stafa
stafa
اليوم السابع عشر
عمل اليوم : قراءة تفيسير سورة من سور القران العظيم ومعرفة معانيها واسباب نزولها ممكن الاستعانة ببعض المشايخ او متابعة الرابط التالي :
http://www.altafsir.com/Tafasir.asp?tMadhNo=1&tTafsirNo=5&tSoraNo=112&tAyahNo=1&tDisplay=yes&UserProfile=0
درس اليوم:سورة الاسراء
سورة الإسراء (مكية) نزلت بعد سورة القصص، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة النحل، وعدد آياتها 111 آية. وتعرف هذه السورة بسورة بني إسرائيل.
اعظم اجتماع
ولكي نقف على محور وهدف السورة فنحن بحاجة للرجوع إلى قصة الإسراء نفسها، عندما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وبعدها كانت رحلة المعراج إلى السماوات العلى. فلماذا لم تسم السورة باسم سورة المعراج؟ وما السر الكامن وراء تسمية السورة بهذا الاسم؟
لقد رافق هذا الحدث العظيم حدث آخر بنفس الأهمية، كان أعظم اجتماع في تاريخ البشرية. لقد كان المسجد الأقصى ممتلئاً عن آخره بأفضل الناس، أنبياء الله تعالى من لدن آدم حتى عيسى عليه السلام، وكلهم كانوا ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم، ليصلي بهم إماماً.
إمام الرسل والأنبياء
إنّ صلاة النبي بالأنبياء هي عنوان انتقال الرسالة إلى هذه الأمة واستلام النبي صلى الله عليه وسلم لواء قيادة البشرية في هذا المكان المبارك، المسجد الأقصى. فأنت يا محمد وأنتم يا أمة محمد أصبحتم مسؤولين عن الكتاب، أي عن الرسالة التي أرسلها الله إلى البشرية والتي تنتقل من نبي إلى نبي، ابتداء من سيدنا نوح الذي حمل الرسالة مع أولاده بعد الطوفان، لتصل إلى إبراهيم حامل الكتاب السماوي
ومن ثم إلى موسى وعيسى عليهما السلام، إلى أن وصلت أخيراً إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
منتصف القران
ان سورة الاسراء هي بداية الجزء الخامس عشر اي نصف القران ( قلب القران) وهو مغزى بانكم يا امة محمد انتم الامة الاخيرة والاسلام هو دينكم وانتم مسؤولون عليه بتطبيقه ونشره والحفاظ عليه وهذا هو كتابكم القران مصدقا لما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم وانتم متعهدون بحفظه ونشره وتطبيق ما جاء فيه الى يوم الدين
هدف السورة: استشعر قيمة القرآن
كيف يكون هذا هو هدف السورة؟ وما علاقة ذلك بالإسراء؟
إن سورة الإسراء هي أكثر سورة ذكر فيها القرآن والكتاب، وفي ذلك دلالة على استشعار قيمة القرآن. وحادثة الإسراء هي الحادثة الممثلة لانتقال الكتاب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكأنها تقول لنا: أنتم يا أمة محمد مسؤولون عن هذا الكتاب، عن القرآن. فاستشعروا قيمته، وإياكم أن تفرطوا فيه كما فعلت الأمم السابقة فيستبدلكم الله كما استبدلهم.
اجعله إمامك
احاديث السول محمد صلى الله عليه وسلم
(مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ، ريحها طيب وطعمها طيب . ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة ، لا ريح لها وطعمها حلو . ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ، ريحها طيب وطعهما مر . ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ، ليس لها ريح وطعمها مر)
(مثل الذي يقرأ القرآن ، وهو حافظ له ، مع السفرة الكرام البررة ، ومثل الذي يقرأ ، وهو يتعاهده ، وهو عليه شديد ، فله أجران )
تعال معنا، يا قارئ القرآن، وبما أننا تقريباً في منتصف رحلتنا مع القرآن الكريم، لنعيش مع سورة القرآن ونستشعر عظمته من خلال آياتها.
انتقال الكتاب عبر الأمم
تبدأ السورة - كما هو واضح - بحادثة الإسراء:
(سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ..) (1).
وفي الآية الثانية مباشرة نرى قوله تعالى: ]وَءاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَوَءاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِى إِسْرٰءيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلاًوَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (31).
5- (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (32).
ولأن الآيات تخاطب الفطرة، فقد تكلمت عن الزنا أنه "ساء سبيلاً" لأنه فِعلٌ بالغ القُبح، وإن لم يلاحظ بعض أصحاب النفوس الضعيفة ذلك، لأنه لا يترتب على المَشي في طريقه إلا الهلاك والكوارث، مثل قتل الأنفس، وضعف الرزق، وظُلمة الوجه، واختلاط الأنساب والحياة البائسة الكئيبة...
6- (وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱلله إِلاَّ بِٱلحَقّ) (33).
7- (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ) (34).
8- (وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ..) (35).
9- (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (36).
10- ]وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً) (37).
فمن يرفض مثل هذا الكلام، وكيف يمكن للمسلمين أن يهجروا هذا الكتاب، وهو يأمرهم بكل هذا الخير وينهاهم عما فيه ضررهم وهلاكهم؟ ]كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا) (38).
لذلك نرى تعقيباً رائعاً على كل ما سبق ]ذٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ..) (39) فكل ما سبق حكمة، وكله يؤدي بالإنسان لأن يعيش حياة كريمة في الدنيا والآخرة، فإذا غفل عنها: ]وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱلله إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا(َقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78).
(وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا) (79).

قيمة القرآن
وبعد أن بيّنت الآيات عظمة القرآن وأهمية أحكامه، تقوم بعد ذلك بين الآية والأخرى بذكر مزايا الكتاب (فهي أكثر سور القرآن إيراداً للكتاب)، فنرى فيها:
حفظ القرآن لأهله: (وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا & وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً) (45-46).
اشتمال القرآن على أسرار التاريخ وسنن قيام الحضارات: (وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذٰلِك فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًا) (58).
فالإنسان حين يرى تركيز سورة الإسراء على عظمة القرآن وهو لا يزال في منتصف القرآن (الجزء 15)، فلا بد أن يستشعر أهميته ولا يمر على آياته مرور الكرام، لأن هذه الآيات ستكون فرصة عظيمة له لرفع درجاته يوم القيامة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "يقال لقارئ القرآن يوم القيامة إقرأ وارق ورتّل فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها"..
فعدد درجات الجنة يا أخي المسلم هو بعدد آيات القرآن. ألا تريد الجنة؟ ألا تحلم بها وتتمناها؟ ألا تريد الفردوس الأعلى؟ إذاً فالزم قراءة هذا القرآن، وخاصة في الصلوات الخمسة دلوك الشمس (صلاة الظهر والعصر و ) الى غسق الليل ( صلاة المغرب وصلاة العشاء) وقان الفجر (صلاة الفجر وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْقُرْآنِ خَاصَّة دُون غَيْرهَا مِنْ الصَّلَوَات ; لِأَنَّ الْقُرْآن هُوَ أَعْظَمهَا لانها ر كعتين خفيفة , إِذْ قراءة القران تكون اغليها وتكون فيها القراءة طويلة وجهرا ) وهذا تاكيد على وجوب واهمية الصلوات الخمسة وقراءة القران فيها والالتزام بالسنن والنوافل وقيام الليل والتهجد .
(أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (78).
(وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا) (79).
شفاء ورحمة للمؤمنين
واسمع قوله تعالى:](َنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا..) (82). فكما قلنا في سورة النحل، لم ترد لفظة الشفاء في القرآن إلا للعسل والقرآن، لأن العسل شفاء الأبدان من الأمراض، والقرآن شفاء للقلوب ودواء لأرواح المؤمنين الذين يعرفون قيمته.
اعجاز القرآن
والآيات التي تحدثت عن عظمة القرآن كثيرة في السورة: (قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (88).
فافتخر بهذا التحدي الذي لا يزال قائماً إلى يوم القيامة.(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ مِن كُلّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) (89).
فكل احتياجات الحياة الكريمة موجودة في هذا القرآن وهذا ما عرفه كثير من المكشتفين الذين استغرقوا كثير من الوقت والجهد لاثبات نظريات وامور حول الكون والانسان كانت قد اتت بالقران باية واحدة مختصرة منذ الاف السنين وعلى رجل امي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، لكن أكثر الناس يأبى إلا الكفر والجحود.
دور القرآن
(وَبِٱلْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا & وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـٰهُ تَنْزِيلاً) (105 – 106)..
لقد سميت هذه السورة بسورة الإسراء حتى نتذكر -كلما قرأناها - النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يستلم الكتاب في رحلة الإسراء، ويسلّمه لنا من بعده. وبما أننا تحملنا مسؤولية حمل القرآن، فينبغي أن نكثر من قراءته، ليس في رمضان فقط، بل في كل الشهور، وينبغي أن نتدبره ونعمل به ونعلّمه لمن حولنا وننشره وننفّذ منهجه...
أحبّاء القرآن
وختام السورة تذكرة بأناس أحبّوا القرآن حباً شديداً، وفهموا هدف سورة الإسراء، فتفاعلوا مع كتاب الله تفاعلاً صادقاً: (قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا & وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً & وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (107 – 109).
والحمد لله، لقد أصبحنا نرى هذه الآيات تنطبق على بعض الشباب في المساجد، وخاصة في شهر رمضان. تنظر إليهم فتراهم "يخرون للأذقان يبكون". وكلما تليت عليهم آيات القرآن تزيدهم خشوعاً... وهو أمر مطمئن، لأن تعامل الشباب مع القرآن بهذا المستوى يبشّر ببوادر خير لهذه الأمة.
يرفع أقواماً ويضع آخرين
فإن لم نكن كأحباء القرآن الذين ذكروا في الآيات السابقة، فإن نفس الآيات تحذرنا من الاستبدال (قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ). فالأمم السابقة قد قصرت في حفظ الكتاب وتبليغه فنزع منها إلى الأمة التي تليها فالتي تليها حتى وصل إلينا، فماذا لو قصرت هذه الأمة في حمل الأمانة؟
إن الحساب سيكون أشد يوم القيامة لأننا آخر أمة ستحمل هذه الأمانة قبل قيام الساعة، فلا يجدر بنا أن نقصّر، بل نجتهد في حمل هذه الأمانة، وتطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "تركتُ فيكُم ما إن تمسَّكتُم به لن تضِلُّوا بعدي أبداً: كِتاب الله، وسُنَّتي". فلا نهضة لأمتنا ولا عز ولا خروج من الظلمات إلى النور إلا بهذا الكتاب: (كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ).

كنوز من الحسنات
استشعر وأنت تقرأ القرآن - إلى جانب عظمته وأهميته - الكم الهائل من الحسنات التي ترافق قراءة القرآن.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ]الم[ حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف"...
فإذا قرأت "بسم الله الرحمن الرحيم" مثلاً - وفيها تسعة عشر حرفاً - فإنك تنال مئة وتسعين حسنة.
إذاً فجزء القرآن - الذي يكون متوسط حروفه سبعة آلاف حرف - ينال عليه المسلم سبعين ألف حسنة في الأوقات العادية، فما بالك بالأوقات المستحبة (كصلاة الفجر أو قيام الليل أو شهر رمضان).
آلاف الحسنات في قراءة جزء لا يأخذ منا أكثر من ثلاثة أرباع الساعة، فما بالك بمن ينفّذه؟ فما بالك بمن يسمع الآيات بنيّة تنفيذها وتطبيقها؟ فما بالك بمن يفهم القرآن، ويعرف مراد ربنا من كل سورة؟ إذاً فماذا يكون حال من يشعر أن القرآن أمانة في عُنُقه، فيرغّب من حوله بقراءة القرآن ويفسّر لهم بعض معانيه الرائعة التي نعيش معها؟
لا بد للشاب المسلم الذي قرأ سورة الإسراء وفهم مراد ربنا منها أن يتعامل مع القرآن من الآن وصاعداً بجدية متناهية، وأن ينذر حياته ليكون من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته.
من الإسراء إلى الكهف
ومن الإشارات اللطيفة، أن نرى الحديث عن القرآن يمتد من ختام سورة الإسراء إلى بداية سورة الكهف. فبعد أن ختمت سورة الإسراء بسجدة حتى تستشعر فيها حلاوة القرآن وتبكي من خشية الله، ثم تحمده على نعمة القرآن، هذه النعمة العظيمة التي بدأت سورة الكهف بشكر ربنا عليها: (ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) (1).
stafa
stafa
اليوم الثامن عشر
عمل اليوم :أحسِّن أخلاقي وأحتفظ بالابتسامة والبشاشة دائماً واحفظ لساني عن الناس مستشعراً أن أكثر ما يدخل الناس الجنة هو حُسن الخلق وجوارحي عن المنكرات وحواسي عن المحرمات من السمع والنضر طوال الايام المقبلة .
درس اليوم :سورة الكهف
سورة الكهف (مكية)، نزلت بعد الغاشية، وهي في ترتيب المصحف بعد الإسراء، وعدد آياتها 110 آيات.
خيوط لنسيج واحد
سورة الكهف هي عبارة عن أربع قصص، قصة أصحاب الكهف، وقصة صاحب الجنتين وقصة موسى والخضر وقصة ذي القرنين، مع ذكر عدد من الآيات بعد كل قصة للتعقيب عليها. فما علاقة القصص الأربع ببعضها؟ ولماذا سميت بسورة الكهف؟ ولماذا تقرأ كل يوم جمعة؟
فضل وثواب سورة الكهف
يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من قرأ سورة الكهف من يوم الجمعة أو في يوم الجمعة أضاء الله له نوراً من تحت قدميه إلى عنان السماء".
كما ويقول صلى الله عليه وسلم "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف كانت له عصمة من الدجال".
وفي حديث آخر: "من أدركه منكم - أي الدجال – فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف" رواه مسلم.
فما هي علاقة سورة الكهف بالدجال وما علاقة القصص الأربع في السورة ببعضها؟ تعالوا نلقي نظرة على هذه القصص باختصار.
كهف الرحمة
القصة الأولى هي قصة شباب، آمنوا بالله تبارك وتعالى ودعوا إلى الله، رغم أن القرية التي عاشوا فيها كانت محكومة من ملك ظالم غير مؤمن. فعرضوا إسلامهم على الناس ورفض الناس دعوتهم (]وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا & هَـؤُلاء قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَـٰنٍ بَيّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱلله كَذِبًا) (14-15).
وبدأوا بالدعوة إلى الله فكُذِّبوا واضطهدوا، فأوحى الله إليهم أن يأووا إلى الكهف(... فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيّىء لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا) (16).
وأيدهم الله بمعجزات عظيمة فهم قد مكثوا في الكهف( ثَلاثَ مِئَةٍ ِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعًا....) (25)...(وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن َهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ...) (17)... (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشّمَالِ...) (18).
فكل هذه المعجزات كانت لأجل الحفاظ على هؤلاء الفتية، إلى أن استيقظوا بعد 309 سنين، ووجدوا أن الناس جميعاً قد آمنوا وأنهم أصبحوا في مجتمع جديد كله إيمان.
لا للغرور والتكبر الايات من (32-44)
والقصة الثانية هي قصة صاحب الجنتين.الذي اتاه الله جنتين من العنب المحفوفة باشجار النخيل الزاهية .وكانت ذات بهجة مليئة بالثمار ووسطها كان نهرا يجري ليسقيها ويزيدها بهاءا وجمالا وكان له فيها من الخدم والاولاد والاموال الشيء الكثير لكنه كانت غير شاكر لنعمة الله وكان له غرور وجحود والتكذيب بانها ليست زاءلة منه وحتى اذا كانت هناك اخرة فانه سيلقي افضل منها عند ربه .لكنه جاءه صاحبه المؤمن فقال له اتكذب وتجحد نعمة الله عليك وهو الي خلقك من نطفة صغيرة فقواك وسواك رجل .لكن هو الله ربي لا اله الا هو وهذا تذكرة له ووعض وانا لااحسدك على النعمة التي انعم الله بها عليك ارجوا من الله ان يدخرها لي ويعطينيها ولكن اتمنى زوالها عنك لتعرف انك لا شيء وان ما انت فيه من الخير هو من الله وليس بغرورك وقوتك (لذلك دعاء من احس ان يصيب شيء بعينه ما شاء الله لا قوة الا بالله ) فاستجاب الله له فاهلك ماله كله وجنائن العنب والنخيل ساقطة بعضعها على بعض فاخذ يضرب بيده الواحدة على الاخرى ندما وحسرة على ما انفق فيها ولم يكن فيها شيء باقي من النفر والاموال ليبنيها وينشئها من جديد ثم تختم هذه القصة باية جميلة ان الولاية والنصرة الحق اي الحقيقة هي من الله تعالى هو الذي يجازي احسن الثواب و حسن العاقبة (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) (44) .فلا تسال الا الله ولا تستعن الا بالله ودائما ردد هذا الدعاء (اللهم ما انزلت اللي من خيرا فقير )
العلم المطلق لله وحده
أما القصة الثالثة، فهي قصة نبي الله موسى عليه السلام مع الخضر، عندما سأله قومه: من أعلم أهل الأرض، فأجابهم بأنه هو عليه السلام أعلم أهل الأرض، فلقد ظنَّ بأن لديه من العلم ما يجعله أعلم أهل الأرض خاصة وأنه من أولي العزم من الرسل. فأوحى الله إليه بأنه يوجد من هو أعلم منه، لذلك طلب منه أن يذهب إلى أرض معينة عند مجمع البحرين. فقطع مسافة بعيدة في سفره إلى أن أدركه التعب الشديد، حتى أنه قال لفتاه(لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً) (62).. فتعب كثيراً إلى أن التقى بالرجل الصالح الذي يملك علماً مهماً لا يملكه الكثير من الناس وهو علم الثقة بقدر الله تعالى، وأن لله تعالى في قضائه حكمة تحتم عليك أن توقن بتدبيره وإدارته لشؤون الحياة، وهذا العلم هو باختصار، علم معرفة الله حق المعرفة.
لذلك، فقبل أن يصاحب سيدنا موسى الخضر عليهما السلام،
يشترط عليه الخضر (... فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شَىء حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) (70). فقال له موسى (سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱلله صَابِرًا وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْراً) (69).
وتخلل الصحبة ثلاثة مواقف، كانت في ظاهرها سوءاً أو ظلماً:
1. السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام، وكان سبب ذلك وجود ملك ظالم يسلب كل سفينة صالحة يراها.
2. الغلام الذي قتله الخضر، وكان سبب ذلك أنه كان يرهق أبويه المؤمنين لعصيانه وعقوقه.
3. الجدار الذي أقامه الخضر من دون أجر في مدينة طرده أهلها منها، والسبب أنه كان لغلامين يتيمين وكان تحته كنز مدفون لهما ولو لم يقم الجدار لما حفظ لهما كنزهما..
ويجمع بين كل هذه الأمور عدم ظهور حكمة الله تعالى فيها، لأن ظاهرها غير مبرر. وذلك ليتعلم المؤمن أن الله تعالى يقدر أموراً قد لا نعلم الحكمة منها والخير المقدر فيها. وهذا هو العلم (الذي لا نراه في الكتب) يعلمه الله تعالى لموسى عليه السلام ويعلمنا إياه أيضاً..
إنا مكّنا له في الأرض
وآخر قصة هي قصة ذي القرنين، الملك العادل الذي ينشر الحق والعدل والخير في الأرض ويملك كل الأسباب المادية (من علم وتكنولوجيا) التي تسهل له التمكين والنجاح في الحياة.
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى ٱلأَرْضِ وَاتَيْنَـٰهُ مِن كُلّ شَىْء سَبَباً) (84) فكان يطوف بالأرض من شرقها إلى غربها لينشر الهداية للناس ويملأ الأرض بالعدل والإحسان، إلى أن وصل إلى قوم لا يكادون يفقهون قولاً، فقالوا له: (قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) (94)...
وبالرغم من امتلاكه للأسباب إلا أنه طلب منهم أن يعينوه حتى يعلمهم الإيجابية (... فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) (95). وبنى الجدار الذي لا يزال قائماً إلى الآن، والذي بسببه لا نعلم مكان وجود يأجوج ومأجوج حتى تقوم الساعة فيخرجوا..
العصمة من الفتن
فالجو العام للسورة إذاً هو العصمة من الفتن، ولذلك جاء في الحديث أنها تنجي من أعظم فتنة في تاريخ البشرية من لدن آدم إلى قيام الساعة، وهي فتنة المسيح الدجال، يقول عليه الصلاة والسلام "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال" رواه الحاكم.
فما علاقة فتنة المسيح الدجال بالفتن الأربع المذكورة؟ إن الدجال سيظهر قبل يوم القيامة بالفتن الأربع: فهو يفتن الناس في دينهم، ويطلب منهم عبادته من دون الله، ويفتنهم بما يجريه الله على يديه من خوارق (كأن يحيي أبا الرجل وأمه على أن يكفر بالله والعياذ بالله) فيفتنوا إلا من رحم الله.. ومعه فتنة المال، بأن يأمر السماء أن تمطر على أرض معينة وينبت فيها الزرع، أو أن يحول صحراء قاحلة إلى جنة خضراء. كما أنه يحمل فتنة العلم، بأن يبهر الناس بما يحمله من أخبار فيؤمنوا به. وآخر فتنة سيحملها الدجال هي السلطة، فيقهر الناس بقوته وسيطرته على أجزاء كثيرة من الأرض (عدا مكة والمدينة). فتن شديدة لا بد للمسلمين في كل زمان ومكان أن يتنبهوا منها، وذلك بقراءة سورة الكهف والتدبر في معانيها، وخاصة القصص الأربع مع التعقيب الرباني عليها.
هدف السورة: العصمة من الفتن
عندما ذكرت السورة القصص الأربعة التي يجمعها خيط الفتنة، كانت تعقب على كل قصة تعقيباً يحمل العبرة من هذه القصة، ويرشدنا كيف نقي أنفسنا من هذه الفتنة. وهذا من روعة القرآن في عدم سرد القصص لمجرد السرد ولكن لتحقيق هدف السورة - وهو العصمة من الفتن - والتأكيد عليه بعد كل قصة. وهكذا تتضح لنا معالم السورة ورسالتها: النجاة من الفتن، بأشكالها المختلفة. فكيف ننجو من الفتن التي ذكرتها القصص؟
قوارب النجاة
1. الصحبة الصالحة:
كانت الفتنة الأولى هي فتنة الدين في قصة أهل الكهف، وللثبات على الدين والعصمة من هذه الفتنة ترشدك سورة الكهف إلى:
أ. الصحبة الصالحة: (وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا) (28). فالصحبة الصالحة والصبر عليها هي خير معين للمرء في الحفاظ على التزامه...
ب. تذكر الآخرة: ومصير المؤمنين والكافرين، فهي الدواء النافع للعصمة من الفتن الكثيرة التي يمر بها المسلم (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) (29).
2. عدم التعلق بالدنيا:
وللعصمة من فتنة المال التي وقع فيها صاحب الجنتين، هناك أمران يأتيان مباشرة بعد القصة:
ا. فهم حقيقة الدنيا: وهذا ما نراه بوضوح في أول آية أتت مباشرة بعد انتهاء القصة (وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا) أنظروا بالله عليكم إلى هذه الدنيا التي تركضون وراءها (كَمَاء أَنْزَلْنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاء) فماذا جرى له؟(فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ) هكذا وبسرعة... ثم ماذا (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرّياحُ وَكَانَ ٱلله عَلَىٰ كُلّ شَىْء مُّقْتَدِرًا) (45). فالآية تصور لنا ومضات سريعة من بداية الحياة إلى وسطها إلى نهايتها، مراحل سريعة يربطها حرف الفاء (... فَٱخْتَلَطَ... فَأَصْبَحَ) الذي يفيد التعقيب السريع. هذه الدنيا فانية، سريعة الانقضاء، فلا تتعلق بها أيها المؤمن لتنجو من الفتن.
ب. تذكر الآخرة: وخاصة موقف العرض على الجبار، وكأن تذكر
الآخرة قضية أساسية في العصمة من الفتن كلها (من فتنة الدين ثم من فتنة المال):
(وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً...) (47). (وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبّكَ صَفَّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ...) (48).
(وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (49).
3 - التواضع
وللعصمة من فتنة العلم والاغترار به، لا بد من التواضع لله أولاً، ثم للمعلم. وهذا ما يظهر في الآية 69: (قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱلله صَابِرًا وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْراً). مع أنه نبي ورسول من أولي العزم بالإضافة إلى كونه كليم الله تعالى. فإياك أن تغرّك الشهادات الجامعية، أو علمك الواسع، أو حتى حفظك للقرآن الكريم، ويفتنوك عن التواضع لله تعالى.
4 - الإخلاص:
وفتنة السلطان علاجها الإخلاص، والتواضع لله تعالى، ورد كل الفضل في القوة والتمكين إلى الله (قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى..). ولذلك حذرت السورة ممن يشرك بالله ولا يخلص في عمله له سبحانه: (قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَـٰلاً & ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا & أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْناً) (103 – 105).
وهذه الآية تختص بالمشركين وتحذر من الشرك بالله، وبالمقابل ختمت السورة بأمر المؤمنين بالإخلاص في العبادة لله تعالى وحده.
(.. فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا) (110).
فمن أراد أن يقبله الله تعالى قبولاً كاملاً ويرضى عنه في الآخرة، لا بد له من تحقيق أمرين: أن يكون عملاً صحيحاً (أي موفقاً للسنة)، وأن يكون خالصاً لوجه الله تعالى، وهذان الأمران ذكرا في الآية الأخيرة من سورة الكهف.
من روائع السورة
ومن خلال آيات السورة، نرى ملاحظات عديدة ولفتات رائعة، تزيدنا حباً وتعلقاً بهذا القرآن وبهذه السورة، وتصب كلها في خدمة هدف السورة ومحورها.
كثرة الحركة والإيجابية
نلاحظ في السورة كثرة الحركة بشكل ملفت، فالسورة كلها عبارة عن قصص لأناس يتحركون بإيجابية، من أهل الكهف الذين تركوا الأهل والديار وأووا إلى الكهف (فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ)، إلى سيدنا موسى عليه السلام الذي ذهب إلى مجمع البحرين وتجاوزه حتى أدركه التعب الشديد (لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً). وأثناء مرافقته للخضر عليه السلام، نرى كثرة الحركة(]فَٱنْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا... فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ... فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا...) (71-77).
وكذلك في قصة ذي القرنين(]ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً...) (85) وليس هذا فحسب، بل إنه طاف الأرض كلها من شرقها إلى غربها (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ) (90) (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) (93).وكان من إرشاداته للقوم الذين يساعدهم: (فَأَعِينُونِى بِقُوَّة) (95) فلا يتفرجون عليه خلال بنائه للسد، ولكن يجب عليهم أن يتحركوا ويشاركوا.
وهذا كله يشير إلى أن العواصم من الفتن تكون بالحركة والإيجابية وليس بالسكون والاستسلام والسلبية. فإن أوذي المرء في مكان فليتحرك إلى مكان آخر يمكنه من إقامة شعائر دينه والحفاظ عليه، ولذلك شرعت الهجرة في الإسلام فراراً بالدين وأشارت السورة إليها من خلال الحديث عن هجرة أهل الكهف.
ومن اللطيف أن هذه السورة تقرأ في يوم الجمعة، الذي هو يوم إجازة عند المسلمين، فبدلاً من السكون والخمول في هذا اليوم، عليهم أن يقرأوا سورة الكهف ويعتبروا بما فيها من حركة وإيجابية لينطلقوا بالعمل الإيجابي ويعصموا أنفسهم من الفتن، لأن الساكن يسهل صيده.
كهف الدعوة
ويبقى سؤال أخير، وهو: لماذا سميت السورة بسورة الكهف؟
إن المرء حين يسمع بالكهف، يشعر بالخوف والظلام والرعب، وعندما يسمع من يقول له: (فأووا إلى الكهف.). يخاف من المجهول والظلام اللذان يلفان الكهف، لكن الله تعالى جعله أمناً ورحمة (فَأْوُواْ إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ...) (16)
والله تعالى يقدر من الغيب ما لا يعلمه الإنسان ويخافه (تماماً كالكهف المجهول الذي دخله الفتية)، فسميّت سورة الكهف بهذا الاسم لتشعر الإنسان بجهله بأمور الغيب ولتقول للمسلم: سلّم الغيب لله، وتوكّل عليه، فكما لجأوا هم للكهف ونشر الله لهم من رحمته، فالجأ إلى كهف الدعوة وسلّم الأمر لله، ينشر لك من رحمته ويهيّء لك من أمرك مرفقاً...
stafa
stafa
اليوم التاسع عشر
عمل اليوم : ارسال رسائ بالجوال لبعض الاصدقاء والاقارب تحمل معاني الذكر بالخير والطاعات او التهنئة او الثناء او السؤال لزيادة اللفة و صلة الارحام
درس اليوم :سورتي مريم وطه
سورة مريم
سورة مريم (مكية)، نزلت بعد سورة فاطر، وهي في المصحف بعد سورة الكهف. عدد آياتها 98 آية.
زينة الحياة الدنيا
كل إنسان يحب النسل والذرية. فإذا رزق أطفالاً، ينشغل تفكيره في تأمين ما يلزم لهم من حاجيات، فيكون انشغاله وهو شاب في إنجاب الأولاد وتنشئتهم وتأمين الغذاء والتعليم والطبابة، بينما يكون انشغاله عند اقتراب أجله في توريثهم..
ومسألة حب الأولاد فطرة بشرية فطر الله تعالى الناس عليها، وسورة مريم تركّز على هذا الموضوع بشكل أساسي، لكنها تسأل كل والد ووالدة: لماذا تريدون الإنجاب؟ أمن أجل التمتع بالولد فقط؟ وماذا ستورِّثونهم؟ أموالاً وعقارات فقط؟!!!
توريث الدين للأبناء
إن في سورة مريم سبباً أرقى للإنجاب، وهو المحافظة على الدين من خلال توريثه لأجيال قادمة تحافظ عليه وتتمسك به، وهذا أفضل ما يرثه الأولاد من حطام الدنيا ومتاع الدنيا. وكأن المسلم يسلِّم شعلة الدين لابنه، وابنه يسلِّمها من بعده للحفيد، وهكذا!! فلا يصح أن يذهب جيل متدين ثم تأتي بعده أجيال لا تعرف دين ربها أو تعرفه معرفة سطحية، فتعم الشهوات والفواحش في المجتمع بسبب تربية الآباء لأبنائهم على غير دين الله والاهتمام بتوريثهم المال فقط.
فمحور سورة مريم إذاً هو: الولد ووراثة الدين. ولذلك فإن السورة هي من أكثر السور التي تكرر فيها ذكر "الولد" و"الوراثة".
عائلات ربانية
ولذلك، تحدثنا السورة عن نماذج لأشخاص أنجبوا أبناء بنيّة تسليمهم أمانة هذا الدين. فنجد في السورة زكريا ويحيى، ومريم ابنة عمران وابنها عيسى، ثم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، عليهم السلام جميعاً... وكأن السورة تخاطب كل الآباء وكل الأمهات لتسألهم: هل أنتم حريصون على تربية أبنائكم تربية توصلهم إلى معرفة الله تعالى؟ هل أنتم حريصون على توريث أولادكم دين الله وتربيتهم على الإسلام؟
زكريا ويحيى عليهما السلام
ومن أول السورة، نلاحظ رغبة سيدنا زكريا في الولد: (كهيعص & ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا & إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً & قَالَ رَبّ إِنّى وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنّى وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً & وَإِنّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِىَ مِن وَرَائِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً & يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً & يٰزَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً) (1-7).
الْمَوَالِي " هُنَا الْأَقَارِب وَبَنُو الْعَمّ وَالْعَصَبَة الَّذِينَ يَلُونَهُ فِي النَّسَب , إِنَّمَا كَانَ مَوَالِيه مُهْمِلِينَ لِلدِّينِ فَخَافَ بِمَوْتِهِ أَنْ يَضِيع الدِّين , فَطَلَبَ وَلِيًّا يَقُوم بِالدِّينِ بَعْده. وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَرَادَ وِرَاثَة الْعِلْم وَالنُّبُوَّة لَا وِرَاثَة الْمَال ; لِمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّا مَعْشَر الْأَنْبِيَاء لَا نُورَث مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ) وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُد : ( إِنَّ الْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَإِنَّ الْأَنْبِيَاء لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْم )
وكأن لسان حال سيدنا زكريا يقول: "يا رب أنا لا أجد أحداً ليحمل مسؤولية الدين، وامرأتي عاقر، ولا أمل لي بالإنجاب، ولكني أخاف على الدين". غيرة رائعة على دين الله، فقد كان زكريا خائفاً لأن الأجيال الموجودة من بني إسرائيل لا تصلح لحمل الرسالة، فطلب الولد ليورثه الدين، ولأنه صادق النية في طلبه، أتاه الرد الرباني: (يٰزَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً)...
فكيف نشأ يحيى بعد ذلك؟ وكيف تربى؟( يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَـٰبَ بِقُوَّةٍ وَاتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً) (12).
فمع أن حب إنجاب الأولاد والخوف على مستقبلهم هما فطرة طبيعية قد فطر الله عليها البشر، لكننا يجب أن نستغل هذه الفطرة لطاعة الله تعالى، فنربي أبناءنا بنفس الخوف ونفس الحرص على أن يطيعوا الله تعالى ويحملوا لواء دينه..
مريم وعيسى عليهما السلام
وقصة مريم عليها السلام لا تختلف عن قصة زكريا، فقد نذرتها أمها (امرأة عمران) لتحرير المسجد الأقصى من يد الرومان، قبل أن تعلم أنها أنثى (رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) (آل عمران، 35). أما في سورة مريم، فإننا نجدها تورث هذه الأمانة لابنها. فعندما أتت قومها وهي تحمل عيسى عليه السلام، (... قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً) (29) ولا يدرون أن صبي المهد هذا قد ورث الرسالة صغيراً وحمل أمانة الدعوة.
(قَالَ إِنّى عَبْدُ ٱلله ءاتَانِىَ ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً & وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيّاً & وَبَرّاً بِوَالِدَتِى..) (30 – 32).
بر الأبناء
وسورة مريم هي من أكثر السور التي ركزت على البِرّ، لذلك نرى أن أهم صفات يحيى عليه السلام كانت (وَبَرّا بِوٰلِدَيْهِ..) (14). أما عيسى عليه السلام فيقول (وَبَرّاً بِوَالِدَتِى) (32).
ومعلوم أن بر الوالدين لا يكون من الولد إلا إذا نشأ في بيئة صالحة، كأن السورة تقول للآباء والأمهات: ربوا أبناءكم على حمل أمانة الدين، لتنصروا دين الله تعالى، فتنالوا الأجر العظيم في الآخرة، وترزقوا بر أولادكم وطاعتهم لكم.
إبراهيم عليه السلام مع أبيه (احرص دائما على ان تكون حسن الخلق )
وبعد ذلك تحدثنا الآيات عن نموذج معاكس تماماً لما سبق: ابن مؤمن يأخذ بيد أبيه الكافر، إبراهيم عليه السلام مع أبيه. ومن رفقه بأبيه وشفقته عليه، أخذ يدعوه إلى الله بكل شفقة وحنان ومحبة: (.. يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً & يٰأَبَتِ إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِى أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً..) (42-43).
يا شباب، تعلموا من إبراهيم عليه السلام ( اداب مخاطبة الوالدين ) وكان ذلك في امر شديد على ابراهيم عليه السلام وهو الدين .فما بالك باي شيء اقل من ذلك !!! وماذا يفعل اليوم الابناء مع اباءهم ؟؟؟ وكذلك ادا ب مخاطبة الاكبر منك سناً، خاصة إذا كان من الأهل، فإن أكثر ما ينفر الناس من الدين هو الشاب المتدين السيء الخلق، الذي لا يخاطب الناس بأدب أثناء دعوتهم. أنظر ماذا يقول لأبيه : (يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً & يٰأَبَتِ إِنّى أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـٰنِ وَلِيّاً ) (44 – 45).فاكانت دعوة ابراهيم لابيه بالادلة والبراهين الواضحة مرة وبالخوف الشديد عليه مرة ولاحظ كلمة (يٰأَبَتِ )كيف فيها من الحنان والعطف و اللين والحرص على ابيه ما يجعل القلب يرق . ولكن ابه رفض دعوته فتركه بارا به ومشفق عليه (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) (47)
ولما كان على هذه الدرجة من الأدب والبر بأبيه على كفره وضلاله، أكرمه الله تعالى بأولاده (فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱلله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً & وَوَهَبْنَا لَهُمْ مّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) (49-50).
فكأن بِره بأبيه كان سبباً ليرزق اثنين من الذُرِّية الصالحة التي تقر بها عينه، وتحمل الدين وتورِّثُه.
إسماعيل: وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة
وتمر الأجيال تلو الأجيال، ويسلم كل جيل هذه الأمانة لمن بعده:
فتذكر الآيات إسماعيل عليه السلام، وتقول عنه (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً) (55)... فواضح أن الأجيال كانت تسلم بعضها لواء الدعوة إلى الله...
وتأتي الآيات على ذكر موسى عليه السلام، فتركز على نفس المعنى ( وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِيّاً) (53).
وبعد كل هذه الأمثلة المضيئة في تاريخ البشرية، يأتي تعقيب رائع في الثناء على الذين يورثون أبناءهم شعلة الدين:
(أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱلله عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيَّةِ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْرٰءيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً) (58).
فخلف من بعدهم خلف
كان توارث الأجيال للواء الدعوة واضحاً عند أنبياء الله تعالى منذ بداية استخلاف الله للناس على الأرض (... مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ)، ولكن للأسف جاءت بعد ذلك أجيال كل همها تربية الأولاد على الدنيا والشهوات وتوريثهم الأموال.. فهم لم يتدبروا سورة مريم ولم يفهموا أهمية توريث الدين، فضيّع أولادهم الصلاة واتبعوا طريق الشهوات... (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً) (59)...
أخي المسلم، اختر لنفسك أنت وعائلتك: مع أي فئة تحب أن تحشر؟ مع (ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱلله عَلَيْهِم) أم مع الذين (أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ)؟ فإن كنت من النوع الأول، فافرح بالآية الكريمة: (تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً) (63) لأن الجزاء من جنس العمل، فورّث الدين لأبنائك، يورثك الله الجنة أنت وإياهم إن شاء الله.
احذر أن تكون منهم
أما إن كنت من النوع الثاني، فاحذر قول الله تبارك وتعالى: (أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً) (77) .
(وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) (80) .وَنَرِثهُ مَا يَقُول" مِنْ الْمَال وَالْوَلَد "وَيَأْتِينَا" يَوْم الْقِيَامَة "فَرْدًا" لَا مَال لَهُ وَلَا وَلَد
لاينفعه لا مال ولا ولد بدون انتماء الى هذا الدين الاسلامي وتسيخرها في سبيله .
فالولد قد يكون رحمة وذكراً حسناً وصدق جارية لأهله، وقد يكون بالمقابل سبباً لكفرهم وصدهم عن سبيل الله، كما ذكرت الآية. السورة تؤكد دائماً على نفس المعنى: ليس المهم أن تتمنى الأبوة العادية، ولا بد من طلب الأبوة لمصلحة الدين.
سبحانه وتعالى عما يقولون
وبمناسبة الحديث عن الأولاد، تنتقل الآيات إلى معنى آخر.فأنتم أيها البشر محتاجون للولد، أما الله تعالى فهو غني عن الولد سبحانه وتعالى.
فتنكر السورة على القائلين بأن الله سبحانه اتخذ ولداً - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً: (وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً & لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً & تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً & أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً & وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً & إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً & لَّقَدْ أَحْصَـٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً & وَكُلُّهُمْ ءاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْداً) (88 – 95).
ففي نفس السورة التي تحدثت عن الولد، أشارت الآيات إلى حاجة الإنسان الشديدة لاتخاذ الولد ونفت ذلك بشدة عن الله سبحانه وتعالى فلا يحتاج إلى الابن لأنه حي لا يموت، أما البشر فهم محتاجون للولد لأنهم يكبرون ويموتون ويورثون.
نسمات وأمواج
ونلاحظ أن القسم الأول من السورة تحدث عن حاجة الإنسان إلى الولد والأطفال والذرية فجاء خطاب الآيات رقيقاً...(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا... إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً... وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا..) فالمقاطع رقيقة في آخرها.
والسورة بالمناسبة من أكثر السور إيراداً للفظة الرحمة واسم الله الرحمن، فقد ذكرت لفظة الرحمة ومشتقاتها في السورة 20 مرة.
أما النصف الثاني من السورة والذي ينفي عن الله اتخاذه للولد، فلقد جاء خطابه شديداً مقرعاً، ليناسب الافتراء الشديد الذي ادعاه البعض على الله وهو ادعاء الولد له سبحانه. فجمعت السورة بين الرقة والشدة في الخطاب من غير أن تتغير حركة السورة وإحساس القارئ بالسورة لا يتغير.. وهذا من إعجاز القرآن..
لماذا سميت السورة بـ (مريم)
هناك الكثيرون ممن ورث أبناءه الدين في السورة (إبراهيم أو إسماعيل أو زكريا). فما هو السر وراء تسمية السورة باسم السيدة مريم؟
لأن الأم هي المورِّثة الحقيقية للدين، وهي التي تربي وترعى الطفل حتى يبلغ رُشده، فسُمِّيَت السورة باسم سيدة نساء العالمين، لأهمية دور المرأة بشكل عام في توريث الدين للأبناء، ولأن السيدة مريم نفسها كانت نموذجاً رائعاً لمن ورثت الدين عن أهلها (آل عمران) وورثته لابنها..

سورة طه
سورة طه مكية، نزلت بعد سورة مريم، وهي بعدها أيضاً في ترتيب المصحف. عدد آياتها 135 آية.
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى
وهدف سورة طه نعرفه من بدايتها: (طه & مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَى) (1-2)...ومعنى ذلك أن هذا الدين وهذا المنهج ليسا لشقاء الناس، بل إن الإسلام هو منهج السعادة. فلا شقاء مع الإسلام، رغم كل الظروف والصعوبات التي تواجه المتدينين، لكن الشقاء يكون في ترك طريق الله تعالى (.. مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ)...
إنّ أكثر من يستفيد برسالة هذه السورة هم الشباب البعيدين عن التدين، أو الذين يريدون الالتزام، لكنهم يخافون من أن التزامهم بمنهج الله تعالى سوف يمنعهم من السعادة، ويجلب عليهم الكآبة ويحرمهم من متع الحياة وأسباب اللهو والترفيه.. هذا المفهوم خاطئ جداً، لذلك تأتي السورة لتؤكد لنا أن الإسلام هو منهج السعادة، وأن من حاد عن هذا المنهج سيشقى في الدنيا والآخرة. معنى رائع ومفهوم جميل. كيف ترينا سورة طه هذا المعنى؟ تعال معنا لنعيش مع آيات السورة من أولها.

كيف تشقى مع الرحمن؟
تبدأ السورة بمقدمة رائعة تأسر القلوب بكلماتها: (طه & مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ & إِلاَّ تَذْكِرَةً لّمَن يَخْشَىٰ) (1-3). فالقرآن لن يكون شقاءً لكم يا مسلمين، بل إنه سيكون تذكرة لكم، وهذه التذكرة هي التي ستكون سبباً لسعادتكم.
( تَنزِيلاً مّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَـٰوٰتِ ٱلْعُلَى & ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ) (54).
واسمعوا هذا المنهج ينزل من عند من؟ الرحمن، وجاء ذكر اسم الله الرحمن بعد ذكر الشقاء ليعلم الناس بأنه لا يمكن أن يكون دين الرحمن هو سبب للشقاء، فكيف يشقى الإنسان بمنهج الله تعالى وهو الذي له الأسماء الحسنى كلها (ٱلله لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ) (8).
موسى والسعادة مع منهج الله
وتعرض السورة بعد ذلك نموذجاً كلنا نعرفه: سيدنا موسى عليه السلام: نموذج للصعوبات الشديدة أثناء الدعوة، لكنها محاطة بعناية الله ورعايته. وكأن هذه القصة تقول لنا: ليس معنى أن القرآن منهج الراحة والسعادة، أن الحياة كلها ستكون وردية بلا مشاكل ولا أحزان... إن الحياة مليئة بالعقبات، خاصة إذا كنت أيها المؤمن ممن يحملون هذا المنهج ويدعون إليه... إلا أن هذه الصعوبات لا تسبب الشقاء (والمقصود بالشقاء: النكد والكآبة، والهم والغم، وضيق الصدر) لأن المؤمن مهما واجه من صعوبات فهو موصول بربه، مستعين به في كل أحواله...لذا فهو دائماً راضٍ ومطمئن.
كلمات من نور
وقصة موسى تحمل في آياتها ملامح رحمة ربنا في وسط صعوبة الحياة وشدتها. وحتى طريقة عرض القصة واختيار الكلمات يتميزان عن باقي مواضع قصة موسى في القرآن. ومن ذلك قوله تعالى: (إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُواْ إِنّى ءانَسْتُ نَاراً) (10).
ولأن الرسالة شديدة وحملها ثقيل، ولأن سيدنا موسى كان يشعر بهيبة الموقف، تبدأ معه الآيات بسؤال لطيف وسهل للمؤانسة(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ) (17).
وعندما دعا سيدنا موسى ربه، دعا بما يعلمه عن هذا المنهج من سعادة وطمأنينة وتيسير: (قَالَ رَبّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى & وَيَسّرْ لِى أَمْرِى & وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِى) (25 – 27)..
لذلك تأتي آيات أخرى تحمل نفس الرقة ونفس الحنان.
(خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ) (21)(قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ) (36) (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ) (37) (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى) (39)..(وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَـٰكَ مِنَ ٱلْغَمّ) (40) (وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى) (41) (لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ) (46) (لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلاْعْلَىٰ) (68) أريت كم مرة تكررت كلمتي: "لا تخَف"؟!! وكأن هذا نموذج حي لنُصرة الله تعالى لعباده المؤمنين... وكأن هذا نتيجة ثقة أم موسى في وعد الله وطاعتها له سبحانه، بإلقائها وليدها في البحر... وكأن هذا تعويضاً لموسى الذي أُلقي بأمر الله وهو حديث الولادة في صندوق مُظلم تتقاذفه الأمواج... نعم، لقد تعبت أم موسى وجاهدت نفسها، وتعب موسى في مواجهة فرعون، لكن طمأنة الله لهما كانت رائعة... وهكذا المؤمن، مهما مرت به المحن، تجده سعيداً راضياً تملأ قلبه السَّكينة... فلماذا نضع الحواجز بيننا وبين التديّن؟ ونخافه ونرهبه وهو باب سعادتنا؟
من لطائف العناية الربانية
ومن لطف القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أمن له الكثير من الأمور التي أمّنها لموسى عليه السلام، فدعاء (رَبّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى) يقابله قول الله تعالى للنبي (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ). وقوله تعالى(وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى) لسيدنا موسى جاء بنفس الكلمات لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم : (وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) (الطور 48).
وكأن هذه الآيات وعلاقاتها مع بعضها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم : لقد تمت هذه الأمور لك يا محمد.
ذاق السحرة طعم السعادة
ونصل إلى موقف السحرة مع فرعون، فهم قد تعرضوا للإيذاء الشديد من فرعون، ومع ذلك فإنهم لم يكونوا في شقاء أبداً، فقد قال لهم فرعون متوعداً: (فَلأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ) (71).
فماذا كان جوابهم؟
(قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءنَا مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِى هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا & إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسّحْرِ وَٱلله خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) (73).
كلمات في منتهى الروعة، تصدر عن أناس أسلموا منذ ثوان، ليبينوا من هو الشقي ومن هو السعيد: (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ & وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلْعُلَىٰ & جَنَّـٰتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّىٰ) (74 – 76).
إنها سعادة غامرة تفيض من الآخرة على أيام الدنيا، فيقف بها المؤمن أمام طواغيت الأرض دون أن تهتز منه شعرة، لأنه ذاق طعم السعادة الحقيقية.
الشقاء مع ترك منهج الله
وفي نفس القصة، نرى نموذجاً معاكساً للسحرة: إنه السامري، الذي أضل بني إسرائيل بعبادة العجل، فكانت آخر آية في قصة موسى تبين شقاء هذا الرجل: (قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ) (97).
ولهذا تأتي بعد هذه القصة آيات تعقب عليها، لتؤكد على هدف السورة، أن السعادة في هذا الدين وفي اتباعه، وأن الشقاء كل الشقاء في البعد عنه(كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ ءَاتَيْنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً & مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً & خَـٰلِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْلاً) (99-101).
ثم يقول تعالى عن سعادة وشقاوة أهل الآخرة: (وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً & وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً) (111-112).
سيدنا آدم والسعادة بالتمسك بالمنهج والالتزام به
وحين وصلت السورة إلى قصة آدم وحواء، ركزت من خلالها على هدف السورة: (فَقُلْنَا يٰـئَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) (117). فترك منهج الله تعالى واتباع إبليس هما سبب الشقاء في الآخرة. لذلك تتابع الآيات ببيان أنواع السعادة في الجنة: (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ & وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ) (118 - 119). وهذه القاعدة تطبق على أدم وذريته حتى بعد الخروج من الجنة (قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ) (123).
الشقاء الحقيقي
لقد تكررت كلمة الشقاء ومشتقاتها ثلاث مرات في السورة: (مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ... فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ... فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ) حتى لا يخاف أحد من التديّن واتباع منهج الله، فالسعادة كل السعادة مع التمسك بدين الله تعالى، أما من أعرض عن هذا المنهج، فتأتي آيات رهيبة في تصوير شقاوته في الدنيا والآخرة: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً) هذا في الدنيا فماذا عن الآخرة؟(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ & قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً & قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ & وَكَذٰلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ) (124 – 127).
أعلى مقامات السعادة
وقمة السعادة أن ترضى عن نفسك وعن حياتك، وترضى عن ربك وتحس برضاه.. وهذا ما يؤكده ختام السورة: (فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءانَاء ٱلَّيْلِ فَسَبّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ) (130).كل هذا إلى أين يؤدي؟ (لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ) (130).
فتسبيح الله تعالى وذكره وطاعته هما السبيل المؤدي لأعلى درجات السعادة، ألا وهي الرضا، وما هي السعادة سوى الشعور بالرضى؟ الذي حرم منه الكثيرون مهما تمتعوا بشهوات الدنيا من نساء وأموال وقصور وسيارات... فهم قد حرموا الرضا، الذي يؤتاه المؤمن بتسبيح الله تعالى وطاعته.
إلى كل من يبحث عن السعادة، إلى الشباب الذين طرقوا أبواب المعاصي بحثاً عن السعادة وعادوا خائبين، من فضلكم، اقرأوا سورة طه: (طه & مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ) (1).
عند الحزن اكثر من الدعاء : (اللهم اني اعوذ ب من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال )
(اللهم انا عبدك, ابن عبدك ابن امتك, ماض فيه حكمك ,عدل بي قضاءك, اسالك بكل اسم هو لك انزلته في كتابك او علمته احدا من خلقك او استاثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القران العظيم ربيع قلبي وجلاء همي وذهاب حزني )
دلوعه كلمتي مسموعه
ماشاء الله تبارك الله
الله يجزاك خير يالغالية
stafa
stafa
اليوم العشرون
تذكرة :الاستعداد للعشرة الاواخر والحرص على انتهاز كل فرصة خير في هذه الايام فالحسنة مضاعفة والايام سريعة الإنقضاء .
عمل اليوم :اذهب ساعة لزيارة المقابر وأدعو لأهلها وأتذكر مصيري بعد الموت فإن ذلك يزهدني في الدنيا ومتاعها الزائل وينشطني لطاعة الله تعالى
درس اليوم :سورة الانبياء والحج والمؤمنون
سورة الانبياء
سورة الأنبياء مكية، نزلت بعد سورة إبراهيم، وهي في المصحف بعد سورة طه وآياتها مائة واثنا عشرة آية.
دور الأنبياء في تذكرة البشرية
والسورة تتناول قصص أنبياء الله تعالى، ودورهم في تذكرة البشرية. هؤلاء الأنبياء هم أفضل خلق الله، وهم الذين قادوا الأرض إلى الخير والسعادة. وسورة الأنبياء تسير على نمط واحد، فهي ترينا كيف كان خطاب النبي ودعوته لقومه، وكيف كانت عبادته وتبتله لربه، لتوصلنا في النهاية إلى إثبات وحدة رسالة كل الأنبياء، كما سيتبين معنا.
خطورة الغفلة
وأول مهمة من مهمات أنبياء الله تعالى هي إزالة الغفلة، لأنها سبب ضلال الناس في كل زمان ومكان، ولأنها سبب ضياع الرسالات السابقة. مرض خطير يصيب الأفراد والمجتمعات فيبعدها عن طريق الله.
فالناس إما أن يكونوا عباداً أتقياء، وإما أن يكونوا عصاة فجار، لكن الخطورة تتجلى في النوع الذي يقع بينهما، وهو الصنف الغافل اللاهي البعيد عن طاعة الله، لذلك بدأت سورة الأنبياء بداية شديدة في التحذير من هذا المرض: )ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ & مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ & لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ..( (1-3).. ثلاث آيات متتالية تحذر من هذا المرض وعوارضه.)فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ.. وَهُمْ يَلْعَبُونَ... لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ(.
قدوتك في العبادة والحركة
ومن أهم أهداف السورة، أن تسألك أخي المسلم: بمن تقتدي في حياتك؟ من هو قدوتك الأساسية؟ ولو سألنا أكثر شباب اليوم عن قدوتهم، يا ترى كم واحد سيجيب أن سيدنا إبراهيم هو قدوته؟ وكم واحد سيجيب أن سيدنا يوسف هو مثاله الأعلى؟ وكم واحد سيقول أن النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوته؟ وكم واحد سيقول أن المغني الفلاني أو الممثل الفلاني هو قدوته؟ ويا ترى كم واحد سيجيب بأنه ليس عنده قدوة أصلاً...؟
لذلك تدور سورة الأنبياء حول هذا المعنى، وتركز على ناحيتين مضيئتين من حياة كل نبي: طاعته وعبادته وخشيته لله، ثم دعوته وإصلاحه في قومه، وكأنها تقول لك: هؤلاء هم مثلك الأعلى في حسن التعامل مع الله وفي حسن التعامل مع الناس، أي في العبادة والدعوة إلى الله.
وحدة الألفاظ بين الدعاء والاستجابة
فترى في السورة آيات كثيرة تصف دعاء الأنبياء وكيف استجاب لهم ربهم.
من سيدنا نوح عليه السلام (وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ..) (76) إلى أيوب (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ) (83) إلى يونس (ذا النون) الذي دعا ربه وهو في بطن الحوت (.. فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ) (87).. إلى زكريا (إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً) (89).
هذه الأجواء الرائعة من مناجاة الأنبياء لربهم كان يعقبها على الفور كلمة واحدة مشتركة بين كل الأنبياء: (... فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ...)، ولاحظ استعمال القرآن لحرف الفاء (فاستجبنا) لتفيد التعقيب السريع وسرعة استجابة الله تعالى لدعاء الأنبياء.
وكذلك ننجي المؤمنين
وهنا لا بد من التوقف عند أحد الأنبياء الذين ذكروا في السورة، سيدنا يونس عليه السلام، فالآية تقول: (فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ) (88)، فلم تقتصر على ذكر استجابة الله لدعائه، لكنها عممت هذه الإجابة على كل المؤمنين إذا دعوا ربهم جل وعلا (وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ)... أخي المسلم، ادع الله تعالى بخضوع الأنبياء وخشوعهم، يستجاب دعاؤك إن شاء الله.
بناء واحد
ووحدة دعاء الأنبياء واستعمالهم نفس الألفاظ يؤكد على وحدة رسالتهم وتكامل دعواتهم. إقرأ قوله تعالى (إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ) (92). فأمة الأنبياء أمة واحدة، وكل نبي كان له دور في بناء الدين، ليأتي خاتم الأنبياء والمرسلين ويكمل بناء الدين، اسمع معي حديثاً رائعاً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في بيان هذا المعنى:
"مثلي ومثل الأنبياء، كمثل رجل بنى داراً فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة." وبعد ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين. صلى الله على محمد،
ولذلك ركزت السورة أن كل نبي بعث إلى قومه خاصة، أما عند ذكر سيدنا محمد فقد قالت: (وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ) (107). أي للناس كافة، لا بل لعوالم أخرى كالجن.
لماذا لا تقتدي به؟ لماذا تصر على عدم اتخاذه قدوة في حياتك؟ وهو رحمة للعالمين؟
ختام يهز القلوب
ولأن السورة بدأت بخطورة مرض الغفلة، كانت آياتها في الختام شديدة، تهز القلوب لتوقظها من غفلتها. وكأنها تقول للناس: إن لم تقتدوا بهؤلاء الأنبياء، فاعلموا أن المرد والمرجع إلى الله، في يوم شديد وصعب (يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء كَطَىّ ٱلسّجِلّ لِلْكُتُبِ) (104)، تخيل هول هذا اليوم، تخيل صوت السماء وهي تنطوي كما يطوي أحدنا كتابه... وانظر إلى التأكيد الرباني (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ) (104).
الأرض أرضهم
فمن سار على خطى الأنبياء فهو المنتصر في الدنيا والفائز في الآخرة، لذلك تقرأ بعد الآيات الشديدة في وصف القيامة قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ) (105).
وكان هذه الآيات تقول لأتباع الأنبياء جميعاً: اقتدوا بأنبياء الله تعالى، لترثوا الأرض وتستخلفوا عليها. والآية التي بعدها توضح أكثر (إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغاً لّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ) (106)، وكأنها تحدد لك وجه الإقتداء: أن اعبد الله تعالى كعبادة الأنبياء، لتنال شرف وراثة الأنبياء في الاستخلاف على الأرض...
فإلى قارئ القرآن، بعد أن أتتك رسائل كثيرة مبيّنة في هذا المنهج الرباني، ها هي اليوم سورة الأنبياء، تدعوك إلى الإقتداء بأنبياء الله تعالى، وبإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم ، في عبادتهم وتبتلهم لله تعالى، وفي غيرتهم على دين الله وعملهم الدؤوب على نشره وتبليغه، حتى تكون من عباد الله الصالحين وترث الأرض وفقاً لمنهج الله (أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ) (105).
سورة الحج
سورة الحج مدنية وبعضها مكي، نزلت بعد سورة النور، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة الأنبياء، وعدد آياتها 78 آية.
من أعاجيب السور
لماذا؟ لأن فيها آيات نزلت في مكة وآيات نزلت في المدينة، آيات نزلت ليلاً وآيات نزلت نهاراً، آيات نزلت في الحضر وآيات نزلت في السفر. وليس هذا فحسب، بل أن السورة قد احتوت على ميزات أخرى، فهي السورة الوحيدة التي سميت باسم ركن من أركان الإسلام. ومن هنا تبرز قيمة الحج لأن الموضوع الأساسي للسورة - كما هو واضح - هو الحديث عن هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.
الحج مفتاح معانيها
لكننا إذا قرأنا سورة الحج من أولها لوجدناها تتكلم عن يوم القيامة، من أول آية نرى التركيز على القيامة والبعث والنشور، إلى أن تنتقل الآيات إلى الجهاد في سبيل الله، ثم العبودية والخضوع الشديدين لله تبارك وتعالى، وأن الله تعالى يسجد له من في السماوات والأرض... فما علاقة هذه الأمور ببعضها؟ وما علاقتها بالحج؟
إن المسلم عندما يؤدي هذه العبادة العظيمة، أو يعيش مع الحجاج ويتخيل نفسه معهم، سيفهم مراد ربنا من السورة، لأن الحج عبادة لها دور أساسي في بناء الأمة. وكأن السورة تقول لقارئيها: حجوا حجة صحيحة، مثل حجة النبي صلى الله عليه وسلم، لتبنوا أنفسكم وتدربوها على معاني رائعة وأساسية، وبالتالي تكون هذه المعاني عاملاً أساسياً لبناء الأفراد والمجتمعات وبالتالي الأمة كلها...
تذكرة عملية
بدأت السورة بداية شديدة في تذكيرها بيوم القيامة. فمن أول آية نقرأ قوله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىْء عَظِيمٌ) فما علاقة الحج بيوم القيامة؟
إن مناسك الحج في أغلبها تذكّرك بيوم القيامة، لذلك أطلب من الأخ القارئ، ولو لم تسنح له الفرصة بالذهاب إلى الحج، أن يعيش معنا لقطة من لقطات الحج: ونحن ننزل من عرفة، ذاهبين إلى مزدلفة لرمي الجمرات، والحر شديد، والزحام خانق، والانتظار طويل. كل البشر يتضرع إلى الله بالدعاء، وينادي: "لبيك اللهم لبيك"، ولباس الحج البسيط يذكّر بالكفن الذي يلبسه الموتى... كل هذا يذكّر بعري يوم القيامة، وزحمة وحر وعرق وشمس يوم القيامة.
الحج ومشاهد الآخرة
ثم تبدأ الآيات بعد ذلك في وصف أهوال ذلك اليوم كأنك تراها أمام عينيك:
(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱلله شَدِيدٌ) (2). ثم تنتقل الآيات إلى البعث، والخروج من القبور، عندما يخرج الناس من قبورهم والتراب يعلو وجوههم وأجسادهم، لذلك تذكرنا أن أصل الناس كلهم إنما هو من التراب (يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـٰكُمْ مّن تُرَابٍ...) (5).
وفي الحج أيضاً، عندما تنظر لنفسك بعد يومين من ارتداء ملابس الإحرام، ترى أنك أصبحت كتلة من التراب. والأكثر من ذلك، هو أن تحج كحجة النبي صلى الله عليه وسلم تماماً. فإذا نويت المبيت في مزدلفة، ترى الكثير من الناس تعباً لا بل ميتاً من التعب، كأنه ميت فعلاً. فإذا أتى وقت الفجر يستيقظ الناس كأنهم يبعثون من القبور: الكل يلبس الثياب البيض ويتحرك لرمي الجمرات... لذلك تأتي الآية 7 لتذكر بالبعث من القبور: (وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱلله يَبْعَثُ مَن فِى ٱلْقُبُورِ) (7).
وهكذا نرى أول أثر من آثار الحج في تربية الأمة: تربيتها على اليوم الآخر والاستعداد له، بأن يعيش أفراد الأمة بعض لحظاته ومعالمه أثناء الحج.
مناسك الحج: غاية الطاعة لله تعالى
ثم تنتقل الآيات (26 - 37) إلى ذكر مناسك الحج المختلفة، لتأتي خلالها الآية المحورية: (ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱلله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ) (32). فما السر في هذه المناسك العظيمة التي شرعها لنا الله تعالى؟
إنك في خلال الحج، تنفذ أوامر وتعليمات محددة ومشددة من الله تعالى، إن لم تنفذّها بدقة تفسد الحج. فالمسلم في الحج يطوف سبع مرات حول حجر، ويسعى سبع مرات بين حجرين، ثم عند رمي الجمرات، فهو يرمي بحجر على حجر... فهو يطبّق مناسك عديدة قد لا يفهم الحكمة من ورائها، لكنه ينفذها فقط طاعة لله تعالى، واستسلاماً لأمره، وفي هذا قمة العبودية والطاعة لله تعالى، والتدريب على فريضة أخرى من فرائض الإسلام: الجهاد في سبيل الله.
الحج والجهاد
لذلك تأتي بعد آيات الحج مباشرة آيات الجهاد في سبيل الله: (إِنَّ ٱلله يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ...) (38) ثم قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱلله عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (39).
كأن المعنى: أن الحج تدريب أساسي على الجهاد في سبيل الله، لأنه عبارة عن حركة شاقة وانتقال من مكان إلى آخر، والحاج - كالمجاهد تماماً - كثير الارتحال بين الأماكن والمناسك دون أن يعرف الاستقرار. باختصار، إن الحج هو من أسمى العبادات التي يترك فيها المسلم كثيراً من عاداته التي تعوّد عليها في بيته، ليبني نفسه ويعوّدها على الجدية واقتحام الصعاب.

الحج والخضوع لله
ومن روعة الحج أنه يجعلك تستشعر أن الكون كله عبد لله. ففي يوم عرفة تشعر أنك لست وحدك من يسجد لله في هذا الكون ويدعوه، بل تشعر أن الخيمة ساجدةٌ هي الأخرى، وأن الجبل نفسه ساجد، بل الكون كله، فتنضم أنت - أيها الإنسان الضعيف - إلى هذه المخلوقات وتشاركها في سجودها وخضوعها لله تعالى. وهذا ما نراه بوضوح في الآية 18: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱلله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱلله يَفْعَلُ مَا يَشَاء).
حياة الأمة... بين سجدتين
واللطيف أن أول سورة نزلت فيها سجدة مع بداية البعثة كانت سورة العلق، التي جاء فيها قوله تعالى: (كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب)، بينما آخر سورة نزلت فيها سجدة كانت سورة الحج، التي نزلت مع نهاية البعثة، والتي ترى فيها قوله تعالى: (يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (77).
والفرق بين السجدتين يظهر النقلة العظيمة التي انتقلتها الأمة، من السجدة الأولى الموجهة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده في سورة العلق، إلى السجدة الأخيرة التي وجهت للأمة كلها في سورة الحج. فهي نقلة نوعية في فترة محدودة، من النبي وحده في غار حراء، إلى أمة عابدة مجاهدة..
من فضلك، إنو أداء هذه الفريضة العظيمة، أو على الأقل العمرة، لتعدّ نفسك وتربّيها على المعاني التي أتت في هذه السورة الكريمة. واقرأ سورة الحج بنيّة من يريد أن يستفيد من دروس الحج ومعانيه، حتى لو لم تتح له الفرصة بعد...
سورة المؤمنون
سورة المؤمنون مكية، نزلت بعد سورة الأنبياء، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة الحج، وعدد آياتها مائة وثمانية عشر آية.
كيف أنت من صفاتهم..؟
تذكر هذه السورة أهم صفات المؤمنين، وتضع أمامها مصير المكذبين. وكأنها تسأل قارئ القرآن، وتقول له: أين أنت من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين الذين عرضت عليك صفاتهم..؟ كما أنها تلفت نظرك إلى معنى مهم، وهو أن هذه الصفات تجمع ما بين الأخلاق والعبادات، فترى أول صفة هي صفة عبادة، ثم التي بعدها صفة خلق، وهكذا... فاعرض نفسك على الصفات التالية، وضع لنفسك علامة أمام كل واحدة:
استقصاء الإيمان
تبدأ السورة بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ) (1). فمن هم؟ وكيف نكون منهم؟ ابدأ معنا في الإجابة على محاور الاستقصاء:
1- (ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ) ( 2): كيف تؤدي صلاتك؟ هل تخشع فيها أم لا؟ كم نقطة تعطي نفسك عن هذا
السؤال؟
2- (وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) (3): هل تغتاب مسلماً أو تقع في النميمة؟ هل تمسك لسانك عما لا يفيد من الكلام؟ هل تعرض عن مجالس الغيبة وتمتنع عن سماعها؟
3- (وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ) (5): كيف أنت مع غض البصر؟ والعفة والبعد عن كل ما يؤدي إلى الزنا؟
4- (وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ) (8): كيف حفظك للأمانة؟ من أبسط الأمانات (الشريط أو الكتاب الذي استعرته من صديقك)، إلى أمانة الدين وحفظه ونشره بين الناس؟
5- (وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ) (9): هل تحافظ على الصلاة في أول وقتها؟ وتحافظ على الجماعة؟ كم نقطة تعطي نفسك على أداء الصلاة والحفاظ عليها؟
إذا نجحت... مبروك
فإذا كانت نسبة تحقق هذه الصفات عالية عندك، فاستبشر بقوله تعالى (أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ & ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ). مبروك، لقد حزت جائزة ربانية عالية، وشهادة ربانية في الآيات (10 - 11) تؤهلك لكي ترث الأرض في الدنيا، وتنال الفردوس الأعلى في الآخرة.
تاريخ المؤمنين... ومصير المكذبين
ثم تنتقل الآيات إلى ذكر تاريخ المؤمنين على هذه الأرض، فتذكر قصص عديدة لأنبياء الله تعالى، مع التركيز على وراثة كل جيل من الأنبياء لصفة الإيمان.(ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ) (31).. (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءاخَرِينَ) (42).
وبين هذه الآيات، يأتي ذكر لمصير المكذبين بآيات الله تعالى، وكأنها تقول للمؤمنين الذين عرضوا صفاتهم على الاستقصاء الموجود في أول السورة: إياكم والبعد عن طريق الإيمان، إياكم وترك الصلاة، فتنالوا المصير الذي ناله هؤلاء: (فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ بِٱلْحَقّ فَجَعَلْنَـٰهُمْ غُثَاء فَبُعْداً لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ) (41). (كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) (44).
أرأيت كيف يكون البعد عن الإيمان سبباً للهلاك...
صفات أرقى وأعلى
وبعد ذلك، تعرض الآيات صفات أخرى للمؤمنين، هي بمثابة مستوى أعلى من الصفات السابقة: إقرأ معي الآيات 57 - 61:
(إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ) (57): ففي أول السورة كان الخشوع صفة مطلوبة في الصلاة، أما هنا فالمستوى أعلى: أن تصاحبك خشية الله تعالى في كل أمور حياتك وعند كل عمل.
(وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ & وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ) (58-59). فلا يشركون مع الله أحداً في عبادتهم، سواء كان هذا الشرك شركاً أكبر (كأن يدعو مع الله إلهاً آخر) أو شركاً أصغر وهو الرياء. فإياك أن تبتغي من عملك شيئاً سوى الأجر والثواب من الله.
(وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ) (60).
وهنا نصل إلى قمة في صفات المؤمنين، وهي أن تعبد الله تعالى وتنفذ أوامره ثم تخاف، ممن؟ من عدم قبول العمل. وقد سألت السيدة عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقالت: أهو الرجل يسرق ويزني ويخشى الله؟ فقال: لا يا ابنة الصِّدِّيق، إنما هم الذين يعبدون ربَّهُم، وهم يخشَونَ ألا يتقبَّلَ منهم "
شهادة ربانية
ولكل هذه الصفات، استحق هؤلاء المؤمنون شهادة أخرى من الله تعالى: (أُوْلَـئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ) (61). فهم لا يتركون فرصة لتحصيل الأجر والثواب إلا وسارعوا إليها وتسابقوا عليها...
بعد العمل... الدعاء
وكان أجمل ختام لسورة المؤمنون، تعليمنا دعاء رائعاً: (وَقُل رَّبّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ) (118).
ما سر ختام السورة بهذا الدعاء؟ لأن المؤمنين الذين نجحوا في الصفات التي ذكرت في السورة، قد يخطئون بعدها أو يقصرون في المحافظة على المستوى الإيماني الذي جاءت به السورة، فكان لا بد من الختام بآية ترشدك إلى طريق الاستغفار من الذنوب والتقصير الذي قد تقع به، لأن ذلك من طبيعة البشر...
سبب التسمية وعلا قتها بالسور اللي قبلها
وسميت السورة بالمؤمنين لانها اشتملت صفاتهم وجاءت بعد الانبياء والحج لتقول باننكم يا مؤمنون كلكم اخوة بالاسلام لا فرق بين اعجمي وعربي الا بالتقوى ولذلك كان الحج لكم فيه من العبرة لجتماعكم جميعا من شتى بقاع الارض وتوحدكم في مكان مقدس واحد هو مكة ولاداء نسك واحد هو الحج , كلكم مؤمنين تقرون بشهادة لا اله الا الله اخذتومها ممن جاء قبلكم من الانبياء ومن خاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بنفس الرسالة وتوحدوا وجاهدو من اجل ذلك وهي توحيد عبادة الله بالارض واعلاء كلمة لا اله الا الله وحده لا شريك له .