مناير العز

مناير العز @mnayr_alaaz

عضوة شرف في عالم حواء

(خيمتك يا عـــامـــر ... عامرة بســـنـــدس) قصة واقعية

الأدب النبطي والفصيح






بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذهـ قصة مقتبسة من قصة واقعية وأعجبتني أحداثها فحبيت أصوغها بأسلوبي .. وأعرف في نفسي أنها ربما لن ترقى لقصة لـمـار ولن تكون طويلة وذات أجزاء كثيرة .. لأن أحداثها قليلة.. ما أستطيع فعله هو إخراج القصة بأسلوب وحبكة تشد القارئ ويستمتع بقرائتها

أتمنى تعجبكم ولا تحاسبوني على الأحداث لأنها كما قلت مقتبسة من قصة واقعية حدثت في نفس الأماكن المذكورة
-----------------------------------------------------------

(خيمتك يا عـــامـــر ... عامرة بســـنـــدس)

في بادية بين الحجاز والشام .. هناك راعي بدوي يجول بأغنامه في مناطق العشب ومناقع الماء .. فالوقت وقت الربيع ولم تجف الأرض بعد من أمطار الشتاء رغم قلتها

راعي في الخامسة والعشرين من عمره .. لم يتزوج بعد .. ربما لأن أمه العجوز وحيدة وأخوته المتفرقون كل مشغول بأولاده .. فكان سندها بعد أبوه الذي مات من قريب على كبر في السن

كل فجر يصحو ليصلي الفجر وقبل ذلك يدفئ بعضا من الماء لتتوضأ أمه ومن ثم يتوضأ هو .. وبعد الصلاة يحلب بعض الأغنام ليسقي أمه ثم يأخذ أغنامه راعيا حتى تميل الشمس للغروب

يعود ليصلي المغرب ويدخل على أمه في خيمتها وقد أعدت بعض الإقط ليأكله مع قليل من الماء .. ويسألها عن بعض الأخبار ثم يخرج للقاء بعض أصحابه الذين قرروا تسميته الشايب .. فقد كبر بنظرهم ولم يتزوج ..

والعادة في قبيلتهم أنهم يتزوجون قبيل العشرين أو بعدها بقليل ولكن عامر تعداها ولم يتزوج إلى الآن .. وكان قد خطب له أبوه ابنة ابن عمه سلمى

ولم يتم الزواج لأن أباه مرض لمدة سنتين ثم توفي بعدها .. وعامر استعاب أن يتزوج في مثل هذهـ الظروف .. ثم فكر في أمه التي ليس لها أحد غيره بعد رحيل أخوانه إلى المدينة حيث السعة والحضارة والمدنية

كان يتمنى في نفسه أن تكون سلمى نعم الزوجة وأن تحسن معاملة أمه التي تقدمت في السن .. ولكنه غير مطمئن لذلك ..

0000000000000000000000000000000000000000

لقد خُطبت سلمى وستتزوج قريبا .. خطبها أحد أبناء القبيلة الذي يسكن في المدينة ويعمل في السلك العسكري .. وقد أعطاه أبوها بعدما علم تراخي عامر وبعدما لمّح له بذلك

قال له في مجلس الرجال وهو يشير للطعام: يا تمد يدك .. يا غيرك يمده .. (مشيرا إلى موضوع زواجه من سلمى)

فأجاب عامر وهو في ضيق: من يمده لا ترده (يعني الذي يتقدم لها لا ترده)

لا يدري لمَ قال هذا الكلام .. وكأن هناك هاتفا يهتف في أذنه ويقول هي ليست من نصيبك لا تتمسك بها .. أو ربما حدسه القوي ينبئه أنها ليست هي التي خلقت من أجل أن تكون زوجته

لذلك حاول أن يبتعد عن التفكير فيها .. وحاول أن يُبعد عنه إحساسٌ خفيٌ بالندم على فواتها .. كان يقول: وليش أتحسر .. وما هي من نصيبي .. والنصيب يقولون مكتوب على الجبين

ومع ذلك كانت كثيرا ما تخطر على باله وكثيرا ما يحاول طرد تلك الأفكار والذكريات التي تربطه بها

000000000000000000000000000000000000000

في موسم الربيع ذاك .. وعلى مقربة من طريق الحجاز الذي يتجه شمالا إلى تبوك ومنها إلى الشام .. توقفت سيارة حمراء صغيرة ونزل منها رجل أبيض وطويل وجميل ثم سأله بلكنة شامية هل هناك ماء؟
فأجابه عامر نعم
وأعطاه ما معه من ماء
قال الرجل ما يكفينا .. هل هناك غيره؟
نظر عامر في ما حوله وقال: إذا كنت تريد الماء فاتبعني .. فقد نفذت مئونتي

تبعه الرجل إلى أن وصل مضارب قبيلته فأعطاه الماء فشرب قليلا ثم جلس متظاهرا بالتعب .. قال له عامر: هل أنت جائع؟
رد عليه الرجل: لا يهم سنصبر على الجوع إلى أن تظهر لنا بعض المحطات في الطريق وهناك سنشتري لنا غداءا
7
258
48K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

مناير العز
مناير العز
- لن تذهب من هنا وأنت ضيفي وجائع .. سأعطيك شيئا يذهب جوعك

دخل لأمه وطلب منها كثيرا من الإقط وبعض السمن الذي تستخرجه من حليب الغنم وحمله مسرعا للرجل خارج الخيمة ثم قال معتذرا: ليس هذا حقك ..
- لا بأس نحن على طريق سفر طويل ونريد الوصول بسرعة .. وما أعطيتنا قد يسلينا على طول الطريق
- لو تنتظر قليلـ.....
- (قاطعه الرجل) لقد تركت أولادي في السيارة لوحدهم ولا بد أن أعود مسرعا
- كما تريد

شكره الرجل ثم هرول مسرعا إلى سيارته ثم توقف على بعد عدة أمتار وأشار إليه أن اتبعني فتبعه عامر مستغربا

وعندما اقترب الرجل من سيارته توقف منتظرا وصول عامر ثم سأله:
- هل أنت متزوج؟
- لا
- خاطب؟
- ... (صمت قليلا وقد تذكر سلمى) لا
- وهل تمانع أن أزوجك؟
- ماذا؟
- هل تريد الزواج؟؟
- وكيف؟
- لا تسأل كيف فعروسك عندي
- هل أنت جاد؟
- فقط أخبرني عن اسمك وعن قبيلتك

عامر تملكته الدهشة فوقف فاغرا فاه ينظر بعينين متسعتين للرجل الذي يعرض عليه الزواج ولمّا يعرفه بعد .. وكان غير مصدق .. حتى أنه فرك عينه ليتأكد أن هذا المشهد حقيقة وليس حلما

ابتسم الرجل ثم ربت على كتفه وقال: هل عندكم قهوة؟
- وما دخل القهوة بالزواج؟
- (ضحك الرجل) تعال .. لنذهب قرب الخيمة وسأخبرك كيف تتزوج؟

مشى عامر متجها لخيمته ومشى معه الرجل الشامي الغريب .. ثم استوقفه في وسط المسافة بحيث يرى سيارته في غرب المكان وخيمة عامر في شرقه وقال: يا بني لي قصة سأحكيها لك .. وأنا أعرض عليك الزواج من ابنتي .. ولا أظنك إلا من خيرة البدو هنا
- وما قصتك يا عم؟؟
- (تنهد بعمق ثم قال) لقد أقسمت أن أزوج ابنتي لراعي غنم بدوي يعيش في الصحراء .. وتوسمت فيك خيرا .. وقد تكون أنسب من يبر قسمي
- !! .....................
- اسمع يا بني .. لا تخف فابنتي بصحة وعافية وعلى قدر من الجمال .. ولكن هناك على رأسها قرن الغرور والكبرياء ولن يكسره غيرك.... اسمع ما أقول فقط الغرور .. ولا تكسر عزتها وكرامتها .. ولا تسيء معاملتها
- (عامر مندهش ولم يستطع الكلام) ....... !!

ثم طلب منه أن يرتب نفسه فلن يبيت الليلة إلا مع زوجته الشامية الجديدة .. وفعلا لم يأت المساء إلا وقد اجتمع بعض من رجال القرية ليشهد بعضهم عند الشيخ الذي ملكهما على هذا الزواج الغريب وليذبحوا بعض الأغنام بهذه المناسبة

كانت النساء يتطلعن من خيامهن المتفرقة محاولة التقاط خبر أو كلمة تؤكد ما يشيع في المكان من خبر أقرب للكذب منه للحقيقة !!

أما عامر فكان أقرب للشخص الحالم منه للواعي .. فهو رغم هذهـ المراسم غير مصدق ما يشاهده بعينيه وما يسمعه بأذنيه .. حتى دخل على عروسه الجديدة

أول ما رآها حسب أنه في عالم آخر غير عالمه .. قد تكون حورية من الجنة نزلت هذهـ الخيمة المتواضعة .. أو ربما جنية من تلك اللاتي يسمعن بهن في قصص أمه وهن يترصد للرجال وخاصة الشباب

لم يكن عليها فستان زفاف ولم تصبغ وجهها الأبيض بالأصباغ ولم تسرح شعرها البني اللامع بل كانت تغطيه بطرحتها وتلف جسمها بعباءتها..
7
مناير العز
مناير العز
هي لم تستعد لزواج مفاجئ كهذا .. ولم يخطر ببالها أن ينتهي بها الطريق هنا في الصحراء للتزوج بدويا أسمرا وراعي غنم وثيابه صفراء ونعله متقطع

لم يكن عليها سوى جلابية سوداء اشترتها العام الماضي من الأردن وبجوارها حقيبتها التي فيها ملابسها التي أعدتها للسفر للأردن .. وكانت ملامحها الناعمة الجميلة حزينة منكسرة ..

وتجلس بقرب الزاوية في الخيمة وقد ضمت حقيبتها وكأنها تأنس بها وتعوضها فراق أهلها.. أو قد تعطيها بعض الإحساس بالأمان من هذا البدوي الذي يسمونه الآن زوجها

كان مشهدا غريبا فعلا .. فهو واقف بالقرب من باب خيمته لا يدري ماذا يفعل مع عروسه التي بدا عليها الخوف والضيق فانزوت على نفسها؟؟

جلس قرب الباب ثم قال: سدس؟ صح اسمك كذا؟
- (نظرت إليه ولم تتكلم) ........
- سدس .. أكيد عرفتِ إن اسمي عامر ..
- اسمي سندس
- سندس؟ (وأخذ يردد اسمها ليحفظه فهو لا يريد أن تصحح خطأه التافه في نطق اسمها) سندس .. سندس ... ولكن ما معنى سندس؟؟
- (نظرت إليه ولم ترد ثم وضعت رأسها على ركبتيها وانخرطت في البكاء) ......

فجع عامر لبكائها فقام يدور في الخيمة .. يخاف أن يقترب منها فتزيد حدة بكائها ونفورها ويخاف أن يخرج في هذا الليل فيراه أحد ويفتضح أمره

جلس يفكر في حيرة كيف يتفاهم مع عروسه هذهـ؟؟

ثم أخذ يتكلم مخففا عنها.. ويخبرها أنه رجل وشهم ويحترمها ولن يقترب منها إلا بإذنها .. ثم جلس يقص عليها ملامح حياته الماضية مع أمه وأبيه الذي مات قبل سنوات وأخوته اللذين تفرقوا وبقى هو فقط مع أمه

كان يقصد من حديثه أن يخفف من الوحشة وأن يكون بداية ألفة بينهما .. ولم ينتبه إلى أنها نامت على هيئتها تلك

في الغد كانت أخبار الزواج الغريب قد انتشرت وصارت حديثهم المفضل وخاصة النساء .. أما عامر فخرج مثل كل يوم يحلب الأغنام ثم يذهب ليرعاها وعندما عاد في المساء زار أمه أولا التي كانت توصيه بزوجته خيرا وتدعو له أن تكون زوجة صالحة وأن يرزقه الله الذرية الصالحة

ثم قالت له متى نزور زوجتك؟

تلعثم عامر في رده فزوجته نافرة مضطربة وكيف تزورها أمه وهي بتلك الحال؟ .. ثم قال لها : سترينها .. لا تقلقي يا أمي .. سأرى إن كانت مستعدة وأناديك لتزوريها

عندما دخل عليها كانت جالسة والملل باد عليها وبجانبها إناء فارغ كانت قد شربت ما به من لبن

سألها عن حالها فأجابت بخير .. ثم جلس بجوار الباب حتى لا يزعجها باقترابه وسألها إن كانت تريد طعاما؟

كادت أن تصرخ به وتقول.. وهل هذا طعامكم وغداءكم؟؟ أنا لا أريد شيئا من هذا .. ما هذهـ العيشة؟؟؟

ولكنها لم تقل .. عندما نظرت في عينيه رأت شفقة ورحمة وحنانا .. رأت رجلا بدويا ولكن البادية لم تؤثر عليه بطباعها القاسية .. ها هو يحترمها ويداريها

لقد أسكتتها طباعه الرقيقة وأخلاقه الدمثة .. واستحت أن تصرخ به أو تفرغ فيه غضبها .. وكأن معاملته لها امتصت نفورها وغضبها

قالت بعد تردد .. لقد أكلت .. لقد ناولني أحد ما إناءا فيه بعض الرز واللحم

ابتسم وقال: مازلت ضيفتهم وسيجلبون لك الطعام غدا وبعد غد أيضا ..

لم ترد ولكنها أطرقت فهي لا تريد أن ترى ابتسامته .. قد يكون ذلك خوفا من أن يرق قلبها له أو تغيرها ابتسامته العذبة

000000000000000000000000000000
7
مناير العز
مناير العز
في الصباح الثاني من زواجهم زارت أم عامر زوجة ابنها الأصغر وأحضرت معها بعض التمر الذي تخبئه للضيوف فقط وأحضرت القهوة وجلست معها تحدثها بأحاديث عامة لا تخص أحدا كأن تقول لها: سبحان الله يا بنتي .. الأرزاق بيد الله .. وهو الذي يقسم الرزق والنصيب .. وهو الذي يعطي ويأخذ ..
وما شابه هذا الكلام

ظلت الحال هكذا أياما .. فعامر لا يقترب من زوجته سندس ولا يمس حتى ثيابها .. فقط يحضر الطعام والماء وينام على طرف من الخيمة .. إلى أن أنست به سندس وأعجبتها أخلاقه فصارت تنتظر مجيئه وتستعذب كلامه وتبتسم لابتسامته

طرح عليها فكرة أن ترى الأغنام وتخرج معه لتشم الهواء العليل وتمتع نظرها بالأرجاء الرحبة والأفق الواسع .. خصوصا وأن الربيع ينتشر في بعض المرابع

فرحت سندس فخرجت معه لتتفرج وتشاهد البر الواسع .. وأعجبها ذلك .. سارت معه وتبعته في كل مكان يذهب إليه .. وكان هو يؤنسها بحديثه ويسمي لها الأشياء التي لا تعرفها والشجيرات التي تنتشر في شعيب الوادي

ويحكي لها عن الحيات وجحورها والحشرات وأسماءها .. لقد ظنته جاهلا وغير متعلم .. فهو لم يواصل دراسته بعد المتوسطة التي درسها في الهجرة القريبة منهم .. ثم تركها ليتفرغ لرعي الغنم بعد أن تزوجت أخواته وسافر أخوانه وكبرت أمه

والآن عرفت سندس أن الجهل لا يكون في من ترك المدرسة فقط .. فها هي جاهلة بأمور كثيرة يعلّمها إياها عامر غير المتعلم في نظرها

كان يزيد في نظرها كل يوم .. وصارت تأنس به .. وتشتاق لعودته .. ومع ذلك لا تظهر له شيئا من ذلك

000000000000000000000000000000000000000000000000

صار عامر يصحب زوجته الشامية الجديدة بعض الأيام معه للرعي لتؤنس وحدتها وتستنشق الهواء العليل وليبعدها عن تفكيرها بأهلها الذين سافروا للأردن من دونها

بدأ عامر طريقته في جذبها إليه .. فصار يمشي مسرعا لتلحقه أو يختبئ عنها لتبحث عنه .. محاولا بذلك أن يجعلها تتعلق به وأن تعرف أنه الشخص الوحيد هنا الذي تأمن بجواره

وفي أحد المرات نظر خلفها وقال سندس ابعدي ... بسرعة ابعدي فقفزت من مكانها لا تدري أين تذهب .. لم تجد أمامها غير زوجها فتعلقت بكتفه وهي تقول : ماذا رأيت هل هي حية أم عقرب أم ماذا..؟؟

أخذها بين يديه ضاحكا وقال لقد هربت الحية عندما رأتني

نظرت لعينيه تريد أن تتأكد من صحة كلامه ثم قالت: وهل تهرب الحيات منك؟

نعم أنا راعي غنم وأحمي نفسي جيدا وقد عرفتني وصارت تهابني .. أما أنت فعروس حضرية لا تستطيع الدفاع عن نفسها .. لذلك لا تخافك (ثم ضحك)

فعرفت أنه يمزح وكان يفتعل تلك القصة لتقترب منه أكثر .. عرفت لعبته وأعجبتها طريقته وذكاءه ... فابتسمت له ثم تذكرت أنه زوجها وأنها مقصرة في حقه .. وحتى لو كانت غير راضية عن زواجها هذا سابقا .. فليس لها الآن إلا الرضا بما قسمه الله لها .. وعليها أن تسلم أمرها لله وأن تؤدي حق زوجها الذي يداريها ويكرمها منذ أسابيع مضت ولم ترى منه ما يسوؤها ..

000000000000000000000000000000000000000

في ذلك الوقت لم يكن لرجال وشباب القبيلة حديث غير عامر وزوجته الشامية .. كانت نفوسهم تتطلع لمعرفة أخبارهم وهل عامر سعيد معها ؟ وهل هي سعيدة بوضعها الجديد؟ وكيف هي ؟ هل هي أجمل من نسائهم؟

ولكن أخلاقهم لا تسمح لهم بالتلصص على عامر ولا على زوجته لرؤيتها إلا بعض الفتية الصغار الذين كانوا يترصدون أوقات دخول عامر وزوجته للخيمة قبيل المغرب .. لعلهم يلمحون طرفا من يدها أو رجلها .. لعلهم يرون بياضها الذي تتحدث به نساؤهم أو يرون عينيها العسليتين الجميلتين

وأنى لهم ذلك وعامر يغطي كل شيء في زوجته حتى لا يظهر منها شيء البتة .. كان يقول لها .. عند خروجنا من الخيمة لا يظهر حتى ظفرك .. فإذا ابتعدنا لك أن تأخذي راحتك
7
مناير العز
مناير العز
أما نساء القبيلة فكل يوم والآخر يزرن أم عامر لعلها تعزم زوجة ابنها الشامية ليرينها عن قرب .. ففي نفوسهن فضول لرؤية هذه العروس الغريبة .. وكانت أم عامر تصرفهن عن هذا الموضوع لأنها لا تريد أن تحرج زوجة ابنها الخجولة بنظرها .. وكانت أيضا تنتظر فرصة مناسبة لجمعها ببقية النساء

00000000000000000000000000000000000000000

بعد أربعة أشهر توقفت سيارة حمراء صغيرة وترجل منها أبو سندس الذي سار باحثا عن عامر أو أي شخص يدله على عامر ..

كان عامر عائدا بأغنامه إلى قبيلته فلحقه صبي صغير وهو يقول : هناك رجل غريب يريدك
- أين؟
- (أشار الصبي إلى الجهة الغربية حيث الطريق مابين المدينة وتبوك) هناك
- حسنا

نادى عامر زوجته لتدخل الغنم ورجع مسرعا فلمح من بعيد السيارة الحمراء ففرح بقدوم أبو زوجته وما إن اقترب منه حتى ضمه أبوها وسلم عليه بحرارة وسأله عن ابنته
- بخير ولله الحمد .. لقد صارت بدوية أصيلة وتعجبك بداوتها (ثم ابتسم)
- وهل أنت مرتاح معها؟
- الحمد لله فهي نعم الزوجة .. تعال معي هل تريد رؤيتها
- انتظر .. ليس الآن
- ولماذا؟ .. إنها تفكر فيكم كثيرا وتنتظر مجيئكم بفارغ الصبر
- (أطرق الأب رأسه ثم قال ) أعرف .. ما من بنت إلا وتشتاق لأهلها وتحبهم وتتمنى رؤيتهم ولكن .. (ثم سكت)
- ولكن ماذا؟
- أخاف أن تصر على السفر معنا وتتركك يا عامر
- إن كانت تريد السفر معكم فلتسافر .. ومتى عدتم تمرون بها علينا
- لا .. يا عامر .. لا أريد أن تسافر .. أنا أعرف ابنتي وأخاف أن تتغير عليك أو ترفض العودة .. لا أعرف بالضبط ماذا ستفعل؟؟
- هل أفهم أنك لا تريد رؤيتها الآن؟؟
- بالضبط .. فقط أعطها هذهـ ( ومد له حقيبة جلدية وكيسا من والدتها التي كانت تراقبهم في السيارة وتبكي وتود لو تنزل وترى ابنتها الغالية والتي فارقتها من أشهر)

ضم أبو سندس عامرا إلى صدره وكأنه يضم ابنته ثم أوصى عامر بابنته خيرا ودمعت عيناه وهو يودعه .. ثم عاد إلى سيارته ليواصل سفره للأردن

وما إن ركب حتى قالت زوجته: إذا كنت لا تريد رؤيتها .. نحن نريد ذلك
- هل سنعود للجدال في هذا الموضوع ثانية؟
- أبو محمد .. الله يخليك .. لا أستطيع المرور من هنا ولا أراها
- لقد قلت لك لن نمرها ولن نراها ... أفهمت؟؟
- حرام عليك يا رجل !!
- إن كنت تريدين مصلحة ابنتك فأجلي هذا الكلام
- أبو محمد ..؟
- كفى
- ما أقسى قلبك !
- أحيانا القسوة مفيدة .. إنما أردت تأديبها
- وهل هذهـ طريقة في التأديب؟؟
- كم مرة سألتني هذا السؤال؟ .. إن كنت تشكين في قدرتي على تربية أبنائي فلك أن لا تصحبيني في السفر وأن تبقي عند أهلك هناك في عمّان

لا فائدة من هذا الكلام الذي دائما يدور بينهما بشأن سندس .. وليس لأمها حيلة إلا البكاء المرير على مصير ابنتها الذي دفن في الصحراء .. وكانت كلما تذكرتها دعت الله أن تراها عاجلا غير آجل على أفضل حال

سارت السيارة باتجاه الأردن والوجوم يخيم عليها .. حتى محمد ذي العشر سنوات وأفنان ذات الثماني سنوات وجنى ذات الخمس سنوات كانوا صامتين يتذكرون أختهم الكبرى ويشتاقون إليها ولا يستطيعون أن يجبروا أباهم على رؤيتها

لذلك كانت عبراتهم تجري بصمت على خدودهم المتوردة الصغيرة .. وقلوبهم تخفق بقوة عندما مروا من عند ذلك المكان الذي أنزل أبوهم فيه سندس وهو يقول ودعي أهلك وأحضري ملابسك
7
مناير العز
مناير العز
كانوا ينظرون لذلك المكان المشئوم وكأنه العقاب لمن لا يمتثل أوامر أبيه ويزعجه بالعصيان والتمرد .. وكانوا يحسون أن أباهم ظالم بحكمه على سندس الفتاة الصغيرة الرقيقة ذات الخمسة عشر عاما إذ يزوجها لبدوي لا يعرفه وغير متحضر ويسكن في خيمة

لقد نفذ وعيده فيها مما جعل أخوتها يمشون على الصراط لا يحيدون ويصدقون تهديدات والدهم

لقد كرهوا كل ما يذكرهم بزواج أختهم .. حتى السفر كرهوه وكرهوا طريق الأردن وكرهوا الأردن التي لم يعد لها طعم بلا أختهم .. كرهوا أقاربهم الذين يسألونهم عن سندس .. أو حتى يباركون لهم زواجها

كانوا يتمنون فقط البقاء في بيتهم في المدينة حتى لا يتذكروا ذلك السفر المشئوم الذي فقدوا فيه سندس .. وكأنها ماتت فيه

00000000000000000000000000000000000000

في الأردن هناك كانت فرحة أقاربهم كبيرة بقدومهم ولكنهم لم يكونوا يبادلونهم تلك الفرحة .. كان مجرد تغيير جو أو نزهة عادية .. وكان هناك ابن خالتهم فارس الذي صعق بزواج سندس في الشتاء الماضي .. واستشاط غضبا من أبيها هذا الأحمق الذي يزوج ابنته من بدوي ليس كفؤ لها

وكان كلما رآها ود لو فجر رأسه هذا المتيبس أو المتخلف في نظره .. لماذا سندس بالذات يزوجها؟ لماذا سندس الجميلة الناعمة؟ لماذا سندس الذكية المتوقدة وكأنها شعلة نشاط؟

هل كان يريد أن يكسر آماله عليها وأن يحطم قلوب الشباب من عائلتها .. والذين كانوا ينتظرون اكتمال زهرتهم القادمة من السعودية

وها هي الآن تبقى هناك ولا أمل في مجيئها .. لقد دفنها أبوها .. !!

000000000000000000000000000000000000

عندما عاد عامر بالحقيبة كان حزينا ولا يعرف كيف يخبر سندس بمرور أبيها الذي رفض رؤيتها وأعطاه هذه الهدايا لها وأمره أن يوصل لها سلامه وسلام أمه وأخوتها

دخل الخيمة حاملا الحقيبة والكيس ولم تكن موجودة فقد ذهبت إلى أمه لتساعدها في بعض شأنها .. تركها جانبا ثم جلس إلى عمود الخيمة منتظرا عودتها

كان ينظر للشمس تغرب في الأفق وسندس لم تعد بعد .. فقام ليتوضأ ويصلي مع الجماعة .. وعادت سندس إلى خيمتها بعدما خرج .. أول ما لفت نظرها هي تلك الحقيبة وذلك الكيس .. اقتربت منها وقد عرفت تلك الحقيبة الجلدية .. انحنت لتلمسها وتتأكد منها ثم تلفتت حولها .. من أتى بها؟

إنها من أمي ولكن... أين أمي؟ هل جاءت؟ وأبي؟ هل جاء ؟

لم تفتحها وإنما قامت لتبحث عن أهلها فربما قدموا للسلام عليها وجلبوا معهم هذهـ الأغراض لها

خرجت من الخيمة وجالت ببصرها في المكان ولكن لا أثر

نظرت للأفق الغربي حيث طريق الحجاز .. ولم تحس بنفسها إلا وهي تركض هناك باحثة عنهم

عندما عاد عامر للخيمة .. تعجب من تأخر زوجته فهي لم تعد بعد .. فخرج ليرى ما الذي أخرها في خيمة أمه؟

سأل أمه عنها فقالت: لقد خرجت وقت الصلاة إلى خيمتها ولا بد أنها تتوضأ أو تصلي

عاد عامر وبحث عنها داخل وخارج الخيمة فلم يجدها .. واحتار في أمرها .. أين ذهبت؟؟

تذكر الحقيبة لا بد أنها عرفتها .. ثم خطر في باله أنها خرجت للبحث عن أهلها فأسرع خارجا يتبعها حيث الطريق العام

كان الظلام قد حل وعامر يدور في المكان صارخا باسمها : سندس ... سندس

ولا مجيب ... حتى اقترب من الطريق العام فوقف هناك يبحث عنها

00000000000000000000000000000000000000000000000
وللحديث بقية