أم سياف
أم سياف
لبناً خالصاً سائغاً للشاربين


قال تعالى واصفاً ما في جنة الخلد: {مثلُ الجنةِ التي وُعِدَ المتقون. فيها أنهارٌ من ماءٍ آسن وأنهار من لبنٍ لم يتغير طعمه ...} .

و قال تعالى: {و إن لكم في الأنعام لعبرة تسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودمٍ خالصاً سائغاً للشاربين} .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أطعمه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، ومن سقاه الله لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن " وفي رواية " فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن " . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض وقال: إن له دسماً، .

و في رواية مسلم لحديث الإسراء والمعراج عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ... فجاءني جبريل بإناء من الخمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة ... ".

قال ابن القيم: وأجود ما يكون اللبن حين يحلب، وأجوده ما اشتد بياضه ولذ طعمه وكان فيه حلاوة يسيرة ودسومة معتدلة، وهو محمود يولد دماً جيداً ويرطب البدن اليابس ويغذو غذاءً حسناً، وينفع من الوسواس والغم. وإذا شرب مع العسل نقى القروح الباطنة من الأخلاط العفنة. والحليب يتدارك ضرر الجماع، ويوافق الصدر والرئة وهو جيد لأصحاب السل. وهو أنفع المشروبات للبدن لما اجتمع فيه من التغذية والدموية وموافقته للفطرة الأصلية.

و يتابع ابن القيم فيصف لبن الضأن بأنه أغلظ الألبان وأرطبها وفيه من الدسومة والزهومة ما ليس في لبن الماعز والبقر وينبغي أن يشرب مع الماء، ولبن الماعز لطيف معتدل مطلق للبطن نافع من قروح الحلق والسعال اليابس ونفث الدم، أما لبن البقر فيغذو البدن ويخصبه ويطلق البطن باعتدال وهو من أعدل الألبان وأفضلها، بين لبن الضأن والماعز في الرقة والغلظ والدسم.

أما لبن اللقاح أو الإبل فيصفه الإسرائيلي بأنه: أرق الألبان وأكثرها مائية وأقلها غذاءً فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول وإطلاق البطن وتفتيح السدد. كما وصفه ابن سينا بأنه: دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق. ووصفه الرازي بأنه: يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج.

فاللبن _ الحليب _ هو الغذاء الأول للإنسان منذ ولادته والذي به وحده يترعرع البدن وينمو الجسم، ويؤكد علماء التغذية اليوم أن اللبن هو الغذاء الوحيد الكامل الذي يمكن للإنسان أن يعتمد عليه وحده في التغذية إذ يحتوي على جميع المركبات الأساسية الضرورية للجسم، فهو يشتمل على البروتين اللازم لتركيب خلايا البدن وتكاثرها وعلى الفيتامينات الهامة وخاصة " ج " وب 1 " وب 2 " وب ب " ز " أ " و" د "،و على عناصر الحرارة والطاقة اللازمة للحياة والموجودة في سكرياته والمواد الدهنية _ الدسم _ التي يحويها والأملاح المعدنية وأهمها الكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم والكبريت والمنغنيز والفوسفور والحديد والتي توجد بمقادير متوازنة ومعتدلة مع الفيتامينات اللازمة. ودسم اللبن توجد فيه على هيئة حبيبات صغيرة في شكل مستحلب، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم " إن له دسماً " في وقت لم يكن الطب قد عرف محتويات اللبن ولا قدر نفعه ومزاياه كما أن توكيد الطب الحديث أن اللبن غذاء كامل وحيد من نوعه، يعرفنا بالمعجزة النبوية الصارخة " فإني لا أعلم ما يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن ".

و يؤكد الدكتور حامد غزالي ملاحظات العلماء على أن الذين يتعاطون اللبن بمقادير كبيرة تميزوا بقوة أجسامهم وأنهم يعمرون أكثر من غيرهم، وهم على تحصيل العلم كانوا أقدر من الذين حرموا أنفسهم من اللبن. ويؤكد مشاهدته لبعض المعمرين في الحجاز ممن بلغوا من العمر فوق المائة من السنين، وكان غذائهم اللبن صرفاً، ولا يأكلون اللحم في الشهر مرة، وهم يتمتعون بصحة ونشاط يغبطهم عليها أمثالنا، وينصح الأطباء كل إنسان بتناول نصف ليتر من اللبن يومياً. كما نقل الدكتور الغوابي أبحاثاً حديثة عن استخراج مركب جديد لعلاج الحروق يحتوي على كازين اللبن مضافاً إليه بعض المواد الأخرى. التي تكون قشرة على سطح الحروق والجروح تؤدي إلى سرعة التئامها. كما ينقل بحثاً طريفاً وجد فيه أن شرب اللبن يمنع الإصابة بداء الملاريا. ويقوم البحث على حقن الفئران بطفيلي الملاريا فوجد أن هذا الطفيلي لا ينمو ولا يتطور إذا كان غذاء الفئران مقتصراً على اللبن. وتبين بنتيجة البحث أن اللبن تنقصه مادة ضرورية لنمو الطفيلي هي حمض بارا أمينوبنزوئيك، فإذا أضيفت هذه المادة إلى الحليب وغذيت بها الفئران بعد حقنها بالطفيلي نما وتطور وأصيبت الفئران بالمرض. وهذا يجعلنا _ والكلام للغوابي _ نعيد النظر في مسألة عدم عدوى الأطفال الرضع بالملاريا حيث كنا نظن أن سبب ذلك وراثتهم مناعة من أمهاتهم، لكن البحث أوضح أن السبب هو اقتصارهم في تغذيتهم على اللبن الذي أخرجه الله بقدرته لبناً خالصاً سائغاً للشاربين.

و يعتبر حليب البقر أكثر أنواع الحليب وفرة واستعمالاً وأشدها ملاءمة للإنسان بعد حليب الأم. وحليب الغنم _ الضأن _ أغنى بالبوتينات والدسم من حليب البقر وأكثر غنى بمركيات الكالسيوم والحديد فهو أكثر تغذية، لكنه ثقيل الهضم. ولبن الماعز بينهما من حيث القيمة الغذائية.

هذا عن اللبن _ الحليب _ فماذا عن اللبن الرائب؟ الحقيقة أن القيمة الغذائية لا تقل عن اللبن فاللبن الرائب هو لبن _ حليب _ قد تخمر بأحد أنواع الجراثيم التي تحول سكر الحليب إلى حمض اللبن والذي تعزى إليه حموضة اللبن الرائب وتكسبه نكهته السائغة، كما أنها تسهل الهضم، بما في لبن الرائب من خمائر وغاز الفحم، والتي تنبه إفراز العصارة المعدية ويسهل امتصاص الدهون من الأمعاء.

فاللبن الرائب مفيد للصحيح والمريض على السواء وخاصة معتلّ المعدة لسهولة هضمه وذلك أن التخمر المكون له يؤثر على بروتين الحليب _ الكازين _ فيرسبه على شكل حبيبات رقيقة سهلة الهضم، كما أنه مطهر للمعدة والأمعاء من كثير من الجراثيم والتفسخات.

و يرجع علماء التغذية سبب طول عمر الشعب الدانمركي والبلغاري إلى إكثاره من تناول اللبن الرائب ضمن وجباته الغذائية. ويستعمل اللبن الرائب في معالجة كثير من الأمراض وخاصة التي تصيب الكلى والكبد والحميات واضطربات المعدة والأمعاء وخاصة الاسهالات على اختلاف منشئها، وفي تصلب الشرايين وفي كل مرض يستلزم عشاءً خفيفاً كما عند المصابين بارتفاع الضغط والذبحة الصدرية. كما يعتبر غذاء الشيوخ المفضل، وللحليب مشتقات كثيرة لا تقل عنه أهمية منها الزبد والجبن والسمن وغيرها.

عن عبد الله وعطية ابنا بسر السلميان رضي الله عنهما قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمنا إليه زبداً وتمراً، وكان يحب الزبد والتمر، .

و الزبد من أجود الأغذية الدسمة وأسهلها هضماً، ودسمه غنية بالفيتامينات الذوابة في الدسم وبالأملاح المعدنية اللازمة للبدن، ويختلف لونه وطعمه حسب مصدره الحيواني وهو يسّمن تسميناً عظيماً لذا فهو لا يصح للبدينين. وقال عنه ابن القيم: فيه منافع كثيرة منها الإنضاج والتحليل ويبرئ الأورام التي تكون إلى جانب الأذنين والحالبين وأورام الفم وهو ملين للطبيعة والعصب وإذا طلي على منابت أسنان الطفل كان معيناً على نباتها وطلوعها.

أما الجبن فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبنة من تبوك من عمل النصارى فدعا بسكين وقطع وأكل، . وينتج الجبن عن تخثر المواد البروتينية الموجودة في الحليب بعد تسخينه وإضافة الأنفحة الطبيعية إليه أو بعض المواد الصناعية. والجبن من الأغذية البروتينية الجيدة السهلة الهضم إذ يحتوي على مقادير متوازنة من مختلف المواد والعناصر المعدنية وخاصة الكلس والحديد والفيتامينات.


مراجع البحث

1. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).

2. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

3. الدكتور حامد الغوابي: عن كتابه (بين الطب والإسلام) القاهرة: 1967.

4. الدكتور محمد شفيق البابا: عن كتابه (التغذية الصحيحة) دمشق: 1958.

5. السيد الجميلي: عن كتابه (الإعجاز الطبي في القرآن) دمشق: 1982
أم سياف
أم سياف
التداوي بألبان الإبل وأبوالها


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رهط من عرينة على النبي صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: لو خرجتم إلى إبل الصدقة فشربتم من ألبانها وأبوالها. ففعلوا. فلما صحّوا، عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم واستاقوا الإبل وحاربوا الله ورسوله. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأخذوا، فقطع أيدهم وأرجلهم وسمل أعينهم وألقاهم في الشمس حتى ماتوا، . وفي رواية له أيضاً: وإنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة، .

و روى البخاري عن أنس: أن رهطاً من عرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا اجتوينا المدينة فعظمت بطوننا وارتهشت أعضادنا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعي الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى صلحت بطونهم وألوانهم قال: فقتلوا الراعي واستاقوا الإبل... _ وارتهشت: اضطربت _.

و عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة، فلم يمكثوا بالمدينة إلا يسيراً حتى أصابهم وعكٌ شديد فاصفرت ألوانهم ونحلت أجسامهم وعظمت بطونهم. فلما رأى ذلك النبي بعث بهم إلى إبل من إبله فلما أصابوا اللبن وانقطعت عنهم الحمى حسنت ألوانهم وخمصت بطونهم وربت أجسامهم، .

و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في

ألبان الإبل وأبوالها شفاء للذربة بطونهم " .

ز يرى الكحال ابن طرخان أن المرض الذي أصيب به رهط عرينة هو الاستسقاء ورجح أن سببه آفة في الكبد استناداً إلى رواية فيها " وعظمت بطوننا ". وتبعه في ذلك ابن القيم في الطب النبوي، ويرى الكحال أيضاً: أن في لبن اللقاح جلاءً وتلينناً وإدراراً وتلطيفاً وتفتيحاً للسدد. وأورد ابن سينا في قانونه: أنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي، وهو النجيب وبول الجمل ينفع في الاستسقاء وصلابة الطحال لا سيما مع لبن اللقاح. وروي: لو شربتم من ألبانها وأبوالها لصححتم، فشربوا فصحّوا.

وذكر ابن سينا فائدة لبن اللقاح في الربو وإدرار الطمث وتليين الباطنة . وذكر الرازي أن لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج.

أما الدكتور محمود ناظم النسيمي فيقول: إننا إذا جمعنا الأعراض من الأحاديث السابقة _ توعك، ضخامة بطن، نحول، ضعف قوة، اصفرار لون _ دلت على أن مرضهم كان حمى المدينة كما نصت على ذلك رواية الإمام أحمد. وحمى المدينة سببها أحد مرضين محتملين: الأول حميات الانتانات المعوية والثاني حمى البرداء. وبيئة المدينة المنورة مساعدة على ظهورها، فحول المدينة نخل وزراعة وفي وادي بطحان مياه آسنة، والبعوض الخبيث الناقل لعامل البرداء يفضل هذه البيئة إذ يضع بيوضه في المياه الراكدة. كما تكثر جراثيم الانتانات المعوية في المياه الملوثة. وفي الحديث الذي رواه ابن عباس: إن في ألبان الإبل وأبوالها شفاء للذربة بطونهم " ما يرجح احتمال الإصابة بالانتانات المعوية لأن الذرب يدل على فساد الأمعاء.

هذا ولم نصادف أي بحث علمي أو تجارب حديثة حول الفوائد العلاجية لألبان الإبل وأبوالها، وحبذا لو يدأب باحثونا المسلمون على إجراء أبحاث من هذا النوع تؤكد صدق الدعوة النبوية للتداوي بأبوال الإبل وألبانها.



مراجع البحث

1. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).

2. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث) ج 3، 1991.

3. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

4. الكحال ابن طرخان: عن كتابه (الأحكام النبوية في الصناعة الطبية).
أم سياف
أم سياف
وَلَحمٍ ممّا يَشتهون


في معرض ذكره لما أعده لعباده المتقين قال تعالى: {و أمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون} . وقال تعالى: {و لحم طير مما يشتهون}

عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " والثريد الخبز واللحم.

و في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعت إليه الذراع وكانت تعجبه.

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها، .

و في رواية لمسلم عن أبي هريرة عن ابن عباس قال: كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع ونحوه.

و عن أسماء رضي الله عنها قالت: نحرنا فرساً فأكلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، .

و عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في لحوم الخيل ونهى عن لحوم الحمر، .

و عن أنس بن مالك قال: أنفجنا أرنباً فسعوا في طلبها فأخذوها بعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، . وعن جابر رضي الله عنه قال: أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش، .

و عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمه " .

و عن أبي موسى الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحم الدجاج، .

قال ابن القيم: لحم الضأن يولد الدم المحمود القوي لمن جاد هضمه، يقوي الذهن والحفظ، ولحم الهرم والعجيف ردئ وكذلك لحم النعاج. وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها ولحم العنق جيد ولذيذ الطعم، سريع الهضم. ولحم الذراع أخف اللحم وألذه وأبعده من الأذى وأسرعه انهضاماً، وكان مما يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و لحم المعز ليس بجيد ولا محمود الغذاء ولحم التَيس رديء مطلقاً شديد اليبس عسير الهضم، وقال بعض الأطباء أن المذموم منه المسن، ولا رداءة فيه لمن اعتاده.

و لحم الجدي قريب إلى الاعتدال ملين للطبع، موافق لأكثر الناس. ولحم البقر عسير الانهضام بطيء الانحدار ويورث إدمانه الأمراض السوداوية. ولحم العجل ولا سيما السمين من أعدل الأغذية وأطيبها وألذها وأحمدها وإذا انهضم غذى غذاءً قوياً.

و لحم الجمل طالما أكله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولحم الفيصل منه من ألذ اللحوم وفيه قوة غير محمودة ولأجلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من أكله.

و لحم الأرنب أكله النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتدل، وأطيبها وركها وأحمده أكل لحمها مشوياً. وهو يعقل البطن ويدر البول ويفتت الحصى.

و لحموم الأجنة غير محمودة وليست بحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم أن ذكاة الجنين ذكاة أمه. أما لحوم الطير فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل الدجاج وهو خفيف على المعدة سريع الانهضام يزيد في المني وز الدماغ ويصفي الصوت ويحسن اللون.

و ينبغي أن لا يداوم على أكل اللحم فإنه يورث الأمراض الدموية والامتلائية وقد قال عمر رضي الله عنه: إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر وإن الله يبغض أهل البيت اللحميين، . واللحم غذاء رئيسي للإنسان يوفر له ما يحتاجه من بروتينات لا يستغني عنها. ويعتبر من أفضل الأغذية التي تدر الإفرازات الهاضمة، فهو غذاءٌ مشه يوصى باستعماله للناقهين والضعفاء وفاقدي الشهية وهو أيضاً من الأغذية المقوية لما يحتوي عليه من بروتينات غنية بالفوسفور.

و يحسن الاعتدال في أكل اللحوم لأن الإكثار منه يؤدي إلى القبض وكثرة التفسخات والإصابة بارتفاع الضغط وذلك لوفرة المحاصيل السمية الناجمة عن هضمه بما فيها زيادة حمض البول في الدم. وكذلك لقلة ما يحتوي عليه من ألياف. وإن غذاء يحتوي على اللحم والخضراوات هو غذاء مثالي يحقق للإنسان التغذية الكاملة.

و اللحم غني بالبروتين فقير بالمواد النشوية. أما الدسم فيختلف مقدارها حسب نوع الحيوان وسمنه. ونوع تربيته. فالمربى في الحظائر أكثر دهناً من حيوانات المرعى،و لحم الحيوان المعلوف ألين وألطف وكلما كبر الحيوان كان لحم عضلاته ليفياً وقاسياً وأعسر انهضاماً. وفي اللحوم نسبة من الماء 75 % م نوزنها كما تحتوي على الأملاح المعدنية وخاصة فوسفات البوتاسيوم وأثر من أملاح الصود والكلس والمانيزا ومركبات الكلور الثنائي وخضاب الدم الحاوي على كمية جيدة من الحديد.

و تتكون البروتينات من سلاسل من حموض أمينية مختلفة، منها عشرة حموض تعتبر ضرورية للحياة لا تتوفر إلا في اللحوم. ومن هنا يتبين السبب الرئيسي في ضرورة كون غذاء الإنسان مزيجاً من الخضراوات واللحوم حيث يجد مزيجاً يتكون من البروتينات النباتية والحيوانية تمده بكل ما يحتاجه من حموض أمينية.

هذا وإن البدن الإنساني يتكون من سلاسل من هذه الحموض الأمينية وهو يطرح كل يوم كمية من هذه البروتينات المستهلكة ولا بد من أجل بقاء التوازن في الجسم من تكوين بروتينات جديدة يصنعها من هذه الحموض الأمينية، والتي يجب أن تكون مصنوعة خارج الجسم الإنساني، حيث تكون الحيوانات الأخرى قادرة على تركيبها، وهذه هي الحموض الأمينية التي لا غنى للإنسان عنها.

و يحتاج الإنسان في طور نموه _ وهو طفل _ إلى نسبة أعلى من البروتين في غذائه كيما ينمو _ 3.5 غ لكل كغ من وزنه _ وكلما كبر قلت حاجته إلى البروتين وهكذا فهو بعد سن العشرين يحتاج فقد إلى 1 غ / كغ من وزنه من البروتين عليه أن يؤمن ثلثها على الأقل من البروتين الحيواني. ويكفيه لذلك 100 غ من اللحم أو 80 غ كبد أو كلى أو 70 غ لحم + بيضة واحدة ... إلخ

و إن القدرة الحرورية التي يعطيها اللحم قليلة نسبياً إذ أن 1 غ من اللحم لا يعطي سوى 2 حريرة _ مقابل 9 حريرات يعطيها كل من 1 غ سكر أو 1 غ دهن _ لذا فليس من الاقتصاد الإكثار من اللحم من أجل الطاقة ويوصى بالإكثار من اللحم المصابون بالسمنة وعقب العمليات الجراحية التي تتطلب ترميماً لأجزاء من البدن والناقهون. ويوصى المصابون بفقر الدم الإكثار من تناول اللحم والدجاج والكبد لأنها تنقل لهم ما ينقصهم من الحديد والفيتامين " ب 12 ". ومن الخطأ إضافة الملح إلى اللحم قبل شيه لأنه يجذب الماء من اللحم والذي يتقاطر من اللحم أثناء شيه جاذباً معه كميات كبيرة من الحديد. لذا ينصح بإضافة الملح إلى الملح بعد شيه. أما القلي فيجب أن يكون بأقل كمية من الدهن _ السمن أو الزيت _ وأن لا يحتفظ ببقايا الدهون المستعملة لأنها خطرة.

أما الرضيع فلا يُعطى اللحم قبل الشهر السادس إذ يكتفي قبل ذلك بحليب أمه. أما المصابون باضطراب هضمي أو بعدم تحمل الحليب فإن عصير اللحم يشكل العوض المناسب ثم يبدأ بإعطائه اللحم المهروس جيداً في الأشهر اللاحقة.

و لحم الغنم أو الضأن أجود اللحوم إطلاقاً لخلوه من الطفيليات وأجوده السمين الذي لم يتجاوز عمره السنتين، وما جاوز الأربع فرديء. وتتكون كل 100 غ لحم من: 70 ماء، 17 بروتين، 11 دسم، 0.5 نشاء، , قيمتها الحرارية 169. ولحم الماعز أصعب هضماً من الغنم وأقل جودة، وأجوده لحم الجدي.

و لحم العجل جيد جداً إذا زاد عمره عن 3 شهور ولم يزد عن السنة، والصغير من العجول أفضل من لحم الضأن الكبير، وتعطي 100 غ منه: 69.5 ماء، 18 بروتين، 11 دسم، 0.5 نشويات، قيمتها الحرارية 173. ويفضل لحم العجل على الغنم بزيادة نسبة البروتين فيه وعظم قيمته الحرارية. أما حم البقر فيخشى من تناوله لكثرة الديدان فيه فيجب عدم تناوله نيئاً بل يجب طبخه أو شيه بشكل جيد، وتعطي 100 غ منه: 70 ماء، 18 بروتين، 10 دسم، 0.5 نشاء، وقيمته الحرارية 164.

و لحم الدجاج من أفخر أنواع اللحم الأبيض غير أنه قليل القيمة الحرارية. وهو من أفضل الطيور غذاء وأوفقها للأبدان وخصوصاً لأهل الدعة ومرقه يصلح المزاج ومرق الفراريج ينفع الأبدان السقيمة والمصابون بالتهاب في المعدة. وتعطي 100 غ منه: 70 ماء، 21 بروتين، 7 دسم، وقيمته الحرارية 147. ودجاج أو ديك الحبش يشبه لحم الدجاج غير أنه أشد قساوة وأعسر هضماً. أم البط فلحمه جيد لكنه ذو قيمة حرورية ضعيفة، وهو سيئ الهضم إذا كان سميناً وأردؤه ما جاوز السنتين وهو يسمن كثيراً ويزيد في الدم وتعطي 100 غ منه: 50 ماء، 16 بروتين، 33 دسم، 0.2 نشويات، وقيمته الحرورية 362. ولحم الحمام جيد ذو قيمة حرورية ضئيلة نسبة لباقي اللحوم لكثرة مائه وقلة الدسم فيه. ولحوم العصافير كلها مجففة قليلة الغذاء والأهلية منها تسخن البدن وتزيد في الانعاظ والباه.

و لحم الأرنب جاف قليل الدهن وقيمته الحرورية ضئيلة إذ تعطي 100 غ منه: 71 ماء، 22 بروتين، 5 دسم، وقيمته الحرورية 133. ويذكر داود الأنطاكي أن لحم الأرانب يفيد في معالجة البواسير ومرقه يفتت الحصى ولحمه يمنع التبول الليلي عند الأطفال.

و هكذا نجد أن اللحوم الحمراء _ الغنم والبقر _ تمد البدن بطاقة حرارية أكبر من التي يعطيها نفس الوزن من اللحوم البيضاء _ سمك أرنب دجاج _ كما أنها أكثر غنى بالحديد إلا أن اللحوم البيضاء أسرع انهضاماً وأكثر ملاءمة للمرضى والناقهين.

و الكبد أغنى من اللحم بالفيتامين " آ " الواقي من العشاوة وضعف الإبصار وفيها كمية جيدة من الفيتامين " د " الواقي من الكساح " ب 12 " الواقي من فقر الدم.


مراجع البحث

1. ابن الأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم).

2. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

3. صبري القباني: عن كتابه (الغذاء لا الدواء) بيروت: 1992.

4. دكتور شفيق البابا: عن كتابه (التغذية الصحيحة) دمشق: 1958
أم سياف
أم سياف
تبريد الحمى بالماء


عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء " . وعن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كانت إذا أتيت بالمرأة قد حُمَّت أخذت بالماء فصبته بينها وبين جبينها وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الحمى من فور جهنم فأبردوها بالماء " .

وعن أبي جمرة نصر بن عمران قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم، .

و عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى قطعة من النار فأطفئوها عنكم بالماء البارد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حُمَّ دعا بقربة من ماء فأفرغها على رأسه فاغتسل .

وعن أنس بن مالك رضي ا الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حُمَّ أحدكم فليشن، وفي رواية: " فليسُن عليه الماء ثلاث ليال من السحر، _ والشن الصب المنقطع _ والسن: المتصل.

قال ابن حجر: من فيح أو فوح جهنم بمعنى سطوع حرها ووهجه. واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل حقيقة، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقد قدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع اللذة والفرح من نعيم الجنة أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة. وقيل بل الخبر مورد التشبيه والمعنى أن حرّ الحمى شبيه بحر جهنم تنبيهاً للنفوس على شدة حرّ النار وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها.

و يرى ابن القيم: أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا خاص بأهل الحجاز ومن والاهم، إذ كان أكثر الحُمَّيات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية الحادثة من شدة حرارة الشمس وهذه ينفعها الماء البارد شرباً واغتسالاً. فإنها تسكن على المكان بالانغماس في الماء البارد وسقي الماء المثلوج. ويجوز أن يراد بها جميع أنواع الحميات , وقد اعترف جالينوس بأن الماء البارد ينفع منها، وقوله " بالماء " فيه قولان أحدهما أنه كل ماء وهو الصحيح. والثاني أنه ماء زمزم. واحتجوا برواية البخاري عن أن أبي جمرة حين يروي قول النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس: فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم. وراوي هذا الحديث شك فيه ولو جزم به لكان أمراً لأهل مكة بماء زمزم إذ هو متيسر عندهم.

و يقول النسيمي: أما تعيين ماء زمزم فليس بشرط ولكن عند توفره يكون استعماله جامعاً للبركة به والاستشفاء به روحياً إلى جانب الاستشفاء العلاجي.

أما الكحال ابن طرخان فيقول: وأما قوله صلى الله عليه وسلم " إن شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " فالذي يظهر أنه لم يرد من أقسام الحميات سوى ما كان من حمى يوم عن حرّ شمس، فإن وقوعها بالحجاز كثير، ويجوز استعمال الماء البارد في سائر الحميات الأخر.

و يعلق الدكتور محمد علي البار على كلام الكحال فيقول: وهذا أمر صحيح إذ يعاني الحجاج من ضربة الشمس. وتعالج بأن يبعد المصاب عن المكان الحار ويغمس في الماء البارد والثلج، أو يستخدم إرذاذ الماء البارد لخفض درجة حرارة الجسم. وفي الحالات الأقل شدة يسقى المريض الماء البارد قليلاً قليلاً ويصب من فوق رأسه. ويفيد لف الكمادات الباردة أيضاً كما يستحسن إضافة قليل من الملح إلى الشراب المبرد.

و الحقيقة أن التبريد بالماء يفيد في معالجة كل الحميات الانتانية، وكما يؤكد النسيمي فليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم محصوراً في معالجة ضربة الشمس. ولقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم باستعمال الماء البارد للحمى، ينقص من حرارتها ويقلل من تأثيرها وليس هناك بمخصص لنوع منها. وهذه النصيحة لا شك من اعجازات النبوة. ونحن اليوم في القرن العشرين: أليس أول ما ينصح به الطبيب اليوم عمل الكمادات بالماء البارد ووضع الثلج على رأس المحموم وغير ذلك؟ لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لقي به ربه مصاباً بالحمى فكان يضع إلى جواره إناء من ماء بارد ويمسح بها وجهه صلى الله عليه وسلم!

و الحمى هي كل ارتفاع لحرارة الجسم. ومن المعروف أن في الجسم مركزاً لتنظيم الحرارة في منطقة بالدماغ تعرف بتحت المهاد Hypothalamus. وهي تستشعر حرارة الدم فإذا ارتفعت قليلاً زادت في إفراز العرق من الجلد ليتم خروج الحرارة من الجسم إلى الجو المحيط. ولكن إذا كانت حرارة الجو فوق الأربعين فلا يمكن لحرارة الجسم أن تخرج إلى الهواء المحيط ولا بد من استخدام الماء البارد والمثلج.

و رغم أن للحمى أسباباً كثيرة إلا أنها في النهاية تكون بسبب مواد رافعة للحرارة تؤثر على منطقة تحت المهاد وتحدث الرعشة وتقلص العضلات فتزيد من ارتفاع الحرارة، ومن أشهر أسبابها ضربة الشمس والبرداء أو الملاريا والأنفلونزا ونزلات البرد والحمى التيفية والمالطية وغيرها. والمعالجة بالكمادات الباردة والماء المثلج نوع هام من العلاج للأعراض ذاتها. وإذا كانت الأدوية النوعية المضادة للحميات الإنتانية لم تكتشف إلا في القرن التاسع عشر، وكذا مخفضات الحرارة كالأسبرين والكينين، فقد استعمل الماء البارد هو الواسطة العلاجية الأولى. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نبه إلى هذه الواسطة العلاجية الهامة فالإعجاز في دعوته تلك أن تبريد الحمى بالماء ما يزال العلاج العرضي الأمثل والذي يشرك حالياً مع الأدوية النوعية.

هذا وإن لتبريد الحمى بالماء طرقاً عديدة نذكر منها:

1. اللف بالكمادات الباردة: كالمناشف وقطع القماش المبللة بالماء البارد حيث تلف أجزاء من البدن كالجبهة والرأس والأطراف أو يلف كامل البدن. وتستعمل هذه الطريقة لخفض حرارة المحمومين المصابين بحمى ضربة الشمس أو الحمى التيفية وغيرها وخاصة عند ارتفاع الحرارة الشديد أو المترافقة بهذيانات. ويكرر اللف مرة كل 3 - 4 ساعات. ولا يجوز تطبيق اللف الكامل عند المصابين بآفة قلبية أو رئوية بل يكتفى بالكمادات الموضعية الباردة للتخفيف من شدة الحرارة.

2. الحمام البارد: اقترح براند حماماً بدرجة 15 - 20 درجة مئوية للممصابين بالحمى التيفية فهو يخفض الحرارة ويدر البول وينشط الجسم. أما الحمامات الباردة بدرجة 20 - 25 درجة مئوية فتفيد العصبيين وبعض المحمومين. وخيره ما كانت درجة حرارته من 25 - 32 درجة مئوية.

3. مغطس الماء البارد: وقد اقترحه Savil لتخفيض حرارة المحموم بوضعه في مغطس ثلثه ماء بدرجة 32 - 35 درجة مئوية، ثم يزاد ماء بارد كل 5 دقائق حتى تصل درجة حرارة الماء إلى 15.5 درجة مئوية، ولا يستعمل المغطس والحمام الباردين للمصابين بالبرداء والنزلة الوافدة ولا للمصابين بآفة قلبية أو رئوية.

المعالجة بالحمّى:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبّها رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبَّها، فإنها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد " ، , كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ما من مرض يصيبني أحب إليّ من الحمى لأنها تدخل في كل عضو مني. وأن الله سبحانه وتعالى معطي كل عضو حظه من الأجر، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سائب فقال: مالك ترفرفين؟ _ وفي رواية تزفزفين _ قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد " .

قال ابن القيم: وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعاً عظيماً لا يبلغه الدواء، وكثيراً ما تكون حمى يوم سبباً لإنضاج مواد غليظة لم تكن تنضج بدونها وسبباً لتفتح سدد لم تكن تصل إليه الأدوية المفتحة ... وأما تصفيتها للقلب من وسخه ودرنه وإخراجها خبائثه فأمر يعلمه أطباء القلوب ويجدونه كما أخبر نبيهم صلى الله عليه وسلم. فالحمى تنفع البدن والقلب وما كان بهذه المثابة فسبه ظلم وعدوان.

و قد استخدمت الحمى للتداوي من العديد من الأمراض إلى بداية القرن العشرين ومن ذلك معالجة الإفرنجي والرمد واللقوة والشلل بالحمى حيث يحقن المريض بمواد رافعة لدرة حرارة البدن مسببة للحمى. وما يزال لهذه الطريقة أنصار كثر يطبقونها لمعالجة العديد من الأمراض الجلدية كالدمامل الناكسة والجمرة الحميدة والتهاب الجلد العصبي وغيرها. والغريب حقاً أن يظهر العلاج بالحمى حديثاً لمعالجة الإيدز والذي أذاعته محطات التلفزة الأمريكية عام 1990. والحقيقة أن الحمى تؤدي إلى تفاعلات في الجسم بزيادة وسائل المقاومة واجتذاب الكريات البيضاء واشتداد المعركة بين العامل الممرض وجهاز المقاومة في البدن.

{و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى علمه شديد القوى}.


مراجع البحث

1. ابن حجر العسقلاني: عن كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).

2. الكحال ابن طرخان: عن كتابه (الأحكام النبوية في الصناعة الطبية).

3. ابن الاثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم)

4. عبد الملك بن حبيب الأندلسي: عن كتابه (الطب النبوي).

5. دكتور محمد علي البار: عن حاشيته على كتاب (الطب النبوي) لعبد الملك بن حبيب

6. دكتور محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث) المجلد 3

7. حامد الغوابي: عن كتابه (بين الطب والإسلام) القاهرة: 1967.

8. عزة مريدن: عن كتابه (علم الأدوية).
أم سياف
أم سياف
ماءُ زمزم لما شُرب له


عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم " .

و عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل ماء زمزم في الأوادي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم، .

و عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له " .

و في حديث إسلام أبي ذر الذي يرويه مسلم في صحيحه: يقول أبو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد كنت ها هنا منذ ثلاثين بين يوم وليلة، قال: فمن كان يطعمك؟ قال: قلت ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على كبيدي سخفة جوع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنها مباركة، إنها طعم الجنة "، وينقل الحافظ الذهبي الرواية بزيادة " هي طعام طعم وشفاء سقم " وقال النووي في شرحه للحديث: أي تشبع شاربها كما يشبعه الطعام.

و قال ابن القيم الجوزية: إن ماء زمزم سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً وأحبها إلى النفوس وأنفسها عند الناس وهو هزمة جبريل وسقيا إسماعيل وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض فبرئت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد ولا يجد جوعاً ويطوف مع الناس كأحدهم...

و يقول المناوي في فيض القدير: " ماء زمزم لما شرب له " لأنه سقيا الله وغياثه لولد خليله، فبقي غياثاً لمن بعده، فمن شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث. وقال الحكيم: هذا جارٍ للعباد على مقاصدهم وصدقهم لأن الموحد إذا رابه أمر فشأنه الفزع إلى ربه فإذا نزع إليه استغاث به، ,إنما يناله العبد على قدر نيته.

و في كتاب (زمزم طعام طعم وشفاء سقم) يقول الدكتور المهندس يحيى كوشك: أن إنتاج بئر زمزم كما تبين اختبارات الضخ يتراوح بين 11 و18.5 ليتر في الثانية. كما يؤكد أنه قد تم إجراء عمليات تحليل لمياه زمزم مرات ومرات، وقد أكدت أن مياه زمزم تتميز بصفة عامة باحتوائها على تركيزات عالية من الأملاح المعدنية مثل الكالسيوم والمغنزيوم.و إن تركيزات الصوديوم والبوتاسيوم تتميز بثبات معدلها، كما أنها تحتوي على كميات قليلة من الحديد والمنغنيز والنحاس والفلور والكروم.

و قد قام المؤلف بالعديد من الدراسات لاختبار الوسيلة المثلى لتعقيم مياه زمزم، وتبين له أن استخدام الأشعة فوق البنفسجية هي أسلم الطرق، وذلك لعدم الحاجة إلى إضافة أي مواد كيماوية إلى الماء يمكن أن تغير طعمه، كما أن نتائجها ممتازة،و هي رخيصة الكلفة وسهلة التطبيق بالنسبة لظروف البئر وضرورات عمله. وقد تم تجهيز الأجهزة الخاصة بالتعقيم وحققت نجاحاً مؤكداً، حيث أثبتت التحاليل عدم وجود أي جراثيم مرضية في مياه البئر، كما أكدت عدم وجود أي جراثيم مرضية في مصادر مياه زمزم الرئيسية.

و إني أميل إلى أن الاستشفاء بماء زمزم موضوع إيماني غيبي أعلمنا به الصادق المصدوق وعلى البحاثة المسلمين أن يتابعوا دراساتهم التي قد تكشف حقائق طبية عن هذا النبع العظيم.


مراجع البحث

ابن قيم الجوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

دكتور حسان شمسي باشا: عن كتابه (الأسودان: التمر والماء) جدة: 1992.

الإمام النووي: عن كتابه (شرح صحيح مسلم).

الحافظ الذهبي: عن كتابه (الطب النبوي).