
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قبل ماابداء بالقصه حبيت اطرح موضوع عن الحريه مفهموم الحريه عند بعضنا هو طلعات كل اسبوع وسفر كل اجازه والا حياتنا صارت جحيم
ويجون بعض الأخوات ولاانكر اني منهم كنت أزعل اذا ماطلعت واحس اني في سجن الاان تعلمت من استاذالرائع سعيد الدوسري وطلبت منه ان اطرح قصته عبر هالمنتدى الرائع وطالب بطلبي بالترحيب اتركمم
مع قصه أستاذي سعيد يروي لكم قصته
ترددت كثيرا قبل أن أقرر كتابة هذا الموضوع
وبعد تقييم لأهداف الكتابة .. والمشاركة في تجارب
رحلتي من قمة النجاح الى قاع الفشل .. والعودة
مرة أخرى .. للتسلق نحو القمة
وجدت أني سأكسب كثيرا
من الكتابة في
هذا الموضوع
.
.
وأول مكاسبي هو احتسابي على الله سبحانه
وتعالى أن يكتب لي أجر نيتي في
تقديم عصارة تجارب
عشتها أنا
.
.
وكنت حينها
مدرب معتمد في البرمجة
اللغوية العصبية وفي العلاج
بخط الزمن وفي التنويم الايجائي
وكان لي شركتي الخاصة .. لأجد نفسي
خلف القضبان .. وفي مواجهة حقيقية
مع الذات .. واختبار حقيقي لما تعلمته
.
.
6 أشهر .. تعلمت فيها أضعاف ما تعلمته
في سنوات عمري الماضية
6 أشهر .. اختبرت فيها ذاتي .. عقلي
مشاعري .. قيمي .. مبادئي
6 أشهر .. عرفت من هم الأصدقاء
لا أخفي عليكم أني كنت أنوي الاحتفاظ بها
حتى لا تؤثر على صورتي أمام المتدربين
وزملاء التدريب .. ولذلك لم أكتبها بعد
ولكن أعدكم من هنا .. في هذا
المنتدى .. أن أكون معكم
في حلقات .. أروي
خبرات .. وتجارب
كان ثمرتها
أن عرفت
وكسبت
الانسان الكامن في أعماقي
ذاتي
.
.
( فقط تابعوني بهدوووووء )
كانت البداية عندما كنت أقف في قاعة التدريب أمام أكثر 60 متدربا من رجال الأمن في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ولعل أكثرهم يعرفونني حتى اليوم .. في ذلك اليوم دخلت الشرطة لتقتادني أمام المتدربين ، وأنا بكامل شخصيتي !!
لن أخوض في أسباب ماحدث .. ولكن سأعترف بأني قد أخطأت بنسبة أو بأخرى ..
كانت لحظات .. تشنج فيها فكري / وشعرت بالأرض تتزلزل تحت قدمي .. حاولت أن أتماسك وأتحدث بثقة وثبات ولكن يبدو أن كل شيء أنهار في ثواني .. كانت العيون تحاصرني والاستفسارات في العيون .. والدهشة تغلف الموقف برمته.
في لحظات رأيت شريط حياتي وكأني سأدخل القبر بعد قليل .. مر الماااااضي سريعا في ذاكرتي وكأنه الشريط في نهايته .. يلف ليعود من بدايته.
تذكرت أهلي .. دراساتي .. أصحابي .. معارفي ..
ركبت جيب الشرطة لأول مرة في حياتي .. ومن خلف الشبك .. كنت أنظر الى الجميع في الخارج يتساءلون .. ماهي جريمته ؟
احساس مؤلم .. أسى .. مرارة .. خوف .. قلق .. رهبه .. كل الأحاسيس بلا استثناء شعرت بها تتزاحم دفعة واحد لتضخ الدم في أوردتي وشراييني بلارحمة .. شعرت بقلبي يرجف بشكل مجنون خلف ضلوعي ..
ومع هذا لم أجد دمعة واحدة !!
وفي مكتب التحقيق ، وجدت نفسي مثل الطالب البليد يوم الامتحان .. أو كطفل خائف لا يعرف كيف يتصرف .. تصدقون حتى اسمي .. والله اني تذكرته بصعوبه !!
ومرت الدقائق ثقيلة .. ولأول مرة أشعر بعضلات في وجهي تتحرك حول الأنف .. وأطراف الذقن من ناحية الشفة السفلى
كنت أجلس أرد على برودة أعصاب المحقق .. وعقلي مشتت بين المااااضي .. والمستقبل .. وأهلي .. و ....
وانتهت التحقيقات ليأتي العسكري ويكبل يدي وقدمي .. ونركب الباص الذي يركب فيه أكثر من 50 متهم .. وجلس بجواري أحدهم وهمس في أذني .. معك جوال ؟ قلت ايه قال افتحه وخذ الشريحه لأنهم بياخذون جوالك منك .
وفلا أخذت الشريحة ووضعتها تحت لساني كما أشار علي .
وفي السجن المؤقت ( التوقيف ) تم تجريدي من الغترة والجزمة ( أعزكم الله ) والساعة والجوال .. قبل أن ندخل السجن.
( طبعا لن أتطرق للدروس التي تعلمتها الآن .. ولكن أحببت أن تعيشون معي الحالة من الأول ، وأعدكم نبدأ الدروس من بداية دخولي الى السجن الكبير .. سأعود )
الحلقة الثانية
دخلت السجن المؤقت
وكنت جسدا يتحرك بهدووووء غريب .. وتبدو ملامحي بااااارده .. ونظراتي ساهمة ..
ولكن في أعماقي .. بركان ثائر .. حالة توتر داخلي عالية
كل علامات الاستفهام .. لماذا .. كيف .. متى .. هل .. من .. أين ... وقائمة طويلة من الأسئلة تتزاحم في مساحة صغيرة من عقلي
وكل المشاعر .. الخوف .. القلق .. الأسى .. الحزن .. الوحدة .. الحقد .. الحسد .. وكل المشاعر السلبية ضربت بظلالها على قلبي
في داخلي ألم خارج حدود السيطرة .. نسيت كل شيئ تعلمته من الصبر والهدوء .. والتفكير بعقلانية .. والاستراتيجيات .. والجذب
لا أذكر شيء في تلك اللحظة .. كل مأ أذكره هو أني
انسان ضعيف
تجردت من كل شيء
انسان .. فقط
بقيت في زاوية صغيرة .. متكأ بظهري على الجدار .. جثة هامدة بلا حركة
.
.
وبقيت أصارع الأفكار التي تأتي بأفكار أخرى .. وأجد نفسي أكاد أغرق في أفكار تتلاطم كالأمواج ، ومشاعر تعصف كالأعاصير العاتية ( تسونامي داخلية ) وأنا لا أملك السيطرة ..
حالة قد لا أستطيع وصفها ولكنها أشبه ماتكون بالأفكار والمشاعر الجارفة التي أجتاحتني حتى أكتشف في أعماقها .. ذاتي المدفونه تحت ركام المتناقضات !!
كانت أعتى من أن أوجهها أو أغير مسارها .. وكنت مع مرور الوقت .. أهدأ أكثر كلما أقتربت من قلب الزوبعة كما يقولون .. وقد تسلل شيء من الهدوء الغريب حين خطرت لي فكرة
مجنونة .. بأن أستسلم لهذه التيارات الجارفة من المشاعر والأفكار ..
وأرى .. الى أين سأصل.
شعرت بنفسي مثل الريشة الصغيرة في مهب الريح
واستسلمت فعلا لهذه الفكرة
وسكنت روحي .. وعم الهدوء في لحظة
كل جسدي
وكان أول درس تعلمته
اللحظة
كيف أنفصل عن الماضي .. والمستقبل وأعيش اللحظة
شعرت بالهدوء في لحظة
يسري في أنحاء جسدي وعقلي
شعرت بأفكاري تهدأ
.
.
وبقيت أنا أكثر هدوءا واستسلاما
لأفكاري ومشاعري
وأردد
الى أين ستأخذني الأفكار والمشاعر
.
.
أقسم بالله أني بدأت أشهر بالسعادة في لحظة
واحساس داخلي عميق بأني سأكتشف أعظم اكتشاف
في تاريخ حياتي كلها
.
.
واعذروني على ما سأقول
( شعرت بالحمل )
نعم الحمل
شعرت بأني قد حملت بفكرة
وأن هذه الفكرة .. ستكبر وتتغذى في داخلي
وسيأتي يوم ميلاد لهذه الفكرة
.
.
شعرت فعلا بسعادة الأم في أول حملها
شعرت بمعنى المسئولية عن الذات ..
.
.
وشعرت بالرغبة في الاستسلام للنوم ..
ونمت تلك الليلة ..
رغم بعض الافكار من الماضي التي تحاول اقتحام عقلي .. وبعض الوساوس من المستقبل
ولكني تخيلت عقلي مفتوحا من جميع الجهات
فتدخل الأفكار وتخرج من الجهة الأخرى
وأنا .. أنظر اليها
.
.
ونمت .. سعيد
كانت فكرة .. اقتحمت رأسي وقلبت جميع الموازين
فتبدد الخوف والقلق والتوتر
وتحول الى حالة نشوة .. والاحساس بوجود فرصة
لدروس عملية تطبيقية .. أختبر فيها ما تعلمته
وأكتشف فيها الانسان الحقيقي
الساكن في أعماقي
.
.
ذكرت لكم بأنه احساس بوجود حمل ( ان صح التعبير )
شعرت بأن هناك جنين .. !!
لا تستغربون فقد شعرت
بأنه سيأتي يوم ويولد انسان جديد
ويخرج من أعماق الألم
.
.
صحوت صباح اليوم التالي .. وتوضأت وصليت الفجر
ورفعت كفي أدعو
فلم أعرف بماذا أدعو
فقط .. رفعت كفي
وبكيت .. بكيت ..
ولا أذكر متى كانت آخر مرة بكيت فيها
لكن هذه المرة .. شعرت بطعم الدموع وهي تنساب على خدي
وتتسلل من أطرف فمي ..
.
.
لم أدعو .. ولكني شعرت بالرغبة في الشكر لله .. والامتنان لفضله
فقد يكون مايحدث الآن .. درس لطيف من الله
ليعلمني شيئا ..
ليقول لي أني جاهل !!
ليقول لي .. لا تغتر بذاتك ..
.
.
ومنذ تلك اللحظة
وأنا أشعر بسعادة داخلية
رغم موجات الاحساس بالندم .. والخوف .. والقلق
ولكن حدتها أقل بكثير من ساعة القبض علي .. والاثنا عشر ساعة التي تلتها
.
.
بدأت أفكر بعمق
ماذا يمكنني أن أتعلم
لابد وأن وراء كل واحد من هؤلاء الناس الذين معي .. لابد أن وراء كل واحد منهم حكاية .
ولابد أن وراء كل حكاية درس .. أو دروس
تستحق أن نتعلمها
.
.
اذا ياسعيد .. لابد أن تفتح عقلك .. وقلبك لهؤلاء الناس
وتجلس أمامه .. تلميذا يتعلم من أستاذه ..
/////
نعم .. هذا هو الدرس الثاني الذي خطر ببالي في تلك اللحظة
( يجب أن تفتح قلبك وعقلك لكل من حولك .. فكل واحد لديه علم قد لا تعرفه )
.
.
أما اذا أعتقدت أنك العالم .. والخبير والمستشار الذذي يتعلم منه الناس
فانك قد أغلقت على عقلك وحكمت على نفسك بالجهل
.
ابتسمت من أعماقي ( وشعرت بطعم الابتسامة بعد مرارة تلك الدموع ..
.
رفعت رأسي أتأمل وجوه رفقاء السجن .. وأبحث بين الوجود عن أول واحد أحتاج أن أقترب منه
كي يعلمني شيئا عن تجربته ..
.
.
وكان أول واحد رجل في الستين من عمره ( !! )
كان نائما على جنبه .. ولا يكلم أحد ..
وقلت في نفسي لابد وأنه كنز من الخبرات والتجارب
وقررت أن أبدأ به
في زاوية شبه مظلمة وبعيده عن حركة السجناء
كان فيه رجل ستيني العمر .. يدخن بشراهه
ولا أحد يقترب منه .. يقولون أنه بذيء
الكلام .. وما يعرف غير السب واللعن
.
.
شعرت بأن وراءه حكايات وحكايات
دروس يمكن أن أجلس أمامه
كالتلميذ أما أستاذه
أجزم يقينا بأنه يعرف الكثير من الحياة
.
.
أخذت عصير سن توب كان معي
من بقية وجبة العشاء ..
واقتربت منه بهدوء
وكانت نظراته مليئة بالحقد والغضب
وأخذ ينظر الي وأنا قادم اليه
( لم أبتسم ولم أكشر )
فقد تغضبه ابتسامتي
.
.
جلست بعيدا منه .. وناولته العصير
قال لي " وش ذا "
قلت " عصير "
قال " أدري عصير .. بس ليش "
قلت " أبد أرتحت لك، وقلت أبعد من الناس المزعجين .. "
نظر الي وهو يفك العصير بعنف
وقال " أكره المزعجين "
قلت " بصراحة مكانك هنا مره ممتاز .. اختيارك رهيب "
ابتسم عن أسنان صفراء متآكلة .. وفاحت منها رائحة كريهه
وقال وعيناه مسرورتان " ما أخذت هذا المكان بسهوله ، أخذته بالضرب .. والغصب "
ابتسمت .. وأنا أقول كيف ؟
اعتدل في جلسته وبدأ يحكي لي أنه دخل في عراك ومضاربه مع مجموعة شباب كانوا هنا، واستطاع أن يطردهم
قلت " ماشاء الله عليك .. تعجبني "
بدأت أقرأ في عينيه نشوة الفرح .. والاحساس بالفخر
وبدأت أقترب منه وأنا أفكر في الطريقة التي تجعله يتحدث عن نفسه ..
60 سنه لابد وأنها زاخرة بالعلوم والتجارب
.
.
ولكن فضلت أن لا أسأل .. وأدعه هو يتكلم
.
.
وبالفعل ، جلسنا دقائق نناظر في الناس من حولنا
قبل أن يلتفت الي ويسألني
" وش جابك هنا "
فكرت شوي ورديت
" غلطه بسيطه .. ما توقعتها تكبر وتسحبني هنا .. "
قال " كلنا أخطينا "
سكت .. وأنا آمل أن يبدأ في السرد ..
أكمل كلامه وقال
" أحيانا نغلط .. ونغلط .. ونغلط غلطات كبيرة وربي يتركنا .. لكن اذا استمرينا في الغلط .. نقع "
" أنا عمري ستين سنه .. كنت زمان شيخ ، وأدرس الطلاب في الابتدائية .. وأصلي بالناس في الجامع الكبير ويوم الجمعة أخطب بهم .. وكان عندي دكان صغير وصبي ( عامل ) يبيع فيه .. وتزوجت بنت خالي .. وجالي ( رزقت ) منها 5 بنات وولد.
وكنت أحب بناتي .. وأفديهم بعيوني الثنتين، وكنت أتمنى يرزقني ربي بولد، وفعلا جالي ( رزقت ) بولد وسميته ناصر .. وكبر ناصر .. وتغيرت معاملتي للبنات .. وصار ناصر الكل في الكل .. يروح معي للدكان .. والمسجد .. وأي شي يبيه .. أجيبه له .
وصار عمر ناصر 14 سنه، وبدأ يضرب خواته اللي أكبر منه، وأنا طبعا أقول لهم هذا ولي العهد .. اذا أنا غايب عن البيت .. هو يجلس مكاني. وكلمته مسموعه .. ولا أحد يرفع صوته وهو موجود.
وكنت آشوف الحزن والحسرة في عيون بناتي .. لكن كنت أقول هذولا بنات بكرة يتزوجن ويروحن مع أزواجهن ولا يبقى لي الا ناصر.
وكبر ناصر .. وصار عمره 18 سنه وخلص الثانويه ، وقال ودي أسافر للخارج عشان هنا الجامعات تعقيد
وطبعا أنا شيخ وأعرف ان الشباب اذا سافروا برا يضيعون، قلت لناصر لأول مرة في حياتي ( لا )
وحاول معي أسبوع كامل وبدأ يرفع صوته علي ويوقول أنتوا ما تفهموني .. ولا تقدروني، على الأقل اشتروا لي سيارة بدل ما أنا كل يوم أشحذ من زملائي عشان يركبوني معهم.
وطبعا .. ماعندي فلوس كفايه عشان أشتري له سياره .. وقلت له أبشر بس أصبر الين تتسهل الأمور
قال .. ( طز ) فيكم .. ما عاد أبي منكم شي .. وخرج
وفي صباح اليوم الثاني .. لقيته سرق ذهب أمه وأخواته .. وخذا سيارتي
حاولت أتصل به .. مافيه فايده .. سألنا عنه .. مافيه فايده
قالوا بناتي .. اتصل وبلغ الشرطه
قلت لا .. كيف أبلغ عن ناصر
أكيد يبرجع ..
ومرت الأيام ومارجع ناصر
وبدأت حالتي تتدهور
ماعاد رحت للمسجد
وبديت أصلي أحيانا في البيت وأحيانا أنسى الصلاة
ويوم وأنا في البقالة .. كان الصبي ( العامل ) جالس يدخن ..
وأنا أطالع فيه .. وجا نفسي في الدخان ..
قلت للعامل " وش تستفيد من الدخان "
قال " يوسع صدري "
.
.
جلست في الدكان الى الليل .. ولما راح العامل دخلت الطان وأخذت بكت دخان
وحسيت بالراحة .. وبديت أنفخ في الدخان وأكحكح
وبعد العشاء رجعت للبيت ..
ولما قابلتني زوجتي قالت " ريحتك شينه "
فرفعت ايدي وقلت " أنتي اللي وجهك وجه بومه .. روحي من وجهي "
قالت " أفا يابو ناصر .. تدخن " .. يقول فرفعت يدي على زوجتي لأول مرة في حياتي بعد عشرة عمر أكثر من 35 سنة زواج
دخلت البيت .. ونمت
وفي الصباح خرجت دون أن أصلي الفجر .. كنت أشعر اني أكره الدنيا والعالم .. وكرهت نفسي بعد
رحت الدكان .. وبديت أدخن قدام العامل وهو مستغرب بس خايف يكلمني
وقبل الظهر جاني اثنين من الجماعة في الدكان
قالوا " وينك يابو ناصر ماعاد نشوفك في المسجد عسى خير
أنحرجت وقلت لهم " تعبان شوي "
قالوا " سلامات .. ما تشوف شر .. تبي دكتور "
قلت " لا .. خلاص أنا طيب "
وبدأوا يسولفون معي .. وأنا متضايق منهم
قلت لهم " أنا عندي شغل أستأذنكم "
وتركتهم ورحت أسير ما أدري وين أروح .. حسيت اني ضايع .. حسيت اني محتاج شي ، ومدري وش هو .. بكيت .. ضحكت .. تذكرت ناصر يوم كان صغير .. وتذكرت حركاته وكلامه .. ودي أشوفه وأضمه بين ايدي .. وأعطيه اللي يبي بس يرجع.
يبي سياره أجيب له سياره ، يبي يسافر أعطيه جواز السفر .. وأعطيه مصاريفه الين يرجع بالسلامه .. بس يرجع
ويسترسل أبو ناصر .. يقول
كنت أسير في الشوارع والحواري .. بدون هدف من الظهر الى الليل .. ومن شدة التعب .. جلست قدام مسجد في حي ....... بعيد من بيتنا
وكان الناس خارجين من صلاة المغرب .. وجا واحد وحط في ايدي خمسه ريال .. وجا واحد ثاني وثالث .. وأنا ساهي .. ضايع
وعديت الفلوس لقيتها خمسه وخمسين ريال
بكيت في داخي .. وضحكت
أنا الشيخ أبو ناصر .. الرجل المعروف بالطيب والشجاعة والدين .. جالس قدام مسجد أشحذ
.
.
رجعت الى البيت بعد العشاء .. ولم يستقبلني أحد .. دخلت .. ونمت على طول
وفي الصباح جاءت أكبر بناتي تقول أنها وجدت رسالة من ناصر أدخلها من تحت الباب
يقول أبو ناصر نهضت بسرعة وأخذت الورقة ولقيت فيها
" أنا طيب وبخير .. وساكن مع مجموعة من زملائي .. اذا تريدوني أرجع أشتروا لي سيارة ، وأعطوني مصاريف السفر . واذا ما تبون انسوا أن لكم ولد اسمه ناصر"
يقول أبو ناصر .. فرحت انه بخير وقلت يبشر بالسيارة وكل شي
وخرجت من البيت .. ورحت أدور على معارفي وأصحابي اللي أعرفهم ويعرفوني .. وأطلب منهم يسلفوني
وما غابت الشمس الا وقد جمعت أربعين ألف ريال
وفي اليوم الثاني رحت وبعت الدكان بثلاثين ألف
وعلى طول رحت وأشتريت سيارة
ووقفتها قدام البيت
وكان ناصر يمر على البت من فترة الى أخرى .. ويوم شاف السياره
جاء .. وفرحت به وقمت أسلم عليه وأعتذر منه .. وقلت وهاذي السيارة
وهذا مفتاحها .. أخذ المفتاح وضغط على الريموت .. وقال أجربها وآشوف
وركب السيارة .. وما عاد شفناه الى الليل.
وفي الليل .. جا ناصر وقال " باقي مصاريف السفر ، عشان أسافر وأتعلم
وأجيب شهادة مثل العالم .. وألاقي وظيفه .. وان شاءالله أرد لك فلوس السيارة
والمصاريف " قلت أبشر لكن السيارة خذت كل الفلوس"
قال " مثل ما دبرت فلوس السيارة .. تقدر تدبر فلوس السفر "
.
.
يقول أبو ناصر وقمت من اليوم الثاني .. ألف وآدور وأقطع وجهي .. وأتدين من الناس
وجمعت مبلغ 25 ألف .. وأعطيتها ناصر
.
.
ومن يومها ما أدري عنه وين راح .
.
.
ورجعت للدخان .. والقلق
وتطور الدخان الى الحشيش
جلست مع عمال في عماره تنبني جديده
وأعطوني سيجاره حشيش
وصرت كل يوم أجي أسهر معهم
ويضكحون على حركاتي .. والنكت اللي أقولها.
.
.
وبدأ الديانه يجون للبيت وأنا أتهرب وما أرجع للبيت
الين جاء اليوم .. اللي جاءت الشرطة ومسكوني
بتهمة عدم سداد الديون
تركتة يكمل دون مقاطعه .. فقد كنت أشعر بأنه ينفس عن أزمته الداخليه .. وتوقف أبو ناصر قليلا .. قبل أن يسحب نفسا عميقا من الهواء الى رئتيه ثم يدفعه بآآآآآآآآه ..
وسكتنا .. طويلا
وكنت أستعيد بسرعة شريط حكايته .. أما هو فقط شعر بالارتياح حسب قراءتي لملامح وجهه .. حيث ارتخت عظلات وجهه وتباطأت أنفاسه ..
استمريا في الصمت .. ودخلت في اجتماع وحوار داخلي مع ذاتي
ياترى .. ألم تشفع لهذا الرجل ستين عاما من عمره أن يكون أكثر اتزانا في مواجهة مشكلته .. ألم تمنحه الخبرة والحكمة في التبصر في حلها ، وقبل ذلك ألم يكن لديه من العلم والحنكة ما يكفي ليعرف كيف يربي أبناءه ويتعامل معهم بالعدل والحزم .. أليست ستين عاما كافية لنجني ثمار العلم والعمل.
وفي لحظة .. ألتفت الى عمي أبو ناصر لأجده قد نام .. وبقيت ليلتي تلك أراجع دروسي في حكايته ..
ولن أتحدث لكم عن أخطاءه في التربية ، وعدم قدرته على العدل .. أو التعامل الصحيح مع الزوجة .. لن أبين لكم خطأه حين انجرف خلف مطالب ناصر .. ولا خطأه حين بدأ يفقد توازنه أمام ما تعلمه في الحياة وفي الدين .. ليبدأ بعد كل هذا العمر في التدخين والحشيش ..
كل هذه نعلمها ونستطيع أن نقول بأنها أخطاء.
.
.
اسمحوا لي أن نقترب أكثر من ذات الرجل .. من نفسيته، حتى نقرأ الدوافع خلف السلوك !!
أول درس خطر ببالي هو أن العمر ليس مقياسا للخبرة ، والعلم ليس مقياسا للمعرفة
فقد عاش أبو ناصر ستين عاما وهو رجل معلم .. وشيخ وقور له تقدير واحترام كل من يعرفه في الحي ومن الجماعة والدليل أنهم في يوم واحد وثقوا به وأعطوه مالا على سبيل السلف .. وهذا يعني أنه محل ثقة.
ورجل يعمل وله في التجارة ( وان كانت بسيطه ) وله في التعليم ..
ومع هذا رسب مع أول امتحان في مواجهة أزمة تربوية ، مر بها ويمر بها الكثيرون كل يوم ويتعاملون معها بأسلوب أو بآخر دون أن يقعون في أخطاء على المستوى الديني أو الاجتماعي.
ولعل هذا يعود - على حسب تقديري - الى أنه كان ينتظر المديح والثناء ، والدعم الخارجي ليشعر بتقديره لذاته، ولم يكن تقديره لذاته نابعا من قناعة داخلية بأنه شخص محترم مهما كانت الضروف والأحوال .. كان يعتمد على من حوله في تقديره لذاته. وهذا السبب الأول في تزعزع تقديره لذاته ولجوءه الى التدخين لأن تقديره لذاته قد نقص ولم يعد يحترم نفسه .. لأن ابنه ناصر لم يحترمه ولم يقدره ..
أما السبب الثاني فهو أنه يعطي .. وينتظر الشكر أو رد العطاء بالمثل، فقد ضحى من أجل بناته وولده وزوجته وكان ينتظر منهم التقدير أولا وأن يردون اليه - في يوم ما - الجميل الذي أسداه لهم.
وقد أصيب بصدمة حين لم يجد من يرد له الجميل ، ولم يحترمه أحد - حسب مايراه - ..
هذه الهشاشة في النظرة الداخلية للذات، والاعتماديه الخارجية في التقدير للذات جعلت أبو ناصر يتعثر مع أول أزمة حقيقية يمر بها .. ويفقد تقديره لذاته وبالتالي وعندما يفقد الانسان تقديره لذاته فانه يهون عليه فعل أي شيء ..
.
.
نمت تلك الليلة .. وأنا أتأمل وأتدبر أحداث الحكاية
وفي الصباح تفاجأت بأبو ناصر يصحيني لصلاة الفجر !!
صحوت .. فاذا به مبتسم .. والماء يتساقط من شعر لحيته
قمت وتوضأت وصلينا الفجر
ورجعنا الى زاويتنا البعيدة ، وقلت له
ماشاء الله تبارك الله
وجهك اليوم منور يا عمي بوناصر
ابتسم ابتسامة فيها شيء من بقايا الحزن
وهز رأسه وقال
" كنت محتاج أحد يفهمني "
قلت في نفسي " شكله جذب الرغبه في وجود من يفهمه .. وجئت اليه "
وأكمل كلامه
" الله يهديك ياناصر .. ويحفظك، .. يارب سامحني .. أخطيت في حق بناتي وزوجتي .. "
قلت " الحمدلله على السلامة .. يابوناصر .. تعرف المؤمن مبتلى ، ويمكن ربي أحب يطهرك من ذنوبك شوي .. لأنه يحبك "
قال " الله المستعان .. تصدق اني في يوم من الأيام هانت على نفسي ، يوم جلست قدام المسجد والناس يتصدقون علي ، وقلت في نفسي هذي حياتي من دون في دون .. "
قلت في نفسي أيضا " يبدو فعلا انه شاطر في قانون الجذب .. مندون في دون !! "
.
.
قلت ياعمي " الله يفرجها .. "
وسكتنا قليلا ونحن ننظر في من حولنا وهم يتزاحمون على باب الزنزانه ويمدون أيديهم لأخذ الفطور ..
قمت ودخلت في الزحمة وأخذت فطوري وفطور أبو ناصر
رجعت له .. وجلسنا نفطر
وضحكنا من أشياء تافهه
وبدأنا نقول النكت ونستشعر لحظات الفرح وهي تمر بنا
قال لي عن ابته الكبيرة أنها بنت حكيمه مثل جدتها ( أم أبو ناصر )
وقلبها كبير وماتعرف تحقد .. وتسامح دائما
.
.
وبعد الافطار .. اتكأ أبو ناصر على الجدر بقي طويلا يناظر في السقف
ثم التفت الي وقال وهو يضحك
" وش نفسك فيه "
قلت " كباب "
وضحكت من سؤاله .. وقهقه بصوت عالي " طيب يابو الكباب "
ضحكنا بشكل هستيري .. حتىأن الجميع بدأوا ينظرون الينا ..
ورجع يقول لي " لا .. من جد والله .. وش نفسك فيه "
قلت " الحين .. ولاشيء أحس اني ما أحتاج شي "
قال " يعني مانفسك تطلع من ذا السجن "
قلت " تصدق اذا قلت لك لا .. "
قال " ما أصدق طبعا .. أما أنا نفسي أرجع لبناتي وأسكر بابي وأنام وأصحى وكأن اللي صار حلم "
.
.
ومضى ذلك اليوم بسرعة وأنا لا أزال أفكر في ماذا يمكن أن أتعلم من أبو ناصر
وبعد صلاة الظهر .. نادى العسكري على أبوناصر
وخرج أبوناصر
ولم يعد
ذلك اليوم
أنتظرته حتى المساء .. وما رجع
.
.
ومرت يومين وأنا أشعر بأني قد أفتقدته مع أني لم أجلس مع أكثر من 24 ساعة شعرت بأنها عشرة عمر، وكنت قد جلست في الزاوية الخاصة به ، وفي اليوم الثالث .. ناداني العسكري .. لأجد أبو ناصر لا بس ثوب وغترة ومبتسم ابتسامة مشرقة تشرح الصدر مثل مايقولون
نظرت اليه باستغراب فبادرني بقوله
" صباح الخير يابو الكباب .. "
وضحك وضحكت .. ثم قلت له " خير ان شاء الله .. وين الناس "
قال " أبدا .. جات بنتي الكبيرة الله يحفظها ودفعت الديون اللي علي .. وخلصت أوراقي من عند الادعاء والتحقيق العام .. وخرجت "
قلت " ماشاء الله "
قال " تصدق رجعت للبيت وفرحوا البنات وأمهم برجعتي .. ونمت ، وصحيت وكأني في حلم .. كنت مبسوط "
قلت " الله يوفقك ياعمي .. بس أهم شي لا تخلينا من زياراتك "
قال " أبشر .. وأنت اذا أحتجت شي الحين ولا بعدين هذا رقمي "
وأعطاني رقم جواله وأخذته رغم اعتراض العسكري على اخذ أو اعطاء أي أوراق ..
.
.
خرج أبو ناصر .. لأنه كان يتمنى يخرج
وبقيت لأني كنت أريد البقاء كي أتعلم أكثر وأكتشف ذاتي أكثر
.
.
وكنت سعيد بما جذبته لنفسي
.
.
كنت لا أزال في الأسبوع الأول من السجن، ولا أزال في
السجن المؤقت ( التوقيف ) الى حين صدور الحكم
وكنت أخاف من تسرب الخبر الى جماعتي ومعارفي
لأن لي اسمي وسمعتي بينهم ..
.
.
وساوس مختلفة تتزاحم .. لتقتحم جمجمتي
وتظل تؤرق منامي .. وأحاول باستمرار أن أشغل عقلي
بالتفكير في الفرصة التي بين يدي لأتعلم منها
واجدها فرصة لتطبيق ماتعلمته من دروس
ودورات .. وكنت أقول في نفسي
( لكل شيء ثمن .. وثمن الخبرة هو خوض غمارها )
كما كنت أجلس بالساعات في زاوية عمي أبو ناصر
أفكر بعمق .. في ذاتي ، في الأنا ، في حقيقتي
هل أنا سعيد .. كما يراني الناس
أن أنني مختلف
.
.
وأحيانا أجد نفسي أتخبط في التفكير
وأقول
( الألم مثل الحرارة للطبخ .. تنضج الأكل، ولعل هذه التجربة والاحساس بالألم .. ينضج ذاتي )
.
.
لا أريد أحدا أن يقطع علي خلوتي، ولا أريد أحد أن يزورني
أعتبرتها أجازة اجباريه .. وتوقف اضطراري
لاصلاح أعطال الذات ، وصيانة الأعماق
.
.
.
.
بقيت بعد خروج عمي أبوناصر
قرابة الأسبوع وأنا أراقب الناس هنا
وأستمع لبعض من أحاديثهم
عن مشاكلهم ومعاناتهم
وكان كل حديثهم عن الماضي ، وماذا حدث
وكيف كان يفعل .. وكانت مشاعرهم تتراوح بين
الندم ، والغضب .. والحقد ..
كنت أستمتع وأتذوق الصمت
والتحليل لما أسمع
.
.
قررت بعد مضي الأسبوع الأول أن
أبحث عن مدرس آخر
كي أتعلم منه شيء جديد
.
.
وكان هناك شاب في العشرينات
اسمه جاسر
يتضح من أسلوبه في الحركة والحديث
أنه اجتماعي .. ويحب مساعدة الجميع
ويدعوهم لتنظيم المكان وتنظيفه
ويتحدث مع كل جديد ينظم الى
( شلة الأنس .. ) كما يسمي
السجناء.
.
.
وما جذبني اليه أنه
يعرف الجميع هنا
وبامكاني أن أستفيد منه في الاقترب أكثر
منهم والدخول معهم بطريقة سلسه للتعرف
أكثر على تجاربهم وخبراتهم أو مشكلاتهم
كما يسمونها.
.
.
تحركت من مكاني
وذهب الى جاسر
وكان حينها جالسا مع مجموعة من
شلة الأنس
سلمت عليهم .. وجلست بقربه
.
.
ضحك وقال .. أخيرا قررت
الخروج من القوقعة
اجلس معانا وأضحك
وربك يفرجها
.
.
شعرت بشيء من الاحراج
وكأني غريب عن المجموعة
ابتسمت .. ابتسامه باهته
وقلت بصوت متحشرج
الحمد لله
.
.
قال جاسر
بما أنك جيتنا برجليك
فترى غداك اليوم عندنا
وضحك الجميع
وبدأت أندمج في سواليف
وحكايات .. يتخللها
موجات من الحزن .. وبصيص من الأمل
وتفاؤل .. ومشاعر متضاربه
.
.
ومع الحديث والحكايات الطويلة
وجدت الوقت يمضي سريعا
ونفسيتي تتحسن
.
.
وبعد الجلسه قام كل واحد
لتغيير مكانه
أو لينام
.
.
أما أنا فقد جلست بقرب جاسر
وطلبت منه أن يقوم معي
الى زاوية عمي أبو ناصر
.
.
ضحك جاسر بقهقهة ملأت أرجاء المكان
وقال لي " تريدني أدخل معك في القوقعة "
ضحكت وقلت " قم معي أحتاجك"
.
.
وجلست أنا وجاسر
وبدأت أسرد له حكايتي
وبدأ هو في الهدوء والاستماع بعمق
حتى أنتهيت .. وعندما أنتهيت
كان على وجهه ابتسامة
واشراقة تبعث على قبول
هذا الانسان ..
.
.
هز رأسه يمينا وشمالا
وقال " مسكين .. حالتك تبكي ، وتقطع القلب "
وكان يقول بشيء من الاستهزاء
ثم أكمل كلامه
" شكل عظمك طري ، ولا بعد تعودت على صدمات الوقت "
قلت "أكيد كل واحد عنده مشاكل وصدمات في حياته"
قال " فيه فرق .. ناس يعتبرون العثرة صدمة .. وفيه ناس يعتبرون الصدمة عثرة "
قلت " طيب ، وش الفرق "
قال " ناس ماتعودوا على العثرات .. ولما يتعثرون ينصدمون بها .. وناس من كثرة الصدمات صاروا يعتبرونها عثرات ويقومون منها بسرعة "
بقيت فاتحا فمي .. مستغربا هذه الحكمة منه ..
قلت " وأنت من أي نوع "
قال " أنا من النوعين كلها .. تقدر تقول سوبر مان "
وضحكنا .. وأنا أفكر كيف أحركه للحديث عن تجاربه
.
.