جيـــان
جيـــان
الباب الثالث
مندوب رئيس الجمهورية


تركوني في الزنزانة ثلاثة أيام ، أخذوني بعدها لنفس المكتب حيث كان يجلس رجل أبيض طويل القامة..
قال : اجلسي يا ست زينب ، نحن عرفنا أن الجماعة هنا أتعبوك . أنا أعرفك بنفسي : أنا من مكتب السيد رئيس الجمهورية، ونريد أن نتفاهم معك يا ست زينب !! البلد كلها تحبك ونحن أيضا نحبك . لكن أنت متباعدة عنا ومخاصمانا ولا تريدين أن تتفاهمي معنا . لكن والله لو تتفاهمي معنا يا ست زينب سنخرجك اليوم من السجن الحربي، كلنا نقول : هذا الوضع ليس لك أنت . أنا لا أعدك أن تخرجي من السجن فقط . بل أعدك أيضا أن تكوني وزيرة للشئون الاجتماعية بدل حكمت أبو زيد . . . قلت له : هل جلدتم حكمت أبو زيد قبل أن تصبح وزيرة وأطلقتم عليها ا لكلاب ؟ . قال : ما هذا الكلام ؟ هوده حصل ؟ . نحن متألمون لمجرد وجودك هنا .
قلت : وماذا تريدون منى؟ . قال : الإخوان المسلمون لبسوك كل التهمة . والهضيبي لبخ في الموضوع وعبد الفتاح إسماعيل قال كل حاجة، وسيد قطب قال كل حاجة . لكن نحن أحسسنا أنهم يحاولون تخليص أنفسهم وتحميلك أنت المسئولية كلها . ولذا جئت النهاردة بنفسي بأمر من الرئيس عبد الناصر حتى نتفاهم وتخرجي معنا . وسأوصلك إلى بيتك بعربيتي، وأحب أعرفك أن من أقوال الإخوان أصبح معروفا ومعلوما لدينا أنهم كانوا يريدون الاستيلاء على الحكم ، وإنك أنت التي رسمت الخطة للاستيلاء على السلطة وقتل عبد الناصر وأربعة وزراء معه . ونحن نريد فقط توضيح موقفك ودور سيد قطب والهضيبي في الموضوع . ومن هم الوزراء الأربعة المطلوب قتلهم : تفضلي تكلمي! واشرحي لنا الموقف بالتفصيل . قلت : أولا الإخوان المسلمون لم يدبروا خطة للاستيلاء على الحكم ولا لقتل عبد الناصر والوزراء الأربعة المزعومين ولا لقتل واحد . الموضوع هو دراسة للإسلام ولمعرفة أسباب تأخر المسلمين والحالة التي وصلوا إليها . . عند ذلك قاطعني قائلا : يا ست زينب أنا قلت لك : هم قالوا كل حاجة. قلت : جائز جدا.
وقطعا قالوا ما أراده الجلادون منهم . فترخصوا لأنفسهم وقالوا شيئا لم يحدث . . .
القضية كلها أننا كنا ندرس الإسلام ونعمل على أن نربى له جيلا يعيه ويفهمه . فإن كانت هذه جريمة فأمرنا لله " . فأقسم بالله العظيم أنه يريد خدمتي وأنه حضر خصيصا لخدمتي. قلت له : شكرا أنا لم أفكر يوما أن أكون موظفة حتى ولا وزيرة ، أنا قضيت عمري في خدمة الإسلام وموضوع وزارة الشئون لا يعنيني في قليل أو كثير لأني لا أصلح للوظيفة، فعملي كله التطوع لخدمة الإسلام . وقام الرجل وتركني في الحجرة بعد أن قال : أنت حرة، نحن عرضنا خدماتنا وأنت ترفضين . . . وبعد خروجه بساعة دخل الحجرة رياض ومعه صفوت وكان رياض قد هددني أكثر من مرة بأنه سيقتلني إذا لم أقل له ما يريد، وتكررت عملية الضرب السابقة التي لم يمر عليها اكثر من ثلاثة أيام وبعد الضرب المؤلم أعادوني إلى الزنزانة . كان ذلك أيضا مع طلوع الفجر . .
جيـــان
جيـــان
الباب الثالث
وجوه غالية تدخل زنزانتي


في عصر اليوم التالي سمعت أصوات أعرفها وأحبها ، قمت بصعوبة إلى الباب ونظرت من الفتحة الضيقة ، فرأيت الشيطان حمزة البسيوني وتابعه صفوت يسدان على الفتحة، إلا أنى سمعت أصواتا أعرفها، وما لبث الشيطان وتابعه أن تحركا فرأيت بعض الوجوه الغالية : علية حسن الهضيبي، وغادة عمار. وجلست حتى لا يراني أحد من الطغاة وأنا أنظر من فتحة الباب ، غير أن الألم أخذ بي فغطى كل مشاعري وأحاسيسي، وأخذت أدعو الله سبحانه وتعالى وأسأله أن يدفع عن بناتي وأخواني شرور الطغاة . كنت مستغرقة أفكر : علية حامل في شهورها الأخيرة ؟ كيف اعتقلها الطغاة؟ وغادة؟ ماذا فعلوا برضيعتها الصغيرة؟ كيف تركتها؟ إنها لقسوة وفجور ووحشية ! ! يا للبشر من حكامهم عندما يرتدون أردية الجاهلية، فتغطى كل مشاعرهم وتضيع ضمائرهم فيصبحون جلادين لرعاياهم ! ويلك يا عبد الناصر! أيها الطاغوت كم خدعت قومك ! ! وينفتح الباب ويرمى الشيطان الأسود ببطانية ووسادة ، وكان قد مر علي ثمانية عشر يوما وأنا أفترش الإسفلت ، وأعود بعد لحظات ووسادتي يرمى بهما على الأرض وأنا في دهشة مما يحدث . ولم تلبث دهشتي أن زالت حين فتح الباب ثانيه ليدخل صفوت وحمزة البسيوني مصطحبين علية الهضيبي وغادة عمار يدخلانهما ويخرجان ويغلق باب الزنزانة . وتقبل على علية تأخذني بين ذراعيها تقبلني وأنا منصرفة عن نفسي والدنيا وتتساءل في ألم : أنت الحاجة؟ والتفت إلى غادة فأرى عينيها ممتلئتين بالدموع تغرقان وجهها. وأسأل علية في ألم . .ألم تعرفيني ؟ فتجيب : لا . . لا. . يا حاجة لقد تغيرت كثيرا نقص وزنك إلى حد مخيف ، وأصبح وجهك كأنه وجه شقيقك سعد الدين . قلت : هذا أمر طبيعي، أنت لا تعرفين الهول الذي أعيش فيه . وفوق ذلك فأنا لا أتناول من الطعام إلا ملعقة من السلاطة في اليوم والليلة يرمى بها الجندي وهو مرعوب يخشى أن يضبط متلبسا بجريمته . وتحاول أن ترتب المكان بما أصبح فيه من بطاطين ووسادات . وتجد وتسألني عن مصحف ، مسكينة علية لقد حسبت أننا نتعامل مع "آدميين " بل نسيت علية أننا هنا مع أعداء المصحف ؟ " أأنتظر منهم أن يسمحوا لي به وتعرض على غادة مصحفا صغيرا كان معها وكذلك تفعل علية. ونجلس ولما مددت رجلي المكسورة التماسا للراحة ظهرت آثار التعذيب وضرب السياط ، وتسألني علية عما ترى فاتلوا عليها الآية الكريمة عن أصحاب الأخدود ( النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ، وتبكي غادة في صمت وتتساءل علية في عجب : أيمكن أن يحدث هذا مع النساء ، علية طيبة القلب لم تستطع أن تصل بخيالها إلى المدى الذي يمكن أن يبلغه حكم عبد الناصر من عداوة لله ثم للدعاة .
جيـــان
جيـــان
الباب الثالث
وفاة رفعة مصطفى النحاس


وأرادت علية أن تغير الموضوع وأن تخرج بي خارج الأسوار ، ونقلت لي نبأ وفاة مصطفى النحاس باشا . وخنقتني عبارات الوفاء وأنا أدعو ربي " اللهم إنك غني عن عقابه وهو فقير إلى رحمتك ، اللهم فارحمه " وعرفت منها أنه مات بعد دخولي السجن بيومين أو ثلاثة . وحدثتني عن جنازته ، وعن الألوف المؤلفة التي التي كانت تسد جميع الطرقات ، عن المظاهرات ، عن خطف النعش حتى مسجد الحسين ، عن الهتافات بألا زعيم بعد النحاس ، عن بعض شعارات الإخوان وسط مسيرة الجنازة ، عن محاولة أجهزة الدولة الوقوف أمام هذا الطوفان ، عن تعليق الإعلام الخارجي على ما حدث .. وكان حديثاً طويلاً مطمئناً صريحاً . لقد انتهزت جماهير الشعب فرصة وفاة النحاس لتبدي رأيها صريحاً واعتقادها سليماً فهتفت معلنة مدوية تشق بهتافها سماء مصر : " لا زعيم بعدك يا نحاس " . فكأنها بتلك الصرخات المدوية تعبر عن حرمان مكبوت في النفوس والقلوب والمشاعر . والوجدان فكأنها تقول : " أيتها الزعامات الباطلة أسقطي " " أيتها الأقنعة الزائفة انكشف الغطاء ووضح خداعك وغشك " " أيها المنقذ أغرقك السراب والوهم " " يا حبيب الملايينأمرت الفجار فزيفوها فصدقتهم وما أنت إلا وليد إعلام مأجور وكاتب مأمور " " أيتها الخشب المسندة ستحرقك النار .. نار الحق فتصبحوا رماداً تذروه الرياح يا سراباً وأهل الحق ظمأى " .
وسألت علية وماذا بعد ذلك ؟ قالت يتهامس الناس على اعتقال عشرين ألفاً من المشيعين . نعم لقد كانت جنازة النحاس أذان حق واعلان صدق عن سريرة مصر والمشاعر الحبيسة في نفوس أبنائها والحرية المكبوتة . وشدني الحديث إلى ذكريات كثيرة عن مصطفى النحاس ، ذلك الرجل الذي لم يحقد يوماً على أعدائه ، وكان لا يعز عليه أن يعترف بالخطأ إذا أخطأ ، لقد كان زعيماً وطنياً . وسألت محدثتي هل اعتقل أخي " سيف الغزالي " الوفدي فلم تؤكد علية ولم تنف ، وساد الصمت فظنت بي خوفاً على أخي فربتت على كتفي قائلة : يا حاجة كل شئ عنده بمقدار . لم يكن بي خوف ولكن كان انشغالي بهذه الصورة الرائعة للجنازة . فقد كانت صورة التشييع كما نقلتها لي علية تعطي إشارة صريحة وقوية إلى أن نبض هذه الأمة لم يتوقف رغم كل إيحاءات أجهزة الإعلام التي خدعت الناس وبخاصة خارج مصر فظنوا الطاغوت إنساناً أو كما علقت عليه علية ـ ظنوه المنقذ - ما حدث كان يعني أنه ـ بإذن الله ـ سيأتي اليوم الذي تكشف فيه الحقائق ليعلم الناس حقيقة حكامهم وما يبيعون وما يشترون ، يبيعون شعوبهم وضمائرهم ويشترون مقاعد للحكم مقابل سحق الإسلام والمسلمين ، إنه لتخطيط رهيب ! وانصرفت إلى غادة أسألها عن زوجها وأولادها ووالديها . ومن بين دموعها عرفت أن الزوج هرب لاجئا إلى السودان ، وأن الأم مريضة تائهة بين سمية المريضة وهالة الرضيعة . وأنها ما كانت لتهتم بشيء لولا الطفلتين . هدأتها ودعوت للجميع ثم سألتها عن ضياء الطوبجي وهل تم زفافه ؟ وكان الجواب أنهم قبضوا عليه ويده في يد عروسته والمأذون ، وقبضوا على عروسته وهى في ملابس الزفاف وعلى أخته منى وأخيه الدكتور . وهزني نبأ القبض على الفتيات وتساءلت : إذن كان القصد هو القبض على كل من له اتصال بالإخوان . وتدخلت علية لتقول : بل على كل من يرى مؤديا للصلاة . وبدأت غادة تحدثني عن الاعتقالات والوحشية في تفتيش المنازل ليلا ونهارا ولم أكن بحاجة إلى هذا الحديث فقد حدث هذا معي واكثر. قلت : أعتقد أن التتار حين حاربوا الإسلام لم يفعلوا ما فعله عبد الناصر وزبانيته ، ولا الرومان حين كانوا في مصر قبل الفتح الإسلامي . لقد أنسانا الحكم الناصري فجور المجرمين في التاريخ الإنساني كله . إنه مارد أصم عن سماع الحق أعمى عن رؤية النور. فلا عجب أن يجلد النساء ويسجنهن ويقتل الرجال وييتم الأطفال ويرمل النساء ! ! والحديث بمرارته وما فيه من شجون وأسى كان الواقع يحكى ذلك كله . والتفتت إلى تحدق بي وتغوص بعينيها في قدمي المنتفختين وساقي المتورمة وقالت : أظن أن دورنا في التعذيب قد جاء يا حاجة، ربنا يعيننا ويصبرنا. وسآتيك بفوطة من حقيبتي أغطى بها رجليك ، أليس معك حقيبة ملابس يا حاجة؟
ظللت : ثمانية عشر يوما وأنا في هذه الملابس الملوثة بدماء النزيف كما ترين يا ابنتي . وأخذت غادة تبكى وهى تنظر إلى ملابسي المجمدة بالدم والصديد فوق جسمي . واقترحت على أن تغير ملابسي بما معها هي ولما رفعت الملابس الممزقة عن جسدي فوجئنا بآثار السياط تمزقه وكانت صيحة استنكار وألم ، فهذا مما لا يمكن أن يحدث مع النساء في نظرهما. . وحاولت أن أخفف عنهما ما رأتا فحمدت الله على أن كان هذا في سبيله سبحانه وتعالى، لا في سبيل أي دعوة دنيوية أو إلحادية، حمدته على أن أكرمنا بالإسلام وحمدته على أن شرفنا بمظلة : أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبد لله ورسوله ". وحاولت علية بدورها أن تخفف عنى، فنقلت لي أحاديثهم عنى حديث أختها السيدة خالدة الهضيبي عن أن السجن لن يضيرها بشرط أن يدعوها فيه معي في زنزانة واحدة. لقد هزني هذا الحديث كثيرا . ولكن لو رأت خالدة جسمي لغيرت رأيها وطلبت من الله أن يعافيها . . ودعوته سبحانه أن يعفى جميع الأخوات وجميع المسلمين والمسلمات من جور وظلم أهل الباطل .
جيـــان
جيـــان
الباب الثالث
الطعام عبادة

وفتح باب الزنزانة فجأة فانقطع ما بيننا من حديث ودخل الشيطان الأسود وبيده ثلاثة أرغفة من الخبز و" قروانة" صفيح بها فاصوليا مسلوقة . أخذتها منه علية . وأغلق الباب . كنت لا أطيق رائحة هذا الطعام . وكانت علية حاملا ويبدو عليها الإجهاد . وكأنها أحست بما في نفسي فقربت الطعام منى وهى تقول : الأكل حلو يا حاجة! وناولتني رغيفا ، وناولت غادة رغيفا آخر وابتدأت تأكل وتبعتها غادة . قالت علية : يجب أن أكل من أجل الضيف الذي هنا ! ! وأشارت إلى حملها ولما رأتني متوقفة توقفت وكذلك فعلت غادة . قالت علية : نحن نأكل ونقول مع كل لقمة بسم الله الرحمن الرحيم . ولم أستطع أن أبتلع الطعام . فقالت علية : يا حاجة أنا معتقدة أنك أصبحت في نصف وزنك طبعا من عدم الأكل ، وقد أصبح الأكل في هذا الوقت عبادة . فالجلادون سيسعدهم أن تموت زينب الغزالي . والامتناع عن الأكل حرام . حاولت دون جدوى أن أناقشها بأني آكل ما يمسك على الحياة، وإرادة الله قد أعطتني الصبر عن الطعام والقدرة على الاكتفاء بملعقة سلاطة . ومازالت بي تلح حتى أكلت . ويعلم الله أنه كان عذاباً لا طعاماً . وفى صبيحة اليوم الثاني لحضور علية وغادة، استطعت أن أشركهما معي في لقائي اليومي بالمرشد العام عن طريق ثقب الباب ، وحدثتهما عما بعثه في نفسي من طمأنينة وراحة . واستطاعت علية أن ترى أباها في ذهابه إلى دورة المياه وإيابه وكذلك غادة . وجلسنا باقي النهار تحكى لنا فيه غادة كيف قبضوا عليها وكيف التقت بحميدة قطب بعد القبض على، وأبلغتني أنهم قبضوا على آل قطب جميعا . ومرت ساعات اليوم ثقيلة بطيئة تقطع وحشتها ركعات الصلاة الجماعية .
جيـــان
جيـــان
الباب الثالث
وجاء ليل المساومة والعذاب


وعند صلاة العشاء فتح باب الزنزانة ودخل الشرير صفوت الروبي ومعه جندي آخر وأخذاني إلى المكتب الذي سبق أن دخلته مرتين من قبل ذلك . وجدت رجلا يجلس على المكتب ، ألقيت عليه السلام فلم يرد . وأخذت نظراته الوحشية تتفرسني وهو يقول : أنت زينب الغزالي؟ قلت : نعم . أشار إلى مقعد أمامه لأجلس عليه ثم قال : إذن أنت زينب الغزالي ! ! لماذا أسأت إلى نفسك إلى هذا الحد؟ أكل هذا لأجل الإخوان المسلمين ؟ كل واحد منهم يحاول تخليص نفسه . وهم جميعا يرمونك أنت في البئر وحدك . أنت صعبانة علينا. أنا ألفيت على نفسي أن أنتشلك من البئر. وسأتفاهم معك على بعض الأمور. تذهبين بعدها إلى البيت . ليس هذا فقط . أنا أقول لك باسم جمال عبد الناصر : إن تم التفاهم وعقلت فسيصدر الرئيس قرارا بإعادة المركز العام للسيدات المسلمات وسيرجع لك مجلتك ، وسيعطيك إعانة للمجلة ألفي جنيه شهريا وسيصرف لك مبلغا كبيرا للجمعية ويعيدها أحسن مما كانت . إن تفاهمت معي سأرسل في إحضار ملابسك وبعد ساعة سنقابل جمال عبد ا لنا صر . . أنت صعبانة علينا والإخوان الذين أوقعوك في داهية . ربنا يسامحهم . الريس قلبه كبير !. . كان يتكلم وأنا صامتة لا أجيب . . فقال : ما تردى يا ست زينب ؟ والله الريس ناوي يقيل حكمت أبو زيد ويجيبك مكانها. نحن نريد أن تتعاوني معنا . افتحي قلبك وقولي كل شئ وستعرفين أنني أخوك وأحب لك الخير . وناس طيبون كثيرون في الخارج أيضا يحبونك ويتوسطون من أجلك . وقد قلبوا الدنيا لأجلك . قلت : أنا لا أريد أن كون وزيرة، ولم يجل بخاطري هذا الأمر في يوم من الأيام ، أما جماعة السيدات والمجلة كذلك . . فقد فوضت أمري فيهما لله ، وليس من الضروري للمسلمين أن يعملوا تحت راية مجلة أو جماعة فهم يعملون تحت راية لا إله إلا الله . قال : إذن فلم كنتم ترتبون لإعادة الإخوان المسلمين ؟ يا ست زينب ؟ قلت : نحن مختلفون في فهم كل شئ . أنا مثلا أعتقد أن جماعة السيدات التي أسستها لم تحل . وعبد الناصر يتوهم أنه حلها باستيلائه على أموالها ودورها وممتلكاتها . فالمسلمون تعقد راياتهم بيد الله ، وما يعقده الله لا يحله البشر. وجماعة الإخوان مثل جماعة السيدات المسلمات لم تحل أيضا . ودعوة الله ماضية في طريقها وكلمة الحق قائمة. وسيفنى عبد الناصر ودولته وتبقى كلمة الله . وعندما تنقضي آجالنا ونلقى الله ، سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . !ن دين الله قائم ، ولا تزال طائفة من أمة الإسلام قائمة على الحق مدافعة عن دين الله ، مجاهدة في سبيل الله ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . وأدعو الله تبارك وتعالى أن نكون من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، مبينين للأمة طريقها إلى الله تعالى . . هؤلاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المجددون لأمر الإسلام .
إن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين لم يكن خبط عشواء من حسن البنا ولكنه كان تنفيذا لأمر أراده الله لتجديد هذا الدين بإقامة دولته وتنفيذ شريعته ولذا فليس من حق جمال عبد الناصر حل جماعة الإخوان . قلت هذا وسكت . فقال لي : والله إنك خطيبة فعلا. لكنى لم آتك لآخذ منك درسا في الإخوان ولتجتذبيني لأكون واحدا منهم . أنا آتيك لأصل معك إلى حل ينقذك من المصيبة التي أوقعت نفسك فيها . . لقد رمى الإخوان كلهم المسئولية عليك . . عبد الفتاح إسماعيل يقول : إنك أنت التي جندتيه . . الهضيبي خلص نفسه ورمى المسئولية عليك فقال : أنت أسست التنظيم . سيد قطب تخلص وشبكك أنت . . أنت إما طيبة جدا أو مجنونة . . عبد الناصر يريد أن يخلصك مما أنت فيه ، عبد الناصر (اللي البلد في خنصره ) يريد أن يسامحك عما مضى ويفتح صفحة جديدة . هو عارف انك خطيبة، لك تأثير على الناس والناس تحبك وجماهيرك كثيرة . . أنت يا زينب خسارة وأنت ورقة رابحة . . أهناك أحد يريد عبد الناصر أن يقربه ويرفض ؟ أنت مجنونة صحيح ! لا مؤاخذة . أنا أقول هذا لأني أريد مصلحتك وأنت طول عمرك تربين اليتامى وتعملين الخير. اعقلي يا حاجة وشوفي مصلحتك واسمعي كلامي . . . قلت : ألا يكفيك ما قلت ؟ قال : أمر بسيط جدا سترين الخير بعده : أن تذكري لي جميع أسماء الإخوان الذين كانوا يحضرون إليك في المنزل ، والطريقة التي كانوا سيقتلون بها عبد الناصر، ومتى أخذتم الأمر من الهضيبي بقتل الريس . كما نريد أن نعرف موقف سيد قطب ، وكيف أعدت الخطة وما هي تفاصيلها، وأنا أحلف لك برأس عبد الناصر أنك ستخرجين هذه الليلة من السجن ولتتسلمي وزارة الشئون الاجتماعية . دى فرصة لا تضيعيها، أنا حلفت لك بشرفي وشرف الريس . اعقلي وفكري جيدا في مصلحتك ، كل الإخوان الآن لا يفكرون إلا في أنفسهم . . وهنا دخل الحجرة رجل غليظ الجثة لا تقع عيني عليه إلا ورأيت شيطانا في وجهه . قال : يا سيادة العقيد لقد أحضرنا كل التسجيلات التي كنا نضعها في منزلها بالزيتون ومصر الجديدة . إذا أمرت نحضرها حتى تسمعها لها.
قال محدثي : اذهب أنت الآن يا رياض ! ثم عاد يكلمني قال : شوفي يا زينب ، أنا عارف أن زوجك رجل طيب وأريد أن أخدمك من أجلك وأجله . واخوتك منهم أصدقاء لي أعزاء على . أنا أريد أن أخدمك والرئيس حريص على أن تتفاهمي معنا وهو يريد خدمتك ، وأنا أعدك بشرفي وشرف الرئيس عبد الناصر أن أحرق الأشرطة أمامك إذا تفاهمنا، نحن نريد أن نخلصك من الورطة التي أوقعك فيها الإخوان ، والله العظيم نحن مسلمون أحسن منهم . ما هو الإسلام ؟ الإسلام أن لا يضر الإنسان أخاه ! !
قلت وكلى سخرية : والذي تشهده هنا، أليس إضرارا بأخيك وبالناس جميعا . قال في بلاهة : نحن طيبون جدا والنبي بس تفاهمي معنا وستدركين طيبتنا ..
قلت : أدعو الله أن يتوب عليكم وتكونوا مسلمين . وهنا أخرج ورقا من درج مكتبه وأمسك بالقلم وقال : يا ست زينب قولي من الذي كان يأتي عندك ؟ . قلت : لا أتذكر لأني لا أحفظ الأسماء ولا أسأل أحدا عن اسمه . قال : طيب ! نترك هذا الموضوع لنعود إليه بعد قليل . نتكلم في موضوع حسن الهضيبي وسيد قطب.
قلت : أي موضوع هذا؟ قال : موضوع قتل عبد الناصر والاستيلاء على الحكم ! قلت : يا أستاذ ! القضية اكبر من قتل عبد الناصر والاستيلاء على الحكم . قتل عبد الناصر أمر تافه لا يشغل المسلمين ، القضية قضية الإسلام ، الإسلام غير قائم ونحن نعمل لقيام الإسلام ونعمل على تربية نشء للإسلام . وإذا كان عبد الناصر يحارب الإسلام في أشخاص المسلمين وينكر الحكم بشريعة الإسلام مدعيا أن هذا رجعية وتعصب وتأخر فأمر لا يشغلنا . قال : أنت مجنونة ! هذا الكلام خطير. ألا تعلمين أنك لو قتلت هنا الآن ودفنت ما علم بك أحد. الظاهر أنك تستحقين ما أنت فيه . لو تركتك الآن فستقتلين بعد ساعة .
قلت : يفعل الله ما يشاء ويختار. ولم أكد أقول هذا حتى انقلب كالوحش الذي أخذه الصرع ، وأخذ يهذي في هستيريا بالسب واللعن والشتم . ثم نادى أحد الجنود وأعطاه إشارة جاء على إثرها رياض إبراهيم . قال له : ودي التسجيلات للمحكمة . هذه مجنونة. اعرف شغلك معها وهات لها سعد وانصرف ذلك الذي كان يساومني . وحضر العسكري سعد وهو يقول نعم يا باشا. قال له : سويها يا سعد. وسأله سعد : كم جلدة يا باشا؟ قال : خمسمانة جلدة . وأنا راجع بعد قليل . وأخذ سعد يضربني بالسوط على يدي ورجلي وظهري وكل مكان في جسدي . ثم يتركني واقفة ووجهي للحائط ويغيب مقدار ساعة يعود بعدها لضربي بالسوط مرة أخرى . ثم جاءوا بجماعة من شباب الإخوان وأخذوا يجلدونهم ويلقنونهم ألفاظا قبيحة وسبابا مشينة ليوجهوها لي . وكان الشبان يرفضون ذلك فيزيدونهم جلدا . وكان منهم الطيار ضياء الطوبجي الذي قبض عليه يوم زفافه .