أم سياف
أم سياف
التمر ... وقاية وترياق
النخل قديم قِدم الإنسانية. واختلف في تحديد مكان نشأته ويرى العالم بكاري أن موطنها الأصلي هو الخليج العربي. ويذكر ابن وحشية رأيان: أحدهما أن موطن النخيل الأصلي هو البحرين والثاني أنها الأحساء ثم انتشرت في شبه الجزيرة العربية . كما عثر زين هارت في مقبرة في مصر على مومياء ملفوفة في حصير من سعف النخل، كما عثر على نخلة كاملة في إحدى مقابر سقارة حول مومياء من عصر الأسرة الأولى (3200 عام قبل الميلاد). كما أن كثيراً من الأديرة القبطية بها كتابات تذكر ما للتمر من فوائد. وقد ذكر التمر في التوراة والتلمود والقرآن، واستخدم عيسى عليه السلام أغصانها كرمز للسلام.

و قد جاء نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ليؤكد أهمية هذه الثمرة حيث خاطب عائشة رضي الله عنها: " يا عائشة بيتٌ لا تمر فيه جياع أهله يا عائشة بيت لا تمر فيه جياعٌ أهله، قالها مرتين أو ثلاثاً " .

و قد يتساءل الكثيرون كيف استطاع المسلمون الأوائل فتح ربع المسكون من الأرض في ثلث قرن وإدارة التموين في جيوشهم لا تقدم لهم في غالب الأحيان سوى جراب من التمر وقليل من الماء، فهل يستطيع الإنسان أن يعيش شهوراً على الماء والتمر؟ ...

عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت له: والله يا ابن أختي، إنّا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلّة في شهرين وما أوقدت في بيت رسول الله نار. قال: فقلت يا خالة ما كان يُعيشُكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء ، وعن عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين: التمر والماء .

قال ابن حجر: فالمراد أنه عليه الصلاة والسلام شَبع حين شَبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه من فتح خيبر وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بثلاث سنوات. ومراد عائشة من الشبع هو من التمر خاصة دون الماء ولكن قرنته به إلى أن تمام الشبع حصل بهما. أما كلمة الأسودان فقد ذكر لسان العرب عن الأصمعي قوله: الأسودان التمر والماء وإنما الأسود التمر دون الماء وهو الغالب على تمر المدينة، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان يسمّيان معاً بالاسم الأشهر منهما حيث قالوا: القمران، للشمس والقمر.

هذا وتمر ثمرة النخيل بخمسة أطوار ويحتاج تكونها إلى 6 أشهر تقريباً. وطورها الأول يسمى الحبابوك أو السّدي الذي يتشكل فور إلقاح الزهرة حيث تكون كروية الشكل، مرَّة الطعم، والثاني: البلح حيث تأخذ بالنمو والاستطالة مخضرة اللون ذات طعم عفصي. والثالث البُسر أو الخلال حيث تبدو صفراء محمرة حلوة الطعم مشوبة بطعم عفصي، والرابع الرُّطب عندما يصبح نصفها السائب لحمَّي القوام عسلية اللون مطاوعة لينة حلوة سكرية الطعم، وأخيراً تصبح الثمرة تمرة فيعتم لونها وتتجعد قشرتها، وكلمة (تمر) هي العامة غير أنهم يسمّونها (بلحاً). والعجوة ما هي إلا نوع من التمر.



تركيب التمر:

يحتوي التمر على عشرات المواد الغذائية الهمة والتي تفي حاجات البدن لقيامه بأنشطته الحيوية. فهو غني بالسكريات، غني بالألياف، فقير بالدهون، فيمثل بذلك الغذاء المثالي الذي توصي به الجمعيات الصحية العالمية.

فالتمر يعتبر أغنى المواد الغذائية بالسكريات وأرخصها على مدار السنة إذ يمكن خزنه لكل الفصول. وتمثل السكريات Carbohydrate 70 _ 73 % من وزن القسم المأكول من التمر منها سكاكر أحادية (سكر العنب والفواكهة) كمكون أساسي ذو امتصاص سريع وسهل، ومنها سكاكر ثنائية (سكر القصب أو السكّر العادي) موجودة في الثمرة الناضجة بكميات قليلة حيث يكون معظمها قد تحول إلى سكاكر أحادية في فترة النضج.

و يحتوي التمر على 2 % من وزنه على البروتينات، وهي رغم قلتها تفوق نسبتها ما تحويه كل أنواع الخضار والفواكه الأخرى من هذه المواد القيمة والتي تعتبر المادة الأساسية لبناء الخلايا. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن معظم هذه البروتينات موجود على شكل حموض أمينية هامة، حيث أن كلاً من اللب والنواة تحتوي على 12 حمضاً أمينياً منها حمض الغلوتاميك والأسبارتيك والغليسين والسيرين والأرجنين والتربتوفان، كما وجد أن التمر من أغنى المصادر بالحمض الأميني النادر Pepicolic acide.

أما الدهون فقد وجد كلفلاند . أن نسبتها تبلغ 0.31 _ 1.9 % من وزن الثمار الناضجة (منزوعة النوى). ومعظمها موجودة في قشرة الثمرة على هيئة شمع. وللألياف التي تدخل في تركيبه بنسبة 8.5 % أهمية خاصة وتشمل المادة السللوزية المكونة لجدران خلايا الثمرة كما تشمل الهميسللوز وهي من السكريات المعقدة التي تختلف عن السللوز في إمكانية تحولها إلى سكر العنب.

و تحتوي كل 100 غ من التمر على 60 _ 174 وحدة دولية من الفيتامين أ _ A الضروري لنمو الأطفال ويحفظ رطوبة العين ويقوي البصر ويزيد مقاومة الأغشية المخاطية ضد الجراثيم، ويصلح الكثير من الاضطربات الجلدية. كما يتوفر في التمر الفيتامين ب 1 المضاد لالتهاب الأعصاب والمفيد في معالجة الإجهاد الفكري والعضلي، والفيتامين ب 2 الضروري لعمل الكبد ويعالج تشقق الشفاه وتكسر الأظافر وجفاف الجلد. وعلى نسبة عالية من فيتامين د _ D الذي يساعد في تثبيت الكلس في العظام والأسنان.

أما العفص Tannin _ المادة القابضة فتوجد _ في معظم التمور في مرحلة البُسر والبلح ويكون في الطبقة القريبة من القشرة، ويترسب تدريجياً في مراحل النضج محمولاً إلى حبيبات غير قابلة للذوبان. والأصناف التي تكاد تكون خالية من العفص في مرحلة البلح _ مثل حلوة المدينة _ يمكن أن تؤكل وهي في ذلك الطور. هذا وإن كل 100 غ من التمر (ما يعادل 10 _ 12 ثمرة) تعطي ما بين 248 _ 297 حريرة تبعاً لصنف التمر ودرجة نضجه.

و التمر أغنى المصادر الغذائية بالأملاح المعدنية فهو يحتوي على المغنزيوم والبوتاسيوم والكالسيوم والحديد والفوسفور والفلور وفيه قليل من الصوديوم. ويعتبر من أغنى الفواكه بالفوسفور فكل 100 غ من التمر تحتوي على 40 _ 72 ملغ فوسفور، لذا فهو الغذاء المفضل لحجيرات الدماغ وينشط الفكر للعاملين بأدمغتهم، كما يساعد أيضاً في تنشيط الوظيفة الجنسية ويقوي الباه، كما يدخل في بناء العظام والأسنان. وهو غني بالبوتاسيوم الذي يعتبر هاماً للعديد من وظائف البدن ويوجد في كل خلية من خلاياه، فهو ضروري لعمل القلب والعضلات والجهاز العصبي وللمحافظة على سكر الدم. كما أن تناول 100 غ من التمر تموّن البدن بسدس حاجته اليومية من الحديد الذي يعتبر نقصه من أهم المشاكل الغذائية شيوعاً وما ينجم عن ذلك من آفات يأتي في طليعتها فقر الدم. كما تموّنه بخمس حاجته من المغنزيوم وإن نقصه يعتبر عاملاً مساعداً في حدوث ارتفاع الضغط الدموي، كما يؤدي إلى الإعياء والتشنجات العضلية والضعف العام والرجفان وقد يحدث تسرع في القلب وإعياء في الذهن.

و يرى بعض العلماء أن خلو سكان الواحات من مرض السرطان يعود إلى كثرة تناولهم للتمر الغني بالمغنزيوم.

و تقدر كمية الفلور في التمر بـ 4 أضعاف ما تحتويه الفواكه الأخرى، وهو يلعب دوراً في المحافظة على سلامة الأسنان ومنع تسوسها، وهذا يفسر احتفاظ سكان البوادي بأسنان سليمة وقوية لتناولهم اليومي لكميات كبيرة من التمر الذي يحتوي أيضاً على الكالسيوم والفوسفور الضروريان لذلك.

و يعتقد العلماء أن وجود الأملاح المعدنية القلوية في التمر يسبب تعادل حمضة الدم المتأتية عن تناول النشويات بكثرة، والمعروف أن حموضة الدم هي السبب في الإصابة بعدد من الأمراض الوراثية كحصيات الكلى والمرارة والنقرس وارتفاع ضغط الدم والبواسير وغيرها. وفي تجارب على نوى التمر في تغذية الحيوانات تبين أنها تحتوي على هرمون أنثوي له تأثير خاص على وزنها كما أنها تفيد في إزالة المغص والإسهال عندها.

و تدل الأبحاث العلمية أن للتمر خواصّ مثبطة للنشاط الدرقي المفرط والذي يسبب المزاج العصبي عند الأطفال، لذا ينصح الأطباء بإعطاء التمر صباحاً لأمثال هؤلاء الأطفال لتضفي على نفسه الهدوء والسكينة.



التمر وارتفاع الضغط:

ارتفاع ضغط الدم مرض شائع جداً وقد ثبت أنه ينبغي على المصابين به أن يخففوا كثيراً من تناول الملح. وعلى العكس من ذلك فإن الأغذية الغنية بالبوتاسيوم تفيد في الوقاية من ارتفاع ضغط الدم وفي معالجته أيضاً. وللأسف فإن عمليات تحضير الطعام وتعبئته تزيد من كمية أملاح الصوديوم فيه وتنقص من كمية البوتاسيوم. ومن الملاحظات الهامة لربات البيوت أن طهي الطعام بكمية قليلة من الماء وعدم إضافة الملح إليه يخفقان من فقد البوتاسيوم أثناء عملية الطهي.

و ينصح خبراء التغذية المصابين بارتفاع الضغط بتناول الأغذية الغنية بالبوتاسيوم والإقلال من تناول ملح الطعام. ويؤكدون أن مثل هذا الإجراء كاف لوحده للشفاء، وربما دون حاجة لأي علاج إذا كان ارتفاع ضغط الدم طفيفاً. وهناك دراسات تشير إلى أن إعطاء المغنزيوم لمجموعة من المصابين بارتفاع الضغط ممن يتناولون المدّرات البولية قد أدى إلى مزيد من ضغط الدم عندهم.

و قد وجدنا من خلال بحثنا في تركيب التمر أنه غذاءٌ مناسب للمصابين بارتفاع ضغط الدم فهو فقير بالصوديوم (5 ملغ في كل 100 غ من التمر) غني بالبوتاسيوم (تعطي الـ 100 غ منه نصف حاجة الجسم اليومية من البوتاسيوم) كما أنه غني بالمغنزيوم أيضاً، وكلها عوامل تتضافر على خفض ضغط الدم المرتفع.

التمر والإمساك:

لا تخلو أعداد المجلات الأمريكية الشهيرة المختصة بالتغذية من دعاية لمعالجة الإمساك بتمور كاليفورنيا وحري بنا نحن المسلمين أن نعالج مرضانا المصابين بالإمساك بالتمر، وبلادنا منبت التمر منذ أقدم العصور ونبينا الكريم دعانا إلى أن نتصبح بالتمر فقال: " من تصبح كل يوم بسلع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سمٌ ولا سحر ".

و الإمساك صعوبة في خروج البراز أو نقص عدد مرات التغوط أو خروج براز قاسي القوام. ومن أهم أسبابه ممارسة المهن التي تتطلب عدم الحركة طيلة النهار، والتهاب القولون التشنجي وكثرة تناول مضادات الحموضة ومضادات الهمود. ومما لا شك فيه أنه أياً كان السبب في حدوث الإمساك فإن إضافة الألياف إلى الغذاء تساعد على التخلص منه. والاعتياد على تناول التمر الغني جداً بالألياف علاجٌ جيد.



التمور والبواسير:

البواسير هي توسعات وعائية وريدية في منطقة الشرج، وقد تتعرض للالتهاب أو التشقق أو النزف وتحدث ألماً وخروج الدم مع البراز. وإنّ دائرة معارف كاليفورنيا تؤكد: أن أفضل علاج لتجنب البواسير هي تجنب الإمساك.

فاشرب كمية وافرة من الماء، وتناول الأغذية الغنية بالألياف كالفواكه والخضراوات والبقول والخبز الأسمر، وتناول التمر يساعد في القضاء على الإمساك ومن ثم التخلص من البواسير.



التمر والألياف:

ازداد اهتمام العلماء في السنوات العشر الأخيرة. بموضوع الألياف في الغذاء. ويرى بوركيت Burkit أن تزايد أمراض العصر في المجتمعات المتحضرة وقلتها في مجتمعات العالم الثالث يعود إلى كثرة ما تتناوله هذه الشعوب من الألياف في غذائها.

إن الغذاء الغني بالألياف ومنه التمر، يفيد أولئك الذين يرغبون في تخفيف وزنهم فهو يعطيهم إحساساً بالشبع يقلل من تناولهم للطعام. كما أن تناول الألياف يعدّل تركيب الأملاح الصفراوية مما ينقص من احتمال تشكل حصيات المرارة. والألياف تزيد من حجم البراز وتسهل مروره في الأمعاء مما يخلص المريض من مشكلة الإمساك المزمن.

و يشكو المصابون من داء الرتوج Diverticulosis من الإمساك المتناوب مع الإسهال مع ألم أسفل البطن. وإن تناول طعام غني بالألياف يخفف أعراضه ويمكن أن يشفى المصابون تماماً بتغيير بسيط في نوعية الغذاء وإدخال كمية أكبر من الألياف في طعامهم اليومي. كما أثبتت الدراسات الحديثة ندرة حدوث سرطان القولون في المجتمعات التي تتناول غذاءً غنياً بالألياف حيث تبين أن بعض الألياف قادر على امتصاص المواد السمّية المسببة للسرطان والناجمة عن التخمرات الجرثومية في القولون. كما أن معظم المرضى المصابين بالتهاب القولون التشنجي يستفيدون من الحمية الغنية بالألياف. وقد أكّد باحثون من هولندا أنّ تناول غذاء يحتوي على كمية من الألياف تقل عن 37 غ في اليوم يترافق بازدياد نسبة حدوث السرطان بشكل عام بـ 3 أضعاف تقريباً.

و بالنسبة للمصابين بالداء السكري فإنّ أحدث التوصيات التي أصدرتها المؤسسات الطبية الأمريكية تنصح بتناول غذاء غني بالكربوهيدرات المعقدة الغنية بالألياف والذي ينقص التأرجحات الكبيرة التي تحدث في مستوى الدم عقب تناول السكريات.





هل تعيش الجراثيم في التمر؟

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير تمراتكم البرني، يذهب الداء، ولا داء فيه " .

يقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد في كتابه الرطب والنخلة: حقاً إنّ التمر لا داء فيه، فالجراثيم لا تعيش فيه. فقد لوثت تمور طرية من الأنواع التي تصدر للأسواق الخارجية بجراثيم الهيضة _ الكوليرا _ وبنسبة 100 _ 1000 مرة أكثر مما يشاهد في براز المصابين بالهيضة، واستخدم لذلك ثلاث سلالات مختلفة من الجراثيم الممرضة للكوليرا. وقد ظهر أن الجراثيم لم تعش أكثر من ثلاثة أيام، وهذا يعني أن التمور إذا تعرضت إلى تلوث شديد تصبح خالية من العامل الممرض خلال ثلاثة أيام في الظروف الطبيعية. وقد قام بهذه الأبحاث المعهد البكتريولوجي المركزي العراقي بالتعاون مع الخبير الدولي لمنظمة الصحة العالمية أوسكار فيلزنفيلد الاختصاصي بالكوليرا.

و يقول الدكتوران النعيمي وجعفي : لقد أشارت دراسات Turel إلى أن وجود طبقة التانين Tannin في الثمرة يحميها من الطفيليات التي تسبب ظهور بقع متفسخة على سطح الثمرة في مرحلة الرطب.



الرُّطب والولادة

قال تعالى: {فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إِلَى جِذعِ النَّخَلَةِ قَالَت يَا لَيتَنِي مِتُّ قَبلَ هّذَا وكُنتُ نَسياً مَّنسِيّاً فَنَادَاهَا مِن تَحتِهَا أَلاَّ تَحزَنِي قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيّاً وهُزِّي إِلَيكِ بِجِذعِ النَّخلَةِ تُسَاقِط عَلَيكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي واشَرِبي وقَرِّى عَيناً}

قال القرطبي: في قوله تعالى: {رُطباً جنيّا}: لم يجف ولم ييبس ولم يبعد عن يدي مجتنيه. ونقل عن ابن عباس قوله: كان جذعاً نخراً فلما هزّت نظرت إلى أعلى الجذع فإذا السعف قد طلع، ثم نظرت إلى الطلع قد خرج من بين السعف ثم صار بلحاً ثم زهواً ثم رُطباً... كل ذلك في طرفة عين، فجعل الرطب يقع بين يديها لا ينشدخ منه شيء.

و استدل بعض الناس من هذه الآية أنَّ الرزق وإن كان محتوماً فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعيٍ ما فيه لأنه أمر مريم بهزّ النخلة لترى آية...

و ينقل عن الربيع بن خيثم قوله: ما للنفساء عندي خيرٌ من الرطب لهذه الآية، ولو علم الله شيئاً هو أفضل من الرطب لأطعمه مريم، لذلك قالوا: التمر عادة للنفساء منذ ذلك الوقت، وقالوا: إذا عسر ولادها لم يكن خير لها خيرٌ من الرطب ولا للمريض خيرٌ من العسل. {فكلي واشربي وقرّي عيناً} قال القرطبي: أي كلي من الجني واشربي من السريّ وقرّي عيناً برؤية الولد النبي.

يقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد : لقد هيأ الله تعالى الشراب والغذاء المناسبين للسيدة العذراء الماخض فأمرها أن تأكل من الرطب الجنّي الغني بالسكريات وخاصة سكر العنب السريع الامتصاص والذي لا يحتاج إلى هضم ويطلق طاقة ممتازة، كذلك أمرها أن تشرب من السريّ فكأنها تتناول محلول الغلوكوز بالماء، وهذا ما ينصح به الأطباء في يومنا هذا، ينصحون الماخض وهي في حالة ولادة أن تعطى سوائل سكرّية وقد سبقهم القرآن بذلك بألف وأربعمائة سنة.

يقول الدكتور شمسي باشا: ومرة أخرى يلتقي الأسودان: التمر والماء في قوله تعالى " فكلي " من الرطب " واشربي " من الماء.

و لقد أشار عدد من المؤلفين إلى تأثير الرُّطب القابض للرحم، فقد ذكر الدكتور مصطفى محمود : إنّ أحدث بحث علمي عن الرطب يقول أن فيه مادة قابضة للرحم تساعده على الولادة وتساعد على منع النزيف بعد الولادة.

أما الدكتور محمد كمال عبد العزيز فيقول: ويقوي الرطب الرحم وزيادة فترة انقباضاته، وقد أشار الله على مريم أن تأكل البلح فيغذيها من جهة ويزيد من انقباض الرحم بانتظام فتضع وليدها بسهولة من جهة أخرى...

و قد جاءت الأبحاث الخيرة لتكشف عن آثار الرطب التي تعادل آثار الرطب التي تعادل آثار العقاقير الميسِّرة لعملية الولادة والتي تكفل سلامة الأم والجنين معاً، وانقباض الرحم بعد الولادة يمنع النزيف الحاصل بها ويعود بالرحم إلى حجمه ومكانه الطبيعي قبل الحمل.

أما الدكتوران دياب وقزقوز فقد كتبا يقولان: تبين أن الأبحاث المجراة على الرطب أنها تحوي مادة مقبضة للرحم، وتقوي عضلات الرحم في الأشهر الأخيرة للحمل فتساعد على الولادة من جهة كما تقلل النزف الحاصل بعد الولادة من جهة أخرى. ومن هنا نفهم الإعجاز القرآني العظيم فيما نصت عليه هذه الآية، عن في ذلك عبرة لأولي الأبصار.



إفطار الصائم على التمر:

عن سلمان بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فمن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور " . وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حَسا حَسوات من الماء، .

يقول الدكتور أحمد عبد الرؤوف هاشم : إن وراء هذا الهدي النبوي حكمة رائعة وهدياً طبياً عظيماً... فأهم شيء يجب تزويد الصائم به حال فطره هو طاقة جديدة تعوضه ما فقده نهار صومه، كذلك فالجسم في حاجة ماسّة إلى الماء وإزالة شعور العطش لديه. وأسرع شيء يمكن امتصاصه هي المواد السكرية وخاصة الأحادية منها. فالمواد السكرية في صورة محلول مائي يمكن امتصاصها في صورة ميسّرة في المعدة والأمعاء الفارغة عند الصائم وهذا ما يحققه الرطب وبذا يرتفع مستوى سكر الدم في وقت وجيز.

و من الملاحظات الهامة أن التمر والرطب يكادان يخلوان من الدهن وبذا لا يحتاج هضمها لساعات طويلة وكذلك الحال بالنسبة للبروتينات. كما أن وجود الألياف السللوزية في التمر بنسبة عالية له مزايا أخرى تفيد تعمل كإسفنجة تمتص الماء داخل المعي وتعطي البراز حجماً معقولاً مع إحداث تليين طبيعي يمنع حدوث الإمساك عند الصائم.



التمر... ترياق من السموم:

عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سمٌّ ولا سحر " قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السمّ والسحر إنما ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة لا لخاصية في التمر. وقال ابن حجر: وأما خصوصية السبع فالظاهر أنها لسر فيها. وقال القرطبي: وظاهر الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السمّ وإبطال السحر. وقال المناوي في فيض القدير: وليس ذلك عاماً في العجوة بل خاصاً بعجوة المدينة بدليل رواية مسلم: " من أكل سبع تمرات مما بين لابيتها _ أي المدينة _ لم يضره في ذلك اليوم سمٌ ". قال المناوي: وتخصيصه بسبع لخاصية هذا العدد علمها الشارع وقد جاء في مواضع كثيرة فما جاء من هذا العدد مجئ التداوي فذلك لخاصية لا يعلمها إلا الله ومن أطلعه عليه، وما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ في عجوة العالية شفاءٌ أو أنها ترياق أوّل البكرة " ، وقال النووي في شرحه: والعالية ما كان من الحوائط والقرى والعمارات من جهة المدينة العليا وهي جهة نجد...

و في هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها، وفضيلة التصبح بسبع تمرات منها، وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع ولا نعلم نحن حكمتها فيجب الإيمان بها واعتقاد فضلها والحكمة فيها.

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم والكماة من المنّ وماؤها شفاء للعين " ، هذه الرواية تتفق مع رواية البخاري بعدم تخصيص لتمر المدينة أو عجوتها.

قال القرطبي: ومن أئمتنا من تكلّف فقال: إن السّموم إنما تقتل لفرط برودتها فإذا داوم على التصبّح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السمّ ما لم يستحكم، قال: وهذا يلزم رفع خصوصية عجوة المدينة.

و قال ابن القيم: عجوة المدينة من أنفع تمر الحجاز وهو صنف كريم من ألين التمر وألذه... والتمر في الأصل من أكثر الثمار تغذية لما فيه من القوة الترياقية. فإذا أديم أكله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه أو قتله.

قال ابن حجر: وفي كلامه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السمُّ وهو ما ينشأ عن الديدان التي في البطن لا كل السموم، لكن السياق يقتضي التعميم لأنه نكرة في سياق النفي.

و في هذا المجال يقول الدكتور محمود ناظم النسيمي: السموم أنواع، والتسمم إما أن يكون خارجي المنشأ، يدخل الجسم عن طريق الجروح أو لدغات الأفاعي، أو عن طريق طلاء الحروق الواسعة بمواد تعدُّ سامة بمقدارها الكبير كالميركروكروم، أو عن طريق الفم مع الطعام والشراب أو عن طريق التنفس... وإما أن يكون التسمم داخلي المنشأ كالانسمام بالبولة _ أوريميا _ أو بانحباس الآزوت لقصور كلوي _ آزوتيميا _ والانسمام نتيجة التفسخات المعوية وذيفانات الجراثيم والطفيليات.

هذا ويتخلص الجسم من جميع المواد الضارة ومن ذيفانات الجراثيم ونتائج تعفن المواد الغذائية في الأمعاء عن طريق ربطها في الكبد ببعض المركبات ومن أهمها الغلوكورونيك الذي يصنعه الكبد نتيجة أكسدة سكر العنب. ونستطيع القول أن وظيفة الكبد في إبطال المركبات السامّة من أهم وظائفه، ولذا كان سكر العني داخلاً في حمية ومعالجة الانسمامات المختلفة، والتمر والرطب من أغنى الفواكه بهذا السكّر.

وللحكم الصحية السابقة ولحكم أخرى قد يكتشفها الطب في المستقبل _ الله أعلم بها _، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتناول الإنسان صباحاً سبع تمرات عجوة قبل الفطور ليمتص سكرها بسرعة ويدخرها في الكبد مما يساعده على تخريب السموم وتعديلها، أضف إلى ذلك المعالجة الروحية وعُلُوَّ المعنويات الناجم عنها عندما يصبح المسلم بسبع تمرات يقيناً وتصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.



كما انه وقاية من السحر:

فالذي يتصبح بسلع تمرات إيماناً وتصديقاً لنبيه صلى الله عليه وسلم فإن يقينه بالله تعالى يزيد التجاؤه إليه، وتوكله عليه بقوى، وبذلك تقوى معنوياته وتزداد مقاومته الجسدية والنفسية، فلا مجال للوساوس والمخاوف وتوقع حدوث سحر يصيبه أو دسّ سمّ من قبل عدوٍ يكيد له. وإذا ما وقع ذلك فإن الأضرار تخف بما قدَّم من اعتقاد بالله وثقة به وتصديق لنبيّه فهي وقاية نفسية ومعالجة روحية في هذا المجال _ السّحر _.

و قال ابن القيم: إن من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله واعتقاده النفع به فتقبله الطبيعة فتستعين به على دفع العلة حتى أنّ كثيراً من المعالجات تنفع بالاعتقاد وحسن القبول وكمال التلقي.



التحنيك بالتمر:

جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: وُلِد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسمّاه إبراهيم وحنّكه بتمرة. يقول الدكتور فاروق مساهل في كتابه (تكريم الإسلام للإنسان): والتحنيك هو معجزة طبية للنبي صلى الله عليه وسلم لم تظهر الحكمة من ورائها إلا حديثاً. فالطفل بعد ولادته يجد نفسه وقد انفصل عن أمه، وانقطع سيل الغذاء الجاهز إليه، فيلجأ للاعتماد على ما استطاع جسمه تخزينه من الطعام وهذا ليس بالكثير أثناء حمله في رحم أمه، لحين إفراز اللبن من ثدي والدته. ويستغرق إفراز اللبن وقتاً متفاوتاً _ من 1 _ 3 أيام _. وبما أن نشاط أجهزة الجسم عند المولود تكون في قمتها في محاولة لملائمة الوضع الجديد فإن المخزون في جسمه يستهلك بسرعة، وقد تنخفض تبعاً لذلك نسبة السكر في الدم. وحيث أن الفترة الحرجة في إطعام الطفل تقع بين انتهاء ولادته وبدء رضاعته فإننا نجد في تكريم المولود على يدي النبي صلى الله عليه وسلم بتحنيكه بالتمر الممتلئ بالسكر والذي يمتص في عروقه فيحافظ على مستوى السكر في دمه لحكمة كبيرة...

و من هنا تتضح الأهمية العظمى للتحنيك في تغطية الفجوة هذه في تغذية المولود بين ولادته وبدء رضاعته من ثدي أمه.



التمر طعام النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب، . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أرادت أمي أن تسمّني لدخولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت كأحسن ما يكون السمن، . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب، .

و جاء في تذكرة أولي الألباب لداود الأنطاكي: التمر هو المرتبة السابقة من تمر النخيل، يقطع السعال المزمن وأوجاع الصدر ويستأصل شأفة البلغم خصوصاً إذا أُكل على الريق ويغذي كثيراً، ومع الحليب يقوي الباه... وأكد ابن البيطار هذه الفوائد فقال: والتمر يسخّن البدن وهو صالح للصدر والرئة والمعي وإذا نقع في الحليب أنعظ إنعاظاً قوياً...

أما ابن قيّم الجوزية فقد شرح فوائد التمر في كل مراحله فقال: البُسر حارٌ يابس يحبس البطن وينفع اللثة والفم وأنفعه ما كان هشاً وحلواً. والرطب يقوي المعدة الباردة ويزيد في الباه ويخصب البدن ويغذي غذاءً كثيراً.

أما التمر فهو مقوٍّ للكبد ملين للطبع يزيد في الباه ولاسيما مع جب الصنوبر، ويبرئ من خشونة الحلق. وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن وأكله على الريق يقتل الدود وهو فاكهة وغذاء


مراجع البحث

1. دكتور حسان شمسي باشا: عن كتابه (السودان: التمر والماء)، جدة: 1992

2. المهندس الزراعي أجود الحراكي: عن مقالة (التمر) مجلة حضارة الإسلام، العدد 7، أيلول: 1977.

3. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحدث). المجلد 3

4. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).

5. دكتور محمد كمال عبد العزيز:عن كتابه (الأطعمة القرآنية) _ 1991.

6. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

7. ابن البيطار: عن كتابه (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية).

8. عبد الله عبد الرزاق السعيد: عن كتابه (الطب والنخلة) _ جدة: 1985.
أم سياف
أم سياف
التين Ficus


التين هو الثمرة المباركة التي أقسم الله سبحانه وتعالى بها في محكم تنزيله فقال: {وَ التَيِنِ والزَّيتُونِ وطُورِ سِينِينَ ْ}. وقد اختلف أهل التأويل في تفسيرها فقال معظمهم: عُني بالتين: التين الذي نأكل، والزيتون الذي يعصر.فقد رُوي عن الحسن قوله: تينكم هذا الذي يؤكل وزيتونكم هذا الذي يعصر. وعن عكرمة قال: التين والزيتون هو التين والزيتون الذي تأكلون. وعن مجاهد قال: هي الفاكهة التي يأكل الناس. ومثل ذلك روي عن ابن عباس وعطاء وجابر بن زيد وغيرهم. ونقل ابن الجوزي أنه سبحانه إنما أقسم بالتين لأنها فاكهة مخلصة من شائب التنغيص وهو يدل على قدرة من هيأه على تلك الصفة وجعل الواحدة منها على مقدار اللقمة.و قال آخرون: التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس. وقيل أن التين هو مسجد نوح الذي بناه على الجودي، وقيل أنها أسماء لجبال في بلاد الشام، وبعد أن يذكر ابن جرير الطبري _ شيخ المفسرين _ هذه الأقوال يقول: والصواب عندنا قول من قال: التين هو التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر منه الزيت لأن ذلك هو المعروف عند العرب ولا يعرف جبل اسمه تينا ولا جبل يقال له زيتون إلا أن يقول قائل: أقسم ربنا جل ثناؤه بالتين والزيتون والمراد من الكلام والقسم بمنابت التين ومنابت الزيتون فيكون ذلك مذهباً، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك في ظاهر التنزيل.

أما ابن القيم فقال: لما لم يكن التين بأرض الحجاز لم يأت له ذكر في السنة ولكن أقسم الله به في كتابه لكثرة منافعه وفوائده.. والصحيح أن المقسم به هو التين المعروف.

و يرى الشيخ محمد محمود عبد الله أن القسم في القرآن يرد على نوعين: فأما لفضيلة وإما لمنفعة، والقسم بالتين والزيتون جاء لمنفعة للخلق فهما شراب وطعام وشفاء وإدام. واقترانهما لتمام الفائدة، فالتين مع الزيتون غذاء مكتمل يمدان الإنسان بما يحتاج إليه من الغذاء والفيتامينات والمعادن.

و قد عرف البشر التين في القديم وزرعوه منذ أكثر من 4000 عام، وورد ذكره في التوراة والإنجيل، وانتشر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وذكره سقراط وهوميروس وكان أفلاطون يكثر من تناوله لذا سمي صديق الفلاسفة.

واستعمله الفينيقيون غذاءً ودواء فصنعوا منه لزقات لمعالجة البثور، وعالجوا الحميات بنقيعه. أما الفراعنة فقد استعملوه علاجاً لآلام المعدة، ويؤكد ابن سينا أن التين مفيد جداً للحوامل والرضع وأنه ينفع من الاستسقاء. أما الرازي فيقول بأن التين يقلل الحوامض في الجسم، ويدفع أثرها السيئ.

و قال الموفق البغدادي: أن التين كثير الغذاء أغذى من جميع الفاكهة، وفيه تليين للطبع، وتسكين للعطش، وينفع السعال المزمن، ويدر البول، ولأكله على الريق منفعة عظيمة في تفتيح مجاري الغذاء.

أما ابن القيم فيذكر أن أجوده الأبيض القشر، يجلو رمل الكلى والمثانة، ويؤمن من السموم، وهو أغذى من جميع الفاكهة، وينفع خشونة الحلق والصدر، ويغسل الكبد والطحال، وينقي الخليط البلغمي من المعدة، ويابسه يغذي وينفع العصب.

و يعتبر التين من أغنى الفاكهة بالفيتامينات وخاصة " ب 1 " و" ب2 " و" ث " والكاروتين _ طليعة الفيتامين " أ " _. كما يحتوي على نسبة عالية من المواد المعدنية وخاصة الحديد والكلس والنحاس، وهي المواد البانية لخلايا الجسم والمولدة لخضاب الدم، حيث تفيد المصابين بفقر الدم. كما يحتوي على نسبة عالية من السكاكر (من 18 _ 30 %) حسب رطوبته وجفافه، أما المواد الآزوتية فتتراوح بين 1 _ 5 %، المواد الدسمة من 0.1 _ 20 %، وتعطى الـ 100 غ من التين الرطب 70 حريرة وتصل إلى 268 في التين الجاف، لذا فإنها تهب آكلها مقداراً من الطاقة يساعد على التغلب على برد الشتاء وتمنحه القوة والنشاط.

إن غناه بالفيتامين " ب 1 " يجعله مفيداً في التهابات الأعصاب، وهو غذاء جيد للمصابين بالخرع وترقق العظام ولينها وواقياً من الإصابة بها لغناه بالكلس والفوسفور. وذكر بعضهم غناه بالفيتامين " ك " الذي يساعد على تخثر الدم وإيقاف النزوف.

و تجفيف التين يزيد من تركيز العناصر الغذائية فيه، إلا أنه يفق بعد التجفيف ثروته من الفيتامين " ث " غير أنه يحتفظ بباقي الأنواع الأخرى من الفيتامينات على الأرجح.

و إذا قطعت أغصانه أو أوراقه خرج منهل سائل لبني راتنجي أبيض إذا أضيف إلى الحليب يخثره، وإذا طليت به الأثفان والتآليل مرة كل يوم تشفى غالباً. ونظراً لغنى التين بالألياف السللوزية وحوامض الفواكه فإن ثماره ملينة ومحرضة لإفراغ الأمعاء وللتبرز و يحرض لإفراغ المرارة مما يجعل منه علاجاً ممتازاً للمصابين بالإمساك المعند والمزمن ويكفي تناول بضع تينات على الريق سواء أكانت جافة أم غضة.

و يفيد منقوع التين في علاج التهابات الجهاز التنفسي كالتهاب القصبات والحنجرة مما يؤدي إلى تهدئة السعال. كما أن تناول كأس من هذا المنقوع قبل كل طعام يفيد في معالجة التهاب الفم والبلعوم واللثة. ولنفس الغاية يمكن استعمال مغلي ثماره الجافة (40

_ 120 غ / لكل ليتر ماء).كما يساعد على إدرار البول والحليب. ويعتبر شراباً ملطفاً لمرضى الحصبة والحمى القرمزية ومفيد جداً لمعالجة النزلات الصدرية والرشح. ولحل البلغم في المسالك الهوائية _ كمقشع _ يمكن تناول مغلي الثمار المجفف مع الأعشاب الصدرية بمقدار فنجان ساخن 3 مرات يومياً.

و كغذاء مقوٍ توصف ثمار التين للأطفال والناقهين والحوامل وللمصابين بالوهن الجسمي والعصبي والتهيجات المعدية _ المعوية، والقبض والالتهابات الرئوية والبولية وخارجياً يمكن لثمرة التين بعد شقها ونقعها بماء مغلي أن تطبق موضعياً لمعالجة القروح والجروح المتعفنة والدمامل بحيث يكون سطحها الداخلي فوق الآفة تماماً.أما مغلي أوراق التين فيفيد مسكناً للسعال ولمعالجة اضطراب الحيض حيث يعطى في الموعد المتوقع لإدرار الطمث، كما يفيد غرغرة للفم في التهابات اللثة.



التين كعامل في منع الأورام:

.

إن استعمال ثمرة التين كعلاج بدأ ينتشر في العالم بأسره، فلقد كتب عنه العالم الأمريكي " جوناثان هارتويل " ، كما اهتم به الدكتور الياباني كوتشي منذ زمن بعيد إذ أكد خصائص التين العلاجية. فقد لاحظ أن سرطان إرليخ Ehrlich Carcinoma في الفئران يتوقف إذا ما استعمل عصير التين، كما أكد على النتائج الحسنة لمعالجته لورم خبيث عند الإنسان بواسطة قطارة بخار التين في مؤتمر السرطان العالمي الثاني عشر 1978.

و في دراسة حديثة تابع كوتشي وزملاءه المكوِّن الفعال في القطارة البخارية لثمار التين باستخدام فئران زرع تحت جلدها سرطان غدي Adenocarcinoma. وبعد الزرع ب24 ساعة حقنت هذه الفئران يومياً بمقدار 1 مل من القطارة وبعد 11 يوماً أميتت هذه الفئران وقورن الوزن الوسطي للأورام مع معدلات من المجموعة من الفئران التي لم تخضع للمعالجة فتبين أن القطارة البخارية لثمرة التين قد خفضت الوزن الوسطي للورم بمعدّل 39 % وتبين بعد ذلك أن العامل الفعال هو زيت اللوز المر أو البنزالدهيد وأنّ تركيزها ضمن القطارة المذكورة هو ضمن جزء من المليون تقريباً.

ثم أعطي زيت اللوز المر على شكل مركب سايكلود كسترين زيت اللوز المر والذي رمز له بـ CDBA عن طريق الفم والشرج بجرعة يومية مقدارها 10 ملغ لكل كغ من وزن المريض لـ 90 مريضاً يعانون من أورام سرطانية متقدمة ومستعصية على الجراحة. وكان بالإمكان تقويم حالة 57 من المرضى الخاضعين للعلاج. إذ استحباب 19 منهم للعلاج استجابة تامة واستجاب آخرون جزئياً _ أي تراجع المرض لأكثر من 50 %]. وقد أجبرت المعالجة الخلايا الصُدفية السرطانية على التحول إلى الشكل الطبيعي.

شملت الدراسة 57 مريضاً منهم 32 رجلاً و15 امرأة. واستغرقت عامين وخمسة شهور وخضع المرضى لفترة مراقبة لأكثر من سنتين. كان منهم أربعة مصابون بسرطان الخلية الصدفية للسان وكانوا في بدء المعالجة بحالة خطرة جداً، استمرت فترة المعالجة من 1.5 _ 6 شهور وقد حصلوا على الشفاء التام. ومما يلفت النظر عندهم أن الخلايا المتسرطنة تماثلت نحو التحسن بشدة وتحولت إلى خلايا صدفية متقرنة. ومريض آخر كان يعاني من سرطان الخلية الصدفية نظير الجيي مع انتقالات رئوية، حصل على استجابة جزئية بعد 3 شهور من العلاج فتلاشت الأورام الرئوية وتحسن الورم في المنطقة الصدغية. وهناك حالة طفل في الرابعة من العمر كان يعاني من سرطان الدم النقيوي الحاد، عولج لمدة 10 شهور بالأدريامايسين وغيره من موقفات النمو الخلوي دون أن يشفى، طبق له العلاج بالقطارة التينية لمدة عشرة أيام حيث بدأ يتماثل للشفاء وبدأ تعداد الكريات البيض والصفيحات وخضاب الدم بالعودة إلى مقداره السويّ واستغرق التخلص التام من الورم من أربعة أشهر.

و قد ثبت أن زيت اللوز المر غير ضار بوظائف الكبد والكلى، كما أنه لا يسبب أي عرض جانبي كنقص الكريات البيضاء والإقياء وسقوط الشعر وغيرها كباقي الأدوية السرطانية. نعم! تلكم ثمرة التين المباركة.
مراجع البحث

1. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

2. الإمام ابن جرير الطبري: عن كتابه (جامع البيان عن تفسير القرآن).

3. محمد محمود عبد الله: عن كتابه (الطب القرآني غذاء ودواء) القاهرة: 1989.

4. ابن الجوزي: عن كتابه (زاد المسير في علم التفسير).

5. موفق الدين البغدادي: عن كتابه (الطب من القرآن والسنة) تحقيق دكتور عبد المعطي قلعجي.

6. دكتور صبري القباني: (الغذاء لا الدواء) بيروت 1977.

7. أسامة القوتلي وظافر العطار: عن مقالة (التين كعامل في منع الأورام) مجلة الدواء العربي _ عمان، نيسان: 1992.

8. محمد شفيق البابا: عن كتابه (التغذية الصحيحة) دمشق: 1958.

9. أيمن عزت الطباع: عن كتابه (المرشد إلى طبابة الأعشاب) 1984.

10. دكتور محمد كمال عبد العزيز:عن كتابه (الأطعمة القرآنية) _ 1991.

11. أحمد قدامة: عن كتابه (قاموس الغذاء والتداوي بالنبات) بيروت: 1982
أم سياف
أم سياف
الثُفّاء



عن قيس بن رافع القيسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ماذا في الأمرين من الشفاء: الثفاء والصبر " .

عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ماذا في الأمرين من الشفاء: الثفاء والصبر " .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بالثفاء فإن الله جعل فيه شفاء من كل داء " .

قال الكحال بن طرخان: الحرف وهو الثُفّاء _ وتسميه العامة حب الرشاد _ وهو يسخن ويلين البطن ويخرج الدود ويحرك شهوة الجماع. وإذا طبخ مع الأحساء _ جمع حساء _ أخرج الفضول من الصدر، ويمسك تساقط الشعر، وإذا تضمد به مع الماء والملح أنضج الدمامل، وينفع الربو وعسر التنفس وينقي الرئة ويدر الطمث. وإن شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار أسهل الطبيعة وحلل الرياح ونفع من وجع القولنج البارد، وإذا سحق وشرب نفع من البرص وإن لطخ عليه وعلى البهق الأبيض نفع منهما ونفع من الصداع الكائن من البرد والبلغم.

و قد نقل ابن القيم ما ذكره الكحال دون أن يشير إليه وزاد عن جالينوس: قوته مثل قوة بزر الخردل لذلك قد يسخن به أوجاع الورك المعروفة بالنساء وأوجاع الرأس ...

و الثُفّاء Cresson أو Lepidium Sativum نبات عشبي حولي قائم من الفصيلة الصليبية Cruciferae موطنه منطقة الشرق الأوسط والحجاز ونجد. وأزهاره بيضاء متعددة.

و من أسماء الثفّاء _ الرشاد _ في سورية _ البقدونس الحاد _ يؤكل من غير طبخ حيث تضاف أوراقه الغضة إلى السلطات والحساء ومع اللحوم والسمك كمادة مشهية، مسهلة للهضم. ويجب ألا يضاف إليه الملح للاستفادة من خواصه الطبيعية. وتفيد مادة اليخضور الموجودة فيه امتصاص الروائح من الجسم، كما أن أوراقه مدرة للحليب عند المرضعات.

و هو أكثر النباتات غنى بمادة اليود وهذا ما يجعله سهل الهضم كما يحتوي على الحديد والكبريت والكلس والفوسفور والمنغنيز والزرنيخ، وهو غني بالفيتامين " ج " = " C " وفيه نسبة قليلة من الفيتامين " أ " و" ب " و" PP " والكاروتين، وتدل دراسات حديثة على احتوائه عنصراً من المضادات الحيوية المبيدة للجراثيم.

و يرى الدكتور جان فالينه أن الثفّاء مقو ومرمم ومشه، مفيد لمعالجة فقر الدم، وضد داء الحفر، مدر للبول، مقشع ومهدئ، خافض للضغط، ومنشط لحيوية بصيلات الشعر حيث تطبق عصارته على فروة الرأس لمنع تساقط الشعر، ولمعالجة التقرحات الجلدية.

تؤخذ عصارة الأوراق بمقدار 60 _ 150 غ مع الماء أو الحساء لطرد الدود ومكافحة التسمم وينصح بتناوله المصابون بالتعب والإعياء وللحوامل والمرضعات والمصابين بتحسس في الطرق التنفسية والجلدية كما في الأكزيما، وهو نافع للبواسير النازفة. أما البذور فيستعمل مغليها أو منقوعها او مسحوقها لمعالجة الزحار والإسهال والأمراض الجلدية وتضخم الطحال، ويصنع كمادة من المسحوق كمسكن لمعالجة آلام البطن والآلام الرئوية وغيرها، كما يفيد تناوله داخلاً كطارد ومقو جنسي ومطمث للنساء.


مراجع البحث

1. الإمام السيوطي: عن كتابه (الجامع الصغير).

2. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).

3. أحمد قدامة: عن كتابه (قاموسي الغذاء والتداوي بالنبات).

4. دكتور صبري القباني: عن كتابه (الغذاء لا الدواء).

5. دكتور محمد بدر الدين زيتوني: عن كتابه (الطب الشعبي والتداوي بالأعشاب).

6. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

7. الكحال بن طرخان: عن كتابه (الأحكام النبوية في الصناعة الطبية).

8. مجموعة مؤلفين: (النباتات السعودية المستعملة في الطب الشعبي).
أم سياف
أم سياف
إن هذه الحبة السوداء شفاء


روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السّام " وفي رواية أخرى لهما: " في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السّام " قال ابن شهاب السّام الموت.

والحبة السوداء الشونيز .

أخرج البخاري عن خالد بن سعيد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر فمرض في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحبة السوداء فخذوا منها خمساً أو سبعاً فاسحقوها ثم اقطروا في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السّام " قلت: وما السّام، قال: الموت.

و في رواية أخرى عن قتادة قال: حُدثت أن أبا هريرة قال: الشونيز دواء من كل داء إلاَّ السّام. قال قتادة: يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة من الشونيز فيجعلها في خرقة وينقعها ويتسعط بها كل يوم.

الأول في منخره الأيمن قطرتين وفي الأيسر نقطة.

والثاني في الأيمن قطرة وفي الأيسر اثنتين.

والثالث في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة. .

قال الحافظ ابن حجر: ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفاً، بل استعملت مركبة، مسحوقة وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلاً وشرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك. والذي أشار إليه ابن أبي عتيق ذكره الأطباء في معالجة الزكام مع عطاس شديد. وقيل أن قوله صلى الله عليه وسلم " كل داء " تقديره: يقبل الشفاء بها.

و قال الخطابي: قوله " من كل داء " هو من العام الذي يراد به الخاص، لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بما يقابلها وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة.

و قال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواءً من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل " فيه شقاء للناس " الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى.

و قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: تكلم الناس في هذا الحديث وخصّوا عمومه وردّوه إلى قول أهل الطب والتجربة، ولا خفاء بغلط قائل ذلك، لأننا إذا صدقنا أهل الطب _ ومدار علمهم غالباً إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب _ فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم.



التسمية والتصنيف:

من أسماء الحبة السوداء المشهورة (حبة البركة)، وهو كما يقال نسبة إلى جارية سوداء كانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها بركة وأضيفت " الـ " التعريف إليها تيمناً وتبركاً. وهي صحابية جليلة عرفت بأم أيمن وهي حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد كانت تستعمل هذه الحبة في معالجة المرضى عملاً بدعوة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

تنتمي نبتة الحبة السوداء Nigella إلى العائلة النباتية الشققية Ranunclaccaeو يوجد منها عالمياً أكثر من 20 صنفاً وأكثر أنواعها شهرة واستعمالاً في المجال الطبي ثلاثة أنواع:

1. الحبة السوداء المزروعة: Nigella Sativa وتدعى بالهندية، ومن أسمائها الكمون الأسود Black Cumin والكمون الهندي ويسميها الإنجليز Small fennel flower.

2. الحبة السوداء الحقلية: Arvensis Nigella ويسميها الإنجليز Small fennal

3. الحبة السوداء الشامية أو الدمشقية: Nigella Damascena وتدعى: التركية ويسميها الإنجليز Wild fennal.



الحبة السوداء: النبتة _ وصفها وزراعتها:

نبتة عشبية تزرع كنبتة غذائية، وتنبت تلقائياً بين الأعشاب كنبتة طفيلية وخصوصاً في المناطق الحراجية. وتنمو الحبة السوداء المزروعة في حوض البحر الأبيض المتوسط وآسيا الصغرى وإيران وفي آسيا الوسطى والقفقاس.

و أول ما زرعت في الهند ثم نقلها العرب إلى بلادهم ومنها إلى إفريقيا _ في نيجيريا خاصة وأثيوبيا _ وتكثر زراعتها كتوابل في سورية وفلسطين وجنوب أوربا.

و تبلغ طول أعشابها من 10 _ 40 سم، سوقها منتصبة خشنة مغطاة بأشعار طرية، أوراقها خضراء مزرقة ريشية التقاطع إلى وريقات خطية أزهارها كبيرة بلون سماوي مخضر.

الثمار الناضجة ثلاثية القطع، وحبيباتها درنية متجعدة سوداء بيضاوية الشكل.

أما الحبة السوداء الدمشقية فتنمو كنبات طفيلي في حوض البحر الأبيض المتوسط والقفقاس وآسيا الصغرى وتزرع في أوربا كنبات للزينة وكتوابل وخاصة في ألمانيا وإيطاليا والهند وتنمو دون زراعة في الغابات بين شهري أيار وتموز، ساقها مستقيم يميل لونه إلى البنفسجي أوراقها قاسية وأزهارها زرقاء متطاولة منتفخة.

أما الحبة السوداء الحقلية فتنمو على ضفاف البحر الأسود والقفقاس وأوزبكستان وحوض البحر الأبيض المتوسط وإيران.



التركيب الكيماوي للحبة السوداء:

تحتوي بذرة الحبة السوداء على 1.4 % من وزنها الجاف على غليكوزيدسام هو الميلانتين Melantin وعلى غليكوزيد مُرّ بنسبة 0.5 _ 1.5 % هو النيغللين Nigellin.

كما تحتوي على زيت عطري إيتري بنسبة 1.4 % وهو زيت أصفر اللون ذو رائحة حادة واخزة لاحتوائه على التربين، ويستحصل على هذا الزيت الإيتري بواسطة التقطير ببخار الماء، كما تحتوي البذور على زيت دسم بنسبة 30.8 _ 44.2 %.

أما الأوراق فتحتوي وقت الأزهار على 1 _ 2.2 غ في كل 100 غ من وزنها جافة من الفيتامين " ث ". أما الأزهار فتحتوي على كمية عالية جداً من الفيتامين " ث " تبلغ حسب بعض الدراسات 1259 ملغ في كل 100 غ من الأزهار. ويجب أن نعلم أن الميلانتين يوجد في أجزاء العشبة كلها وهو شبه قلوي سام، حتى لذوات الدم الحار، وهو سمٌّ قوي للأسماك يسبب انحلال الدم عندها.

أما الحبة الدمشقية فتحتوي بذورها على زيت إيتري خاص يدخل في صناعة العطورات، لونه أصفر وذو فلورة سماوية شديدة وتبلغ نسبته فيها من 0.5 _ 0.37 % من وزنها. كما تحتوي البذور على شبه قلوي (الملانتين) وعلى شبه قوي آخر هو الدمشقين Damacin كما تحتوي على نسبة من الفيتامين E الذي يكون منحلاً في الزيت الدسم الموجود في البذور. وفي أوراقها نسبة من الفيتامين " ث " تصل حتى 430 ملغ %.

أما الحبة الحقلية فهي في تركيبها قريبة جداً من الحبة السوداء المزروعة المذكورة آنفاً.



الفوائد الطبية للحبة السوداء:

تعتبر الحبة السوداء وخاصة المزروعة Nigella Sativa من أقدم النباتات الطبية استعمالاً فقد وصفها ابن سينا لمعالجة آلام الرأس في الصداع والشقيقة وفي شلل العصب الوجهي ومن أجل معالجة الساد Cataract، كما ذكر في وصفة له يمزج فيها مسحوق الحبة السوداء مع العسل ويشرب بالماء الحار لمداواة وتفتيت حصى الكلى والمثانة وإدرار البول. كما يصفها سعوطاً بعد نقعها بالخل لمعالجة الصداع والشقيقة والزكام وسواها. وقد ذكرها ابن القيم كمادة مدرّة للحليب عند المرضعات ومنشطة للجنس ومطمثة.

و في الطب الشعبي العربي تؤكل مع الزبيب كمادة مقوية للبدن، محمّرة للوجه مزيلة لصفرته. كما عرفوا طريقة لاستخراج الزيت من بذور هذه الحبة واستعملوه في معالجة السعال المزمن وداء الربو القصبي حيث تضاف بضع نقاط منه (5 _ 15 نقطة حسب العمر ثلاث مرات في اليوم) مع الشاي أو مغلي الزهورات أو مع الماء، كما تعطى كمادة مضادة للمغص ومسكنة لآلام الأمعاء.

و في آسيا الوسطى لا تستعمل الحبة السوداء إلا كعلاج، كما وجد اسمها منذ القديم في معظم القواميس الطبية الأوربية. وتذكر المصادر السوفياتية والأوزبيكية بشكل خاص عدداً من الاستطبابات الهامة للحبة السوداء المزروعة حيث تؤكد أن صبغة مستخلصة من بذورها لها خواصَّ مسكنة وتعطي نتائج باهرة باستعمالها غرغرة لتسكين آلام الأسنان، وفي آفات المعدة تستعمل كمادة مضادة للمغص المعدي _ المعوي، ملينة وطاردة للغازات وذلك بفضل ما تحتويه من زيت إيتري .

و تؤكد المصادر المذكورة فائدة الصبغة المستخلصة من بذور الحبة السوداء بعد مزجها بالخل كدواء طارد للديدان وخاصة الشريطية، وتعطي نتائج ممتازة لمعالجة الزكام والرشح والتهابات الحنجرة، وتجمع الأبحاث السوفياتية على تمتع هذه الصبغة بخاصّية منوّمة لطيفة حيث يمكن استخدامها عند الأطفال لهذه الغاية.

و يؤكد الباحث الألماني أوتوغيسنر فائدة البذور كمادة مدّرة للبول والصفراء والحليب وكمادة مسرعة لبلوغ المراهقة لعادتها الشهرية _ مطمثة _ وفي حالة الإصابة بعسرة الطمث كما توصف في الطب البيطري وفي تعداد أدوية المعدة.

أما أوغومفيتس فيؤكد أن الصبغة المستخلصة من أوراق النبتة تبدي آثاراً عضلية إيجابية Positively inotopic وأخرى عصبية ناظمة سلبية Chronotropic بحيث تضاد فعل المبهم وتساير نظير الودي، ينجم عن ذلك بطء في حركة القلب _ مهدّئ _ وتزيد بذلك من حجم عمله المطلق.

و تمتاز الحبة السوداء الدمشقية _ الشامية _ برجحان خواصها المنومة إذا أخذت بكميات كبيرة وذلك لفعلها المخدر المركزي، كما أن مادة الدمشقين التي يحتويها زيتها الإيتري تعتبر مادة كوللينرجية، منبهة لنهاية الأعصاب فتشبه بذلك مادة البلوكاربين وتنبه إفراز اللعاب. هذا ولم تذكر المصادر العلمية أي استعمالات طبية للحبة السوداء الحلقية.



الحبة السوداء والربو:

إن استعمال الحبة السوداء في الطب الشعبي لمعالجة الربو وخاصة زيتها، والنتائج المشجعة التي تظهر من استعمالها دفع الباحثين المصريين: الدخاخني ومحفوظ إلى دراسة هذه النبتة والبحث عما يحتويه زيتها من مادة مؤثرة وتمكنّا بعد جهود مضنية استمرت خمس سنوات إلى فصل المادة المؤثرة على شكل بلورات استخلصت من الزيت وسموها بالنيجيلون Nigellon. فقد حقنت حيوانات التجربة بمحلول هذه المادة ثم عُرِّضت لرذاذ من الهيستامين المولد للحساسية ثم للتشنج عند المصابين بالربو، فلم تظهر على تلك الحيوانات أي أعراض تشنجية، بينما تعرضت الحيوانات غير المحقونة بها إلى التشنج منذ الدقائق الأولى. كما أنه لم يظهر للنيجيلون أيّ أثر سميّاً ومهيج ولو حقن بكمية كبيرة وخاصة على القلب. كما تبين أنه بوسع الأوعية الدموية إذا كانت منقبضة بحالة طفيفة، ويساعد على إزالة التشنجات المعدية وله فعل باسط على العضلات الرحمية ويزيل انقباض الرحم.

و قد تمت معالجة 70 مريضاً بالنيجيلون يعانون من الربو القصبي لفترة تتراوح بين خمسة شهور و40 عاماً، وكانت أعمارهم بين 14 والـ 65 سنة، ومعظمهم كانوا من المزمنين ومن النوع الذي يستعمل كل ما تقع عليه أيديهم من الأدوية بما فيها الأدرينالين والأفدرين والأمينوفيللين ومضادات التشنج ومركبات ضد السعال وحتى مركبات الكورتيزون.

و قد أعطي 60 من هؤلاء المرضى النيجيلون بعد حلّه وتخفيف تركيزه حيث يعطى عن طريق الفم وبمقدار 15 نقطة 3 مرات باليوم، أما العشرة الباقون فقد أعطوا دواء وهمياً وأبقوا كشاهد.

و قد تبين بنتيجة الدراسة أن العشرة الذين أعطوا الدواء الوهمي لم يظهر عندهم أي تحسن أما الذين أعطوا النيجيلون فنستطيع أن نميز منهم ثلاث فئات: الفئة الأولى وعددهم 39 مريضاً: تحسنوا بشكل ملحوظ حتى أن 14 منهم توقفوا نهائياً عن تناول الأدوية الأخرى كما تخلصوا من نوبات الربو، أما الـ 25 الباقون فقد تحسنوا مع بقائهم على تناول الأدوية الأخرى ولكن بنسبة أقل. الفئة الثانية وعددهم 11 مريضاً: منهم 3 تحسنوا أول الأمر ثم انتكسوا، و8 مرضى لم يظهر عندهم أي تحسن ملحوظ. الفئة الثالثة وعددهم 10 مرضى لم يعودوا للمراقبة لنعرف نتائج معالجتهم.

و في أغلب الحالات المعالجة والتي تحسنت سريرياً وجد ارتفاع ملحوظ بالقدرة الحيوية عند المريض. هذا وإن العامل المثالي لمعالجة الربو لم نحصل عليه بعد، لكن كل الأدوية المستعملة وخاصة المشتقات الكورتيزونية لا تخلو من آثار ضارة، ولذلك فإن دواء جديد كالنيجيلون، خالياً من أي أثر سمي. يمكن أن يساعد المريض وسيكون موضع ترحيب، أما آلية تأثيره فيغلب أن يكون كمبسط مباشر للعضلات الملس.



الحبة السوداء والضغط الدموي:

يؤكد الأستاذ الدكتور ربيع الظواهري أن تفل الحبة السوداء بعد عصرها يخفض الضغط الدموي .



الحبة السوداء مضادة لنمو الجراثيم:

وجد الدكتور حافظ جنيد أثناء تجاره على العصيات الرقيقة Bacillus Subtilis أنَّ هذه الأنواع من الجراثيم لا تستطيع النمو في وسط غذائي يحتوي على الحبة السوداء. مما يدلّ على أن الحبة السوداء تحوي على مواد لها صفة الصادات، أوقفت نمو هذه الجراثيم.



تأثير الحبة السوداء على المناعة:

من المعروف أن الجهاز المناعي هو خط الدفاع الرئيسي في الجسم لأنه المسؤول عن محاربة

الجراثيم والحمات الراشحة Virus والعوامل الممرضة الأخرى، إضافة إلى دور هذا الجهاز في مقاومة السرطان. ولقد جاء أن كثيراً من أمراض العصر كالسرطان والآيدز تتمثل بضعف الجهاز المناعي في مقاومة الأمراض .

و هناك آليات كثيرة ضمن بناء الجهاز المناعي، فيها آليات خلطية تتجلى بإفراز مواد هي الغلبولينات المناعية لكل منها عمله في مكافحة الانتانات وزيادة مقاومة البدن، ومنها آليات خلوية تعتمد على ارتكاس الخلايا الدموية وخاصة اللمفاويات والبالعات تجاه المستضدات. فهناك اللمفاويات التائية T. Cells التي يقوم كل نوع منها بوظيفة تختلف عن النوع الآخر

فهناك مثلاً اللمفاويات التائية محرضة المؤازرة Helper inducer T - Cells التي تساعد على تضخيم إنتاج الخلايا المصورية من الخلايا البائية بعد تأثرها مع المستضد. وهناك اللمفاويات التائية الكابتة Suppresor التي تثبط من تشكل الخلايا المصورية وتعتبر لذلك خلايا منظمة تكيف تشكل الأضداد. وفي الإنسان السويّ هناك نسبة ثابتة بين الخلايا المؤازرة والخلايا الكابتة لها أهمية في التوازن المناعي، وفي الأمراض الفيروسية كالآيدز مثلاً تهبط هذه النسبة لنقصان كمية الخلايا محرضة المؤازرة وزيادة عدد الخلايا الكابتة والسّامة للخلايا وهنا يأتي دور الحبة السوداء.

لقد أجرى الدكتوران أحمد القاضي وأسامة قنديل في عيادات " أكبر " التخصصية ومعهد الأبحاث في سيرنجفيلد (فلوريدا في الولايات المتحدة) أبحاثاً على الحبة السوداء فوجدا أن تلك الحبة تلعب دوراً هاماً في تنشيط وتقوية مناعة جسم الإنسان ليدافع عن نفسه ضد الجراثيم وغيرها من العوامل المؤذية الحية.

أجريت الدراسة على متطوعين ذوي نقصان في اللمفاويات التائية محرضة المؤازرة وذلك

بالنسبة إلى اللمفاويات التائية الكابتة، حيث سحقت البذور وعبئت بمحافظ Capsuls. وقسم المتطوعون إلى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى خضعت للمعالجة وأُعطيت غرام من مسوق الحبة السوداء يومياً والمعبأة ضمن المحافظ، المجموعة الثانية أعطيت محافظ لا دوائية معبأة بفم منشط للتمويه، والمجموعة الثالثة لم تعط أي علاج.

و لقد أجريت تحليلات الدم بما فيها نسب هذه الخلايا اللمفاوية في الدم الجائل قبل وبعد المعالجة والتي استمرت خمسة أسابيع. وبعد نهاية الأبحاث تبين الأثر الإيجابي الواضح للحبة السوداء على جهاز المناعة حيث ازدادت نسبة اللمفاويات التائية محرضة المؤازرة في دم المتطوعين في المجموعة الأولى والذين تناولوا مسحوق الحبة السوداء، كما تبين ظهور تحسن واضح على نسبة الخلايا محرضة المؤازرة بالنسبة للخلايا المثبطة حيث ارتفعت النسبة من 1.19 قبل المعالجة إلى 1.85 بعد المعالجة، بينما لم تتغير هذه النسبة عند مجموعتي الرصد والشاهد.

إن التجارب السالفة الذكر أثبتت بدون شك أن الحبة السوداء تنشط جهاز المناعة في جسم الإنسان وهذا يفتح المجال واسعاً لاستطبابات الحبة السوداء في المعالجة والاستشفاء من جميع الأمراض الانتانية والفيروسية وذلك بتقويتها للدفاع الذاتي للعضوية ومساعدتها في التغلب على العوامل المرضية القاهرة. وهذا أيضاً مما يزيد ثقة المسلم بطب النبوة حينما دعانا إلى الاستشفاء بهذه الحبة المباركة وجعل فيها شفاءً من كل داء.

و لنا بعض المشاهدات في مجال التطبيق السريري للمعالجة بالحبة السوداء. ففي الإصابة بالأكزيما النازة طبقنا مسحوق الحبة السوداء بنجاح في معالجة عدد من الحالات المنتقاة لكننا لم نستطع مراقبة هؤلاء المرضى بعد الشفاء. كما رأينا فائدة الادّهان بزيتها في معالجة الأكزيما المزمنة. ونحن نصف لمرضانا المصابين بالعنانة وخاصة ضعف النعوظ عند الشيوخ كأساً من الحليب محلى بالعسل ومضافاً إليه نصف ملعقة شاي من مسحوق الحبة السوداء مرة في اليوم وكانت النتائج جيدة. كما رأينا نجاحها الواضح في معالجة حالتين من فقد الرعشة الجنسية.

استعمالات الحبة السوداء الغذائية:

تعتبر كل أنواع الحبة السوداء كأفاويه أو توابل _ مشهيات، بهارات _ تدخل في صنع المعجنات والخبز وتضاف للفطائر وتؤكل مع الجبنة، كما تضاف إلى الخيار والباذنجان حين كبسه لصنع المخلالات. وتستعمل في أوربا لصنع أنواع من الحلوى والكاتو، أما زيتها فيدخل في العديد من الصناعات الغذائية، والذي يستخرج من الحبة الدمشقية ويستعمل في تحضير العطورات ومواد الزينة.

و ليعلم أن تسخين هذه البذور يفقدها زيتها الإيتري وبالتالي تفقد كثيراً من خصائصها الطبية. كما أن أكلها هكذا دون طحن قد يقلل من فرص الاستفادة منها لأنها إذا لم تمضغ جيداً ود خلت كاملة بقشرتها فإنها تمر من الجهاز الهضمي وتخرج كما دخلت دون أن يستفاد منها.

لذا فنحن نرى أن سحقها أو طحنها ثم تناولها مع الغذاء أو الحليب أو مع ما يناسب طعمها هو الحل الأمثل للاستفادة منها. وهي كثيراُ ما تزرع في حدائق أوربا كنبات للزينة لجمال منظر أزهارها علاوة عن كونها زراعة وفيرة المحصول، اقتصادية ومريحة كما تعطى للنحل رحيقاً حلواً وفيراً ويعتبرها النحالون من النباتات المعسلة _ أي يفضّلها النحل _.



خاتمة:

ما من شك في أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الصريحة والثابتة إلى التداوي بالحبة السوداء ليست عبثاً وإذا كان علماء المسلمون قد اختلفوا في تأويل عموم ما دعت إليه السنة المطهرة بين مخصص أو مقيد لعمومه، وبين مطلق لهذا العموم فنحن نميل إلى رأي القاضي أبي بكر بن العربي على أن المراد بكلمة شفاء من كل داء هو الأكثر الأغلب وهذا ما يؤيده عالم العربية عبد الغني الدقر الذي يرى أن العرب كثيراً ما تطلق بغرض الحث ولفت النظر إلى ما تطلق من كلامها.

و هذا ما يدعونا، نحن الأطباء المسلمون إلى البحث عن أوسع ما نتمكن من الوصول إليه من استطبابات في مجال العلاج والوقاية بالحبة السوداء سواء بمسحوقها أو زيتها أو خلاصاتها أو .... وتحديد المقدار العلاجي وذلك عملاً بعموم الدعوة النبوية الكريمة التي فتحت الباب واسعاً أمامنا، لندخل إليه ولنكتشف للبشرية جمعاء عقاقير جديدة علها تخفف من آلامها فيما استعصى أمام المعالجة من أمراض وعلل. والعودة إلى كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم يدل على التوكيد: " إن هذه الحبة السوداء ...... " فلنمعن النظر فيه ولنقارن بينه وبين حديث تأبير النخل الذي يحتج به بعض القائلين بأن الطب النبوي هو من أمور الدنيا فنص حديث تأبير النخل فيه من التأرجح الواضح والظن ما فيه ما لا يوجد مثله في أحاديث الحبة السوداء، خاصة وأن الشبهة هناك قائمة في فهم قول المولى سبحانه وتعالى: {و أرسلنا الرياح لواقح}.
مراجع البحث

1. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

2. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم) _ المجلد 7 كتاب الطب.

3. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري بشرح البخاري) _ كتاب الطب.

4. أوغومفيتس Ogomovites: عن كتابه (القاموس الموسوعة للنباتات الطبية الزيتية - الايترية) بالروسية، موسكو: 1951.

5. أجو دالحراكي: عن مقالة (عليكم بهذه الحبة السوداء) مجلة حضارة الإسلام _ مجلد 18 العدد 9 / 10 لعام 1977.

6. أوتوغسنر Otto Gessner: عن كتابه (النباتات الدوائية في أوربا الوسطى) بالألمانية _ لعام 1953.

7. داود الأنطاكي: عن كتابه (تذكرة أولي الألباب).

8. خالماتوف Khalmatov: عن كتاب (النباتات الدوائية البرية في أوزبكستان) بالروسية، طشقند: 1964.

9. عبد الرزاق السعيد: عن مقالة (الاستشفاء بالحبة السوداء) مجلة الدواء العربي، أيلول 1989.

10. الحافظ الذهبي: عن كتابه (الطب النبوي).

11. ظافر العطار وسعيد القربي: عن مقالة (العسل والحبة السوداء) مجلة حضارة الإسلام، المجلد 14، العدد 4 لعام 1973.

12. غوبانوف وكريلوفا: عن كتابهما (النباتات البرية النافعة في الاتحاد السوفياتي) بالروسية موسكو: 1976.

13. صحابيدنيوف: عن كتابه (النباتات الطبية البرية في آسيا الوسطى)، بالروسية ÷، طشقند: 1948.

14. غوربايف: عن كتابه (الزيوت الايترية لنباتات الاتحاد السوفياتي) ألماآته 1952 بالروسية.

15. فولف ومالييفا: عن كتابه (دليل المصادر العالمية للنباتات النافعة) بالروسية، موسكو: 1952.

16. أحمد القاضي وأسامة قنديل: عن مجلة الجمعية الفيدرالية الأمريكية للأبحاث البيولوجية Federation of American Societ for exp. Biology , V.46. N. 4 March - 1987].
أم سياف
أم سياف
إن أمثل ما تداويتم به الحجامة


روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفاء في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكية بنار وأنهي أمتي عن الكي "، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في العسل والحجم الشفاء ".

و روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي ".

و روى الترمذي وحسَّنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشيُّ ... "، وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أنه سُئل عن أجر الحجام، فقال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال: " إنّ أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري "

و في رواية أن جابر بن عبد الله عاد المقنع ثم قال: لا أبرح حتى يحتجم فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن فيه شفاء ".

و الحجم لغة: المصُّ،و سمي به فعل الحاجم لما فيه من المص للدم في موضع الشرط.

والحجامة: هي فعل الحاجم وحرفته والمحجم الآلة التي يحجم بها أي يمص بها الدم وهي أيضاً مشرط الحجام. فإذا استعمل المحجم للمص دون مِشرط سميت بالحجامة الجافة أوو كما يدعوها العوام (كؤوس الهواء) حيث تشعل ورقة أو قطنة داخل الكأس لتفريغ الهواء منه وتوضع مباشرة على الظهر لإحداث تبييغ للدم في موضعها وهذه ليست موضع بحثنا لأن ما ورد في السنة صراحة (شرط المحجم) وأثبتتها النصوص الكثيرة عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد أن العلاج النبوي يوافق ما يسمى بالحجامة الدامية أو المبزغة والتي تهدف استخراج كمية من الدم من الدورة الدموية وطرحها لغاية علاجية بحتة، وذلك بتشطيب الجلد أو قطع بعض الأوردة.

كما يمكن أن تتم ببزل الوريد بإبرة وهذا ما يدعوه بالفصادة وقد تتم أحياناً ببزل الشريان. وإذا طبق المحجم على المكان المبزغ بالمشرط فإنه يسرع خروج الدم ويعمل بذلك على منع تجمده على فوهة الجراح وتوقف سيلانه. وهكذا فإن كؤوس الهواء (كؤوس الحجامة) تمص الدم من المكان المبزغ حتى تمتلئ بالدم فيرفع الكأس ويوضع مكانه رباط ضاغط.

و الحجامة معروفة منذ العصور الغابرة، وجاء الإسلام فدعا إليها ورفع من مكانتها مؤكداً فائدتها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة ".

و كما روي عن عبد الله بن مسعود قال: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به، انه لم يمر على ملأ من الملائكة إلا وأمروه، أن مُر أمتك بالحجامة " .

و ذكر ابن القيم في منافع الحجامة أنها تتقّي سطح البدن أكثر من الفصد والفصد لأعماق البدن أفضل وهي أنفع للصبيان من الفصد وآمن من غائلة، ولمن لا يقوى على الفصد، وتنفع في الأمراض الحارة . سواء بالفصد أو الحجامة لأن في ذلك استفراغاً للمادة وتبريداً للمزاج.

عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثاً، واحدة على كاهله واثنتين على الأخدعين، وورد أنه صلى الله عليه وسلم احتجم في الأخدعين و

الكاهل. .

و ذكر ابن القيم أن الحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق، وعلى الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف.

و أصح ما ورد في السنة تداوي النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة من شقيقة أصابته .

فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم بلحي جمل من طريق مكة وسط رأسه . والحجامة مفيدة لتسكين الآلام المختلفة من صداع ووثي وغيرها.

عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثء كان به

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به .

قال الإمام النووي: في الحديث دلالة لجواز الحجامة للمحرم وقد أجمع العلماء على جوازها له في الرأس وغيره8 إذا كان له عذر وإن قطع الشعر حينئذ لكن عليه الفدية لقطع الشعر.

قال ابن القيم: ومن ضمن الأحاديث المتقدمة استحباب التداوي واستحباب الحجامة وأنها تكون في الموضع الذي يقتضيه الحال وجواز احتجام المحرم وإن آل إلى قطع الشعر فإن ذلك جائز وفي وجوب الفدية عليه نظر.

و جواز احتجام الصائم فقد ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم. وعيها دليل على استئجار الطبيب من غير عقد إجازة بل يعطيه أجرة المثل أو ما يرضيه، وفيه دليل على جواز التكسب بالحجامة.



و إن النظرة نحو الحجامة ونتائجها وآلية تأثيرها كانت متغيرة من زمن لآخر، فحتى القرن الثامن عشر كانت النظرة عنها أنها طرح لمواد سميّة من العضوية. وفي القرن التاسع عشر تغلبت النظرة الناقدة للحجامة معتبرين إياها طريقة تقوم على الدجل وأن الأساس الفيزيولوجي الذي تقوم عليه ضعيف.

إلا أن الاهتمام بها عاد في أوائل القرن العشرين حيث دُرس تأثيرها على نطاق واسع وأصبحت لها استطباباتها التي تقوم على أساس علمي وقد استحدث الأطباء الأدوات لتبسيطها.

فصار هناك مشارط متنوعة منها مشرط فيدال ذي ثلاث شفرات أو ذي ثماني شفرات مخفية تظهر عند الضغط على زر جانبي محدثة ثمانية شرطات بآن واحد لتسهيل العمل.

و محاجم مختلفة لمص الدم فوق مكان التشطيب. كما استعمل العلق الطبي للغرض ذاته: وهو نوع من الدود يعيش في المستنقعات، يلتقط ويوضع على الجلد فيتثبت عليه بمحاجمه ويمتص من الدم حتى يمتلئ ويسقط.

و يرى الدكتور ظافر العطار أن قلع سن من فم المريض لا حاجة له به كرحى ثالثة مثلاً وتركها تنزف لمدة هي بمثابة حجامة فموية يمكن أن يستفيد منها المريض المصاب بالشقيقة.

كما أن التبرع بالدم ما هي إلا حجامة متطورة ويمكن أن يحصل المريض على النتيجة نفسها والذي يمكن أن يكرر كل أربعة شهور كما تسمح بذلك أنظمة التبرع بالدم.

و قد أكد كل من كونيايف وساليشيف التأثير الواضح للحجامة أو الفصادة على العضوية. وأن الطرح المقصود لكمية كبيرة من الدم في زمن قصير تنقص كمية الدم الجائل ينخفض معها إلى حدٍّ ما الضغط الدموي الشرياني والشعري وخاصة الضغط الوريدي مما يملك تأثيرات إيجابية حالة وجود فرط توتر وريدي بسبب قصور البطين الأيمن. وإن عودة الدم الجائل إلى حجمه الطبيعي يتم بسرعة عقب الحجامة بسبب تميُّه الدم (مَوهَ الدم _ Hydremia) حيث يزيد نسبة الماء فيه أكثر من 15 % من الحدود الطبيعية، ومَوهَ الدم هذا مرتبط بآلية عصبية خليطة ناظمة لحجم الدم الجائل.

و من تأثيراتها أيضاً نقص لزوجة الدم وزيادة زمن تخثره وهذه تغيرات مرحلية تتعلق بخصوصيات المرض الأصلي _ فمثلاً عند المصابين باحمرار الدم فإن قابلية تخثر الدم تزدادا بعد الفصد _

و الحجامة والفصد مثيران قويان لارتكاسات العضوية الدفاعية _ كما يؤكد المؤلفان _ كما أن ما يستدعيانه من إعادة لتوزيع بعض العناصر في العضوية كالماء والشوارد والعناصر المكونة للدم تترافق مع زيادة نشاط ميكانيكية التنظيم العام والموضعي لدينامية الدم _ hymodynamics _ يؤهب لتراجع الاضطرابات الدموية وهذا يفسر في العديد من الحالات تحسن الحالة العمة للمريض وزوال الآلام في الرأس وخلف القص والمذل والانحراف في الاحساس، وهذا ما نراه مصداقاً للدعوة النبوية للاحتجام حين الإصابة بالشقيقة والصداع وغيرها من الآلام.

و يلخص المؤلفان الاستطبابات الحديثة للحجامة أو الفصد بما يلي:

1. قصور البطين الأيمن المترافق بارتفاع الضغط الوريدي.

2. القصور الحاد في البطين الأيسر مع وذمة الرئة (حالة غياب الصدمة والوهط الدوراني)

3. الارتعاج Eclampsia الحاصلة في التهاب الكلية Nephritis أو الحمل.

4. الانسمامات المزمنة التي طال فيها وجود السم في الدم .

5. فرط الكريات الحمر Polycetimia .

هذا ويعتبر مضاد استطباب الحجامة وجود هبوط مرضي في الضغط الشرياني أو نقص في حجم الدم وفقر الدم من أي منشأ كان والتصلب العصيدي الدماغي.

و هناك بعض الاختلاطات التي قد تنجم عن الحجامة غير المراقبة بسبب هبوط الضغط الشرياني أو نقص الخضاب أو عدد الكريات الحمر في الدم المحيطي. وفي هذه الحالات يصحح الخطأ بحقن المصورة المعاوضة أو نقل كمية من الدم. أما الاختلاطات الأخرى فيمكن أن تنجم عن خطأ تكتيكي نتيجة رض الوريد أو حصول ورم دموي لوجود شريان مجاور، عندئذ توقف العملية ويوضع رباط ضاغط. وقد يحصل غثيان Syncope عند إجراء الحجامة عند الضعفاء من المرضى حيث ينصح بانشاق المريض الغول النشادري.

و لا يسعنا بعد أن وضحنا ما توصل إليه الطب الحديث من أمر الحجامة إلا أن نتذكر قول الله سبحانه وتعالى حين وصف نبيه الكريم:

{إن هو إلا وحيٌ يوحى، علمه شديد القوى}.

مراجع البحث

1. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

2. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).

3. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري بشرح البخاري) _ كتاب الطب.

4. ظافر أحمد العطار: عن مقالته (الحجامة تشفي الشقيقة) مجلة طبيبك مارس: 1984، ونشرت في الفيصل العدد 78 لعام 1983.

5. الإمام النووي: عن كتابه (شرح صحيح مسلم).

6. كونيايف وساليشيف: عن مقالة (الحجامة في الموسوعة الطبية الكبرى) الروسية الطبعة 3 المجلد 12 لعام 1980.

7. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحدث)