stafa
stafa
وجزاكم الله خير
من سألني
من سألني
جزاك الله خيراً
stafa
stafa
اليوم الخامس عشر
عمل اليوم :صلاة التراويح في المسجد مع الامام جماعة واذا كنت ممن يداوم عليها فصلي صلاة قيام مع الاهل جماعة او الاصدقاء
درس اليوم :سورة الرعد
سورة الرعد (مدنية)، نزلت بعد سورة محمد، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة يوسف، وعدد آياتها 43 آية.
قوة الحق
سورة الرعد من أروع سور القرآن، ورسالتها تقول: الحق قوي راسخ، وان لم يظهر أمام الأعين، والباطل مهزوم ضعيف، فهو - وان كان ظاهراً متفشياً - لكنه هش لا قيمة له .هذه الحقيقة البسيطة يغفل عنها الكثير من الناس، فينخدعون ببريق الباطل الزائف. هذا الباطل قد يأخذ أشكالاً متعددة، من مشاهد إباحية متفشية، أو معاص منتشرة، إلى موظف أو تاجر يكذب ويخدع في عمله، إلى أمة ظالمة تعتدي على أمة الإسلام وتأخذ حقوقها، كلها أشكال مختلفة لقوة الباطل الهشة.
أثر الباطل في الناس
هذه الحقائق إذا غابت عن أعين الناس، وانخدعوا بالباطل، يخافون منه، فيستخفون بالحق الذي معهم، أو يحاولون أن يقلدوا هذا الباطل. فنرى كثيراً من الناس يقولون أن فلاناً ناجح في تجارته عن طريق السرقة والغش والخداع في عمله، وبما أن الكل يفعل هذا فلا ضرر من تقليدهم. لهذه النوعية من الأشخاص، تأتي السورة لتقول: أن قوة الباطل مهما ظهرت وانتفشت، فهي هشة، ليس لها أي جذور في الأرض. ومهما توارى الحق أو اختفى من أعين الناس، فهو راسخ متين في الأرض.
الكتاب المقروء والحق
ومن أول آية تبدأ السورة بالتأكيد على أن الله تبارك وتعالى هو الحق، وأن كتابه المنزل من عنده هو الحق: (المر تِلْكَ ايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ).
وبعد أن ذكرت أول آية كتاب الله تعالى، تنتقل الآيات 2 و3 إلى ذكر قدرة الله عز وجل في الكون، وكأنها تقول للناس جميعاً: إن كنتم تكذبون بالكتاب المقروء (القرآن)، فتعالوا ننظر إلى كتاب الله تعالى المنظور (والذي هو عبارة عن الكون كله) . (لله ٱلَّذِى رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبّكُمْ تُوقِنُونَ) (2).
(وَهُوَ ٱلَّذِى مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَـٰراً وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَار...َ)(3).
فلله تعالى كتابان في الكون، كلاهما يدل عليه وكلاهما يقوي الآخر ويدل عليه: فالكتاب المقروء (القرآن) يطالب المسلم بالنظر في الكتاب المنظور (الكون)، من خلال آيات كثيرة كهذه الآيات.
وبالمقابل، فإن الكتاب المنظور يزيدك إيماناً بالقرآن.
الكتاب المنظور والحق
فمن هو المدبّر؟ ومن هو القادر؟ من الذي يملك الكون؟ أتتبعونه أم تتبعون الباطل؟
ولذلك تتابع السورة حديثها عن كتاب الله المنظور (الكون) وكيف يدل على عظمة الخالق جل وعلا: (وَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرٰتٌ وَجَنَّـٰتٌ مّنْ أَعْنَـٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوٰنٍ يُسْقَىٰ بِمَاء وٰحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(4).
رحلة في ملك الله
ومن روعة السورة أنها تهبط بك في ملك الله تعالى درجة درجة، لتتأمل الكون وآياته من أعلى إلى أسفل. فلو تأملنا في الآيات من 2 إلى 4، لوجدنا أن الآيات بدأت بالسماوات، ثم انتقلت إلى الشمس والقمر، فالأرض والجبال والأنهار، إلى تقسيم الأراضي الزراعية (قطع متجاورات) وتنوع ثمارها. كأنك تنزل بالطائرة من فوق لتحت، وكتاب الله معك كدليل يدلك على هذه الآيات ويقول لك: أنظر إلى ملك الله تعالى من فوق إلى تحت، من رفع السماوات بلا عمد لغاية تقسيم الأراضي، وكيف أن الماء الذي يسقي كل أنواع الزروع هو ماء واحد يأتي من عند الله.
فعجب قولهم
وبعد كل هذه الآيات والدلائل، يأتي التعقيب من الله تعالى: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ..)(5). فهل تستغربون، بعدما رأيتم كل هذا الملك في الكون، كيف أن الله تعالى قادر على أن يحيي الناس بعد موتهم؟
كيف يمكن لأي صاحب عقل سليم أن يشّك في قدرة الله تعالى؟ لذلك تنتقل الآيات التي بعدها إلى التركيز على نوع آخر من قدرته تعالى، وهي القدرة على جمع المتناقضات في الكون.
المساندة الوهمية .
وتمر الآيات، إلى أن تصل بنا إلى ثلاثة أمثلة تخدم هدف السورة بشكل رائع ومعجز:
وأولها كان هو المفتاح لفهم السورة واستنتاج المحور الذي قلناه في أول السورة. اقرأ معي الآية 14:
(لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقّ) اي ( إِنَّ الْإِخْلَاص فِي الدُّعَاء هُوَ دَعْوَة الْحَقّ اي دعاء الله في كل الامور ورجاء الاجابة منه وحده والايمان بذلك وقيل دعوة الحق وهو تنزيه الله عن الشرك وهي كلمة لا اله الا الله وهي كلمة حق ) ومن خالف ذلك (وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْء....) . وبالتالي فإن كل من يمشي وراء الباطل سيظل قلبه يجري وراء السعادة الوهمية التي لا مساندة فيها ولا دعم فالله يمثل الذين يسعون وراء غير الله من الاولياء والبشر و الاصنام والسحرة والكهنة ويترجى منهم الاجابة والخير فانه يحتاجهم ولا يساندوه لان ذلك بيد الله وليس بيد احد من البشر الذين لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ دُعَاء , وَلَا يَسْمَعُونَ لَهُمْ نِدَاء فمثلهم في الاية (إِلاَّ كَبَـٰسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ). فالناس التي تجري وراء الباطل يصورّها لنا ربنا تبارك وتعالى بشخص ينظر في المياه ويحاول أن يلتقط فمه الماء وهو في اشد العطش والهلاك ، وما هو ببالغه (ضَرَبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمَاء مَثَلًا لِيَأْسِهِمْ مِنْ الْإِجَابَة لِدُعَائِهِمْ ; لِأَنَّ الْعَرَب تَضْرِب لِمَنْ سَعَى فِيمَا لَا يُدْرِكهُ مَثَلًا بِالْقَابِضِ الْمَاء بِالْيَدِ) وقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : هُوَ كَالْعَطْشَانِ عَلَى شَفَة الْبِئْر , فَلَا يَبْلُغ قَعْر الْبِئْر , وَلَا الْمَاء يَرْتَفِع إِلَيْهِ . لذلك ما تدعون باطل وافتراء لذلك انتهت الاية ب (وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ (14)
يا شباب لا تنخدعوا بالباطل، ولو كان براقا وزاهيا، ولو أخذ شكل حفلات يجتمع بها الشباب والبنات، ليسودها الرقص والمجون، ولو أعطاه البعض اسم الشجاعة والتقدم وكسر التقاليد... الباطل زاهق لا محالة، والحق هو الأصل.
الباطل... زبد يطفو على صفحة الماء
ويضرب لنا ربنا مثالاً رائعاً آخر، ليؤكد على أن الحق راسخ قوي وإن كان خفياً، وأن الباطل هش لا قيمة له، وإن كان على السطح وانتفش، اسمع معي الآية 17: (أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) : الماء النازلة من السماء تمثل الحق والخير الذي ينزل مع الوحي من السماء. فماذا كان أثر هذا الماء؟ (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا).
أنظر لقوته وعظمته، وكيف دخل في الوادي ليحمل الخير للناس، فماذا حدث؟ (فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا)(17).
أي أشياء لا قيمة لها من قش وفضلات، تجمعت على سطح المياه، فغطت الماء، بحيث أنها غطت المادة القيمة.
فصار الخير مغموراً تحت، والماء الذي سيزرع به تحت. أما الظاهر، فهو القش والفضلات التي لا قيمة لها (الزبد).
ويأتي مثل رائع آخر: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى ٱلنَّارِ ٱبْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَـٰعٍ زَبَدٌ مّثْلُهُ) (17).
فإذا وضعت قطعة ذهب في النار، لتختبر صفاءها ونقاوتها، فإن الشوائب في داخلها ستصعد إلى السطح، ويبقى المعدن النفيس تحت، نفس مبدأ المياه. كأن ربنا يقول لنا: هذا ماء وهذا نار، لكن المبدأ يبقى نفسه، والحق والباطل تبقى أشكالهم واحدة وحقيقتهم واحدة. فدائماً سيظهر الباطل على السطح وسيبقى الخير تحت، لكن الخير راسخ وإن لم تره، والباطل زائل وإن علا وطفا فوق السطح.
كذلك يضرب الله الحق والباطل
لذلك يأتي تعقيب واضح على هذين المثلين ليؤكد انسجامهما مع هدف السورة: (كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱلله ٱلْحَقَّ وَٱلْبَـٰطِلَ)(17). فماذا يكون مصير الإثنين؟
(فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱلله ٱلاْمْثَالَ) (17).
فهيا نعيش للحق، ومع أهله وأصحابه، الذين تحدثت عنهم الآية 14: (لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ...).
لماذا "الرعد"؟
ويبقى سبب تسمية السورة، فلماذا اختار ربنا الرعد ليسمي السورة باسمه؟
لأن الرعد نموذج للتناقض، فهو من ناحية علمية، يحمل في طياته شحنات متناقضة، سالبة وموجبة. ومن ناحية إيمانية، فهو يظهر الرعب والخوف، لكنه يحمل الخير والمطر للناس. صوته رهيب من الخارج، لكن باطنه يسبح الله، اسمع قوله تعالى (وَيُسَبّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلْـٰئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱلله وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ) (13). وكأن آيات الله الكونية في السورة (وعلى رأسها الرعد) توجه لنا نفس الرسالة، وهي أن لا ننخدع بظاهر الأشياء، بل ننظر إلى باطنها.
عظمة القرآن
وبعد أن عددت الآيات أثر كتاب الله المنظور (الكون) في إيضاح الحق والباطل، يأتي مثال أروع: كتاب الله المقروء.
(وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل لله ٱلأَمْرُ جَمِيعًا...) (31).
ومعنى هذه الآية أنه لو كان هناك شيء يمكن أن يحرك الجبال أو يسير الأرض أو يحيي الموتى، لكان هذا القرآن. وكأن المعنى: أن هذا الكون الرائع لا يحركه إلا هذا القرآن. لماذا؟ لأنه الحق الكامل في الأرض، مصداقاً لقوله تعالى (لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقّ) (14).
من فضلك، اقرأ سورة الرعد، وعش مع الحق الذي ينزل من عند ربنا، فالحق هو كلام الله، هو القرآن، وهو طريق الخير والصلاح. وإياك بعد أن قرأت هذه السورة الكريمة أن تنخدع بالباطل مهما انتفش وعلا على ظهر الحق، لأنه أولاً وآخراً هش ليس له أي جذور.
stafa
stafa
وجزاك الله خير
stafa
stafa
اليوم السادس عشر
عمل اليوم :عمل مائدة افطار للفقراء والمساكين في البيت او المسجد او لاحد من لاقارب مع استحضار نية صلة الرحم والاحسان
درس اليوم : نعم ونقم والحافظ هو الله (سورة ابراهيم والحجر والنحل )
سورة ابراهيم
هدف السورة: نعمة الإيمان ونقمة الكفر
كثير من الناس إذا سئل: ما هي أعظم نعم الله عليك؟ سيجيب بالأمور المادية (الزوجة أو الأولاد أو البيت أو المال)، وإذا سئل بالمقابل عن أعظم مصيبة، سيذكر المشاكل الدنيوية وخسارة المال وضياع التجارة... فتأتي سورة إبراهيم لتصحّح هذا المفهوم وتوضح أن أعظم نعمة في الوجود هي نعمة الإيمان وأن أسوأ نعمة هي نعمة الكفر والبعد عن الله تعالى...
هل تستوي الظلمات والنور...
لذلك فإن السورة هي عبارة عن مقابلة مستمرة بين الحق والباطل، بين أهل الإيمان وأهل الكفر، بين النور والظلمات.. وبدايتها واضحة في هذا المعنى: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ) (1) وكأن المعنى: أيّها الإنسان أنظر إلى الظلمات والنور، وتأمّل نعمة الله تعالى واختر بينهما..
وجهان ليوم واحد
وتؤكد الآية الخامسة على نفس المعنى في قصة موسى عليه السلام: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱلله إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (5) فما علاقة أيام الله بالصبر والشكر؟ إن أيام الله هي الأيام التي أهلك الله فيها الظالمين في كل قوم من الأقوام ونجّى فيها الصالحين، فكانت نعمة على المؤمنين ونقمةً على الكافرين. والمؤمن يتخذ من تلك الأيام عبرة تعينه على الصبر وتحمل الأذى كما تحثّه على الشكر على نعمة الإيمان (إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) .
فمضى سيدنا موسى ليبلغ رسالة ربه كما أمر وليذكّرهم بأعظم نعم الله عليهم:
(وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱلله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِى ذٰلِكُمْ بَلاء مّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ) (6).
طريق الله نعمة وعزة، والبديل لا يكون إلا صغاراً وذلاً في الدنيا، كما بينت الآية على لسان سيدنا موسى. (لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ) ثم تأتي قاعدة عامة ووعد رباني لكل من يشكر نعم الله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ) (7).
ومع أن الآية تنطبق على كل نعم الله، لكن ورودها في وسط الآيات التي تتحدث عن نعمة الإيمان، يشير إلى أهمية شكر نعمة الإيمان بشكل خاص، حتى يزيدنا الله من هذه النعمة، وإلا فإن الله غني عن العالمين: (وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلاْرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱلله لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ) (8).
رسالة الأنبياء
وتبدأ الآيات بعد ذلك في الكلام على المواجهة بين أهل الإيمان وأهل الكفر، ولأن موضوع السورة هو نعمة الإيمان ونقمة الكفر، فإنها لا تتكلم عن كل نبي لوحده، وهذا يخالف منهج السور السابقة التي كانت تتحدث عن كل نبي مع قومه، أما هذه السورة فإنها تصوّر كل الأنبياء مع كل الكفّار، كما في قوله تعالى: ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ)، (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْقَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى ٱلله شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ) (10).
هل تفكّرت يوماً في أهمية هذه النعمة؟ ان الله تعالى بعزته وجبروته يناديك ويدعوك ليغفر لك ذنوبك وهو الغني عنك؟
واسمع إلى تأكيد الرسل مرة ثانية على أن ما هم فيه من إيمان
ومعرفة بالله تعالى هو أعظم النعم (... وَلَـٰكِنَّ ٱلله يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ...)(11).
نعم... ونقم
وتتوالى أنواع النعم والنقم في السورة:
فيأتي قوله تعالىمن النعم : (وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلاْرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ) (14).
وتأتي مقابلها آيات شديدة في التحذير من نقمة الله:
(مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاء صَدِيدٍ & يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ & مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ...) (16-18).
آيات كثيرة تتواصل، إلى أن تصل بنا إلى خطبة إبليس في جهنم، والتي هي بمثابة قمة نقمة الكفر على أصحابه.
خطبة إبليس
(وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلاْمْرُ إِنَّ ٱلله وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى) (22).
تخيّل حسرة من سيسمع هذا الكلام! كيف تستجيب له وهو سيتبرأ منك بهذه الكلمات... (فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (22)... فهل هنالك نقمة أشدّ من ذلك؟!..
الكلمة الطيبة..
وتصل الآيات إلى آية محورية تشير إلى أن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان، يضرب الله لنا فيها مثلاً: ( مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ) ولقد ضرب الله هذا المثال لأن الناس يظنون أن نعم الله إنما هي مادية، فيعلمنا الله تعالى بأن كلمة واحدة، نعمة واحدة، هي أعظم من كل النعم الماديّة التي يراها الإنسان... (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱلله مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَاء & تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا وَيَضْرِبُ ٱلله ٱلامْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (24 – 25) فكما أنّ الشجر يثمر ثماراً طيبة، فكذلك شجرة لا إله إلاّ الله، الراسخة الجذور، العالية الفروع، تثمر أشخاصاً مؤمنين (كأهل القرآن والدعاة إلى الله والإيجابيين وغيرهم من أهل الخير المؤمنين..). وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، حسنات وأعمالاً صالحة، تبقى لصاحبها صدقة جارية بعد موته.
وبالمقابل فإن كلمة الكفر هشّة، خبيثة، لا جذع لها ولا أصل: (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلاْرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) (26).
(وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱلله لاَ تُحْصُوهَا)
وتعدد السورة نماذج أخرى من نعم الله: (له ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء...وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ) (32). (وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلانْهَـٰرَ & وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ...) (33).
كل هذه النعم مسخّرة تحت أيدينا، لماذا؟ حتى نعرف الله تعالى ونستشعر فضله ونسلك منهجه.
واللطيف أن الآية (34) تقول: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱلله لاَ تُحْصُوهَا). فلم تقل الآية وإن تعدوا نعم الله، بل أننا لو حاولنا أن نعدّد خصائص نعمة واحدة فقط (كنعمة الشمس مثلاً) لما قدرنا على إحصائها، فما بالك بأعظم نعمة؟ نعمة الإيمان بالله ومعرفة منهجه؟...
نموذج إبراهيم
ويأتي ختام السورة، وهو مقارنة بين نموذجين، نموذج لإنسان عاش في نعمة الله (سيدنا إبراهيم عليه السلام) واستشعر نعمة الإيمان، وبالمقابل نموذج لأشخاص عاشوا بعيدين عن الله وهم ظالمين لأنفسهم ومجتمعاتهم التي حولهم...
فسيدنا إبراهيم كان شكره واضحاً على النعمة: (ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَاء) (39). فكان دعاؤه الرائع ورجاؤه إلى الله أن يتم عليه نعمة الولد بنعمة أعظم منها وأجل: أن يحفظ الله دينه ودين ذريته بالصلاة: (رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء & رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ) (40 – 41). وانظر لهذا الحنان من أبينا إبراهيم، وهو يدعو لنا ولأولادنا أن يثبتوا على الصلاة.
الخاتمة
وبعد ذلك تختتم السورة بأشد آيات القرآن على الظالمين والبعيدين عن الله (وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلله غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلابْصَـٰرُ & مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء & وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ ) (42-44).
هل بعد هذا من نقمة ومهانة وذل؟
إن أعظم نعمة في الوجود هي أن تنجو من هذا الموقف، وأسوأ نقمة في الوجود أن تكون مع من قال الله فيهم: (وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلاْصْفَادِ & سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ) (49 – 50)...
هذه سورة إبراهيم، سورة نعمة الإيمان ونقمة الكفر، سميت باسم سيدنا إبراهيم كنموذج لمن استشعر نعمة الله الكاملة وأدّى حق شكرها. من فضلك اقرأ هذه السورة واشكر ربنا على هذه النعمة العظيمة، لأن شكرك له سيرقيك في مراتب الإيمان (لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ) (7).
سورة الحجر
سورة الحجر (مكية)، نزلت بعد يوسف. وهي في المصحف بعد سورة إبراهيم. عدد آياتها 99 آية.
للدعاة فقط
نزلت هذه السورة في وقت اشتدت فيه كل أنواع الإيذاء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين. أنزلت في ظرف شبيه بظروفنا المعاصرة، حيث كان جميع الناس ينظرون إلى الإسلام نظرة اتهام وتشكيك واستهزاء.
والاستهزاء قد يكون في بعض الأحيان أصعب على النفس من الإيذاء البدني. أن تجد من حولك متفوقاً في القوة والعدد، يستهزئ بك مع يقينك أنك على حق. إنه أمر قاس على النفس البشرية. فأنزلت سورة الحجر لتطمئن النبي وكل أتباعه في كل العصور، وتقول لهم: لا تخافوا، فأنتم محفوظون، والله سبحانه وتعالى سيحفظ دينه فتوكلوا عليه ولا تنبهروا بقوة أعدائكم واستمروا في الدعوة إلى الله...
إنها سورة للدعاة، سورة للذين يحبون الإسلام وينتمون إليه... إنها سورة الحفظ والعناية الربانية للدعاة الذين يسخر الناس منهم لتمسكهم بتعاليم دينهم، وسورة الحفظ للفتاة التي يسخر البعض من حجابها. فتقول لهم: توكلوا على الله ولا تنبهروا بقوة أعدائكم، واستمروا في الدعوة إلى الله والأخذ بيد الناس إلى الإسلام.
هدف السورة
إذاً فهدف السورة صار واضحاً: إن الله حافظ دينه وناصره، فلا تنبهر أيها المسلم من أي حضارة أخرى، ولا تلتفت إلى استهزاء الآخرين وتشكيكهم بل ركز جهودك على الدعوة إلى الله وعبادته. إنها رسالة طمأنة وتثبيت لكل من يخاف على الإسلام في الوضع الحالي الذي نمر به نحن اليوم..
وهذه المعاني واضحة في آيات السورة منذ بدايتها حتى نهايتها: ففي بداية السورة: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (3).
وفي ختامها: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ & فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ) (97-98).
فالآيات تؤكد عليك أيها المؤمن ألا تنبهر بقوة الغير، وأن تركّز على دينك وعبادتك من تسبيح وسجود وعبادة وتثبت عليها حتى آخر حياتك (وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ) (99).
آيات الحفظ في السورة
والسورة تشير إلى حفظ الله لأمور عديدة، ومنها:
1. حفظ القرآن: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ) (9) هل نسيت أن الكتاب الذي هو دستور حياتك محفوظ؟ فالذي حفظ هذا الكتاب هو القادر على حفظ دينه ودعاته.
2. حفظ السماوات، فقد حفظها الله من الشياطين وجعلها متعة للناظرين: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِينَ & وَحَفِظْنَـٰهَا مِن كُلّ شَيْطَـٰنٍ رَّجِيمٍ & إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ) (16-18)...
3. حفظ الأرض: (وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوٰسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شَىْء مَّوْزُونٍ) (19). فإذا كانت السماوات والأرض محفوظة لهذه الدرجة، فما ظنك أخي المسلم في حفظ الله لكتابه ودينه؟
4. حفظ الأرزاق: (وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوٰسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شَىْء مَّوْزُونٍ & وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرٰزِقِينَ & وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) (19-21).. فالقرآن محفوظ والسماء محفوظة والمؤمنون محفوظون...
5. حفظ المؤمنين من كيد الشيطان (إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ) (42).
6. واللطيف أن الآيات التي بشّرت المؤمنين بالجنة ذكرت أيضاً معنى الحفظ: (ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ ءامِنِينَ) (46)... (لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ) (48).
فأنت أيها المؤمن محفوظ مع كتاب الله والسماوات والأرزاق.. بل إن الله حفظ هذا كله لنفعك وصلاح أمرك وقلبك.
إبليس وآدم
كما ذكرنا في سور سابقة، فإن كل سورة في القرآن تأتي قصصها لتخدم هدف السورة. وقصة آدم وإبليس تنطبق عليها نفس القاعدة. ففي القرآن عموماً تركّز هذه القصة على سيدنا آدم عليه السلام. لكن سورة الحجر لم تأت على ذكر آدم، بل ركّزت على إبليس نفسه فهو يقول كما ذكر تعالى: ](َالَ رَبّ فَأَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ & قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ & إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ & قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ & إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ) (36-40)...
لاحظ الطريقة الأساسية التي سيتبعها إبليس في الإغواء: تزيين الباطل في الأرض عن طريق إبهار الناس. فالإبهار يغيّر الحق ويقلب المفاهيم ويشوّش على الكثير من ضعاف القلوب. لكن عباد الله المخلصين محفوظون بإذن الله، فيأتي الرد على عدو الله:
(قَالَ هَذَا صِرٰطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ & إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ) (41 - 42).
إن هذه السورة هي سورة الحفظ، فأنت محفوظ أيها الإنسان، والقرآن محفوظ كما حفظت السماوات من قبل، والأرزاق محفوظة فلم الخوف..؟ إن هذه السورة قد أنزلت في ذروة إيذاء المشركين للمسلمين في مكة، لتطمئن النبي وأصحابه أنهم محفوظون، والآن تطمئن كل الدعاة إلى الله أنهم أيضاً محفوظون... أنتم محفوظون طالما كنتم على صلة بربكم (إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ..) الله تعالى هو الذي يقول هذا... وانظر إلى لطف الآية وهو يدافع عنك أمام عدوك، واستشعر بالفخر كونك تندرج تحت كلمة "عبادي"(.. إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ) أما الغاوون، فهم الذين اختاروا طريق الشيطان، وهم محرومون من هذا الحفظ الرباني. هذه الحقائق كلها يعلمها إبليس، فهو أمام رب العزة يقول: (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ).
فطالما أننا محفوظون، والحفظ مضمون من الله تعالى، فلم الخوف؟؟...
أصحاب الحجر
وهنا يأتي سؤال: ما سبب تسمية السورة بـ (الحجر)؟
إن الحجر هو المكان الذي سكنت فيه قبيلة ثمود (قوم صالح عليه السلام)، فما علاقة ذلك بالحفظ؟
إن أصحاب الحجر كذّبوا بآيات الله ورفضوا طريق الإيمان، فشعروا بأن الله تعالى قد ينزل عليهم عقاباً أو عذاباً، فبحثوا عن مكان يشعرون به بالأمان فلم يجدوا إلا الحجر. ولقد توصّلوا إلى مدنية رائعة وحضارة راقية جعلتهم ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين... تقول الآيات (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ ٱلحِجْرِ ٱلْمُرْسَلِينَ & وَءاتَيْنَـٰهُمْ ءايَـٰتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ & وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا ءامِنِينَ) (80 - 82) لقد ظنوا أنهم إن سكنوا داخل الجبال سينجون من العذاب، فصاروا ينحتون في الجبال بيوتاً ليضمنوا النجاة بعيداً عن الفيضانات وتقلبات الطبيعة، فما الذي حصل لهم؟
(فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) (83) فالصيحة لا يحمي منها جدار ولا جبل ولا غير ذلك، ولقد جاءتهم مصبحين أي في الصباح (لأنه رمز الأمان فالليل يوحي دائماً بالخوف)، وكأن المعنى بأنه لا حفظ لك أيها الإنسان إلا من عند الله تعالى...
فلا تنبهر بهم (ولذلك ذكر الله قدرته في الكون في أول السورة) وكانت طريقة عذابهم متفردة بين الأمم: صيحة (أي صوتاً رهيباً) لا يحول دونها حافظ من حائط أو ريح أو ماء أو حجارة.
لذلك سميت السورة بالحجر كرمز لقوة الحضارات الأخرى، لنحذر من الانبهار بالآخرين ولتؤكد أنه لا حافظ إلا الله.
توجيهات للدعاة في كل زمان
بعد أن استشعر قارئ السورة مدى الحفظ الرباني وأهميته وعدم نفع كل ما سواه، تأتي نصائح مهمة للدعاة إلى الله للتعقيب على قصص السورة ولتحقيق هدفها:
1.(وَلَقَدْ ءاتَيْنَـٰكَ سَبْعًا مّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْءانَ ٱلْعَظِيمَ) (87) في مقابل كل ما أوتي الآخرون من قوة ومظاهر مادية، آتاك الله سورة الفاتحة والقرآن العظيم (هل تذكر سورة الفاتحة وعظمتها ومعانيها الرائعة؟)، فتمسّك بما آتاك الله واعتز به ولا تمدّ عينيك إلى ما سواه، لذلك تأتي الآية التالية:
2.(لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (88).
فلا تنبهر أخي المسلم بمتاع الدنيا الذي تراه عند الحضارات الأخرى، واعتزّ بإسلامك وتواضع لإخوانك. لا تغرّنك تكنولوجية الغرب ولا تطوّر عمرانه، فإن القاعدة الربانية التي طبّقت على أصحاب الحجر تنطبق عليهم أيضاً، وهي أنه لا حافظ إلا الله.
3.(فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ) (94). اجهر بالدعوة رغم كل ما قد تتعرّض له لأن الله تعالى هو الحافظ. هذه الآية كانت مرحلة الانتقال بين الدعوة السرية والجهر بالدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الصحابة يشعرون بصعوبة الأمر، فجاءت الآية ليطمئنوا بأنهم محفوظون رغم الاستهزاء... (فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ & إِنَّا كَفَيْنَـٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءينَ) (94 - 95)..
4.(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ & فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ & وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِين)لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَوَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا...) فانظر إلى هذا المدح الرباني لمن قدّر نعمة الوحي وعرفها في مقابل الذين كذّبوا بآيات الله (الآية 24). وتأتي الآية (32): (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .
أيضاً في مقابل الآية (28) (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء..).
نعمة الرسل والهداية
نعمة مهمّة يتكرر ذكرها في السورة: إنها نعمة الرسل والهداية: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱلله وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ) (36) فإرسال الرسل إلى البشر بشرع الله ومنهجه هو أعظم نعمة على الناس في كل العصور.
(وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ & بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (43-44).
هل كتبت بين النعم التي منّ بها الله عليك، إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلينا؟
وإنزال القرآن الذي نقرأه ونعيش مع آياته ومعانيه؟... وهل فكرت يوماً في تطبيق أوامر القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بنية شكر ربنا على هاتين النعمتين العظيمتين؟
وما بكم من نعمة فمن الله
وبعد ذكر النعم المتتالية، تأتي آية محورية وفاصلة لتعقب عليها: (وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱلله) (53)
لتلفت النظر إلى أن استشعار النعمة هو بداية التمهيد لشكر الخالق، فالنِعمة قيدُها الشُكر، والشكر ضمانة لاستمرار النعم (لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم، 7).
فلو أرجع الإنسان كل ما في حياته إلى أصله فإنّه سيجد أنّه لا يملك شيئا.. من أول حاجياته الأساسية (من لباس ومأكل ومشرب) إلى آخر مستجدات التكنولوجيا الحديثة (من مركبات فضائية وكومبيوتر وسيّارات..). فكلها تعتمد على المواد الأولية التي سخّرها الله لنا، وكلها نتاج العقل البشري، الذي هو أعظم نعمة أعطانا إياها ربنا.
إبراهيم عليه السلام: شاكراً لأنعمه
وتختم السورة بقصّة شخص شاكر لأنعم الله، إنه سيّدنا إبراهيم عليه السلام، والملفت أن السورة وصفت سيدنا إبراهيم بإحدى أهم صفاته التي تخدم هدف السورة: (شَاكِراً لأَنْعُمِهِ) (121).
وبعد أن أصبح شاكراً لأنعم الله (ٱجْتَبَـٰهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (121).
سبب تسمية السورة
يبقى سؤال مهم: لماذا سمّيت هذه السورة بسورة النحل؟ إن هذه السورة لم تسم باسم النعم التي ملأتها ولكن باسم النحل، فلماذا؟
يقول تعالى (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِى مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ & ثُمَّ كُلِى مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ فَٱسْلُكِى سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ) (68 - 69).
أولاً إن النحل وتنظيم مملكته وطريقة إخراجه للنحل هي نعم عظيمة من نعم الله وآياته في الكون.
ثانياً، إن الآيات قد بدأت بقوله تعالى ]وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ[، فهي تشير إلى اتباع النحل للوحي الرباني وطاعتها لله واستعمالها لإرشادات الوحي لتنفيذ ما كلفت به بدقة (ٱتَّخِذِى... كُلِى... فَٱسْلُكِى...).
فكان النحل نموذجاً لتوظيف النعمة طاعة لله، فلما أطاع الله ونفّذ أوامره، أخرج الله من بطونه عسلاً شافياً ومفيداً للأرض كلّها... ولاحظ دقة التعبير القرآني في كلمة (يَخْرُجُ)، ولم تقل الآية (فاخرجي عسلاً)، لأنها لما اتبعت الوحي وطبقت منهج ربنا خرج عسل مفيد ونافع، وكذلك الوحي، ينزل على الأمة، فإن التزمت بأوامر الله واتبعت الوحي، فسيخرج عسل الهداية والنور للمجتمع.
ومن اللطيف في مملكة النحل: اعتمادها على الإناث بشكل أساسي، وحتى النداء القرآني لها (كُلِى.. فَٱسْلُكِى..) كان بصيغة المؤنث، لأن الذكور لا عمل لهم إلا تلقيح الملكة، بينما يقع الدور الأساسي في العمل والبناء وإخراج العسل على الإناث.
القرآن والعسل... شفاء للأرواح والأبدان
ومن روعة القرآن أيضاً، أن كلمة الشفاء لم ترد في القرآن كله إلا مرتين: مرة عن العسل ومرة عن القرآن،... فالقرآن فيه شفاء للناس كالعسل تماماً... والله تعالى في هذه السورة عدّد علينا نعماً كثيرة (وأهمها الوحي) وحذّرنا من سوء استخدامها... فلو أحسنا استخدام نعمة العسل فسوف نشفي أبداننا، وبالمقابل لو أحسّنا استخدام القرآن لكان في ذلك شفاء للعقول والقلوب والأرواح...
قدم ثمن العسل
كانت هذه سورة النحل سورة النعم، فإذا علمت أن سورة النحل هي سورة النعم، وتذكرت نعم الله عليك ثم لم تشعر بكل جوارحك وبكل ذرة من جسمك بأنّك بحاجة إلى أن تشكر الله... فينبغي أن تراجع نفسك..لأنك بهذا لم تستفد من سورة النحل... إنها سورة الحمد، سورة معرفة نعم الله وشكره...
وينبغي أن نسأل أنفسنا، هل نحن قد وظّفنا نِعم الله في مرضاته، أم نستخدمها في معصية... فإذا كان الإنسان يستخدم نعم الله في معصيته فليخف من الآية (وَضَرَبَ ٱلله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱلله فَأَذَاقَهَا ٱلله لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون) (112)..
فالذي يعصي الله تعالى مستخدماً نعمه فسيعيش حياةً غير آمنة وسينقص رزقه ويعيش في فقر وجوع وخوف... ولذلك كان من أهم منن الله تعالى على قريش: (فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ & ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ)... (قريش، 3-4)
مشروع عملي
ما رأيكم أن نتبع قراءتنا لهذه السورة بمشروع عملي، يزيد من إحساسنا بنعم الله وتفاعلنا مع سورة النحل؟
اقرأ سورة النحل، ثم تتبّع النعم المذكورة فيها واكتبها كلها، وترجم هذه النعم إلى حياتك الخاصة بأمثلة محددة (كالستر مثلاً أو العائلة أو الغذاء). بعد ذلك كله تفكّر في كيفية توظيف كل هذه النعم في طاعة الله، تكون قد حققت مراد الله منك في هذه السورة، والله المستعان.