قمه
قمه
:: الجزء العاشر ::




(( الحلف والاستغاثة))







مضت أيام وقلائل بعد النقاش والصراع .. خفّت حدة التوتر قليلا .. ذهبنا جميعا إلى البحر في وقت الفجر .. آخ ما أجمله !! كانت النجوم ما تزال تلمع في كبد السماء .. وأشعة الشمس .. لقد بدأت بالظهور شيئا فشيئا ..

دخل الزوج مع إخوته إلى البحر .. يتلاعبون .. يتمازحون .. تذكرت إخوتي ! كم أشتاق إليهم ..ناداني الجميع لأشاركهم المرح واللعب في البحر .. اعتذرت وعللت بقائي برغبتي في الجلوس مع والدة الزوج قليلا . ولكن الرفض كان سببه أني لا أريد كسر طوق الجليد مع إخوته ! فكيف أوافق على اللعب معهم إذا ؟؟!!

بقيت مع والدته .. استرقت النظر إليها .. إنها تتأمل أبناءها .. تذكرت أمي .. إخوتي .. أبي .. تنهدت بعمق .. مسحت دمعة حزينة كادت أن تفتح بابا لأنهار الدمع بداخلي .. آه .. عائلتي تعتقد بأن السعادة ترفرف على أرجاء حياتي ! إنها لا تعلم بمعاناتي ؟

حدقت في البحر .. في الزرقة الممتدة أمامي بلا نهاية .. آه .. أشتاق كثيرا لسماع صوت أمي .. لمداعبات أبي وإخوتي .. آه أفقت من أحلامي الجميلة عندما تحركت والدة الزوج ونظرت إلي !! تحركت بحذر .. ثم قلت بابتهاج مصطنع :
- خالتي هل تريدين أن أعد لك بعض الطعام ؟

- لا .. لا أشعر بالجوع الآن .. شكرا لك .. فقط أريد كوبا من الشاي .. فالطقس يساعد على الانشراح .. ابتسمت بصدق .. وأحضرت لها كوب الشاي لتشربه .. إنها تفضله دائما من صنع يدي .. ناولتها الكوب .. حذرتها من إمكان وقوعه .. فالأرض غير مستوية

عبرت عن امتنانها لي بابتسامة مسرورة .. وقامت بوضعه أمامها .. أمّا أنا فعدت ثانية لتأمل ظهور قرص الشمس كاملا...

تحركت الأم وهي تحدق في أبنائها مسرورة .. فانسكب الشاي على قدمها وأحرقها .. فتمتمت قائلة بغضب وهي تحدث نفسها :
- (يا فلان بن فلان ) .. تتوسل بأحد الأموات وتستنجد به .

استولى الاستياء علي .. فأدرت ظهري للبحر وقابلتها مباشرة .. ثم قلت لها بلطف :
- خالتي .. ماذا تقصدين ( بفلان بن فلان ) ولم هو بالذات ؟؟!!

نظرت إلي باستغراب وكأنها لم تكن تنتظر مني مثل هذا السؤال .. ثم قالت بعد صمت وتلعثم :
- إنه... إنه أحد أولياء الله الصالحين المقربين إلى الله .. آه لقد مات منذ زمن بعيد .. نستنجد به ونتوسل إليه .. وهذا أمر واجب ومفروض يا ابنتي .. واجب ديني يجب علينا وعليك أيضا عمله !!

حدقت بها .. شككت في صحة معلوماتها فقلت :
- ولكنك كما قلت مات ! فماذا تطلبين من ميت أو ترجين منه يا خالتي !؟

شعرت بأنها تأخذ نفسا عميقا .. ضمت يديها وقالت بتعجرف :
- ولكن روحه تخرج إلينا .. وتساعدنا وتجيب ملهوفنا .. لذلك نطلب منه ومن غيره من أولياء الله ما نريد !

- تطلبون منه ما تريدون ؟! مثل ماذا ؟!

- مثل .. مثل .. الرزق .. الأولاد .. الزواج .. النجاح .. الشفاء من الأمراض والأوجاع

حبست أنفاسي في مكان ما حول قلبي الذي كان يطرق بقوة وعنف ..هناك صوت صغير بداخلي قد يئس منهم يهتف بي بقوة بأن هذه حقائق زائفة ولا يهمني سماعها .

ألا يجب أن تكون أكثر عقلانية في مثل هذه السن ؟ قلت بقلق :
- خالتي الحبيبة فكري معي قليلا .. أرجوك .. حسنا لنتبادل وجهات النظر ونؤيد أصحها .. ألا ترين معي أن سؤال الميت أو الغائب يعد منكرا لنفوسنا ؟ لا نرتضيه لأنفسنا !! ثم إنه لم يأمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من الصحابة أو التابعين .. فكيف نفعله نحن ؟

قاطعتني بجدية وهي تؤمن بك كلمة تقولها :
- أووووه .. ماذا تقولين ؟ ما هذا الهراء ؟ إننا قد تعودنا أن نستغيث بهم إذا نزلت بنا ترة أو عرضت لنا حاجة ! إني أقول لميت من الأولياء ( يا سيدي فلان بن فلان ) أنا في حسبك أو اقض لنا حاجتنا .. وسرعان ما يقضيها

تجهم وجهي على الفور فقلت بغيظ كظيم :
- ولكن أحدا من الصحابة لم يستغث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وهو نبي ولا بأحد من الأنبياء أو بغيرهم .. والاستغاثة بغير الله عز وجل محرمة

فقدت أعصابها عند سماع كلماتي .. فلم تجد بدا من الإدلاء بدليل تحاول به تشويه الواقع :
- لن أقتنع .. هلآ علمتي بأن أحد الصوفية العظماء كان قد دعا الله ست سنوات يرزقه الولد .. فلم يرزق !! فذهب إلى ولي صالح .. فما أن استغاث به وطلب منه الولد حتى رزق بطفلين توأمين !!

حملقت فيها بعيني .. شعرت بأن لمعات البرق تكاد أن تمزق السماء ! شحب وجهي .. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. هل بعد هذا الشرك من شرك ؟!

وبحركة لا شعورية .. تابعت قولها وهي ترتعد غضبا مني .. وأنفاسها تتمزق ..
- ألا تصدقين ؟ حسنا بجاه فلان بن فلان .. وبحق النبي .. أن هذا ما حدث له !! ولكن ما أدراك أنت ! إن تربيتك الدينية كانت غير سليمة أعانك الله عليها يا بني !!!

امتقع وجهي فأصبح كالغمام .. طالت فترة الصمت .. وساد صمت آخر . إنها تحلف !! بمن؟ أيضا بغير الله !!
- خالتي... خالتي نحن نتجاذب أطراف الحديث !! يجب أن تقنع إحدانا الأخرى .. كيف .. كيف تدعين وتستغيثين بغير الله ؟! خالتي إنك تفتقرين إلى غير الله .. ألا تعلمين أن في ذلك إذلال للنفس وظلم لها ؟ ثم .. ثم ... إنك تحلفين أيضا بغير الله .. خالتي ..

رفعت حاجبها باستغراب بسرعة .. ترددت قليلا قبل أن تجيب :
- كوني على ثقة ويقين بأنك عندما تطلبين اليمين بالله من نحن الصوفيون فإننا نعطيك ما تريدين صدقا أو كذبا .. بينما .. عندما تطلبين منا اليمين بالشيخ أو الولي أو صاحب القبر فإننا نصدق معك ولا نجرؤ على الكذب أبدا .. وذلك لعظمتهم وجلالة قدرهم !!!!

تملكتني موجة من الغضب والانفعال اللاإرادي .. فهتفت وأنا أقف وأجمع حاجياتي رغبة في الهروب منها ..
- ولكن هذا لا يجوز !! حرام أن تسألي بمخلوق يا خالتي !! عودي إلى رشدك يا خالتي .. افهميني أرجوك ! ألم تسمعي قوله تعالى ( ادعوني أستجب لكم ) .. , ألم تستمعي إلى قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( من حلف بغير الله فقد أشرك (

لم ترد .. لم تتحدث ! فضلت السكوت للحظات .. لقد بلغ الصمت حدا يثير الأعصاب !! لا طيور تزقزق ! ولا أوراق تهتز مع نسيم الريح الخفيف حتى صوت البحر بدا مكتوما !!

قلت لها قبل أن أفترق عنها بلطف :
-خالتي .. لقد شاهدت قبل قليل ولادة لنهار جديد .. وأعتقد أنه باستطاعته المرء أن يولد مرة أخرى .. إذا فتح صفحة جديدة .. ناسيا كل الأمور والأحداث الماضية ..

خففت لهجتي الهادئة من اضطرابها وغضبها .. فنقلت نظرها إلى البحر خلفي .. واعتقدت أنها تتأمله !!!

قالت بدون أن تنظر إلي .. وقد ركزت نظرها خلفي :
- إنها فكرة جيدة لم تخطر ببالي يوما !! ولكن .. لا تظني بأنها ممكنة !!

شعرت بخيبة أمل عنيفة .. تنهدت بأسى من الأعماق .. وبحركة لا شعورية التفت إلى الوراء .. خلفي .. حيث كانت نظراتها مسلطة .. وإذا بي أجده ورائي .. وقد بدت عليه إمارات الغضب الشديد !!
نعم ( لقد كانت والدته تنظر إليه هو ولم تكن تتأمل البحر (

اكتفيت بالنظر إليه وقد اتسعت عيناي تعجبا وتحجر قلبي تخوفا .. فلم أجد الكلمات المناسبة للدفاع
فضلت الصمت ! منذ متى وهو يقف خلفي ؟ شعرت بالوهن الشديد أمام نظراته التي كانت تنم عن حقد دفين وقهر شديد ...





يتـــــــبع ..
دلع11
دلع11
رهيبة القصة قريتها زمان
قمه
قمه
رهيبة القصة قريتها زمان
رهيبة القصة قريتها زمان
مشكوره على المرور حبيبتي ............. لاتحرقين علينا الأحداث :)
قمه
قمه
:: الجزء الحادي عشر ::




((العودة المفاجئة من الرحلة !))






وقف ساكناً وقد اختفت من وجهه كل آثار السرور السابقة .. تقارب حاجباه وهو يتقدم نحوي غاضباً .. لقد سمع الحديث بأكمله !! أما الآن .. فأنا في نظره أستحق القتل والصلـب والسحـق !!

رفع يده بقوة وهوى بها على وجهي بقوة أشد .. فقدتُ القدرة على الصمود والتحمل أمام غضبه الجامح !! .. استجمعتُ كل قواي لأتمكن من الثبات واقفة على الأرض .. فأخفقت !! وقعت أرضاً .. جثوت على ركبتي أستجمع ما بقي من قوتي .. ثم أجهشت ببكـاء مرير يتبعه أنين مؤلم .. لاقيت صعوبة في إدراك ما يدور حولي من شدة الألم ..

انسحب بدون أن ينطق بكلمة واحدة .. الجميع ينظر إلي !! .. هل تجسّد نظراتهم الشفقة أم التشفّي ؟ .. أم تُراها تصوّر انتصاراً لمذهبهم ودحراً لسنتي ؟!!!!

أمر الجميع بجمع الأمتعة وأعلن لهم عن قطع رحلتهم الممتعة والإسراع الفوري بالاستعداد للعودة ! .. فأطاعوه !! .. عاد إلي مرة أخرى .. أمرني بالوقوف .. فشلت .. ثم وقفتُ أترنح !! ..
أمسـك بيدي بكل قوته وشدّني نحو إحدى الغرف القريبة من البحـر ..
حبس الجميع أنفاسهم .. وسرت قشعريرة مريرة في جسدي ! .. اعتراني توتر يحمل تحذيراً خافتاً .. كنت أعلم أنه يجب علي أن أمتثل له .. ولكني لم أشأ ذلك !!!

أمرني بالجلوس .. فجلست فوق إحدى المقاعـد .. وضعت يدي على ركبتي كطفلة دون أن أنبس بكلمة ! .. فأخذ هو يزرع الغرفة ذهاباً وإياباً .. لقد ثار علي وتصرّف معي تصرفاً مجرداً من الإنسانية والرحمة !! .. ولكني واثقة من أن ذلك لن يغيّر شيئاً من موقفي ! .. فخططهم واضحة .. ومفهومة .. إنهم يحاولون بكل الطرق معاقبتي على تمسكي بسنتي !

لم يجرؤ على الحديث معي مع أنه احترق لمعرفة ما يجول في ذهني من أفكار تجاهه !

نظر إلي بقلق عندما طال صمتي .. وبنوع من الارتباك صرخ قائلاً وأنا أرتجف من حدة صوته :
ـ والله لأعملنّ على تغيير هذه الأفكار الضالة التافهة ! وأردّك إلى صوابك !! ..
ضبطتُ نفسي وقلت بشكل حازم دون أن أنظر إليه :
ـ ولكنها ليست بالأفكار التافهة .. وأنت تعلم ذلك جيداً .. إنها الحقائق التي لا يريد أحد سماعها ..

هزّني بعنف قائلاً :
ـ أولاً من الأدب أن تنظري إلي عندما أوجه إليكِ الحديث !!
ثانياً : أي حقائق هذه التي تتشدقين بها ؟ .. هل تقصدين حقائق العته والضلال ؟ حقائق الجنون ؟ ..
أرجوك .. كفى .. إلى متى سنظل مختلفين في هذه الأمور ؟!!!!! .. أرجوكِ هلاّ أسديتي إلي معروفاً ؟ هلاّ ………..

قاطعته بحزن وتوسل وقد أصابني ما أصابني من الهذيان واليأس :
ـ بل أرجوك أنت أن تسدي إلي معروفاً .. أرجوك .. ابق بعيداً عني أنت وأهلك !
نحن لا نتفق إطلاقاً اتركني .. وما دمنا نختلف دوماً كما تقول .. فلماذا لا تتركني أذهب من حيث أتيت ؟!
لماذا تحتفظ بحطامي ؟! .. لماذا ونحن متناقضان في كل شيء ؟! .. لماذا ؟ .. لا أريد البقاء معك أرجوك .. لقد تعبت .. تعبت .. تعبت .. ثم وضعتُ رأسي بين يدي .. أجمع دمعاتي الملتهبة ..

ربـاه .. ربـاه .. لم أعد أستطيع أن أقاوم .. أريد الخلاص .. أصابني اليأس والهلاك يا الله .. ارحمني يا رب ..

سيطر عليه الارتباك فقال :
ـ إنكِ .. إنك تحاولين اختلاق الأعذار من أجل تبرير تصرفاتك .. لا داعي لتحميلي مسئولية تهورك وعنادك الآن .. أنا لا أسيء إليك ولا أريد إيذاءك .. أنت السبب .. إنك لا تؤمنين مطلقاً بما أقوله لك ولا تصدقين ؟! .. أخاف أن تكوني من الهالكين ؟!!!!!

أغمضت عيني .. تذكرت قول الله تعالى ( مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ﴿٤١﴾ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّـهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ﴿٤٢﴾ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّـهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴿٤٣﴾ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )
خاطبت نفسي وأنا أراهم يتهامسون .. ستظلّون يا ضحايا الصوفية عُمي البصائر والقلوب .. مختوماً على سمعكم فلا تسمعون من أحد كلمة حق تجادل باطلاً صوفياً !!!!

عدنا إلى المنزل المشؤوم .. جلست على الأريكة .. أفكر في حياتي .. في مصيري .. يا رب .. إن مع العسر يسرا .. وقفت أتهاوى .. مشيت بخطىً وئيدة نحو المرآة .. نظرت إلى نفسي فيها .. لا أكاد أصدق عيني !! لقد طرأ تغيير كبير علي !! ..
ارتميت على الفراش .. أخذت أنفاسي تنتظم .. ومشاعري تهدأ .. وقلبي يسكن .. ثـم ..





يتـــــــبع ..
مغدوورة بزماني
وآآو رهييبة ..بانتظار التكملة