جيـــان
جيـــان
الباب السابع
وتحرك الغثاء


( أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) الرعد : 117 تحرك الأتباع من رجال النفاق والرياء والزلفى، وبذلوا المشقة والجهد . جهد العبيد لإرضاء سادتهم ولو في تافه الأمر، فقاسينا من غلظ المعاملة وسوء الأخلاق ما جاد به الأذناب . وفى صبيحة يوم عقب موت عبد الناصر فتح علينا باب الزنزانة وإذا بسجانة تمسك بعصا غليظة وتهجم بسرعة وكادت تحطم رأسي لولا أن الله سلم ونجانا من كيد المجرمين ، وعجزت إدارة السجن عن مجازاتها أو حتى لومها أو شئ من هذا القبيل ، وتركت وشانها تجرى هنا وهناك وكأنها لم تصنع شيئا!
وفى أثناء زيارة أهلي لي أخبرتهم بحادث الاعتداء هذا، فبذلوا جهدهم بالاتصال بالمسئولين صغيرهم وكبيرهم وإرسال برقيات إليهم ، فتحركت النيابة وأخذت تحقق مع السجانة على أنها هي المدبر الوحيد وأنها مصابة بمرض نفسي! طلبت لذلك عدم إكمال التحقيق وأبلغت النيابة أن المدبر والمخطط لذلك ليست هي السجانة ولكنها قوى الإلحاد و الباطل ومعتنقو البطش والإجرام ، فلا معنى لمعاقبة من لا يملك من أمر نفسه شيئا، ويتحرك بأمر مسئول كأداة لتنفيذ ما يدبر في الخفاء لإرهاب أصحاب الدعوات واستئصالهم ، ولكن الله غالب على أمره ، وهذا نوع جديد من التعذيب المعنوي لم يخطر بالبال ، ابتكره تحت ظروف غير متوقعة ، قوم أضلهم الله فما لهم من هاد .
جيـــان
جيـــان
الباب السابع
ابتلاء جديد


كان يوم 9 أغسطس سنة 1971يوما مشهودا ، إذ حمل صباحه إلينا أخبارا جديدا حين جاءت سجانة مهرولة تدعوني بسرعة لمقابلة المأمور في مكتبه . شدتنا المفاجأة وجعلتنا نذهب بفكرنا في الأمر . . ماذا يكون وماذا يدبر الطواغيت والظلمة؟ ! أهناك بلاغ كيدي بأننا ننشر الإسلام في هذا المكان ، أم هناك خبر عن الأهل والديار، أم هناك مخالفة ولا ندرى بها أم . . . . ؟! عشرات من علامات الاستفهام ؟؟ لم يخطر ببالنا ما تأتى به الأقدار، فذهبت إلى مكتب المأمور فوجدت أمرا بالإفراج عنى وحدي . وكان شيئا مذهلا فأنا صاحبة الحكم المؤبد بالأشغال الشاقة أخرج لتبقى ابنتي وحيدة في هذا المستنقع الآسن ، تقاسى ما تقاسى، فانزعج قلبي من أعماقه وسيطر على نفسي حزن عميق وحيرة بالغة وبدون شعور صرخت قائلة : لا . . لا. لن يكون هذا أبدا . . لن أخرج وأترك ابنتي، إنكم أصحاب فتنة وتخطيط مظلم ! . .
وثارت ثورتي وشعرت بتعب وإجهاد واضطراب في النفس والمشاعر .
وبعد دقائق قليلة وجدت ابنتي حميدة أمامي في حجرة المأمور . استدعاها لتهدئتي ولتخفف عنى ما أنا فيه ، كانت محنة هائلة قاسية كيف ذلك ؟ كيف أخرج وأترك ابنتي وحدها ووجهها المطمس المشرق لا يفارق قلبي وصوتها بكلماتها الندية يهز أوتار نفسي؟! كيف أتركها وحدها في هذا المكان المظلم الموحش ، تواجه بمفردها قسوة المعاملة . . ومشاعري في نفسي وفؤادها تصرخ بشدة : كلا . . كلا لن أتركها، ويطول في قلبي الصراع ويمتد وهى تدعوني : يا أماه يا أماه هذا فضل الله ورحمة منه والأمر كله لله والله لا ينسى عباده . وطال الموقف وامتد المشهد فقال المأمور لابنتي حميدة : اتفضلي سلمى عليها وارجعي إلى الزنزانة . وفى لحظات مضت كالبرق ، فريدة في نوعها، وحيدة في مشاعرها . تعانقنا والدمع يخط مجراه على الوجوه والقلب ينبض بسرعة والنفس يتردد، وكأنه يسابق الزمن وفى وسط لحظات خالدة من المشاعر وخلجات النفوس . وجدت نفسى وحيدة في حجرة المأمور الذي أتم إجراءات الخروج وانفطرت نفسي وتمزق قلبي والدمع ينهمر، وأنا أخطو الخطوة الأولى إلى بيتي .
جيـــان
جيـــان
الباب السابع
مساومة أخيرة


اخترقت العربة الطريق إلى بيتي ، ولكن غيرت طريقها فجأة ، ووجدت نفسي أمام مبنى المباحث العامة . ودخلت حجرة أغلقوا على بابها من الساعة الثانية عشرة ظهرا إلى التاسعة مساء حتى أخذوني إلى مكتب به ضابطان ، أخذا يسألان أسئلة تدور حول الإسلام وهل أنت ستقومين بزيارة الإخوان بعد ذلك ؟!
كنت مشغولة بابنتي حميدة فقلت لهما: ليس من العدل أن أخرج – وأنا المحكوم عليها بالمؤبد – وتبقى ابنتي وحيدة . إنكم تريدون فتنة ولكن الله لن يحقق لكم ما تدبرون . قال : اهدئي يا حاجة. قلت : إنكم تكيدون كيدا والله من ورائكم محيط ، والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون . قال : يا حاجة دي أوامر من فوق لا نقدر على أن نخرج حد وليس لنا كلام .
ثم أخذوني إلى مكتب أحمد رشدي الذي كان يستخدم سياطه ونفسه المريضة ليكيد رجالاً ربط الله على قلوبهم برباط الإيمان ولكن هيهات . . هيهات . ولما دخلت عنده طلب منى الجلوس على مقعد أمامه وقدم لي التهنئة بالخروج . ثم دار بيني وبينه حديث كان عبارة عن جملة أوامر وجهها لي كان ملخصها أن لا أمارس النشاط الإسلامي، وأن لا أتزاور بيني وبين إخواني ومعارفي في الله ، ولا تعاون بيننا ولا تواد، وأن أتردد على مكتبه بين الحين والحين .
فقلت له لما فرغ من حديثه : الكلام الذي وجهته إلى أرفضه جملة وتفصيلا، بل أرفض قرار الأمر بالخروج وبلغ المسئولين بذلك وأطلب عودتي فورا إلى سجن القناطر. أنهى أحمد رشدي الحديث ، وابتسم قائلا : "على أي حال فيه كثير من الإخوان تفاهموا معي على ذلك " فقاطعته قائلة : والله لا أعلم عن الإخوان إلا خيرا وأما ما تقوله أنت بالنسبة لبعض الإخوان فلا أستطيع أن أبدى رأيا . . لا أصدق صدوره منهم . إن الإخوان المسلمين ورثة حق يعملون له ليل نهار حتى يأتي الله بنصره أو يهلكوا دونه .
ودق جرس التليفون وأجاب أحمد رشدي قائلا : دعه يكلمني. ثم قال : أهلا وسهلا يا أستاذ عبد المنعم اتفضل . نحن محتاجون إليك .. ووضع سماعة التليفون ثم قال لي أحمد رشدي : الأستاذ عبد المنعم الغزالى جاى هنا. وبعد قليل حضر شقيقي عبد المنعم وسلم على وهو يبكى . قال له أحمد رشدي : أنا أريد أن تحكم بيني وبين الحاجة لأننا مختلفان . فأجاب شقيقي : الحاجة اكبر منى وأنا شقيقها الأصغر، وليس من عادتي أن أناقشها في شيء. أضف إلى ذلك - لو سمحت لي- أنها تمتاز بقوة منطقها وصحة حجتها فقال أحمد رشدي : طيب يا حاجة مبروك بس ملكيش دعوة بعمل تنظيمات مسلحة للإخوان . قلت : التنظيمات السرية أنتم الذين تلفقون قصصها وتخرجون تمثيلياتها .
إن قيام الدولة الإسلامية واجب على المسلمين وعدتهم في ذلك الدعوة إلى الله تعالى كما دعا رسوله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام . وهذه رسالة كل مسلم سواء كان من الإخوان أو غيرهم .
ثم انصرفت مع شقيقي إلى بيتي وكان ذلك في الساعة الثالثة صباحا في اليوم العاشر من أغسطس سنة 1971.
انتهى الكتاب . . وجزى الله خيراً كل من ساهم في مراجعة وتدقيق ونشر وتوزيع الكتاب .
ونسأل الله العلي القدير أن يزيل الغمة عن الأمة
بزوال الطواغيت الذين يحكمون مصر بالحديد والنار
وكان الله في عون شعب مصر وحسبنا الله ونعم الوكيل
جيـــان
جيـــان
تم نقل الكتاب بحمد الله
ارجو من الاخوات رفع الموضوع ووضع تعليقهم على القصة هنا
نحن بحاجة الى مثل هذة القدوة الحسنة رحمها الله وغفر لها