مناير العز
مناير العز
عاد الشتاء مرة أخرى إلى تلك الأجواء البدوية التي اعتادتها سندس فهي الآن قاربت مدة إقامتها هنا سنة كاملة..

وتحمل في بطنها جنينا في الشهر التاسع وهي مثقلة جدا به .. وأكثر ما يشغل بالها .. هو أين ستلد هذا المولد الجديد؟ وليس هنا أي مستشفى أو مركز صحي؟

كيف ستواجه الولادة وآلامها هنا وحيدة؟ أم أنهم سيأتون بأم سالم لتولّدها؟ وهذا الاحتمال الأقرب

كم مرة طلبت من عامر أن يحملها إلى أقرب مركز صحي أو قرية ويتعذر منها بأنه لا يملك سيارة .. ولا يحب أن يمن عليه أبناء قبيلته بسيارة وليس هناك حاجة ماسة لها

لم تتخيل يوما أنها ستجلس سنة كاملة دون أن تركب السيارة وهي التي اعتادت ركوبها يوميا للمدرسة وقد تركبها مرتين في اليوم إن كانت ستخرج مع والدها للسوق أو للنزهة مع العائلة

عندما جاءتها آلام الولادة جلست تبكي في خيمتها وحيدة .. وعامر الذي تريده بجانبها كان في المرعى مع أغنامه .. لذلك خرجت مسرعة إلى خيمة أم عامر تستنجد بها وتحكي لها ما بها من مغص وآلام لا تحتمل .. عرفت أم عامر أن هذهـ أعراض الولادة فأسرعت إلى جارة لها تعرف لهذهـ الأمور

عاد عامر إلى خيمته فوجدها فارغة .. تلفت باحثا عن سندس .. فلم يجدها .. بحث عن اللبن الذي ترسله أمه يوميا ليشرب منه .. فلم يجده أيضا

كان جائعا واستغرب أن أمه لم ترسل شيئا .. وسندس غير موجودة .. هل شربت اللبن؟ أو ذهبت إلى خيمة والدته لتشربه هناك؟

خرج مسرعا إلى أمه وعندما أراد الدخول كانت أمه خارج الخيمة تعد بعض الماء الساخن الذي طلبته منها جارتها لتنظيف المولود

أسرعت وأمسكت به من خلفه وقالت عامر يا وليدي .. مبروك ألف مبروك

التفت إلى أمه والدهشة المختلطة بالفرحة قد علت قسماته ثم قال لها: هل ولدت سندس؟
- نعم .. جابت ولد .. والحمد لله بصحة وعافية
- صحيح؟
- إيه والله يا ولدي .. انتظر قليلا .. لأرى إن كانت قد انتهت منها أم عوض

دخلت أمه وتركته واقفا بالخارج والفرحة تكاد تطير به حتى أنه لا يحس بأقدامه على الأرض واللهفة لرؤية سندس ومولودها تكاد تسحبه إلى داخل الخيمة سحبا

عندما خرجت أم عوض من الخيمة رأت عامرا واقف خارجها يدور حول نفسه وقد نفذ صبره فباركت له سريعا وقالت : تستطيع رؤيتها الآن ثم ودعته وهي تدعو له بصلاح الذرية

جلس عامر بجوار زوجته سندس التي أنجبت ولدا جميلا أبيضا وشعره خفيف وأصفر .. إنه يشبهها تماما .. أخذه برفق وهو يقول: كيف يُحمل هذا الصغير .. أول مرة أحمل طفلا بهذا الحجم .. أنه أقرب إلى العصفور .. حتى شعره أصفر مثله (ثم ضحك وضحكت معه سندس رغم آلامها)

في الغد جاءت نساء القبيلة لزيارة سندس التي لم يتسن لهن رؤيتها كثيرا .. وباركن لها .. وكن يحملن معهن القهوة أو الحليب الدافئ وبعض الأدوية للنفاس أو يحملن بعض الصوف الذي حاكته أيديهن لتدفئ بها طفلها وتتدفأ هي أيضا

000000000000000000000000000000000000000

في المدينة هناك لم يعرف أحد بولادة سندس فعامر لا يملك هاتفا ولا أحد في القبيلة يملكه أيضا .. وإنما يقطعون الطريق إلى إحدى المحطات البعيدة على الطريق ويكلمون من هناك من هاتف عمومي

فكر عامر في أن يكلم أهلها من تلك الهواتف البعيدة ولكن كيف وهو لا يعرف لهم رقما ؟؟ عاد إلى سندس ليسألها عن رقم هاتفهم فأخبرته وقد فرحت لاهتمام زوجها بأهلها
7
مناير العز
مناير العز
سار عامر إلى المحطة التي تبعد أكثر من عشرين كيلو .. ولم يصلها إلا مع غروب الشمس .. اتصل بأبي سندس ليخبره بالخبر السار .. ثم قفل عائدا إلى خيمته وهو يؤمل أن يأتوا أهلها لزيارتها

فقد لاحظ عليها بعد ولادتها حنينها الشديد لأمها خاصة ولأبيها وأخوتها .. كلما حملت طفلها كانت تقول له : وهل عانت أمي في ولادتي كما عانيت أنا؟ .. ما أصعبها .. والأصعب أن أبتعد عنها .. هل تحبينني يا أمي بهذا القدر الذي أحب فيه طفلي .. ثم تدمع عيناها وتبكي

عندما عاد عامر قامت فرحة لتسأله: هل ردوا عليك؟
- نعم .. لقد كلمت أبيك
- وماذا قال؟
- بارك لك ودعا له بالصلاح
- ولم يقل شيئا آخر؟
- لا
- لم يقل أنهم سيأتون؟
- لا
- ألم تطلب منه ذلك؟
- بلى .. طلبت منه أن يأتي .. فقال ربك يسهل .. فقط
- خسارة .. لقد انتهت إجازة الربيع .. ولا أعتقد أن أبي يستطيع القدوم خلال أيام المدرسة وأخوتي يدرسون
- ولماذا لا يأتون في نهاية الأسبوع؟؟
- أتمنى ذلك .. لعل أمي تصر على رؤيتي .. ومن ثم يطيعها والدي
- ادعي الله أن يأتي بهم إليك
- يا رب .. لقد اشتقت إليهم .. وأنا الآن في حاجة لأمي .. يا رب يأتون بأسرع وقت

000000000000000000000000000000000000

في المدينة وفي بيت أبو محمد لم تنم أم سندس تلك الليلة عندما سمعت بخبر ولادة ابنتها .. كانت تصلي طوال الليل وتدعو الله أن تلتقي بابنتها سريعا .. وكلما استلقت على سريرها لتنام يأتيها خيال ابنتها سندس وهي تبكي وقد أضنتها آلام الولادة فتقوم مفزوعة

في الغد لم تستطع أم محمد تولي شئون البيت من نظافة وطبخ بسبب الإرهاق وقلة النوم وكثرة التفكير الذي أصابها بالصداع .. وعندما عاد أبو أحمد استاء من الوضع ولكنه لم يوبخها بسبب الإرهاق البادي على زوجته

قال لها: هل نذهب إلى المستشفى؟
- دوائي ليس بالمستشفى؟
- أين؟
- في البادية .. عند سندس .. لن أتحسن إلا برؤيتها .. أرجوك لا تخلق أعذارا فقد نفذ صبري وجاوزت حدي في القدرة على التحمل .. إن لم نذهب فسأنهار وتتحمل أنت نتائج قسوتك وكبريائك
- على هونك .. فلم أرفض حتى تهددين بهذا الشكل
- هيا إذن
- اليوم الاثنين والأولاد في المدرسة .. لننتظر إلى الأربعاء
- وهل يحتمل قلبي الانتظار؟
- أم محمد ألا تريدين شراء بعض الهدايا لابنتك وحفيدك؟ (قال لها ذلك ليشغلها عن فكرة السفر يوم الاثنين)
- بلى
- إذن سنخرج اليوم وغدا للسوق وسنجهز حالنا للسفر الأربعاء .. ما رأيك ؟
- (وكأنها تفكر بالهدايا التي نستها) الشكوى لله .. سننتظر .. ونتعلل بشراء الهدايا .. ولكن هل أسمت سندس مولدها؟
- لا.. قال لي أنهم مختلفون قليلا وسيسمونه إذا أكمل أسبوعه الأول
- ومتى يكمل؟
- يوم الخميس سيكون سابعه
- إذن سنحضره إن شاء الله
- إن شاء الله

انتعشت أم محمد فقامت لتجهز أغراضا لابنتها العزيزة والتي غابت عن ناظريها عاما كاملا .. وهي التي كانت لا تقوى على فراقها بضعة أيام .. أخيرا سأراك يا سندس يا حبيبتي

سأكحل عيني برؤيتك وأضمك لصدري الذي افتقد بضعا منه .. آه إنني الآن أشم رائحة شعرك الزاكي وألمس نعومة خديك وأمسك بزنادك النحيل

هل تغيرتِ هل سمنتِ ؟ .. هل أصابتك الشمس ببعض السمرة؟ وهل أصابتك الصحراء ببعض القسوة والخشونة؟

كيف أنت؟ آه .. لا أتحمل الانتظار ليومين قادمين

متى يأتي الأربعاء؟؟

00000000000000000000000000000000000000000000000
وللحديث بقية (على فكرة هذي القصة قديمة قبل الجولات والنت يعني يمكن من عشرين سنة)
المشتاقة الى الجنه
ننتظر ..........
قصه مبتوره
قصه مبتوره
قصه رائعه ننتظر بقيتها بشوق...........تسلمين يا مناير ..........
تحياتووو
أمليتو
أمليتو
قصة رائعة ننتظر البقية مشكوووووووووووورة