الكَباث - الأراك
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرِّ الظهران نجني الكباث وهو ثمر الأراك ويقول: " عليكم بالأسود منه فإنه أطيب " فقلت: أكنت ترعى الغنم؟ قال: وهل من نبي إلا ورعاها؟ .
قال ابن القيم: الكباث _ بفتح الكاف _ ثمر الأراك وهو بأرض الحجاز. يقوي المعدة ويجيد الهضم ويجلو البلغم وينفع من أوجاع الظهر وكثير من الأدواء، وقال ابن جلجل: إذا شرب طبيخه أدرّ البول ونقى المثانة. وقال البغدادي: الكباث هو النضيج من ثمر الأراك حارٌ يابس يقوي المعدة ومنافعه كمنافع الأراك، الذي قال عنه أبو حنيفة الدينوري: هو أفضل ماستيك به لأنه يفصح الكلام ويطلق اللسان ويطيب النكهة ويشهي الطعام وينقّي الدماغ. والأراك نبات شجري صحراوي دائم الخضرة يزرع للزينة ولاستعمالاته الطبية خاصة وأن فروع أغصانه تستعمل للاستياك _ المسواك _. وهو من الفصيلة الأراكية Salvacloraceae وثمره الناضج _ الكباث _ لذيذ الطعم، يأكله الناس وترعاه الأغنام، ,هو مرٌّ ما دام أخضر لكنه يحلو متى نضج واسودَّ. وهو قاطع للبلغم والرطوبات اللزجة، طارد للغازات، مشه ومقبل يفيد المصابين بآفات الصدر، ممدر للبول، مضاد للرثية _ الروماتيزم _ يشرب مغلي أوراقه كمسهل جيد ولمعالجة البواسير ووقف نزف الدم.
و يمتاز السواك كيماوياً بوجود ألياف السللوز وبعض الزيوت الطيارة وفيه راتنج عطري وز قلورين وحمض العفص وغيره من الأملاح المعدنية من كلس وسيليس وحماضات، فالسواك فرشاة طبيعية زودت بمسحوق مطهر وتبين الدراسات الحديثة أن الطبقة من الأسنان والمسماة Dental Black والتي لا تصلها شعيرات الفرشاة فإن ألياف السواك تصل إلى هذه الطبقة وتزيل رائحة الفم. كما أن السواك يفيد في أوجاع الأسنان وأمراض اللثة وداء الحفر
هذا وسنفصل حول معجزة الأمر النبوي بالاستياك وتوافقها مع الطب الحديث في الجزء التالي من بحوثنا في الطب الإسلامي.
مراجع البحث
1. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).
2. موفق الدين البغدادي: عن كتابه (الطب من الكتاب والسنة).
3. مصطفى طلاس: عن كتابه (المعجم الطبي النباتي) دمشق: 1988.
4. أبو الخير الاشبيلي: عن كتابه (عمدة الطبيب في معرفة النبات) الرباط

أم سياف
•

أم سياف
•
الكتم
عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضي الله عنها فأخرجت لنا شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم، .
و عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم " ،
و عن أنس رضي الله عنه: أن أبا بكر اختضب بالحناء والكتم، .
و قال ابن القيم: لقد ثبت في الصحيح عن أنس قال: لم يختضب النبي صلى الله عليه وسلم فقد أجاب الإمام أحمد بن حنبل فقال: قد شهد به غير أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خضب وليس من شهد بمنزلة من لم يشهد. فإن قيل: قد ثبت في صحيح مسلم النهي عن الخضاب بالسواد في شأن أبي قحافة لما أتى به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً فقال: غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد، والكتم يسود الشعر. فالجواب من وجهين: أحدهما أن النهي عن التسويد البحت فأما إذا أضيف إلى الحناء شيء آخر كالكتم ونحوه فلا بأس به فإن الحناء والكتم يجعل الشيب بين الأحمر والأسود وهذا أصح الجوابين، والثاني أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب التدليس كخضاب المرأة الكبيرة تغرُّ الزوج، وخضاب الشيخ يغر المرأة بذلك فإنه من الغش والخداع، فأما إذا لم يضمن تدليساً وخداعاً، فقد صح عن الحسن والحسين أنهما كانا يخضبان بالسواد، كما نقل ذلك أيضاً عن عدد من الصحابة منهم عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص وغيرهم.
و يرى النووي حرمة الخضاب بالسواد.
و قال الغافقي : الكتم نبات ينبت بالسهول، ورقه قريب من وزرق الزيتون، يعلو فوق الهامة وله ثمر قدر حب الفلفل، في داخله نوى: إذا رضخ اسود، وإذا استخرجت عصارة ورقه وشرب منها قدر أوقية: قيأ قيئاً شديداً، وإذا طبخ بالماء كان منه مداد يكتب به.
و قال الكندي: بزر الكتم إذا اكتحل به: حلل الماء النازل من العين وأبرأها.
و قال أبو القاسم الغساني : إن الكتم Buxus dioica من فصيلة البقسيات Buxaccae من جنس الشجر العظام، نبات جبلي يكثر في اليمن، دائم الخضرة، منه ما يشبه ورق الزيتون، له ثمر كالفلفل، إذا نضج اسود ويعصر منه زيت يستضاء به، ومنه شكل آخر لا ثمر ينعقد له.
و الكتم نافع من القلاع ومن قروح الفم إذا مضغت أوراقه. وهو صابغ إذا مزج مع الأدوية المخصوصة بذلك ويصنع من لحاء أصوله مداد بخبث الحديد.
عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضي الله عنها فأخرجت لنا شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مخضوب بالحناء والكتم، .
و عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم " ،
و عن أنس رضي الله عنه: أن أبا بكر اختضب بالحناء والكتم، .
و قال ابن القيم: لقد ثبت في الصحيح عن أنس قال: لم يختضب النبي صلى الله عليه وسلم فقد أجاب الإمام أحمد بن حنبل فقال: قد شهد به غير أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خضب وليس من شهد بمنزلة من لم يشهد. فإن قيل: قد ثبت في صحيح مسلم النهي عن الخضاب بالسواد في شأن أبي قحافة لما أتى به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً فقال: غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد، والكتم يسود الشعر. فالجواب من وجهين: أحدهما أن النهي عن التسويد البحت فأما إذا أضيف إلى الحناء شيء آخر كالكتم ونحوه فلا بأس به فإن الحناء والكتم يجعل الشيب بين الأحمر والأسود وهذا أصح الجوابين، والثاني أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب التدليس كخضاب المرأة الكبيرة تغرُّ الزوج، وخضاب الشيخ يغر المرأة بذلك فإنه من الغش والخداع، فأما إذا لم يضمن تدليساً وخداعاً، فقد صح عن الحسن والحسين أنهما كانا يخضبان بالسواد، كما نقل ذلك أيضاً عن عدد من الصحابة منهم عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقاص وغيرهم.
و يرى النووي حرمة الخضاب بالسواد.
و قال الغافقي : الكتم نبات ينبت بالسهول، ورقه قريب من وزرق الزيتون، يعلو فوق الهامة وله ثمر قدر حب الفلفل، في داخله نوى: إذا رضخ اسود، وإذا استخرجت عصارة ورقه وشرب منها قدر أوقية: قيأ قيئاً شديداً، وإذا طبخ بالماء كان منه مداد يكتب به.
و قال الكندي: بزر الكتم إذا اكتحل به: حلل الماء النازل من العين وأبرأها.
و قال أبو القاسم الغساني : إن الكتم Buxus dioica من فصيلة البقسيات Buxaccae من جنس الشجر العظام، نبات جبلي يكثر في اليمن، دائم الخضرة، منه ما يشبه ورق الزيتون، له ثمر كالفلفل، إذا نضج اسود ويعصر منه زيت يستضاء به، ومنه شكل آخر لا ثمر ينعقد له.
و الكتم نافع من القلاع ومن قروح الفم إذا مضغت أوراقه. وهو صابغ إذا مزج مع الأدوية المخصوصة بذلك ويصنع من لحاء أصوله مداد بخبث الحديد.

أم سياف
•
ماء الكمأة شفاءٌ للعين
روى البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين ". والكمأة جمع كمء، وقيل الكمأة تطلق على الواحد وعلى الجمع، كما جمعوها على أكمؤ. وسميت بذلك لاستتارها، يقال: كمأ الشهادة إذا كتمها.
و روى الترمذي عن أبي هريرة أنَّ ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السمّ " وهو حديث حسن.
و قد أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح أنّ أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمساً أو سبعاً فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت بها جارية لي فبرئت.
قال ابن حجر: قوله " من المنّ " على ثلاثة أقوال: أحدها أن المراد أنها من المنّ الذي أنزل على بني إسرائيل، ,شبه به الكمأة بجامع ما بينها من وجود كل منهما بغير علاج، والثاني أنها من المنّ الذي أمتن الله به على عباده من غير تعب. ويؤكد الخطابي هذا المعنى أي لأنها شيء تنبت من غير تكلف ببذر أو سقي، ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعاً منها ما يسقط على الشجر ومنها ما ينبت في الأرض فتكون الكمأة منه وهذا هو القول الثالث وبه جزم الموفق البغدادي.
قال ابن الجوزي: والمراد بكون مائها شفاء للعين قولان أصحّهما أنه ماؤها حقيقة. إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفاً في العين بل يخلط في الأدوية التي يكتحل بها، أو أنها تؤخذ فتشقُّ وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ الميل فيُجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها.
و بعد أن يورد ابن حجر قول ابن الجوزي يردُّ عليه فيقول: وفيما ادّعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفاً نظر. فقد حكى عيّاض تفصيلاً وهو إن كان لتبريد العين كم حرارة بها فتستعمل مفردة وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة وبهذا جزم ابن العربي.
و قال الغافقي: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به فإنه يقوّي الجفن ويزيد الروح الباصر حدّة ويدفع عنها النوازل. وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: إنّ ماءها شفاءٌ للعين مطلقاً فيعصر ماؤها فيجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عَمِيَ وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردة فشفي وعاد إليه بصره. قال ابن حجر تعليقاً على قول النووي: وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث النبوي والعمل بما جاء فيه.
و ذكر الزرقاني أن المتوكل أمير المؤمنين رمد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمدا فطلب من أحمد بن حنبل إن كان يعرف حديثاً في ذلك فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين " فأرسل المتوكل إلى طبيبه يوحنا بن ماسويه وطلب منه أن يستخرج له ماء الكمأة فأخذ الكمأة فقشرها ثم سلقها فأنضجت أدنى النضج ثم شقها وأخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدفعة الثانية فعجب ابن ماسويه وقال: أشهد أنّ صاحبكم كان حكيماً، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
و الكمأة نبات فطري وتشبه البطاطا مع اختلاف في اللون إذ تميل إلى اللون البني الغامق، , هي لا ورق لها ولا جذع، تنمو في الصحارى وتحت أشجار البلّوط وليس في تركيبها مادة اليخضور Chlorophyl وتكثر في السنوات الماطرة وخاصة إذا كان المطر غزيراً أول الشتاء فتنمو في باطن الأرض وعلى عمق 15 - 20 سم وحجمها يختلف ما بين الحمصة وحتى البرتقالة ولها رائحة عطرية. وهي غنية بالبروتين إذ تبلغ نسبته فيها 9 % وعلى النشويات والسكريات بنسبة 13 % وعلى كمية قليلة من الدسم تبلغ 1 % كما يتضمن بروتينها بعض الحموض الأمينية الضرورية لنمو الخلايا.
وتحتوي الكمأة على الفوسفور والبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم. كما أنها غنية
بالفيتامين " ب1 " أو الريبوفلافين الذي يفيد في هشاشة الأظافر وسرعة تقصفها وتشقق الشفتين واضطراب الرؤية. وتعتبر الكمأة وغيرها من الفطور مواد رئيسية في موائد الغرب يصنعون منها الحساء ويزينون بها موائدهم، والكمأة مع ذلك تفوق جميع أنواع الفطور الأخرى في قيمتها الغذائية وذات خواصّ مقوية.
و لعل الأمطار المبكرة في شهري تشرين أول والثاني مصحوبة مع الرعد ثم أمطار آذار الربيعية الرعدية ضرورية لتأمين موسم جيد للكمأة على أن يرافق هذه الأمطار ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في طبقات الجو العليا ينجم عنها تمدد في الغيوم يؤدي إلى احتكاك شديد ينتج عن البرق والرعد وأمطار عاصفية. والرعد الذي هو شرارات كهربائية عنيفة ترفع درجة الحرارة حولها إلى ما يقرب من 3000 درجة مما يتحول الآزوت الحر إلى حمض الآزوت، يتحول في التربة التي يصلها مع الأمطار إلى نترات تستفيد منه الكمأة لأنها تحتاج إلى نوعية خاصة من الأسمدة الآزوتية.
و لعل هذه النترات الضرورية لنمو الكمأة هي هبة السماء إلى الأرض. ولقد حاول الأوربيون زرع الكمأة فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً. ونظراً لأنها تكثر مع الرعد فقد كانت العرب تسمّيها ببنات رعد وهي كثيرة بأرض العرب وخاصة في مصر وبلاد الشام.
الكمأة لمعالجة الحثر أو الرمد الحبيبي Trachoma:
و في المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي ألقى الدكتور المعتز بالله المرزوقي محاضرة عن نتائج معالجته لآفات عينية مختلفة بتقطير ماء الكمأة في العين. ولقد تم استخلاص العصارة المائية منها في مختبر فيلانوف بأوديسا، ثم تمَّ تجفيف السائل حتى يتمكن من الاحتفاظ به لفترة طويلة، وعند الاستعمال تمَّ حَلُّ المسحوق في ماءٍ مقطر لنصل إلى نفس تركيز ماء الكمأة الطبيعي وهو ماء بني اللون له رائحة نفاذة.
و لقد أضيف ماء الكمأة إلى مستعمرات جرثومية فلم يكن له أي تأثير. كما جُرِّب معالجة حالات من السدّ Cataract لفترة طويلة فلم تحدث أية استجابة. إلا أنّ النتائج الجيدة سجلت في معالجة الحالات متطورة من الحثر _ التراخوما _ حيث تم تشخيصها عند 86 طفلاً تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة عولجت بالأدوية المعتادة _ قطرات ومراهم مضادة للحيوية أو كورتيزينية _ ومجموعة ثانية أضيف ماء الكمأة إلى تلك العلاجات حيث تم تقطير ماء الكمأة في العين المصابة 3 مرات يومياً ولمدة شهر كامل، وكان الفرق واضحاً جداً بين المجموعتين وذلك بالنسبة لسير الآفة ونتائج المعالجة.
ففي معظم الحالات المعالجة بقطرات ومراهم المضادات الحيوية والكورتيزونية فإن الشفاء يحصل ولكنه يترافق غالباً مع تليف في ملتحمة الجفون، الأمر الذي يندر حصوله عند المعالجة المعالجة بماء الكمأة حيث عادت الملتحمة عندهم إلى وضعها السويّ وعادت فيها التروية الدموية إلى طبيعتها. وهذا تطور كبير في معالجة هذا المرض العنيد. فتقطير ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في ملتحمة الجفن المصاب بالتراخوما، وذلك بالتدخل إلى حدٍّ كبير في تكوين الخلايا المكونة للألياف. وقد يكون ذلك نتيجة لمعادلة التأثير الكيماوي للسموم الفيروسية المسببة للآفة والتقليل من زيادة التجمع الخلوي. في نفس الوقت يؤدي إلى منع النمو غير الطبيعي للخلايا الباطنة للملتحمة حيث يزيد من تغذيتها عن طريق توسيع الشعيرات الدموية فيها. ولما كانت معظم مضاعفات الحثر Trachoma نتيجة التليف فإن ماء الكمأة يمنع بدون شك حدوث هذه المضاعفات.
و إن هذه الحقائق العلمية الواضحة تبين لنا إعجاز الطب النبوي الذي ألهمه الله سبحانه وتعالى نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم قبل ظهورها بأربعة عشر قرناً.
مراجع البحث
1. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).
2. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).
3. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).
4. الإمام النووي: عن كتابه (شرح صحيح مسلم).
5. تيسير أمارة الدعبول وظافر العطار: عن مقالتهما (العسل والكمأة وأمراض العيون) مجلة طبيبك، أيلول: 1978.
6. المعتز بالله المرزوقي: عن محاضرة له بعنوان (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) من مواد المؤتمر العالمي الأول عن الطب افسلامي، الكويت: 1981.
7. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحدث).
8. عبد الله المصري: عن مقالة (هل يمكن زراعة الكمأة في سوريا) مجلة الإرشاد الزراعي - مدشق، العدد 56 لعام 1964.
روى البخاري ومسلم عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين ". والكمأة جمع كمء، وقيل الكمأة تطلق على الواحد وعلى الجمع، كما جمعوها على أكمؤ. وسميت بذلك لاستتارها، يقال: كمأ الشهادة إذا كتمها.
و روى الترمذي عن أبي هريرة أنَّ ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السمّ " وهو حديث حسن.
و قد أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح أنّ أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمساً أو سبعاً فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت بها جارية لي فبرئت.
قال ابن حجر: قوله " من المنّ " على ثلاثة أقوال: أحدها أن المراد أنها من المنّ الذي أنزل على بني إسرائيل، ,شبه به الكمأة بجامع ما بينها من وجود كل منهما بغير علاج، والثاني أنها من المنّ الذي أمتن الله به على عباده من غير تعب. ويؤكد الخطابي هذا المعنى أي لأنها شيء تنبت من غير تكلف ببذر أو سقي، ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون الذي أنزل على بني إسرائيل كان أنواعاً منها ما يسقط على الشجر ومنها ما ينبت في الأرض فتكون الكمأة منه وهذا هو القول الثالث وبه جزم الموفق البغدادي.
قال ابن الجوزي: والمراد بكون مائها شفاء للعين قولان أصحّهما أنه ماؤها حقيقة. إلا أن أصحاب هذا القول اتفقوا على أنه لا يستعمل صرفاً في العين بل يخلط في الأدوية التي يكتحل بها، أو أنها تؤخذ فتشقُّ وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها ثم يؤخذ الميل فيُجعل في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل بمائها.
و بعد أن يورد ابن حجر قول ابن الجوزي يردُّ عليه فيقول: وفيما ادّعاه ابن الجوزي من الاتفاق على أنها لا تستعمل صرفاً نظر. فقد حكى عيّاض تفصيلاً وهو إن كان لتبريد العين كم حرارة بها فتستعمل مفردة وإن كان لغير ذلك فتستعمل مركبة وبهذا جزم ابن العربي.
و قال الغافقي: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد واكتحل به فإنه يقوّي الجفن ويزيد الروح الباصر حدّة ويدفع عنها النوازل. وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: إنّ ماءها شفاءٌ للعين مطلقاً فيعصر ماؤها فيجعل في العين منه، وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان عَمِيَ وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردة فشفي وعاد إليه بصره. قال ابن حجر تعليقاً على قول النووي: وينبغي تقييد ذلك بمن عرف من نفسه قوة اعتقاد في صحة الحديث النبوي والعمل بما جاء فيه.
و ذكر الزرقاني أن المتوكل أمير المؤمنين رمد، ولم يزدد باستعمال الأدوية إلا رمدا فطلب من أحمد بن حنبل إن كان يعرف حديثاً في ذلك فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكمأة من المنّ وماؤها شفاءٌ للعين " فأرسل المتوكل إلى طبيبه يوحنا بن ماسويه وطلب منه أن يستخرج له ماء الكمأة فأخذ الكمأة فقشرها ثم سلقها فأنضجت أدنى النضج ثم شقها وأخرج ماءها بالميل فكحل به عين المتوكل فبرأت في الدفعة الثانية فعجب ابن ماسويه وقال: أشهد أنّ صاحبكم كان حكيماً، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
و الكمأة نبات فطري وتشبه البطاطا مع اختلاف في اللون إذ تميل إلى اللون البني الغامق، , هي لا ورق لها ولا جذع، تنمو في الصحارى وتحت أشجار البلّوط وليس في تركيبها مادة اليخضور Chlorophyl وتكثر في السنوات الماطرة وخاصة إذا كان المطر غزيراً أول الشتاء فتنمو في باطن الأرض وعلى عمق 15 - 20 سم وحجمها يختلف ما بين الحمصة وحتى البرتقالة ولها رائحة عطرية. وهي غنية بالبروتين إذ تبلغ نسبته فيها 9 % وعلى النشويات والسكريات بنسبة 13 % وعلى كمية قليلة من الدسم تبلغ 1 % كما يتضمن بروتينها بعض الحموض الأمينية الضرورية لنمو الخلايا.
وتحتوي الكمأة على الفوسفور والبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم. كما أنها غنية
بالفيتامين " ب1 " أو الريبوفلافين الذي يفيد في هشاشة الأظافر وسرعة تقصفها وتشقق الشفتين واضطراب الرؤية. وتعتبر الكمأة وغيرها من الفطور مواد رئيسية في موائد الغرب يصنعون منها الحساء ويزينون بها موائدهم، والكمأة مع ذلك تفوق جميع أنواع الفطور الأخرى في قيمتها الغذائية وذات خواصّ مقوية.
و لعل الأمطار المبكرة في شهري تشرين أول والثاني مصحوبة مع الرعد ثم أمطار آذار الربيعية الرعدية ضرورية لتأمين موسم جيد للكمأة على أن يرافق هذه الأمطار ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في طبقات الجو العليا ينجم عنها تمدد في الغيوم يؤدي إلى احتكاك شديد ينتج عن البرق والرعد وأمطار عاصفية. والرعد الذي هو شرارات كهربائية عنيفة ترفع درجة الحرارة حولها إلى ما يقرب من 3000 درجة مما يتحول الآزوت الحر إلى حمض الآزوت، يتحول في التربة التي يصلها مع الأمطار إلى نترات تستفيد منه الكمأة لأنها تحتاج إلى نوعية خاصة من الأسمدة الآزوتية.
و لعل هذه النترات الضرورية لنمو الكمأة هي هبة السماء إلى الأرض. ولقد حاول الأوربيون زرع الكمأة فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً. ونظراً لأنها تكثر مع الرعد فقد كانت العرب تسمّيها ببنات رعد وهي كثيرة بأرض العرب وخاصة في مصر وبلاد الشام.
الكمأة لمعالجة الحثر أو الرمد الحبيبي Trachoma:
و في المؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي ألقى الدكتور المعتز بالله المرزوقي محاضرة عن نتائج معالجته لآفات عينية مختلفة بتقطير ماء الكمأة في العين. ولقد تم استخلاص العصارة المائية منها في مختبر فيلانوف بأوديسا، ثم تمَّ تجفيف السائل حتى يتمكن من الاحتفاظ به لفترة طويلة، وعند الاستعمال تمَّ حَلُّ المسحوق في ماءٍ مقطر لنصل إلى نفس تركيز ماء الكمأة الطبيعي وهو ماء بني اللون له رائحة نفاذة.
و لقد أضيف ماء الكمأة إلى مستعمرات جرثومية فلم يكن له أي تأثير. كما جُرِّب معالجة حالات من السدّ Cataract لفترة طويلة فلم تحدث أية استجابة. إلا أنّ النتائج الجيدة سجلت في معالجة الحالات متطورة من الحثر _ التراخوما _ حيث تم تشخيصها عند 86 طفلاً تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة عولجت بالأدوية المعتادة _ قطرات ومراهم مضادة للحيوية أو كورتيزينية _ ومجموعة ثانية أضيف ماء الكمأة إلى تلك العلاجات حيث تم تقطير ماء الكمأة في العين المصابة 3 مرات يومياً ولمدة شهر كامل، وكان الفرق واضحاً جداً بين المجموعتين وذلك بالنسبة لسير الآفة ونتائج المعالجة.
ففي معظم الحالات المعالجة بقطرات ومراهم المضادات الحيوية والكورتيزونية فإن الشفاء يحصل ولكنه يترافق غالباً مع تليف في ملتحمة الجفون، الأمر الذي يندر حصوله عند المعالجة المعالجة بماء الكمأة حيث عادت الملتحمة عندهم إلى وضعها السويّ وعادت فيها التروية الدموية إلى طبيعتها. وهذا تطور كبير في معالجة هذا المرض العنيد. فتقطير ماء الكمأة يمنع حدوث التليف في ملتحمة الجفن المصاب بالتراخوما، وذلك بالتدخل إلى حدٍّ كبير في تكوين الخلايا المكونة للألياف. وقد يكون ذلك نتيجة لمعادلة التأثير الكيماوي للسموم الفيروسية المسببة للآفة والتقليل من زيادة التجمع الخلوي. في نفس الوقت يؤدي إلى منع النمو غير الطبيعي للخلايا الباطنة للملتحمة حيث يزيد من تغذيتها عن طريق توسيع الشعيرات الدموية فيها. ولما كانت معظم مضاعفات الحثر Trachoma نتيجة التليف فإن ماء الكمأة يمنع بدون شك حدوث هذه المضاعفات.
و إن هذه الحقائق العلمية الواضحة تبين لنا إعجاز الطب النبوي الذي ألهمه الله سبحانه وتعالى نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم قبل ظهورها بأربعة عشر قرناً.
مراجع البحث
1. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).
2. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).
3. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).
4. الإمام النووي: عن كتابه (شرح صحيح مسلم).
5. تيسير أمارة الدعبول وظافر العطار: عن مقالتهما (العسل والكمأة وأمراض العيون) مجلة طبيبك، أيلول: 1978.
6. المعتز بالله المرزوقي: عن محاضرة له بعنوان (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) من مواد المؤتمر العالمي الأول عن الطب افسلامي، الكويت: 1981.
7. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحدث).
8. عبد الله المصري: عن مقالة (هل يمكن زراعة الكمأة في سوريا) مجلة الإرشاد الزراعي - مدشق، العدد 56 لعام 1964.

أم سياف
•
وأنهى أمتي عن الكيّ
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية نار وأنهى أمتي عن الكي " .
و عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن كان في شيء من أدويتكم من خير ففي شراطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء. وما أحب أن أكتوي " .
عن عقبة بن عامر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي وكان يكره شرب الحميم، يعني الماء الحار، .
عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي، قال: فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا، . وفي رواية: نهينا عن الكي، . وروى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل " . وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب " قال: من هم يا رسول الله؟ قال: " هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون " .
و عن جابر بن عبد الله قال: رمى سعد بن معاذ في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية، . وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي ابن كعب فقطع منه عرقاً ثم كواه، . وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة . وعن أنس رضي الله عنه قال: كويت من ذات الجنب ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ، , شهدني وأبو طلحة وأنس بن النضير وزيد بن ثابت وأبو طلحة كواني، . عن ابن الزبير المكي قال: رأيت عبد الله بن عم وقد اكتوى في وجهه من اللقوة، . وعن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة اكتوى وكوى أناساً من اللقوة .
و في تعليقه على حديث " الشفاء في ثلاثة " يقول ابن حجر: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها، إنما نبه بها على أصول العلاج.... ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقاً ولا يستعمل مطلقاً، بل يستعمل عند تعيينه طريقاً للشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى.
و قال الشيخ محمد أبو جمرة: عُلم من مجموع كلامه صلى الله عليه وسلم في الكي أن فيه نفعاً وأن فيه مضرّة، فلما نهى عنه عُلم أن جانب المضرّة فيه أغلب.
قال ابن حجر: في قوله " توافق الداء " فيه إشارة إلى أن الكي يشرع عندما يتعين طريقاً إلى إزالة الداء وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق، وكأنه أراد إلى أن الكي جائز عندما يتعين للحاجة وأن الأولى تركه إذا لم يتعين.
و قال ابن قتيبة: الكي نوعان: كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه " لم يتوكل من اكتوى " لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والقدر لا يُدفع. والثاني كي الجرح إذا نغل أي فسد والعضو إذا قطع، ففي هذا الشفاء وهو الذي يشرع التداوي به. وأما إذا كان الكي لأمر محتمل يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب.
وقال المازري: وقوله صلى الله عليه وسلم " وأنهى أمتي عن الكي، وما أحب أن أكتوي " إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه ولا يوجد الشفاء إلا به، لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي.
و يفهم من حديث " من اكتوى فقد برئ من التوكل " وحديث " سبعون ألفاً من أمتي ... " أن الاكتواء من دون استطباب يعد تعلقاً بالأوهام وهذا مناف للتوكل. وقال النسيمي: لدى مطالعتي لهذا الحديث قلت في نفسي إن رسولنا الكريم لم يقل: هم الذين لا يتداوون وعلى ربهم يتوكلون، وإنما قال: " هم الذين لا يكتوون " وقال: " نعم يا عباد الله تداووا " وبما أن الأخذ بالأسباب لا يتنافى في الإسلام مع مفهوم التوكل، وبما أن الأعراب تجاوزوا في استعمالهم الكي حدود الطب والعلم فقد تبادر إلى ذهني أن الأخذ بالأسباب الوهمية كما تفعل العامة هو الذي يتنافى مع التوكل.
و في بحثه المستفيض عن التوكل يقوا الإمام الغزالي: اعلم أن الأسباب المزيلة للمرض تنقسم إلى: مقطوع به ومظنون وموهوم، والموهوم الكي، أما المقطوع به فليس من التوكل تركه، بل تركه حرام عند خوف الموت، وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين. والكي الذي جعله الغزالي مثالاً للأسباب الموهمة هو الكي المغالى به والذي يطبق دون استطباب جازم وهو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا الكي المنفذ بناء على وصفة طبيب حاذق واستطباب علمي.
لمحة تاريخية:
تحرق الكاويات الأنسجة حيث تفقد ماءها وتفكك الخلايا المركبة لها مما يؤدي إلى تلفها. وقد كان الأقدمون والمتطببون الشعبيون يجرونها بقضبان حديدية منتهية بأشكال مختلفة تحمع على النار وتكوى بها النواحي المختلفة. ولقد غالى العرب قبل الإسلام من استعمال الكي للعلاج ولا سيما في البوادي حيث تندر الأطباء، وما يزال العمة في بلادنا يتوسعون في تطبيقه متجاوزين حدود المعقولية، كما أنه للأسف يجري بأيدٍ غير خبيرة أو على أيدي متطببين جهلاء مما زاد في اختلاطاته وعقابيله الوخيمة.
و لعل أسوأ الطرق التي يستعملونها هي حرق قطع قماشية ملوثة قابلة للاشتعال، تلف على شكل فتيلة بحجم وقدر وسعة الحرق المراد، ثم يشعل طرف الفتيلة حتى تكون جمرة، ثم تطبق على الموضع المحدد مكان الألم من الجلد، ويسمونها بالعُطبة. وبعد تطبيقها تكبس على الجلد ويصبح مكان الحرق قشرة سوداء،و يعتقدون أنه كلما طالت فترة تقيح العطبة اعتبرت الفائدة المرجوة أكبر، ولذا فكثيراً ما يعمدون إلى تلويثها بشكل خطر.
و ما زلنا نرى ممن قد اكنوى فلم يشف ولم يخف ألمه بل ضَمَّ إليه ألماً جديداً وشوّه بالكي جماله الخلقي، وإن منهم من أصيب بالكزاز نتيجة التلوث المحدث بآلة أو قماش الكي _ العطبة _ وقد تهدد الحياة وخاصة عند تطبيقها عند الولدان المصابون بترفع حروري أو عندما تطبق عند مصاب بألم صدري قد يكون احتشاءً، أو بألم بطني حاد قد يكون التهاب زائدة دودية حاد أو غير ذلك.
إن ما يجري من استعمال الناس للكي بالنار أو بالعطب في معظمه مخالف لمبادئ الطب والمراد النبوي _ ومن ذلك كله _ واجب علينا بيان هذه الأضرار لمكافحة هذه العادة، موضحين نصيحة النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم " وأنهى أمتي عن الكي ".
الموقف الإسلامي:
و جاء الإسلام وكان من مهام حكومته نشر مناهج الطب الوقائي ومكافحة الشعوذة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته أن يعذبوا أنفسهم بأوهام لا تنفع أو بمعالجة أكبر ضررها من نفعها فنهاهم عن الكي ووضح لهم أن استعماله مشروط بوجود استطباب له. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اعترف بفوائد الكي " الشفاء في ثلاث " لكنه نبه إلى أن استعماله يجب أن يكون موافقاً للداء " ولذعة بنار توافق الداء "، أي لابد من تشخيص طبيب حاذق يشخص الداء ويحدّ> الطريقة التي يطبق بها هذا الكي. وهكذا فإن النهي الوارد عن الكي " وأنهى أمتي عن الكي " وكراهيته عليه الصلاة والسلام " وما أحب أن اكتوي " ليس على عمومه وإطلاقه، إذ ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه سمح بالكي لبعض أصحابه، فالنهي منصب على المغالاة في الكي ودون وجود استطباب.
و يمكن تلخيص استطبابات الكي الواردة في الأحاديث النبوية التي سقناها في مطلع بحثنا بأمور ثلاثة:
1. لقطع النزف: كما ورد في حديث " ورمى سعد بن معاذ في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص " وحديث " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه " وقال الخطابي: إنما كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعداً ليرقأ الدم عن جرحه وخاف عليه أن ينزف فيهلك. وأما الكي في موضع الفصادة إنما هو لإيقاف النزيف بعد سيلان مقدار كافٍ من الدم. وإن استعمال الكي لقطع النزيف ما يزال يطبق على نطاق واسع في الطب الحديث وخاصة بعد تطور أداة الكي حيث تستعمل اليوم المكواة الكهربائية وخاصة أثناء العمليات الجراحية، وهذا لا شك من الإعجاز النبوي الكريم.
2. معالجة الألم الجنبي بالكي: كما ورد في حديث أنس: كويت من ذات الجنب ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ، وهي رواية تفيد الإذن بالأمر. ولا ندري مفهوم ذات الجنب في ذلك العصر إذ يغلب حسب مفهومنا الحديث أن يكون الألم الجنبي عند ذلك الصحابي مجرد ألم عصبي وربي. وإن الطب الحديث كان حتى أواسط القرن العشرين يلجأ إلى الكي النقطي في تسكين هذا الألم. كما برهن العلماء الصينيون عن فائدة الوخز بالإبر المسخنة في تسكين الآلام.
3. معالجة اللقوة بالكي: وما ورد فيها من أحاديث: " رأيت عبد الله بن عمر وقد اكتوى وجهه من اللقوة "، " أن أبا طلحة اكتوى وكوى أناساً من اللقوة " فهي أحاديث موقوفة على فعل صحابيين جليلين وليست مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واللقوة هي شلل العصب الوجهي، ويغلب أن البرد هو السبب في إحداثها. والمعالجات الحديثة مبنية على أساس أن سبب اللقوة هو تشنج الأوعية المغذية للعصب، لذا فهم يعطون الأدوية الموسعة للأوعية، وما الأدوية المحمرة سوى ضرباً من ضروب الأدوية الموسعة للأوعية.
و قد علل الدكتور سلمان قطاية فائدة الكي في معالجة اللقوة فقال: هذا ويشير ابن سينا إلى ضرورة كي العرق خلف الأذن، تلك المنطقة التي يخرج منها العصب الوجهي من الثقب الإبري الخشابي، وربما كان للكي تأثير موسع للأوعية عن طريق المنعكسات. ومن يستغرب ذلك بعد أن برهن الصينيون على فائدة الوخز بالإبر المسخنة.
و في كتابه (التصريف عن عجز التأليف) يشير الزهراوي في معالجة اللقوة إلى إجراء الكي في ثلاث فقط توافق غصون شعب العصب الوجهي المعصبة لعضلات القحف والعضلة المدارية الجفنية ولعضلات الشفتين.
تطور الكي وأدواته في الطب الحديث:
لقد تطورت أدوات الكي تطوراً كبيراً في العصر الحديث حيث استخدمت المكواة الحرورية Themocautere ثم المكواة الكهربائية وهي أدوات سهلة الاستخدام ويمكن التحكم بها بشكل جيد، كما تم استخدام البرودة الشديدة في الكي لأثرها المتلف للخلايا كالكي بالثلج الفحمي الذي تنقص درجة حرارته عن - 80 درجة مئوية. كما أن هناك كاويات كيميائية كحمض الخل ثلاثي الكلور وحمض الآزوت وحمض الكروم وقلم نترات الفضة وغيرها.
و مع تطور الطب وتطور أدوات الكي أصبح له استطبابات كثيرة نوجزها بما يلي:
1. نستعمل المكواة الكهربائية بكثرة في الوقت الحاضر أثناء العمليات الجراحية لرقء النزف الوعائي أثناء شق النسج بالمشرط. فاستخدام الكي الكهربي أصبح من الطرق الحديثة في تخثير الأوعية وإيقاف النزيف وهو نفس الإستطباب الذي طبقه الرسول الكريم.
2. تستخدم الأشعة وهي من نوع من الكي أيضاً لمعالجة الأورام السرطانية على اختلاف أنواعها.
3. يستخدم كي عروق الأنف في منطقة كسلباج لقطع الرعاف بالكاوي الكهربائي أو الحروري وقد يطبق الكي الكيماوي.
4. يستخدم الكي الكهربي أو بالبرودة لمعالجة حبة الشرق والثآليل والأثفان والأورام الجلدية على اختلاف أنواعها.
هذا ولا يجوز تطبيق الكي عند المصابين باستحالة العضلة القلبية وتصلب الشرايين المترقي لأن الكي يرفع الضغط الدموي، ولا عند المستعدين للإصابة بالغشي. كما أنه لا يجوز تطبيق هذه المعالجات في غير موضعها وبغير موضعها وبغير استطباب جازم من قبل طبيب حاذق وبشرط عدم وجود أدوية بديلة، أي عندما تكون الحل الوحيد لمشكلة المريض وذلك استجابة للتوجيه النبوي الكريم في النهي عن استخدامها بما لا يوافق الداء، هذا التوجيه الذي يطابق تماماً ما يوصي به أساطين الطب الحديث والذي يمكن اعتباره من معجزات النبوة، وسبحان من قال فيه: {و ما تنطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. صدق الله العظيم.
مراجع البحث
1. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).
2. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).
3. حجة الإسلام الإمام الغزالي: عن كتابه (إحياء علوم الدين).
4. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث).
5. دكتور ضياء الدين الجماس: عن مقالة له بعنوان (و أنهى أمتي عن الكي) مجلة نهج الإسلام، شباط: 1988.
6. علاء الدين الكحال: عن كتابه (الأحكام النبوية في الصناعة الطبية).
7. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية نار وأنهى أمتي عن الكي " .
و عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن كان في شيء من أدويتكم من خير ففي شراطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء. وما أحب أن أكتوي " .
عن عقبة بن عامر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي وكان يكره شرب الحميم، يعني الماء الحار، .
عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي، قال: فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا، . وفي رواية: نهينا عن الكي، . وروى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل " . وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب " قال: من هم يا رسول الله؟ قال: " هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون " .
و عن جابر بن عبد الله قال: رمى سعد بن معاذ في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية، . وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي ابن كعب فقطع منه عرقاً ثم كواه، . وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة . وعن أنس رضي الله عنه قال: كويت من ذات الجنب ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ، , شهدني وأبو طلحة وأنس بن النضير وزيد بن ثابت وأبو طلحة كواني، . عن ابن الزبير المكي قال: رأيت عبد الله بن عم وقد اكتوى في وجهه من اللقوة، . وعن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة اكتوى وكوى أناساً من اللقوة .
و في تعليقه على حديث " الشفاء في ثلاثة " يقول ابن حجر: ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها، إنما نبه بها على أصول العلاج.... ويؤخذ من الجمع بين كراهته صلى الله عليه وسلم للكي وبين استعماله له أنه لا يترك مطلقاً ولا يستعمل مطلقاً، بل يستعمل عند تعيينه طريقاً للشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى.
و قال الشيخ محمد أبو جمرة: عُلم من مجموع كلامه صلى الله عليه وسلم في الكي أن فيه نفعاً وأن فيه مضرّة، فلما نهى عنه عُلم أن جانب المضرّة فيه أغلب.
قال ابن حجر: في قوله " توافق الداء " فيه إشارة إلى أن الكي يشرع عندما يتعين طريقاً إلى إزالة الداء وأنه لا ينبغي التجربة لذلك ولا استعماله إلا بعد التحقق، وكأنه أراد إلى أن الكي جائز عندما يتعين للحاجة وأن الأولى تركه إذا لم يتعين.
و قال ابن قتيبة: الكي نوعان: كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه " لم يتوكل من اكتوى " لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والقدر لا يُدفع. والثاني كي الجرح إذا نغل أي فسد والعضو إذا قطع، ففي هذا الشفاء وهو الذي يشرع التداوي به. وأما إذا كان الكي لأمر محتمل يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب.
وقال المازري: وقوله صلى الله عليه وسلم " وأنهى أمتي عن الكي، وما أحب أن أكتوي " إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه ولا يوجد الشفاء إلا به، لما فيه من استعمال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي.
و يفهم من حديث " من اكتوى فقد برئ من التوكل " وحديث " سبعون ألفاً من أمتي ... " أن الاكتواء من دون استطباب يعد تعلقاً بالأوهام وهذا مناف للتوكل. وقال النسيمي: لدى مطالعتي لهذا الحديث قلت في نفسي إن رسولنا الكريم لم يقل: هم الذين لا يتداوون وعلى ربهم يتوكلون، وإنما قال: " هم الذين لا يكتوون " وقال: " نعم يا عباد الله تداووا " وبما أن الأخذ بالأسباب لا يتنافى في الإسلام مع مفهوم التوكل، وبما أن الأعراب تجاوزوا في استعمالهم الكي حدود الطب والعلم فقد تبادر إلى ذهني أن الأخذ بالأسباب الوهمية كما تفعل العامة هو الذي يتنافى مع التوكل.
و في بحثه المستفيض عن التوكل يقوا الإمام الغزالي: اعلم أن الأسباب المزيلة للمرض تنقسم إلى: مقطوع به ومظنون وموهوم، والموهوم الكي، أما المقطوع به فليس من التوكل تركه، بل تركه حرام عند خوف الموت، وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين. والكي الذي جعله الغزالي مثالاً للأسباب الموهمة هو الكي المغالى به والذي يطبق دون استطباب جازم وهو الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا الكي المنفذ بناء على وصفة طبيب حاذق واستطباب علمي.
لمحة تاريخية:
تحرق الكاويات الأنسجة حيث تفقد ماءها وتفكك الخلايا المركبة لها مما يؤدي إلى تلفها. وقد كان الأقدمون والمتطببون الشعبيون يجرونها بقضبان حديدية منتهية بأشكال مختلفة تحمع على النار وتكوى بها النواحي المختلفة. ولقد غالى العرب قبل الإسلام من استعمال الكي للعلاج ولا سيما في البوادي حيث تندر الأطباء، وما يزال العمة في بلادنا يتوسعون في تطبيقه متجاوزين حدود المعقولية، كما أنه للأسف يجري بأيدٍ غير خبيرة أو على أيدي متطببين جهلاء مما زاد في اختلاطاته وعقابيله الوخيمة.
و لعل أسوأ الطرق التي يستعملونها هي حرق قطع قماشية ملوثة قابلة للاشتعال، تلف على شكل فتيلة بحجم وقدر وسعة الحرق المراد، ثم يشعل طرف الفتيلة حتى تكون جمرة، ثم تطبق على الموضع المحدد مكان الألم من الجلد، ويسمونها بالعُطبة. وبعد تطبيقها تكبس على الجلد ويصبح مكان الحرق قشرة سوداء،و يعتقدون أنه كلما طالت فترة تقيح العطبة اعتبرت الفائدة المرجوة أكبر، ولذا فكثيراً ما يعمدون إلى تلويثها بشكل خطر.
و ما زلنا نرى ممن قد اكنوى فلم يشف ولم يخف ألمه بل ضَمَّ إليه ألماً جديداً وشوّه بالكي جماله الخلقي، وإن منهم من أصيب بالكزاز نتيجة التلوث المحدث بآلة أو قماش الكي _ العطبة _ وقد تهدد الحياة وخاصة عند تطبيقها عند الولدان المصابون بترفع حروري أو عندما تطبق عند مصاب بألم صدري قد يكون احتشاءً، أو بألم بطني حاد قد يكون التهاب زائدة دودية حاد أو غير ذلك.
إن ما يجري من استعمال الناس للكي بالنار أو بالعطب في معظمه مخالف لمبادئ الطب والمراد النبوي _ ومن ذلك كله _ واجب علينا بيان هذه الأضرار لمكافحة هذه العادة، موضحين نصيحة النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم " وأنهى أمتي عن الكي ".
الموقف الإسلامي:
و جاء الإسلام وكان من مهام حكومته نشر مناهج الطب الوقائي ومكافحة الشعوذة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته أن يعذبوا أنفسهم بأوهام لا تنفع أو بمعالجة أكبر ضررها من نفعها فنهاهم عن الكي ووضح لهم أن استعماله مشروط بوجود استطباب له. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اعترف بفوائد الكي " الشفاء في ثلاث " لكنه نبه إلى أن استعماله يجب أن يكون موافقاً للداء " ولذعة بنار توافق الداء "، أي لابد من تشخيص طبيب حاذق يشخص الداء ويحدّ> الطريقة التي يطبق بها هذا الكي. وهكذا فإن النهي الوارد عن الكي " وأنهى أمتي عن الكي " وكراهيته عليه الصلاة والسلام " وما أحب أن اكتوي " ليس على عمومه وإطلاقه، إذ ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه سمح بالكي لبعض أصحابه، فالنهي منصب على المغالاة في الكي ودون وجود استطباب.
و يمكن تلخيص استطبابات الكي الواردة في الأحاديث النبوية التي سقناها في مطلع بحثنا بأمور ثلاثة:
1. لقطع النزف: كما ورد في حديث " ورمى سعد بن معاذ في أكحله فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص " وحديث " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه " وقال الخطابي: إنما كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعداً ليرقأ الدم عن جرحه وخاف عليه أن ينزف فيهلك. وأما الكي في موضع الفصادة إنما هو لإيقاف النزيف بعد سيلان مقدار كافٍ من الدم. وإن استعمال الكي لقطع النزيف ما يزال يطبق على نطاق واسع في الطب الحديث وخاصة بعد تطور أداة الكي حيث تستعمل اليوم المكواة الكهربائية وخاصة أثناء العمليات الجراحية، وهذا لا شك من الإعجاز النبوي الكريم.
2. معالجة الألم الجنبي بالكي: كما ورد في حديث أنس: كويت من ذات الجنب ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ، وهي رواية تفيد الإذن بالأمر. ولا ندري مفهوم ذات الجنب في ذلك العصر إذ يغلب حسب مفهومنا الحديث أن يكون الألم الجنبي عند ذلك الصحابي مجرد ألم عصبي وربي. وإن الطب الحديث كان حتى أواسط القرن العشرين يلجأ إلى الكي النقطي في تسكين هذا الألم. كما برهن العلماء الصينيون عن فائدة الوخز بالإبر المسخنة في تسكين الآلام.
3. معالجة اللقوة بالكي: وما ورد فيها من أحاديث: " رأيت عبد الله بن عمر وقد اكتوى وجهه من اللقوة "، " أن أبا طلحة اكتوى وكوى أناساً من اللقوة " فهي أحاديث موقوفة على فعل صحابيين جليلين وليست مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واللقوة هي شلل العصب الوجهي، ويغلب أن البرد هو السبب في إحداثها. والمعالجات الحديثة مبنية على أساس أن سبب اللقوة هو تشنج الأوعية المغذية للعصب، لذا فهم يعطون الأدوية الموسعة للأوعية، وما الأدوية المحمرة سوى ضرباً من ضروب الأدوية الموسعة للأوعية.
و قد علل الدكتور سلمان قطاية فائدة الكي في معالجة اللقوة فقال: هذا ويشير ابن سينا إلى ضرورة كي العرق خلف الأذن، تلك المنطقة التي يخرج منها العصب الوجهي من الثقب الإبري الخشابي، وربما كان للكي تأثير موسع للأوعية عن طريق المنعكسات. ومن يستغرب ذلك بعد أن برهن الصينيون على فائدة الوخز بالإبر المسخنة.
و في كتابه (التصريف عن عجز التأليف) يشير الزهراوي في معالجة اللقوة إلى إجراء الكي في ثلاث فقط توافق غصون شعب العصب الوجهي المعصبة لعضلات القحف والعضلة المدارية الجفنية ولعضلات الشفتين.
تطور الكي وأدواته في الطب الحديث:
لقد تطورت أدوات الكي تطوراً كبيراً في العصر الحديث حيث استخدمت المكواة الحرورية Themocautere ثم المكواة الكهربائية وهي أدوات سهلة الاستخدام ويمكن التحكم بها بشكل جيد، كما تم استخدام البرودة الشديدة في الكي لأثرها المتلف للخلايا كالكي بالثلج الفحمي الذي تنقص درجة حرارته عن - 80 درجة مئوية. كما أن هناك كاويات كيميائية كحمض الخل ثلاثي الكلور وحمض الآزوت وحمض الكروم وقلم نترات الفضة وغيرها.
و مع تطور الطب وتطور أدوات الكي أصبح له استطبابات كثيرة نوجزها بما يلي:
1. نستعمل المكواة الكهربائية بكثرة في الوقت الحاضر أثناء العمليات الجراحية لرقء النزف الوعائي أثناء شق النسج بالمشرط. فاستخدام الكي الكهربي أصبح من الطرق الحديثة في تخثير الأوعية وإيقاف النزيف وهو نفس الإستطباب الذي طبقه الرسول الكريم.
2. تستخدم الأشعة وهي من نوع من الكي أيضاً لمعالجة الأورام السرطانية على اختلاف أنواعها.
3. يستخدم كي عروق الأنف في منطقة كسلباج لقطع الرعاف بالكاوي الكهربائي أو الحروري وقد يطبق الكي الكيماوي.
4. يستخدم الكي الكهربي أو بالبرودة لمعالجة حبة الشرق والثآليل والأثفان والأورام الجلدية على اختلاف أنواعها.
هذا ولا يجوز تطبيق الكي عند المصابين باستحالة العضلة القلبية وتصلب الشرايين المترقي لأن الكي يرفع الضغط الدموي، ولا عند المستعدين للإصابة بالغشي. كما أنه لا يجوز تطبيق هذه المعالجات في غير موضعها وبغير موضعها وبغير استطباب جازم من قبل طبيب حاذق وبشرط عدم وجود أدوية بديلة، أي عندما تكون الحل الوحيد لمشكلة المريض وذلك استجابة للتوجيه النبوي الكريم في النهي عن استخدامها بما لا يوافق الداء، هذا التوجيه الذي يطابق تماماً ما يوصي به أساطين الطب الحديث والذي يمكن اعتباره من معجزات النبوة، وسبحان من قال فيه: {و ما تنطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}. صدق الله العظيم.
مراجع البحث
1. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).
2. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).
3. حجة الإسلام الإمام الغزالي: عن كتابه (إحياء علوم الدين).
4. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث).
5. دكتور ضياء الدين الجماس: عن مقالة له بعنوان (و أنهى أمتي عن الكي) مجلة نهج الإسلام، شباط: 1988.
6. علاء الدين الكحال: عن كتابه (الأحكام النبوية في الصناعة الطبية).
7. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).
الصفحة الأخيرة
يصف سبحانه وتعالى شراب أهل الجنة التي أعدّ لعباده المتقين فيقول: {و يسقون فيها كأساً كان مزاجها كافوراً} . قال القرطبي: يشربون من كأس أي من إناء فيه الشراب، قال ابن العباس: يريد الخمر. والكأس في اللغة الإناء فيه الشراب وإذا لم يكن فيه شراب لم يُسَمَّ كأساً {كان مزاجها} أي شوبها وخلطها {كافورا} عن قتادة: تمزج لهم بالكافور وتختم بالمسك، قال مجاهد وقال عكرمة {مزاجها} طعمها. وقيل إنما الكافور في ريحها لا في طعمها،و قال ابن كيسان: طُيّبت بالمسك والكافور والزنجبيل / 1. هـ.
عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو شيئاً من كافور... .
قال الموفق البغدادي: الكافور ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الميت، يقطع الرعاف ويقوي الحواس ويقطع الباه، وشُّمه يسُهر والشربة منه وزن شعيرة تقطع الإسهال / 1. هـ.
و يعرّف أبو قاسم الغساني الملقب بالوزير الكافور بأنه لثي _ حليب _ شجرة الفوفل التي تنبت بأرض الهند وهو شجر عظيم كشجر الزيتون فإذا نقر في أسفلها خرج ذلك اللثي فيجفف ويعقد ويصنع منه الكافور، وأجوده ما كان أبيضاً وهو من الأطياب الرفيعة القدر نافع من الصداع الصفراوي والأورام الحارّة والقلاع، قاطع للرياح مقوٍ للحواس نافع من الرمد الحار قاطع للباءة مُسرعٌ للشيب.
و يصفه داود الأنطاكي بأنه قاطع للدم حابس للإسهال والعرق قاطع للعطش والحميّات مزيل للقرح وز التهاب الكبد وحرقة البول وتآكل الأسنان. ويصفه ابن سينا مع الخل لمنع الرعاف ويصفه بأنه ينفع الصداع الحارّ، يقوي الحواس ويقع في أدوية الرمد الحار والأدوية القلبية.
و شجرة الكافور Cinnamonum Camphora من الفصيلة الغارية Louraceae شجرة عالية يصل ارتفاعها إلى 20 - 50 متراً لها أوراق لامعة داكنة دائمة الخضرة، موطنها الصين واليابان والهند، أدخلت كنبات زينة في المناطق الحارة والقريبة منها، يستخلص من تقطير أخشابها ما يسمى بزيت الكافور وهو من الكيتونات Ketones ويحتوي على Cinol والزعفرول Sofrol.
يفيد الكافور في تخفيف وطأة الزكام حيث يوضع قليل من مسحوقه في الماء الساخن ويستنشق البخار من الأنف،و يدخل بكمية قليلة إلى المساحيق الجلدية، إذ يُساعد على تخفيف الحرقة الناشئة عن الأكزيما والالتهابات الجلدية الأخرى.
يذاب مسحوق الكافور بنسبة 10 % في الزيت ويحضر ما يسمى بالزيت المكوفر الذي يفيد مسكناً في آلام المفاصل الرضية والرثوية دهناً موضعياً مع التدليك الخفيف للمفاصل المصابة كما يدخل في مراهم الحروق وفي معالجة التهاب اللثة.
منقوعه في الماء يشرب داخلاً ويساعد على إزالة عسر الهضم. أما الماء المكوفر فيحضر بإذابة 0.5 غ من الكافور في قليل من الغول ثم يمددّ في ليتر ماء، ويعطى داخلاً كمنعش للقلب ومنشط للدورة الدموية ومنبه للجهاز العصبي في حالات الوهط والوهن العصبي. كما يفيد مسكناً في آلام الحيض ويشيع بين العمة أنه يضعف القوة الجنسية ويسمونه بعطر الملائكة إذ ما زال يستعمل حتى اليوم طلاءً لجسم الميت حين تغسيله.
مراجع البحث
1. الإمام القرطبي: في تفسيره المسمى (الجامع لأحكام القرآن).
2. موفق الدين البغدادي: عن كتابه (الطب من الكتاب والسنة).
3. أبو القاسم الغساني: عن كتابه (حديقة الأزهار في وهبة العشب والعقار) بيروت: 1985.
4. محمد بدر الدين زيتوني: عن كتابه (الطب الشعبي والتداوي بالأعشاب).
5. شكري إبراهيم سعد: عن كتابه (نباتات العقاقير والتوابل) القاهرة: 1977.