

قمه
•
:: الجزء الثامن ::
((زيارة الولي الصالح))
وقف .. تردد برهة ثم قال مبتسما :
- ما رأيك في أن نخرج الآن إلى مكان مهم جدا ..؟؟
تسمرت في مكاني وأنا أتنهد , فسألته :
- إلى أين ؟ لا أريد الخروج كفى
هيا .. هيا .. سنذهب إلى مكان ستتعجبين مما سترين فيه وتسمعين .. قلت:
- ولكن .. الوقت متأخر .. ومن الأفضل أن .. قاطعني بسرعة :
- هيا لا مجال الآن لتضييع الوقت ...
ذهبت معه ..أخذ ينعطف بسيارته يمينا ثم يسارا .. وأنا صامتة أنتظر فرج الله , فقد أصبحت زاهدة حتى في حياتي .. وقفنا عند منزل متواضع صغير .. سألته بخوف :
- أين تذهب بي ؟! ألا تزال مصرا على إخفاء ذلك عني ؟ سكت وطرق الباب .. فتح الباب على يد خادمة غضبى .. دخل مسلما على الرجل الطاعن في السن وأمرني أن أتبعه .. فوجئت !!
- ألم ينتهي الهزل بعد ؟ ( خاطبت نفسي متألمة )
جلس مقابلا له .. شرح قضيتي وأنني من أهل السنة !! تبادل الرجلان النظرات الحانقة , وبدت علامات التعجب والتفاجؤ على الرجل لسماعه هذا الخبر ! امتعض كثيرا وكأنه سمع عني بأنني ارتددت عن الإسلام
أكفهر وجهه .. وتلونت ملامحه , وقال بحقد :
- ما هذا الخبر والحدث الجلل ؟ هل ما يقوله زوجك صحيح ؟ لا أصدق ! لا أصدق !
انتابني الذعر والرعب , تلفت حولي بدهشة ... لاحظ العجوز دهشتي وقال مستنكرا :
- لا .. لا يا ابنتي هذا شيء خطير جدا ! ابتعدي عن ذلك .. انتبهي إلى أن لا يجرفك تيارهم !! واستمعي إلى كلام زوجك فهو أعلم بمصلحتك ! لا أريد سماع ذلك عنك من اليوم فصاعدا !! لا حول ولا قوة إلا بالله !!
أصابني الخوف والهلع .. اعتذر الرجل المسن ليخرج من المكان .. وأنه سيأتي بعد قليل ... وعند خروجه قال الزوج واثقا من قوله :
- هل رأيت هذا الرجل ؟ إنه علام الغيوب ...!!!!
أجبته بحماس كبير يطوي تحته السخرية من كلامه :
- حقا ؟! وهل كان يعلم بمجيئنا إليه ؟ في هذا الوقت ؟
نظر إلي باستغراب وكأنه يشك في صدق نيتي .. ثم قال :
- بالتأكيد .. وسيخبرك الآن عن كل ما تفكرين به ... وستدهشين من إجابته على كل الأسئلة التي تطرح عليه !! وسترين ذلك بأم عينك !
امتلأت غيظا .. فكتمته ! وعاد الرجل المدعي وجلس في مكانه السابق وإذا بالزوج يخضع ويذل نفسه إليه .. وينحني .. وينكسر !! وإذا به يقبل يديه ورأسه .. ثم خلع قبعته وفاضت عيناه إجلالا !!!!
اقترب بعدها الزوج كثيرا من الرجل .. وأخذ يتمتمان بكلمات لم أفهمها وفجأة نظر إلي وقال :
- اجلسي لم تقفين كل هذا الوقت ؟؟
جلست .. ركزا نظرهما نحوي يا إلهي ماذا فعلت أيضا ؟ لم أعد أحتمل .. لم أستطيع المنافحة ماذا ينويان أن يفعلا بي هذه المرة ؟!
أمرني الزوج بانكسار أمام الولي أن أخلع حجابي .. رأيت اللهفة في عيني الرجل ليرى أي نوع من الكائنات أنا !! ولماذا تركتهم وما يدعون !!؟؟ ترددت كثيرا .. وامتنعت .. فأمرني الزوج بتلك النظرات المخيفة الكريهة ..
فإذا بالولي يبتسم ابتسامة عريضة إنه رجل مسن ! بالكاد يرى ويسمع ! وأمرني أن أجلس أمامه مباشرة فرفضت بحياء وخجل .. وهمست في أذن الزوج متوسلة :
- أرجوك لا أستطيع .. أقسم بالله العظيم أني لا أستطيع .. أرجوك إني أخاف .. ابتسم بدوره ابتسامة صفراء حاقدة :
- لا تخافي إنه ولي صالح جدا .. سيعرفك على مستقبلك .. إنه يكشف الغيب ويعلمه .. هيا تقدمي .. هيا ..
وارتجفت وشعرت بالإغماء .. رباه اصرف أذاهم عني .. رباه
قام الزوج وأمسك بيدي بقوة آلمتني .. وأجبرتني على الجلوس أمام الرجل المسن قائلا بلطف مصطنع :
- هيا تعالي .. إنه لا يخيف .. واخفضي نظرك عنه إجلالا لقدرته ومكانته ففعلت .. نظر إلي الرجل المسن وابتسم ثانية ثم قال :
- ما اسمك يا فتاة ؟؟
لم أنطق .. خشيت إن نطقت أن يسقط سقف المنزل علينا من غضب الله
فأجاب الزوج بلهفة :
- اسمها ..... أخبرنا يا ولينا العظيم عما سينكشف لك ؟!
ما زالت نظرات الرجل عالقة بي .. ثم قال :
- أنت فتاة صالحة .. ولكنك منحرفة عقائديا .. وسيحل عليك غضب الله تعالى إن لم تتركي ما أنت فيه من خزعبلات .. وأوهام .. عودي إلى الطريق السوي .. لأن الخير كل الخير في طريقتنا .. واتركي عنك كل أقوال الكافرين .. لأنهم سيزودونك كفرا وإضلالا وذنوبا .. هل فهمتي ؟!
ارتعشت .. ثم أجبته وأنا أشعر بأنني أخضع لتأثير سحر عظيم ..و غريب
- فهمت .. فهمت
ارتجفت يداي .. شعرت بذهول .. ثم .. أفقت !! ماذا يقول ذلك المعتوه !؟
أخفض نظره .. ثم أغمض عينيه وكأنه ينظر إلى شيء ما .. لا أراه !!
ثم قال :
- ستعودين اليوم إلى المنزل .. سيتراءى لك في المنام الولي الصالح الذي قد مات منذ زمن ( فلان بن فلان ) لا أحد يراه في منامه إلا قلة من الناس ! فإذا رأيتيه فأخبريه بما تريدين وسيخبرني هو فيما بعد بما داء بينكما !!
فتح عينيه المغمضتين .. ونظر إلي مجددا .. ثم قال :
- ستنجبين ولدا نجيبا .. وستكونين من أولياء الله الصالحين لأنك مترفعة في أخلاقك .. وسيخلف الله لك خيرا في دينك الزائف .. وستنضمين إلينا على الرحب والسعة !!
رباه .. رباه .. ماذا يقول هذا الرجل ؟ أريد الخروج .. أنا لا أحتمل .. وفجأة سمعت صوتا بجانبي .. انتقلت نظراتي بسرعة .. إنه الزوج يجهش بالبكاء الحار .. إنه متأثر .. منفعل جدا .. مصدق !!!!
ما به ؟؟ ثم ... سالت دمعات لا هبات من عيني وليهم !!!!!
أرجوك يا رب .. أبعدني عنهم ! رباه .. إنهم يريدون إغراقي معهم ! إنني أتهاوى .. وفجأة عكف الزوج على يدي الولي وبالغ في تقبيلها .. ثم تمسح به .. ماذا يقصد ؟ إنه يده على رأس الولي ويأمرني بوضع يدي أيضا !! أدرت وجهي .. إلا هذا !! لا أستطيع !! وأمرت مرة أخرى فرفضت ببقائي صامتة جامدة !
نظر الرجل إلي بقلق عندما طال صمتي ..
قال للزوج وقد مد يده إليه بقبعة قديمة :
- إذا اجعلها تخلع حجابها كاملا حتى تلبس هذه القبعة وتتبارك بها !
فنهض بقوة وشد عني حجابي بكيد دفين ثم ألبسني القبعة .. ودمعاتي تحرق كل جزء في وجهي المتألم ! وتناول الرجل قطعة قماش بالية وهو يشكره بذل !!
فقال الرجل يوجه إلي الحديث :
- أما هذه القطعة فضعيها تحت وسادتك وستقيك الشر وتدفع عنك الضر
قمت من مكاني أترنح من شدة البأس الذي أصابني حتى هذه اللحظة الصعيبة ! لا أحد يبالي بمشاعري ! يا رب رحماك !
سمعت الزوج في هذه الأثناء يقول والدموع الذليلة لا تزال تتدفق من حجرها :
- أتوسل إليك يا ولينا العظيم أن تخبرني عن أبي .. لقد مات منذ وقت قصير .. هل في الجنة أم في النار ؟ وهل هو في نعيم أم في جحيم ؟؟
وزاد بكاؤه وعويله .. فأطرق الولي مليا .. ثم وضع أصابعه على صدغيه وأغمض عينيه .. وافتعل حركات كأنما هو يرى أشياء أغضبته .. فتلوى وجهه وتقطب حاجباه .. ثم .. أشياء سرته .. فقال له :
- لا تحزن فأبوك في الجنة .. لقد رأيته الآن .. إنه يرتع فيها .. هنيئا لك وله .. إنه في نعيم مقيم .. لا تخف .. فأبوك بخير فاطمئن وطمئن ذويك عنه
زاد بكاء الزوج وارتفع صوته ولكن هذه المرة .. بكاء الفرح والحبور هو الذي كان له صدى في الأرجاء ..
أستغفر الله العظيم ..ماذا يفعل هؤلاء ؟ هل فقدوا صوابهم ؟ لماذا يفعلون ذلك ؟ وأمامي ؟ إن هذا الرجل المسن يدعي علم الغيب والإحاطة به !! ثم يقول إنه كشف وإلهام !! ولكن لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ! فكيف يجرؤون ؟ إنه شرك ! كيف أخبرهم ؟ كيف أقنعهم ؟ سيقتلوني إن تفوهت بكلمة واحدة
ولكن ألم يقل الله تعالى لرسوله الكريم :
(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ)
إذا كان رسول الله إلى الناس وخاتم الأنبياء والمرسلين لا يعلم الغيب .. فهل يعلمه هؤلاء ؟ إنهم قوم يستكبرون !! هممت بالاحتجاج .. تراجعت .. سيؤذوني بلا شك .. أعرف ذلك خزعبلات العجوز
لم أحتمل هذا القول .. فقمت من مكاني غضبى إلى الداخل .. فوجدت زوجة الولي تسرح شعرها ! إنها عجوز أيضا .. سلمت عليها بريبة وتخوف .. ربما كانت ذات عقل .. أفضل من زوجها .. إنها تقبع وحيدة .. ربما هي لا توافق زوجها ولا تقتنع بصنيعه .. مثلي ! فقلت لها باسمة :
- كيف حالك يا خالة ؟ فبادرتني بالتحية , وأجلستني بجانبها وقالت :
- بحال طيبة .. أهذه أول مرة .. ( وخاطبت نفسي ) وآخر مرة إن شاء الله
قالت بدهاء :
- وما رأيك بالولي ؟ إنه علاّمة وعارف بالله .. إن له أمورا لا يصدقها البشر عندما تجلسين معه مرة ستأتين أكثر من مرة .. صدقيني ..
ثم قالت :
- هل تعلمين أنه في يوم ما .. كان يحدث الناس ويعظهم .. وفجأة سكت .. فنظر إليه الجالسون وقالوا ..
- ما بك يا ولينا العظيم .. ما بك ..؟؟
قال :
- انتظروا لقد دعيت .. ويجب أن ألبي النداء ( وكان الجميع ينظرون إليه ) وفجأة تبلل كمه الأيمن بالماء !! فهاج الحضور وصاحوا وقالوا له :
- ماذا حدث يا ولينا ؟؟ وما بال كمك امتلأ بالماء ؟
فقال :
- كان هناك رجل يسبح في البحر فغرق .. فاستغاث بي فأخرجته بيدي الآن .. والحمدلله لقد نجا من موت محتم !! فقالوا وهم يكبرون عمله:
- ولكن كيف ؟ وأنت جالس معنا يا ولينا العظيم .. يا إلهي ما أعظمك !! إنك عظيم كبير قادر على كل شيء !!! يا ولينا !!
قال مزهوا بنفسه :
- هذه من الكرامات الخارقة .. فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم !!
( انتظرت مني ردا .. وأنا كالمصعوقة مما أسمع ) .. هل أصاب عقلي شيء ؟ هل أنا في كامل وعيي ؟ هل أعيش كابوسا مروعا ؟ أم أنا موجودة حقا بين هؤلاء ؟
بدأ عقلي يضعف فقلت لها بذهول :
- ولكن كيف ؟ هل يستطيع .. ؟! كيف يرسل يده إلى البحر وهو يجلس في مكانه ؟؟ كيف ؟!
نظرت إليه بتوجس .. رأيتها تضحك !! رأيت عينيها الغائرتين تنظران إلي بنظرات تعني شيئا ما !! هل أقنعوها بأن تفعل معي ذلك ؟! هل سلطوها علي هي أيضا ؟؟ يا رب ..يا رب .. سمعت صوت الزوج ينادي .. فخرجت أستجمع ما بقي من عقل ودين !!
ركبت السيارة .. لم أنطق ولم ينطق ..ماذا يحدث حولي ؟!! ماذا يحصل ؟
أين أنا ؟ أشعر بأن ما يدور هنا هي قصة نسجها الخيال إلى أبعد مدى !!
عدنا إلى المنزل .. وأول ما عمله الزوج هو أن وضع قطعة القماش تحت وسادتي ..
وقال متوسلا :
- أرجو أن تعتقدي فيها ! فهي ستنير لك طريقك وستقتنعين فيما بعد ! أرجوك !
أومأت برأسي بالإيجاب... وتمالكت نفسي .. ما أصعب هذا الموقف .. من سينتصر ؟ ومن سيرفع راية الاستسلام البيضاء ؟ ويطأطئ رأسه خيبة وخذلانا ؟؟!!
لم يغمض لي جفن طول الليل .. تضرعت إلى الله باكية .. رجوت الله أن يثبتني .. فلو رأيت الحلم نسجه لي ذلك الرجل الأرعن .. فأخشى أن أؤمن بهم !! يا رب أنت ملجأئ .. يا رب أنت ملاذي .. يا رب وجهني إلى طريق الخير والصواب .. لقد ظهرت خيوط الصبح وأنا لم أنم !! أخشى أن أحلم .. يا رب ساعدني .. ثم .. انسدلت أجفاني تغطي عيني بدون وعي مني !!
وفي الصباح .. فتحت عيني بثقل شديد .. رأيته .. يزرع الغرفة ذهابا وإيابا .. إنه ينتظر نهوضي بفارغ الصبر .. وقفت أنظر إليه .. تذكرت !!! جاء يهرول إلي .. راجيا .. باسما
- هاه ماذا رأيت ؟ هل صدق ؟ بالطبع صدق !! أخبريني بالتفاصيل ..هيا أسرعي .. لا أطيق الانتظار .. أخبريني .. فصّلي رؤياك .. هيا ...
يا إلهي .. تذكرت ماذا يقصد .. تنهدت بعمق ..
ثم ابتسمت أخيرا ابتسامة نصر وثقة واختيال وعجب .. وازدراء !!
- لا .. لا .. لا لم أحلم بما قاله وليّك ذاك !! لم أحلم ... لم أحلم ..
الحمدلله الحمدلله ربي لك الحمد والشكر والثناء ...
فقام من مكانه مدحورا مذموما قال باهتمام :
- ليس من المشترط أن تكون الرؤيا في الليلة الماضية ..
من الممكن أن تكون الليلة أو غدا .. أو بعد غد .. أو ... قاطعته بتحدٍ :
- ولكن هذا الرجل أكّد لي بأنها ستكون الليلة الماضية ..
فلا مجال إذا ..
آه يا رب لك الحمد
خرج من الغرفة غاضباْ ..
وسمعته يتمتم بكلمات ساخطة ..
فضحكت في قرارة نفسي على خذلانهم
يتـــــــبع ..
((زيارة الولي الصالح))
وقف .. تردد برهة ثم قال مبتسما :
- ما رأيك في أن نخرج الآن إلى مكان مهم جدا ..؟؟
تسمرت في مكاني وأنا أتنهد , فسألته :
- إلى أين ؟ لا أريد الخروج كفى
هيا .. هيا .. سنذهب إلى مكان ستتعجبين مما سترين فيه وتسمعين .. قلت:
- ولكن .. الوقت متأخر .. ومن الأفضل أن .. قاطعني بسرعة :
- هيا لا مجال الآن لتضييع الوقت ...
ذهبت معه ..أخذ ينعطف بسيارته يمينا ثم يسارا .. وأنا صامتة أنتظر فرج الله , فقد أصبحت زاهدة حتى في حياتي .. وقفنا عند منزل متواضع صغير .. سألته بخوف :
- أين تذهب بي ؟! ألا تزال مصرا على إخفاء ذلك عني ؟ سكت وطرق الباب .. فتح الباب على يد خادمة غضبى .. دخل مسلما على الرجل الطاعن في السن وأمرني أن أتبعه .. فوجئت !!
- ألم ينتهي الهزل بعد ؟ ( خاطبت نفسي متألمة )
جلس مقابلا له .. شرح قضيتي وأنني من أهل السنة !! تبادل الرجلان النظرات الحانقة , وبدت علامات التعجب والتفاجؤ على الرجل لسماعه هذا الخبر ! امتعض كثيرا وكأنه سمع عني بأنني ارتددت عن الإسلام
أكفهر وجهه .. وتلونت ملامحه , وقال بحقد :
- ما هذا الخبر والحدث الجلل ؟ هل ما يقوله زوجك صحيح ؟ لا أصدق ! لا أصدق !
انتابني الذعر والرعب , تلفت حولي بدهشة ... لاحظ العجوز دهشتي وقال مستنكرا :
- لا .. لا يا ابنتي هذا شيء خطير جدا ! ابتعدي عن ذلك .. انتبهي إلى أن لا يجرفك تيارهم !! واستمعي إلى كلام زوجك فهو أعلم بمصلحتك ! لا أريد سماع ذلك عنك من اليوم فصاعدا !! لا حول ولا قوة إلا بالله !!
أصابني الخوف والهلع .. اعتذر الرجل المسن ليخرج من المكان .. وأنه سيأتي بعد قليل ... وعند خروجه قال الزوج واثقا من قوله :
- هل رأيت هذا الرجل ؟ إنه علام الغيوب ...!!!!
أجبته بحماس كبير يطوي تحته السخرية من كلامه :
- حقا ؟! وهل كان يعلم بمجيئنا إليه ؟ في هذا الوقت ؟
نظر إلي باستغراب وكأنه يشك في صدق نيتي .. ثم قال :
- بالتأكيد .. وسيخبرك الآن عن كل ما تفكرين به ... وستدهشين من إجابته على كل الأسئلة التي تطرح عليه !! وسترين ذلك بأم عينك !
امتلأت غيظا .. فكتمته ! وعاد الرجل المدعي وجلس في مكانه السابق وإذا بالزوج يخضع ويذل نفسه إليه .. وينحني .. وينكسر !! وإذا به يقبل يديه ورأسه .. ثم خلع قبعته وفاضت عيناه إجلالا !!!!
اقترب بعدها الزوج كثيرا من الرجل .. وأخذ يتمتمان بكلمات لم أفهمها وفجأة نظر إلي وقال :
- اجلسي لم تقفين كل هذا الوقت ؟؟
جلست .. ركزا نظرهما نحوي يا إلهي ماذا فعلت أيضا ؟ لم أعد أحتمل .. لم أستطيع المنافحة ماذا ينويان أن يفعلا بي هذه المرة ؟!
أمرني الزوج بانكسار أمام الولي أن أخلع حجابي .. رأيت اللهفة في عيني الرجل ليرى أي نوع من الكائنات أنا !! ولماذا تركتهم وما يدعون !!؟؟ ترددت كثيرا .. وامتنعت .. فأمرني الزوج بتلك النظرات المخيفة الكريهة ..
فإذا بالولي يبتسم ابتسامة عريضة إنه رجل مسن ! بالكاد يرى ويسمع ! وأمرني أن أجلس أمامه مباشرة فرفضت بحياء وخجل .. وهمست في أذن الزوج متوسلة :
- أرجوك لا أستطيع .. أقسم بالله العظيم أني لا أستطيع .. أرجوك إني أخاف .. ابتسم بدوره ابتسامة صفراء حاقدة :
- لا تخافي إنه ولي صالح جدا .. سيعرفك على مستقبلك .. إنه يكشف الغيب ويعلمه .. هيا تقدمي .. هيا ..
وارتجفت وشعرت بالإغماء .. رباه اصرف أذاهم عني .. رباه
قام الزوج وأمسك بيدي بقوة آلمتني .. وأجبرتني على الجلوس أمام الرجل المسن قائلا بلطف مصطنع :
- هيا تعالي .. إنه لا يخيف .. واخفضي نظرك عنه إجلالا لقدرته ومكانته ففعلت .. نظر إلي الرجل المسن وابتسم ثانية ثم قال :
- ما اسمك يا فتاة ؟؟
لم أنطق .. خشيت إن نطقت أن يسقط سقف المنزل علينا من غضب الله
فأجاب الزوج بلهفة :
- اسمها ..... أخبرنا يا ولينا العظيم عما سينكشف لك ؟!
ما زالت نظرات الرجل عالقة بي .. ثم قال :
- أنت فتاة صالحة .. ولكنك منحرفة عقائديا .. وسيحل عليك غضب الله تعالى إن لم تتركي ما أنت فيه من خزعبلات .. وأوهام .. عودي إلى الطريق السوي .. لأن الخير كل الخير في طريقتنا .. واتركي عنك كل أقوال الكافرين .. لأنهم سيزودونك كفرا وإضلالا وذنوبا .. هل فهمتي ؟!
ارتعشت .. ثم أجبته وأنا أشعر بأنني أخضع لتأثير سحر عظيم ..و غريب
- فهمت .. فهمت
ارتجفت يداي .. شعرت بذهول .. ثم .. أفقت !! ماذا يقول ذلك المعتوه !؟
أخفض نظره .. ثم أغمض عينيه وكأنه ينظر إلى شيء ما .. لا أراه !!
ثم قال :
- ستعودين اليوم إلى المنزل .. سيتراءى لك في المنام الولي الصالح الذي قد مات منذ زمن ( فلان بن فلان ) لا أحد يراه في منامه إلا قلة من الناس ! فإذا رأيتيه فأخبريه بما تريدين وسيخبرني هو فيما بعد بما داء بينكما !!
فتح عينيه المغمضتين .. ونظر إلي مجددا .. ثم قال :
- ستنجبين ولدا نجيبا .. وستكونين من أولياء الله الصالحين لأنك مترفعة في أخلاقك .. وسيخلف الله لك خيرا في دينك الزائف .. وستنضمين إلينا على الرحب والسعة !!
رباه .. رباه .. ماذا يقول هذا الرجل ؟ أريد الخروج .. أنا لا أحتمل .. وفجأة سمعت صوتا بجانبي .. انتقلت نظراتي بسرعة .. إنه الزوج يجهش بالبكاء الحار .. إنه متأثر .. منفعل جدا .. مصدق !!!!
ما به ؟؟ ثم ... سالت دمعات لا هبات من عيني وليهم !!!!!
أرجوك يا رب .. أبعدني عنهم ! رباه .. إنهم يريدون إغراقي معهم ! إنني أتهاوى .. وفجأة عكف الزوج على يدي الولي وبالغ في تقبيلها .. ثم تمسح به .. ماذا يقصد ؟ إنه يده على رأس الولي ويأمرني بوضع يدي أيضا !! أدرت وجهي .. إلا هذا !! لا أستطيع !! وأمرت مرة أخرى فرفضت ببقائي صامتة جامدة !
نظر الرجل إلي بقلق عندما طال صمتي ..
قال للزوج وقد مد يده إليه بقبعة قديمة :
- إذا اجعلها تخلع حجابها كاملا حتى تلبس هذه القبعة وتتبارك بها !
فنهض بقوة وشد عني حجابي بكيد دفين ثم ألبسني القبعة .. ودمعاتي تحرق كل جزء في وجهي المتألم ! وتناول الرجل قطعة قماش بالية وهو يشكره بذل !!
فقال الرجل يوجه إلي الحديث :
- أما هذه القطعة فضعيها تحت وسادتك وستقيك الشر وتدفع عنك الضر
قمت من مكاني أترنح من شدة البأس الذي أصابني حتى هذه اللحظة الصعيبة ! لا أحد يبالي بمشاعري ! يا رب رحماك !
سمعت الزوج في هذه الأثناء يقول والدموع الذليلة لا تزال تتدفق من حجرها :
- أتوسل إليك يا ولينا العظيم أن تخبرني عن أبي .. لقد مات منذ وقت قصير .. هل في الجنة أم في النار ؟ وهل هو في نعيم أم في جحيم ؟؟
وزاد بكاؤه وعويله .. فأطرق الولي مليا .. ثم وضع أصابعه على صدغيه وأغمض عينيه .. وافتعل حركات كأنما هو يرى أشياء أغضبته .. فتلوى وجهه وتقطب حاجباه .. ثم .. أشياء سرته .. فقال له :
- لا تحزن فأبوك في الجنة .. لقد رأيته الآن .. إنه يرتع فيها .. هنيئا لك وله .. إنه في نعيم مقيم .. لا تخف .. فأبوك بخير فاطمئن وطمئن ذويك عنه
زاد بكاء الزوج وارتفع صوته ولكن هذه المرة .. بكاء الفرح والحبور هو الذي كان له صدى في الأرجاء ..
أستغفر الله العظيم ..ماذا يفعل هؤلاء ؟ هل فقدوا صوابهم ؟ لماذا يفعلون ذلك ؟ وأمامي ؟ إن هذا الرجل المسن يدعي علم الغيب والإحاطة به !! ثم يقول إنه كشف وإلهام !! ولكن لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ! فكيف يجرؤون ؟ إنه شرك ! كيف أخبرهم ؟ كيف أقنعهم ؟ سيقتلوني إن تفوهت بكلمة واحدة
ولكن ألم يقل الله تعالى لرسوله الكريم :
(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ)
إذا كان رسول الله إلى الناس وخاتم الأنبياء والمرسلين لا يعلم الغيب .. فهل يعلمه هؤلاء ؟ إنهم قوم يستكبرون !! هممت بالاحتجاج .. تراجعت .. سيؤذوني بلا شك .. أعرف ذلك خزعبلات العجوز
لم أحتمل هذا القول .. فقمت من مكاني غضبى إلى الداخل .. فوجدت زوجة الولي تسرح شعرها ! إنها عجوز أيضا .. سلمت عليها بريبة وتخوف .. ربما كانت ذات عقل .. أفضل من زوجها .. إنها تقبع وحيدة .. ربما هي لا توافق زوجها ولا تقتنع بصنيعه .. مثلي ! فقلت لها باسمة :
- كيف حالك يا خالة ؟ فبادرتني بالتحية , وأجلستني بجانبها وقالت :
- بحال طيبة .. أهذه أول مرة .. ( وخاطبت نفسي ) وآخر مرة إن شاء الله
قالت بدهاء :
- وما رأيك بالولي ؟ إنه علاّمة وعارف بالله .. إن له أمورا لا يصدقها البشر عندما تجلسين معه مرة ستأتين أكثر من مرة .. صدقيني ..
ثم قالت :
- هل تعلمين أنه في يوم ما .. كان يحدث الناس ويعظهم .. وفجأة سكت .. فنظر إليه الجالسون وقالوا ..
- ما بك يا ولينا العظيم .. ما بك ..؟؟
قال :
- انتظروا لقد دعيت .. ويجب أن ألبي النداء ( وكان الجميع ينظرون إليه ) وفجأة تبلل كمه الأيمن بالماء !! فهاج الحضور وصاحوا وقالوا له :
- ماذا حدث يا ولينا ؟؟ وما بال كمك امتلأ بالماء ؟
فقال :
- كان هناك رجل يسبح في البحر فغرق .. فاستغاث بي فأخرجته بيدي الآن .. والحمدلله لقد نجا من موت محتم !! فقالوا وهم يكبرون عمله:
- ولكن كيف ؟ وأنت جالس معنا يا ولينا العظيم .. يا إلهي ما أعظمك !! إنك عظيم كبير قادر على كل شيء !!! يا ولينا !!
قال مزهوا بنفسه :
- هذه من الكرامات الخارقة .. فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم !!
( انتظرت مني ردا .. وأنا كالمصعوقة مما أسمع ) .. هل أصاب عقلي شيء ؟ هل أنا في كامل وعيي ؟ هل أعيش كابوسا مروعا ؟ أم أنا موجودة حقا بين هؤلاء ؟
بدأ عقلي يضعف فقلت لها بذهول :
- ولكن كيف ؟ هل يستطيع .. ؟! كيف يرسل يده إلى البحر وهو يجلس في مكانه ؟؟ كيف ؟!
نظرت إليه بتوجس .. رأيتها تضحك !! رأيت عينيها الغائرتين تنظران إلي بنظرات تعني شيئا ما !! هل أقنعوها بأن تفعل معي ذلك ؟! هل سلطوها علي هي أيضا ؟؟ يا رب ..يا رب .. سمعت صوت الزوج ينادي .. فخرجت أستجمع ما بقي من عقل ودين !!
ركبت السيارة .. لم أنطق ولم ينطق ..ماذا يحدث حولي ؟!! ماذا يحصل ؟
أين أنا ؟ أشعر بأن ما يدور هنا هي قصة نسجها الخيال إلى أبعد مدى !!
عدنا إلى المنزل .. وأول ما عمله الزوج هو أن وضع قطعة القماش تحت وسادتي ..
وقال متوسلا :
- أرجو أن تعتقدي فيها ! فهي ستنير لك طريقك وستقتنعين فيما بعد ! أرجوك !
أومأت برأسي بالإيجاب... وتمالكت نفسي .. ما أصعب هذا الموقف .. من سينتصر ؟ ومن سيرفع راية الاستسلام البيضاء ؟ ويطأطئ رأسه خيبة وخذلانا ؟؟!!
لم يغمض لي جفن طول الليل .. تضرعت إلى الله باكية .. رجوت الله أن يثبتني .. فلو رأيت الحلم نسجه لي ذلك الرجل الأرعن .. فأخشى أن أؤمن بهم !! يا رب أنت ملجأئ .. يا رب أنت ملاذي .. يا رب وجهني إلى طريق الخير والصواب .. لقد ظهرت خيوط الصبح وأنا لم أنم !! أخشى أن أحلم .. يا رب ساعدني .. ثم .. انسدلت أجفاني تغطي عيني بدون وعي مني !!
وفي الصباح .. فتحت عيني بثقل شديد .. رأيته .. يزرع الغرفة ذهابا وإيابا .. إنه ينتظر نهوضي بفارغ الصبر .. وقفت أنظر إليه .. تذكرت !!! جاء يهرول إلي .. راجيا .. باسما
- هاه ماذا رأيت ؟ هل صدق ؟ بالطبع صدق !! أخبريني بالتفاصيل ..هيا أسرعي .. لا أطيق الانتظار .. أخبريني .. فصّلي رؤياك .. هيا ...
يا إلهي .. تذكرت ماذا يقصد .. تنهدت بعمق ..
ثم ابتسمت أخيرا ابتسامة نصر وثقة واختيال وعجب .. وازدراء !!
- لا .. لا .. لا لم أحلم بما قاله وليّك ذاك !! لم أحلم ... لم أحلم ..
الحمدلله الحمدلله ربي لك الحمد والشكر والثناء ...
فقام من مكانه مدحورا مذموما قال باهتمام :
- ليس من المشترط أن تكون الرؤيا في الليلة الماضية ..
من الممكن أن تكون الليلة أو غدا .. أو بعد غد .. أو ... قاطعته بتحدٍ :
- ولكن هذا الرجل أكّد لي بأنها ستكون الليلة الماضية ..
فلا مجال إذا ..
آه يا رب لك الحمد
خرج من الغرفة غاضباْ ..
وسمعته يتمتم بكلمات ساخطة ..
فضحكت في قرارة نفسي على خذلانهم
يتـــــــبع ..

قمه
•
:: الجزء التاسع ::
((القطب الغوث))
بعد يومين ذهبوا بي عند أعظمهم بلاءاً .. وأكثرهم شهرة .. ووقفوا بي الساعات الطوال ينتظرون الأذن بالدخول ! سبحان الله ! ألهذا الحد يمنع دخول أي شخص إليه ؟! هل هو إله مقدس ؟ هل يختلف تكوينا عن البشر ؟
طال الانتظار وهم ينظرون إليّ بين اللحظة والأخرى .. إنهم ينتظرون اهتماما مني أو سؤالا !! ترددت كثيرا في طرح السؤال أو إبداء الاهتمام والقلق يساورني .. ترى أي نوع من الناس يكون هذا أيضا ؟؟
أخيراً .. فتح الباب الكبير على مصراعيه !! ارتجفوا !! فتح كبير ونصر بالدخول إليه أكبر !! تسارعت خطاهم ! أي مغفرة ستقع لهم ؟ أي رضى عنهم بفتح الباب والسماح بالدخول إليه ؟ ( تساءلت باستهتار في نفسي ) !! تقدمني الجميع وأنا أنظر في دهشة ! ثم عادوا يمسكون بي وقالوا :
- أنت ولية من أولياء الله الصالحين ! لقد فتح الباب بسببك !! كم حاولنا الدخول ولكنه لم يسمح لنا ولم يسمع لرجائنا !!
دخلت بخطوات مترددة .. البيت مظلم , ساكن , لا حراك فيه مطلقا ..ولا أصوات تبدد وحشة المكان .. بدأت المخاوف تنتابني شيئا فشيئا !!
وعندما فتح الباب الداخلي .. ركضوا .. فتتبعتهم بتردد وتخوف شديد .. ما نوع الكائن الموجود بالداخل ؟ ! وفجأة .. رأيته !! شخص قرب موته كثيراً لا حراك !! ينام على سرير وكأنه جثة هامدة ! هو لا يتكلم ! لا يتحرك ! لا ينظر ! لا يعلم من دخل إليه ومن خرج ؟! لا يفقه شيئا .. إنه شبه ميت ..
توجهت أنظر فيمن معي .. أي عقول معتوهة يحملون ؟ تهافتوا عليه كالمصروعين !! ما هذا ؟ إنهم يلمسونه ! يتباركون به ! أوه حتى النساء يلمسنه ! يقبلن يديه ورأسه ووجهه !!! يمسحون على وجهه الهرم ! رباه .. إنهم يبكون ! بل ينتحبون ! علا بكاؤهم ودوت صيحاتهم !! إنهم يلهجون بالدعاء ! لمن !! له !! يتوسلون !!
أما أنا فقد وقفت وحدي ... هائمة على وجهي ! ماذا حدث ؟ لم كل هذا التبجيل والتعظيم ؟ إنه بشر مثلنا ! بل هو أشلاء إنسان
وفيما أخذ التفكير مني والتأمل وقتا طويلا .. غذ بالزوج يقول من بين أدمعه وشهيقه :
- هيا تعالي والمسيه .. فرصتك الذهبية ! لا يحصل عليها أي كان ! انظري على وجهه .. ونور الصوفية الظاهر عليه .. يا إلهي لو تعلمين ماذا كسبنا وماذا جنينا ؟؟
فخاطبت نفسي بتشكك :
- هل كسبوا الجنة مثلا ؟! ربما !! لسان حالهم يجزم بذلك ..
بقيت جامدة في مكاني .. كيف لي أن أمسك برجل ؟ حتى وإن كان الموت يتهافت لخطفه !! لا ... لن أسمح لنفسي بذلك ! فأنا أخاف من الله .. كفاني إلى هذا الحد ... كفاني ..
ثم أكرهوني .. وأجبروني بغضب وأحرجوني .. فتوقفت أمام هذه البقايا الهامدة أخاطبها :
- بم تشعرين ؟؟ هل أنت على حق ؟؟ أم أنك خارجة عن جادة الطريق القويم ؟؟!!
أمسك الزوج بيدي وهو غارق في البكاء :
- هيا سارعي بالإمساك به , بيديه قبليهما .. قبلي رأسه .. أمسكي بجسده والمسي وجهه !! انظري بربك إلى هذا النور والإيمان .. أنظري !!
نظرت إليهم وقد عكفوا على أقدامه أذلاء صاغرين ! ماذا جرى لهم ؟ قام الزوج بأمري مرة أخرى .. فقمت بحركة آلية لا شعورية .. ثم بحركة متعمدة .. وسترت يدي بإدخالها في ثنايا العباءة .. وأمسكت بيد الصوفي بطريق غير مباشر .. ثم ..تصنعت تقبيلها حتى لا يفعلوا بي ما ينوون فعله أكثر من ذلك ..
تطاير الشرر من عينيه الباكيتين فجفت ! وقبض على يديه بقوة كادتا منها أن تتهشم ! انتفض جسده رغبة في الانتقام مني ! رأيت التقريع والتأنيب يتفجران من أنفاسه !
يا إلهي ما الخطأ الجديد الذي ارتكبته !؟ أهو الستر أيضاً؟؟ رباه ما العمل ؟ ما العمل ؟ عدنا إلى المنزل وما إن دخلنا من عتبة الباب حتى انفجر كالبركان قائلا والكل يؤيده :
- والآن .. لم فعلت ما فعلته أيتها ال ... ؟ هل تتحدينني ؟؟
فقلت بهدوء وذهول يطويان الخوف والهلع منه :
- وماذا ؟ .. وماذا فعلت ؟ أنا لم أفهم ؟!
قال حانقا منفجراً :
- لِمَ لَمْ تتركي يديك تلامس يديه الطاهرتين ؟ يديه الشريفتين ؟ - لِمَ لَمَ ؟ أجيبي !!
ثم قال مردفا قبل أن أجيب :
- نعم لو كان أباك أو خالك أو عمك أو أنا .. لما توانيتي مطلقاً عن تقبيل أيدينا !! صح ؟ ولكن هذا الولي الصالح الغوث القطب تضعين بينك وبينه حجاب !! سبحان الله !!
وبحركة لا شعورية استدرت نحوه قائلة :
- أي غوث وقطب تعني ؟؟!!
رفع رأسه وهو يتقدم نحوي ببطء .. ثم قال بعد صمت ثقيل وبلهجة متلعثمة :
- أقصد أن الله عندما يريد إنزال أمرٍ ما بالعباد من غضب أو حكم يُظلم به الناس .. فإن الغوث يغيث هؤلاء العباد ويخفف عنهم الحكم ويُعدّ له . ثم ينزله إلينا .. أو أنه يلطّف بقدرته من قسوة وقوة حكم الله علينا .. أفيكون هذا جزاؤه ؟؟!!
آه ماذا يقول هذا الأرعن ؟؟ رباه ..ما للموازين اختلفت ؟ قلت بلهجةٍ متهدجة :
- ولكن الله هو المتحكم بالكون ولا سلطة لأحدٍ سواه عليه ؟؟
سيطر عليه الارتباك .. ثم قال :
- تباً لكم من وهابية !! إن القطب هو أكمل إنسان .. وهو نظر الله في الأرض .. وفي كل زمان .. عليه تدور أحوال الخلق .. ويلجأ إليه الملهوف عند حاجته ... أفهمتي ؟؟
قاطعته باعتراض :
- ولكن إن هذه معتقدات كالأساطير الخرافية .. أقصد ..
صرخت أمه في وجهي غاضبة :
- الويل لك !! ماذا تقولين ؟؟ إنك حمقاء !!
دق قلبي بشدة .. فقلت أستحث الكلمات على الخروج :
- ولكن هذه الصفات .. تنزع إلى تجريد الله من الربوبية و الإلهية
قال مدافعاً وبلهجة حادة :
- ألا تعلمين أيتها العنيدة بأن مما أكرم الله به هذا القطب أنه علّمه ما قبل وجود الكون .. وما وراءه وما لا نهاية له ؟! وألا تعلمين أنه علّمه وخصصه بأسرار الإحاطة بالغيب ؟ وأنه مكّنه من إدارة الوجود بيده كيفما شاء ؟
قلت بمرارة وتألم :
- كفى .. كفى .. كفى أرجوكم .. لا أريد سماع المزيد .. لا أريد ..
صرخ بأعلى صوته في وجهي :
- بل يجب أن تعلمي كل شيء .. فأنت تعيشين في وهم مع هؤلاء الجهلة الضلالين ..
تقدم أحد إخوته بثقة مفرطة أراد بها أن يزعزع بقايا مشاعري فقال :
- حسناً لا تتعجلي الأمور ... أنا سأثبت لك .. ألا تعلمين أن في الوجود ديواناً باطنياً يحكم فيه القطب الأكبر بما يشاء ويصرف أقدار الوجود ؟!
التفت إليه متعجبة .. فسألته بهدوء :
- أي ديوان تعني ؟ وأي أقدار هذه التي تخضع لقدرة غير الله ؟! إن هذا غير صحيح ولا يمكن أن ...
قاطعني بهدوء أكثر :
- استمعي إلي ..عند الصوفية محكمة عليا يحاكم فيها الأقطاب أقدار الله دون أن تستطيع أية قدرة إلهية نسخ حكم لها .. فهل تعلمين مكان وجود هذا الديوان ومن يحضره ؟
صرخت بقلبٍ قد ملأه الوجل .. فهمت إلى أين يريدون الوصول بي .. نظرت إليه بتخوف .. انقبض قلبي .. وهن عقلي .. هل أعيش في واقعي ؟ لا أصدق .. ساد صمت قاتل فيه انتظار حارق لإجابتي على السؤال المطروح .. أصبحت لا أميز شيئا... ليطل انتظارهم .. ارتجفت .. هممت بالدفاع عن نفسي والاحتجاج على ما يتفوهون به .. تصورت ما سيفعلونه بي إن نطقت بخلاف ما يعتقدون .. تحديتهم ووافقت على مجاراتهم فقلت بانقباض :
- لا .. ولا أريد أن ...
تدخل الزوج في هذه اللحظة وأجاب بحماس ظاهر :
- إن الديوان في غار حراء ! ويحضره النساء .. وبعض الأموات .. فالأمواتحاضرون في الديوان ينزلون من البرزخ يطيرون طيرانا بطيران الروح وتحضره الملائكة والجن ...
أكملت أمه بفرح ..
- ليس هذا فحسب .. ففي بعض الأحيان يحضره النبي .. وكل ذلك يكون في الساعة التي ولد فيها النبي من كل عام .. أما الأنبياء فيحضرونه في ليلة واحدة هي ليلة القدر .. وتحضره كذلك أزواج النبي الطاهرات ..
ابتسمت .. فظن الجميع بأني آمن أخيراً وأيقنت .. نظروا إلى بعضهم .. توقفوا عن الكلام .. انفرجت أساريرهم .. فقلت أخاطب الجميع :
- حقاً ؟؟ هل تحضره أزواج النبي الطاهرات ؟؟
- أجل .. أجل .. ألم نقل لكِ بأنك ستقتنعين ؟؟
استبشر الجميع ..أخيراً !!! فقلت بعد أن أخفيت تلك الابتسامة عن الوجود :
- وهل كانت أزواج النبي الطاهرات تحضرن هكذا في وسط الرجال ؟! أي هراء هذا ؟؟
أطبق الصمت .. حملقوا فيّ بنيران نظراتهم .. ولكني لم أعد أحتمل .. دعوني وشأني .. دعوني ..
وقف الزوج هائجاً يصول ويجول .. يريد الإمساك بي .. وإخفائي عن الدنيا .. فأمسك به أخوه بسرعة .. وفهمت على الفور بأنني ارتكبت في نظرهم خطأً جسيماً في سخريتي من حديثهم .. لا بأس .. إلى متى هذا الخوف ؟ إلى متى هذا التراجع ؟
بادرت بالاعتذار فورا تخفيفا من وطأة الغضب الجامح :
- أنا آسفة .. لم أقصد إغضابك .. ولكنك فتحت باب النقاش .. أعتذر مرة أخرى .. أعتذر .. لم أنتظر المزيد من الجدل .. انطلقت بسرعة .. أخذت أصعد السلم .. لا مكان لي هنا .. يجب أن أرحل .....
يتـــــــبع ..
((القطب الغوث))
بعد يومين ذهبوا بي عند أعظمهم بلاءاً .. وأكثرهم شهرة .. ووقفوا بي الساعات الطوال ينتظرون الأذن بالدخول ! سبحان الله ! ألهذا الحد يمنع دخول أي شخص إليه ؟! هل هو إله مقدس ؟ هل يختلف تكوينا عن البشر ؟
طال الانتظار وهم ينظرون إليّ بين اللحظة والأخرى .. إنهم ينتظرون اهتماما مني أو سؤالا !! ترددت كثيرا في طرح السؤال أو إبداء الاهتمام والقلق يساورني .. ترى أي نوع من الناس يكون هذا أيضا ؟؟
أخيراً .. فتح الباب الكبير على مصراعيه !! ارتجفوا !! فتح كبير ونصر بالدخول إليه أكبر !! تسارعت خطاهم ! أي مغفرة ستقع لهم ؟ أي رضى عنهم بفتح الباب والسماح بالدخول إليه ؟ ( تساءلت باستهتار في نفسي ) !! تقدمني الجميع وأنا أنظر في دهشة ! ثم عادوا يمسكون بي وقالوا :
- أنت ولية من أولياء الله الصالحين ! لقد فتح الباب بسببك !! كم حاولنا الدخول ولكنه لم يسمح لنا ولم يسمع لرجائنا !!
دخلت بخطوات مترددة .. البيت مظلم , ساكن , لا حراك فيه مطلقا ..ولا أصوات تبدد وحشة المكان .. بدأت المخاوف تنتابني شيئا فشيئا !!
وعندما فتح الباب الداخلي .. ركضوا .. فتتبعتهم بتردد وتخوف شديد .. ما نوع الكائن الموجود بالداخل ؟ ! وفجأة .. رأيته !! شخص قرب موته كثيراً لا حراك !! ينام على سرير وكأنه جثة هامدة ! هو لا يتكلم ! لا يتحرك ! لا ينظر ! لا يعلم من دخل إليه ومن خرج ؟! لا يفقه شيئا .. إنه شبه ميت ..
توجهت أنظر فيمن معي .. أي عقول معتوهة يحملون ؟ تهافتوا عليه كالمصروعين !! ما هذا ؟ إنهم يلمسونه ! يتباركون به ! أوه حتى النساء يلمسنه ! يقبلن يديه ورأسه ووجهه !!! يمسحون على وجهه الهرم ! رباه .. إنهم يبكون ! بل ينتحبون ! علا بكاؤهم ودوت صيحاتهم !! إنهم يلهجون بالدعاء ! لمن !! له !! يتوسلون !!
أما أنا فقد وقفت وحدي ... هائمة على وجهي ! ماذا حدث ؟ لم كل هذا التبجيل والتعظيم ؟ إنه بشر مثلنا ! بل هو أشلاء إنسان
وفيما أخذ التفكير مني والتأمل وقتا طويلا .. غذ بالزوج يقول من بين أدمعه وشهيقه :
- هيا تعالي والمسيه .. فرصتك الذهبية ! لا يحصل عليها أي كان ! انظري على وجهه .. ونور الصوفية الظاهر عليه .. يا إلهي لو تعلمين ماذا كسبنا وماذا جنينا ؟؟
فخاطبت نفسي بتشكك :
- هل كسبوا الجنة مثلا ؟! ربما !! لسان حالهم يجزم بذلك ..
بقيت جامدة في مكاني .. كيف لي أن أمسك برجل ؟ حتى وإن كان الموت يتهافت لخطفه !! لا ... لن أسمح لنفسي بذلك ! فأنا أخاف من الله .. كفاني إلى هذا الحد ... كفاني ..
ثم أكرهوني .. وأجبروني بغضب وأحرجوني .. فتوقفت أمام هذه البقايا الهامدة أخاطبها :
- بم تشعرين ؟؟ هل أنت على حق ؟؟ أم أنك خارجة عن جادة الطريق القويم ؟؟!!
أمسك الزوج بيدي وهو غارق في البكاء :
- هيا سارعي بالإمساك به , بيديه قبليهما .. قبلي رأسه .. أمسكي بجسده والمسي وجهه !! انظري بربك إلى هذا النور والإيمان .. أنظري !!
نظرت إليهم وقد عكفوا على أقدامه أذلاء صاغرين ! ماذا جرى لهم ؟ قام الزوج بأمري مرة أخرى .. فقمت بحركة آلية لا شعورية .. ثم بحركة متعمدة .. وسترت يدي بإدخالها في ثنايا العباءة .. وأمسكت بيد الصوفي بطريق غير مباشر .. ثم ..تصنعت تقبيلها حتى لا يفعلوا بي ما ينوون فعله أكثر من ذلك ..
تطاير الشرر من عينيه الباكيتين فجفت ! وقبض على يديه بقوة كادتا منها أن تتهشم ! انتفض جسده رغبة في الانتقام مني ! رأيت التقريع والتأنيب يتفجران من أنفاسه !
يا إلهي ما الخطأ الجديد الذي ارتكبته !؟ أهو الستر أيضاً؟؟ رباه ما العمل ؟ ما العمل ؟ عدنا إلى المنزل وما إن دخلنا من عتبة الباب حتى انفجر كالبركان قائلا والكل يؤيده :
- والآن .. لم فعلت ما فعلته أيتها ال ... ؟ هل تتحدينني ؟؟
فقلت بهدوء وذهول يطويان الخوف والهلع منه :
- وماذا ؟ .. وماذا فعلت ؟ أنا لم أفهم ؟!
قال حانقا منفجراً :
- لِمَ لَمْ تتركي يديك تلامس يديه الطاهرتين ؟ يديه الشريفتين ؟ - لِمَ لَمَ ؟ أجيبي !!
ثم قال مردفا قبل أن أجيب :
- نعم لو كان أباك أو خالك أو عمك أو أنا .. لما توانيتي مطلقاً عن تقبيل أيدينا !! صح ؟ ولكن هذا الولي الصالح الغوث القطب تضعين بينك وبينه حجاب !! سبحان الله !!
وبحركة لا شعورية استدرت نحوه قائلة :
- أي غوث وقطب تعني ؟؟!!
رفع رأسه وهو يتقدم نحوي ببطء .. ثم قال بعد صمت ثقيل وبلهجة متلعثمة :
- أقصد أن الله عندما يريد إنزال أمرٍ ما بالعباد من غضب أو حكم يُظلم به الناس .. فإن الغوث يغيث هؤلاء العباد ويخفف عنهم الحكم ويُعدّ له . ثم ينزله إلينا .. أو أنه يلطّف بقدرته من قسوة وقوة حكم الله علينا .. أفيكون هذا جزاؤه ؟؟!!
آه ماذا يقول هذا الأرعن ؟؟ رباه ..ما للموازين اختلفت ؟ قلت بلهجةٍ متهدجة :
- ولكن الله هو المتحكم بالكون ولا سلطة لأحدٍ سواه عليه ؟؟
سيطر عليه الارتباك .. ثم قال :
- تباً لكم من وهابية !! إن القطب هو أكمل إنسان .. وهو نظر الله في الأرض .. وفي كل زمان .. عليه تدور أحوال الخلق .. ويلجأ إليه الملهوف عند حاجته ... أفهمتي ؟؟
قاطعته باعتراض :
- ولكن إن هذه معتقدات كالأساطير الخرافية .. أقصد ..
صرخت أمه في وجهي غاضبة :
- الويل لك !! ماذا تقولين ؟؟ إنك حمقاء !!
دق قلبي بشدة .. فقلت أستحث الكلمات على الخروج :
- ولكن هذه الصفات .. تنزع إلى تجريد الله من الربوبية و الإلهية
قال مدافعاً وبلهجة حادة :
- ألا تعلمين أيتها العنيدة بأن مما أكرم الله به هذا القطب أنه علّمه ما قبل وجود الكون .. وما وراءه وما لا نهاية له ؟! وألا تعلمين أنه علّمه وخصصه بأسرار الإحاطة بالغيب ؟ وأنه مكّنه من إدارة الوجود بيده كيفما شاء ؟
قلت بمرارة وتألم :
- كفى .. كفى .. كفى أرجوكم .. لا أريد سماع المزيد .. لا أريد ..
صرخ بأعلى صوته في وجهي :
- بل يجب أن تعلمي كل شيء .. فأنت تعيشين في وهم مع هؤلاء الجهلة الضلالين ..
تقدم أحد إخوته بثقة مفرطة أراد بها أن يزعزع بقايا مشاعري فقال :
- حسناً لا تتعجلي الأمور ... أنا سأثبت لك .. ألا تعلمين أن في الوجود ديواناً باطنياً يحكم فيه القطب الأكبر بما يشاء ويصرف أقدار الوجود ؟!
التفت إليه متعجبة .. فسألته بهدوء :
- أي ديوان تعني ؟ وأي أقدار هذه التي تخضع لقدرة غير الله ؟! إن هذا غير صحيح ولا يمكن أن ...
قاطعني بهدوء أكثر :
- استمعي إلي ..عند الصوفية محكمة عليا يحاكم فيها الأقطاب أقدار الله دون أن تستطيع أية قدرة إلهية نسخ حكم لها .. فهل تعلمين مكان وجود هذا الديوان ومن يحضره ؟
صرخت بقلبٍ قد ملأه الوجل .. فهمت إلى أين يريدون الوصول بي .. نظرت إليه بتخوف .. انقبض قلبي .. وهن عقلي .. هل أعيش في واقعي ؟ لا أصدق .. ساد صمت قاتل فيه انتظار حارق لإجابتي على السؤال المطروح .. أصبحت لا أميز شيئا... ليطل انتظارهم .. ارتجفت .. هممت بالدفاع عن نفسي والاحتجاج على ما يتفوهون به .. تصورت ما سيفعلونه بي إن نطقت بخلاف ما يعتقدون .. تحديتهم ووافقت على مجاراتهم فقلت بانقباض :
- لا .. ولا أريد أن ...
تدخل الزوج في هذه اللحظة وأجاب بحماس ظاهر :
- إن الديوان في غار حراء ! ويحضره النساء .. وبعض الأموات .. فالأمواتحاضرون في الديوان ينزلون من البرزخ يطيرون طيرانا بطيران الروح وتحضره الملائكة والجن ...
أكملت أمه بفرح ..
- ليس هذا فحسب .. ففي بعض الأحيان يحضره النبي .. وكل ذلك يكون في الساعة التي ولد فيها النبي من كل عام .. أما الأنبياء فيحضرونه في ليلة واحدة هي ليلة القدر .. وتحضره كذلك أزواج النبي الطاهرات ..
ابتسمت .. فظن الجميع بأني آمن أخيراً وأيقنت .. نظروا إلى بعضهم .. توقفوا عن الكلام .. انفرجت أساريرهم .. فقلت أخاطب الجميع :
- حقاً ؟؟ هل تحضره أزواج النبي الطاهرات ؟؟
- أجل .. أجل .. ألم نقل لكِ بأنك ستقتنعين ؟؟
استبشر الجميع ..أخيراً !!! فقلت بعد أن أخفيت تلك الابتسامة عن الوجود :
- وهل كانت أزواج النبي الطاهرات تحضرن هكذا في وسط الرجال ؟! أي هراء هذا ؟؟
أطبق الصمت .. حملقوا فيّ بنيران نظراتهم .. ولكني لم أعد أحتمل .. دعوني وشأني .. دعوني ..
وقف الزوج هائجاً يصول ويجول .. يريد الإمساك بي .. وإخفائي عن الدنيا .. فأمسك به أخوه بسرعة .. وفهمت على الفور بأنني ارتكبت في نظرهم خطأً جسيماً في سخريتي من حديثهم .. لا بأس .. إلى متى هذا الخوف ؟ إلى متى هذا التراجع ؟
بادرت بالاعتذار فورا تخفيفا من وطأة الغضب الجامح :
- أنا آسفة .. لم أقصد إغضابك .. ولكنك فتحت باب النقاش .. أعتذر مرة أخرى .. أعتذر .. لم أنتظر المزيد من الجدل .. انطلقت بسرعة .. أخذت أصعد السلم .. لا مكان لي هنا .. يجب أن أرحل .....
يتـــــــبع ..
الصفحة الأخيرة
((بركات الماء والطعام !!!))
انتهت القارئة من كل شيء ثم وقفت ... فقامت النساء وهاجت وماجت ... ما بهن ؟! أين يذهبن ؟ أين أنا ؟؟ أوه .... إنهن يتنافسن في أخذ الماء المتواجد لدى القارئات ماذا دهاهن ؟! والدة الزوج وأخواته أيضا ؟؟!!
إنهم يتخاطفن أكواب الماء وجوالينه !! ما هذا ؟؟ هذه امرأة شتمت أخرى لأنها كانت سببا في سكب بعض الماء من كوبها !!
بضع دقائق .. انتهت الفوضى ! عادت كل واحدة وكأنها تحمل كنوزا من الذهب والفضة ! قلت في نفسي :
- ما هؤلاء النسوة الغافلات ؟ الماء منتشر في كل مكان , لم هذا بالذات ؟
ولم يمض وقت حتى نادت صاحبات العزاء النسوة إلى الطعام .. أيضا إنهن يتنافسن في الدخول إلى غرفة الطعام .. مهلا .. ما بهن ؟ ليس للطعام جناحان ليطير بهما ؟؟
شدت والدة زوجي على يدي بقوة وأخذت تسرع وأنا خلفها .. فبدأت بالكلام ولكنها قاطعتني : - فيما بعد .. فيما بعد .. هيا الآن .. أنت بالذات يجب أن تأكلي وتتصدري غرفة الطعام .. بسرعة !
سألتها بفضول بريء :
- لماذا ؟ لا أريد طعاما , كلي أنت يا خالتي بالهناء
قاطعتني وهي تنظر إلي بمكر ودهاء لم أعرف كنهه :
- بل أنت أولى الفتيات التي يجب أن تأكل من هذا الطعام
جلست هي وأجلستني بجانبها , وأخذت تطعمني بيدها أمام النساء ! احمرّ وجهي خجلا .. نظرات النساء سلطت علينا ! قلت لها بلطف :
- أرجوك يا خالتي ... كفى .. أنا سآكل . لا تحملي همي .. أوه .. أشعر بالخجل ... أرجوك ...
ضحكت النسوة استلطافا لما رأين .. فأشرقت عينا والدة الزوج وهي تقول :
- هيا كلي ... تباركي بهذا الطعام .. إنه مذبوح باسم الولي الصالح .. كلي ولو لقمة واحدة ... اجعلي البركة تسير في دمائك وجسدك ...!!
توقفت عن الطعام وأنا تحت تأثير هذه الكلمات ! شعرت برغبة صارخة في التقيؤ !! لا ... لا... لا ....
كيف استطاعوا فعل ذلك ..؟ كيف ؟؟ لقد نذروا بالذبح لغير الله ؟!! كيف يجرؤن ! لا يمكن ! يا رب ! .. يا رب لم تعد لي قدرة على الحياة معهم ! هذا فعل قبيح ! إنه شرك أكبر ...رباه أنا لست منهم يا رب .. رباه أعلم قولك في كتابك الكريم :
وقفت .. أقاوم جوعي وعطشي ... تركتهم وما يصنعون , ذهبت مسرعة إلى أقرب دورة للمياه ! أخرجت ما أكلته حراما ! ولكني أشعر بالوهن والجوع .. إنهم يستخدمون معي عقاب التجويع بأقوى درجاته حتى أؤمن .. ولكن .. لا .. الجوع أرحم من طعام حرام .. الجوع أهون من إيماني بما يدعون .. لأمت جوعا لأجاهد نفسي ضد نفسي .. لا بأس حسبي لقيمات قليلات بالحلال ..
تلفت حولي بدهشة كبيرة .. أريد العودة إلى المنزل .. إني أتضور جوعا .. آه .. وآه لما اصابني .. أريد العودة إلى أهلي .. لحقت بي أم الزوج نبهتني بأخذ كأس من الماء من إحدى القارئات ... انتبهي إليه .. وإلا فاشربيه .. هيا يا ابنتي اشربيه ... ابتسمت بألم وقلت لها حتى أرد كيدها عني :
- شربت الآن كأسا مماثلا أخذته من المكان نفسه ..
- رائع إذا سنأخذ كأسا أخرى لابنتي في المنزل ... خذيه وانتبهي له جيدا أرجوك لا تدعي قطرة منه تتسرب
كيف أنجو ؟
ما العمل الآن سوف أعود للمنزل ! ؟ وسأجده هناك ينتظرني ! ويسألني عما إذا امتثلت لما أمرني به أم لا ؟
ولكني لم أستطع ذلك ... كيف له أن يفهم ؟ كيف أنجو منه ؟ ما العمل يا رب ما العمل ؟ اللهم إني أنتظر منك فرجا ومخرجا من بعد ما عانيت من الضيق والبلاء !!
عدنا إلى المنزل وفي الطريق أخذت والدته الكأس من يدي وهي تحافظ عليه كما تحافظ الأم على الوليد .. لم أعلق ولم أنطق .. كان تفكيري منصبا على هذا الزوج الذي ينتظرني في المنزل ! أوه .. تذكرت .. عضضت على فمي بقوة كدت منه أدميه .. يا ويلتي .. لقد نسيت المفتاح بالداخل .. لابد من الصدام !!
طرقت الباب بأنامل قد جمدها الخوف .. استجمعت قواي .. طرقت مرارا وأنا أشعر بالهلع العظيم !!!
أخيرا فتح الباب على مصراعيه .. رأيته أمامي .. تنحى عن الباب قليلا .. دخلنا .. نبضت خفقات قلبي بقوة أسمعت من في المشرق والمغرب !!
أغلق الباب خلفه بركلة من رجله ونظراته تحدق بي .. نقل نظراته إلى والدته التي تقف بجانبي وقال :
- أماه .. هل فعلت ما أمرتها به ؟؟
لم ترد أمه .. نظرت إلي بعيني جامدتين خائفتين ...
أضاف وهو يحرقني بنظراته موجها الحديث لأمه :
- تكلمي يا أماه .. هل فعلت أم لا ؟ بالطبع .. لا !؟ تكلموا .. لم تفعل أليس كذلك يا أمي !!؟
شعرت بثقل يكبل أجزائي وبقلبي يصارع في الخروج من مخبأه من وطأة الخوف !
قالت أمه بخوف أمام نظراته المثبتة علي :
- يا بني هدي من روعك .. إنها .. آه .. نعم نعم .. لقد فعلت !!
مشى بخطوات عريضة تجاهي .. نظر إلي بتحد عندما طال صمتي ..عرف أن والدته قد كذبت عليه ...فأمعن النظر في وجهي وكز على أسنانه بقوة جبارة ..
أما أنا فقد أدركت بأن شعوري بالأمان في هذه اللحظة قد ابتعد عني بعيدا جدا في الأفق
هزنّي بعنف وصفعني صفقة قاسية جدا أفقدتني الذاكرة لبضع دقائق .. فبدا لي وكأنه يقهقه ضاحكا من شدة القهر والغيظ .. والخيبة فيما يرجو !!
صرخ قائلا :
- لا فائدة ترجى منها في هذا المجال يا أمي .. ماذا عساي أن أصنع بها ؟ لقد أمّلت فيها خيرا كثيرا ولكن يبدو أنني كنت مخطئا ! أخبروني ماذا أفعل معها ؟ .. أقتلها ؟ .. سأصبح عما قريب إماما للأولياء والصوفية ! وزوجتي هي العدو الأول لي في مذهبي !! كيف سيصوت الجميع لي وهي بهذه الطريقة ؟ كيف ؟ كيف ؟
انفجرت باكية حينها :
- إذاَ أطلق سراحي .. والآن .. أنا لا أريدك .. لا مجال للعيش بيننا .. هيا افعل .. لا تعذبني .. لماذا تصر على بقائي معك ؟ أنا سأضرك أكثر من أن فعك كانت أنفاسه تتردد بصوت مسموع لكنه قال بهدوء : وهل تظنين بأني فاعل ؟ أرجو ألا يراودك الأمل في ذلك مطلقا ! لن أتركك أبدا مهما طال النزاع بيننا !! ثم انسحب بسرعة ودون أن يضيف شيئا آخر ...
ارتميت على الأريكة وامتلأت عيناي حسرة وحزنا على حالي ! يا إلهي أنت ملاذي وملجأي فساعدني .. ذهب الجميع .. بقيت لوحدي .. ولكن لن أقول سوى الحمدلله على كل حال !! أتت والدته بعد قليل وكانها تتشفى مما حدث .. اقتربت مني وأنا أرتجف كطائر جريح لم يجد له راعيا ومطمئنا .. وقفت قليلا ثم ابتعدت عنها وحاولت التظاهر بالتفتح والنسيان فقلت لهل :
- لا بأس كل شيء على ما يرام يا خالتي !! لا تقلقي سيعتدل الوضع قريبا .. سيعتدل
تركتها بخطوات زاحفة ... شعرت بأنها تريد أن تقول شيئا ما .. ولكني لم أفضل البقاء ! توجهت نحو غرفتي .. استلقيت على فراشي .. أخذت أفكر مليا بالوضع .. آه يا رأسي إنه يؤلمني من كثرة البكاء .. والأنين .. ما سر حقدهم المتناهي عليّ ؟ هل لأنني سنية ؟ ولكن لو كان طريقهم يؤدي إلى الجنة وإلى رضوان الله فأنا مستعدة لاتباعه .. ابتسمت متحسرة .. الحمدلله الذي نجاني مما هم فيه !!
سمعت صوتا ينادي ! لم أجب ! أشعر برغبة في الانفراد والانعزال ! نحن لا نتفق فما الذي يجبرني على البقاء ؟ يجب أن أذهب بأي طريقة ! ليس لي مكان في هذا المكان !!
سمعت الصوت مرة أخرى .. إنه صوته .. سكت ثم أجبت .. ماذا بعد ؟ ماذا يريدون بي ؟؟
نزلت إلى الطابق السفلي .. وآثار الصفعة الموجعة ما زالت تعلن عن إصرارها على البقاء على وجهي الحزين ...شعرت بوجوده دون أن أنظر إليه .. أجبته وأنا أنظر إلى أصابعي المرتعشة :
- نعم .. بم تأمرني ؟؟
نظر إلى ما تركه من أثر في وجهي .. اقترب قليلا ليتأكد منه .. ثم تنهد .. ومشى بخطواته الثقيلة إلى مكان وجود أكواب الماء وأخذ كوبا وقدمه إلي وهو ينظر بمكر دون أن يحاول إخفاء نبرة البرودة التي تشع من صوته .. ثم جاء بجالون ماء كبير وسكب في كأسي وقال آمرا :
- تفضلي بشرب هذا الماء ..
نظرت إلى الجالون في يده . عدت بذاكرتي إلى الوراء قليلا . أين شاهدته ؟
لقد رأيته في مكان ما بهذه الإشارة الحمراء .. نعم .. نعم .. تذكرت !! إنه الماء الذي تخاطفته النسوة في العزاء ! كيف أتى به إلى هنا ؟ ماذا يحدث ؟
شعرت بأنها محاولة من لامتحان ذكائي وقدرتي على الملاحظة .. لأنه وضع الجالون أمام عيني ..
حاولت التصرف برزانة .. فقلت وقد رفعت نظري إليه :
- عذرا .. لا رغبة لي في شرب الماء الآن ... لقد شربت للتو كأسين من الماء .. أعتذر عن شربه
قاطعني بحدة : ولكنك ستشربين .. أليس كذلك ؟!
دخلت أمه وإخوته في هذه اللحظة .. مسحت جبيني بالمنديل .. وهممت بالاحتجاج .. وهنا بادرني كمن قرأ أفكاري ..
- قلت ستشربين !! أم أنك ستعارضيني على ذلك أمام أهلي جميعا ؟؟
أشعر بأن هذا الماء يحوي شيئا ما لا أعرفه !! أردت الاعتذار ثانية .. وفعلت .. ولكن باعتذاري هذه المرة كان عن طريق عيني اللتين تضرعتا للجميع بأن يقنعوه بأن يتركني وشأني .. وعرفت أن لا فائدة ترجى منه أو منهم !!
شربته لم أبق فيه قطرة واحدة .. فلمعت عيناه بالانتصار العظيم وازداد انكسار قلبي وألمه .. فقال مبتهجا ضاحكا :
- صدقيني أتوقع أن تفوق النتيجة آمالنا !!
حدقت فيه ثم قلت بهدوء وأنا أمسح وجهي المعروق بظاهر يدي :
- كي تحصل على ما تريد فإنك تدوس على مشاعر الآخرين دون أن تهتم بقليل من اعتبارهم .. أليس كذلك ؟
قال بمرح دون أن ينظر إلي وهو يستدير ليعيد الماء إلى مكانه :
- نعم .. أصبت .. أصبت .. !
في اليوم التالي مباشرة علمت أن الماء الذي شربته كان لأحد أوليائهم ! لقد غسلوا فيه هذا الولي الذي حضرنا عزاءه ..! بعد موته !! أي أنه غسول ميت !! والغرض بالطبع منه أن تسري بركته في جسدي مجرى الدم فأتأثر وأصبح صوفية ...!!
سألته وقد عانيت ما عانيت من الشعور بالاستياء والظلم , وبكل لطف يخفي ما أنا فيه من لوعة ومرارة وحزن :
- ما نوع الماء الذي أسقيتنيه البارحة ؟؟
فقال شاردا , وقد أحسست من خلال شروده أنه فوجئ بمعرفتي لمصدر الماء :
- الماء ! إنه طبيعي ! أم أنك ستقولين بأنك تشكين بمصدره أيضا ؟
انهمرت أدمعي ...لماذا يكذب علي أيضا ؟ فقلت منهارة :
- ولكني علمت من مصدر موثوق طبيعة الماء ! حرام عليك .. حرام عليك ما تفعله بي ... لماذا تفعل كل ذلك بي لماذا ؟ قال جادا وبحماس :
- ماذا ؟ يجب أن تتباركي بهذا الماء .. فأنت قد شربت من غسول ولي صالح .. فمن يحصل ذلك !! عجيبا أمرك !!
دعوت الله أن يفرج همّي وأن يبقي على ما بقي من صبري وجلدي فيخرجني من بين هؤلاء القوم الظالمين ... ويعتقني من أسرهم .
يتـــــــبع ..