوة ..وبعد حمام منعش استرخيت ...لا أريد الحركة ...نظرت إلى الساعه تكاد أن تصبح السابعه ..أرغمت نفسي مجددا على الوقوف وارتداء ملابسي والتوجه للعمل وأنا أكاد أبكي !
شعرت بعظامي تكاد تتفكك .. والجوع استبد بي ..لكني وعدت سارة ألا أكل سوى ما سترسله لي كإفطار .. وعند الساعة العاشرة دخل الفراش ليعطيني كيسا صغيرا .. كان به حليب أبيض ووقطعة خبز صغيرة محشو بجبنه بيضاء ...غضبت كثيرا لكن لجوعي الشديد تناولت ما أرسلته سارة .. وبينما أنا أتناول فطوري دخل فيصل وهو ينظر إلي نظرات لامبالية ودخل لعند عمي فورا ..سقطت الساندويش من يدي . ولملمت ما أمامي بيأس ...ووضعته جانبا ... كانت نظرته نظرة ازدراء أكثر منها لامبالاة .. ولكني
قررت في قرارة نفسي " سأبهرك ..وسأجعل نظرتك هذه تتغير إلى العكس تماما .."
عدت للمنزل .. لاجد الخادمة قد وضعت لي غداء وهو عبارة عن عصير برتقال ودجاج مشوي وصحن سلطة وكوب زبادي خالي من الدسم ..لم يكن هناك خبز لم يكن هناك أرز ! ابتلعت دهشتي ..وتناولت برفق ما أمامي ..وكل ثانية وأخرى ..أرى طيف فيصل بتلك النظرة .. فأكره الأكل أكثر وأكثر .. أتركه لدقيقة ..ثم أعود لتناول القليل ... رميت بجسدي على السرير ..وغبت في نوم طويل مزعج حيث كل عضلة من عضلات جسدي تؤلمني ..
أود أن أقول أنه مرت سته أشهر وأصبحت نحيفة جدا ورشيقة ..وجميلة وانتهى العذاب ..ووووو....
لكن ما أسهل الكلام ..وما أسهل الخيال ...استيقظت على رنين الهاتف في اليوم التالي ..كانت سارة ... إرتديت ملابس الرياضة بتكاسل ... وأعدت نفس الموال وخرجت معها .. وسارة تتفادى الحديث معي .. لكنها أخيرا نطقت ..وكانت كمن صمت دهرا ونطق كفرا ..
" سجلتك في نادي رياضي .. ساعة من الإيرووبيك يوميا لمدة خمسة أيام في الأسبوع "
وصمتت ...تجاهلت ردة فعلي ورفضي ... تجاهلت التعابير التي ارتسمت على وجههي ..وقالت دون أن تنظر إلي وهي تنظر إلى كتاب من موادها الدراسية
" اشكرينني لاحقا .ستبدأين اليوم كوني جاهزة عند الساعة الخامسة .."
"لكني أحتاج لوقت راحة بعد عملي "
قالت بجدية " لا .. الراحة هي عدو الريجيم الأول .. ليعتاد جسدك على التغير الجديد يجب أن تجبريه .. "
ولم تزد حرفا .. كي لا ندخل في نقاشات لاطائل منها...
ذهبت للعمل وأنا مليئة بالسخط والتعب والإرهاق ...وجدت على مكتبي جهازا لم يكن موجودا من قبل ..إنه جهاز تمزيق الأوراق ..
طرقت الباب ودخلت لأجد عمي جالسا ..
" صباح الخير .."
"صباح الخير يا فاطمة ... "
" مبكر اليوم يا عمي .."
" لدي أعمال ...لم أنته منها في الأمس ."
خرجت بعد أن استأذنت أحضرت لعمي كأس الشاي الذي يحب استفتاح الصباح به ..
" عمي .. لم جهاز تمزيق الأوراق ؟؟ "
رفع رأسه من بين ملفاته وقال " توجد بعض الأوراق سرية للغاية ولايجب أن تخرج من مكتبي سوى إلى سلة المهملات .. الجهاز لمكتبي هنا .. لكن أردت أولا أن أجهز له زاوية .. "
لم أعلق واتجهت إلى الباب لأخرج لكن عمي استدرك حديثه قائلا
" هل تعرفين كيفية تشغيله ؟؟"
" أجل .. "
كنت قد تدربت نظريا على كافة أنواع أجهزة المكتب في دورة السكريتاريه ..
فتحت الباب لأفاجأ بفيصل أمامي ..ليخطف نفسي برائحة عطره المركز ونظرته الغاضبه .. ابتعدت عن طريقه لأسمح له بالدخول .. وذكرت نفسي بوعدي ... لن أسمح بأي تخاذل أو... مها يكن ..
دخل دون أن يلق نظرة علي .. يجب أن أهين نفسي أكثر .. خرجت وذهبت لمكتبي .. وشيء واحد ليس على مايرام ..وهو قلبي ..
حاولت أن أشغل نفسي بترتيب المكتب ...لكن هناك شيء ما في داخلي يئن ...
خرج بعد دقائق .. وحمل جهاز تمزيق الأوراق إلى الداخل ..
لقد بدأت جديا أفكر بترك العمل .. لكن لم يهن علي ترك عمي بعدما فرط في سكرتيرته المخلصة ..
خرج مرة أخرى وألقى بخطاب وقال لي
" أعيدي كتابته ووجههيه إلى الوزير بعد أن يمضي عمي عليه ..بسرعه .. سآتي بعد عشر دقائق وأجده منتهيا ..
كان الخطاب بخط يد فيصل .. كلماته غير مفهومه سريعه و خطه في الواقع قبيح !
استلمت الكمبيوتر وبسرعة أنهيت الخطاب وطبعته .. وأرفقته بالمسوده وذهبت به إلى مكتب عمي ... الذي راجعه بسرعه وأقره ثم قال
" هيا لنجرب الجهاز .. مزقي المسوده من خلاله .. "
ابتسمت .. وبعد دقائق أنهيت ماطلبه عمي وأرشدته إلى الطريقه الصحيحة لإستخدام الجهاز ..
ثم طلب مني عمي ارسال الخطاب إلى الوزير .. ففعلت ..
بعد دقائق جاء فيصل غاضبا إلى مكتبي وقال
" لم مزقت المسوده وكيف أرسلت الخطاب دون تريني إياه ."
شعرت بمدى غضبه وقلت له " إسأل عمي .. سيجيبك .."
دخل إلى المكتب .. وسمعت صراخ فيصل ... وصوت عمي الغاضب ..
خرج عمي بعد دقائق ..
" فاطمة تعالي "
شعرت بوجود مشكله .. كان عمي غاضبا لكن ليس كغضب فيصل ..الذي بدأ في الصراخ علي
" كيف ترسلي الخطاب .؟؟ وتمزقي المسوده الوحيده .."
قال عمي غاضبا من أسلوب فيصل " أنا من طلبت منها ذلك كف عن توبيخها "
قال فيصل " أحتاج لنسخة عن الخطاب ... ضروري ..."
قلت أخيرا " لدي نسخة ."
نظر عمي إلي مرتاحا وفيصل مندهشا وصرخ " ولم لم تقولي ؟؟ "
قلت مدافعة عن نفسي " أني أحتفظ نسخة عن كل شيء أرسله بتاريخه والمستلم على جهاز الكمبيوتر .."
فوجئت بغضب فيصل يزداد ..
" ماذا ؟؟ إن هذه أسرار حكوميه تضعينها على جهازك هكذا ؟؟"
قلت وقد استبد الغضب بي " أنني أحمي الجهاز بكلمة سر .. "
صمت هو وابتسم عمي قائلا
" لا داعي لغضبك ..لقد حل كل شيء ..فاطمة خذي كأس الشاي ...و انسخي له من الخطاب نسختان ليطمئن عقله المريض!.. "
نظرت إلى الشاي ووجدته كما هو
"لم لم تشرب الشاي ياعمي ؟؟؟"
وقبل أن أجيب صرخ بي فيصل غاضبا" هذا ليس وقت الحديث .. هيا .."
خرجت حانقة من فيصل واتجهت للجلوس على مكتبي والشاي كان بيد .. فتحت الجهاز وأردت ادخال كلمة السر لكني فوجئت بشخص يقف بالقرب مني ..شعرت بأنني قد شللت تماما !
" هلا ابتعدت ؟ أريد أن أكتب كلمة السر "
قال بهدوء "لهذا أقف هنا .. أريد معرفة كلمة السر حتى لا أواجهه موقفا مشابهها في غيابك "
"لا ؟؟.لا ..لن أعطيك كلمة السر ! "
" لن أتحرك من هنا حتى أعرفها "
لم يكن لخوفي داع في موقف مشابهه .. لكن في هذا الموقف بالذات كانت أصابعي ترتجف وعقلي محتار .. وقد شعرت بإحراج شديد .. لا لشيء سوى أن كلمة السر ستضعني في موقف محرج !!
لا أريده أن يرى كلمة السر .. فكلمة السر هي اسمه (فيصل )متبوعا بكلمة إلى الأبد !!!
قلت بارتباك " لا.."
قال بثقة " لن أتزعزع من مكاني حتى أعرفها .."
شعرت بحيرة كبيرة وخانني التفكير .. ولم أجد حلا سوى ...
كأس الشاي الذي بقربي .. ولم أستطع منع نفسي سأتحمل العواقب ..سأتحمل صراخه وغضبه ..وسأتحمل حتى توبيخ عمي لي ...رميت بكأس الشاي على ملابسه بحركة بدت كأنها عفوية فصرخ وقفز إلى الخلف ..فطبعت كلمة السر بسرعة كبيرة .. وأغمضت عيناي لإرتياحي من التخلص من هذا المأزق واستعدادا للدخول في مأزق أكبر ..
رأيت عيناه استحالت إلى اللون الأحمر .. وكما قال عمي مرة إنه ينفث النار !! لم أستطع كبح ابتسامتي !! ولم أكلف نفسي عناء الإعتذار !
نظر إلي ولم ينطق بكلمة واحده ..دخل إلى مكتبه ...وطبعت نسخا من الخطاب .. وغيرت اعداادات كلمة السر إلى اسم صديقتي ساره ..
خرج بعد لحظات من مكتبه .. صدمت عندما رأيته بملابس جديده ..أين ذهبت بقعة الشاي الكبيرة ؟؟ قال بصوت يملأه الغموض
" يوما ما .. سأجد طريقة لأجعلك تبكين ألما ! "
ارتجفت ركبتاي ..واختفت الإبتسامة التي رسمتها على وجههي ..وبدأ عقلي في الكلام .." لقد فعلت .. لاتحتاج لطريقة لتؤلمني .. فبسببك ينزف قلبي حبا مستحيلا !.."
لم أستطع كبح دمعتي .. فأنزلت رأسي وادعيت انشغالي بما أمامي ، دخل لمكتب عمي لدقائق ثم عاد .. وقال وهو يشير لمكتب عمي وهو في طريقه للخروج
" يريدك "
لا أعرف كيف وقفت .. واتجهت بكبرياء إلى مكتب عمي الذي قال لي مبتسما
"من حسن حظك أنه يملك ثوبا في مكتبه .. فهو يبيت هنا في بعض الليالي ... "
قلت مستغربة " لم ؟؟"
قال عمي بثقة " ينتظر بعض الخطابات الهامة عبر الفاكس والتي لاتأتي سوى في وقت متأخر .. بسب فارق التوقيت "
جلست أمام عمي واستمعت إلى مايريد عمله اليوم ورتبت بعض مواعيده .. عدت للمنزل لأفكر بتعب بأحداث اليوم ..
أغمضت عيناي بعد أن تناولت الطعام الخالي من الطعم ! المسمى بطعام الريجيم .. ثم استيقظت فزعة على صوت الهاتف
"ألو .."
" هيا .. اخرجي .. ستصبح الخامسة "
"ماذا ؟؟"
"النادي هل نسيتي ؟؟ إني أنتظرك في الأسفل "
لم أستطع الإحتمال فبدأت في البكاء بعدما أغلقت الهاتف ..إنني متعبة كثيرا .. وللتو أتيت .. نزلت وأنا أرتدي ملابس الرياضه .. لأنتظر ساره حتى تأتي ..
خرج محمد وقال " أريد أن أحدثها إنتظري دقيقة .. "
وخرج ليلاقي سارة في الخارج ..يالهما من ..عاشقين !
_21_
الورقة البيضاء!
كانت تمرينات الإيروبيك أصعب من المشي .... كدت أصرخ كل عشر دقائق من الحركة ..
قالت سارة وهي تقف بقربي ولايبدو عليها التعب " ارتاحي .. وإشربي القليل من الماء .. ولا تطيلي الراحة قفي بسرعه "
فعلت ما طلبت وكان صعبا جدا .. عدت للتمارين الشاقة .. كانت المدربة متساهلة معي .. لكن شديدة مع الفتيات الأخريات .. وعندما انتهينا قالت إحدى الفتيات " غدا ستجعلك ترتاحين مرتين فقط وبعد غد مرة واحده لمده يومان .. ثم لن ترحمك لانها تعرف أن جسدك اعتاد التمارين "
قلت بكآبه " وأنا كنت سعيده لإعتقادي بأنها ستشفق علي في المرات القادمة "
ابتسمت الفتاة وقالت " ستعتادين الأيام الأولى هي المؤلمة "
عدت للمنزل مع سارة التي قالت لي
" لقد عرفت الطريق .. وسأتصل بك كل يوم .. لأتأكد من ذهابك "
"ألن ترافقيني ؟؟"
"لا .. لاتعجبني نظرات منال .. وأمي ترفض فكره قدومي يوميا إلى هنا .."
قلت لها " أنا سأصحبك .."
قالت بابتسامة حنونه " يجب أن تعتمدي على نفسك .. ثم إن أمورا كثيرا ستشغلني العرس الدراسة محمد ! "
ابتسمت وشعرت أن ابتسامتي جهد متعب " يبدو أن محمد حقق حلمه أخيرا ووجد من تحبه "
قال بخجل ملموس " أجل .. أحببته .. إنه حنون رائع ."
قلت بفرح " أنا متعبه لكن كلماتك جعلتني أرتاح قليلا "
قالت بهمس "ما أخبار فيصل ؟؟"
" لاجديد .. سوى أن اليوم قال لي بعد مقلب سخيف أنه سيجد طريقه لإيلامي "
قالت سارة بسخرية
"لايحتاج لذلك .. إنك تبكين ألما من وهمه .."
"إنه كما قلتي وهم ...وداعا"
نزلت وأنا أشعر بعظامي محطمه .. وقلبي محطم ..اتجهت لغرفتي أغرق في نوم عميق ..ولم أستيقظ سوى في اليوم التالي .. !
مر أسبوع وأنا أشعر أن عظام جسدي قد تحطمت .. وأنا أقاوم رغبة شديدة في الذهاب إلى احد مطاعم الوجبات السريعة وإلتهام طن من الأكل اللذيذ ..فسارة خلقت لي نظاما غذائيا فقير بالدهون والنشويات .. وهي ما أشتاق إليه بشده !
أصبحت لا أتحدث مع فيصل على الإطلاق ..وإن أردت شيئا بعثت له الفراش ...
قال لي عمي مرة " شيء واحد ندمت عليه ..هو قبولي بفسخ
الخطبة بين فيصل وابنتي ..."
وأخيرا فتح شخص ما الموضوع المحرم ..قلت له بفضول
"ماسبب ذلك يا عمي ؟؟لم فسخ فيصل خطوبته بحمده ؟"
قال لي عمي "السبب هو التعيس حسن ...لقد مللت من هذا الصبي ..ولا أعرف أين اختفى الآن ...إنه يدمي قلبي بضياعه ..لقد حدثت مشاده بينه وبين فيصل أدت لفسخ الخطوبة .."
"ماذا ؟"
"أجل .. لا أعرف ماذا قال حسن لأخته حتى تقرر رفضها لفيصل ...وبعد فسخ العلاقة اكتشفت حمده حقيقة الأمر ..وأن ماقاله حسن ليس بالشيء الأكيد وأن فيصل سجله نظيف ,..لكن فيصل استعجل وخطب منى...فندمت حمده على ماحدث ..ولاتستطيع أن تعود له بعد أن خطب ابنه عمتها ...فهي تعيش تعيسه الآن ...لايفارقها الحزن ..أما فيصل فانتقم لكبرياؤه ولقنها درسا ..."
لم تستطع فاطمة أن تصدق ماتسمع من عمها ..يا إلهي ..فيصل ..أنك معذب قلوب العذارى ... أيوجد فتاه أخرى في هذا العالم تشعر بما أشعر به بسببك ؟؟
قررت أن أعود مع عمي إلى منزله ذلك اليوم .. لأرى حمده .. جلست معها لدقائق ..كانت تسرح كثيرا .. ثم تعود لتعلق تعليقا قصيرا .. وأخيرا قالت لي " أنت تعملين مع أبي ؟؟"
"أجل .."
"مع فيصل ؟؟؟"
هززت رأسي بأجل ...قالت لي وهي تحاول أن تخفي عينيها تحت غرتها الكثيفة "كيف حاله ؟"
" لا بأس .."
لم أستطع أن أجيبها فقد كنت أبكي من الداخل .. قالت لي
" هل هو سعيد مع منى ؟"
لم يا حمده تعذبين نفسك ؟؟ ...قلت لها اجابة محايده
" لا اعرف ..: "
لكنني كنت أعرف ..أنه يحب منى ..ومنى تحبه ...قالت لي بهمس
" هل أئتمنك على شيء ؟"
هززت رأسي ..فقالت "اتبعيني .."
ذهبنا إلى غرفتها .. أخرجت ظرفا .ومزقت ورقتين من أحد الدفاتر ..وحشرتهما داخل الظرف ووضعته بين كفي ..
"" أرجوك ..أرجوك ...أوصليها لفيصل ؟ .."
هززت رأسي بحاضر ..
سألتها "ماهذه ؟؟"
كان سؤالي سخيفا للغاية ...قالت لي في يأس
"إن أردت قراءتها إقرأيها أنت فقط .. لكن لاتدعيها تقع بين أيدي أي شخص غير فيصل .."
لا أعرف لماذا سمحت لي بقراءتها ..قلت لها "هل أنت متأكده ؟"
"أجــــل .."
كانت حمده يائسة جدا .. قالت لي بعد دقائق وهي تبكي
"تقدم لي خاطب جيد ..وسأقبل به .. لكن كانت هناك كلمات أحتاج لقولها إلى فيصل ... لهذا .. كتبتها بهذه الورقة حتى أنتهي من كل شيء يربطني به وأبدأ حياة جديد .."
قلت لها وأنا أكاد أبكي "وإن أرسل لك ردا ؟؟"
قالت في ثقة "لن يرسل .. "
خرجت من عندها ذلك اليوم وأنا مستعجلة للعوده لقراءه ماذا يوجد في هذا الخطاب ... ولم أستطع الإنتظار ..فتحته وأنا في السيارة .
إلى فيصل ..
كبداية أعتذر عما بدر مني من سوء بالظن ..كان يجب أن أثق بك ..آسفة ..وفقك الله في زواجك من ابنة عمتي ..وادع لي بالتوفيق في حياتي ***** الله ..وما بدأناه بالمعروف سننهيه بالمعروف فلاضغينة بيننا بإذن الله أبارك لمنى وسأزورها يوما ما .. فقد رزقها الله زوجا صالحا .. أتمنى لكما التوفيق ..
أتمنى أن لاترسل ردا .فلتكن هذه الرسالة آخر رسالة بيننا ..
ابنة عمك .
لم توقع حتى بإسمها !! يا إلهي ..لم تشف هذه الرسالة غليلي ..رسالة لاتحوي شيئا سوى كلمات توفيق! صدمت كثيرا ..لم تشبع فضولي في معرفة المزيد عن خطبتهما الماضية .. ولم تذكر أي تفاصيل تستحق اللهفة التي كنت أشعر بها !! ..أعدت الورقة لكنني تذكرت تمزيقها لورقتين من الدفتر ..نظرت إلى الظرف لأجد ورقة فارغة لم أفهم المغزى .. أتكون بالحبر السري ؟؟ يالمخيلتي الواسعه!! أهي قصة لشارلوك هولمز؟؟انني مدمنة قصص بوليسية ..كدت أن أرمي الورقة الفارغة من السيارة .. لكني لم أفعل .. أعدت الرسالة إلى الظرف ... يا إلهي إنها الخامسة لدي اليوم ايروبيك ... وضعت الرسالة في دفتر مواعيد عمي ..وحشرتها في شنطتي .. أدفع نصف عمري لمعرفة لغز الورقة البيضاء ... لأنني رأيتها تمزقها على حده .. إن لها لغز ..
وجدت سارة تنتظرني هناك .بدأنا تمرينات الإيروبيك وأنا أكاد أصرخ من التعب .. كانت المدربة قاسية فعلا .. يا إلهي تمارين البطن عشرون مرة ؟؟ أكاد أجن .. ماذا تفعلين بي يا سارة إنك تعذبينني ..
شعرت بعضلاتي تكاد أن تتمزق ...
قلت لسارة ماحدث اليوم فقالت لي ساخرة "هل تعدين دكتوراه عن حياته السابقه .؟؟ أنا لا أفهمك يافاطمة ... لم تعذبين نفسك من أجل لاشيء ؟؟ لم ذهبت لحمده وشغلت نفسك بفصول غريبة من مراسلات العشاق ؟؟ لا أفهم ماذا تفعلين .."
لم تفهم ولن تفهم سارة أبدا مايملأ قلبي من مسودات ومشاريع وخطط أنا نفسي لا أعلم عنها!
عدت إلى المنزل وأنا أفكر .. إن حمده مسكينه .. بل غبية غبية كان بين يديها فيصل .. كان بين يديها .. رجل مثله تقبله المرأة بكل عيوبه ..بكل خياناته .. بكل سيئاته .. بكل مغامراته .. إنه..فيصل .. الرجل الذي اذا اشتعل غضبا أشعر بأني في قمة الحب .. فكيف سأتصرف إن اشتعل حبا ؟؟ ... كم أود أن أعرفه عن قرب .. كم أود أن أحفظ كل تحركاته كل همساته كل ابتسامة له في ذاكرتي لأسلي نفسي في وحدتي ..
أفقت من تفكيري لدى رؤيتي لأمي تنتظرني ..
"مساء الخير .."
"مساء الخير ..أين كنت ؟؟"
"في نادي الرياضة برفقة سارا .."
لمحت الرضا في ملامح والدتي ..وقالت بابتسامة عريضة
"ماذا ؟؟ رياضة ؟؟ "
"أجل ..إنني أرغب في خسارة بضع كيلو جرامات .."
اتجهت لغرفتي .. مررت بمنال ..
""كيف حالك .."
"جيده .. "
لكنها لم تكن كذلك .. منذ خطوبة محمد .. وهي منفعلة جدا .. يبدو أن الحمل يجعلها سيئة الطبع ..إنني أرى مبارك دائم السفر ..وهي تبقى وحيده في غرفتها أو في منزل والدتها ..
دخلت لغرفتي ..فتحت الثلاجة ..إنني جائعه جدا .. لكن لم يكن هناك شيء سوى طبق من السلطة .. غضبت كثيرا ... أغلقت الثلاجة .. رفعت سماعة الهاتف لأتصل بمحل البيتزا ليرسل لي بيتزا بالمارتديلا وجبن الموزيريلا .. .. وخلال عشرين دقيقة وصلت .. نزلت إلىالمطبخ للأتناولها .. حملتها واتجهت إلى أمام التلفاز ..لأتابع بشغف أحد أفلام باربرا سترايسند الرومانسية .. الذي يحكي قصة حبها مع مطرب مشهور وحولها إلى نجمة .. بكيت كثيرا عندما انتهى الفيلم ... يا إلهي .. لا أحد يشعر بالسعاده .. إلى الأبد .. .. نظرت إلى البيتزا ..وكنت قد إلتهمت نصفها .. وضعتها في الثلاجة ..وإستسلمت للنوم .. استيقظت في الصباح على رنين الهاتف وكنت قد اعتدت ذلك من سارة ..
"أخبرني محمد أنه رأى بالأمس سيارة البيتزا "
"يا إلهي ألا تنتهيا ؟؟ هل أصبحت محور أحاديثكما ؟؟ هل عينته ليتجسس علي ؟؟ "
"أتسمعين نفسك ؟؟ إنك تتخذين سياسة الهجوم أفضل وسيلة للدفاع .. هل تعلمين أنك بما تناولته قد خسرت تعب الأسبوع الماضي ؟؟"
قلت يائسة "إحتجت لأن أكافيء نفسي .. لقد خسرت 2كيلو جرام "
صرخت سارة بغضب " المكافأة عندما تخسرين 15 كيلو جراما ! هكذا كان إتفاقنا .أنني سأدعوك إلى مطعمك المفضل ومن ثم نستأنف الحمية .. ماهذا . .كلما خسرت اونصة كافأتي نفسك بالأطعمة الدسمه ؟؟ بيتزا ؟؟ بيتزا ؟؟ .."
أغلقت سارة الهاتف وكانت في قمة غضبها .. شعرت بالأسف على نفسي .. والإحراج منها ... أخرجت ماتبقى من البيتزا وأرسلتها إلى المطبخ ..كفى .. كفى .. ماهذا ؟؟
خرجت لأمشي .وذهبت الخادمة في رفقتي . وعاقبت نفسي بأن سرت ثلاثين دقيقة إضافية .. اليوم إجازة .. اتجهت بعد المشي الى المنزل .. جلست مع جدتي قليلا .. ورأيت والدي الذي لم أره منذ فترة طويلة ..
"كيف حالك؟"
"بخير وأنت يا أبي ؟؟"
"بخير .. سأخرج ..أخبري امك ."
"حاضر .."
خرج ولاحظت أن جدتي غاضبة منه .. قبل رأسها كالمعتاد لكنها لم توجه له كلمة .
سألتها والشك يملأني " ماذا هناك ؟؟"
لم تجبني جدتي وأشارت لي بيدها تصرفني .. قلت لها قبل ذهابي
"سأذهب لمنزل عمتي "
صرخت جدتي "لا ..:"
لم أفهم .. قلت "لماذا ؟؟"
لم تجبني جدتي سوى "لن تذهبي اليوم لمنزل عمتك ..ولانقاش في هذا الموضوع اذهبي لغرفتك .."
لم أفهم اتجهت لغرفتي وأنا أشعر بإكتئاب شديد ..ان جدتي مكتئبة ولاتريد ان تخبرني شيئا .. عدت مرة أخرى لغرفتي وأخرجت المفكرة وقرأت رسالة حمده مرة أخرى .. ونظرت للورقة البيضاء ..إنها تختلف عن ورقة الرسالة .. لم أفهم ...حدقت فيها لمده ساعة ..ولم أخرج بإجابة .. أعدتها إلى مكانها .. وأمسكت بإحدى المجلات لاقلب بين عروض الأزياء وأتحسر ..
_22_
بعد رفض جدتي ذهابي لمنزل عمتي بدأت الشكوك تساورني .. اتصلت بسارة .. وأخبرتها عما حدث .. ومن ثم أخبرتني بدورها أن مريم سافرت ... وسبب هذا صدمة لي
"سافرت ؟؟ كيف .. ولم لم تودعني ؟؟ "
قالت سارة "لا أعرف ,,اتصلت في منزلها وأخبرتني والدتها أنها سافرت منذ يومين .. "
صدمت ..لكني قلت لسارة " فعلت نفس الشيء في سفرها السابق ."
حزنت كثيرا .. خصوصا أن الأيام الماضية كانت سيئة جدا ولم أجد وقتا لأحادثها ...
"ألا يوجد لها رقم أو بريد؟؟"
"سألت والدتها لكنها قالت لي بغضب أنها لم تستقر بعد . "
استغربت حدوث ذلك ... ثم سألتها
"كيف حال مها ؟؟ "
"إنها مشغولة في حضور حفلات الزفاف .."
دخل محمد الغرفة ليقول لي بلهجة آمرة " أريد أن أكلمها ..أغلقي الهاتف "
صدمني ذلك قلت لسارة بعد مغادرة محمد " بدأت أندم لأني السبب في .."
"لاتقولي ذلك ... " قالت سارة ذلك بجدية ,,,
صمتت حفاظا على مشاعر ساره .. قلت مبتسمة " أعتذر إني فقط أغار منه !"
سمعت ضحكة سارة التي قالت "ستبقين أنت الأولى دائما .. "
ابتسمت وقلت لها "إنه ينتظرك .... أكلمك لاحقا "
أغلقت الهاتف واتجهت إلى غرفة والدتي لأجدها في مزاج سيء .. خرجت من هناك واتجهت لغرفة جدتي .. التي كانت في مزاج سيء .. مابال الجميع في مزاج سيء اليوم ؟؟ .
ارتديت حجابي واتجهت إلى الحديقة أمسكت بإحدى المجلات وبدأت أقلب فيها ..
"كيف حالك ؟"
رفعت رأسي ..كان عبدالعزيز .. ابتسمت له لكنه كان في مزاج سيء للغاية .. فقلت
" لم الكل في مزاج سيء ؟؟"
جلس إلى جانبي .. وقال وهو يمسح عينيه بيديه ويبدو كمن لم ينم منذ ليلتين "ألاتعرفين ؟؟"
استغربت من قوله " أعرف ماذا ؟"
قال بجدية لم أعهدها منه " لاشيء .."
"قل يا عبدالعزيز أرجوك .."
"حسن ..إبن خالي "
" حسن أبن عمي خالد ؟ "
" أجل ."
"مابه ؟؟"
"حادث ."
"مااااااااااااذا ؟"
وقفت رغما عني مد يده ليطمئنني " ليس خطيرا .. "
لم أستطع كبح دموعي " متى ؟؟"
قال " اهدئي .. اهدئي .. لاشيء خطير .."
"وعمي خالد ؟؟ كيف هو ؟"
" أنه متعب،لقد وضعوه في العناية وحاله خطره .."
صرخت بشده ..ركضت لغرفتي ولم يستطع أن يتبعني عبدالعزيز لكني خرجت بعد أن ارتديت ملابسي وقلت له " خذني إليه ."
لم يجب .. لكنه هز رأسه موافقا . وصلنا إلى المستشفى ليأخذني عبدالعزيز إلى غرفة الملاحظة .. لكني عندما دخلت لم أجد عمي ...بل حسن ملفلفا بالأربطه لاأحد حوله . قلت لعبدالعزيز
" أين عمي ؟؟ خذني إلى عمي .. "
قال عبدالعزيز متشككا" عمك في المنزل .."
اصبت بصدمة " لقد قلت أنه في العناية "
" لا .. حسن هو ..اعتقدت أنك أردت أن تزوري حسن ."
لم أجادل عبدالعزيز .. لكني سألته " لا أرى أحدا هنا..أين "
صمت عندما دخل الطبيب وأمر بخروجنا ..
" إنه في غيبوبه ..لن يميز أحدا إطلاقا .. أخرجوا .."
تبعت عبدالعزيز الذي قال "أنذهب لمنزل خالي خالد؟"
هززت رأسي بأجل .. ثم تذكرت أني لم أقل لجدتي عن خروجي مع عبدالعزيز .. طوال الطريق كنت أقاوم رغبة في السؤال ..لكني سألت أخيرا
"لم إعتقدت أني أريد أن أذهب لحسن ؟؟"
كنت أعرف الإجابة في زاوية من زوايا قلبي .. كنت أعرف أن عبدالعزيز يظن أنه هو من يحتل قلبي .. لا أعرف كيف .. لكنني كنت أعرف .. لكنني لم أستطع منع نفسي من السؤال ..
لم يجبني ..وطال صمته ثم بعد عشر دقائق قال
" اختلطت علي الأمور .. "
كانت اجابة دبلوماسية .. أدرت وجهي إلى النافذه ..لأرى انعكاس وجهي ..وعبدالعزيز غارقا في أفكاره عبر انعكاس الصورة ..
لا أعرف مالذي كان بيننا أنا وعبدالعزيز ..ربما صداقة بريئة .. أو أخوة صادقة .. وصلت لمنزل عمي وانضممت إليه حيث كان يجلس متعبا في مجلسه .. وحده .. ارتميت في حضنه (وخفت من أني كسرت ضلعا في جسد عمي الضئيل ..) ..
" مابك يا فاطمة .. لاشيء خطير ***** الله .."
"أنا قلقة عليك يا عمي .. "
"لاتخافي .. "
جلست وجلس عبدالعزيز إلى جانبي .. سألت عمي عن الحادث ومتى حدث فأخبرني أنه حدث مساء أمس .. في وقت متأخر .. عاد حسن من دولة أجنبية وبسبب الضباب اصطدم التاكسي بحافلة ضخمة .. توفي سائق التاكسي ولطف الله في حسن .."
دخل والدي بعد دقائق إلى المجلس وقال مستغربا " فاطمة متى أتيت ومع من ؟؟"
دخل أخي محمد في ذات الوقت وقال منقذا الموقف " معي .."
"اذهبي إلى الداخل .."
ذهبت مرغمة إلى الداخل بعد أن طلب أبي مني ذلك . بعد دقائق خرجت بعد أن أخبرني عمي أن أخي محمد يريدني .. دخلت إلى السيارة وعندما خرجنا من المنزل صرخ أخي " لماذا فعلت ذلك ؟؟ كيف تخرجين مع عبدالعزيز ؟؟ ولما لم تقولي لأحد ؟؟"
"كنت خائفة على عمي ..."
" من حسن حظك أن جدتي رأتك وأنت تغادرين وأرسلتني خلفك ..إنني لا أقبل منك أن تكوني غير مسؤولة هكذا .. "
لم أستطع أن أجيب .. قلت أخيرا وأنا أبكي ,,
"أنا آسفة .."
لم يجب أخي محمد .. لكنه مد يه ليقرص بها خدي ..
" أنا أثق بك ..لكن لاتعيدها.."
لم تقل جدتي شيئا .لكنها نظرت إلي نظرة لوم .. كان تصرفا لامسؤولا مني .. ..
رن هاتف غرفتي .. وعندما رفعته سمعت صوتا لم أميزه
" فاطمة ؟؟"
" أجل .. "
" أنا بنة ... "
لدقائق لم أصدق .. بنة ؟؟
" كيف حالك؟"
"بخير ... اتصلت بك لأطلب منك خدمة ."
استغربت اتصال بنه .. فرددت بشك
"خدمة ؟؟ "
*****
أغلقت الهاتف بعد خمس دقائق والذهول يتملكني .. ماقالته لي بنه .. خارج نطاق فهمي للأمور ..إتجهت إلى غرفة أخي ابراهيم .. دخلت ولم أجد أحدا هناك .. بدأت أبحث في الخزائن والأدراج لعلي أجد شيئا .. وأخيرا وجدت .. ظرفا صغيرا يحوي رسائل وصور ..أخذتها واتجهت إلى غرفتي .. قلبت الأوراق إنها جريئة جدا .. رسائل حب حقيقية .. أعطتني انطباعا عما يدور بين كل المحبين ..رسائل شعرت أن رائحتها هي رائحة الحب .. تبادرت إلى ذهني كلمات بنة ..
"أحببته جدا .. لكن سأتزوج ابن عمي .. ولم أقل له ذلك حتى لايغضب وينتقم مني بالرسائل والصور ..انها رسالتين وصورتين ... أريد أن تبحثي عنهما . وسأكون مدينة لك حتى آخر حياتي ."
وحين سألتها عن ابراهيم وماذا سيحل به أجابت في برود
"سيجد حبيبة غيري تحبه أفضل مني .."
لن أتحدث عن الجانب الأخلاقي لدى بنة .. فهو معدوم ..
نظرت إلى الرسالة وأعدت قراءتها ..
(( إلى حبيبي ) ) …
آه كم لهذه الكلمة وقع على نفسي ..
أغلقت الرسالة ونظرت إلى صورة بنة .. انها جميلة بالرغم من كل شيء .. وعدتها بأني سأمزق الرسالتين وأالصورة .. مزقت الصور .. لكني لم أستطع أن أحرق الرسائل في باديء الأمر .. نظرت إلى الرسالة لم أكن أعرف أن لبنة أسلوبا شعريا جميلا .. لكني مزقت_ الرسالتنين وأحرقتها على ضوء شمعة حمراء ..
نمت تلك الليلة وأنا أفكر في جرأة بنة .. وكيف تعرفت على ابراهيم ..لكني لم أتجرأ وأسألها .. هل هذه نهاية ألاعيبيك يا بنة ؟ أم أنها البداية .. !
وأغمضت جفني لأحلم بحلم غريب .. وعندما استيقظت لم اتذكر منه شيئا !!!!!
-23-
نظرت إلى الظرف الذي بيدي لم يأتي عمي اليوم .. فقد يخضع حسن لجراحة مصيرية كنت أدعو له في صلاتي .. فعمي خالد رجل رائع رقيق ..لايتحمل الصدمات ..
كان حلمي المستحيل وفارسي الخيالي يجلس على مكتبه .. ولم نتبادل اليوم كلمة واحده .. كان الصمت سيد الموقف ..نظرت إلى الساعة ..إنها العاشرة والنصف صباحا .. أود الوقوف والتوجهه إليه لكني تكاسلت ..فقدمي تؤلماني كثير .. لقد مشيت لمدة ساعة كاملة .. ولم أتناول شيئا حتى اللآن باستثناء كأس العصير الخالي من السكر حملت الظرف واتجهت لمكتب فيصل .. قلت له بهدوء ..
" كنت في منزل عمي مساء أمس ..وهذه رسالة لك .."
وضعت الظرف على طرف المكتب لكنه استوقفني
"ممن ؟؟ .."
" حمده .."
اتجه باتجاه الظرف ورفعه وأعطاني إياه وقال
" شكرا .. أعيديه إليها.."
شعرت بالإرتباك كدت لدقيقة أن أن أنسحب لكني قلت له
" ألن تقرأ مافي داخله ؟؟"
"لا .."
كان صوته بسيط هاديء .. أغمضت عيني لدقيقة وقلت مجازفة باهانات لانهاية لها قد يوجهها إلي
" لماذا ؟؟ قد يكون الأمر ضروريا .. إنها ..ستـــ…"
كدت أن أقول ستتزوج لكني فكرت لدقيقة واكتشفت مدى غبائي فقلت راجية
" أرجوك من أجلي .. "
نظر إلي نظرات لم أفهمها .. وقال " حسنا "
ابتسمت وأعطيته الرسالة وغادرت مسرعة .. أشعر أن عقلي توقف عن التفكير فعلا يا سارة إنك على حق ,, ماذا أفعل في توريط نفسي في هكذا موقف ؟ مالنهاية لهذا المسلسل الفاشل ..
رنين الهاتف أيقظني من أفكاري ..
" السلام عليكم "
كان صوت عمي
" وعليكم السلام .. كيف حالك يا عمي ؟؟ هل انتهت عملية حسن ؟"
"لا .. لم تنتهي بعد .. انني أنتظر هنا ..مالجديد ؟"
" لاشيء سوى بعض المراسلات الخارجية .. حولتها إلى فيصل ..وبعض المواعيد التي أجلتها إلى يوم آخر ."
"جيد .. "
شعرت بحزن عمي فقلت له محاولة أن أواسيه " لا تخف يا عمي .. ادع الله أن ينجي حسن من كل هذا .. "
" حسنا .. سأذهب الآن .. "
أغلقت الهاتف ولم أستطع كبح دموعي .. انهرت أبكي بصمت .
كان عمي يشغل كل تفكيري .. خرج فيصل ورآني في حالتي تلك.
"هل حدث لحسن شيء ؟؟ "
هززت رأسي بلا .. قلت بكلمات متقطعة "لايزال في العملية لكنني قلقة على عمي .."
لم يتكلم .. ولم يكلف نفسه عناء تهدئتي .. عاد إلى مكتبه ..
فانهرت في بكاء صامت .. لإخرج مافي قلبي من أحزان ...
فكل دمعة تغسل قلبي من الأحزان ..
عدت إلى المنزل وأنا تعبه كثيرا .. رفعت الهاتف لأكلم سارة لكني شعرت بضيق كبير . خرجت لأجد أخي ابراهيم في حال صعبة .. كان يبدو كمن لم ينم ..كنت أعرف السبب .. لكني سألته
" مابك ؟"
" لا شيء لنخرج .."
"سأرتدي ملابسي"
دخلت وارتديت ملابسي .. ثم ركبت في سيارته .. وضع شريطا لخالد عبدالرحمن .. لم نتكلم تقريبا لكنني كنت اعرف مابه فقلت له
" أنا من أخذت الصور وحرقتها .."
لم يجب كأنه كان يعرف ... قال في هدوء
" إنني مستاء لأنها جعلتني أحبها طوال الأشهر الماضية وهي تعلم أنها ستتزوج بإبن عمها ... لقد كانت تلهو .. كأن الحب لعبة لديها ..ولم تفكر في مشاعري أو قلبي .. "
لم أعرف ماذا أقول له ...
" لقد كرهت الحب والنساء بعدما فعلت هذا بي لقد كنت ادخر مشاعري لزوجة المستقبل ..لم أكن أريد أن أن أحب سوى زوجتي مهما تكن .. إن الحب شيء ثمين .. ولا أعرف كيف تطورت الأمور بيننا .. رغم أن ما بدأ هذا مكالمة بالصدفة .."
لم أعلق تركت شقيقي ينساب في وصف صدمته في ما فعلته بنة به .وكان تفكيري ينحصر في ردة فعل فيصل هل قرأ الرسالة ؟؟ أم لم يقرأ ؟؟ لا أعرف .. عدت لأنظر لشقيقي المفجوع في تجربته الاولى في الحب وقلت بحكمةغبية لا أعرف من ألهمني بها
" لكل شيء مرة أولى .. وبما أنها انتهت من حياتك .. يجب أن تنساها .. وصدقني انها لا تستحق العناء .. ستجد من تستحقك وتبادلك الاحساس بالإحساس .. "
فكرت لثانية تبادلك الإحساس بالإحساس ؟؟ ما هذا أهي اعلان تجاري للشوكلاته الرائعة (جلكسي ) آه تلك الشوكلاته اللذيذه مم كيف تذوب بكل أناقة بين الشفاة.. وأدركت في تلك اللحظة كم كنت جائعة .,.... تبا للريجيم ... تبا ... نظرت إلى شقيقي الذي إلتزم الصمت .. وكانت ملامحه تصرخ بالقهر ..والحزن ..والحب ... أشياء أعرفها تمام المعرفة .. يا إلهي ..كنت أنصح شقيقي بنسيان شيء انتهى من حياته .. ونسيت نفسي ..نسيت أنني من تعلقت بحب يائس من طرف واحد ..
********
اتصلت بعمي لأسأله عن حال حسن .. وقال لي انه في العناية المشددة ومنعوا أي شخص من أن يدخل إليه .. أخبرت جدتي بذلك فسألتني غاضبة " طلبت منك أن تعرفي نتيجة العملية .. اتصلي مرة اخرى وأعطيني السماعة "
فعلت كما أمرت .. وسمعتها تتمتم بأسئلة عن حال حسن ...خرجت إلى المطبخ لأشرب كأس ماء .. كم تقت لأن أفتح الثلاجة . لكني خرجت لأجد جدتي مكتئبة ..
"ماذا ..هناك ؟؟"
أجابتني جدتي والدموع تتدفق من عينيها بقوة ..
" لا أعرف .. لم يشف غليلي حديث عمك .. أخذ يطمني بأن كل شيء يسير على مايرام ..وأنا أعرفه .. هناك مشكلة .. سأرتدي ملابسي واذهبي لتغير ملابسك سنذهب إلى هناك .."
أطعت جدتي .. رغم أن عظامي قد تكسرت من حصة الإيروبيك المسائية ..
وعندما وصلنا وجدت أبي ومحمد ومبارك وعبدالعزيز وفيصل وعمي خالد وسيف أخو حسن الكبير .. اجتمعوا جميعا والحيرة ارتسمت على وجههم .. قال أبي مستاء
" مالذي أتى بك يا أمي .. فاطمة .. "
قالت جدتي في حزم مانعة أبي من توجيه اللوم لي " أنا أحضرتها معي لم يعجبني صوت خالد .. قولوا الحقيقة .. ماذا حدث ؟"
تردد الجميع في الإجابة .. أخيرا أجاب سيف
" العملية لم تنجح تقريبا .. انه الآن في غرفة العمليات منذ ساعتان"..جلست جدتي ولم تستطع منع دموعها وبقيت تدعو له هامسة .. وكان منظرها هي وعمي خالد يمزق قلبي .. قال عبدالعزيز " لنذهب لنتاول شيئا .."
قال أبي في تعب " سأذهب الآن .. لم أتناول دواء القلب ."
قال عمي خالد بإمتتنان واضح " لقد أتعبتك كثيرا معي .. "
أمسك أبي بكتف عمي مانعا اياه من الحديث
" سأعود بعد نصف ساعه ..لن أدعك وحدك .."
ازداد بكاء جدتي وازدادت دعواتها ..
خرج أبي وخرج الشباب ليتناولوا شيئا ومعهم عمي خالد وبقينا أن وجدتي ننتظر في انتظار السيدات .. أمسكت بقرآن صغير وضع على الطاوله وبقيت أقرأ جزءا منه لجدتي التي لايهدأ بالها سوى بالقرآن ...
"فاطمة "
خرجت من عند جدتي لأجد عبدالعزيز يحمل طعاما بيده " أقنعي جدتي أن تتناول شيئا .."
هززت رأسي موافقة قال هامسا " هل كان هذا صوتك في الترتيل ؟؟ "
هززت رأسي مرة أخرى .. ورأيت استحسانا منه .. قلت له وأنا أنظر خلفه
" أين الباقي ؟؟"
قال وهو ينظر إلى الساعة " سيأتون بعد ربع ساعة .."
استأذن وغادر لينضم إليهم ..
أقنعت جدتي بصعوبة بتناول شيء من الطعام .. وعنما اجتمعنا مرة أخرى، مرت ساعتان قال عمي خالد وهو ينظر إلى الساعة
" فيصل ..يجب أن تغادر .. وخذ فاطمة معك .. الساعة قاربت العاشرة .. ولديكما عمل ان عبدالعزيز وسيف ومبارك ومحمد أخذوا اجازة للغد .. "
شعرت أن قلبي قبض ...مع فيصل في سيارة لوحدنا ؟؟
هل جن عمي ؟؟ هل يريد أن يتسبب لي بجلطة قلبية ؟؟
نظرت إلى محمد ثم إلى جدتي ولم أستطع أن أتجنب النظر إلى عبدالعزيز .. لم يعترض أي منهم ..
قالت لي جدتي تستعجلني " لم ترتاحي اليوم يا فاطمة .. اذهبي .."
تمتمت " وأنت ؟؟ "
قالت في نشاط " انا بخير اذهبي "
لا أعرف لم أصبحت خطواتي بطيئة هكذا .. كان بيني وبين فيصل خمسة أمتار على الأقل ونحن ننتقل بين أروقة المستشفى .. كان لايلتفت إلى الخلف وخطواته سريعه جدا .. واضطررت إلى أن أجري كي لايغلق المصعد وأتوه عنه .. كان في المصعد ممرضتين آخرتين ..تتبادلنا الحديث باللغة الانجليزية .. حول حياة كل منهما .. هذه تقول أنها تحدثت بالهاتف مع زوجها مساء أمس وتشاجرت معه والأخرى تقول أنها حادثت والدتها لكنها لم تجد شقيقتها ..
خرج فيصل ولحقت به كي لا أفقده .. توجه نحو سيارته الفورويل وركبها دون أن يناديني .. لم أعرف هل أصعد أم ؟؟ وقفت متحيره .. ليشغل السيارة .. قال لي عبر النافذه " ألن تصعدي ؟"
صعدت في المقعد الخلفي .. ليصرخ بي " هل أنا السائق لتجلسي في الخلف ؟؟ تعالي إلى المقعد الأمامي .."
لثواني ترددت وكدت أبكي .. لكنني نفذت ماطلب ..
شعرت بأنني من الداخل كأنني لوح زجاج مليء بالشروخ ..شعرت أن قلبي سينفجر الآن ...حيث ازدادت نبضات قلبي بشكل مجنون ..جلست في مقعدي أنظر إلى الأمام ..وأسترق النظر إليه بين ثانية وأخرى .. كتمت دموعا غزيرة .. يا إلهي .. كم أحبه !
قال لي بهدوء " لدي عدة مشاوير .. ثم سأقلك إلى منزل عمي "
لم أجب ..لقد شعرت أن قلبي سيطير من مكانه .. أدار الراديو .. ليطربنا عبد المجيد عبدالله بأغنيته الرائعه " تنتظر كلمة أحبك " .. انتابتني أحاسيس شتى .. لم أستطع كبح دموعي أكثرأدرت وجهي بعيدا .. كي لايرى دموعي ..
وقف قرب محل للصرافة .. ثم قرب محل للبريد( فيديكس) .. ..ثم في النهاية وقف لدى مطعم وقال " انتظري هنا .. سأقابل شخصا مهما ... "
هززت رأسي .. غاب لأكثر من عشر دقائق ثم عاد وقال " انزلي .."
استغربت طلبه ...قال شارحا
" كنت على موعد مع أحد الدبلوماسيين الأجانب .. وهو برفقة ابنته .. هي في مثل عمرك تقريبا .. أحتاج للحديث معه في أشياء عده .. سيسافر غدا .. "
نظرت إلى الساعة " إنها الحادية عشرة مساء !"
قال غاضبا " سيسافر الرجل في الساعة الواحدة صباحا .. لاتعقدي الأمور .. هيا .. سنبقى لنصف ساعة فقط .."
تأكدت من منظري .. كنت جيده .. نزلت من السيارة برفق .. لندخل إلى المطعم واتجهنا إلى طاولة يجلس عليها فتاة شاحبة شقراء نحيلة .. ورجل في العقد الخامس اكتسى الشعر الأبيض رأسه .. قابلنا بابتسامة رائعه .. قال له فيصل بانجليزية قوية أنني كنت مترددة فقلت له على الفور أن السبب كان في الوقت لاغير ..
جلست بقرب الفتاة التي كانت تدعى كريستين ترتدي صليبا ماسيا حول عنقها .. تبادلت معها كلاما بسيطا حول السياحة في البلد والدولة التي جاءت منها .. وأعربت عن مدى عشقها للصحراء..وأنها ووالدها سيكرران الزيارة مرة أخرى إلى هنا ..
كنت أنظر إلى فيصل الذي انغمس في حديث جدي .. تناولنا العشاء .. ومن ثم عرض فيصل أن يوصل الدبلوماسي إلى المطار .. نظرت إلى الساعة انها الثانية عشر وخمس عشرة دقيقة ..
ركبنا السيارة ووصلنا جميعا إلى المطار وكانت حقائب الدبلوماسي قد وصلت قبلنا عدت إلى السيارة .. وكان التعب قد أهلكني .. ونسيت للحظة أن فيصل يجلس بقربي وأننا معا منذ ساعتين ..
قال فيصل " سنذهب الآن إلى المنزل.."
كان المطار بعيدا نوعا ما عن المنزل .. شعرت أن الحاجز بيننا قد زال ..قلت له سائلة " هل قرأت رسالة حمده ؟؟"
لم ينظر إلي هز رأسه وقال " أكيد ."
قلت وأنا أعرف أنني أتجاوز كل حدودي " ما سر الورقة البيضاء ؟؟"
رأيت تعبيرا غريبا ارتسم على وجهه كأنه تذكر شيئا آلمه .. ثم قال " لم لم تسألي حمده ؟؟"
قلت محاولة أن أبدو طبيعية .. " لا أعرف .."
لم يجبني وتركني أغلي فضولا ..يالي من متناقضة .. أذكر مرة أنني أخبرت عبدالعزيز بأنني لا أحب الفضول .. لكن ..من أجل فيصل إنني أتشوق لمعرفة كل شيء يخصه ..نظرت إلى الساعة ..إنها الواحده .. وصلت إلى المنزل ولم أستطع ان أنطق سوى بكلمة شكرا ... ورميت بجسدي على السرير لأغرق في نوم عميق...

24_
استيقظت على رنين المنبه .. أنها الخامسة .. أشعر بأن جسدي قد تحطم تماما .. ذهبت إلى مشواري اليومي ومشيت مايقارب الخمس وأربعون دقيقة ...ولم أستطع تحمل الربع ساعة الأخيرة .. عدت وأخذت دشا سريعا .نزلت لأجد جدتي قد عادت للتو مع مبارك ..وكانت تترنح من التعب ..
" ماذا حدث ؟"
قال مبارك وقد بدا متعبا بدوره " الحمدالله .. سيحتاج لوقت طويل للشفاء "
دخلت جدتي غرفتها .. لتصلي وتنام قليلا ..
غيرت ملابسي واتجهت إلى عملي ...
لو قال لي عراف ما أنه يوما ما سينتهي بي العمل مع فيصل لما صدقته .. دخلت إلى المكتب لأجده قد وصل قبلي وفتح الكمبيوتر الخاص بي .. أغلقت الكمبيوتر قبل أن أتجه لأرى ماذا يفعل .. كان يجلس هناك يراجع مسودات كثيرة .. ويبدو من عينيه أنه لم ينم طوال الليل ..
" صباح الخير "
" صباح الخير .. خذي .. أريدها حالا "
أمسكت تلك المسودات واتتجهت لكمبيوتري لأفتحه مرة أخرى وشعرت بمدى كسلي ..طبعت الخطابات بسرعة كبيرة .. تأكدت من المفردات والأحرف .. وطبعتها بسرعة بعد أن حفظتها تحت مسمى فيصل .. ودونت التاريخ ..
دخل عمي إلى المكتب وهو في قمة تعبه ..
" عمي .. مالذي أتى بك .. لم لم تبقى في المنزل لترتاح قليلا .."
قال عمي وقد ارتسمت على ملامحه علامات الجهد والتعب ..
" لدي عمل .. أحضري هذه وتعالي إلى مكتبي "
حملت عملي ودخلت إلى المكتب لأجد عمي قد رمى بجسده على الكرسي وغترته وعقاله قد استقرتا على المكتب .. دخلت وأعطيته الخطابات واستدرت لأدلك له كتفيه قليلا ..
" شكرا فاطمة .. أنني فعلا متعب .."
بعد خمس دقائق قال " يجب أن أتقاعد وأسلم هذا العمل لفيصل .. لقد أصبح يجيده"
انتفضت لهذه الفكرة .. هل سأبقى لآخر عمري أعمل برفقة فيصل ؟؟ هل سأكون مثل شيرين ؟؟ أفني عمري في العمل قبل أن أكتشف أن عمري قد مر هباء ؟؟
دخل فيصل لمكتب عمي وقال " كيف حال حسن ؟"
هز عمي رأسه بما معناه أنه جيد .. " يكفي يا فاطمة ..شكرا حبيبتي .. عودي إلى مكتبك ."
اتجهت إلى مكتبي .. ولا أعرف لم نظرت إلى دليل الهاتف ونسخت رقم شيرين لأتصل بها في مقر عملها الجديد ..وعرفتها بنفسي عندما لم تميز صوتي ..
قلت لها " شيرين .. هل كان سبب بقاءك كل هذه المده في العمل لدى عمي سببا شخصيا ؟؟"
شعرت بصمتها .ثم قالت بعد لحظات " وماذا تظنين أنت ؟؟"
قلت مايدور في قلبي من شكوك " أكنت تحبين عمي ؟؟أهذا هو السبب الثاني الذي رفضت اخباري اياه من قبل ؟"
شعرت بها ...شعرت أنها ابتسمت .. كيف لا أعرف .. لكنها قالت لي أخيرا
" هذا هو السبب الثاني .. "
قلت وقد تملكني الذعر لكنني حاولت اخفاءه ونطقت هامسة " كيف ؟؟"
قالت أخيرا " كان شيئا خاصا .. بي أنا .. لا أعتقد أن عمك شعر يوما بما يدور في داخلي من أحاسيس .. كانت علاقته بي عملية بحته .. لكنني كنت قد كرست نفسي لأجله ..لم يشعر يوما بشيء .. وكان هذا هو هدفي .. أن أبقي ما بداخلي من مشاعر بريئة .. "
سألتها " ومالذي تغير ؟؟ "
قالت لي بلهجة هادئة " استيقظت ذات يوم .. لأجد نفسي في دوامة خاسرة .. لأجد أنني أفنيت عمري ولم ..... لقد عشت حلما جميلا .. لكن لمدة طويلة .. قررت أن أثور .. وها أنا .. قد تزوجت منذ أسبوعين بشخص ... رائع .. "
شكرتها على صراحتها .. وأغلقت الهاتف لتنهمر دموعي .. إذا تقاعد عمي .. لاشيء يمنعني من تكرار مأساة شيرين .. هل سأبقى سكرتيرة لفيصل ؟؟ لأعذب لآخر عمري في حب صامت ؟؟ .. لا .. قررت قرار لا رجعة فيه .. إذا تقاعد عمي .. سأستقيل .. وأبتعد عن طيف فيصل .. كففت دموعي وعدت لعملي ... لكنني كنت أسرح بين فينه وأخرى .. وأفكر في شيرين ...
********
ها قد مر شهرين آخرين لا شيء جديد سوى أن الرياضة أصبحت روتينا في حياتي .. اعتاد جسدي على الآلآم .. اعتدت التعب .. فقدت عدة كيلو غرامات .. فقدتها من وجههي .. وقليلا من بطني ...
رغم أنني تعبت وأريد أن أنتهي من هذا الريجيم .. لكنت أشعر بأن الأيام تقف ضدي .. فهي بطيئة بشكل غير معقول .. أصبحت أكثر تكتما .. أحبس نفسي بين جدران غرفتي .. تجتاحني رغبة شديدة في البقاء معزولة عن الجميع .. أصبحت لامبالية بأحد .. واهتممت بنفسي أكثر ..
تحسن حسن كثيرا لكنه سافر إلى الخارج ليبدأ سلسلة علاج طويلة جدا.. وتحسنت حالة عمي النفسية..
ستلد منال خلال بضعة أسابيع ..
رسمت عيني بالكحل .. وارتديت العدسات الملونة ..ووضعت ظلا لعيناي بلون البيج لا أعرف مالذي جعلني أستخدم المكياج بكثرة .. وضعت لمسات المسكره والبلاشر وملمع الشفاه الشاحب .. اليوم سأذهب لمنزل عمتي التي لم أراها منذ شهر .. لبست عبائتي وركبت برفقة جدتي السيارة ..
قالت جدتي " سنذهب اليوم لرؤية عمتك .. ولكن أولا سنذهب إلى السوق "
فقلت " ماذا سنفعل في السوق ؟؟ "
" سأشتري هدية لأبنة عمتك صافية .. زفافها بعد أسبوع .. "
قلت مستاءة " قالت لي من سنة أن زفافها سيكون بعد سنتين .. لماذا استعجلت ؟"
قالت جدتي " تعرفين .. كان ابن عمها حسن غير جاهز في بداية خطبتهما .. لكنه الآن جاهز .. وسيفعل فيصل الشيء ذاته .. حالما يجهز كل شيء سيتزوج منى .."
شعرت بغصة اثر قول جدتي هذا الحديث .. يا إلهي .. إلى متى سأبقى حساسة تجاه هذا الموضوع .. لقد اعتدت وجود فيصل حولي كل يوم .. لكن إلى الآن لم أعتد فكرة زواجه بمنى .. نزلنا إلى مجمع كبير .. اتجهت جدتي إلى محل فساتين .. صدمت من ذلك .. قالت لي بابتسامة " أولا سنختار فستانا لك .."
لم أفكر في حضور حفلة الزفاف .. فاجأتني جدتي.. لم أستطع منع نفسي من تأمل الفساتين الرائعة الجمال .. لقد أصبح وزني خمس وثمانين كيلو جرام .. هل سأجد فستانا يلائمني ؟؟ لم أستطع منع نفسي من تأمل فستان أخضر ..بلون الجيد .. قالت لي صاحبة المتجر أنه توجد مقاسات .. كنت مترددة كثيرا .. لكني جربته في غرفة قياس خاصة .. ذهلت جدتي .. قالت مستحسنة إختياري " يليق بك .. "
أجل وقفت .. رغم بعض الأرطال الزائدة .. بدا جميلا .. رأيت كيف ظهر خصري من العدم .. لم أستطع منع نفسي من البكاء .. شكرا لك يا سارة .. فعلا .. شكرا لك ..
أخذت الفستان ودفعت ثمنه الباهظ رغم اصرار جدتي.عبر بطاقة اعتمادي التي لا استخدمها ..
.. ثم اتجهنا إلى احد محلات المجوهرات .. أخذت جدتي قطعة ذهبية رائعة باهظة الثمن لصافية .. بينما أخذت لها قطعة ماسية ناعمة رغم أن ثمنها مرتفع .. لكني لم أستطع منع نفسي من تأمل طقم رائع يليق بفستاني الأخضر ..سألت عن سعره .. كان سعره مرتب شهر كامل .. اشتريته .. فأنا لا أنفق مرتبي على الإطلاق .. أقنعت جدتي بصعوبة بان أمر بمحل لأشتري القليل من المكياج وعطرا أو عطرين ..
قالت لي جدتي بعد أن أطلت المكوث " يجب أن نغادر .. أصبحت الساعة السابعة .. يجب أن أذهب لمنزل عمتك .. فنحن لن نرى العروس خلال الأسبوع القادم ..ستكون مشغولة كثرا .."
حملت الكثير من الأغراض وعطرين واحدا لي وآخر عربون شكر لساره التي لم تتخل عن دعمها لي ..
*************
وجدت عمتي في المنزل تنتظرنا .. الكل أثنى على مدى التغيير الذي حدث لي .. نظرت إلى صافية كيف تبدو متألقة .. ومن ثم إلى منى التي تبدو شاحبة .. مابها يا ترى ؟؟ ربما هي حزينة لأن صافية ستفارقها .. اختفت صافية لدقائق .. نظرت إلى منى
" مابك ؟؟ "
" ماذا ؟؟ "
سألتها مرة أخرى " لاتبدين طبيعية .. ماذا حدث لك ؟"
قالت محاولة أن تتحكم بملامحها " لاشيء .."
شعرت أنها لاتريد أن تتعاطى معي .. لكني لم ألاحظ شيئا على فيصل سوى أنه إعتاد وجودي في المكتب وانتهت نوبات الغضب التي كانت تنتابه .. استأذنت منى وغادرت بقيت أفكر هل هناك شيئا لا أعرفه ..
"فيم تفكرين ؟؟"
نظرت إلى الصوت الذي لم أسمعه منذ أشهر ..
" عبدالعزيز .. "
تصافحنا وجلس إلى جانبي
" امم .. تبدين ... هناك شيء قد تغير بك ؟"
ابتسمت وقلت له بثقة " لاشيء سوى أنني أرتدي عدسات .."
وأشرت إلى عدساتي الخضراء التي تغطي لون عيني الأسود ..
قال لي مخيبا آمالي " لا .. ليس هذا كما أن اللون ليس واضحا .. سواد عينيك يطفيء لون العدسه .."
قال لي هامسا " يعرف عن صاحب العينين السوداوين مدى شفافيته وحساسيته .. هل تحاولين أن تخبئي شيء عنا بتغطيتها بهذه العدسة المزيفة ؟؟أسرار ؟؟ ؟"
قلت متحدية " لا .. ليست لدي أسرار .. "
قالت جدتي " لنذهب يا فاطمة "
" لا .. لن تذهبوا .. "
إلتفت إلى عبدالعزيز .. وقلت " لايوجد مجال للبقاء .."
لا أعرف لم ارتبكت حين نظر إلي مستاءا .. قالت جدتي " سنبقى قليلا ."
ثم دخلت جدتي مع عمتي .. ولم يبق سوانا في الصالة ...
وقفت لأتبعهما قال لي بثقة " اجلسي اجلسي .."
جلست وقلت له معاتبة " ألا تشعر بأنك تصدر الأوامر بثقة ؟؟"
لا أعرف لم بقي ينظر إلي صامتا .. سألته
" مابك ؟"
قال بعد صمت طويل " كانت تعجبني فاطمة القديمة . أكثر .. لا أحد يستحق أن تتغيري من أجله ..من أجل من يا فاطمة ؟؟ "
كانت كل كلمة كخنجر من جليد اخترقت روحي .. لم أستطع كبح النزيف.. فسالت دموعا بريئة من خارج مقلتي .. كانت كلماته منتقاة بعناية .. فكرت في رد مناسب لكني لم أستطع سوى النطق بما أراد قلبي أن ينطق
" من أجل نفسي .. تغيرت .. من أجل كبريائي .. من أجل كرامتي .. كي لا أكون موضع اهانة بعد الآن .أو موضوعا للسخرية .. "
لا أعرف مالذي جعلني أقول ذلك .. لكن كلماته اخترقتني بألم ..
تغيرت تلك النظرة المتفحصة الغامضة .. إلى شيء آخر .. كان بريقا يشع من عينيه ..وأنا أتقن لغة العيون أكثر من اتقاني لهمسات الحناجر ...
مسحت عيني عن الدموع .. ونظرت إلى اتجاه آخر .. قال بعد أن استعدت توازني وتنفسي ..
" لا أقصد .. أن .. لكن كل ما في الأمر .. أنني أحببت فاطمة البسيطة .. خلال جلوسي معك أحسست أنك أصبحت مختلفة .. كنت أفهمك من نظرة .. لكن الآن .. لست أنت .. من كانت .."
" ماذا تقصد ؟؟"
قال باشمئزاز " أصبحت .. أكثر .. تقليدا .. كنت نمطا فريدا .. وها أنت تتحولين إلى نسخة أخرى من تلك النسخ المبتذلة ؟"
" نسخ مبتذلة ؟؟"
هز رأسه مؤكدا " طبعا .. تعرفينها .. التي تود أن تغير كل مافيها .. "
" أتسمي التطور والتحسن ابتذالا ؟؟"
" ابتذالا .. هي الكلمة المناسبة يا فاطمة .. ها قد بدأت تتخلصين من كل شيء كان يشير إليك سابقا "
هززت رأسي وقلت " لا أستطيع أن أجاريك في مصطلحاتك .. ربما تغيرت من بعض النواحي .. لكنني أبقى فاطمة .. "
قال نافيا " لا .. لست فاطمة .. أنت تحاولين أن تقلدين أحدا ..أو .. ترضين أحدا "
نطق الكلمتين الأخيرتين بحذر شديد ..
بدأت دموعي في الهطول .. وقفت واتجهت إلى سيارتنا التي تنتظر في الخارج .. ولم أستطع كبح نفسي .. شعرت بيد تمسكني .. نظرت إلى الخلف لأجد عبدالعزيز الذي قال وكانت نظرة الخوف تعتلي عينيه
" لا تبكي .. لم أقصد أن أجعلك تبكين .. "
" أنت مخطيء في نظريتك .. لايعني أنني تغيرت أنني أسعى للتقليد "
" أنت تعرفين ما أعني .. أنا أفهمك من نظرة واحده .. وأعرف ما يختلج نفسك من أفكار ..لاتحاولين اقناعي أنك الآن فاطمة التي كانت من أشهر قليلة تبتسم بلا أقنعة .. أنا أعرف هذا "
ازددت بكاء .. وسحبت نفسي إلى السيارة لكنه لم يكف
" فاطمة ... ....فاطمة .. "
قلت وكنت أمسح دموعي براحة يدي " أنت لاتعرف .. لا تعرف .. "
واتجهت إلى السياره وأنا اسمعه يصرخ " لا أعرف ماذا ؟؟ "
لكنني أنا نفسي كنت أتساءل .. مالذي لايعرفه ؟؟ انتظرت خمس دقائق وجاءت جدتي .. لنخرج .. لاأعرف مالذي حدث .. ماذا أنت يا عبدالعزيز ؟؟ هل أنت ضميري ؟؟ هل أنت المرآه التي تجعلني أواجهه نفسي ..؟؟
***********************
وجدت ساره تنظر إلي بقلق .. قالت لي بعد أن أخبرتها بكل ماجرى
" لم .. في لحظة ما قررت أنك لاتليقين بعبدالعزيز ومستحيل أن ينظر إليك .. وفي لحظة أخرى وقعت صريعة في غرام فيصل دون أن تفكري كما فعلت عندما التقيت عبدالعزيز ؟"
" لأن عبدالعزيز لم يمتلك قلبي في ذات اللحظة كما فعل فيصل "
لم تفهم سارة وقالت " أتعنين أنك أحببت فيصل من النظرة الاولى ؟"
هززت رأسي بأجل وأغمضت عيني لتذكر تلك اللحظة .. كيف التقت عيناي بتلك العينين .. كيف اقتحمت تلك المشاعر قلبي بدون استئذان ..
قالت سارة " لكن عبدالعزيز لايقل عن فيصل سواء بوسامة أو ثقافة وأخلاق "
لم أجبها .. وتقلبت على سريرها .. قالت لي بعد دقائق
"أقال لك عبدالعزيز أنه أحب فاطمة القديمة ؟؟ هل قال أنه كان يفهمك من نظرة ؟؟ "
عقدت حاجبي واستدرت لأرى ملامح ساره وقد ارتسم عليها الشك .. كيف لم أركز في هذه الكلمات ؟؟ كنت أركز في قوله لي أنني تغيرت لأجل شخص ما .. أصابني الذهول لدقيقة .. وقلت لسارة " ماذا تقولين .. ماذا تقصدين ؟؟"
قال سارة بتردد " هل... "
قلت رافضة " لا .. قطعا لا .."
" ولم لا ؟؟ قد يكون يحبك .."
قلت برعب " يحب ماذا؟؟ أنا ؟؟"
وقفت ووقفت سارة إلى قربي " هو من اعترف بذلك .."
هززت رأسي وتلك الفكرة ترعبني " لا .. "
" لم لا ؟؟ عليك أن تتقبلي أن فيصل سينتهي إلى أخرى.. هل ستبقين غارقة في ذكرياتك وأملك المستحيل ؟"
" ماذا تقولين .. وحبنا ؟؟ "
قالت سارة بحكمة " وهمك أنت .. فيصل لم يفعل شيء يبرر على حبه .. وهو لا يعرف ماذا تحملين من مشاعر تجاهه .. عبدالعزيز شاب وسيم ناجح .. لم لا ؟؟ ويكفي أنه يحبك أنت .. "
قلت والدموع تتدفق إلى عيني " لا .. لاتجعليني أبني أوهاما لا أساس لها .. عبدالعزيز لن يفكر بي سوى .. كــابنة خاله .."
" فاطمة .. عشت مسبقا وهما لا أساس له مع فيصل .... لكن الآن يجب أن تقبلي بهذه الفكرة .. لم لا ؟؟ قد تكون حياتك في منتهى السعاده مع ابن عمتك وتعرفين القول المعروف ..ابحث عمن يحبك .. وليس عمن تحبه .."
" لا يا ساره .. هذه قمة الأنانية .. "
" الأنانية ؟؟ بحق من ؟؟"
" بحق قلبي الذي لايستطيع أن يعيش بدون أن يحب..وبحق من سأرتبط به .. حيث لن أوفيه حقه في الحب .. "
" دعينا لانستبق الأحداث .. انهي فيصل من حياتك .."
" كيف سأنهيه وأنا أزداد حبا له كل يوم .. رؤيته يجلس خلف مكتبه .. تغنيني عن الهواء الذي أتنفسه .. الكلمات التي يوجهها لي .. أتوجها داخل قلبي تذكارا للحظات من نبض قلبي .. رائحة عطره التي تتخلل أنفاسي كل صباح .. تجعلني أشعر بأنني على قيد الحياة.. طيفه الذي أفكر به كل ليلة أصبح جزءا من حياتي ....كيف سأنساه وأنهيه من حياتي .؟؟ وهو حياتي بحد ذاتها ؟؟"
قالت سارة منهية النقاش في هذا الموضوع " لكن عبدالعزيز كنز يجب ألا تفرطي به، لن تحلمي بأن تتاح لك الفرصة مرة أخرى في ايجاد شخص يحبك لذاتك .لشخصيتك و لشفافيتك .. لا المظهر الذي أنت عليه " ..
***********
_25 _
عندما رأيت نظرة أمي اجتاحني شعور بالسعاده ..
" فاطمه !! .. تبدين رائعة "
رأيت نظرات الحسد من عيني منال التي تمتمت بغيرة وهي ترتدي فستان الحمل وقد بدت دائرية بالكامل " لون الفستان ليس .."
قاطعتها أمي " بالعكس .. إنه رائع على بشرتها البيضاء .. لطالما كان الأخضر سيد الألوان بالنسبة لفاطمة .."
أعطيت أمي الطقم الرائع لتلبسني اياه قالت لي
" إنه رائع .. "
أرضت غروري كلمات أمي ومدحها لي .. ارتديت العباءة .. وكنت قد قدمت للتو من مصفف الشعر وكنت قد وضعت مكياجا مناسبا ..اتجهت إلى الحفلة وكانت الساعة تشير إلى التاسعة .. ورافقتنني سارة التي بدت رائعة من خلال فستانها الفيروزي جلست برفقتها إلى طاولة خصصت لنا . لم أعرف أحدا من أهل عم منى وصافية .. جلسنا هناك نتحدث أنا وسارة .. والكل ينظر إلينا .. فأنا لا أخرج إلى حفلات العائلة .. وسارة عضو جديد في عائلتنا .. سألتها
" لم لم تأت أمك ؟؟"
قالت سارة " قالت لي أنها لاتعرف أحدا .. ثم يجب علي أنا ان أندمج مع مجتمعكم .. وسوف أبقى معك أو مع عمتي أم مبارك .. ثم أن أمي لها جوها الخاص واليوم ستذهب لاجتماع في منزل أحد المدرسات .. إلخ ... "
" يبدو أن والدتك لديها صلات قوية بعالم التدريس .. انني أشتاق لمها .. وما أخبار عفرا واختفاء مريم المفاجيء "
قالت سارة "هل وجهت دعوة لمها فهي لاتتوانى عن حضور هذه الحفلات "
" أجل دعوتها .. لكن اليوم ستذهب إلى منزل خالتها حيث يحتفلون بخطبة ابنتهم .."
قالت سارة" أنني أرى مها في الجامعة هي وعفراء تجلس مها معي لساعات .. أما عفراء .. فهي برفقة فتاة لا أعرفها .. لكن يبدو أن علاقتهما جيده .."
رأيت حمده تتجه نحوي .. وقفت وعرفتها على سارة بعد أن سلمت عليها
" لم أعرفك .. حقا تبدين رائعة... "
كانت ترتدي فستانا أحمر جميل .. وهي تبدو رائعة الجمال ....أشارت إلى نوف التي جاءت وسلمت عليها ..
قالت حمده " هذه فاطمة ابنة عمنا .. "
" ماذا ؟؟ هل هذا صحيح ؟؟ لقد تغيرت.."
لعنت الزمن الذي لم تعرف ابنة العم فيه ابنة عمتها ..قلت ببساطة
" لم أرك منذ وقت طويل .. وعندما أتيت لأرى حمده آخر مرة لم تكوني موجوده .."
" أخبرتني حمده بمجيئك .. كنت في عيادة الأسنان .."
عرفتها حمده على سارة بأنها خطيبة أخي محمد . ..
قالت حمده " نوف .. هلا بقيت مع سارة قليلا .. أريد التحدث مع فاطمة .."
" حسنا .."
سحبتني حمده إلى ممر خارجي .. " اعذريني .. أردت أن أحادثك منذ وقت طويل . لكن حادث حسن منعني .. "
" هل تريد أن تسأليني عن الرسالة ؟؟"
هزت حمده برأسها ..
قلت بصراحة " لقد سلمتها له .."
قالت بهمس " لقد عقد قراني على ابن جيراننا .. وسيكون الزفاف بمجرد عوده حسن .. لقد انتهى كل شيء بالنسبة لنا .. لكنني أريد أن أعرف .. هل قرأها ؟؟"
" في البداية .. رفض وطلب مني اعادتها إليك .. لكنني رجوته .. وسألته لاحقا إن كان قرأها .. فهز رأسه بالموافقة "
" ماذا كان رد فعله ؟؟"
" هادئا .."
"جيد .."
أحسست أنها ارتاحت وأكدت احساسي عندما قالت " أردت أن يصل اعتذاري إليه .. من حسن حظي أنني سأسافر لمدة خمس سنوات برفقة زوجي بعد الزواج .. ولن أحضر زفافه بمنى لن استطيع أن أتحمل ذلك ... .."
خنقتني كلماتها .. يا إلهي .. ماذا سأفعل ؟؟ إن تم زفاف منى بفيصل ؟؟:كيف سأحضر الزفاف .. لكن تجرأت وسألتها " ماسر الورقة البيضاء ؟؟ "
ابتسمت كأنها تذكرت شيئا ...
" انه رمز بيننا .. يدل أن قلوبنا صافية تجاه بعض .. في المرة الأولى التي تشاجرت معه .. أرسل لي وردة حمراء .. وورقة بيضاء رائحتها كالمسك .. أغضبني أنه لم يكتب شيئا .. كإعتذار أو ماشابه ...ثم اتصل ليقول لي .. أن الوردة الحمراء عربون حب أرسله بكل اخلاص .. والورقة البيضاء غصن زيتون .. راية استسلام ... وأنه كبياض قلبه..لاتحوي أي نقطة سوداء تجاهي .. وأصبحنا كل مرة نتشاجر .. نتصالح بورقة بيضاء .. تدل على أنه لا ضغينة في قلب أي منا تجاه الآخر .. تلك الورقة التي لاتحوي حرفا واحدا .. كانت تعبر عن كل كلمات الأسف والإعتذار .. "
ابتسمت وهزت كتفيها وعادت إلى الداخل .. لأبقى هناك .. ممزقة .. وقد ازددت حبا .. بفيصل ..
عدت إلى الداخل وكانت سارة هناك .. لم أخبرها .. لكني سمعت أغنية رائعة لمحمد عبده .. ((سمي ..)) ذهبت لأرقص .. ورافقتني سارة . .. لا أعرف الرقص .. لكنني نسقت حركاتي بموسيقى الأغنية الرائعة ..
"اييه أحبك والغلا يسري بدمي والسهر ماقدر عيون السهارى ..
والله اني ماشكيت الناس همي لو عظيم الحلم عن عيني توارى "
كانت هذه الكلمات كافية لأن أقتنع أن قلبي سيبقى إلى الأبد يعشق انسانا اسمه فيصل.
فهمت سارة مايجول في خاطري من أحزان .. أمسكت يدي .. ونزلنا عن ساحة
قالت " لاتتركي دموعك تنساب ..سيؤلفون مائة قصة وقصة عن ذلك "
هل لهذه الدرجة أنا مكشوفة .. وكأنها قرات مايجول في خاطري
" ملامحك تنتطق بالحزن... ماذا قالت لك حمده لتصبحي هكذا ؟"
" سأخبرك لاحقا ... حاليا لارغبة لدي في الحديث .."
جلسنا هناك .. أتت صافية وكانت تبدو رائعة .. ذهبت لأبارك لها .. وكانت منى تقف بقربها وقد بدا عليها الحزن .. ويبدو أن هذا قد شفى غليلي قليلا .. أن أعرف أنه من سترتبط بفيصل .. حزينة مثلي ... في تلك اللحظة !
*******************
أمسكت بورقة بيضاء .. لتنسكب دموعي بغزارة عليها .. تبا . لماذا كتب علي الشقاء ؟؟لماذا ؟؟ ماسبب دقات قلبي هذه الغير متزنه .. ولم أحب شخصا لن ينظر إلي يوما ..تمتمت .. سأكتب .. أجل .. سأحاول أن أجد كلمات العشق تلك في داخلي .. ففي كل امرأة توجد آلاف من الكلمات الرائعة .. أنوثتها تعطيها الحق في العزف على الكلمات .. .. أمسكت بالقلم .. لكن لم يسعفني قلبي في كتابة كلمة واحدة .. وبعد ساعتين من التفكير وجدت نفسي أكتب شيئا واحدا ...
" فيصل " ..
أجل ... فهذا ما أسعفتني به قريحتي الشعرية ... هذه هي قصيدة حياتي وخواطري ..
هذا هو كل ماتدور حياتي من أجله ... هذه أجمل كلمة في قاموسي ... تأملت أحرف الإسم .. كلانا نبدأ بحرف الفاء ... ابتسمت مرغمة ... مزقت الورقة بعد أن شطبت الإسم .. خرجت من غرفتي لأجد والدتي تجلس في الصالة لوحدها وهي صامته .. لاتزال في ملابس السهرة..
قبلت رأسها " كيف حالك .."
" بخير .. بدوت رائعة جدا .. جدتك ذهبت برفقة عمتك .. التي كانت في حالة نفسية صعبة .. وستبقى هناك لمدة أسبوع .. "
" لماذا تجلسين لوحدك ؟؟ "
" أنتظر والدك .. تأخر هو وأخوتك، أرأيت سارة كيف بدت رائعة وهي تجلس بقربك بثقة .. كنت أنت وهي حديث النساء لهذه الليلة .."
" هل هذا صحيح ؟ ... لكنني توقعت أن حمده ونوف من سرق الأضواء "
" لا .. حمده ونوف كانتا دائما نجمتا الحفل .. لكن وجودك اليوم برفقة سارة أحدث تغيرا جديدا .. لم تكن لحمده ونوف أي وجود ..خصوصا أن بنات عم منى وصافية قد بدن رائعات .. "
لم أشارك أمي مطلقا في أحاديث كهذه .. لكنني استمتعت بهذا التغيير .. نظرت إلى الساعة كانت الرابعة صباحا ..لقد أتينا منذ ثلاث ساعات .. ولم يحضر ابي واخوتي بعد .
فتح الباب في ذات اللحظة التي نظرت فيها إلى الساعة ...
" تأخرتم .."
استقبلتهم أمي بلهفه .. قال أخي محمد وهو يبتسم " كان الجو جميلا .. وغدا اجازه .. أثرنا البقاء حتى صلاة الفجر ..صلينا معا .. ثم أتينا .. "
قال أبي وقد بان التعب على ملامحه " لم آخذ دواء القلب اليوم .. أحضريه لي .."
وجلس على مقعده بينما اتجهت مسرعة إلى غرفته لأحضره ..
ناولته كوب الماء .. قال مبارك " سأذهب لأنام ..تصبحون على خير .."
وقفت لأقول " سأذهب لأصلي .. ثم سأنام .. تصبحون على خير "
قال محمد " لحظة سأتي معك .."
جلست على سريري وقال لي " كيف كانت سارة اليوم ؟؟"
" مثل كل يوم .. مذهلة"
ضحك .. وقال " اتصلي بها .. ومن ثم دعيها تنتظرني .. سأحادثها بعد دقائق .."
" انت مجنون .. أنها نائمة الآن ... "
" اتصلي بها .. أخبرتها بالأمس ألاتنام قبل أن أحادثها .."
" لم لاتتصل أنت ؟؟"
" أحتاج إلى خمس دقائق قبل أن أحادثها .. حادئيها حتى تفيق ؟؟"
لم أفهم سبب طلبه .. اتجهت لأرفع سماعة الهاتف لأحادثها ..
" هل أنت نائمة ؟؟"
" لا يا فاطمة .. لقد وعدت محمد أن أكلمه .. انتظرت ساعات لكنه لم يتصل .. سأصلي ثم أنام .."
" لقد أتى للتو .. وطلب مني الإتصال بك ومحادثتك قليلا .."
" هل هناك شيء جديد ؟؟"
" لا ... لا أعرف .. لقد نلت اعجاب أمي بقيت تتحدث عنك بفخر .."
" حقا ؟؟ ... أنني أحترمها .. لقد قدمتني إلى نساء العائلة بفخر .. "
دخل محمد قبل أن أكمل حديثي وقال " دعيها تتصل بي "
" حسنا .. ساره .. اتصلي بمحمد .. تصبحين على خير "
" تصبحين على خير "
أغلقت الهاتف .. واتجهت لأتوضأ وأصلي .. ومن ثم خلدت إلى النوم ..
***********
أصبحت عمة .. ولكن هذا لم يضف إلى حياتي شيئا كما توقعت ... فعلاقتي بأخي بسيطة ..وبزوجته تكاد تكون معدومة .. نظرت إلى العضو الجديد في عائلتنا .. وأسائني أنني لا أكن مشاعر قوية تجاهه ...
جلست على مكتبي وابتدأت عملي .. اتصلت في بعض الاشخاص وأكدت على مواعيدهم مع عمي .. دخل فيصل كعادته مسرعا إلى مكتب عمي .. تابعت عملي .. وأنا أحاول أن أمنع نفسي من التفكير به ..
لقد مر شهرين آخرين منذ زواج صافية .. ولم أدخل منزل عمتي منذ ذلك الوقت .. أصبحت أخرج كثيرا برفقة أمي ... كنت أصحبها في الذهاب إلى السوق والحفلات .. وقفت أمام الميزان لأقيس وزني .. كان 75 كيلو جرام .. كان انجازا .. خلال أربعة أشهر نقصت مايزيد على العشرين كيلو .. كان وزني مائة كيلو جرام .. قالت لي سارة وهي فرحة " تبقى لك عشر كيلو جرامات لتصلي إلى الوزن المناسب .. طولك 165سم ... يجب أن يكون وزنك 65 كيلو جرام .. "
أصبحت ممشوقة نوعا ما .. فرحت كثرا .. ونوعا ما أخليت بالريجيم ..لانني هذه الفترة لا أتناول سوى البتزا والوجبات السريعة حيث أقضي وقتي في الخروج برفقة امي .. وتوقفت عن رياضة المشي .. واصبحت اتغيب عن حصص الايروبيك ..
تابعت العمل وأنا أنظر إلى الأوراق التي أمامي ..
دخل فيصل وهو يرمقني بنظرات غريبة ..
" فاطمة .."
" نعم .."
" اريدك في مكتبي.."
" حاضر .."
لم أكن قد دخلت إلى مكتبه منذ أعطيته الرسالة ..
" ادخلي ..واجلسي .."
جلست فقال في هدوء " اكتبي ... ما سأمليه عليك .."
جلست هناك ممسكة بقلم وورقة .. وكتبت كل ماطلب مني .. بسرعة .. ثم صمت منهيا كل ماقال ..
كدت أن أخرج .. لكنه قال : لحظة ...
التفت إليه " أريدك أن توصلي هذه إلى منى .. "
أعطاني ظرفا.. أمسكته بقلق " لكني لا أمر منزلهم منذ وقت .. "
"ضروري ..أرجوك .."
كانت نظرته حزينه .. تمتمت " سأمرها بعد انتهاء الدوام الرسمي "
" شكرا "
كان حزينا ... إنني متأكده من هذا الشيء . توجهت إلى منزل منى .. لأنقل لها الرسالة التي كنت أتمزق لمعرفة ماتحوي ..
" إنها من فيصل .."
ابتسمت منى .. قالت بتهكم " ماذا يمكن أن تحوي ؟؟"
استغربت رد فعلها .. قالت لي موضحة
" لم أخبر أحد بناء على طلب أمي .. "
استغربت أكثر " ماذا ؟؟ "
" جاء جدي قبل زواج صافية بأسبوع ... وطلب من أمي أن تزوجني لأبن عمي .."
لم أفهم ما كانت تقول .. قلت مستغربة " ماذا ؟؟"
" لقد تناقشنا .. ويبدو أن الحظ ليس في صف فيصل "
" ماذا تقصدين ؟؟"
كنت أرتجف مندهشة وقلبي يرقص فرحا.. قالت منى أخيرا
" لقد انفصلنا أنا وهو .. بعد تفاهم طويل ... لم يرض جدي أن يتزوجني غريب .. وسأخطب لإبن عمي الأسبوع القادم .."
لا أعرف ما قالت منى بعد ذلك .. كل ما أعرفه أنني أخيرا تأكدت أن فيصل أصبح حرا .. لم أصدق نفسي .. هل ستنفتح لي أبواب الجنة ؟؟ خرجت من هناك لأتصل بساره وأنا أبكي من الفرح وأقول لها ما حدث ... وفاجأني أكثر رد فعل فعل ساره
" أعرف .."
" ماذا ؟؟"
" أخبرني محمد منذ فتره لكن لم أرد أن أخبرك .. حتى لا أؤيدك في مشاعرك .."
قهرني برود سارة " لماذا ؟؟"
" لا تستبقي الأحداث .. إن كان من نصيبك . لن يمنعك شيء عنه ... وإن لم يكن .. لاداع لأن تقهري نفسك أكثر .."
****************
أسبوع كامل مضى ..لم أحادث ساره فيه .. كانت تتصل كثيرا لكني لا أجيبها ... أغضبني موقفها كثيرا .. التمرد الذي كنت فيه أنهيته .. وخلا ل أسبوع فقدت 5 كيلو جرام .. حيث لم أذق الطعام واكنت أمشي كثيرا .. فيصل سيكون من نصيبي ... أنا فقط .. اهتممت أكثر بمكياجي وملابسي .. أعرف أنني لا أخلو من الجمال .. خمس كيلو جرام وأكون قد وصلت للوزن المثالي .. هذه الخمس كيلوات أشعر أنها ثقيلة جدا ..
وقفت وكنت قد ارتديت عباءة جديدة رائعة .. رتبت شعري وأتقنت مكياجي .. سأجعلك يا فيصل أسيرا لي ...
لففت شالا حول رأسي واتجهت للعمل ..
نظرت إلي أمي بإنبهار .. أجل .. انبهار ..هالها ما رأت .. ابتسمت لي وقررنا الذهاب مساء إلى أحد المطاعم لتناول العشاء ..
لا أعرف لم لم أهتم بما تضمنته رسالة فيصل لمنى .. لكن خبر انفصالهما كان قد أزاح كل القيود ..
دخلت بثقة إلى المكتب .. وبدأت بعملي كالعادة .. دخل فيصل .. لأجد في عينيه النظرة التي انتظرتها منذ وقت طويل ... الإعجاب ..
" ماذا تفعلين ؟"
" أقوم بعملي.... أي شيء آخر أستاذ فيصل ؟"
هز رأسه بلا .. ثم خرج لدقائق .. وعاد وقال " أديت الأمانة ؟"
أجبته " أجل "
لم أكن قد رأيته منذ أسبوع ....
دخل الفراش ووضع كتابا أمامي ,,, كان مع نوته صغيرة ..
" إلى فاطمة ..
أعترف أنني تدخلت بشكل خاطيء ,,, أنت صديقتي ويجب أن أساندك مهما حدث ,,و كإعتذار ...إليك أساسيات الحب في هذا الكتاب البسيط ...
صديقتك إلى الأبد ,,,
ســـاره .. "
نظرت إلى الكتاب الصغير .. وكان اسمه " أعلنت عليك الحب " لغادة السمان ...
قبلت اعتذار ساره .. وكانت قد علمت صفحة من قصيدة بعنوان "عصفور على الشجرة خير من عشرة في اليد !"
( ( أحبك أيها الغريب
وحتى حين تأتي إلي
برقتك الشرسة العذبة
وتستقر داخل كفي بوداعة طفل
فإن لا أطبق يدي عليك ..
وإنما أعود اطلاقك للريح ..
وأعاود رحلة عشقي لجناحيك ..وجناحاك المجهول والغربة
***
أحبك وأطفخ بالإمتنان لك ..
فقد حولتني
من مسمار في تابوت الرتابة .. إلى فراشة شفافة مسكونة بالتوقد ..
قبلك كنت أنام جيدا
معك صرت أحلم جيدا
قبلك كنت أشرب وولا أثمل
معك صرت أثمل ولا أشرب ))
سالت دمعتي دافئة .. هذا إذن دستورك في الحب يا سارة ؟؟ غادة السمان ؟؟ نظرت إلى غلاف الكتاب كان جريئا .. ابتسمت ..
دخل فيصل وكنت أضم الكتاب على صدري .. نظر إلى الكتاب وقال
" غادة السمان ؟؟؟"
هززت رأسي .. مد يده ليرى الكتاب فأعطيته إياه ... قلب صفحاته بإهتمام ..قال في
لهجة دافئة
(( ها أنت قريب
على مرمى دمعة مني ..
وبعيد،
على مرمى عمر !) )
عاد ليقلب صفحات الكتاب بإهتمام ... قال وهو يقدم الكتاب إلي ..
"ا نها تكتب بإحساسها ... غادة السمان .. اختيار جيد لكن لن يفهمه سوى شخص يعرف ماهو الحب .. .."
لم أجبه.. وإكتفيت بالتظاهر بتقليب الأوراق .. لكني أرسلت بلا وعي نظرة دافئة إلى فيصل ... وقف للحظات يحدق بي .. ثم غادر مرتبكا ..
أغمضت عيني ها قد بدأت أشعر بأنني على قيد الحياة ...
استيقظت على رنين المنبه .. أنها الخامسة .. أشعر بأن جسدي قد تحطم تماما .. ذهبت إلى مشواري اليومي ومشيت مايقارب الخمس وأربعون دقيقة ...ولم أستطع تحمل الربع ساعة الأخيرة .. عدت وأخذت دشا سريعا .نزلت لأجد جدتي قد عادت للتو مع مبارك ..وكانت تترنح من التعب ..
" ماذا حدث ؟"
قال مبارك وقد بدا متعبا بدوره " الحمدالله .. سيحتاج لوقت طويل للشفاء "
دخلت جدتي غرفتها .. لتصلي وتنام قليلا ..
غيرت ملابسي واتجهت إلى عملي ...
لو قال لي عراف ما أنه يوما ما سينتهي بي العمل مع فيصل لما صدقته .. دخلت إلى المكتب لأجده قد وصل قبلي وفتح الكمبيوتر الخاص بي .. أغلقت الكمبيوتر قبل أن أتجه لأرى ماذا يفعل .. كان يجلس هناك يراجع مسودات كثيرة .. ويبدو من عينيه أنه لم ينم طوال الليل ..
" صباح الخير "
" صباح الخير .. خذي .. أريدها حالا "
أمسكت تلك المسودات واتتجهت لكمبيوتري لأفتحه مرة أخرى وشعرت بمدى كسلي ..طبعت الخطابات بسرعة كبيرة .. تأكدت من المفردات والأحرف .. وطبعتها بسرعة بعد أن حفظتها تحت مسمى فيصل .. ودونت التاريخ ..
دخل عمي إلى المكتب وهو في قمة تعبه ..
" عمي .. مالذي أتى بك .. لم لم تبقى في المنزل لترتاح قليلا .."
قال عمي وقد ارتسمت على ملامحه علامات الجهد والتعب ..
" لدي عمل .. أحضري هذه وتعالي إلى مكتبي "
حملت عملي ودخلت إلى المكتب لأجد عمي قد رمى بجسده على الكرسي وغترته وعقاله قد استقرتا على المكتب .. دخلت وأعطيته الخطابات واستدرت لأدلك له كتفيه قليلا ..
" شكرا فاطمة .. أنني فعلا متعب .."
بعد خمس دقائق قال " يجب أن أتقاعد وأسلم هذا العمل لفيصل .. لقد أصبح يجيده"
انتفضت لهذه الفكرة .. هل سأبقى لآخر عمري أعمل برفقة فيصل ؟؟ هل سأكون مثل شيرين ؟؟ أفني عمري في العمل قبل أن أكتشف أن عمري قد مر هباء ؟؟
دخل فيصل لمكتب عمي وقال " كيف حال حسن ؟"
هز عمي رأسه بما معناه أنه جيد .. " يكفي يا فاطمة ..شكرا حبيبتي .. عودي إلى مكتبك ."
اتجهت إلى مكتبي .. ولا أعرف لم نظرت إلى دليل الهاتف ونسخت رقم شيرين لأتصل بها في مقر عملها الجديد ..وعرفتها بنفسي عندما لم تميز صوتي ..
قلت لها " شيرين .. هل كان سبب بقاءك كل هذه المده في العمل لدى عمي سببا شخصيا ؟؟"
شعرت بصمتها .ثم قالت بعد لحظات " وماذا تظنين أنت ؟؟"
قلت مايدور في قلبي من شكوك " أكنت تحبين عمي ؟؟أهذا هو السبب الثاني الذي رفضت اخباري اياه من قبل ؟"
شعرت بها ...شعرت أنها ابتسمت .. كيف لا أعرف .. لكنها قالت لي أخيرا
" هذا هو السبب الثاني .. "
قلت وقد تملكني الذعر لكنني حاولت اخفاءه ونطقت هامسة " كيف ؟؟"
قالت أخيرا " كان شيئا خاصا .. بي أنا .. لا أعتقد أن عمك شعر يوما بما يدور في داخلي من أحاسيس .. كانت علاقته بي عملية بحته .. لكنني كنت قد كرست نفسي لأجله ..لم يشعر يوما بشيء .. وكان هذا هو هدفي .. أن أبقي ما بداخلي من مشاعر بريئة .. "
سألتها " ومالذي تغير ؟؟ "
قالت لي بلهجة هادئة " استيقظت ذات يوم .. لأجد نفسي في دوامة خاسرة .. لأجد أنني أفنيت عمري ولم ..... لقد عشت حلما جميلا .. لكن لمدة طويلة .. قررت أن أثور .. وها أنا .. قد تزوجت منذ أسبوعين بشخص ... رائع .. "
شكرتها على صراحتها .. وأغلقت الهاتف لتنهمر دموعي .. إذا تقاعد عمي .. لاشيء يمنعني من تكرار مأساة شيرين .. هل سأبقى سكرتيرة لفيصل ؟؟ لأعذب لآخر عمري في حب صامت ؟؟ .. لا .. قررت قرار لا رجعة فيه .. إذا تقاعد عمي .. سأستقيل .. وأبتعد عن طيف فيصل .. كففت دموعي وعدت لعملي ... لكنني كنت أسرح بين فينه وأخرى .. وأفكر في شيرين ...
********
ها قد مر شهرين آخرين لا شيء جديد سوى أن الرياضة أصبحت روتينا في حياتي .. اعتاد جسدي على الآلآم .. اعتدت التعب .. فقدت عدة كيلو غرامات .. فقدتها من وجههي .. وقليلا من بطني ...
رغم أنني تعبت وأريد أن أنتهي من هذا الريجيم .. لكنت أشعر بأن الأيام تقف ضدي .. فهي بطيئة بشكل غير معقول .. أصبحت أكثر تكتما .. أحبس نفسي بين جدران غرفتي .. تجتاحني رغبة شديدة في البقاء معزولة عن الجميع .. أصبحت لامبالية بأحد .. واهتممت بنفسي أكثر ..
تحسن حسن كثيرا لكنه سافر إلى الخارج ليبدأ سلسلة علاج طويلة جدا.. وتحسنت حالة عمي النفسية..
ستلد منال خلال بضعة أسابيع ..
رسمت عيني بالكحل .. وارتديت العدسات الملونة ..ووضعت ظلا لعيناي بلون البيج لا أعرف مالذي جعلني أستخدم المكياج بكثرة .. وضعت لمسات المسكره والبلاشر وملمع الشفاه الشاحب .. اليوم سأذهب لمنزل عمتي التي لم أراها منذ شهر .. لبست عبائتي وركبت برفقة جدتي السيارة ..
قالت جدتي " سنذهب اليوم لرؤية عمتك .. ولكن أولا سنذهب إلى السوق "
فقلت " ماذا سنفعل في السوق ؟؟ "
" سأشتري هدية لأبنة عمتك صافية .. زفافها بعد أسبوع .. "
قلت مستاءة " قالت لي من سنة أن زفافها سيكون بعد سنتين .. لماذا استعجلت ؟"
قالت جدتي " تعرفين .. كان ابن عمها حسن غير جاهز في بداية خطبتهما .. لكنه الآن جاهز .. وسيفعل فيصل الشيء ذاته .. حالما يجهز كل شيء سيتزوج منى .."
شعرت بغصة اثر قول جدتي هذا الحديث .. يا إلهي .. إلى متى سأبقى حساسة تجاه هذا الموضوع .. لقد اعتدت وجود فيصل حولي كل يوم .. لكن إلى الآن لم أعتد فكرة زواجه بمنى .. نزلنا إلى مجمع كبير .. اتجهت جدتي إلى محل فساتين .. صدمت من ذلك .. قالت لي بابتسامة " أولا سنختار فستانا لك .."
لم أفكر في حضور حفلة الزفاف .. فاجأتني جدتي.. لم أستطع منع نفسي من تأمل الفساتين الرائعة الجمال .. لقد أصبح وزني خمس وثمانين كيلو جرام .. هل سأجد فستانا يلائمني ؟؟ لم أستطع منع نفسي من تأمل فستان أخضر ..بلون الجيد .. قالت لي صاحبة المتجر أنه توجد مقاسات .. كنت مترددة كثيرا .. لكني جربته في غرفة قياس خاصة .. ذهلت جدتي .. قالت مستحسنة إختياري " يليق بك .. "
أجل وقفت .. رغم بعض الأرطال الزائدة .. بدا جميلا .. رأيت كيف ظهر خصري من العدم .. لم أستطع منع نفسي من البكاء .. شكرا لك يا سارة .. فعلا .. شكرا لك ..
أخذت الفستان ودفعت ثمنه الباهظ رغم اصرار جدتي.عبر بطاقة اعتمادي التي لا استخدمها ..
.. ثم اتجهنا إلى احد محلات المجوهرات .. أخذت جدتي قطعة ذهبية رائعة باهظة الثمن لصافية .. بينما أخذت لها قطعة ماسية ناعمة رغم أن ثمنها مرتفع .. لكني لم أستطع منع نفسي من تأمل طقم رائع يليق بفستاني الأخضر ..سألت عن سعره .. كان سعره مرتب شهر كامل .. اشتريته .. فأنا لا أنفق مرتبي على الإطلاق .. أقنعت جدتي بصعوبة بان أمر بمحل لأشتري القليل من المكياج وعطرا أو عطرين ..
قالت لي جدتي بعد أن أطلت المكوث " يجب أن نغادر .. أصبحت الساعة السابعة .. يجب أن أذهب لمنزل عمتك .. فنحن لن نرى العروس خلال الأسبوع القادم ..ستكون مشغولة كثرا .."
حملت الكثير من الأغراض وعطرين واحدا لي وآخر عربون شكر لساره التي لم تتخل عن دعمها لي ..
*************
وجدت عمتي في المنزل تنتظرنا .. الكل أثنى على مدى التغيير الذي حدث لي .. نظرت إلى صافية كيف تبدو متألقة .. ومن ثم إلى منى التي تبدو شاحبة .. مابها يا ترى ؟؟ ربما هي حزينة لأن صافية ستفارقها .. اختفت صافية لدقائق .. نظرت إلى منى
" مابك ؟؟ "
" ماذا ؟؟ "
سألتها مرة أخرى " لاتبدين طبيعية .. ماذا حدث لك ؟"
قالت محاولة أن تتحكم بملامحها " لاشيء .."
شعرت أنها لاتريد أن تتعاطى معي .. لكني لم ألاحظ شيئا على فيصل سوى أنه إعتاد وجودي في المكتب وانتهت نوبات الغضب التي كانت تنتابه .. استأذنت منى وغادرت بقيت أفكر هل هناك شيئا لا أعرفه ..
"فيم تفكرين ؟؟"
نظرت إلى الصوت الذي لم أسمعه منذ أشهر ..
" عبدالعزيز .. "
تصافحنا وجلس إلى جانبي
" امم .. تبدين ... هناك شيء قد تغير بك ؟"
ابتسمت وقلت له بثقة " لاشيء سوى أنني أرتدي عدسات .."
وأشرت إلى عدساتي الخضراء التي تغطي لون عيني الأسود ..
قال لي مخيبا آمالي " لا .. ليس هذا كما أن اللون ليس واضحا .. سواد عينيك يطفيء لون العدسه .."
قال لي هامسا " يعرف عن صاحب العينين السوداوين مدى شفافيته وحساسيته .. هل تحاولين أن تخبئي شيء عنا بتغطيتها بهذه العدسة المزيفة ؟؟أسرار ؟؟ ؟"
قلت متحدية " لا .. ليست لدي أسرار .. "
قالت جدتي " لنذهب يا فاطمة "
" لا .. لن تذهبوا .. "
إلتفت إلى عبدالعزيز .. وقلت " لايوجد مجال للبقاء .."
لا أعرف لم ارتبكت حين نظر إلي مستاءا .. قالت جدتي " سنبقى قليلا ."
ثم دخلت جدتي مع عمتي .. ولم يبق سوانا في الصالة ...
وقفت لأتبعهما قال لي بثقة " اجلسي اجلسي .."
جلست وقلت له معاتبة " ألا تشعر بأنك تصدر الأوامر بثقة ؟؟"
لا أعرف لم بقي ينظر إلي صامتا .. سألته
" مابك ؟"
قال بعد صمت طويل " كانت تعجبني فاطمة القديمة . أكثر .. لا أحد يستحق أن تتغيري من أجله ..من أجل من يا فاطمة ؟؟ "
كانت كل كلمة كخنجر من جليد اخترقت روحي .. لم أستطع كبح النزيف.. فسالت دموعا بريئة من خارج مقلتي .. كانت كلماته منتقاة بعناية .. فكرت في رد مناسب لكني لم أستطع سوى النطق بما أراد قلبي أن ينطق
" من أجل نفسي .. تغيرت .. من أجل كبريائي .. من أجل كرامتي .. كي لا أكون موضع اهانة بعد الآن .أو موضوعا للسخرية .. "
لا أعرف مالذي جعلني أقول ذلك .. لكن كلماته اخترقتني بألم ..
تغيرت تلك النظرة المتفحصة الغامضة .. إلى شيء آخر .. كان بريقا يشع من عينيه ..وأنا أتقن لغة العيون أكثر من اتقاني لهمسات الحناجر ...
مسحت عيني عن الدموع .. ونظرت إلى اتجاه آخر .. قال بعد أن استعدت توازني وتنفسي ..
" لا أقصد .. أن .. لكن كل ما في الأمر .. أنني أحببت فاطمة البسيطة .. خلال جلوسي معك أحسست أنك أصبحت مختلفة .. كنت أفهمك من نظرة .. لكن الآن .. لست أنت .. من كانت .."
" ماذا تقصد ؟؟"
قال باشمئزاز " أصبحت .. أكثر .. تقليدا .. كنت نمطا فريدا .. وها أنت تتحولين إلى نسخة أخرى من تلك النسخ المبتذلة ؟"
" نسخ مبتذلة ؟؟"
هز رأسه مؤكدا " طبعا .. تعرفينها .. التي تود أن تغير كل مافيها .. "
" أتسمي التطور والتحسن ابتذالا ؟؟"
" ابتذالا .. هي الكلمة المناسبة يا فاطمة .. ها قد بدأت تتخلصين من كل شيء كان يشير إليك سابقا "
هززت رأسي وقلت " لا أستطيع أن أجاريك في مصطلحاتك .. ربما تغيرت من بعض النواحي .. لكنني أبقى فاطمة .. "
قال نافيا " لا .. لست فاطمة .. أنت تحاولين أن تقلدين أحدا ..أو .. ترضين أحدا "
نطق الكلمتين الأخيرتين بحذر شديد ..
بدأت دموعي في الهطول .. وقفت واتجهت إلى سيارتنا التي تنتظر في الخارج .. ولم أستطع كبح نفسي .. شعرت بيد تمسكني .. نظرت إلى الخلف لأجد عبدالعزيز الذي قال وكانت نظرة الخوف تعتلي عينيه
" لا تبكي .. لم أقصد أن أجعلك تبكين .. "
" أنت مخطيء في نظريتك .. لايعني أنني تغيرت أنني أسعى للتقليد "
" أنت تعرفين ما أعني .. أنا أفهمك من نظرة واحده .. وأعرف ما يختلج نفسك من أفكار ..لاتحاولين اقناعي أنك الآن فاطمة التي كانت من أشهر قليلة تبتسم بلا أقنعة .. أنا أعرف هذا "
ازددت بكاء .. وسحبت نفسي إلى السيارة لكنه لم يكف
" فاطمة ... ....فاطمة .. "
قلت وكنت أمسح دموعي براحة يدي " أنت لاتعرف .. لا تعرف .. "
واتجهت إلى السياره وأنا اسمعه يصرخ " لا أعرف ماذا ؟؟ "
لكنني أنا نفسي كنت أتساءل .. مالذي لايعرفه ؟؟ انتظرت خمس دقائق وجاءت جدتي .. لنخرج .. لاأعرف مالذي حدث .. ماذا أنت يا عبدالعزيز ؟؟ هل أنت ضميري ؟؟ هل أنت المرآه التي تجعلني أواجهه نفسي ..؟؟
***********************
وجدت ساره تنظر إلي بقلق .. قالت لي بعد أن أخبرتها بكل ماجرى
" لم .. في لحظة ما قررت أنك لاتليقين بعبدالعزيز ومستحيل أن ينظر إليك .. وفي لحظة أخرى وقعت صريعة في غرام فيصل دون أن تفكري كما فعلت عندما التقيت عبدالعزيز ؟"
" لأن عبدالعزيز لم يمتلك قلبي في ذات اللحظة كما فعل فيصل "
لم تفهم سارة وقالت " أتعنين أنك أحببت فيصل من النظرة الاولى ؟"
هززت رأسي بأجل وأغمضت عيني لتذكر تلك اللحظة .. كيف التقت عيناي بتلك العينين .. كيف اقتحمت تلك المشاعر قلبي بدون استئذان ..
قالت سارة " لكن عبدالعزيز لايقل عن فيصل سواء بوسامة أو ثقافة وأخلاق "
لم أجبها .. وتقلبت على سريرها .. قالت لي بعد دقائق
"أقال لك عبدالعزيز أنه أحب فاطمة القديمة ؟؟ هل قال أنه كان يفهمك من نظرة ؟؟ "
عقدت حاجبي واستدرت لأرى ملامح ساره وقد ارتسم عليها الشك .. كيف لم أركز في هذه الكلمات ؟؟ كنت أركز في قوله لي أنني تغيرت لأجل شخص ما .. أصابني الذهول لدقيقة .. وقلت لسارة " ماذا تقولين .. ماذا تقصدين ؟؟"
قال سارة بتردد " هل... "
قلت رافضة " لا .. قطعا لا .."
" ولم لا ؟؟ قد يكون يحبك .."
قلت برعب " يحب ماذا؟؟ أنا ؟؟"
وقفت ووقفت سارة إلى قربي " هو من اعترف بذلك .."
هززت رأسي وتلك الفكرة ترعبني " لا .. "
" لم لا ؟؟ عليك أن تتقبلي أن فيصل سينتهي إلى أخرى.. هل ستبقين غارقة في ذكرياتك وأملك المستحيل ؟"
" ماذا تقولين .. وحبنا ؟؟ "
قالت سارة بحكمة " وهمك أنت .. فيصل لم يفعل شيء يبرر على حبه .. وهو لا يعرف ماذا تحملين من مشاعر تجاهه .. عبدالعزيز شاب وسيم ناجح .. لم لا ؟؟ ويكفي أنه يحبك أنت .. "
قلت والدموع تتدفق إلى عيني " لا .. لاتجعليني أبني أوهاما لا أساس لها .. عبدالعزيز لن يفكر بي سوى .. كــابنة خاله .."
" فاطمة .. عشت مسبقا وهما لا أساس له مع فيصل .... لكن الآن يجب أن تقبلي بهذه الفكرة .. لم لا ؟؟ قد تكون حياتك في منتهى السعاده مع ابن عمتك وتعرفين القول المعروف ..ابحث عمن يحبك .. وليس عمن تحبه .."
" لا يا ساره .. هذه قمة الأنانية .. "
" الأنانية ؟؟ بحق من ؟؟"
" بحق قلبي الذي لايستطيع أن يعيش بدون أن يحب..وبحق من سأرتبط به .. حيث لن أوفيه حقه في الحب .. "
" دعينا لانستبق الأحداث .. انهي فيصل من حياتك .."
" كيف سأنهيه وأنا أزداد حبا له كل يوم .. رؤيته يجلس خلف مكتبه .. تغنيني عن الهواء الذي أتنفسه .. الكلمات التي يوجهها لي .. أتوجها داخل قلبي تذكارا للحظات من نبض قلبي .. رائحة عطره التي تتخلل أنفاسي كل صباح .. تجعلني أشعر بأنني على قيد الحياة.. طيفه الذي أفكر به كل ليلة أصبح جزءا من حياتي ....كيف سأنساه وأنهيه من حياتي .؟؟ وهو حياتي بحد ذاتها ؟؟"
قالت سارة منهية النقاش في هذا الموضوع " لكن عبدالعزيز كنز يجب ألا تفرطي به، لن تحلمي بأن تتاح لك الفرصة مرة أخرى في ايجاد شخص يحبك لذاتك .لشخصيتك و لشفافيتك .. لا المظهر الذي أنت عليه " ..
***********
_25 _
عندما رأيت نظرة أمي اجتاحني شعور بالسعاده ..
" فاطمه !! .. تبدين رائعة "
رأيت نظرات الحسد من عيني منال التي تمتمت بغيرة وهي ترتدي فستان الحمل وقد بدت دائرية بالكامل " لون الفستان ليس .."
قاطعتها أمي " بالعكس .. إنه رائع على بشرتها البيضاء .. لطالما كان الأخضر سيد الألوان بالنسبة لفاطمة .."
أعطيت أمي الطقم الرائع لتلبسني اياه قالت لي
" إنه رائع .. "
أرضت غروري كلمات أمي ومدحها لي .. ارتديت العباءة .. وكنت قد قدمت للتو من مصفف الشعر وكنت قد وضعت مكياجا مناسبا ..اتجهت إلى الحفلة وكانت الساعة تشير إلى التاسعة .. ورافقتنني سارة التي بدت رائعة من خلال فستانها الفيروزي جلست برفقتها إلى طاولة خصصت لنا . لم أعرف أحدا من أهل عم منى وصافية .. جلسنا هناك نتحدث أنا وسارة .. والكل ينظر إلينا .. فأنا لا أخرج إلى حفلات العائلة .. وسارة عضو جديد في عائلتنا .. سألتها
" لم لم تأت أمك ؟؟"
قالت سارة " قالت لي أنها لاتعرف أحدا .. ثم يجب علي أنا ان أندمج مع مجتمعكم .. وسوف أبقى معك أو مع عمتي أم مبارك .. ثم أن أمي لها جوها الخاص واليوم ستذهب لاجتماع في منزل أحد المدرسات .. إلخ ... "
" يبدو أن والدتك لديها صلات قوية بعالم التدريس .. انني أشتاق لمها .. وما أخبار عفرا واختفاء مريم المفاجيء "
قالت سارة "هل وجهت دعوة لمها فهي لاتتوانى عن حضور هذه الحفلات "
" أجل دعوتها .. لكن اليوم ستذهب إلى منزل خالتها حيث يحتفلون بخطبة ابنتهم .."
قالت سارة" أنني أرى مها في الجامعة هي وعفراء تجلس مها معي لساعات .. أما عفراء .. فهي برفقة فتاة لا أعرفها .. لكن يبدو أن علاقتهما جيده .."
رأيت حمده تتجه نحوي .. وقفت وعرفتها على سارة بعد أن سلمت عليها
" لم أعرفك .. حقا تبدين رائعة... "
كانت ترتدي فستانا أحمر جميل .. وهي تبدو رائعة الجمال ....أشارت إلى نوف التي جاءت وسلمت عليها ..
قالت حمده " هذه فاطمة ابنة عمنا .. "
" ماذا ؟؟ هل هذا صحيح ؟؟ لقد تغيرت.."
لعنت الزمن الذي لم تعرف ابنة العم فيه ابنة عمتها ..قلت ببساطة
" لم أرك منذ وقت طويل .. وعندما أتيت لأرى حمده آخر مرة لم تكوني موجوده .."
" أخبرتني حمده بمجيئك .. كنت في عيادة الأسنان .."
عرفتها حمده على سارة بأنها خطيبة أخي محمد . ..
قالت حمده " نوف .. هلا بقيت مع سارة قليلا .. أريد التحدث مع فاطمة .."
" حسنا .."
سحبتني حمده إلى ممر خارجي .. " اعذريني .. أردت أن أحادثك منذ وقت طويل . لكن حادث حسن منعني .. "
" هل تريد أن تسأليني عن الرسالة ؟؟"
هزت حمده برأسها ..
قلت بصراحة " لقد سلمتها له .."
قالت بهمس " لقد عقد قراني على ابن جيراننا .. وسيكون الزفاف بمجرد عوده حسن .. لقد انتهى كل شيء بالنسبة لنا .. لكنني أريد أن أعرف .. هل قرأها ؟؟"
" في البداية .. رفض وطلب مني اعادتها إليك .. لكنني رجوته .. وسألته لاحقا إن كان قرأها .. فهز رأسه بالموافقة "
" ماذا كان رد فعله ؟؟"
" هادئا .."
"جيد .."
أحسست أنها ارتاحت وأكدت احساسي عندما قالت " أردت أن يصل اعتذاري إليه .. من حسن حظي أنني سأسافر لمدة خمس سنوات برفقة زوجي بعد الزواج .. ولن أحضر زفافه بمنى لن استطيع أن أتحمل ذلك ... .."
خنقتني كلماتها .. يا إلهي .. ماذا سأفعل ؟؟ إن تم زفاف منى بفيصل ؟؟:كيف سأحضر الزفاف .. لكن تجرأت وسألتها " ماسر الورقة البيضاء ؟؟ "
ابتسمت كأنها تذكرت شيئا ...
" انه رمز بيننا .. يدل أن قلوبنا صافية تجاه بعض .. في المرة الأولى التي تشاجرت معه .. أرسل لي وردة حمراء .. وورقة بيضاء رائحتها كالمسك .. أغضبني أنه لم يكتب شيئا .. كإعتذار أو ماشابه ...ثم اتصل ليقول لي .. أن الوردة الحمراء عربون حب أرسله بكل اخلاص .. والورقة البيضاء غصن زيتون .. راية استسلام ... وأنه كبياض قلبه..لاتحوي أي نقطة سوداء تجاهي .. وأصبحنا كل مرة نتشاجر .. نتصالح بورقة بيضاء .. تدل على أنه لا ضغينة في قلب أي منا تجاه الآخر .. تلك الورقة التي لاتحوي حرفا واحدا .. كانت تعبر عن كل كلمات الأسف والإعتذار .. "
ابتسمت وهزت كتفيها وعادت إلى الداخل .. لأبقى هناك .. ممزقة .. وقد ازددت حبا .. بفيصل ..
عدت إلى الداخل وكانت سارة هناك .. لم أخبرها .. لكني سمعت أغنية رائعة لمحمد عبده .. ((سمي ..)) ذهبت لأرقص .. ورافقتني سارة . .. لا أعرف الرقص .. لكنني نسقت حركاتي بموسيقى الأغنية الرائعة ..
"اييه أحبك والغلا يسري بدمي والسهر ماقدر عيون السهارى ..
والله اني ماشكيت الناس همي لو عظيم الحلم عن عيني توارى "
كانت هذه الكلمات كافية لأن أقتنع أن قلبي سيبقى إلى الأبد يعشق انسانا اسمه فيصل.
فهمت سارة مايجول في خاطري من أحزان .. أمسكت يدي .. ونزلنا عن ساحة
قالت " لاتتركي دموعك تنساب ..سيؤلفون مائة قصة وقصة عن ذلك "
هل لهذه الدرجة أنا مكشوفة .. وكأنها قرات مايجول في خاطري
" ملامحك تنتطق بالحزن... ماذا قالت لك حمده لتصبحي هكذا ؟"
" سأخبرك لاحقا ... حاليا لارغبة لدي في الحديث .."
جلسنا هناك .. أتت صافية وكانت تبدو رائعة .. ذهبت لأبارك لها .. وكانت منى تقف بقربها وقد بدا عليها الحزن .. ويبدو أن هذا قد شفى غليلي قليلا .. أن أعرف أنه من سترتبط بفيصل .. حزينة مثلي ... في تلك اللحظة !
*******************
أمسكت بورقة بيضاء .. لتنسكب دموعي بغزارة عليها .. تبا . لماذا كتب علي الشقاء ؟؟لماذا ؟؟ ماسبب دقات قلبي هذه الغير متزنه .. ولم أحب شخصا لن ينظر إلي يوما ..تمتمت .. سأكتب .. أجل .. سأحاول أن أجد كلمات العشق تلك في داخلي .. ففي كل امرأة توجد آلاف من الكلمات الرائعة .. أنوثتها تعطيها الحق في العزف على الكلمات .. .. أمسكت بالقلم .. لكن لم يسعفني قلبي في كتابة كلمة واحدة .. وبعد ساعتين من التفكير وجدت نفسي أكتب شيئا واحدا ...
" فيصل " ..
أجل ... فهذا ما أسعفتني به قريحتي الشعرية ... هذه هي قصيدة حياتي وخواطري ..
هذا هو كل ماتدور حياتي من أجله ... هذه أجمل كلمة في قاموسي ... تأملت أحرف الإسم .. كلانا نبدأ بحرف الفاء ... ابتسمت مرغمة ... مزقت الورقة بعد أن شطبت الإسم .. خرجت من غرفتي لأجد والدتي تجلس في الصالة لوحدها وهي صامته .. لاتزال في ملابس السهرة..
قبلت رأسها " كيف حالك .."
" بخير .. بدوت رائعة جدا .. جدتك ذهبت برفقة عمتك .. التي كانت في حالة نفسية صعبة .. وستبقى هناك لمدة أسبوع .. "
" لماذا تجلسين لوحدك ؟؟ "
" أنتظر والدك .. تأخر هو وأخوتك، أرأيت سارة كيف بدت رائعة وهي تجلس بقربك بثقة .. كنت أنت وهي حديث النساء لهذه الليلة .."
" هل هذا صحيح ؟ ... لكنني توقعت أن حمده ونوف من سرق الأضواء "
" لا .. حمده ونوف كانتا دائما نجمتا الحفل .. لكن وجودك اليوم برفقة سارة أحدث تغيرا جديدا .. لم تكن لحمده ونوف أي وجود ..خصوصا أن بنات عم منى وصافية قد بدن رائعات .. "
لم أشارك أمي مطلقا في أحاديث كهذه .. لكنني استمتعت بهذا التغيير .. نظرت إلى الساعة كانت الرابعة صباحا ..لقد أتينا منذ ثلاث ساعات .. ولم يحضر ابي واخوتي بعد .
فتح الباب في ذات اللحظة التي نظرت فيها إلى الساعة ...
" تأخرتم .."
استقبلتهم أمي بلهفه .. قال أخي محمد وهو يبتسم " كان الجو جميلا .. وغدا اجازه .. أثرنا البقاء حتى صلاة الفجر ..صلينا معا .. ثم أتينا .. "
قال أبي وقد بان التعب على ملامحه " لم آخذ دواء القلب اليوم .. أحضريه لي .."
وجلس على مقعده بينما اتجهت مسرعة إلى غرفته لأحضره ..
ناولته كوب الماء .. قال مبارك " سأذهب لأنام ..تصبحون على خير .."
وقفت لأقول " سأذهب لأصلي .. ثم سأنام .. تصبحون على خير "
قال محمد " لحظة سأتي معك .."
جلست على سريري وقال لي " كيف كانت سارة اليوم ؟؟"
" مثل كل يوم .. مذهلة"
ضحك .. وقال " اتصلي بها .. ومن ثم دعيها تنتظرني .. سأحادثها بعد دقائق .."
" انت مجنون .. أنها نائمة الآن ... "
" اتصلي بها .. أخبرتها بالأمس ألاتنام قبل أن أحادثها .."
" لم لاتتصل أنت ؟؟"
" أحتاج إلى خمس دقائق قبل أن أحادثها .. حادئيها حتى تفيق ؟؟"
لم أفهم سبب طلبه .. اتجهت لأرفع سماعة الهاتف لأحادثها ..
" هل أنت نائمة ؟؟"
" لا يا فاطمة .. لقد وعدت محمد أن أكلمه .. انتظرت ساعات لكنه لم يتصل .. سأصلي ثم أنام .."
" لقد أتى للتو .. وطلب مني الإتصال بك ومحادثتك قليلا .."
" هل هناك شيء جديد ؟؟"
" لا ... لا أعرف .. لقد نلت اعجاب أمي بقيت تتحدث عنك بفخر .."
" حقا ؟؟ ... أنني أحترمها .. لقد قدمتني إلى نساء العائلة بفخر .. "
دخل محمد قبل أن أكمل حديثي وقال " دعيها تتصل بي "
" حسنا .. ساره .. اتصلي بمحمد .. تصبحين على خير "
" تصبحين على خير "
أغلقت الهاتف .. واتجهت لأتوضأ وأصلي .. ومن ثم خلدت إلى النوم ..
***********
أصبحت عمة .. ولكن هذا لم يضف إلى حياتي شيئا كما توقعت ... فعلاقتي بأخي بسيطة ..وبزوجته تكاد تكون معدومة .. نظرت إلى العضو الجديد في عائلتنا .. وأسائني أنني لا أكن مشاعر قوية تجاهه ...
جلست على مكتبي وابتدأت عملي .. اتصلت في بعض الاشخاص وأكدت على مواعيدهم مع عمي .. دخل فيصل كعادته مسرعا إلى مكتب عمي .. تابعت عملي .. وأنا أحاول أن أمنع نفسي من التفكير به ..
لقد مر شهرين آخرين منذ زواج صافية .. ولم أدخل منزل عمتي منذ ذلك الوقت .. أصبحت أخرج كثيرا برفقة أمي ... كنت أصحبها في الذهاب إلى السوق والحفلات .. وقفت أمام الميزان لأقيس وزني .. كان 75 كيلو جرام .. كان انجازا .. خلال أربعة أشهر نقصت مايزيد على العشرين كيلو .. كان وزني مائة كيلو جرام .. قالت لي سارة وهي فرحة " تبقى لك عشر كيلو جرامات لتصلي إلى الوزن المناسب .. طولك 165سم ... يجب أن يكون وزنك 65 كيلو جرام .. "
أصبحت ممشوقة نوعا ما .. فرحت كثرا .. ونوعا ما أخليت بالريجيم ..لانني هذه الفترة لا أتناول سوى البتزا والوجبات السريعة حيث أقضي وقتي في الخروج برفقة امي .. وتوقفت عن رياضة المشي .. واصبحت اتغيب عن حصص الايروبيك ..
تابعت العمل وأنا أنظر إلى الأوراق التي أمامي ..
دخل فيصل وهو يرمقني بنظرات غريبة ..
" فاطمة .."
" نعم .."
" اريدك في مكتبي.."
" حاضر .."
لم أكن قد دخلت إلى مكتبه منذ أعطيته الرسالة ..
" ادخلي ..واجلسي .."
جلست فقال في هدوء " اكتبي ... ما سأمليه عليك .."
جلست هناك ممسكة بقلم وورقة .. وكتبت كل ماطلب مني .. بسرعة .. ثم صمت منهيا كل ماقال ..
كدت أن أخرج .. لكنه قال : لحظة ...
التفت إليه " أريدك أن توصلي هذه إلى منى .. "
أعطاني ظرفا.. أمسكته بقلق " لكني لا أمر منزلهم منذ وقت .. "
"ضروري ..أرجوك .."
كانت نظرته حزينه .. تمتمت " سأمرها بعد انتهاء الدوام الرسمي "
" شكرا "
كان حزينا ... إنني متأكده من هذا الشيء . توجهت إلى منزل منى .. لأنقل لها الرسالة التي كنت أتمزق لمعرفة ماتحوي ..
" إنها من فيصل .."
ابتسمت منى .. قالت بتهكم " ماذا يمكن أن تحوي ؟؟"
استغربت رد فعلها .. قالت لي موضحة
" لم أخبر أحد بناء على طلب أمي .. "
استغربت أكثر " ماذا ؟؟ "
" جاء جدي قبل زواج صافية بأسبوع ... وطلب من أمي أن تزوجني لأبن عمي .."
لم أفهم ما كانت تقول .. قلت مستغربة " ماذا ؟؟"
" لقد تناقشنا .. ويبدو أن الحظ ليس في صف فيصل "
" ماذا تقصدين ؟؟"
كنت أرتجف مندهشة وقلبي يرقص فرحا.. قالت منى أخيرا
" لقد انفصلنا أنا وهو .. بعد تفاهم طويل ... لم يرض جدي أن يتزوجني غريب .. وسأخطب لإبن عمي الأسبوع القادم .."
لا أعرف ما قالت منى بعد ذلك .. كل ما أعرفه أنني أخيرا تأكدت أن فيصل أصبح حرا .. لم أصدق نفسي .. هل ستنفتح لي أبواب الجنة ؟؟ خرجت من هناك لأتصل بساره وأنا أبكي من الفرح وأقول لها ما حدث ... وفاجأني أكثر رد فعل فعل ساره
" أعرف .."
" ماذا ؟؟"
" أخبرني محمد منذ فتره لكن لم أرد أن أخبرك .. حتى لا أؤيدك في مشاعرك .."
قهرني برود سارة " لماذا ؟؟"
" لا تستبقي الأحداث .. إن كان من نصيبك . لن يمنعك شيء عنه ... وإن لم يكن .. لاداع لأن تقهري نفسك أكثر .."
****************
أسبوع كامل مضى ..لم أحادث ساره فيه .. كانت تتصل كثيرا لكني لا أجيبها ... أغضبني موقفها كثيرا .. التمرد الذي كنت فيه أنهيته .. وخلا ل أسبوع فقدت 5 كيلو جرام .. حيث لم أذق الطعام واكنت أمشي كثيرا .. فيصل سيكون من نصيبي ... أنا فقط .. اهتممت أكثر بمكياجي وملابسي .. أعرف أنني لا أخلو من الجمال .. خمس كيلو جرام وأكون قد وصلت للوزن المثالي .. هذه الخمس كيلوات أشعر أنها ثقيلة جدا ..
وقفت وكنت قد ارتديت عباءة جديدة رائعة .. رتبت شعري وأتقنت مكياجي .. سأجعلك يا فيصل أسيرا لي ...
لففت شالا حول رأسي واتجهت للعمل ..
نظرت إلي أمي بإنبهار .. أجل .. انبهار ..هالها ما رأت .. ابتسمت لي وقررنا الذهاب مساء إلى أحد المطاعم لتناول العشاء ..
لا أعرف لم لم أهتم بما تضمنته رسالة فيصل لمنى .. لكن خبر انفصالهما كان قد أزاح كل القيود ..
دخلت بثقة إلى المكتب .. وبدأت بعملي كالعادة .. دخل فيصل .. لأجد في عينيه النظرة التي انتظرتها منذ وقت طويل ... الإعجاب ..
" ماذا تفعلين ؟"
" أقوم بعملي.... أي شيء آخر أستاذ فيصل ؟"
هز رأسه بلا .. ثم خرج لدقائق .. وعاد وقال " أديت الأمانة ؟"
أجبته " أجل "
لم أكن قد رأيته منذ أسبوع ....
دخل الفراش ووضع كتابا أمامي ,,, كان مع نوته صغيرة ..
" إلى فاطمة ..
أعترف أنني تدخلت بشكل خاطيء ,,, أنت صديقتي ويجب أن أساندك مهما حدث ,,و كإعتذار ...إليك أساسيات الحب في هذا الكتاب البسيط ...
صديقتك إلى الأبد ,,,
ســـاره .. "
نظرت إلى الكتاب الصغير .. وكان اسمه " أعلنت عليك الحب " لغادة السمان ...
قبلت اعتذار ساره .. وكانت قد علمت صفحة من قصيدة بعنوان "عصفور على الشجرة خير من عشرة في اليد !"
( ( أحبك أيها الغريب
وحتى حين تأتي إلي
برقتك الشرسة العذبة
وتستقر داخل كفي بوداعة طفل
فإن لا أطبق يدي عليك ..
وإنما أعود اطلاقك للريح ..
وأعاود رحلة عشقي لجناحيك ..وجناحاك المجهول والغربة
***
أحبك وأطفخ بالإمتنان لك ..
فقد حولتني
من مسمار في تابوت الرتابة .. إلى فراشة شفافة مسكونة بالتوقد ..
قبلك كنت أنام جيدا
معك صرت أحلم جيدا
قبلك كنت أشرب وولا أثمل
معك صرت أثمل ولا أشرب ))
سالت دمعتي دافئة .. هذا إذن دستورك في الحب يا سارة ؟؟ غادة السمان ؟؟ نظرت إلى غلاف الكتاب كان جريئا .. ابتسمت ..
دخل فيصل وكنت أضم الكتاب على صدري .. نظر إلى الكتاب وقال
" غادة السمان ؟؟؟"
هززت رأسي .. مد يده ليرى الكتاب فأعطيته إياه ... قلب صفحاته بإهتمام ..قال في
لهجة دافئة
(( ها أنت قريب
على مرمى دمعة مني ..
وبعيد،
على مرمى عمر !) )
عاد ليقلب صفحات الكتاب بإهتمام ... قال وهو يقدم الكتاب إلي ..
"ا نها تكتب بإحساسها ... غادة السمان .. اختيار جيد لكن لن يفهمه سوى شخص يعرف ماهو الحب .. .."
لم أجبه.. وإكتفيت بالتظاهر بتقليب الأوراق .. لكني أرسلت بلا وعي نظرة دافئة إلى فيصل ... وقف للحظات يحدق بي .. ثم غادر مرتبكا ..
أغمضت عيني ها قد بدأت أشعر بأنني على قيد الحياة ...

الصفحة الأخيرة
موت ..
مر شهر .. تكررت ازعاجات حسن .. لكني أصبحت لا أخرج من غرفتي فقد ابتدأت الامتحانات .. ولم أخرج من غرفتي سوى في الصباح لأذهب إلى المدرسة .. .. انكببت على كتبي ودفاتري باجتهاد ... لم أر أحدا منذ مدة طويلة ..لم أر زوجة أخي .. ولا أعرف اين هي .. وجدتي أصبحت تطيل زياراتها إلى منزل عمتي.. وأحيانا أشعر أن البيت خالي ولايوجد به سوى الذئب حسن .. استغربت كثيرا .. مالذي يجذبه إلي ؟ .. لست بخارقة الجمال كما أني بدينه .. وزني مائة كيلو جرام .. أم انه يستهزيء بي ؟؟ .. لا أعرف لكن أعرف أني كرهت حسن هذا كرها شديدا .. يماثل كرهي للرياضة ..
ما إن سمعت صوت جدتي حتى نزلت بسرعة إليها فقد اشتقت لها كثيرا .. شوقا لم أشعر به تجاه أمي .. أو أبي .
" جدتـــي .. العزيزة .. "
عانقتها فضحكت .. قالت باستغراب " لم أرك منذ زمن .. أين كنت يا فاطمة .."
رافقتها إلى غرفتها وأن أشكو لها ازدياد الواجبات والإمتحانات ..
قلت لها معاتبة " لم أعد أراك .. ماسر مكوثك الدائم في منزل عمتي ؟ "
قالت فرحة " لقد كانت غارقة في امور معقدة .. وكنت أساعدها بذلك .. "
" أمور ماذا ؟؟ "
"خطوبة منى .. زواج صافية .. مشاكل عبدالعزيز .."
"خطوبة منى ؟؟ حقا ؟؟ "
قالت جدتي بفرح " أجل لقد خطبها فيصل ابن عمك .. وحدثت بعض المشاكل خصوصا أن فيصل كان خاطبا ابنة عمك خالد حمده .لكن حدثت مشكلة بين حسن وفيصل ..فانتهت الخطوبة ...لهذا السبب كانت عمتك تحتاجني بجوارها .. لقد خافت من أن تتطور الأمو ر فيغضب منها خالد .. لكن خالد كان عاقلا .. وقال إن كل شيء قسمة ونصيب . وقد انتهت الأمور بخطوبة فيصل لمنى .. "
اسوددت الدنيا في وجههي ولم أعد أرى شيئا .. كان أحدا ما طعن قلبي بسكين ورماه على قارعة الطريق لينزف بدون أي رحمة .. كابرت على نفسي كتمت دموعي وآهاتي وقلت محاولة أن أبدو طبيعية ..
" وما هي مشاكل عبدالعزيز ؟ "
" لا أعرف .. لم تخبرني عمتك بسبب هذه الخلافات .. لكني اعرف أن عبدالعزيز قد تشاجر مع والدته وأخواته .. ولايكلمهم لم ترض أي منهم بإخباري السبب .. لكن عمتك حزينة .. "
لم تدخل أي كلمة من كلمات جدتي إلى أذني .. ما أعرفه أنه كيف لشخص ميت أن يتكلم ؟؟ كيف لزهرة قد دهست للتو أن تعود إلى نضارتها ورونقها .. كيف لقلب قد أراق دمه أن ينبض مرة أخرى ؟ كيف وكيف وكيف ؟؟ .. ترن هذه الكلمات في أذني ولا أسمع سوى صداها المتردد .. .. من دون أن أسمع أية إجابة ..
خرجت من غرفة جدتي لا أرى طريقي .. أشعر أن عيناي قد تتفجران بالدموع في أية لحظة .. لم أر شيئا .. لم أع شيئا .. شعرت بمن يجرني . نظرت إلى حسن .. وكانت نظراتي محملة بأسوأ أنواع الحزن ..
ترك يدي من هول ما رأى في عيني .. قال باهتمام
" مابك ؟ "
حدقت إليه .. أغلقت عيناي خوفا من أن يقرأ مابداخلي من أحزان وشهداء .وقصائد رثاء ..
"فاطمة مابك ؟؟ .. أخبريني .. "
أردت من صوتي أن يخرج لكن لم أسمع سوى حشرجة ضعيفة "لاشيء "
التفت لأذهب إلى غرفتي .. وبقي حسن ينظر إلي بشفقة لا أريد شيئا سوى الوصول إلى سريري.. والإرتماء ومعانقة وسادتي العزيزة .. وأن أفضي إليها بكل دموعي التي فاضت داخلي ..
صعدت بتثاقل إلى غرفتي .. دخلت إلى غرفتي وتأكدت من اغلاقها بإحكام .. وارتميت على سريري .. لم أبك كما أردت .. بل بقيت أفكر .. يا إلهي .. كنت أعرف أنه لن ينظر إلي .. لم أغرقتني نفسي بالأمل إلى درجة أنني لم أستطع التنفس .؟؟ .. بكيت .. وبقيت أبكي طوال الليل .. كاتمة صوتي خوفا من أن يسمعني أحد ويسخر مني .. كم أردت الصراخ ... كم أردت النحيب .. إن قلبي يستحق العزاء .. لقد مات اليوم .. ولم يكن هناك من يواسيه أو حتى يحمله إلى قبره ..
تجاهلت الهاتف الذي يرن مرارا .. تجاهلت الخادمة التي تطرق الباب حاملة طعامي إلي .. تجاهلت كل شيء .. بقيت في سريري .. لمدة ثلاثة أيام .. أتمنى لو أتوقف حتى عن التنفس .فلم أعد أتحمل ذرات الهواء التي تدخل إلى رئتي..
كانت قصة حب فاشلة .. لا .. لم تكن قصة حب .. بل كانت قصة قلب .. لطالما كنت أعرف أنه لاخيار لي .. قلبي لم يستأذنني في شيء .. وأقحم نفسه في هذا الوهم .. وهاهو اليوم يأبى أن يحادثني .. انزوى في زاوية مظلمة ..ولم يرغب في رؤية النور ..
يا إلهي ما أشد وحدتي .. ما أشد حزني .. ما أشد غبائي ,, هذا اليوم الخامس . ولم يطرق أحد بابي سوى الخادمة .. التي إشعر بأنها الوحيدة التي تتذكر أني مازلت على قيد الحياة .. لا أب .. ولا أم ... ولا حتى أخوتي ..
أخيرا طرقت الباب الخادمة لتخبرني أن هناك ضيوفا يرغبون في رؤيتي .. قلت لها أن ترسلهم إلى غرفتي .
طرقوا الباب .. كانت سارة ومريم ..
ارتميت في أحضانهما.. كاتمة دموعي .. أغلقت مريم الباب وقالت لي باستغراب " مابك فاطمة ؟؟ مابك ؟؟ .. لم أنت بهذا الشحوب والهالات السوداء حول عينيك ؟؟ "
" فاطمة هل أنت بخير ؟؟ "
هززت رأسي بأجل . .. نظرت إلى سارة . " أنا بخير .. "
شعرت أن هاتين الكلمتين ثقيلتين جدا ..
" أنت تكذبين .. أنت لست بخير .. فاطمة مابك ؟؟ .. خمسة أيام أتصل بك ولا تجيبين .. لم تأتي إلى المدرسة .. ماذا حدث .. هل تعرض لك ابن عمك ؟؟"
قلت بهدوء " لم يفعل .. كان بعيدا عني .. "
نظرت إلى مريم التي كانت قلقة .. وإلى سارة التي كانت تنظر إلي برعب .. لا أعرف كيف انسابت مني الكلمات فأخبرتهما ماحدث لي..
لم أستطع كبح دموعي .. .. التي تدفقت بغزارة ..
قالت مريم " لم لم تخبريني؟ .. "
قلت وكنت أشعر أني غبية جدا لتفكيري هكذا " كنت أخشى أن .. كنت أخاف من .. كنت أغار أن تسرق أحداكما حلمي .. كنت أشعر أنني لا أستحقه .. وكنت أشعر أنكما ستسخران مني .. " ..
لم أعرف لكن مريم نظرت إلي بغضب " أتسمعين نفسك فاطمة ؟؟ ..ألهذا ابتعدتي عني ؟؟ .. شعرت أن هناك شيئا يجرك بعيدا ولم أعرف أنك غبية إلى هذه الدرجة ؟؟"
"غبية ؟؟ أنا ؟؟ "
قالت مريم بحزم " أجل .. غبية . .. أنسيت من أنا يا فاطمة ؟؟ أنا مريم التي عانيت الأمرين سواء كان من السخرية أو الغيرة ...
أكنت تفكرين بي هكذا ؟؟ نسيت آلامنا التي تشاركناها .. وأفكارنا ؟؟ .. نسيت ماكان بيننا من دموع ؟؟ .. هل توقعتي أنني قد أتغير ؟ ..لا .. لم أتغير .. لم يكن هناك داع لأن تخافي مني .. أنا مريم .. مريم .. " ..
أحسست بفداحة خطئي عندما نطقت مريم بتلك الكلمات .. نسيت أن مريم هي كانت دائما ملجأي .. ارتميت في حضنها وبدأت بالبكاء بشدة .. شعرت بيدها التي كانت تربت على ظهري بحنان .. قالت سارة بهدوء " لنخرج "
هززت برأسي موافقة .. " أمهلوني حتى أغير ملابسي ..."
كنت قد استحميت في الصباح . لبست ملابسي وخرجت أستأذن جدتي التي لا أعرف لما لم تجادلني كالعادة . ووافقت فورا ..
استعدت بعضا من نفسي عندما تنشقت الهواء النقي بقرب البحر .. وضعت مريم البيتزا والكولا على السجادة .. وجلسنا ثلاثتنا هناك .. صامتات . نتأمل جمال البحر وأمواجه المتلاطمة .. وجمال الشمس المنعكسة عليه .. لم أكن قد أكلت منذ وقت طويل .. وكنت جائعة فعلا ..
" فاطمة ماذا ستفعلين ؟؟ "
نظرت إلى سارة التي سألتني وهي تنظر بعيدا .. قلت لها بيأس
" كما افعل دائما .. أتأقلم مع هذا الوضع ..."
سألتني مريم " هل أحببته حقا ؟؟ "
هززت رأسي بأجل .. لقد أحببته بشده .. كيف تمكن هذا الحب مني لا أعرف ..
وضعت قطعة البيتزا وقد شعرت بالشبع ... وقفت واقتربت من الصخور ..وقلت لهما " لقد عشقته .. " ..
مدت مريم يدها لتمسك بيدي ... كانت عيناها تفيض حنانا .. وعيناي تفيض دموعا .. أبعدت نظري بعيدا .. إلى الأفق البعيد ..
قالت سارة بحكمة " لاتدعي هذا الأمر يؤثر على حياتك.. لاتبقي حبيسة لهذا الحب .."
قالت مريم " ستتكفل الأيام بشفاء هذا الجرح .. .. "
قلت لهما بيأس " ليته كان جرحا .. لقد كان حبا من طرف واحد .. كان وهما .. سيؤثر بحياتي .. ولن تستطيع الأيام أن تعالجه لن تستطيع .. سأبقى أحبه .. أنتما لم تعرفا فيصل .. لم ترياه .. "
أحاطتني ساره بذراعيها " أنت حساسة يافاطمة .. حساسة جدا . مازالت مشاعرك وليده .. لاتجعليها تستحوذ عليك .. أرجوك . "
" سأحاول .. لنذهب .. "
قالت مريم " لنذهب .. ونكمل تناول البيتزا .. لقد استبد بي الجوع ."
-15-
اختفاء ..
ما أعرفه أنني خلال الأيام التاليه ازددت شراهه .. ازددت كآبة .. أكلت مشاعري وكآبتي . اهملت دراستي ولم أعد آبه لشيء .. . .. اختفى حسن لم أعد أره .. وأكلف نفسي عناء السؤال عنه .. فقد ارتحت أخيرا .. كان وجوده الدائم يخنقني ..
رأيت منال التي اتضح انها كانت مسافرة .. لم أكترث .. لكن مبارك كان في مزاج سيء .. لا أعرف مالسبب .. ولم يعجبني وضعه .. كانت أمي تجلس في الحديقة عندما خرجت إليها ..
" كيف حالك ؟"
" بخير يا أمي .. "
"ماذا ستفعلين بعد انتهاء امتحاناتك ؟؟ "
نظرت إلى أمي وقلت بصدق
" لا أعرف .. "
" لنسافر أنا وأنت إلى السعودية ونقضي هناك الربيع .. "
فرحت كثيرا بعرض أمي ..
" فعلا ؟؟ أجل موافقة .. "
قالت أمي بهدوء " سنرافق خالتك وبناتها .. "
وكأنها قتلت فرحتي في الوقت ذاته .. حيث لم أحب بنات خالتي ولا أطيقهن .. " لن أذهب .. "
نظرت أمي إلي باهتمام " لماذا هل لازلت على خلاف معهن ؟؟ "
قلت لها بصدق " كنت سأذهب لو كنا بمفردنا ... لكن لن أرافقهن .. لن أنسى ماحدث لي جراء آخر عطلة قضيتها معهن .."
قالت أمي مستغربة " لكن كان هذا منذ عشر سنوات .."
هززت رأسي بلا ودخلت إلى المنزل .. لن أنسى ماجرى منهن .كنا قد سافرنا إلى دبي في عطلة الربيع .. .. لم يكفن عن توجيه الاهانات إلي والسخرية مني رغم أنني لم أكن قد بلغت السابعة بعد . وهن أكبر مني بخمس سنوات .. ولم أرهن منذ تلك العطلة .. وحرصت على عدم الذهاب إلى منزلهن وعدم الخروج إذا قامن بزيارتنا ..
لحقت بي أمي إلى المجلس وقالت بغضب " هل ستبقين وحدك ؟"
"جدتي ستبقى معي .. "
"لن تبقى ستسافر بمعية عمك خالد إلى السعودية .. وسيسافر أخوتك ولن يبقى أحد .. حتى الخادمات سيذهبن معنا .. "
" لن أذهب .. "
" إذن ستذهبين للبقاء في منزل عمتك .. "
وقف شعر جسدي هلعا من هذه الفكرة .. لم أذهب إلى منزلها منذ تعرض لي عبدالعزيز ذات يوم .. والآن بعد خطوبة منى .. ستكون فرصة لأرى فيصل .. لكن ... وبدون وعي قلت لأمي
" حسن .. سأبقى لديها لمدة أسبوعيين .. ""
" ماذا فعلت ؟؟ ""
كانت مريم تصرخ بغضب .. اليوم هو آخر يوم من الامتحانات .. التي لم أكن قد درست لها ولا أعرف كيف أجريت الإمتحانات .. ولم أقل لسارة ومريم شيء حتى سافرت أمي اليوم صباحا وسيأتي عبدالعزيز ليقلني من المدرسة ..
قالت مها التي عرفت بما يحدث معي من سارة " ألم تفكري ماذا سيحدث لك إن حضر فيصل لرؤية منى . "
قلت " انه خطيبها ... لن يأتي .. لم يتزوجها بعد .. "
نظرت إلي سارة بعمق " ستعذبين نفسك .. ولن تستفيدي شيئا "
لم أقل شيئا .. ولم تقل أي منهن كلمة .. لقد كان تعليق سارة كافيا لينهي الحديث ..
قالت سارة وهي تودعني " تعرفين رقم هاتفي .. لاتترددي في الاتصال بي إن احتجتني .. لن اخرج من المنزل "
" سأفعل .. "
قالت مريم " سأسافر اليوم .. ولن أعود قبل اسبوعين .. لكن سأتصل بسارة لتخبرني بالجديد .. "
قالت مها مودعة " أنا سأكون في مزرعة جدتي .. وهي خارج المدينة .. لكن سأعود الأسبوع المقبل .. اتصلي بي . "
جاء عبدالعزيز برفقة صافية ... ركبت سيارته
" السلام عليكم "
" وعليكم السلام .. كيف كان امتحانك اليوم "
" سهل وأسئلته سهله .. لكني لم أكن أعرف الإجابه .. "
ابتسم عبدالعزيز وانطلق بالسيارة وانتبهت أن صافية لم تتحدث معه على الاطلاق .. تذكرت ماحدث بالامس عندما حادثتني جدتي عن اختفاء حسن .. لايعرف أي أحد أين هو .. اختفى فجأة ولم يرغب أحد في السؤال عنه سوى جدتي .. التي حزنت كثيرا لإختفائه .. أو كما يطلق عليه أخي مبارك .. الهروب ..
سألني عبدالعزيز متجاهلا صافية " ما رأيك أن أدعوك للغداء "
اعتذرت بتهذيب أني متعبة وأريد الراحة فقط ..
وصلنا إلى المنزل .. استقبلتني منى بابتسامة عريضة أدمت جرحي العميق داخل قلبي ..
يا إلهي ماذا أفعل .. عندما يكون الانسان جاهلا بما يجول في خاطر أخيه إلى درجة أن رؤيته تسبب ألما له .. ارتميت في حضن منى وألقيت بكل آلامي على كتفها .. ربتت بحنان بريء علي .. قتلت كل مشاعر الكره تجاهها التي تولدت دون أن أشعر ... ماذنبها ؟؟ لاتعرف ماذا في قلبي .. لا أحد في عالمي يعرف مابداخل قلبي من أوهام ... لم ألوم غيري على غبائي ؟؟
استلقيت على السرير بتعب ... حاصرتني الفتاتان بالأسئلة .. لكني كنت أنظر إليهما بتعب ولم أشعر بنفسي فقد أغمضت عيناي ونسيت أن أفتحهما لأغرق في نوم عميق .. ووسط أحلامي أسمع ضحكهما وأحاديثهما دون أن أفهم شيئا ..
استيقظت بتثاقل .. كانت الساعة تشير إلى الثالثة عصرا .. غيرت ملابسي واتجهت إلى صالة منزل عمتي لأجدها تجلس بين ابنتيها وتحادثهن بمرح .. وقفت هناك لدقيقة .. حدادا على أمومة لم أذق طعمها يوما .. وتأملا لمنظر كم أحسد بنات عمتي عليه ..
"فاطمة .. تعالي حبيبتي .. تعالي .. "
اتجهت لحضن عمتي ..ووضعت رأسي بتعب .. وأغمضت عيناي بينما تتكلم مع بناتها ..كانن يتحدثن في شتى الأشياء .. المطبخ السيارة الدراسة الطقس .. تمنيت لو أجد يوما شخصا يتحدث معي في أتفه الأشياء .. شخص لايبخل علي بسخافته كما لن يضجره سخافة أفكاري .. أزاحت عمتي حجابي وبدأت في مداعبة شعري .. وهي لاتزال تتحدث في أمور صغيرة ..
-16-
"ليتني سافرت مع والدتك .. لكن فيصل لم يرضى قال انه يرغب في التعرف إلي خلال هذه العطلة .. "
لم أستوعب ماقالته منى لدقيقة .. ثم قلت هامسة "ماذا ؟ "
قالت منى ببرود " لا أعرف لما ضيعتي على نفسك هذه الرحلة .. يالغباءك .ستندمين على ذلك .. ان جو السعودية رائع في الشتاء .. "
لم أفهم غباء منى .. هل فعلا تفضل السفر على التعرف بفيصل ؟؟ قلت ولا أعرف من أين خرجت الكلمات "أتكلمينه ؟"
قالت ببرود " انه يأتينا كل جمعة منذ الخطبة .. ويجلس بيننا .. ما عدا عبدالعزيز .. لايزال لايكلمنا ."
أثلج هذا الخبر قلبي .. إن هناك فرصة لألتقيه ! قلت متمته
"مالسبب ."
قالت بغرابة " لاشيء !"
لم أفهم سبب تكتم الجميع عن سبب خصامهم مع عبدالعزيز ..
توجهنا لتناول العشاء قالت لي عمتي " هلا أرسلت الطعام إلى عبدالعزيز ؟ .. لقد ذهب حمد وزايد إلى مزرعة عمك خالد وسيبقيان هناك طوال العطلة .. وعبدالعزيز لايكلم أي منا .:"
لم أرفض طلب عمتي .. حملت العشاء إلى المجلس الكبير ..دخلت وكنت قد أحكمت حجابي ..
" السلام عليكم .. كيف حالك .."
" جيده .." وضعت الطعام أمامه ودعاني إلى الجلوس لدقيقة .. جلست وقلت بمرح " لقد أصبحت الواسطة بينكم الآن .. هل ترغب في طلب شيء من عمتي أو أخواتك ؟ "
"لا شكرا .."
" ماذا حدث ؟؟ أخبرني .. قد أكون حمامة السلام .. "
ابتسم ونظر إلي وقال " لن أعلق .. آخر مرة علقت على شيء قلتيه انتهى بك الأمر تبكين .. :"
تذكرت سخريته ذات مرة ... وكيف أهانني .. يا إلهي . نسيت .. ابتسمت فقط .. فلم أستطع أن أقول أي شيء .. ثم فجأة استوعبت الأمر ونظرت إليه بغضب "ماذا تقصد ؟؟ "
ضحك ببراءة .. وقال مازحا " مجرد تشبيه "
"مـــاذا ؟؟ "
وقفت لأغادر فقال بانكسار" هل ستنضمين إليهن الآن ؟؟ رائع .. لن يكلمني أحد في هذا المنزل "
نظرت إليه بحنق فقال متوسلا " أرجوك .. لقد أصبحت أكلم الحائط "
ضحكت مرغمة .. عدت إلى الجلوس .. وقلت له بجدية
" لا أحب أن أكون محور النكته لدى أي شخص .. أرفض رفضا قاطعا أي كلمة تخص شكلي .. "
قال باستسلام " امرك سيدتي .. "
تذكرت حسن وابتسمت .. "لست بسيدة أحد .. مازلت آنسة "
قال مشككا " كما تأمرين يا آنسة .. "
ثم راح يتحدث عن أحد أصدقائه وحس النكته لديه .. كيف أضحكهم .. ثم تناول طعامه واستنأذنت لأدخل لقد استبد بي الجوع .. ان أحاديثه شيقة جدا .. لكني كنت جائعة جدا .. جلست إلى الطاولة قالت عمتي جدية "تأخرت "
قلت لها الحقيقة " لقد طلب مني البقاء والتحدث معه قليلا .. لقد كان يشعر بالوحده و... "
هززت كتفاي عندما رأيت عمتي قد أسقطت الملعقة من يدها .. قالت بحزن "هو من ..على أية حال لقد سبب هذا لنفسه .."
سألتها بفضول " ماذا .. "
قالت "لاشيء .."
لاحظت نظرات منى وصافيه وخصوصا منى التي نظرت بعيدا ..
قلت وكنت أعرف أنه لايجب أن أتكلم فيما لايعنيني .. لكن .. نطقت رغم ذلك
" أنا متأكده أنه مهما كان الأمر لايستحق أن تتخاصموا فيما بينكم بهذه الطريقه ..: "
تركت منى الملعقة من يدها وتركت المائدة بعصبية .. في تلك اللحظة تأكدت أن المشكلة كلها تخص منى .. وأكيد . تخص فيصل .. تناولت طعامي بسرعة وعدت لأجلس بقرب منى في الغرفة " ماذا هناك .. أخبريني ... لم تركت عشاءك ؟؟ "
" لم أعد أرغب بتناول شيء "
"ماذا إذن .. ماذا حدث .. أخبريني لم عبدالعزيز يرفض الحديث معكم ؟ "
تكورت منى حول نفسها ولم ترغب في النظر إلي وهي تتكلم فنظرت عبر النافذه وقالت
" لقد ...غضب عبدالعزيز عندما سمع من جدتي أمر خطبتي .. لقد كان آخر من يعلم .. واتضح لاحقا أن أحد أبناء عمي تقدم لخطبتي عن طريق عبدالعزيز ..وأكد له عبدالعزيز أن الأمور سوف تكون كما يريد .. حدثت مشاده كبيره بيننا .. انتهت بطلب أمي منه أن يوافق على زواجي وإلا لن تحادثه هي أو أي منا .. وكان كبرياؤه شديد لدرجة أنه اختار الخيار الثاني بكت أمي كثيرا .."
بكت منى بقسوة .. حاولت أن أخفف عنها ... قالت منى بارتجاف
" لا أحب أن أكون سبب الخلاف بين أمي وأخي .. كلما تحدثنا بالأمر تنظر أمي إلي كأنني المذنبة "
شعرت أنها فرصتي في تحقيق ما أردت .. فرصتي في انهاء خطوبة منى وفيصل .. قلت لها بخبث أشتم رائحته بوضوح "ربما كان عبدالعزيز على حق "
التفت إلي بدموعها ونظراتها البريئه وقالت بهدوء
"ماذا تحاولين أن تقولي ؟"
"ربما لايرى في فيصل الزوج الصالح لك .. ويرى ابن عمك أنسب لك .. "
" لا أعرف .."
بدت منى مرتبكة فأكملت خطتي " انظري للأمر من ناحية أخرى .قد يخلق زواجكما العديد من المشاكل .. فقد ابتدأ بمشكلة بين عمي خالد وفيصل .. "
شعرت كأن منى تفكر جديا بكلامي فقالت لي " هل تقولين لي أن أتخلى عن فيصل ؟؟"
تداركت فداحة قولي فأسرعت قائلة
" لا أقول لك شيئا فلست مخولة لإبداء رأيي .. كل هدفي أن ينتهي الخلاف بينكم .. أنت وعبدالعزيز "
قالت منى بحكمة خيبت كل آمالي في الحصول على رد فعل سريع كما أريد " لا .. سأفكر في كلامك لكن لن أفعل أي شيء .. يعجبني فيصل كثيرا .. وأعرفه ليس به أي عيوب تذكر .. كما أن أمي كانت في صفي .. وأنا أثق برأي أمي .."
قلت بيأس " وعبدالعزيز .."
قالت " لاتقلقي .. لن يبقى الأمر على هذا الحال .. فقلب عبدالعزيز طيب .. وسيرضى في النهاية "
انسحبت من قربها وخرجت إلى الحديقة وكان يجلس وحيدا .. انضممت إليه بيأسي وخيبة أملي .. وسألته
" فيم تفكر ؟"
" لاشيء .. فقط أتأمل الليل والنجوم .."
" رومانسي .."
"لا .. بل حالم .."
"أليس الحالم هو الرومانسي ؟.؟ "
التفت إلي وكانت ملامحه لاتحمل أي تعبير " لا... الحالم هو من يحب التأمل بلا حدود .. أما الرومانسي فمن يعيش قصة حب "
قلت بجرأة " ألا تعيش قصة حب حاليا ؟؟"
"لا .. لست من ذلك الصنف .. إني رجل آخر مايفكر به هو قصص الحب السخيفة ."
"وتتجرأ على تسمية نفسك بالحالم ؟؟ .. لا .. أنك متأمل فقط .. ان عالم الأحلام كبير .. ولست من رواده "
أدركت أنني انفعلت كثيرا في قول كلماتي تلك ... من نظرته المتفاجئة لي .. قال لي بهدوء قاتل " لما انفعلت هكذا عندما سخرت من الحب ؟؟ "
" لا لشيء ... فقط أنني .. لم أفهم سبب موقفك .. لقد أغاظني كثيرا "
أحسست من نظراته أنه قرأني ككتاب مفتوح ... أنه رأى جرح قلبي عبر بؤبؤ عيني واضحا .. كوضوح الشمس ..
" من هو ؟"
كان سؤاله مفاجئا ..خارجا عن المألوف .. عن العادات عن التقاليد عن المنطق .. كيف تجرأ وسألني ؟؟ ارتبكت كثيرا وشعرت أن الدماء اختفت من وجههي .. قلت مرتبكة " ماذا تقصد ؟؟ "
لم يزد حرفا كانت نظراته تؤكد لي معرفته لما يجري داخلي من زلازل وبراكين .. كنت أناضل لأمنع دمعة تريد الخروج .. دمعة لاتطيق البقاء داخل جسد ينكرها بقسوة ..
تراجع إلى الخلف .. لا أعرف لما انسحب .. لكني ارتحت لانسحابه فقد كنت سأعترف له لو زاد الضغط علي ..لكنه انسحب وغير الموضوع ..
"متى سنرى نتائجكم ؟"
أخذت وقتا طويلا في استعادة تنفسي ..وقلت بارتباك " لا أعرف "
" أنا أراهن أنها ليست بالمستوى المطلوب "
قلت له " جد من تتراهن معه .. فأنا في صفك .. ستأتي مخيبة للآمال .. "
استدرت لأغادر فقال ختاما "مهما كان لا يستحق أن تحزن هاتين العينين لأجله .. "
خرجت دمعتي وكنت قد استدرت عنه فقلت "ربما " وفي قلبي أكملت (يستحق ) ..
واكتشفت أن لي عينان تفضحان ماداخلي من قصص .. هل أطفيء نورهما لارتاح من شفقة الجميع ؟؟ هل أطفأهما ؟؟ .. لا أعرف .. عدت إلى الغرفة لأجد الجميع قد خلد إلى النوم فقد كان اليوم شاقا .. فعلا شاقا . نظرت إلى الساعة العاشرة ليلا .. جلست لأشاهد فيلما على التلفاز .. وكتمت الصوت لتدور في رأسي أصوات أفكاري وقلبي وأنفاسي ..
***
جاء يوم الجمعة سريعا .. وكنت قد قضيت الأيام السابقة في المجمعات مع منى وصافية .. حيث كانتا تتسوقان بمرح .. تسوقت معهما ..واستمتعت بوقتي ..
ارتديت بدلة خضراء وزينتها بقطعة من حجر الجيد اشترته لي جدتي منذ سنوات .. لففت حول رأسي شالا أخضر زمردي .. زينت عيناي بكحل بسيط .. خرجت إلى الصالة وكان عبدالعزيز يجلس مكتئبا سألت " أين الجميع ؟"
قال مستغربا ملابسي " لا أعرف .... أين ستذهبين ؟ "
"سأزور صديقتي .. "
" من سيوصلك؟"
"سترسل سائقها "
كنت فعلا سأذهب لسارة لمدة ساعتين وأعود ويكون فيصل موجود .. لا أريد سوى أن أراه .. فقط ..
"سأوصلك .. "
" لا .. لا داعي سأذهب مع السائق .. "
" قلت سأوصلك .. "
لم يعجبني اقتراحه هذا أيشك بي ؟؟
"سأتصل بها كيلا ترسل سائقها "
اتصلت بها وأخبرتها .. خرجت عمتي من غرفتها ورأتني وقالت "هل وصل السائق ؟"
"لا .. لن يأتي سيوصلني عبدالعزيز ,.."
"لاتتأخري .."
"حسنا .."
أوصلني عبدالعزيز بعد وقت طويل كنت أدله على الطريق .. "شكرا لك .. "
"سأكون هنا بعد ساعة "
"ماذا ؟؟ .. "
نظر إلي بغضب " كم تريدين البقاء ؟"
"ساعتين .."
وافق وغادر لأرتمي بين أحضان سارة .. ونجلس لنتحدث طويلا عن اسبوعنا الماضي..
قالت لي بجدية جعلتني أفكر قليلا
" لن تذهبي ؟؟ لن أدعك تذهبين ستدمرين نفسك ."
همست لها دون أن أشعر بدموعي التي تنساب على خدي ..
" أحتاج إلى رؤيته .. "
وقفت سارة لتقول في غضب
"سأجعل أبي يخرج لابن عمتك ويخبره أنك ستبقين لدينا حتى العشاء "
قفزت لأمنعها وقد ازدادت دموعي ...كأنها ستحرمني من الحياة بقولها هذا ..
"لا.. أرجوك ... لا .. "
نظرت إلي سارة بغضب ولم تؤثر بها دموعي "لن اسمح لك بالإنحطاط أكثر .. "
صدمت من موقف ساره رددت خلفها كالبغبغاء
"انحطاط ..انحطاط ؟؟ "
واجهتني ساره بغضب
" أجل .. انحطاط ... ليس من طبعك أن تكيدي المكائد أو تسببي المشاكل أو تلعبي بخبث .. كل ماقلته لي الآن يؤكد أنك بدأت في الانحطاط باسم الحب .. أنت يا فاطمة أسمى من هذا كله .. أسمى من الخبث والكذب .. أنك أسمى من الحب نفسه الذي تعيشينه .فكري .. هل سيحبك إن ترك منى ؟؟ ماذا سيكون موقفك إذا حصل ما أردت وتزوجتي به ؟؟ ستهتز صورتك في عيني منى وعمتك . فاطمه ضعي أمام عينيك حقيقة واحده .. أنه لايعلم حقيقة مشاعرك .. ولن ينظر إليك أبدا ! هل ستخلقين المشاكل لأجل لاشيء! ..لاتريه بعد اليوم .. ابتعدي عنه .. اذا عدت بعد قليل اتجهي لغرفتك ولاتشغلي بالك.. انه لايعلم بوجودك .. ."
دخلت كلمات سارة إلى مركز المنطق في رأسي .. ماذا كنت أفعل ؟؟ ماذا فعلت ؟ كيف كنت سأخرب خطبة منى ؟؟ كيف كنت سأخلق المشاكل ؟؟ .. لم أستطع منع نفسي من البكاء أكثر .. واعترفت لسارة بصدق كلامها وأنني لست من فعلت كل ذلك بل شيطاني .. لكني اعترفت لها " لكني أحتاج لرؤيته .."
"ستعذبين نفسك لاغير.. ."
" تحتاج نباتات الظل أن ترى ضوء الشمس بين حين وآخر .."
" فقط نظرة واحدة لاتدخلي معه في مواضيع أو نقاشات .. انظري إليه من خلف الباب .. ولاتدعي أي أحد يراك .. فأنت شفافة كثيرا إلى درجة أنهم سيرون مابداخلك من مشاعر .. لاتعذبي قلبك .. فلا أحد يستحق " ..
خرجت إلى سيارة عبدالعزيز .. وأخذت الأفكار تعصف بي .. عندما أذهب للمنزل الآن سيكون هناك .. قلت لعبدالعزيز هامسة
" ان طلبت منك شيء هل ستلبي طلبي ؟؟"
" أجل .. اطلبي ماتريدين .."
" أنهي الخلاف الذي بينك وبين عمتي وصافية ومنى .."
صمت لبرهه ثم قال " لماذا ؟؟ هل مللت من ايصال الطعام إلي واوامرهم ؟ "
ضحكت رغما عني .. ثم قلت " لا.. لكن . هناك فجوة قاتلة بينكم .. لا أستطيع تحملها .. أرجوك يا عبدالعزيز . نفذ طلبي .. أرجوك ."
صمتت ولم يجبني .. وعندما أوقفنا السيارة أمام المنزل .. رأيت سيارة فيصل .. كتمت شهقة كبيرة .. يا إلهي سيارته جعلت قلبي ينقبض هكذا .. ماذا سيحدث إن التقت عيناه بعيناي ؟"
قال عبدالعزيز
" لأجلك فقط سأرضخ .. وأنهي الخلاف فقط لأجلك .."
"شكرا "..
كان صوتي متحشرجا .. لايعرف أني قد انتهيت الآن بموافقته وانتهت كل آمالي وأحلامي ..
دخلت إلى الصالة بعد تردد شديد .. كانت أصواتهم قد تعالت وبان الانسجام بينهم .. عادت إلى ذاكرتي كلمات سارة .. لمحته من خلف الباب .. وأغمضت عيناي فورا من ردة الفعل التي انتابتني .. كان يجلس بقرب عمتي وهو يضحك .. تماما كما تخيلته بل وأجمل .. كانت منى تجلس بخجل هناك .. نظرت إليه وهو يضحك .. وأغمضت عيني لتبقى صورته هكذا في بالي .. اتجهت إلى غرفة النوم واستلقيت هناك .. أخرجت مسجلتي الصغيرة لأسمع ذكرى وأذوب حزنا في صوتها ..
كم كانت فرحة عمتي ومنى وصافية بزوال الخلاف بينهم وبين عبدالعزيز .. بقيت منى تبكي من الفرح .. وأدركت كم هي حساسة .وإنها تستحق فيصل .. أو .. لاتستحقه !
وأخيرا . النتائج لنهاية الفصل الأول ..
كانت نسبتي مخيبة للآمال .. لكن...لحظة .. لم تكن هناك أي آمال لأخيب.. فلم يهتم أحد .. سوى جدتي التي تقول لي دائما مايهم هم النجاح وليس النسبة .. ولكنها لاتعرف أن النسبة أهم من النجاح .. كانت نسبتي في نهاية الستين .. استنكرت صافية ومنى درجاتي ..لكني لم أهتم .
صدمت سارة ومريم ومها بدرجاتي .. فقد كانت نسبهم عالية جدا .. وكانوا يعلمون بقدرتي على تحقيق الأفضل ..
مر الاسبوع سريعا بين زياراتي لصديقاتي وبين ذهابي للمجمعات الخروج في نزهات مع عبدالعزيز وصافيةومنى ..
وآخرها كانت إلى الجزيرة .. استمتعنا كثيرا بوقتنا .. تحدثنا عن أشياء كثيرة وضحكنا كثيرا .. كانت هذه العطلة قياسا بعطلاتي السابقة هي الأفضل ..