-١-
وزن رافعة
عندما أتذكر أني كنت أحمل على قدمي أكيالاً يبلغ تعدادها أكثر من ١٨٥ أصاب بالذهول،وأحاول أن
أغير موضوع الفكرة،مع أن القدرة على الإنجاز تروقني كثيراً.
بدأت كتابة ذكريات سمين سابق في نهايات فبراير ٢٠٠٤ م،وكنت حينها فقدت نحو خمسين كيلاً من
وزني خلال ستة أشهر .كان قرار التخلص من هذا الترهل في شهر آب (أغسطس) ٢٠٠٣ م.وأقدم هذا الكتاب
للقارئ العزيز بعد أن فقدت عضويتي في نادي المئة.
أمر محزن أن تفقد أهليتك للانضمام لعضوية ناد ما،وإن كانت الرابطة الج امعة بين أعضاء هذا النادي
شحومهم ولحومهم،طابت لهم الحياة.
لقد كنت أشبه ما أكون برافعة،أو آلية عسكرية،أو مدرعة من مدرعات القتال،وإن كان السلم وكراهية
العنف يغشياني من رأسي حتى أخمص قدمي،سابقاً ولاحقاً،وفيما بينهما.
أحياناً عندما أتأمل أني فقدت نحواً من نصف وزني،أتخيل أني ألقيت عن كاهلي رحلاً ممتلئاً يقارب
وزنه التسعين كيلو جراماً! أنها حالة لافتة،ومؤلمة،ومثيرة،في آن واحد.
إن الرجل الذي يزن تسعين كيلا ً،لا يصنف بأنه ذو وزنٍ للريشة،ولا وزن الديك،بل هو من الأوزان
الثقيلة،وأقول الثقيلة،حتى لا أنساق في أوصاف تؤذيني الآن قبل أن تؤذي غيري.
كان الرجل ذو التسعين كيلاً،هذا الذي ألقيته عن ظهري،يشاركني استخدام ذات
الرجلين،والقدمين،والساقين،وذات الركبتين .كان يشاطرني النوم،وأحمله معي في كل مكان – وربما كان هو
يحملني – حيثما حللت،وحيثما لم أحل،ذاهب اً وآتياً،راجلاً وراكباً،مسروراً ومكتئباً،واقفاً وقاعداً،نائماً
ومستيقظا،في الحضر والسفر،وفي الحل والترحال!
الآن أتذكر الرجل خاصة عندما أشاهد الإعلانات التجارية،لشامبو وبلسم في آن واحد،أو لجريدتين في
جريدة،عندما يستخدم المعلنون جملتهم الشهير ة: (اثنان في واحد). لا يقفز في ذهني إلا أنا وهو يوم كنا اثنين
في واحد .أقول ذلك وأنا أجمع أطراف الدبلوماسية بين أصابعي وفي فمي،وإلا لقد كنا ثلاثة في واحد،وربما
أكثر من ذلك!
أكثر الأشياء فرحاً بالتخلص من هذا الرجل الرمزي هي ركبتاي اللتان تئنان ألماً من هذا ا لثقل
الفاحش،ولا مكترث لأنينها،ولا سامع لعويلهما،ولا مجيب لدمعات كانتا تسكبانها،وكأن ذلك كله كان صرخة
في واد سحيق لا صدى فيه يصل إلى أحد،وبالذات...أنا،الثلاثة في واحد!
على الرغم من المتع ة في التخلص من كل زائد،لا يفترض أن يكون موجوداً،إلا أنني بحكم كو ني إنساناً
أليفاً،أعترف بأنني أتذكر صاحبي الراحل،بشي من الود،وإن لم يكن بالكثير من هذا الود،على الأقل من باب
العشرة الحسنة.
حتى اللحظة ونحن في الأشهر الأولى للعام ٢٠٠٦ م أبدو لنفسي ثقيلاً بحاجة إلى التخلص من المزيد
من الشحوم.

Fajer AlEid :
-١- وزن رافعة عندما أتذكر أني كنت أحمل على قدمي أكيالاً يبلغ تعدادها أكثر من ١٨٥ أصاب بالذهول،وأحاول أن أغير موضوع الفكرة،مع أن القدرة على الإنجاز تروقني كثيراً. بدأت كتابة ذكريات سمين سابق في نهايات فبراير ٢٠٠٤ م،وكنت حينها فقدت نحو خمسين كيلاً من وزني خلال ستة أشهر .كان قرار التخلص من هذا الترهل في شهر آب (أغسطس) ٢٠٠٣ م.وأقدم هذا الكتاب للقارئ العزيز بعد أن فقدت عضويتي في نادي المئة. أمر محزن أن تفقد أهليتك للانضمام لعضوية ناد ما،وإن كانت الرابطة الج امعة بين أعضاء هذا النادي شحومهم ولحومهم،طابت لهم الحياة. لقد كنت أشبه ما أكون برافعة،أو آلية عسكرية،أو مدرعة من مدرعات القتال،وإن كان السلم وكراهية العنف يغشياني من رأسي حتى أخمص قدمي،سابقاً ولاحقاً،وفيما بينهما. أحياناً عندما أتأمل أني فقدت نحواً من نصف وزني،أتخيل أني ألقيت عن كاهلي رحلاً ممتلئاً يقارب وزنه التسعين كيلو جراماً! أنها حالة لافتة،ومؤلمة،ومثيرة،في آن واحد. إن الرجل الذي يزن تسعين كيلا ً،لا يصنف بأنه ذو وزنٍ للريشة،ولا وزن الديك،بل هو من الأوزان الثقيلة،وأقول الثقيلة،حتى لا أنساق في أوصاف تؤذيني الآن قبل أن تؤذي غيري. كان الرجل ذو التسعين كيلاً،هذا الذي ألقيته عن ظهري،يشاركني استخدام ذات الرجلين،والقدمين،والساقين،وذات الركبتين .كان يشاطرني النوم،وأحمله معي في كل مكان – وربما كان هو يحملني – حيثما حللت،وحيثما لم أحل،ذاهب اً وآتياً،راجلاً وراكباً،مسروراً ومكتئباً،واقفاً وقاعداً،نائماً ومستيقظا،في الحضر والسفر،وفي الحل والترحال! الآن أتذكر الرجل خاصة عندما أشاهد الإعلانات التجارية،لشامبو وبلسم في آن واحد،أو لجريدتين في جريدة،عندما يستخدم المعلنون جملتهم الشهير ة: (اثنان في واحد). لا يقفز في ذهني إلا أنا وهو يوم كنا اثنين في واحد .أقول ذلك وأنا أجمع أطراف الدبلوماسية بين أصابعي وفي فمي،وإلا لقد كنا ثلاثة في واحد،وربما أكثر من ذلك! أكثر الأشياء فرحاً بالتخلص من هذا الرجل الرمزي هي ركبتاي اللتان تئنان ألماً من هذا ا لثقل الفاحش،ولا مكترث لأنينها،ولا سامع لعويلهما،ولا مجيب لدمعات كانتا تسكبانها،وكأن ذلك كله كان صرخة في واد سحيق لا صدى فيه يصل إلى أحد،وبالذات...أنا،الثلاثة في واحد! على الرغم من المتع ة في التخلص من كل زائد،لا يفترض أن يكون موجوداً،إلا أنني بحكم كو ني إنساناً أليفاً،أعترف بأنني أتذكر صاحبي الراحل،بشي من الود،وإن لم يكن بالكثير من هذا الود،على الأقل من باب العشرة الحسنة. حتى اللحظة ونحن في الأشهر الأولى للعام ٢٠٠٦ م أبدو لنفسي ثقيلاً بحاجة إلى التخلص من المزيد من الشحوم.-١- وزن رافعة عندما أتذكر أني كنت أحمل على قدمي أكيالاً يبلغ تعدادها أكثر من ١٨٥ أصاب...
معاناة البدناء مع الطائرات!
الحديث عن كونك بديناً في المجتمع لا يعباً كثيراً بمشاعر الآخرين ذو شجون،وقصصي في هذا
الخصوص لها أول وليس لها آخر .سأبدأ من الطائرات التي كانت مهنتي بصفتي إعلامياً –ومازالت- تلزمني
بركوبها كثيراً.
كنت أجد نفسي مترفاً رغماً عن أنفي،لا أس تطيع الركوب إلا في مقاعد الدرجة الأولى،مع أن هذه
الأخيرة لا توفر لي الراحة المرجوة.
أقول مترفاً رغماً عن أنفي وأستحضر جيداً أن الأشياء الجميلة عندما تجبر عليها فإن الإكراه يحيل
جمالها قبحاً،أو أنك ستفقد متعة الإحساس بالجمال فيها،تحت وطأة الإجبار.
لم يكن عملي حينها يوفر لي – في أحسن الأحوال – أكثر من مقعد على درجة الأفق في رحلات
العمل،وكنت ملزماً بدفع الفارق لصالح فارق وزني عن الأسوياء !وفي الطائرة،تبدأ معاناة من نوع آخر،بداية
بحزام الأمان،وليس نهاية بعدم القدرة على النوم في الرحلات الطويلة.
لم تكن مقاسات الحزام الطبيعية،حتى عندما تستخدم رمقه الأخير اتساعاً،تكفي لتحيط بكرشي المترهل
وزوائدي المندلقة في الأرجاء المحيطة بي.
كان طلب وصلة للحزام هو الخيار الوحيد للخروج من المأزق،وبخاصة وأنظمة الطيران تمنع بتشدد
عدم ربط الحزام.
كنت اتسائل :ما الغاية من الحزام؟أليس هو تثبيت الراكب في مقعده وحمايته من السقوط عند مصادفة
مطبات هوائية ونحوها؟إذا كان الأمر كذلك،ولأن الأمور بمقاصدها،فإني بصفتي سميناً ثابت ثبات الأبطال في
المواقف الصعبة،بتثبيت جانبي الكرسي لي،حيث يغص المقعد بي !لكني أستصعب أن أشرح للمضيف أو
المضيفة أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً،فألوذ بالصمت!
وعندما تطلب طلباً كوصلة الحزام الإضافية على طائرة عربية،حتى لو كانت ترفل بمقاعد الدرجة
الأولى،التي تفترض أن قاطنيها من علية القوم أدباً وخلقاً، - أقول تفترض وأوكد عليه ا- فإنك تعرض نفسك
لنظرات حادة ممن حولك،تحمل هذه النظرات – في أحسن حالاتها – الشفقة،وتحمل في أوضاعها
الطبيعة،السخرية،والضحكات العارية من الحياء،والتعليقات التي تشبه سياطاً لا تعرف للرحمة معنى.
وليس بغريب بتاتاً أن يتفضل عليك جارك بالنصح داعيك للتخفيف،رأفة بح الك!وكأنك صعدت درجات
سلم الطائرة بمشقة لا يعرفها إلا بدين،واقتطعت من مالك قيمة لتذكرة سفر،بل وتجشمت عناء
الغربة،ورضيت ركوب المطايا،خاضعاً لوعثاء السفر،أملاً في أن تتلقى نصيحة باردة كهذه!
هذه النصيحة تأتيك – في العادة – مزيجاً من ثقافة صحية ضحلة،مع تطفل طاغ في التعاطي مع
شؤون الآخرين،كل ذلك مشوباً بجرأة غير محمودة،ما يشكل تعليقاً يكتفي بكلمتين- لا اختصاراً بل وقاحة –
في قوله :"الله يعينك "!،أو في خطبة طويلة،تذكرك بمجد فيديل كاسترو ٣ إبان صعود الشيوعية !مع أن خطبة هذا
المتطفل ليس فيها صعود بل هي محض النزول.
أذكر حادثتين ربما تظهران الفارق بين تعاطي مجتمعنا مع قضايا الإنسان،وتقدير حقه في
الاختيار،ومراعاة مشاعره،وبين تعامل الغرب مع حال كهذا.
ركبت الطائرة يوماً من الرياض إلى بيروت،وعندما طلبت وصلة الحزام الإضافية،سألني المضيف
بصوت عال عما أريده؟،وكأنما أراد بقصد أو بغير قصد أن يسمع من حولي.
يا مضيفي المهذب :ألا ترى بأن زوائدي كفيلة للحديث بصوت صاخب عن الموضوع؟ !لم التذكر به
الآن ثانية؟!
كان ذلك لسان حالي الذي لم ينطق.
كررت طلبي بصوت أعلى بقليل .فهز رأسه بأدب كناية عن استعداده لتل بية طلبي،وأشار بأن أن انتظر
حتى يفرغ من شرح وسائل السلامة أولاً للركاب،لأنه سيستخدم ذات الوصلة الحزامية الإضافية في بيان ما
يجب على الأسوياء فعله بأحزمتهم غير المحتاجة إلى زيادات أو وصلات.
أطرقت موافقاً،وما إن يمر من حولي وما أكثر ما يفعل،حتى يقول لي بصوت ج هوري:لا فأنا لم أنس
وصلة الحزام الإضافية!
ليتك نسيت يا عزيزي.
بعد ذلك وقبله وأثناءه كنت الموضوع الأكثر خصوبة لتعليقات ثلة من الشباب تجلس إلى يساري،وهو
ما جعلني أوغل في كراهية اليسار المتجذرة في داخلي أصلاً.
ما زال صدى الضحكات ا لساخرة يجلجل في أذني،وأنا اسمع موسوعة من النكات على البدناء
والسمان،وكلنا عبيد الله!
الحديث عن كونك بديناً في المجتمع لا يعباً كثيراً بمشاعر الآخرين ذو شجون،وقصصي في هذا
الخصوص لها أول وليس لها آخر .سأبدأ من الطائرات التي كانت مهنتي بصفتي إعلامياً –ومازالت- تلزمني
بركوبها كثيراً.
كنت أجد نفسي مترفاً رغماً عن أنفي،لا أس تطيع الركوب إلا في مقاعد الدرجة الأولى،مع أن هذه
الأخيرة لا توفر لي الراحة المرجوة.
أقول مترفاً رغماً عن أنفي وأستحضر جيداً أن الأشياء الجميلة عندما تجبر عليها فإن الإكراه يحيل
جمالها قبحاً،أو أنك ستفقد متعة الإحساس بالجمال فيها،تحت وطأة الإجبار.
لم يكن عملي حينها يوفر لي – في أحسن الأحوال – أكثر من مقعد على درجة الأفق في رحلات
العمل،وكنت ملزماً بدفع الفارق لصالح فارق وزني عن الأسوياء !وفي الطائرة،تبدأ معاناة من نوع آخر،بداية
بحزام الأمان،وليس نهاية بعدم القدرة على النوم في الرحلات الطويلة.
لم تكن مقاسات الحزام الطبيعية،حتى عندما تستخدم رمقه الأخير اتساعاً،تكفي لتحيط بكرشي المترهل
وزوائدي المندلقة في الأرجاء المحيطة بي.
كان طلب وصلة للحزام هو الخيار الوحيد للخروج من المأزق،وبخاصة وأنظمة الطيران تمنع بتشدد
عدم ربط الحزام.
كنت اتسائل :ما الغاية من الحزام؟أليس هو تثبيت الراكب في مقعده وحمايته من السقوط عند مصادفة
مطبات هوائية ونحوها؟إذا كان الأمر كذلك،ولأن الأمور بمقاصدها،فإني بصفتي سميناً ثابت ثبات الأبطال في
المواقف الصعبة،بتثبيت جانبي الكرسي لي،حيث يغص المقعد بي !لكني أستصعب أن أشرح للمضيف أو
المضيفة أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً،فألوذ بالصمت!
وعندما تطلب طلباً كوصلة الحزام الإضافية على طائرة عربية،حتى لو كانت ترفل بمقاعد الدرجة
الأولى،التي تفترض أن قاطنيها من علية القوم أدباً وخلقاً، - أقول تفترض وأوكد عليه ا- فإنك تعرض نفسك
لنظرات حادة ممن حولك،تحمل هذه النظرات – في أحسن حالاتها – الشفقة،وتحمل في أوضاعها
الطبيعة،السخرية،والضحكات العارية من الحياء،والتعليقات التي تشبه سياطاً لا تعرف للرحمة معنى.
وليس بغريب بتاتاً أن يتفضل عليك جارك بالنصح داعيك للتخفيف،رأفة بح الك!وكأنك صعدت درجات
سلم الطائرة بمشقة لا يعرفها إلا بدين،واقتطعت من مالك قيمة لتذكرة سفر،بل وتجشمت عناء
الغربة،ورضيت ركوب المطايا،خاضعاً لوعثاء السفر،أملاً في أن تتلقى نصيحة باردة كهذه!
هذه النصيحة تأتيك – في العادة – مزيجاً من ثقافة صحية ضحلة،مع تطفل طاغ في التعاطي مع
شؤون الآخرين،كل ذلك مشوباً بجرأة غير محمودة،ما يشكل تعليقاً يكتفي بكلمتين- لا اختصاراً بل وقاحة –
في قوله :"الله يعينك "!،أو في خطبة طويلة،تذكرك بمجد فيديل كاسترو ٣ إبان صعود الشيوعية !مع أن خطبة هذا
المتطفل ليس فيها صعود بل هي محض النزول.
أذكر حادثتين ربما تظهران الفارق بين تعاطي مجتمعنا مع قضايا الإنسان،وتقدير حقه في
الاختيار،ومراعاة مشاعره،وبين تعامل الغرب مع حال كهذا.
ركبت الطائرة يوماً من الرياض إلى بيروت،وعندما طلبت وصلة الحزام الإضافية،سألني المضيف
بصوت عال عما أريده؟،وكأنما أراد بقصد أو بغير قصد أن يسمع من حولي.
يا مضيفي المهذب :ألا ترى بأن زوائدي كفيلة للحديث بصوت صاخب عن الموضوع؟ !لم التذكر به
الآن ثانية؟!
كان ذلك لسان حالي الذي لم ينطق.
كررت طلبي بصوت أعلى بقليل .فهز رأسه بأدب كناية عن استعداده لتل بية طلبي،وأشار بأن أن انتظر
حتى يفرغ من شرح وسائل السلامة أولاً للركاب،لأنه سيستخدم ذات الوصلة الحزامية الإضافية في بيان ما
يجب على الأسوياء فعله بأحزمتهم غير المحتاجة إلى زيادات أو وصلات.
أطرقت موافقاً،وما إن يمر من حولي وما أكثر ما يفعل،حتى يقول لي بصوت ج هوري:لا فأنا لم أنس
وصلة الحزام الإضافية!
ليتك نسيت يا عزيزي.
بعد ذلك وقبله وأثناءه كنت الموضوع الأكثر خصوبة لتعليقات ثلة من الشباب تجلس إلى يساري،وهو
ما جعلني أوغل في كراهية اليسار المتجذرة في داخلي أصلاً.
ما زال صدى الضحكات ا لساخرة يجلجل في أذني،وأنا اسمع موسوعة من النكات على البدناء
والسمان،وكلنا عبيد الله!

Fajer AlEid :
معاناة البدناء مع الطائرات! الحديث عن كونك بديناً في المجتمع لا يعباً كثيراً بمشاعر الآخرين ذو شجون،وقصصي في هذا الخصوص لها أول وليس لها آخر .سأبدأ من الطائرات التي كانت مهنتي بصفتي إعلامياً –ومازالت- تلزمني بركوبها كثيراً. كنت أجد نفسي مترفاً رغماً عن أنفي،لا أس تطيع الركوب إلا في مقاعد الدرجة الأولى،مع أن هذه الأخيرة لا توفر لي الراحة المرجوة. أقول مترفاً رغماً عن أنفي وأستحضر جيداً أن الأشياء الجميلة عندما تجبر عليها فإن الإكراه يحيل جمالها قبحاً،أو أنك ستفقد متعة الإحساس بالجمال فيها،تحت وطأة الإجبار. لم يكن عملي حينها يوفر لي – في أحسن الأحوال – أكثر من مقعد على درجة الأفق في رحلات العمل،وكنت ملزماً بدفع الفارق لصالح فارق وزني عن الأسوياء !وفي الطائرة،تبدأ معاناة من نوع آخر،بداية بحزام الأمان،وليس نهاية بعدم القدرة على النوم في الرحلات الطويلة. لم تكن مقاسات الحزام الطبيعية،حتى عندما تستخدم رمقه الأخير اتساعاً،تكفي لتحيط بكرشي المترهل وزوائدي المندلقة في الأرجاء المحيطة بي. كان طلب وصلة للحزام هو الخيار الوحيد للخروج من المأزق،وبخاصة وأنظمة الطيران تمنع بتشدد عدم ربط الحزام. كنت اتسائل :ما الغاية من الحزام؟أليس هو تثبيت الراكب في مقعده وحمايته من السقوط عند مصادفة مطبات هوائية ونحوها؟إذا كان الأمر كذلك،ولأن الأمور بمقاصدها،فإني بصفتي سميناً ثابت ثبات الأبطال في المواقف الصعبة،بتثبيت جانبي الكرسي لي،حيث يغص المقعد بي !لكني أستصعب أن أشرح للمضيف أو المضيفة أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً،فألوذ بالصمت! وعندما تطلب طلباً كوصلة الحزام الإضافية على طائرة عربية،حتى لو كانت ترفل بمقاعد الدرجة الأولى،التي تفترض أن قاطنيها من علية القوم أدباً وخلقاً، - أقول تفترض وأوكد عليه ا- فإنك تعرض نفسك لنظرات حادة ممن حولك،تحمل هذه النظرات – في أحسن حالاتها – الشفقة،وتحمل في أوضاعها الطبيعة،السخرية،والضحكات العارية من الحياء،والتعليقات التي تشبه سياطاً لا تعرف للرحمة معنى. وليس بغريب بتاتاً أن يتفضل عليك جارك بالنصح داعيك للتخفيف،رأفة بح الك!وكأنك صعدت درجات سلم الطائرة بمشقة لا يعرفها إلا بدين،واقتطعت من مالك قيمة لتذكرة سفر،بل وتجشمت عناء الغربة،ورضيت ركوب المطايا،خاضعاً لوعثاء السفر،أملاً في أن تتلقى نصيحة باردة كهذه! هذه النصيحة تأتيك – في العادة – مزيجاً من ثقافة صحية ضحلة،مع تطفل طاغ في التعاطي مع شؤون الآخرين،كل ذلك مشوباً بجرأة غير محمودة،ما يشكل تعليقاً يكتفي بكلمتين- لا اختصاراً بل وقاحة – في قوله :"الله يعينك "!،أو في خطبة طويلة،تذكرك بمجد فيديل كاسترو ٣ إبان صعود الشيوعية !مع أن خطبة هذا المتطفل ليس فيها صعود بل هي محض النزول. أذكر حادثتين ربما تظهران الفارق بين تعاطي مجتمعنا مع قضايا الإنسان،وتقدير حقه في الاختيار،ومراعاة مشاعره،وبين تعامل الغرب مع حال كهذا. ركبت الطائرة يوماً من الرياض إلى بيروت،وعندما طلبت وصلة الحزام الإضافية،سألني المضيف بصوت عال عما أريده؟،وكأنما أراد بقصد أو بغير قصد أن يسمع من حولي. يا مضيفي المهذب :ألا ترى بأن زوائدي كفيلة للحديث بصوت صاخب عن الموضوع؟ !لم التذكر به الآن ثانية؟! كان ذلك لسان حالي الذي لم ينطق. كررت طلبي بصوت أعلى بقليل .فهز رأسه بأدب كناية عن استعداده لتل بية طلبي،وأشار بأن أن انتظر حتى يفرغ من شرح وسائل السلامة أولاً للركاب،لأنه سيستخدم ذات الوصلة الحزامية الإضافية في بيان ما يجب على الأسوياء فعله بأحزمتهم غير المحتاجة إلى زيادات أو وصلات. أطرقت موافقاً،وما إن يمر من حولي وما أكثر ما يفعل،حتى يقول لي بصوت ج هوري:لا فأنا لم أنس وصلة الحزام الإضافية! ليتك نسيت يا عزيزي. بعد ذلك وقبله وأثناءه كنت الموضوع الأكثر خصوبة لتعليقات ثلة من الشباب تجلس إلى يساري،وهو ما جعلني أوغل في كراهية اليسار المتجذرة في داخلي أصلاً. ما زال صدى الضحكات ا لساخرة يجلجل في أذني،وأنا اسمع موسوعة من النكات على البدناء والسمان،وكلنا عبيد الله!معاناة البدناء مع الطائرات! الحديث عن كونك بديناً في المجتمع لا يعباً كثيراً بمشاعر الآخرين...
إحراج في الولايات المتحدة!
في الجانب الآخر،قمت بزيارة إلى الولايات المتحدة في مطلع العام ٢٠٠٠ م مدعواً من الخارجية
الأمريكية،ضمن برنامج الزائر الدولي ٤،وهو برنامج يت يح لما يزيد على ٦٠٠٠ آلاف زائر من الإعلاميين
والسياسيين والمثقفين والاقتصاديين زيارة أمريكا كل عام للاطلاع عليها،بكل أطيافها وتعدديتها،بوجوهها
الحسنة والقبيحة،والحسن والقبح نسبي بطبيعة الحال،باعتبار الناظر.
قلت لمنظمي الزيارة إني امتلك من المؤهلات ا لبدنية ما لا يتيح لي فيزيائياً الجلوس في مقاعد الدرجة
السياحية التي عادة ما يوفرها البرنامج لضيوفه،إني أملك استعداداً كاملاً لدفع فارق السعر بين الدرجتين
السياحية وما فوقها للحصول على مقعد يلائم ما اكتنزه من قدرات شحميه!
قال لي المنظمون إنهم سيسعون للنظر في الموضوع .
بعد فترة قالوا لي إنهم وفروا لي مقعدين سياحيين،لأن البرنامج عاد ة يوفر مقاعد سياحية،وليس من
عادة يوفر مقاعد سياحية،وليس من عادة الوزارة أن تصرف لأمور كهذه مقعداً على من ذلك .قلت :لست
أطالب أحدا بأن يخرق عادة أو يغير قانوناً،أريد فقط أن تتاح لي فرصة دفع الفارق.
ابتسمت محدثتي بلطف بالغ،وقالت:أنت ضيفنا،ونرجو أن تقبل ما وفرناه لك.شكرتهم على ذلك.
في مطار واشنطن العاصمة،وجدت تذكرة الصعود للطائرة مزدوجة باسمي،واستمتعت بمقعدين
سياحيين مع عدم الأخذ بما سببه الفاصل بين المقعدين من الآم،لا بد أن تنساها وأنت تستمتع بزيارة أولى -
بعد- الإدراك- لدولة كالولايات المتحدة بكل تنوعها وثرائها المعرفي والثقافي والاجتماعي.
وفي سان فرانسيسكو تلك المدينة الحالمة حدثت المفارقة المضحكة واللافتة في آن،حيث كنا نستعد
للطيران باتجاه كبرى مدن ولاية تكساس،هيوستن،إذ قدم لي الموظف في المطار بطاقتين لصعود
الطائرة،انتبهت لكونها تخصاني ولم أهتم بباقي التفاصيل.
قضيت باقي الوقت قبيل موعد الإقلاع مع الزملاء في البرنامج وهم يمثلون صحافيين وصحافيات من
مصر،والضفة الغربية،والأردن،والمغرب،وتونس،وسوريا،وزميل سعودي إلى جانب العبد الفقير إلى الله.
وعندما أعلن عن وقت الرحلة وقفت في صفوف الانتظار بزهو،معتداً بقدرتي على الانخراط في
النظام،ولو كنت عربياً.
وفي الطائرة قدمت بفخر يشبه زهوي الأول بطاقتي للمضيفة التي أشارت إلى أن مقعدي يقبعان في
مؤخرة الط ائرة،فمضيت أجر ذيولي،لا ألوي على شيء إلى مضيفي المؤخرة،وهناك،قال لي مضيف أذكر
تفاصيل وجهه التي كانت جامدة كقالب ثلج بلا معالم تنبض فيه،إن أحد المقاعد في الكرسي رقم
!E والآخر في المقعد 71 ،D68
قلت له :إني اعتقد أن لدي قدرات ممتازة،أومن بها تماماً،لكني لم أتصور أنها ستصل يوماً ما إلى درجة
أن انفصل بين مقعدين بينهما ما لا يقل عن ثلاثة أمتار !فغر المضيف فاه مستغربا ً!فزدته :هذان المقعدان
يفترض أن يكونا للعبد الفقير إلى الله الماثل أمامكم،وهو حتى هذه الساعة كتلة واحدة، وان كبرت
وتضخمت،إلا أن فصلها إلى جزأين يبدو متعذراً اللحظة.
لجأت إلى السخرية،لأخفف من الموقف في تأثيره على نفسيتي،ولا شي يخطر في بالي ويجول في
ذهني إلا رحلة بيروت تلك التي تتراءى بتفاصيلها أمام ناظري.
قال لي:تبدو الرحلة ممتلئة بالركاب،انتظر حتى نرى ماذا يمكن أن يفعل.
كأنه قال لي:اصبر لننظر في كتلتك المترامية وكيف نجد لها حلاً.
أصدقكم جميعاً أني حينها وقعت في شجر البوادي،وخضت في وادي حيص بيص،وتمنيت أن تنشق
الطائرة إلى نصفين ولو سقطت إلى أرض المطار،ثم تعود وتلتئم ببقية المسافرين .لقد عنت لي الأفكار التي لا
تروى،لعل أقلها أن أعود من حيث جئت رافضاً الانصياع لقوانين الأسوياء أجساداً!
يلزمني الآن وأنا في كامل وعيي التأكد على أنه ليس بين أفكاري التي اجتاحتني كإعصار كاترينا،تنفيذ
أي عمل يصنف بأنه عدائي أو إرهابي،تنفيذاً لوصية كان يرددها صديق قديم مفادها أن الخوف مليح /ولأني
لا أحب أن أكون إلا أنا.
بعد دقائق مرت على أطول من حصار العراق ٥،قال لي المضيف البائس :أعتذر لك .لا يوجد مقعدان
خاليان الآن.يلزمك أن تبحث بنفسك عن حل لمشكلتك!
أطرقت للوجوم،واليأس،والقلق في آن.
كان على مقربة مني،ضمن مجموعة من الوجوه المتكا ثرة والمتناثرة،التي تداخلت في بعضها لتشكل
نسيجاً لا رابط له في ذاكرتي،شقراء في بحر الثامنة عشرة من عمرها،جلست بحنو إلى جانب شاب يكبرها
بعامين أو ثلاثة.
كان الفتى الأمريكي قد نثر حدائد مزروعة في وجهة،بين أنفه وشفته ولسانه وأذنه،ما أوحى إلى وفقاً
لإرث ثقافي – اجتماعي مكتسب بأنه يصنف في خانة من لا خير فيهم، اعتباراً على أن "سيماهم على
وجوهم".
خلال لحظات الحيرة والقلق التي بدت على معالم وجهي المستدير أكثر مما يجب،كتب الله لي أن
أستمع بتركيز إلى الفتاة وهي تطأطئ وتنحني إلى صاحبها،لتقول له :"عزيزي،لم لا نأخذ المقاعد الأخرى
لإنقاذ موقف هذا الشاب؟.
الله أكبر...
ربما للمرة الأولى أستمع إلى من يقدم شبابي في وصفة لي على سمنتي!
هز الحبيب المغرم ذو الخلاخل رأسه موافقاً دون إبداء تفاصيل،وقامت الفتاة ذات الصوت الهامس،من
مقعدها تجر إليها صد يقها،لينثرا بعد ذلك في مقعدين متباينين،مضحيين بقربهما من بعضهما،حتى لا يوقعا
عربياً سميناً في حرج!
في الجانب الآخر،قمت بزيارة إلى الولايات المتحدة في مطلع العام ٢٠٠٠ م مدعواً من الخارجية
الأمريكية،ضمن برنامج الزائر الدولي ٤،وهو برنامج يت يح لما يزيد على ٦٠٠٠ آلاف زائر من الإعلاميين
والسياسيين والمثقفين والاقتصاديين زيارة أمريكا كل عام للاطلاع عليها،بكل أطيافها وتعدديتها،بوجوهها
الحسنة والقبيحة،والحسن والقبح نسبي بطبيعة الحال،باعتبار الناظر.
قلت لمنظمي الزيارة إني امتلك من المؤهلات ا لبدنية ما لا يتيح لي فيزيائياً الجلوس في مقاعد الدرجة
السياحية التي عادة ما يوفرها البرنامج لضيوفه،إني أملك استعداداً كاملاً لدفع فارق السعر بين الدرجتين
السياحية وما فوقها للحصول على مقعد يلائم ما اكتنزه من قدرات شحميه!
قال لي المنظمون إنهم سيسعون للنظر في الموضوع .
بعد فترة قالوا لي إنهم وفروا لي مقعدين سياحيين،لأن البرنامج عاد ة يوفر مقاعد سياحية،وليس من
عادة يوفر مقاعد سياحية،وليس من عادة الوزارة أن تصرف لأمور كهذه مقعداً على من ذلك .قلت :لست
أطالب أحدا بأن يخرق عادة أو يغير قانوناً،أريد فقط أن تتاح لي فرصة دفع الفارق.
ابتسمت محدثتي بلطف بالغ،وقالت:أنت ضيفنا،ونرجو أن تقبل ما وفرناه لك.شكرتهم على ذلك.
في مطار واشنطن العاصمة،وجدت تذكرة الصعود للطائرة مزدوجة باسمي،واستمتعت بمقعدين
سياحيين مع عدم الأخذ بما سببه الفاصل بين المقعدين من الآم،لا بد أن تنساها وأنت تستمتع بزيارة أولى -
بعد- الإدراك- لدولة كالولايات المتحدة بكل تنوعها وثرائها المعرفي والثقافي والاجتماعي.
وفي سان فرانسيسكو تلك المدينة الحالمة حدثت المفارقة المضحكة واللافتة في آن،حيث كنا نستعد
للطيران باتجاه كبرى مدن ولاية تكساس،هيوستن،إذ قدم لي الموظف في المطار بطاقتين لصعود
الطائرة،انتبهت لكونها تخصاني ولم أهتم بباقي التفاصيل.
قضيت باقي الوقت قبيل موعد الإقلاع مع الزملاء في البرنامج وهم يمثلون صحافيين وصحافيات من
مصر،والضفة الغربية،والأردن،والمغرب،وتونس،وسوريا،وزميل سعودي إلى جانب العبد الفقير إلى الله.
وعندما أعلن عن وقت الرحلة وقفت في صفوف الانتظار بزهو،معتداً بقدرتي على الانخراط في
النظام،ولو كنت عربياً.
وفي الطائرة قدمت بفخر يشبه زهوي الأول بطاقتي للمضيفة التي أشارت إلى أن مقعدي يقبعان في
مؤخرة الط ائرة،فمضيت أجر ذيولي،لا ألوي على شيء إلى مضيفي المؤخرة،وهناك،قال لي مضيف أذكر
تفاصيل وجهه التي كانت جامدة كقالب ثلج بلا معالم تنبض فيه،إن أحد المقاعد في الكرسي رقم
!E والآخر في المقعد 71 ،D68
قلت له :إني اعتقد أن لدي قدرات ممتازة،أومن بها تماماً،لكني لم أتصور أنها ستصل يوماً ما إلى درجة
أن انفصل بين مقعدين بينهما ما لا يقل عن ثلاثة أمتار !فغر المضيف فاه مستغربا ً!فزدته :هذان المقعدان
يفترض أن يكونا للعبد الفقير إلى الله الماثل أمامكم،وهو حتى هذه الساعة كتلة واحدة، وان كبرت
وتضخمت،إلا أن فصلها إلى جزأين يبدو متعذراً اللحظة.
لجأت إلى السخرية،لأخفف من الموقف في تأثيره على نفسيتي،ولا شي يخطر في بالي ويجول في
ذهني إلا رحلة بيروت تلك التي تتراءى بتفاصيلها أمام ناظري.
قال لي:تبدو الرحلة ممتلئة بالركاب،انتظر حتى نرى ماذا يمكن أن يفعل.
كأنه قال لي:اصبر لننظر في كتلتك المترامية وكيف نجد لها حلاً.
أصدقكم جميعاً أني حينها وقعت في شجر البوادي،وخضت في وادي حيص بيص،وتمنيت أن تنشق
الطائرة إلى نصفين ولو سقطت إلى أرض المطار،ثم تعود وتلتئم ببقية المسافرين .لقد عنت لي الأفكار التي لا
تروى،لعل أقلها أن أعود من حيث جئت رافضاً الانصياع لقوانين الأسوياء أجساداً!
يلزمني الآن وأنا في كامل وعيي التأكد على أنه ليس بين أفكاري التي اجتاحتني كإعصار كاترينا،تنفيذ
أي عمل يصنف بأنه عدائي أو إرهابي،تنفيذاً لوصية كان يرددها صديق قديم مفادها أن الخوف مليح /ولأني
لا أحب أن أكون إلا أنا.
بعد دقائق مرت على أطول من حصار العراق ٥،قال لي المضيف البائس :أعتذر لك .لا يوجد مقعدان
خاليان الآن.يلزمك أن تبحث بنفسك عن حل لمشكلتك!
أطرقت للوجوم،واليأس،والقلق في آن.
كان على مقربة مني،ضمن مجموعة من الوجوه المتكا ثرة والمتناثرة،التي تداخلت في بعضها لتشكل
نسيجاً لا رابط له في ذاكرتي،شقراء في بحر الثامنة عشرة من عمرها،جلست بحنو إلى جانب شاب يكبرها
بعامين أو ثلاثة.
كان الفتى الأمريكي قد نثر حدائد مزروعة في وجهة،بين أنفه وشفته ولسانه وأذنه،ما أوحى إلى وفقاً
لإرث ثقافي – اجتماعي مكتسب بأنه يصنف في خانة من لا خير فيهم، اعتباراً على أن "سيماهم على
وجوهم".
خلال لحظات الحيرة والقلق التي بدت على معالم وجهي المستدير أكثر مما يجب،كتب الله لي أن
أستمع بتركيز إلى الفتاة وهي تطأطئ وتنحني إلى صاحبها،لتقول له :"عزيزي،لم لا نأخذ المقاعد الأخرى
لإنقاذ موقف هذا الشاب؟.
الله أكبر...
ربما للمرة الأولى أستمع إلى من يقدم شبابي في وصفة لي على سمنتي!
هز الحبيب المغرم ذو الخلاخل رأسه موافقاً دون إبداء تفاصيل،وقامت الفتاة ذات الصوت الهامس،من
مقعدها تجر إليها صد يقها،لينثرا بعد ذلك في مقعدين متباينين،مضحيين بقربهما من بعضهما،حتى لا يوقعا
عربياً سميناً في حرج!

Fajer AlEid :
إحراج في الولايات المتحدة! في الجانب الآخر،قمت بزيارة إلى الولايات المتحدة في مطلع العام ٢٠٠٠ م مدعواً من الخارجية الأمريكية،ضمن برنامج الزائر الدولي ٤،وهو برنامج يت يح لما يزيد على ٦٠٠٠ آلاف زائر من الإعلاميين والسياسيين والمثقفين والاقتصاديين زيارة أمريكا كل عام للاطلاع عليها،بكل أطيافها وتعدديتها،بوجوهها الحسنة والقبيحة،والحسن والقبح نسبي بطبيعة الحال،باعتبار الناظر. قلت لمنظمي الزيارة إني امتلك من المؤهلات ا لبدنية ما لا يتيح لي فيزيائياً الجلوس في مقاعد الدرجة السياحية التي عادة ما يوفرها البرنامج لضيوفه،إني أملك استعداداً كاملاً لدفع فارق السعر بين الدرجتين السياحية وما فوقها للحصول على مقعد يلائم ما اكتنزه من قدرات شحميه! قال لي المنظمون إنهم سيسعون للنظر في الموضوع . بعد فترة قالوا لي إنهم وفروا لي مقعدين سياحيين،لأن البرنامج عاد ة يوفر مقاعد سياحية،وليس من عادة يوفر مقاعد سياحية،وليس من عادة الوزارة أن تصرف لأمور كهذه مقعداً على من ذلك .قلت :لست أطالب أحدا بأن يخرق عادة أو يغير قانوناً،أريد فقط أن تتاح لي فرصة دفع الفارق. ابتسمت محدثتي بلطف بالغ،وقالت:أنت ضيفنا،ونرجو أن تقبل ما وفرناه لك.شكرتهم على ذلك. في مطار واشنطن العاصمة،وجدت تذكرة الصعود للطائرة مزدوجة باسمي،واستمتعت بمقعدين سياحيين مع عدم الأخذ بما سببه الفاصل بين المقعدين من الآم،لا بد أن تنساها وأنت تستمتع بزيارة أولى - بعد- الإدراك- لدولة كالولايات المتحدة بكل تنوعها وثرائها المعرفي والثقافي والاجتماعي. وفي سان فرانسيسكو تلك المدينة الحالمة حدثت المفارقة المضحكة واللافتة في آن،حيث كنا نستعد للطيران باتجاه كبرى مدن ولاية تكساس،هيوستن،إذ قدم لي الموظف في المطار بطاقتين لصعود الطائرة،انتبهت لكونها تخصاني ولم أهتم بباقي التفاصيل. قضيت باقي الوقت قبيل موعد الإقلاع مع الزملاء في البرنامج وهم يمثلون صحافيين وصحافيات من مصر،والضفة الغربية،والأردن،والمغرب،وتونس،وسوريا،وزميل سعودي إلى جانب العبد الفقير إلى الله. وعندما أعلن عن وقت الرحلة وقفت في صفوف الانتظار بزهو،معتداً بقدرتي على الانخراط في النظام،ولو كنت عربياً. وفي الطائرة قدمت بفخر يشبه زهوي الأول بطاقتي للمضيفة التي أشارت إلى أن مقعدي يقبعان في مؤخرة الط ائرة،فمضيت أجر ذيولي،لا ألوي على شيء إلى مضيفي المؤخرة،وهناك،قال لي مضيف أذكر تفاصيل وجهه التي كانت جامدة كقالب ثلج بلا معالم تنبض فيه،إن أحد المقاعد في الكرسي رقم !E والآخر في المقعد 71 ،D68 قلت له :إني اعتقد أن لدي قدرات ممتازة،أومن بها تماماً،لكني لم أتصور أنها ستصل يوماً ما إلى درجة أن انفصل بين مقعدين بينهما ما لا يقل عن ثلاثة أمتار !فغر المضيف فاه مستغربا ً!فزدته :هذان المقعدان يفترض أن يكونا للعبد الفقير إلى الله الماثل أمامكم،وهو حتى هذه الساعة كتلة واحدة، وان كبرت وتضخمت،إلا أن فصلها إلى جزأين يبدو متعذراً اللحظة. لجأت إلى السخرية،لأخفف من الموقف في تأثيره على نفسيتي،ولا شي يخطر في بالي ويجول في ذهني إلا رحلة بيروت تلك التي تتراءى بتفاصيلها أمام ناظري. قال لي:تبدو الرحلة ممتلئة بالركاب،انتظر حتى نرى ماذا يمكن أن يفعل. كأنه قال لي:اصبر لننظر في كتلتك المترامية وكيف نجد لها حلاً. أصدقكم جميعاً أني حينها وقعت في شجر البوادي،وخضت في وادي حيص بيص،وتمنيت أن تنشق الطائرة إلى نصفين ولو سقطت إلى أرض المطار،ثم تعود وتلتئم ببقية المسافرين .لقد عنت لي الأفكار التي لا تروى،لعل أقلها أن أعود من حيث جئت رافضاً الانصياع لقوانين الأسوياء أجساداً! يلزمني الآن وأنا في كامل وعيي التأكد على أنه ليس بين أفكاري التي اجتاحتني كإعصار كاترينا،تنفيذ أي عمل يصنف بأنه عدائي أو إرهابي،تنفيذاً لوصية كان يرددها صديق قديم مفادها أن الخوف مليح /ولأني لا أحب أن أكون إلا أنا. بعد دقائق مرت على أطول من حصار العراق ٥،قال لي المضيف البائس :أعتذر لك .لا يوجد مقعدان خاليان الآن.يلزمك أن تبحث بنفسك عن حل لمشكلتك! أطرقت للوجوم،واليأس،والقلق في آن. كان على مقربة مني،ضمن مجموعة من الوجوه المتكا ثرة والمتناثرة،التي تداخلت في بعضها لتشكل نسيجاً لا رابط له في ذاكرتي،شقراء في بحر الثامنة عشرة من عمرها،جلست بحنو إلى جانب شاب يكبرها بعامين أو ثلاثة. كان الفتى الأمريكي قد نثر حدائد مزروعة في وجهة،بين أنفه وشفته ولسانه وأذنه،ما أوحى إلى وفقاً لإرث ثقافي – اجتماعي مكتسب بأنه يصنف في خانة من لا خير فيهم، اعتباراً على أن "سيماهم على وجوهم". خلال لحظات الحيرة والقلق التي بدت على معالم وجهي المستدير أكثر مما يجب،كتب الله لي أن أستمع بتركيز إلى الفتاة وهي تطأطئ وتنحني إلى صاحبها،لتقول له :"عزيزي،لم لا نأخذ المقاعد الأخرى لإنقاذ موقف هذا الشاب؟. الله أكبر... ربما للمرة الأولى أستمع إلى من يقدم شبابي في وصفة لي على سمنتي! هز الحبيب المغرم ذو الخلاخل رأسه موافقاً دون إبداء تفاصيل،وقامت الفتاة ذات الصوت الهامس،من مقعدها تجر إليها صد يقها،لينثرا بعد ذلك في مقعدين متباينين،مضحيين بقربهما من بعضهما،حتى لا يوقعا عربياً سميناً في حرج!إحراج في الولايات المتحدة! في الجانب الآخر،قمت بزيارة إلى الولايات المتحدة في مطلع العام...
درس مؤثر
مازلت مديناً لتلك الفتاة بكلمات شكر وعرفان،ولصاحبها باعتذار لتصنيفي له،وبشكر يوازي شكر
صاحبته.
أنا مدين لهما بالشكر كثيرا ً...لا لكونهم ا ساعداني في محنة مزعجة فقط،بل لكونهما علماني أن الإنسان
لا يجب أن يصنف الناس باعتبار أشكالهم أبدا ً.لست أدري ربما وفقاً لما كنت عليه قبل تعلمي هذا
الدرس،قابلت من يقول ولو في نفسه :ماذا ترجو من سمين لم يستطيع أن يحل مشكلته مع بدنه؟ !إذا كان
كذلك،فكيف سيتعاطى مع غيرها؟!
أزعم أن أبلغ الدروس أثراً،تلك التي يصلك المعنى فيها بالممارسة لا بالاستماع إلى الخطب
والتوجيهات والنصائح الملقاة على قارعة كل طريق!
كانت هذه الحادثة وغيرها مفتاحاً مختلفاً لي للتعاطي مع الولايات المتحدة إجمالاً،ولعل من العناصر
التي جعلتني أغير وجهة نظري ذاك المشهد الذي ما زال عالقاً في ذهني إبان مغادرتي وعائلتي الولايات
المتحدة قافلين عودةً إلى بلادنا بعد عامين من الدراسة.
كان المشهد صورة ناطقة لزوجتي النجدية المحافظة المحجبة،وهي تعانق جارتها سيندي البروتستانتية
المنفتحة،ذات الشعر الأصفر المتناثر،في مشهد وداع كان مكسواً بدموع صادقة ولحظات حزن عارمة على
الفراق...كل ذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بثمانية أشهر!
كان الصدق طاغياً،والموقف حقيقياُ لا تمثيل فيه ولا مجاملة.
سيندي وأشواق،لم تعبئا في صدق عناقهم ا،بصعود اليمين المتطرف في إدارة بوش،ولا باليمين البن
لادني أو الزرقاوي في ادعاء تمثيل العالم الإسلامي...
كان الحضور طاغياً للإنسان،ذلك الذي يغيب في كل صراع!
مازلت مديناً لتلك الفتاة بكلمات شكر وعرفان،ولصاحبها باعتذار لتصنيفي له،وبشكر يوازي شكر
صاحبته.
أنا مدين لهما بالشكر كثيرا ً...لا لكونهم ا ساعداني في محنة مزعجة فقط،بل لكونهما علماني أن الإنسان
لا يجب أن يصنف الناس باعتبار أشكالهم أبدا ً.لست أدري ربما وفقاً لما كنت عليه قبل تعلمي هذا
الدرس،قابلت من يقول ولو في نفسه :ماذا ترجو من سمين لم يستطيع أن يحل مشكلته مع بدنه؟ !إذا كان
كذلك،فكيف سيتعاطى مع غيرها؟!
أزعم أن أبلغ الدروس أثراً،تلك التي يصلك المعنى فيها بالممارسة لا بالاستماع إلى الخطب
والتوجيهات والنصائح الملقاة على قارعة كل طريق!
كانت هذه الحادثة وغيرها مفتاحاً مختلفاً لي للتعاطي مع الولايات المتحدة إجمالاً،ولعل من العناصر
التي جعلتني أغير وجهة نظري ذاك المشهد الذي ما زال عالقاً في ذهني إبان مغادرتي وعائلتي الولايات
المتحدة قافلين عودةً إلى بلادنا بعد عامين من الدراسة.
كان المشهد صورة ناطقة لزوجتي النجدية المحافظة المحجبة،وهي تعانق جارتها سيندي البروتستانتية
المنفتحة،ذات الشعر الأصفر المتناثر،في مشهد وداع كان مكسواً بدموع صادقة ولحظات حزن عارمة على
الفراق...كل ذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بثمانية أشهر!
كان الصدق طاغياً،والموقف حقيقياُ لا تمثيل فيه ولا مجاملة.
سيندي وأشواق،لم تعبئا في صدق عناقهم ا،بصعود اليمين المتطرف في إدارة بوش،ولا باليمين البن
لادني أو الزرقاوي في ادعاء تمثيل العالم الإسلامي...
كان الحضور طاغياً للإنسان،ذلك الذي يغيب في كل صراع!
الصفحة الأخيرة
لماذا تنازلت عن سمنتي؟!
لايبدو السؤال السابق مصيرياً،لكنه قد يحوم في مخلية بعض الناس،ومن حقهم أن يرتكبوا هكذا تساؤل!
بعيداً عن الكلام المنمق الذي يتحدث ع ن خطورة السمنة،على أن هذا الكلام جد محض،لا مجال لعدم
الأخذ به،إلا أن الإجابة عن السؤال بالنسبة لي تكمن في قصة طريفة تستحق أن تروى.
يقول الأطفال عادة حديثاً كثيراً،ولا نعبأ به،بل إننا نصطلح على تسمية الكلام الذي يجب أ ّ لا يقال،بأنه
كلام أطفال.يقولون أيضاً عنه "كلام عيال"!
لكن ما حدث معي لم يكن كلام عيال بهذا المعنى أبدا ً.كان دافعاً،لتغيير كبير في دنياي،وأسلوب
عيشي،ونمط حياتي!
لست أبالغ،ولا أحاول أن أضخم القصة،وربما تقرون بصحة كلامي مع قراءة سطور هذا الكتاب.
قال لي ابني عبدالله،عندما كان ابن خمس سنوات:متى أكبر يا بابا كي أكون سميناً مثلك؟!
الحقيقة أني كتبت لكم مقولة طفلي السابقة بعد إجراءات الصياغة والتلطف وإلا فقد كان يقول لي: متى
. أكبر يا بابا كي أكون (دباً) مثلك؟!! ٢
ألقى صغيري بقنبلته هذه،ومضى!
عادة القنابل ت نثر الأشلاء حال انفجارها فوراً،لكن قنبلة ابني ألقيت بأشلاء سمنتي خلال عامين،وليس
فور إلقائها!
ما زالت ألفاظ طفلي ترن في أذني،ومنذ انتهت جملته الطفولية،قررت أن العائلة قد تصبر على بلاء في
واحد منها،لكن اتخاذه قدوة في هذا الأمر مصيبة يلزمني وأنا أضطلع بمسؤولياتي كأب سمين،أن أمنعها درءاً
للشرور!
وبدأ المشوار،بعد أن قص شريط افتتاحه عبدالله...
كنت أقص الحادثة على صديق،فسألني:ماذا فعلت بعد ذلك؟!
أجبته:تركت لابني فرصة الاستمتاع بما يختار لنفسه،لكني حرمته، إذا اختار أن يكون سميناً،أن يكون
مثلي،لأني حينها لن أكون سميناً!