بايعتهالربي
بايعتهالربي
الحلقة 23 - سيدنا لقمان عظمة ومكانة سيدنا لقمان في القرآن: اليوم نتحدثعن الأبناء والآباء، ونبدأ من أول قصة لُقمان، فهناك سورة قرآنية سُميت باسمه، وهذايدل على الشرف والمكانة والتكريم، فهذا الكتاب مُعجزةُ من الله تعالى، فالبحر،والسماء ، والنجوم ، والقرآن ، وكل حرف في القرآن أيضاً معجزة. فتخيل عندما يذكرالله اسم شخص فى القرآن وليس فقظ اسمه، بل يجعل له سورة باسمه، ويذكره أيضاً بِأنهحكيم. فما هذه المكانة!! فنحن دائما نقول بأن لقمان حكيم، وهذا ما ذُكر في القرآنعندما قال الله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...." (لقمان12). فالقرآن يشهد له أن ربنا أعطى له الحكمة . فهذا الرجل حكيم، وهذا أول شيء سأقفعنده. فالحكمة شيء غالي جداً، ولكنه مفتقد جداً. يقول الله تعالى: " يُؤتِيالْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ...." (البقرة269). فما هي الحكمة؟ هي كلمات حق، وخيرٍ، وصلاحٍ، وهدايةٍ، تُنيروتحيي حياة بني آدم، وتُقال فى الوقت المناسب، وفى المكان المناسب للشخص المناسب. فمن الذي لديه الحكمة؟ إنني لن أتحدث الآن عن الآباء والأبناء، ولكن أتحدث عن لقمانالحكيم. جاءت الحكمة فى القرآن عشرين مرة، وهذا يدل على عظمتها ومكانتها، وبدأتالسورة بوصف الله تعالى للقمان بأنه حكيم، وكأن حكمته نور وقَبس من حكمة وعظمةالقرآن. فهل تقرأ القرآن كثيراً أَم لا؟ هل أخذت من حكمة ونور القرآن شيء؟ هلتتعامل مع الناس في الوقت الصحيح والمكان المناسب؟ أنا لن أقول أن كل الناس تستطيعأن تأخذ الحكمة، بل قليل منهم؛ لأنها تحتاج إلى بذل مجهود وأشياء أخرى سأقولها بعدقليل. فالحكمة غالية، ولقمان حكيم، والحكمة هى كلمات نور، وخير، وإصلاح، وهداية،تُقال في الوقت المناسب، في المكان المناسب، للشخص المناسب، تُحيي به بني آدم. ومنالممكن أنك أحياناُ لا تعلم كلمة الخير التي تخرج منك، ولا تعلم أيضاً لمن ومتىتقولها؟ ؛ لأنك مُفتقد الحكمة ، فالحكمة شيءُ كبير، ولكن للأسف كثيرُ من الناسيفتقدها، وهناك آخرون يتحركون ويأخذون بأيدي غيرهم وهم يفتقدون إليها أيضًا. كيف أخذ لقمان هذه الحكمة؟لكي تكون حكيماً، ويعطيك الله الحكمة فيجب أنيكون لديك أربع أشياء: 1. التفكر في خلق الله، فالتفكر أيها شباب ليس عبادة فقط،بأن تنظر في خلق الله فتحبه، فهي الأصل، ولكن لها علاقة بشيءٍ آخر، فإنها توسعأقكار العقل وتجعله مُتفتحاً فيامن تعيشون في الغرب، وتتمتعون بالأماكن والمناظرالطبيعية الرائعة، إذا لم تستفيدوا من هذه الأماكن لكي تروا عظمة الله، وتنطلقالعقول مع رؤية هذا الكون الهائل عندما تتفكر فيها، فلن تفتتح عقولكم؟ 2. العلموالقراءة، فعندما تقرأ كتاباً، فإنك تأخذ حكمةَ وعقلَ شخصٍ آخر وتضعها فى عقلك،فمثلاً إن قرأت خمسين كتاباً، فأنت بذلك قد أخذت عقل وحكمة خمسين شخصاً بداخل عقلك،فكُلما تقرأ كتاباً كُلما تحفر بئر بترول في عقلك، مثال آخر: شخص ألَف كتاباً بعدعشرين عاماً، فهذا الكتاب فِكرُ عشرين عاماً، لماذا أعطاه لنا؟ إما أنه يريد أنيحصل على المال؟ أو لعله يريد أن يوصل فكرتُه للناس ، وهذا من حقه، وبعد أن تقرأأنت هذا الكتاب وتقوم بإدخاله في عقلك فأنت بذلك أصبحت حكيماً، فيا أيها الشباب، لاتوجد حكمةُ بدون قراءة على الإطلاق. 3. الاحتكاك، فكان لقمان عبد، ثم أصبح أجير،ثم مُدبر، ثم قاضٍ، ثم قاضي قضاة، وكان يسافر في الأرض ويختلط بالناس، فيا أيهاالآباء والأبناء، اجعلوا أولادكم يعملوا في الصيف حتى ولو كنتم أغنياء، يجب علىالابن أن يتعب ويشقى في الدنيا، ويا أيها شباب لا تجلس فى الصيف دون عملٍ واضعايديك على خديك، يجب أن تتحرك وتتعب وتعمل وتتعلم وتسافر وتختلط بالناس...... أعلمت كيفتأتي الحكمة؟ "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ..." (البقرة269). فيا سعادته وفرحته الذي أوتي الحكمة "...فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراًكَثِيراً ....". فالذي يمتلك هذه الحكمة، لديه شيء كبير جداً. 4. تنزل بين الناسويكون عندك نيةُ الإصلاحِ، فلن تخرج الحكمة إلا إذا بذلت الجهد في الإصلاح، فإذااحتككت وتعايشت مع الناس فستفهم احتياجاتهم، وتقول الكلام المناسب، في الوقتالمناسب، للشخص المناسب. فكثيراً من الناس لديهم الكثير من العلم، ولكنهم لم يعرفوااحتياجات الناس فيقول الشخص كلاماً لم يكن مناسباً لاحتياجات الناس فيؤدي إلىشيئين: إما أن يسمعوه وتطرب له آذهانهم، أو لا يفهمون منه شيئاً...... [CENTER] ولكن لقمانَ تعايشبين الناس واحتك بهم ففهم احتياجاتهم، فأصبح لقمانَ الحكيم الذي يستحق أن يُذكرَ فيالقرآن العظيم "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ...."لقمان12. وبعد ذلك قيلله "... أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ... ". فهذه الحكمة لم يأخذها الكثير من الناس، يالقمان كثيرُ من الناس حفظوا نصوصاً، ودرسوا جيلاً، لكنهم ليس لديهم هذه الحكمة،فهذه نعمة من عند الله، ويجب أن تشكر الله عليها. حكمة وحياة سيدنالُقمان: كان لقمان في بداية حياته عبد فقير، وبسيط، حبشي من النوبة، والآن سنعرفكيف أن تربية الأبناء ليس لها علاقة بالغنى أو الفقر. يا أيها الناس البسطاءالمستورون، لا تظنوا أن التربية السليمة مرتبطة بالغنى، فالتربية السليمة هىالأخلاق ، والقيم التي ليس لها علاقة بالفقر أو الغنى، فلقد بدأ لقمان حياته عبداًحبشياً بسيطاً يعمل نجاراً، ولكن حكمته هي التي حررته من العبودية. كيف ذلك؟! لقمانعبد، يعمل عند سيده ، فقال له سيده: "يا لقمان، اذبح عجلاً أو خروفاً، وخذ أطيب مافيه". فذهب لقمان وأخذ القلب واللسان. فقال له سيده:" اذهب، وخذ أخبث ما فيه". فأخذله لقمان القلب واللسان. فقال سيده:"ما هذا؟" فقال لقمان:" ياسيدي، وما أطيب ما فيالكون إن طاب، وما أ خبث ما في الكون، إن خَبُثا!". فقال له:" اذهب، فأنت حُر". وللأسف الشديد أن معظم الناس يسعون لتجميل وجوههم وأشكالهم الخارجية، ولكن من الذييسعى لتجميل ما بداخله؟ فكل البنات يقفن أمام المرآة ويصبغن شعورهن ويهتممن بشكلهن،ولكن من منهن تسأل نفسها هل هي جميلة بداخلها أم لا؟ فمن الذي يسأل عن الدُرِ؟! هناك جبل يُطلق عليه- جبل الجليد- مساحة هذا الجبل 20% فوق المياه و80% تحت المياه،فمعظم الناس ينظرون للـ20%، ولكنهم لا ينظرون للـ 80%، بالرغم من أن الجبل بدون الـ 80% ينهار ويسقط. فالذي يُشغَلُ نفسهُ من الخارج وينسى ما بداخله سينهار ويسقط،وأنا أحدث البنات خاصة، وأيضاً الأولاد الذين يذهبون إلى صالة الألعاب الرياضية ((gem وهم حريصون على أشكال عضلاتهم وأجسامهم وقوتهم، لذلك كان النبي- صلى اللهعليه وسلم- عندما ينظرأمام إلى المرآة يقول: "اللهم كما أحسنت خَلقي، فأحسن خُلقي". جميل جداً حكمة لقمان فأطيب ما فيها، إن طاب، وأخبث ما فيها، إن خبُث. فلسانك مغرفةقلبك؛ فهو يُخرج ما في قلبك، فانظر ماذا يُخرِجُ لسانُك؟ فهل لسانُك مغرفة قلبك؟. هل تريد أن تعرف نوع الشخصية التي أمامك؟ فانظر إلى ما يقوله الشخص، فاللسان هومغرفة القلب والذي يُخرجُ ما بداخل الإنسان، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:"إنفي الجسد مُضغة، إذا صلُحت، صلُح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهيالقلب." بعد أن حرر لقمان، قرر أن يُهاجر من مصر إلى فلسطين، فلماذا ذهب إلىفلسطين؟ ومن الذي كان في ذلك الوقت فيها؟ إنه سيدنا داوود ، فلقمان جاء في وقتسيدنا داوود، فكان يقود أمة، وأتاهُ الله الحكمة والمُلك، يقول الله تعالى: "وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " (ص20) لذاسيدنا داوود لديه الحكمة، وأتاهُ الله المُلك الشديد، وسيأتي بعده ابنه - سيدناسُليمان- ليبني أقوى مملكة في تاريخ بني إسرائيل ويقول: "... وَهَبْ لِي مُلْكاًلَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي ....". فجاء لقمان في وقت داود وهاجر ووصلإلى فلسطين، واشتغل أجير عند سيدنا داوود، ومن هنا تظهر شخصيتهُ وحكمته ببذلالجُهد، فالذي لديه حكمة سيعلو ويرتفع، وبدأ سيدنا داوود يُلاحظ عليه أنه إنسانمتميز، غير عادي، وكان سيدنا داوود يُعلِمُ صناعة الدروع ويصنع أمامه الدرع، فأرادلقمان أن يعرف ما هذا الذي يصنعه سيدنا داوود؛ لأنه أول مرةٍ يرى هذا الدرع، ولكنهصبر ولم يسأل عنه إلا في الوقت المناسب، وبعد أسبوع قال سيدنا داوود:" ونِعم الدرعللحرب"، ففهم لقمان ماذا كان يصنع سيدنا داوود، فالصمت من الحكمة. كيف؟! بأن تصمتفي الوقت المناسب، وتتكلم في الوقت المناسب. وكان سيدنا داوود في هذا الوقت يحتاجإلى حُكماء يقومون بتربية الجيل الجديد؛ لأنه كان يبني أمة ودولة، فهل يوجد فيبَلدنا حُكماء يقومون بتربية الجيل الجديد؟ هل يوجد رموز للإصلاح؟ أم أنها هاجرت وتحطمت؟! ولمصلحة من الرموز لا تكبر؟ هل لمصلحة الجيل القادم؟ أليس هذا حرام؟ لكنسيدنا داوود فعل عكس ذلك، فكان يبحث عن الحُكماء ليُربي سُليمان، وجيل سليمان الذيسيقودُ فيما بعد، فداوود ما زال عظيماً، ولكن يوجد من هو أعظم منه وهو - سيدناسليمان- والجيل القادم، وهذا الجيل يحتاج إلى إعدادٍ كبير، وكثيرُ من الحُكماء،يقولون أن لقمان : " انتقل من عبد لأجير لمربي بني إسرائيل " وبذلك أصبح لقمان حكيممن حكماء بني إسرائيل. ومن ثم فقد انتقل إلى مُهمة كبيرة، وهي أنه سيُشارك داوود فيصناعة جيل النهضة (سليمان، وابن لقمان، وجنوده). وكأن الله كرْم المعلمين، وجعللقمان مثل يحتذى به من قِبل المربيين، فيجب على كل معلم أن يشعُر بأنه لقمان، وليسبأنه معلم؛ يأخد المال، ويعطي دروس خاصة. كفاح وجوهرية دور لقمانكالأب: وبدأ لقمان يُربي بني إسرائيل، فيختاره داوود لمُهمة عظيمة، بأن يكونقاضٍ لبني إسرائيل، ثم يصبح قاضي قضاة بني إسرائيل، أتتخيل هذا؟ مِن عبد إلى قاضٍ!! وأيضا كان داوود مثله، فكان في البداية راعٍ للغنم، ثم قتل جالوت، ثم".... وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " ، ثم قاد بني إسرائيل فصار أباسليمان. ما أرغب في قوله: أيها الشباب، اجعلوا الأمل في قلوبكم واسعوا، فالعبد أصبحقاضي قضاة، والراعي للغنم أصبح نبياً حكيماً. لذا فسيدنا داوود ولقمان لم يصلوا إلاببذل الجهد، والعمل، والإنتاج، والعبادة، والصلة بالله تعالى، فاتعب، وتعلم، واقرأ،واعمل، وسافر، وتحرك ولا تُضيِّع وقتك، والله يساعد الذين يعملون ويكدحون ومثال ذلكلقمان. فلقمان الآن أصبح قاضي قضاة بني إسرائيل، متزوج، لديه أبناء فلك أن تتخيل كمالنزاعات والجدل والمشكلات لبني إسرائيل، لذا فعمله شديد الصعوبة. فلنترككل هذا ونتطرق للموضوع. وهو ذكر القرآن للقمان وهو يُربي ابنه، ولكن لم يذكُر حكمتهمع بني إسرائيل، فلماذا؟! لأن لقمان لم ينسَ ابنه، بالرغم من المشكلات التي يواجههاوحكمته العظيمة لبني إسرائيل، وبالرغم من اهتمامه ببني إسرائيل، إلا أن ابنه كان فيأول اهتمامه. ولكن أين ذكرت حكمته ؟ ذُكرت مع ابنه. لذا فسر تشريفه في القرآناهتمامه بابنه. وهل ذكر القرآن باقي حكمته؟!! نعم ذكرها لنا في أثناء حديثه معسَيده ، فماذا يريد الله منا؟ أول درس- كلمة للآباء- جوهرية دور الأب. يا أيهاالآباء ألغوا التوكيلات الذي أوكلتموها لزوجاتكم. كان الأب منذ عشرين عاماً يُشاركالأم في تربية الأبناء، ولكن في العشر سنواتٍ الأخيرة حدث توكيل وتفويض، حيث أنالأم تُربي، والأب يعطي المال، وهم متفقون على ذلك، ودلالة على ذلك عندما ينحرفالابن أو يدمن المخدرات، فماذا يفعل الأب؟ يقول للأم:" ماذا أفعل؟ فأنا أعمل وأدخرلكم المال، فما هو دورك؟" وتبدأ الأم في الدفاع عن نفسها وكأنها أخطأت، ولكن كانيجب عليها أن تقول له: "وما هو دورك أنت أيضاً؟" بمعنى نحن الاثنين مسؤلان عنالتربية، هل حقاً دور الأب الإتيان بالمال، والأم التربية؟ أم الاثنان مشتركان فيالتربية؟ أرأيت يوماً شخصاً يجدف في مركبة بمجداف واحد؟! بالطبع لا يستطيع أحد ذلك،فسيدور حول نفسه، لذا فيجب أن يتحركَ كلا من الأب والأم سوياً. يا أيهاآباء، إن لقمان لم يكتفي بحكمته مع بني إسرائيل، وأنه يؤدي دوراً عظيماً في بلده،ولكنه جعل ابنه أول اهتماماته، لذا فما قيمة حكمتك عندما تُصلح الكون، والفوضىعارمة في بيتك؟!! أين الحكمة في ذلك؟! يقول مصطفى الرافعي حكمة جميلة: "إن منالفوضى والضياع، بأن تنظم الكون من حولك، وتترك الفوضى في بيتك". أرأيتم سيدناإبراهيم مع ابنه إسماعيل، هل يوجد أحدُ الآن منشغل مثل سيدنا إبراهيم؟! يقول اللهتعالى: " فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ...."(الصافات102). بمعنى أنه عندما كبرسيدنا إسماعيل وأصبح مع أبيه. قال له: "... قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِيالْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ..." (الصافات102). أرأيتم العلاقة التي بين الأبوابنه؟ فما هو دور الآباء؟!! سأسرد لكم قصة لعلكم تعلمون مقصدي، أعرف شاباً كان فيااثانوية ، وكان حارس مرمى يلعب كرة قدم مع فريق مدرسته، وكانت هناك في ذلك مباراةنهائية بين مدرسته ومدرسةٍ أخرى، فدعوا الآباء ليُشاهدوا المباراة، فجاء جميعالآباء ليشاهدوا المباراة، ولكن كان أباه منشغلاً عنه، فترجاه ليأتي معه هذهالمباراة، وبعد محاولات كثيرة من قبل العائلة، ذهب معه، وعندما نزل الشاب إلىالمباراة، رأى والده يتحدث مع من بجانبه ، والشاب يريد منه أن يراه ويشاهده، فحاولأن يقوم بأي استعراض؛ لكي تصفق له الناس ويراه أباه، ولكنه ظل منشغلاً عنه، وبعدذلك جاء رجل إلى أبيه، وهمس في أذنه؛ مما جعله يترك المباراة وينصرف، فيقول الشاب :" وعلى الرغم من ذلك أكملت المباراة ولكن وأنا أبكي ولم انسَ هذه اللحظة"، وتوفى أبيهبعد عشرين عاماً، وذهب الشاب إلى قبره، وقال لوالده في نفسه:" أنا لم أفعل لك شيء،ما الذي كان أهَمُ مني"؟!!. كنت أريد أن أعانقك". فيا آباء تعلموا من هذه القصة،واعلموا أن الله لم يذكر إلا حكمة لقمانَ مع ابنه، ولم يذكره في القرآن إلا "وَإِذْقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ...."(لقمان13). ذهب بعضالأمريكيون منذ حوالي عشرُ سنين إلى السجناء، وقالوا لهم: "أتودون أن ترسلوا برقيةوبطاقات مُعايدة لأمهاتكم في عيد الأم؟" فأقبل جميع السجناء، وأرسلوا الكثير منالبرقيات لأمهاتهم، لدرجة أنهم اشتروا كميات كبيرة من البطاقات والبرقيات، وعندماسألوا السجناء في عيد الأب نفس السؤال رفضوا أن يشتروا البرقيات. فأجرى الأمريكيوندراسة، واكتشفوا أن كثير من السجناء يشعرون أن آبائهم هم السبب؛ لأنهم لم يهتموابهم.... واعتذر؛ لأن بي وجع – فسببت لكم الآلام فيا أيها الأب إن ابنَكَ بحاجة إليك،ورعايته ستدخلك الجنة، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:" لئن يؤدب أحدكم ابناً،خيراً من أن تتصدق بطاعة". فتخيل كل يوم تُربي فيه ابنك، كأنك تتصدق. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-:" لا يغرس رجل غرساً، فيأكل منه طيراً أو إنسان، إلا كُتب لهبه ثواباً يوم القيامة" فكيف بثواب الذي يغرس ابنه؟ فإنك تغرس ابن يعبد اللهويطيعه، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:"من كان له ثلاث بنات، فيؤدبهُن،ويُكرمهُن، ويرحمهُن، كُنا له ستراً من النار". رسالة للأباءوالأمهات: 1. جوهرية دور الأب (هذا الذي تحدثنا عنه من قبل). 2. الأب والأمالقدوة، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ " (الصف 2-3). فلقمان الحكيم لم يفعل ذلك على الإطلاق، فهل أنت قدوة وأنت تأبى أن تعظ ابنكوتنصحه، فأفضل وسيلة تعظ بها ابنك أن تصمت، وتكون قدوة في نفس الوقت، فابن لقمان يرىكيف يتعامل أبوه مع أمه، وكيف يتعامل مع الناس، ويرى أخلاق لقمان. فهل أنت مَثلُأعلى لابنائك؟ هل أنت حريص عليهم؟ هناك مثل سوري جميل جداً يقول:" عدْ لمائة قبل أنتكذب على الناس، وعدْ لمليون قبل أن تكذب أمام ابنك، وعدْ لمليار قبل أن تكذب علىالله". فهل أنت أب قدوة؟ هناك مدرس كان يسأل الطلاب يوماً ما: ماذا يريد كل طالب أنيعمل؟ وكانوا على بلد حدودية مع بلد ثانية، وكان منتشر فيها تهريب البضائع، فقال لهطالبُ:"أريد أن أصبح مُهرباً". فضحك الطلاب، والطالب لم يفهم لماذا ضحكوا عليه!! فالولد بريء يريد أن يكون مثل أبيه مُهرباً..!! كان سيدنا علي بن أبي طالب جالس معسيدنا عُمر بن الخطاب، وعندما رأى سيدنا عمر الغنائم آتية من فارس، لدرجة أن جزءبسيط من الجواهر التي تستطيع أن تضعها في جيبك، موجودة في مكانها بالمسجد، فقالسيدنا عمر:"إن قوماً أدوا لي هذا، لأُمناء."، فرد عليه علي بن أبي طالب قائلاً:" ياأمير المؤمنين، عَفوت فاعفوا، ولو ركعت لركعوا". فنحن نُحدث الحكماء، والمسؤلين،وأيضاً أنفسنا وللآباء، فقبل أن تلوم ابنك أو ابنتك على ذنبٍ اقترفوه، لُم نفسكفإذا عَفوت فاعفوا، ولو ركعت لركعوا. مواعظ لقمان: انظر إلى الآيات التييعظُ فيها لقمان ابنه، إنها صفحة كاملة من القرآن تتحدث عن مواعظ، فإن لم يكن لقمانقدوةً وحكيماً، فلم يسمعه ابنه؟ فأين الأب والأم القدوة؟ أريد من كل أب وأم أنيتعلم من هذه الآيات كيف يُربي ابنه؟ وأريد من كل ابن أن يعرف كيف يتعامل مع أبيهوأمه؟ " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَاتُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ* وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَبِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِأَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَنتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِيالدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّمَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنتَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِيالسَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌخَبِيرٌ* يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِالْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّاللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْمِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"" ما معنى هذهالآيات؟ وما هي الأولويات التي أُربي بها ابني؟ وكيف جعل لقمان ابنه يصغي إليه؟ فياآباء ويا أمهات، كيف نجعل أبناءنا يستمعون إلينا؟ فالأباء والأمهات بحاجة لتعلُمِحكمةُ لقمان، والأباء يعظون وينصحون أبنائهم ولكن بلا جدوى ، فعلينا أن نفكر كيفومتى ننصح أبناءنا، نحتاج للأب الصديق الذي يُصاحب ابنه وابنته، فيخرج معهم، مثالُ: أنا وابنتي نخرج معاً، أو أصحب ابني-البالغ 6 سنوات-وألعب معه أي رياضة، أنا وابنيأصدقاء، فنحن نُعلُِم الأب المُربي، والأب الموجه، ولكن هل يوجد الأب الصديق الذييستمتع بصحبة ابنه؟!! وهل يوجد الأب والأم اللذان يُصاحبان ابنتهما وابنهما،ويتحدثون مع بعضهم البعض، ويتبادلون الآراء سوياً؟! لذا فنحن بحاجة إلى الأب الصديقخاصة في هذا الزمن، قبل أن تُفاجيء بكارثة حدثت لهم. يا أيها الآباءوالأمهات، إياكم أن تلجأوا للموعظة { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَيَعِظُهُ..{ فهناك أمر مهم جدا قبل الوعظ ألا وهو هل سيسمع الابن منك أم لا؟ هل أنتأب صديق وحريص على هذه الصداقة أم لا؟ فالأب الصديق الذي يفهم احتياجات ابنه وابنتهبمجرد نظرة من أعينهم، فمثلاً عندما جاءت زوجة موسى إلى والدها وقالت له "... يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " (القصص26)، فذهب والدها إلى سيدنا موسى وقال له: "إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتيهاتين". فالأب فهم احتياجات ابنته عندما قالت له أنه شابقوى وأمين، وأيضاً الأبالصديق كالنبي- صلى الله عليه وسلم- والسيدة فاطمة، فكان يقبلها في رأسها عندمايدخل أو يخرج من المدينة، وكان لا يدخل المدينة إلا إذا قام بزيارتها، وكانت بينهمعلاقة خاصة وحميمة، وقبل أن يموت قال لها سر في أذنها، فبكت، ثم قال لها سر أخر،فضحكت. فقالت لها السيدة عائشة: "ماذا يخبرك؟" فقالت لها:" ما كُنت لأفشي سر رسولِالله". وبعد وفاة رسولِ الله، قالت لها السيدة عائشة:" ماذا كان يُخبرك رسولالله؟". فقالت فاطمة: " قال لي أول مرة، إني ميت الليلة، فبكيت، وقال لي ثاني مرة،أنتِ أول أهلي لحوقاً بي، فضحكت." فكان من الممكن أن يقول رسول الله للناس إنه ميتالليلة، ولكن توجد علاقة حميمة بينه وبين ابنته، فهل يوجد الآن هذا الأب الصديق؟! وأيضاً عندما قال سيدنا إبراهيم لابنه - سيدنا إسماعيل- "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُالسَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَفَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءاللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " (الصافات102) تخيل إذا كان قد قال سيدنا إسماعيل لاأريدك أن تذبحني، هل كان يذبحه ؟ نعم سيذبحه لأنه أمر من الله تعالى، ولكن لماذاقال له "فَانظُرْ مَاذَا تَرَى.."؟! لأنه يوجد علاقة حميمة تسمح لهم بالمناقشة فيكل شيء، وعندما قال سيدنا إبراهيم: "يا بني إن الله أمرني أن ابني له بيتاً" فقالله سيدنا إسماعيل :" يا أبتِ، اطع ربك." فقال له:"وتُعينُني؟" فقال:"وأعينُك". وبنوا البيت سوياً. أولويات وصايا لقمان: ونستكمل الآيات "وَإِذْ قَالَلُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّالشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" (لقمان13) فتوجد أولويات لتربية الأبناء مثل: 1. معرفة وحُب الله، أول شيء ستغرسه في أولادك حُب الله... كيف؟ نحن جميعاً نعمل بشكلٍنظري، ولكن علمتنا الآيات شيئين: شيء نظري، وشيء عملي، فالنظري مثل "وَإِذْ قَالَلُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّالشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم" والعملي بعدها بآيتين "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُمِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِأَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير" " فبينماكان لقمان يمشي مع ابنه في الطريق، رأوا حبةٍ من خردل، ليس لها أي قيمة، فألقاهابين الصخور، وقال له:"إن الله تعالي مُطلع عليها" فلقمان يُعلم ابنه اسم اللهالرقيب، والسميع، والعليم، وذلك من خلال شيء عملي. لذا فأنت مُطالب بأن تغرس حُبِالله، ومعرفة عظمته في ابنك، وذلك عندما يبلغ من العمر خمس سنوات، ثم تطبقهاعملياً، يا أيها الآباء والأمهات، كيف يصلي ابنك ويتقرب من الله وهو يراك على خلافذلك؟!! فتخيل ابنك استيقظ من النوم؛ لكي يشرب، ورأى والده يُصلي الفجر، فإنها أقوىموعظة عن الصلاة، وأكثر من ألف درس موعظة للصلاة، أعلمت كيف تغرس معرفة وعظمة اللهفي ابنك؟ بالكلام النظري، وبالتطبيقات العملية. 2. بر الوالدين، إنها ثاني وصية " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ...." (لقمان14) فأولوصية وصاها لقمان لابنه أثناء حديثه عن بِر الوالدين، وصيته عن أمه، فيا حبذا عندمايراك ابنك تتحدث عن أمه بكلامٍ طيب، فيا أيها الآباء والأمهات لا تظهِروا مشاكلكمأمام أبناءكم؛ لإنك تعاقبه، تؤذيه، وتحطمه، فأكبر كارثة عندما يتشاجر الأب والأم،وكلاً منهما يتحدث مع ابنه عن الطرف الثاني. اسعد كثيراً عندما أرى أم مطلقة وهيتتحدث عن زوجها السابق أمام ابنها بطريقة جيدة، فإن تحدثت عنه بكلام سيء فإنهاتعاقب، وتحطم، وتؤذي ابنها من داخله، وإنني لأحزن كثيراً عندما أرى أماً تشاجرت معزوجها فتحرمه من رؤية ابنه، أو أباً يحرم أماً من رؤية ابنها، فعندما تحدث لقمان عنبِر الوالدين، تحدث عن الأم والأب، ثم تحدث عن الأم، وذكر كيف أنها تتعب من أجلابنها، وكيف حملته في بطنها وهناً على وهن، فيا أيها الآباء والأمهات، قصة لقمانتهدف لتعليمكم كيفية تربية الأبناء، فحذاري الابتزاز العاطفي، فمثلاً يقول الأبلابنه:" سأعطيك هذا، لكن افعل مع أمك هذا" أو عندما يخطئ الابن في حق أمه ولا يفعلالأب له شيئاً، أما إذا أخطأ في حقه فيعاقبه، والعكس صحيح.... يُعلمنا لقمان درس مهمجداً ألا وهو أن يكبر الأب الأم في عين أولادها، وأنتِ تكبرَ الأم الأب في عينأولاده. وسأتحدث الآن مع الأبناء في بر الوالدين، كيف حالكم مع الوالدين؟ "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ..."(العنكبوت8) ، يقول النبي _ صلى اللهعليه وسلم_ : " احفظ ودْ أبيك، لا تقطعه، فيُطفىء الله نورك"، ولم يقل النبي احفظصلة أبيك، ولكنه قال وده وقم بإرضائه، وإلا فلن تشعر بحلاوة الدنيا، ويقول النبي _ صلى الله عليه وسلم_ : "من أَحدْ النظر لوالديه، فأنا برىء منه يوم القيامة" فمن نظرإلى أمه وأبيه بنظرة غيظ وغل وضيق، فالله برئ منه، فإياك وجرح قلوبهم، وإياك! والكذب عليهم، أو أن تفعل شيء دون علمهم، يُحكى أنه كان في زمن النبي _صلى اللهعليه وسلم_ شاب يسمى علقمة، كان كثير الاجتهاد في طاعة الله، وفي الصلاة، والصوم،والصدقة، فمرض واشتد مرضه، فأرسلت امرأته إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ :" إنزوجي علقمة في النزاع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله" . فأرسل النبي _صلى اللهعليه وسلم_: عماراً وصهيباً وبلالاً وقال امضوا إليه ولقنوه الشهادة، فمضوا إليهودخلوا عليه فوجدوه في النزع الأخير، فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لاينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يخبرونه أن لسانه لا ينطقبالشهادة فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ :" هل من أبويه أحد حيّ ؟"، قيل:" يارسول الله أم كبيرة السن" فأرسل إليها رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ حتى أتت،فسلَّمت فردَّ عليها السلام وقال:" يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتيني جاء الوحي منالله تعالى، كيف كان حال ولدك علقمة؟" قالت :" يارسول الله كثير الصلاة، كثيرالصيام، كثير الصدقة". قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:" فما حالك؟" قالت:" يارسول الله أنا عليه ساخطة"، قال:"ولما ؟ "، قالت:" يا رسول الله كان يؤثر علىَّزوجته، ويعصيني" فقال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_: "إن سخط أم علقمة حجب لسانعلقمة عن الشهادة، ثم قال:" يا بلال انطلق واجمع لي حطباً كثيراً"، قالت الأم: يارسول الله وما تصنع؟ قال :"أحرقه بالنار بين يديك". قالت:"يا رسول الله إنه ولديولا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي". قال:" يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى،فإن سَرك أن يغفر الله له فارضى عنه، فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولابصيامه ولا بصدقته مادمت عليه ساخطة"، فقالت:" يا رسول الله إني أشهد الله تعالىوملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة". فقال رسول الله _صلىالله عليه وسلم_: "انطلق يا بلال إليه، فانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أملا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياءً مني" فانطلق بلال فسمع علقمة منداخل الدار يقول:" لا إله إلا الله" ... أرأيتم ماذا حدث لعلقمة؟ فإنه لم ينطقبالشهادة؛ لأنه كان يأخذ لامرأته الفاكهة الطيبة، ويعطي لأمه الفاكهة السيئة، فكُسرقلب أمه، يا ترى كيف كسرت أنت قلب أمك؟ أتتذكر عندما طلبتك على الهاتف وأغلقته كيلا ترد عليها وجعلتها تبحث عنك طيلة اليوم؟ أم تتذكر عندما أغلقت الباب في وجهها؟فإياك وكسرة القلب. فيا أيها شباب "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَبِوَالِدَيْهِ..." فالتعلموا أن أكثر وصية أخذت وقت، هي وصية بر الوالدين. فكلالوصايا كلمة أو كلمتين، ولكن وصية بِرالوالدين آيتين كبيرتين، يقول النبي_ صلىالله عليه وسلم_:" ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه......" بمعنى أن الله لا يكلمك ولا يزكيك إذا عققت والديك. يقول النبي _صلى الله عليهوسلم_ : "لا يدخل الجنة عاق، حتى يقضى بين الخلائق" لذا فآخر من سيحاسب العاقلوالديه. فهل من أحد الآن دخل عليه رمضان وهو عاق لوالديه؟!! أتعلمون لماذا قال جناح الذُل؟ فهل الذُل له جناح؟!! أتعلمون عندما تتشاجر الطيور، كيف يستسلم الطائر لوقفالمعركة؟ يفرد الطائر جناحيه، وينزلهما إلى الأرض، ويخفض جسمه، وهذا معناه أنهاستسلم. فالله تعالى يقول لك هل تستطيع أن تفعل مثل ما فعل هذا الطير؟ هل تستطيع أنتقبل يد أمك، وتقول لها ادعي لي؟ هل تُعاندها؟ إياك والعناد مع والديك. أعرف رجلسوري متزوج امرأة تشيكية، رأيت ابنتهم –أثناء خروجهم من المحل- ذاهبة لأبيها لتقولله:" انتظر يا أبي" فنزلت أمام جميع الناس؛ لكي تربط حذاء والدها. فصاحب أمك "...وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً .." ما معنى أن تصاحبهما؟ أتعلمونالرجل الذي جاء للنبي وقال له: " يا رسول الله، من أحق الناس بحُسن صحابتي؟"، فقالرسول الله:" أمك". فقال له:" ثم من؟" قال :" أمك" فالرجل يريد أن يعرف أحداً آخر،فقال له:"ثم من؟"، قال :" أمك" فقال:" يا رسول الله علمت أنها أمي، ولكن من بعدأمي؟"، قال:" أبوك". فهل أنت مصاحب لوالديك؟ أم صديق أصحابك والكمبيوتر والمحادثةعلى الانترنت ، ولا تتحدث مع والديك، وليس لك علاقة بهم؟!! فلقمان يذكر ابنهبذكريات الماضي مع أمه عندما حملته وهناً على وهن، فإذا أردت أن يُحن قلبك على أمك،تذكر أيام الماضي عندما كانت تحملك في بطنها، ونقص من جسمها الحديد والكالسيوم؛ لكيتُغذيك وهي سعيدة بذلك. وكانت لديها أحلام كثيرة جداً مثلك الآن، ولكنها تنازلتعنهم بسببك، ولذلك الآيات تُذكرك بالماضي " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِحَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْلِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"(لقمان14). 3. إقامة العبادة، تجعلابنك يصلي" أَقِمِ الصَّلَاةَ...." 4. الإيجابية في الحياة، "... وَأْمُرْبِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" فانزل وأصلْح في الأرض، واصبر على أي شيء يُصيبك،واسعى في الدنيا، واعمل في الصيف، واختلط بالناس، وكن إيجابياً. 5. الأخلاق،"وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ..." فلا تتكبرعلى أحدٍ، ما معنى تُصعر؟! كانالصُعار مرض يُصيب الإبل، فتتلوي عُنقها، ولا تستطيع أن تُرجعها مرة أخرى... " وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّكُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور"ٍ فكن متواضعاً، ولا تتكبر على الفقراء. 6. اجعل لك هدففي حياتك، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ.." اجعل لحركاتك قصداً وهدفاً ومُراداً. 7. الأدب والذوق، "وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَالْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير"ِ تحرك بروية، واخفض من صوتك، وتعلم الآدابوالذوقيات. كلمة للآباء والأمهات: هذه وصايا لقمان لابنه، ولكن هناك كلمةأخيرة أريد أن أقولها للآباء والأمهات، أرأيتم لقمان كيف يتحدث مع ابنه؟ تحدث معهبلغة العاطفة، ففي جميع الوصايا كان يقول له: "يا بني". فأين لغة العاطفة يا آباءَ؟ ابنك وابنتك بحاجة إلى الحب والحنان خاصة البنات، فإذا كانت لا ترى هذا الحب فيالبيت، فأخشى أن تبحث عنه خارج البيت. فمثلاً بدلا من أن تقول لها:" ستكوني فاشلةإن فعلتِ كذا وكذا " أو " ستموتين كلما قدت السيارة بهذه السرعة ". فبذلك ستفشلحقاً، ولكنك استخدمت لغة العقل. فهل من الممكن أن تضع لغة العاطفة قبل لغة العقل؟ مهما كنت أيها الأب شديداً.. يقول الشباب للآباء: " إلمس قلبي؛ كي أسمعك، ومُر منقلبي على عقلي؛ كي أفهمك". الشباب يُريد من يكلم قلبه، يا آباء قبل أن يعظ لقمانابنه قال له:" يا بني" هذه ليست كلمة عابرة، ولكنها أحاسيسُ، وحبُ، وحنانُ،وعاطفةُ، عبر عنها بكلمة (يا بُني). وكان النبي_ صلى الله عليه وسلم_ لا يعِظأحداً، إلا وجه له لفتة عاطفية، فعندما أراد نصح معاذ بن جبل قال له بعد أن أخذبيده ومشى به: " إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة، اللهم أعني على ذكركوشكرك وحسن عبادتك". أرأيتم كيف استخدم أولاً لغة العاطفة؟ أمسك بيديه وقال له أنااحبك، وبعد ذلك وعظه. مثال آخر: كان ابن عباس رجل شديد الذكاء يقول:" ضمني رسولالله _صلى الله عليه وسلم_ إليه وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" فرسول اللهيريد أن يقول له اعمل وتعلم، لكن أرأيت طريقته في حديثه مع ابن عباس؟ أعرف قصة حدثتلبنت مسلمة بكستانية اسمها لينا، تعمل في رعاية الأسر التي لديها مشكلات معالمخدرات في إنجلترا، جاءت لها أم وقالت لها:" ابني مدمن مخدرات منذ أكثر من 15عاماً، وأريد أن أطرده من البيت؛ لأنه سيدمر إخوته، وأنه مُقذذ، و... و...." فقالتلها لينا:" متى آخر مرة ذكرتي له إنكِ تحبيه؟" فقالت لها:" هذا شخص مُقذذ، كيف أقول له أنيأحبك؟!! أنا لا أستطيع أن أقولها". فقالت لينا:" هل من الممكن أن تعودي إلى بيتكوتحبينه من قلبك بصدق؟". وبعد أسبوع عادت الأم إلى لينا وقالت لها:" عندما عدت إلىالبيت، جلست مع ابني على المنضدة واستحضرت نيتي، وضغطت على نفسي، وصدقت النية معالله" فقال ابني:" ما بكِ؟" أحدث شيء؟" فنظرت إليه وقلت له:"أنا احبك؛ لأنك ابني،ومهما فعلت أنا احبك." [CENTER] فبكى ابني المُدمن، وبكيت وضميته إلى صدري. وقرر الابن أنيبدأ بالعلاج". [SIZE=5][COLOR=#441c7d][FO
الحلقة 23 - سيدنا لقمان عظمة ومكانة سيدنا لقمان في القرآن: اليوم نتحدثعن الأبناء والآباء، ونبدأ...
الحلقة 24 - يوم التناد

مدرسة التخيل:
منذ حقبة زمنية معينة شعر أحد علماءالمسلمين وهو الحارث بن أسد المحاسبي بطغيان المادة على حياة الناس، فقرر أن ينشيءمدرسة فكرية أسماها (مدرسة التوهم)، أي: التخيل. كان يأتي بالناس، ويقص عليهمالآيات والأحاديث التي تتحدث عن الآخرة، وعن لقاء الله سبحانه وتعالى، والوقوف بينيديه، وعن الجنة والنار، ويطلب منهم أن يتخيلوا أنهم في هذا الموقف. ولاَحظْ أن منيحضر إلى تلك المدرسة تتغير حاله إلى الأفضل بعد أن يتخيل أحداث يوم القيامةويستحضر هوله. واتضح له أن الحديث عن الآخرة يصلح من أحوال الناس في الدنيا. وفيأحد الأيام طلب من الحاضرين في هذه المدرسة أن يتخيلوا شابًا يدخل الجنة، ويفتح لهأحد أبوابها. وقد تساءل الشاب عن سبب فتح هذا الباب له، فأجيب: بأن هذا باب قد فتحلك لأنك سلكت طريقًا تبتغي فيه علمًا في الدنيا. وقد حثنا الرسول -صلى الله عليهوسلم- على العلم، فقال في حديث رواه مسلم:"ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل اللهله طريقًا الى الجنة"، ثم تبين للعالم أن أحد الحاضرين في هذه الجلسة قد أصبحمهتمًا جدًا بالعلم، فشرع في توسيع هذه المدرسة. فما رأيكم أن ننشيء نحن هذهالمدرسة، ونحيا داخلها، ونرى تأثيرها فينا. وسنحكي فيها لقطات ومشاهد من يومالقيامة، سنحكي أمورًا تؤلمنا، وأخرى تسعدنا مثل الحديث عن الجنة. هيا بنا نفتتحمدرسة التخيل، ولنبدأ بيوم القيامة.
يوم التناد:
أولًا: أطلب منكم أن تعيرونيانتباهكم، وتتخيلوا أنكم موجودون الآن في هذه اللحظة في يوم القيامة. ويوم القيامةله أسماء كثيرة جدًا، منها: يوم العرض، ويوم الحاقة، ويوم الزلزلة. ولكننا اليومسنتحدث عن اسم غير معروف ليوم القيامة، سنتحدث عن يوم التناد. وهل هذا اسم من أسماءيوم القيامة؟ وماذا يعني؟ ومن أين أتيت به؟ إنه مذكور في القرآن الكريم، وقد جاءذكره على لسان مؤمن آل لفرعون:”وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَالتَّنَادِ* يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ...” (غافر32-33) يومٌ ينادي فيه كل الناس بعضهم بعضًا. تخيل معي شاب يبحث عن أمه،وأب يبحث عن أسرته، تُرى هل يجدهم وتتشابك أيديهم، أم يفر كل منهم من الآخر؟ ملائكةتنادي المؤمنين، وشيطان يتبرأ من الفاسقين، ورب ينادي على عباده، ونار تنادي علىالعصاة، وجنة تنادي على المؤمنين، وأهل النار ينادون أهل الجنة، وأهل النار ينادونخزنة جهنم، وأنبياء يكلمون ربهم. هل تتخيل معي ذلك المشهد العظيم؟! نداءات مختلفةتملأ جو ذلك اليوم العظيم، إنه يوم التناد! ما رأيك أن نسلك الآن منهج مدرسةالتخيل، فنتخيل تلك الصور، لنتعظ بها قبل فوات الأوان. قال علي بن أبي طالب رضيالله عنه:"الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا". فما رأيك أن نستغرق اليوم في مدرسةالتخيل، ونعيش التخيل لعله يساعدناأو يساعد بعضنا في تغيير حالهم إلى الأفضل، ويكونسببًا في عِلو همتهم.
النداء الأول :
إنه ليس نداءً، بل هو نفخة في الصور. حين ينفخ الملك الموكل بالنفخ في الصور فتفنى الحياة من على الأرض تمامًا:”وَنُفِخَفِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْشَاءَ اللَّهُ ...” (الزمر:68) إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينقل لنا تلك الصورةفي حديثه الشريف فيقول:” كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يسمع متىيؤمر، فينفخ"، ويقول أيضًا:”بُعثتُ أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابةوالوسطى".
نداء آخر:
نداء الله للملائكة. ينادي الله -تبارك وتعالى-: يا ملكالموت من بقي؟
-
فيقول ملك الموت: لم يبق إلا عبدك جبريل، وعبدك ميكائيل، وملكالموت، والملك الموكل بالنفخ في الصور.
-
فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روحملك الصور. يا ملك الموت من بقي.
-
فيرد ملك الموت: جبريل، وميكائيل،وعبدك.
-
فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روح ميكائيل. من بقي يا ملكالموت؟
-
فيرد ملك الموت: جبريل، وعبدك.
-
فينادي الله -عز وجل- يا ملك الموتاقبض روح جبريل. يا ملك الموت من بقي؟
-
فيرد ملك الموت: بقي عبدك.
-
فينادي الله: يا ملك الموت اقبض روحك.
ثم ينادي الله: لمن الملك اليوم فلا يجيبأحد لأنه لا يوجد أحد، فيقول الله -تبارك وتعالى-: لله الواحد القهار.”... ثُمَّنُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ.” (الزمر:68) تخيل بعدالنفخة الثانية ونحن نقوم إلى أرض المحشر؛ لنُحاسب بين يدي الله -عز وجل-، هل تتخيلذلك المشهد؟ كيف سنقوم بعد الموت؟ وأين نحن؟ وأين ذوينا وأهلنا؟ وكل من عشنا معهموأحببناهم في الدنيا؟ أول شيء تفعله بعد البعث من الموت البحث عن عائلتك، لكن انتبهإن كانت تلك العائلة مؤمنة ستتشابك أيديهم، ويمسك كل منهم بيد الآخر، وإن كانواعُصاة فكل منهم سيقول: نفسي نفسي. "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ.” (عبس:34-35) أيتها الأم، تخيلي عند خروجك من الأجداث وأنتِتنادين أولادك، وقد كنتم -بحمدالله- عائلة مؤمنة ومتماسكة، فتبعثون وقد تشابكتأيديكم. انظر معي إلى تلك الأسرة وهي تتجمع، فتحفهم الملائكة، وتطمئنهم وسط رعب يومالقيامة، وتظللهم “...ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْتَحْزَنُونَ.” (الأعراف:49)،صورة أخرى لأسرة عاصية وهم يفرون من بعضهم بعضًا، وكلمنهم يقول: نفسي نفسي. زوج وزوجه يفرون من بعضهم بعضَا، وأخ وأخته يفرون من بعضهمبعضَا، وأب يفر من أولاده، وأولاد يفرون من آبائهم. تخيل أيضًا الله -تبارك وتعالى- ينادي العصاة الذين جعلو لله ندًا في حياتهم، كان لهم من هو أهم من الله في نظرهم. وقد كانوا كلما اشتهت أنفسهم شيئًا فعلوه دون أن يتقوا الله "أَرَأَيْتَ مَنِاتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكيلًا.” (الفرقان:43) شخصآخر كان جل اهتمامه في حياته المال. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"تعس عبدالدينار.” أي من كان المال هو مبلغ همه. نداء آخر: "وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْفَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.” (القصص:62)، تخيلعندما يأتي كل منهم بشريكه، يأتي أحدهم بماله، والآخر بالخمر، وآخر بالنساء، تُرىأين أنت؟ وهناك من خلط عملًا صالحًا وآخرسيئًا إلا أن الله كان هو مركز حياته،بالرغم من أن الدنيا كانت تتخطفه من حين لآخر. كل منا له مركز حياة هو المرجع فيأخذ قراراته، فإن كان الله هو مركز حياتك فأنت على الدرب السليم.
نداء الرسلوأقوامهم:
"
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ.” (القصص:65) كيف أجبت محمداً -صلى الله عليه وسلم-؟ بماذا ستجيب؟ هل تستوعب أن هذاالموقف سوف تمر به لا محالة؟ وسوف يحدث لك أنت شخصيًا؟ صورة أخرى سوف تحدث عندماينادي الله -جل وعلا- على نوح عليه السلام:
-
يا نوح، هل بلغت؟
-
فيرد نوح: نعم يا رب.
-
فيسأل رب العزة قوم نوح: هل بلغكم؟
-
فيقولون: ما جاءنا مننذير، ما جاءنا من أحد.
-
فيقول نوح: بل بلغت يا رب.
-
فيقول الله: من يشهدلك يا نوح؟
-
فيقول نوح عليه السلام: محمد وأمته يا الله.
هل تتصور أنك فييوم من الأيام سوف تشهد لنبي الله نوح -عليه السلام- بناء على ما آمنت به في القرآن "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَىالنَّاس...” (البقرة:143)
وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد:
كل ما مضى حتى الآنوصف لما سوف يحدث يوم القيامة للناس أجمعين، لكن ما الذي سوف يحدث لك أنت وحدك؟ يومحسابك؟ "وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ.” (قّ:21) تخيل وأنتتمشي ومعك الملك الموكل بك في الدنيا وهو يسرد أعمالك، كل كلمة، كل غمزة ولمزة "وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّكَفَّارٍ عَنِيدٍ*مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ" (ق:23-25) ويقول قرينه (الشيطان):”قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍبَعِيدٍ.” (ق:27) يا الله، كل ذلك سوف يحدث! هل تستشعر وجودك الآن وسط هذا الزحام،وكل تلك النداءات. بل انظر أيضًا هناك متكلم جديد ينضم إلى ذلك الموقفالصعب:”يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ.” (ق:30)، كان سيدنا عمر بن الخطاب يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نكون من مزيد النار. تخيل يوم يُنَادَى عليك: فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار! تخيل فرحتك وأنت ذاهبللقاء ربك، وأنت تعلم أنك كنت من المتقين، وأنك اتقيت الله في ذنب بعينه، وعملتلهذا اللقاء سنوات وسنوات. ما أحلاها من فرحة وأنت تسير وتعلم أن الله سيوفيك حقك. وتخيل الملائكة وهي تجر أحدهم؛ وهو لا يستطيع أن يسير خوفًا من الله حين تعرض عليهصحائفه. يقول سيدنا علي بن أبي طالب:”إني لأعلم قومًِا سيسقط لحم وجوههم خجلًا حينتعرض فضائحهم على الله!”
النداء باسم العمل:
وفي يوم التناد يُنادَى كل جماعةبعملهم: ليقم الكذابون. تخيل لو قمت معهم! يا لها من فضيحة! ليقم المرائون، ليقمالذين خانوا زوجاتهم، لتقم من خانت زوجها، ليقم المرتشون. ويُنادَى أيضًا أصحابالأعمال الصالحة_ اللهم اجعلنا منهم_: ليقم المتصدقون، ليقم الصائمون، ليقم قارئوالقرآن، ليقم من بكي من خشية الله، ليقم البارون بآبائهم. وينادى: ليقم أهل الفضل،فيقومون وهم قليل، فيسيرون سراعًا إلى الجنة، فتستوقفهم الملائكة، وتقول: من أنتم؟فيقولون: نحن أهل الفضل، فيقولون لهم: وما فضلكم، فيقولون: كنا إذا ظلمنا صبرنا،وإذا أسيئ إلينا غفرنا، وإذا جهل علينا حلمنا فتقول لهم الملائكة: ادخلوا الجنةفنعم أجر العاملين. وينادى:”...إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْبِغَيْرِ حِسَابٍ.” (الزمر:10) هلموا إلى الجنة بغير حساب.
حوار أهل الجنة وأهلالنار:
"
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَامَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاًقَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَىالظَّالِمِينَ.” (الأعراف 44)
ثم يؤتى بكبش عظيم، وينادى: يا أهل الجنة أتعرفونما هذا؟فيردون: لا.
فيُنادى: يا أهل النار أتعرفون ما هذا؟فيقولون :لا.
فيرد المنادي: إنه الموت. فيا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلودبلا موت. وينادي أهل النار الملائكة:"وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِجَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُواأَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوافَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ.” (غافر 49-50) وعندمايجدون أن كلامهم مع خزنة جهنم لا رجاء منه ينادون مالكًا:”وَنَادَوْا يَا مَالِكُلِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.” (الزخرف:77) فينادونالله:” قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماًضَالِّينَ* رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ*قَالَاخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ.” (المؤمنون106-108) فهيهات، وقد أضاعوا وقتالتوبة في الدنيا. اللهم سلم! هيا بنا يا أمة محمد نغتنم وقت الدنيا في التوبة، فيامن ارتكب أي ذنب، هلم إلى التوبة:”...فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَالْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.” (آل عمران:185)
نداء الله للمؤمنين:
"
يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُالْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.” (الزخرف:68) تخيل أن الله يناديك؛ لكيلاتفزع مما يلاقيه الظالمون من عذاب! أنت في مأمن اليوم:"الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوايَتَّقُونَ.” (يونس:63)
نداء الصيام والقرآن:
قال رسول الله -صلى الله عليهوسلم-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعتهالطعام والشهوات بالنهار، فشفعني به، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه،فيشفعان" سوف يأتي الصيام مجسدًا يوم القيامة، ويناديك ويدافع عنك، فأتقن صيامك ولوليوم واحد. كذلك القرآن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في حديث رواه مسلم: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن و أهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورةالبقرة و آل عمران، تحاجان عن صاحبهما" أي: تدافعان عنه، وتشفعان له يوم القيامة. فهنيئًا لكل من حفظهما!
نداء صلة الرحم:
تذهب الرحم وتتعلق في عرش الرحمن،وتقول أمام البشر كلهم: يا رب، ظُلمت، يا رب، أُوذيت، يا رب، قُطعت.
-
فيقوللها الله -عز وجل-: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك.
-
فقالت: رضيت يارب.
-
فقال: لكِ ذلك.
وتأتي مرة أخرى عند المرور على الصراط، وتقول لك: لاتمر حتى تعطيني حقي.
نداء المظلوم:
يأتي القتيل الذي قتل ظلمًا يوم القيامة،ويبحث عمن قتله حتى يجده، فيأخذ برأسه، ويذهب إلى الله -عز وجل- ويقول له: يا رب سلهذا فيم قتلني؟ حتى يأخذ له الله حقه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجلانمن أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك و تعالى، فقال أحدهما: يا رب، خذ لي مظلمتي منأخي، فقال الله تعالى: أعطه مظلمته ..
فقال: يا رب، لم يبق من حسناتي شيء ..
فقال الله تبارك و تعالى للطالب: فكيف نصنع و لم يبق من حسناته شيء؟قال: يا رب، فليحمل من أوزاري ..
قال: ففاضت عين رسول الله - صلى الله عليه وسلمبالبكاء، ثم قال: " من يتحمل عنهم أوزارهم؟ فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك،وانظر في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، و قصورًا من ذهب مكللةباللؤلؤ، لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا؟قال الله تعالى: هذا لمنأعطى ثمنه ..
فقال: يا رب و من يملك ثمنه؟قال الله تعالى: أنت تملكه.
قال: بماذا يا رب؟قال : بعفوك عن أخيك، قال: يا رب، فإني قد عفوت عنه،قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فادخلا الجنة.
نداء إبليس في النار:
"
وَقَالَ الشَّيْطَانُلَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْفَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْدَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَاأَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَاأَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.” (إبراهيم:22) يخطب فيهم بعد أن أغواهم في الدنيا، وأضلهم، ثم يتبرأ منهم يومالقيامة.
نداء النبي عند الحوض:
تخيل صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهوينادي: أمتي! أمتي! فتذهب إليه، فيغترف الماء بيده الشريفة من حوضه، ويسقيك من كفه،وتلامس شفتاك كف النبي الشريفة، وأنت ترتشف الماء، فلا تظمأ بعدها أبدًا.
نداءالله عز وجل على باب الجنة:
يا أهل الجنة، إن لكم أربعة أشياء: لكم أن تحيوا فلاتموتون أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضون أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرمونأبدًا، وإن لكم أن تسعدوا فلا تحزنون أبدًا. يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًافحي على زيارة الرحمن. تخيل أنك ذاهب إلى لقاء ربك، وأمامك أناس على منابر من نور،ومنابر من فضة، ومنابر من ذهب. يحكي ابن القيم حديثًا طويلًا يوم ينادي اللهالمؤمنين ويلقاهم.
فيناديهم الله -عز وجل-: يا أهل الجنة، سلامٌ علكيم.
-
فيقولون: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلالوالإكرام.
-
فينادي فيهم الله -تبارك وتعالى-: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيبولم يروني؟تخيل وأنت ترفع يدك، وأنك معهم، فقد كنت من المؤمنين بالغيب فيالدنيا.
فيقول لهم الله: اليوم يوم المزيد، فاسألوني يا أهل الجنة.
-
فيتفقون في القول: ارض عنا يا رب.
-
فيقول لهم الله: إني لو لم أرضَ عنكم لماأسكنتكم جنتي، ولكن اسألوني يا أهل الجنة.
-
فيتفقون في القول على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك.
فتكشف الحجب فينظرون إلى الله -عز وجل-. فلم يعطوا لذة منذخُلِقوا ألذ وأحب إليهم من النظر إلى وجه الله الكريم، فما منهم من أحد إلا ويحاضرهربه محاضرة، أي: يكلمه.
-
فيقول الله -عز وجل-: يا أهل الجنة هل رضيتم؟
-
فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة.
-
فيقول اللهلهم: بقي شيء.
-
فيقولون: وما هو يا رب؟
-
فيقول: "أرضى عنكم، فلا أسخط عليكمبعدها أبدًا، سلوني يا أهل الجنة، تمن يا عبدي، واشته، فما تمنيت شيئًا إلا وأعطيتكإياه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:”فيتمنى العبد حتى إذا انقطعت به الأمانييذكره الله بأمنيات نسي أن يذكرها، ألا تحب كذا؟ أما تريد كذا؟” فتخيل وأنت فيقصرك، ولك شاطئك وفواكهك الخاصة، وكل ما تشتهي هو ملك لك، كل ما عليك أنتتمنى.
أرجو أن تفكروا جيدًا، وتتخيلوا فعلًا هذا اليوم من العرض على الله،وقراءة الصحف، واختلاف النداءات حولنا، ترى هل تنادينا الجنة، أم تنادينا النار؟ كلمنا يعلم حاله جيدًا، فكفى بنفسك عليكحسيبًا.
بايعتهالربي
بايعتهالربي
جزاك الله كل خير انا مبقدرش اتابع البرنامج فساعدتينى كثيرا
جزاك الله كل خير انا مبقدرش اتابع البرنامج فساعدتينى كثيرا
الحلقة 25 - آل عمران

أسرة آل عمران وهدف بيت المقدس:
إنها أسرةٌ لها هدف ألا وهو بيت المقدس، وبالتالي لن تضيع عائلةٌ كهذه، وكانت الجدة جدة عيسى وزوجة عمران هي أكثر من تتحرك لتحقيق هذا الهدف، وكانت تسمى حَنّة، لم يركز القرآن على اسمها؛ فالمهم ما قامت به، وحتى لا تلتفت إليه وتعش معه، ركز على صفاتها، فوصفها القرآن بأنها (امرأة عمران)؛ وكأنها بشرى لكل زوجة تشارك في وضع وتحقيق هدف لأسرتها، وإن افترضنا أن أحدَ أفراد الأسرة لم يرضَ عن هذا الهدف فعلى البقية أن يكملوه، فإن رفض الأب والأم، فبإمكان الأخوة والأخوات أن يسيروا على النهج نفسه لوضع وتحقيق هدف ما، وكذلك إذا لم يرض الزوج، فالزوجة يمكن أن تلتف مع الأبناء حول هذا الهدف، وإن رفضت الزوجة والأولاد إلا واحدًا فبإمكان الأب أن يتعاون مع هذا الابن؛ لتحقيق ذلك الهدف، ومع الوقت سيجذب هذا المغناطيس البقية نحوه، فقط عليك بالتفكير في هدف، وأن يكون بنية إرضاء الله؛ وستلاحظ ما سيعم من بركة.

شجرة عائلة آل عمران:
هي أسرةٌ عريقة ذات جذور عميقةٍ في التاريخ؛ حيث إن الأبوين من ذرية داود وسليمان عليهما السلام. يسمى الأب عمران، والأم حَنّة، وقد أنجبا فتاة تزوجت من رجلٍ هو سيدنا زكريا، الذي سيصبح فيما بعد نبيًّا، ومرت سنواتٌ طوال دون أن يرزقا الذرية، أما زوجة عمران فكانت قد تمنت أمنيةً مرتبطةً بهدف العائلة وهو بيت المقدس، وكانت أمنيتها أن تنجب ذكرًا، لكن عندما وضعت حملها لم ترزق ذكرًا فكانت أنثى أخرى وهي السيدة مريم. وبعد ذلك، رزق الله السيدة مريم عيسى عليه السلام، وكما نلاحظ أنها عائلة عريقة بدأت من داود لسليمان، لعمران حتى وصلت إلى عيسى عليه السلام ولذلك تقول الآية (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بَعْضٍ...) (آل عمران:34) فقد شبَّ الأحفاد على نهج الأجداد، مفعمين بالخير والصلاح، وهنا أريد أن أوجه رسالةً للعائلات الأصيلة، خاصةً الشباب والفتيات:
1. إن كانت عائلاتكم عائلة أصيلة تفخر بأخلاقها، إياكم أن تنهوا هذا الشرف وتسيئوا إليه، وتشوهوا جماله بفسادٍ، أو عقوق، أو بالانصراف عن طريق العبادة، أو بعلاقةٍ محرمة؛ ليمتد الخير لأحفادكم من بعدكم.
2. عندما تقبلوا أيها الشباب والفتيات على الزواج، على كل منكم أن يتخير عائلة من سيتزوج؛ فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس)، وهنا تتجلى خطورة "الصحوبية"؛ حيث إنهما لو فكرا في الزواج- مع صعوبة ذلك- فإن كلا منهما لن يفكر في عائلة الآخر، متناسين أن الزواج ليس ارتباطًا بين شابٍ وفتاة، وإنما هو انصهارٌ بين عائلةٍ وأخرى، كما يظهر في عائلة عمران وزوجته، حتى إنهما ذُكرا في القرآن، وأطلق على السورة اسم عائلتهما؛ لما كان لهما من هدفٍ في الأسرة، فهي أمٌّ لها نية انبثقت منها أشياءٌ غير عادية، وعلى الرغم من هذا الشرف فإنه جديرٌ بالذكر القول بأن هذه العائلة لم تكن ثريةً بل أسرة بسيطة. فالقيم لا تحدد بما تملكه الأسر من أموال، وكم من أسرٍ ثرية ليس لها في التاريخ قيمة! وكم من أسرٍ بسيطة ذات قدرٍ عالٍ عند الله تعالى! وثبت ذلك في التاريخ، كآل ياسر؛ ياسر، وسمية، وعمار، فقد عاشوا وماتوا وهم فقراء. لكن ماذا كان قدرهم عند الله؟ (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)؛ فقيمة العائلة ليست بأموالها، وإنما بأصلها، وأخلاقها، وقيمها، فلا يهم الرصيد البنكي، المهم الرصيد عند الله، كآل عمران التي برصيدها عند الله سميت ثاني سور القرآن باسم عائلتهم.


رصيد آل عمران عند الله:
بالنظر لبداية سورة آل عمران، نجدها تقول: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران:33)، فالآية حددت فردين وعائلتين وقد يتبادر للذهن سؤالاً: لِمَ لم تقل الآية آل آدم وآل نوح كما قالت آل عمران وآل إبراهيم؟ لأن آل عمران وآل إبراهيم ظلوا على التزامهم وتدينهم كما كان طريق آبائهم؛ فآل إبراهيم هم: إسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، أما آل عمران فهم: مريم، وزكريا، ويحيى، وعيسى، أما سيدنا نوح فقد ذكر فردًا لمعصية ولده له، وكذلك سيدنا آدم، ولم يُذكرا بعائلاتهم. أأدركتم لِمَ نصحت الشباب بألا يسيئوا لأخلاق وقيم عائلاتهم؟ حتى تظل العائلة كلها غاليةً عند ربها كما هو الحال في أسرة آل عمران التي اصطفاها الله على العالمين، فقد تكون نية أمٍّ قادرةً على تغيير وجه العالم، وأكملت ببركة نية الأم هذه العائلة كلها لتحقق الهدف.

أسباب نزول السورة وسبب تسميتها:
على الرغم من أن السورة أنزلت أثناء غزوة بدر، وقبل وبعد غزوة أحد فقد سميت "آل عمران" وجاءت في وسطها آية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا...) فتُرى ما هي العلاقة بين موضع الآية ووقت النزول؟ إن العلاقة تعود إلى تغيير عدد من صحابة أُحُد هدفهم بعد أن كان لله؛ وذلك عندما رأوا الغنائم، فجاءت السورة التي توالت في نزولها أثناء وبعد الغزوة باسم عائلة لم تغير هدفها، وإنما ثبتت عليه فقد كان هدفًا لإرضاء الله، وكأن السورة جاءت دعوة للناس بأن يثبتوا على أهدافهم.

ونزول أجزاء من السورة في وقت آخر يبرز قيمة هذه العائلة، ويبرز حلاوة القرآن، حيث بدأت وفود النصارى تتوافد على النبي (صلى الله عليه وسلم) ليتناقشوا حول قصة عيسى بن مريم، وكان أولهم وفد نصارى نجران، وقد أسكنهم النبي (صلى الله عليه وسلم) المسجد، وأَلَّفَ قلوبهم، ولم يبن لهم خيامًا في الخارج، -وهذا يوضح عظمته (صلى الله عليه وسلم)-، فنزلت السورة في هذه الأثناء باسم عائلة من العائلات الصالحة، التي يحبونها، ويفتخرون بها تأليفًا لقلوبهم؛ ولفتح منطقة حوار مشتركة؛ لإرساء التعايش بينه (صلى الله عليه وسلم) وبينهم. فانظر لترتيب القرآن العجيب الذي تأتي فيه السورة في وقت نقاشهم، فتوجد مساحة مشتركة بين الطرفين، فهم مسيحيون، والشيء المشترك بينه (صلى الله عليه وسلم) وبينهم هو هذه العائلة، ولك أن تتخيل وقع هذا الأمر على الوفد عندما يجدوا سورة باسم تلك العائلة، وأن تقول الآية إن الله اصطفى آل عمران على العالمين. هذه إحدى طرق التفكير التي نادينا بها خلال برنامج "دعوة للتعايش"، وتطبق هذه الطريقة على كل البشر عندما يجلس طرفان للنقاش، لذا نزلت في السورة ذاتها الآية التي فيها (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّه...) (آل عمران:64) فإلهنا في النهاية واحدٌ وإن كانوا مسيحيين.
ثبت كل أفراد العائلة على الهدف، حتى الأحفاد، فكانوا نموذجًا يحتذى به. فهل عائلتك نموذجًا للمسلمين في أوروبا، أو في الحي الذي تقطنه، أو في البناية التي تسكنها؟ هل يمكن أن يضرب بنا المثل، كم ضرب الله لنا مثلاً بتلك العائلة! الأمر ليس بالمستحيل بل يحتاج إلى أهدافٍ وإن كانت بسيطة؛ كتنمية الحي الذي تعيش فيه مثلاً، أو بإقامة مشروعات صغيرة للأسر الفقيرة، ومساعدة من انقطع من أبنائها عن التعليم أن يواصل تعليمه، أو تعليم سكان المنطقة القرآن الكريم. تعاهد على هذه الأهداف أنت وزوجتك، وستلاحظان كيف سيبارك الله لكما بقدر إخلاصكما النية!

تقول الآية (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى...) (آل عمران: من الآية33) وكلما سمعت كلمة (اصطفى) أشعر بشيء ما بداخلي، استشعر ما فيها من عزة، وأتساءل هل يمكن أن نصطفى نحن أيضًا؟ بالطبع ليس كاصطفائهم لكن على قدر زماننا، فالكلمة تعني: (انتقى) أي أنت بعينك دون غيرك كما قال الله لموسى (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ...) (طـه:13)، وكما قال الله تعالى لمريم (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ...) (آل عمران:42) فقد اصطفاها الله اصطفائين، وبين كل اصطفاءٍ وآخر منازل ودرجات، ترى هل اشتقت لكلمة الاصطفاء تلك؟ إن كنت كذلك فإنك قد تحصل عليه في مثل هذه الأيام المباركة، لكن اعرض نفسك له، وقل: يا رب اعتقني! قل: يا رب اخترني واجعلني اعمل لديك؛ فأصلح في أرضك!

بقي أن نذكر أن آل عمران ذكروا في موضعين من القرآن الكريم: في سورتي آل عمران، ومريم، لكن في الأولى ذكر أول العائلة، فركزت على الجد والجدة، وفي الثانية ذكر آخر العائلة ألا وهو عيسى بن مريم، وركز على الابنة والحفيد، فبنيّة الجدة (زوجة عمران) وبركة هدفها امتد ذكر الأسرة كلها وسيبقى ذكرها إلى يوم القيامة؛ ألن ينزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان؟ فما كان ذاك الهدف؟ وما هي تلك القصة؟

قصة هدف زوجة عمران:
عاشت زوجة عمران في فلسطين التي دخلها الرومان - بعد داود وسليمان وأحفادهم- بعقيدتهم الوثنية، فتعددت الآلهة: كإله الجمال، وإله الحب، والإمبراطور الإله..إلخ، كما اضطهدوا كل من يرفض تلك العقيدة، بما فيها من تعددٍ للآلهة، ففُتِنَ الناس وفسدوا ليس هذا فحسب فقد أكرهوا الناس على دينهم لدرجة أنهم أقاموا ساحةً كبيرةً يلقى فيها كل من يرفض ذلك، وتترك عليه الأسود والنمور فتأكله حيًّا، وحتى يومنا هذا لاتزال تلك الساحة كما هي في روما، وبعد هذا نُتّهَم نحن المسلمين اليوم بإكراه الناس على الإسلام، على الرغم من أننا لسنا من فعلنا أو بدأنا هذا بل هو أمرٌ جاء به الرومان، وديننا هو الدين الوحيد الذي قال...لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...) (البقرة:256) فكان هو من سطر هذه العبارة، وأستشهد بقول أحد المستشرقين الذي قال: ليت أوروبا عرفت هذه العبارة، بدلاً من الحروب التي قامت بداخلها بسبب الدين، واليوم ندافع نحن عن ديننا على الرغم من أنه لم يكره أحدا على اعتناقه، بل كانت فعلة رومانية قاموا بها قبل وبعد المسيحية.

رأت زوجة عمران هذا الوضع، بما فيه من إكراه في الدين وتغيير لعقيدة الناس إلى جانب الظلم الشديد الذي يرزح تحت نيرانه أهل فلسطين، والضرائب الكثيرة، والعنصرية التي جعلت معيشتهم صعبة، أما عامة المؤمنين فقد انتابهم الصمت، فماذا فعلت امرأة عمران؟

لم تكن زوجة عمران قد أنجبت سوى فتاةٍ واحدة، تزوجت هذه الفتاة من زكريا، الكبير في السن، حيث الآية (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا...) (مريم:4)، فما بالنا بها؟ فقد تقدمت في العمر هي الأخرى، وعلى الرغم من هذا دبت نيةٌ في قلبها أنها تريد الإنجاب، وهي لم تحرم من الذرية؛ فلديها ابنة، لكنها رفضت أن تستسلم لهذا الوضع، بل أرادت جيلاً جديدًا يصنع شيئًا لفلسطين، وكأنها تقول لابد أن يخرج من بطني من يصلح هذا الوضع، ويقدم شيئًا لهذه الأمة، وكبرت تلك النية بداخلها، وبدأت تتحدث مع زوجها عمران- وهو أحد كبار علماء بيت المقدس المتميزين- ، وكان كبيرًا في السن، وبالطبع يصعب الإنجاب في هذه السن المتقدمة، وأخذ يذكرها بابنتها وزوجها اللذين تقدم بهما العمر ولا يستطيعان الإنجاب فكيف بهما؟ فبدأت تقنعه بالفكرة فهما يريدان خيرًا للمجتمع، ولابد أن تمتد أسرتهما لتبقى الرسالة في الدنيا، والدليل على أن هذا كان محور تفكيرها هو أن سيدنا زكريا كان يقول الشيء ذاته حيث تقول الآية: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم:6،5) فإنه يفكر في القضية نفسها من فساد المجتمع، والميراث هنا - بالرجوع إلى كتب التفاسير- هو ميراث النبوة والرسالة وليس المال، فالقضية واحدة لكن امرأة عمران هي أول من حركت هذا الموضوع بنيتها، فأين أنت من زوجة عمران؟ هل اقتصر دورك على الأكل والشرب والإنجاب فحسب؟ أين من تريد أن يكون ابنها صلاح الدين؟ أين من تتمنى أن تجعل ابنتها كالسيدة مريم؟

تأثير دور المرأة على الأسرة والمجتمع:
سميت سورة آل عمران باسم العائلة كلها لكن عندما تقرأها تجد دور المرأة واضحًا كما في الآية (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي...) (آل عمران:35) ولم يأتِ ذكر عمران في السورة، بل كان التركيز على المرأة، وكأنها رسالة أنها من بيدها إشارة البدء والتغيير، وهنا أخص النساء بكلمة وأقسم عليهن: إن كنتِ تحبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعليكِ أن تنشئي أولادك وبناتك ليعزّوا الإسلام والمسلمين، وعليكِ دائمًا أن تتذكري أن السورة سميت باسم العائلة؛ لأنهم جميعًا ثبتوا على الهدف والتفوا حوله؛ لتحقيقه، وفيها رسائل لكل أفراد الأسرة؛ ليعيشوا من أجل أهدافهم، فإياكِ أن تثبطي في الطريق، وتنسي الهدف وتتراجعي.

بدأت امرأة عمران تدعو ربها أن تنجب، وإذا بمفاجأةٍ عجيبةٍ، أن يستجاب الدعاء، وإذا بالجنين في أحشائها يتحرك، وكنا قد ذكرنا في حلقات سابقة أن الله يستجيب الدعاء، على الرغم من أنها طعنت في السن لكن من بيده الأمر؟ ومن بيده ملكوت السماوات والأرض؟ إنه الله سبحانه وتعالى لذا اذهب إليه، ولاحظ أن كل هذا بدأ بنيتها، وعندما استجاب الله لها وهبت ما في بطنها لله حيث تقول الآية: (...رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي...)، عادةً ما ينذر الناس من أجل أمورٍ دنيوية، كأن ينذر أحدٌ بشيء ما إذا وفق في العمل الفلاني مثلاً، لكن لم نر قط نذرًا من أجل الدين كما فعلت امرأة عمران التي نذرت إن كان ذكرًا ستكون حياته كلها من أجل الله، وهي من الأصل لم تطلب الإنجاب لحاجةٍ في نفسها؛ وإنما دعت الله لترزق بولدٍ تكون حياته في سبيل الله.

رُبَّ عملٍ صغير تكبره النية:
لامرأة عمران قضيةٌ أخرى تشغلها ألا وهي القبول؛ فهي تخشى ألا يتقبل الله منها ما نذرته، فهي امرأةٌ صاحبة رسالة، تمكنت منها وسيطرت على كيانها والله تعالى يعلم صدق النوايا، فإن كانت النية خالصة، سيبارك الله ويتقبل،كما سنرى في نية ونذر امرأة عمران، حيث امتدت العائلة وستبقى ليوم القيامة. فحقًّا: رُبَّ عملٍ صغيرٍ تكبره النية، ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تصغره النية، فكم من أعمالٍ عظيمة لله تصغر لأنها لم تصاحب بنية! وكم من أعمالٍ صغيرة صدقت النية فيها لله واستعان القائم عليها بالله، فبارك له فيها وكبرها له! كأن يبدأ شخص بدعوة اثنين أو ثلاثة لطريق الله لكن بنية خالصة صادقة، فيفتح الله عليه، وبعد عشر سنوات يتحول عدد من يدعوهم إلى ملايين، كما حدث معي ومع آخرين، ولك أن تجرب بنفسك، بأن تجعل في قلبك غيرةً نحو وطنك، وأمتك، ودينك وادع الناس للهداية، وسترى كيف سيوفقك الله مثل سيدنا إبراهيم الذي أمره الله في القرآن قائلاً (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً...) (الحج:27)؟ فاندهش سيدنا إبراهيم كيف يصل صوته للناس وهو في الصحراء؟ فعلمه الله أن عليه الآذان، وعلى الله البلاغ، فاستجمع نيته، وبدأ بدعوة الناس إلى أمر الله بالحج، فيوفقه الله بصدق نيته، ونظل نحن إلى اليوم نقول: (لبيك اللهم لبيك)، وكما حدث بصدق نية امرأة عمران؛ حيث نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان ليقيم الحق.

قمة الحرية تكمن في الإخلاص لله:
تخلصت امرأة عمران من كل شريك في نيتها، وأخلصت أن يكون ما في بطنها لله وحده، لا لعزوةٍ تستشعرها بولد، ولا لمتاعٍ في الدنيا فقالت: (...رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران: 35) وتأتي دقة استخدام كلمة(مُحَرَّرًا) كلمة (مُحَرَّرًا) لأن كمال الحرية يكمن في أن يكون الشيء لله وحده خالصًا لله وحده، فكلما كان المرء أسيرًا لشيءٍ ما، كأن تكون أسيرًا لشهرةٍ، أو أسيرًا لمنصبٍ، أو معصية، أو أسيرًا لكرسي فقد فقدت حريتك. أما قمة حريتك فتشعرها عندما تكون عبدًا خالصًا لله. فالحرية هي ألا تسيطر عليك الأرض بما فيها، وألا يسيطر عليك إلا الله، هذا ما فعلته زوجة عمران أن نوت أن تربي ابنها على ألا يكون أسيرًا لأي شيء وإنما يكون خالصًا لله، فيالك من فائزةٍ أيتها الزوجة إذا نويت أنت ذلك، فيتحول كل ما تفعلينه من أمور التربية، والتعليم، والإنفاق مع أبنائك وصبرك عليهم إلى كنوز حسناتٍ في ميزانك.

بعدما نذرت زوجة عمران ما في بطنها لله وسألته تعالى القبول جاء الرد مباشرةً (...فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ...) (آل عمران:37) فهي استجابة من السميع العليم. مرت أشهر حمل امرأة عمران، وهي تدعو الله بالقبول، منتظرةً أن تضع ذكرًا؛ لينصر الحق، حتى اكتشفت أن ما حملته أحشاؤها كان أنثى ولم يكن ذكرًا، تقول الآية (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى...) (آل عمران:36) وما أرادته امرأة عمران لا تستطيع الأنثى أن تفعله، لكن كأنها رسالةٌ من الله لنا، يريد فيها أن يعلمنا أن ليس الذكور فقط هم من باستطاعتهم النصر والعزة، فها هي مريم التي ستصبح سيدة نساء العالمين، وستدل على صفة الله الخالق بما سيحدث لها من معجزة ولادتها لسيدنا عيسى، الذي سيكون لها أثرٌ بالغٌ في الأرض؛ وسيكون سببًا في إيمان روما بعد 3000 عام من وفاته؛ وذلك لما لله من سنن في كونه، وكل هذا الامتداد وتلك البركات بسبب نية الجدة المخلصة لله، وباكتشافها أن ما حملته أنثى، خشيت ألا يكون الله تقبل منها ما نذرت، لكن لأنها ثابتة على ما نوت استطردت قائلة: (...وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ...) (آل عمران: من الآية36) ومريم تعني: (العابدة أو خادمة العباد) أي رغم أنها وضعت أنثى فهي مصرةٌ على هدفها، فإن لم تستطع هي تحقيق الهدف، فلعل يخرج من ذريتها من يحقق ذلك، وأول ما دعت به للمولودة أن يصرف الله عنها وذريتها الشيطان، وللنبي (صلى الله عليه وسلم) حديثٌ جميلٌ يقول فيه: (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها) وذلك لما استجيب من دعوة امرأة عمران.

الإخلاص في الدعاء سببٌ في الإجابة:
رغم استحالة الإنجاب في عمرٍ متقدمٍ كعمر زوجة عمران إلا أنها أنجبت! وتمنت ألا يمس الشيطان مولودتها وذريتها، فاستجاب الله لها! كما تمنت أن يصلح ابنها وضع الإيمان في الأرض، فخرج عيسى وحقق ذلك، وسيظل له أثرٌ حتى يوم القيامة. فهل يوجد في نسائنا من لديها هذا الإحساس وتلك القوة والثبات لتنوي وتربي لتحقق هدفها؟

التواصل الدائم مع الله والقرب منه:
من خلال قصة آل عمران، يظهر صلة الزوجة بالله تعالى؛ فهي على تواصلٍ دائمٍ مع الله تحدثه دائمًا، والتواصل مع الله نوعان:
1. الدعاء.
2. المناجاة.
والمناجاة: حديثٌ مع الله، فيمكنك وأنت تقود سيارتك أن تناجيه- تعالى- أن تسأله أراضٍ عني يا رب؟ أن تقول له تعالى: لو غضبت الدنيا كلها مني فيكفي رضاك عني. أن تطلب منه ألا يَكِلُكَ إلى نفسك، أن تبثه همومك، فهذا ما فعلته زوجة عمران. ألاحظتم كيف تتحدث إلى الله؟ وكأنها اعتادت على ذلك فالمناجاة مستمرة، وفي أوقات مختلفة: (...رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، (آل عمران:36،35) ثم يأتي الرد: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا...) (آل عمران: من الآية37) فهل تستطيع أن تكون علاقتك مع ربك كهذه؟ إذا فعلت فستشعر في قلبك بحلاوة لم تتذوقها من قبل، ستستشعر اسم الله الحكيم، والودود، فعيسى ومريم نتاجٌ من نية أم ونذر أم، ودعاء أم، وهدف أسرة. إلى هنا انتهت قصة امرأة عمران؛ لتبدأ قصة مريم التي تناولناها سابقًا، فلن نستطرد في الحديث فيها.

الدعاء مجابٌ لامحالة:
بقي أن نلمح أن زوجة عمران حزنت ظنًّا أن دعوتها لم تستجب حين رزقت بأنثى، على الرغم من أن الحقيقة أنه قد استجيبت؛ وولد عيسى من ذريتها، لكن لا يجب أن تكون الاستجابة في الحال، وهذا درسٌ آخر يُساق إلينا؛ فالدعاء بلا شك مستجاب، وإن تأخرت الإجابة، فلله قوانينٌ في أرضه، ولكل شيء وقت وموعد، فزمن عيسى لم يكن وقتها، والتغيير لم يحن آنذاك، ولكنّ التجديد موجودًأ ودعوتها لم تذهب سدىً، وستجاب بعد حين، وستصبح ابنتها هي أم عيسى؛ فالتغيير في الأرض والإصلاح، وإحياء الأمم يحتاج إلى وقت، وربما الجيل الموجود في ذاك الوقت ليس هو من استحق النصر، وقد يكون هو المسئول عما يحدث، قد يكون جيلاً متخاذلاً لم يعمل، وقد يكون جيلاً عاملاً، لكن الأمر احتاج إلى وقتٍ لجني ثمار ما زرع. ترى ما بال جيلنا الآن؟ أهو جيل نهضة؟ هل نحن نعمل ونصلح في الأرض؟ وهل منا صاحب نيةٍ كزوجة عمران؟ هل منا أبٌ وأم لهما هدفٌ كهذا؟ فقد قال الله لموسى(وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً...)(يونس: من الآية87) ليكن هذا هو هدف الأسر؛ لتجتمع على طاعة الله والإنتاج والتنمية..إلخ، فكيف هو حال بيتك؟

نية أم تعز أمة:
أتمنى أن نجد بعد هذه الحلقة من النساء، من تأخذ نيةً، وتستعين بالله وتدعو أن تملك هذه النية وما ستأخذه من هدف في كيانها وتثبت عليه، كحال امرأة عمران، فلعل ما نويت يصبح مشروع النهضة الذي يعز به الله الإسلام والمسلمين، فالقصة كلها تتلخص في أن نية أم قد تعز أمة. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




منقول من منتدى عمرو خالد
#منار#
#منار#
جزاكي الله خيرا
تابعي حبيبتي
جعله الله في ميزان حسناتك
بايعتهالربي
بايعتهالربي
جزاكي الله خيرا تابعي حبيبتي جعله الله في ميزان حسناتك
جزاكي الله خيرا تابعي حبيبتي جعله الله في ميزان حسناتك
الحلقة 26 - اسم الله العفو

اسم الله العفو في القرآن:
اسم الله العفو جاء فيالقرآن خمس مرات،

مرة مقترن باسم الله القادر "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاًقَدِيراً " (النساء:149)،
فقد أعفو عنك وأنا غير قادر عليك، لكن الله سبحانه قدير،قادر عليك، ومع قدرته عليك عفا عنك.

و أربع مقترن باسم الله الغفور "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:43)، " فَأُوْلَـئِكَ عَسَىاللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:99) ليريك الكرم، وليقول لك: يمكنك أخذ هذه المغفرة، ويمكنك أخذ الأكبر منها والمنزلةالأعلى وهي العفو.

ما معنى اسم الله العفو؟ كلمة (عفا) لغوياً في المعجم لهامعنيين:
1.
أعطيتُه من مالي عفواً: أي أعطيته شيئاً طيباً من حلال مالي، عن رضانفس، دون أن يسأل "...يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ..." (البقرة:219) وهذا أفضل ما تنفقون من مالكم.
2.
العفو: الإزالة، يقولون: عَفَتالريح الآثار: أزالتها ومسحتها، ومنها ما ورد في السيرة في رحلة الهجرة، لما صعدالنبي صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور ومعه أبو بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكرتأتيهما بالطعام، فأمر أبو بكر غلامه أن يمر بالغنم على آثار أقدام أسماء حتى لايعرف الكفار طريق النبي، فتجد الرواية في السيرة: (فأمر غلامه أن يعفو آثار أسماءبنت أبي بكر).
ثلاثة أمور في اسم الله العفو: يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهوسبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفواًدون سؤال منهم. لعلك بهذا فهمت المراد باسم الله العفو، والمراد من هذا البرنامج أنتفهم، وتعيش، وتحب.. أن ننتقل من الكلام إلى الوجدان، من منزلة اللسان إلى منزلةالإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه).

الفرق بين العفو والغفار:
لكي تشعرباسم العفو حقاً، اعرف الفرق بينه وبين الغفار، أسماء الله كلها حُسنى، لكن العفوأبلغ من المغفرة.. كيف ؟ هناك من يتعامل معه الله تبارك وتعالى بالمغفرة، وهناك منيتعامل معه الله بمنزلة أعظم.. بالعفو، فأنت ماذا تستحق؟ أما هو فغفور وعفو.. المغفرة أنك إذا فعلت ذنباً فالله يسترك في الدنيا، ويسترك في الآخرة، ولا يعاقبكعلى هذا الذنب، لكن الذنب موجود! أما العفو فالذنب غير موجود أصلاً، كأنك لم ترتكبالخطأ، لأنه أزيل ولم تعد آثاره موجودة، لذلك فهو أبلغ.. فقد تكون عملت صغائر، ولمتتقرب من ربنا أو لم تدرك ليلة القدر أو... فتأتي يوم القيامة فتجد الغفور، وقدتكون عملت كبيرة، فتبت وعدت وأدركت ليلة القدر وعبدت الله فيها... فتجد يوم القيامةالعفو. والعفو لا يذكرك بسيئاتك لأنه محا، أما الغفور فقد يذكرك بسيئاتك ثم لايعاقبك، والغفور قد يغفر لك ولا يرضى عنك، أما العفو فراضٍ بالتأكيد.

تأملواهذا المثال: سيدنا يوسف عليه السلام عندما التقى بإخوته وندموا على ما فعلوا فيحقه، قال لهم: " قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ – ثم انظر لبقية الآية - يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ...." (يوسف:92) فهل سيدنا يوسف هنا غفر أم عفا ؟ بل غفر، لاتثريب: أي لا عقوبة، ولكن هل عفا ؟ ثم بعد ذلك بعدة آيات قال: "...وَقَدْ أَحْسَنَبَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ..." (يوسف:100) فلم يقل: إذ أخرجني من البئر، لأنها مُسِحَت وانتهى الأمر، فهنا قد عفا وزالتالآثار.

مثال للفرق بين العفو والغفور يوم القيامة: حديث: ( يأتي العبد يومالقيامة، فيقول له الله تبارك وتعالى: ادنُ عبدي، فيقترب العبد، فيرخي الله تباركوتعالى عليه ستره، فيقول له الله: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ - لاحظوا أنالذنوب موجودة في الصحيفة - فيقول: نعم يا رب، فيظن العبد أنه هالك، فيقول له الله: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أغفرها لك اليوم) هذه مغفرة، لكن العفُوّ ماذا يقوللك يوم القيامة؟ ( يا فلان، إني راضٍ عنك لما فعلت في الدنيا، قد رضيت عنك وعفوتعنك، اذهب فادخل جنتي) أرأيت الفرق بين هذه وتلك؟ فأي منزلة تريد أنت؟ والعفُوّتلقاه يوم القيامة فيقول لك: ( تمنَّ يا عبدي واشتهي، فإني قد عفوت عنك، فلن تتمنىاليوم شيئاً إلا أعطيتك إياه).

كيف يمحو ويعفو؟ ينسيك الذنب، وينسيهللملائكة وملَك الشمال، ويُمحَى من صحيفة السيئات، وتأتي يوم القيامة لا يذكّرك بهولا يسألك عنه.. أنت لم تخطئ.. " وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ " (ق:21)، فحتى الملَك لا يذكر هذا الذنب، وإن كان كبيراً وفاضحاً.. مادام اللهعفاه عنك بليلة القدر فالكل سينساه " اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَعَلَيْكَ حَسِيباً " (الإسراء:14) فتجد ذنوباً موجودة في كتابك وقد غُفرت، لكن هذاالذنب غير موجود لأنه عُفي. أرأيت إن عفا كل ما مضى؟! كانت صفحة بيضاء وكأن صاحبهانقيّ منذ وُلِد إلى أن مات. " الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْوَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (يس:65) يشهدون على ذنب قبله وذنب بعده، ولا ينطقون بهذا الذنب لأنه عُفي عنه، قدتذكره في الدنيا ويؤرقك لسنوات، لكن في رمضان سنة 2006 عُفي عنك! فحين نموت تفنىأجسادنا ورؤوسنا وتفنى معها الذاكرة، ثم نقوم يوم القيامة بذاكرة جديدة نقية محيمنها ما قد عفي عنه فلا يذكره أحد (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفعني).

الفُضيل بن عياض أحد التابعين، يوم عرفة وهو يوم عفو مثل ليلة القدر،وقف يدعو: يا رب اعفُ عني اعفُ عني، فلما غربت الشمس بكى، والأصل أن يُحسن الظنبالله ويستبشر، فسألوه: ألست من تُعلمنا حُسن الظن بالله؟ فقال: ( لست أبكي لذلكولكن وا خجلاه! وا حيائي منه وإن عفا!) وهذه العشر الأواخر وفيها ليلة القدر، لعلأحد الشباب كان قد تناول المخدرات، أو غش أو أخذ مالاً ليس له، أو أغضب أمهوأبكاها، ثم تاب في هذه الليلة وعفا الله عنه، سيمحوها وسينسيه إياها، وحتى أمهالتي أبكاها ستنسى ذلك.. هل الإحساس بالعفو بدأ يدخل إلى قلبك ؟عفت الريحالآثار: تأمل هذا المثال ولكن تذكر صحيفة ذنوبك أثناء ذلك. العرب في الصحراء يحفرونالخنادق حول خيامهم لينزل فيها ماء المطر، فإذا رحلوا أخذوا الخيام وتركوا الحفرفترى الأرض مليئة بالخنادق، لكن انظر إليها بعد عام، تراها عادت صحراء كما كانت،كيف؟ تمر الرياح فتعفو حتى الخنادق العميقة وليس فقط آثار الأقدام.. أريدك أن تذكرذنوبك الكبيرة مع هذا المثال، وتذكر العفو سبحانه وتعالى، إن الذي ضرب لك مثلاً منالكون كيف أن الرياح تعفو آثار الخنادق العميقة، قادر أن يعفو، فهو سبحانه وتعالىالذي يحرك الرياح فتعفو تلك الآثار، فأنت أعظم عنده من الرياح والخنادق.

بعدالمحو.. الرضا: معنى جميل جداً للعفو، فالعفُو يرضى عنك بعد المحو، فليلة القدرالعفو يمحو الذنب، ثم إنه لا يؤنبك عليه، وفي الدنيا قد يسامحك أحدهم ويظل يذكركبخطئك من آن لأخر، لكن العفو لا يذكرك بذنبك لأنه محي أصلاً وأمره انتهى، ثم يرضىعنك، فأي كرم أكثر من هذا وأي رحمة؟! أفلا تذهب بهذا الاسم وتدعو به طوال الليل؟اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

تخلية وتحلية : العفو يشمل هذينالمعنيين، فالعفو يخليك من الذنوب، ثم يحليك بالرضا والعطاء. تطهير ثم تعطير،تماماً كما لو أنك أخذت كوباً ملوثاً فنظفته جيداً، ثم ملأته عسلاً. لِمَ كل هذا ؟لأنه يحبك، يتودد إليك، يريد أن يرحمك فأنت أغلى الخلق على الأرض "... إِنِّيجَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..." (البقرة:30) خلق الجنة من أجلك، يقول لك: ألاتستحي مني؟! أستحي أن أعذبك ولا تستحي أن تعصاني؟ أعفو عنك ولا تأتيني؟ماذا لو عفا عنك؟ لو عفا عنك فلا بد أن يعطيك هذه الثلاثة: يمحو آثارالذنوب، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاء حلالاً يسعدك ويرضيك دون أن تسأل، وبالتاليفالليلة ليلة هذه الثلاثة، فاجتهدوا. يقول سفيان الثوري: أحب في ليلة القدر الدعاءبما أمر به النبي أكثر من أي شيء آخر، أكثِر فيه من: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفعني. سليمان الدارني أحد التابعين يقول: لئن سألني يوم القيامة عن ذنوبي لأسألنه عنعفوه، لأني لا أجد لي مخرَجاً إلا أن أسأله عن عفوه.

العلاقة بين العفووليلة القدر: ولكي نعلم هذا، لابد أولاً أن نفهم العلاقة بين العفووالتواب.
العلاقة بين العفو والتواب: أنت قد تذنب، ثم تتوب وتقول: يا رب، لنأعيدها ثانية، ثم تعود فتذنب نفس الذنب، فتتوب وتقول: يا رب لن أعيدها، ثم تذنبوتتوب الثالثة والرابعة..... وبعدها تصعب عليك التوبة، لماذا؟ فقدت الثقة بنفسك،وتخجل أن تقولها مجدداً فلا تلتزم بها، فتصبح هناك فجوة بينك وبين الله، وتصعب عليكالعودة، يصبح هناك حاجزاً ولا تعود تفكر في التوبة، لكن الله يحبك ويريدك أن ترجع،فكيف يزول هذا الحاجز لتتوب من جديد؟ يزول بأمر غير عادي، غير تقليدي، شيء ضخم،هدية كبيرة يتودد بها الله إليك ليكسر هذا الحاجز، هذه الهدية اسمها ليلة القدر،فهي ليلة عفو تمحو كل ما سبقها، فما عليك إلا أن تُقدِم وتُقبِل عليه في هذه الليلةلتبدأ من جديد، حتى وإن لم تكن قد تبت، تدخل عليه بعبادتك، فيقودك العفوّ للتواب،ثم في منتصف الليلة ستخجل وأنت في عبادتك وتقرر التوبة، لأن الجدار بينك وبينالتوبة قد زال، فتكون هذه الليلة بداية جديدة لك مع التوبة.
لاحظوا أن اسم اللهالعفو لا يأتي في القرآن إلا مع الذنوب الكبيرة الرهيبة، كـ بنو إسرائيل لما عبدواالعجل، " وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُالْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ " (البقرة:51) هذه لا تكفيها توبةعادية، ولذلك قال بعدها: " ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْتَشْكُرُونَ " (البقرة:52)، وكذلك الذين تولوا عن رسول الله في معركة أحد " إِنَّالَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَااسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُعَنْهُمْ..." (آل عمران:155)، فلو صار الحاجز كبيراً فأنت بحاجة لاسم الله العفو.. انظروا لهذه الآية ما أجملها! " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْأَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ " (الشورى:30) انظروا لقوله: يعفو عن كثير! فلوحاسب الله الناس بما كسبت أيديهم لما بقوا في الدنيا يوماً واحداً، ولكنه سبحانهيعفو عن كثير، لأن الكثير بحاجة إلى عفو، فيقود إلى توبة.

وهناك علاقة أخرىبين العفو وليلة القدر، فقد سميت ليلة القدر لأن بها تقدّر أرزاق العباد للعامالقادم، فما أجمل أن تكون ليلة تقدير وضعك للعام التالي هي ليلة عفو لتبدأ العامالجديد وأنت نقي.

إصلاح الأرض بحاجة إلى إنسان متجدد: فالأمر ليس فقط حبالله لنا ، فالغاية من وجودنا تعمير الأرض وإصلاحها. الإنسان الذي يعيش داخل ذنبهإنسان متعب ضعيف كئيب غير قادر على تجديد نشاطه، ولا على الإنتاج والنجاح والعمل،فتأتي ليلة القدر كل سنة لتجدد الأمة كلها نشاطها وهمتها وطاقتها، لتبدأ من جديدأمة محمد صلى الله عليه وسلم مع اسم الله العفو لتكون سنة خير على الأمة، فنقول: فاعف عنا جميعاً، ليعم الخير العام القادم على الأمة كلها.


نصوص.. فياسم الله العفو:
تأمل الآيات والأحاديث التي تتحدث عن اسم الله العفو، وتأملحركة الكون: ( ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه، يقول: يا رب ائذن لي أن أهلك ابنآدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول الأرض: يا رب ائذن لي أن أبتلع ابن آدم فإنهأكل رزقك وعبد غيرك، وتقول السماوات: يا رب ائذن لي أن أطبق على ابن آدم فإنه أكلرزقك وعبد غيرك، فيقول لهم الله: دعوهم، لو خلقتموهم لرحمتموهم).

يقولون فيالأثر أن العبد العاصي إذا جاء إلى الله تبارك وتعالى في ليلة القدر، وهو شديدالعصيان، يناديه: يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، ( فيقول الله تباركوتعالى للملائكة: لا تحجبوا صوت عبدي عني، فيقولون: يا رب إنه لا يستحق عفوك لقدفعل وفعل وفعل، فيقول الله: ولكني أهل التقوى وأهل المغفرة، أشهدكم أني قد عفوت عنعبدي).
وفي الحديث القدسي: ( ابن آدم، خلقتك بيديّ وربيتك برحمتي وأنت تخالفنيوتعصاني، فإن عدتَ إليّ قبِلتك، فمن أين تجد لك رباً مثلي وأنا الغفور الرحيم؟! ابنآدم خلقتك من العدم إلى الوجود وأوجدت لك السمع والبصر والقلب والفؤاد، أذكرك وأنتتنساني، أستحي منك ولا تستحي مني، من ذا الذي يقرع بابي فلا أفتح له؟ ومن ذا الذييسألني فلا أعطيه؟ أبخيل أنا فيبخل عليّ عبدي؟).

(
جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول الله، إني شديد الذنوب، أرأيتَ إن تبتُ إلى الله الليلة يعفو عني؟ فقال لهالنبي: نعم، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك،فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فمضى الرجلوهو يقول: الله أكبر! الذي يعفو عن الغدرات والفجرات). يا إخوتي يجب أن نتوب، فهوقد جعل لنا هذه الليلة لنتوب، " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُالرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ " (الحجر:49،50)
جاءأعرابي إلى النبي فقال: (يا رسول الله، من سيحاسب الناس يوم القيامة؟ فقال النبي: الله، فقال: بنفسه؟ فقال النبي: بنفسه، فقال الأعرابي: الله أكبر! وابتسم، فقالالنبي: لِمَ يبتسم الأعرابي؟ قال: يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسبسامح، فابتسم النبي وقال: فَقِهَ الأعرابي – أي فهم - ألا لا كريم أكرم من الله عزوجل).

ومن عجيب عفوه يوم القيامة، أطفال المسلمين الذين ماتوا، ( فيأتون يومالقيامة فيقول لهم الله: اذهبوا فادخلوا الجنة، فيقولون: لا يا رب لا ندخل حتى يدخلمعنا آباؤنا وأمهاتنا، فيقول الله للأطفال: قد عفوت عن آبائكم وأمهاتكم، خذوا بيديآبائكم وأمهاتكم فادخلوا الجنة).
وعفو خاص لأمة مُحمّد. يقول النبي صلى اللهعليه وسلم: ( عرضت عليّ الأمم يوم القيامة، فرأيت النبي يأتي وليس معه أحد، ورأيتالنبي يأتي ومعه الرجلين، ورأيت النبي يأتي ومعه الرهط، ثم رفع لي فرأيت سواداًعظيماً، فقلت: أمتي أمتي، فقيل لي: لا، هؤلاء موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفقالآخر، فنظرت فإذا سواد يسد الأفق، فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً عفاالله عنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا سؤال، فاستزدتُ ربي، فزادني مع كل ألف سبعينألف).

ثم عفو عجيب لأُناس بعدما استحقوا النار، ترى هل يكون بيننا أحدهؤلاء؟ ليتهم أدركوا ليلة القدر! رغم كل هذه المبشرات إلا أن هناك من سيدخل النار،فهل أولئك ليس لهم عفو؟ بلى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ينادي الله تباركوتعالى يوم القيامة بعد أن دخل أهل الجنة الجنة، لكن بقي من أمتي أناس في جهنم،فينادي الله تبارك وتعالى: يا محمد، اذهب فأخرج من النار من كان في قلبه من أمتكذرة من إيمان، فأخرج أناس، لكن يبقى أناس في النار، فأسجد تحت العرش، وأناجي اللهفي أمتي الذين مازالوا في جهنم، أقول: يا رب، أمتي أمتي.. فيقول الله تبارك وتعالى: اذهب يا محمد فأخرج من النار، ويحدّ لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثمأعود فأسجد تحت العرش، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم منالنار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأسجد تحت العرش، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم منالنار فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهمالجنة، لكن يبقى من أمتي ما زال في النار، فأستحي من ربي، فينادي الله تباركوتعالى: شفع الأنبياء، شفع المرسلون، شفعت الملائكة، شفع المؤمنون، شفع حبيبيمُحمّد، أفلا أعفو أنا ؟! فيخرج الله تبارك وتعالى من بقي من أهل لا إله إلا الله،فيخرجهم من النار وقد تفحموا من النار، فيضعهم في نهر يسمى نهر الحياة، فكأنماينبتون نباتاً، مكتوب على جبائنهم: هؤلاء عتقاء الله من النار، فيقول لهم: اذهبوافادخلوا الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون - الخارجون من جهنم - فيقول لهمالله: لا، هؤلاء عتقاء الجبار من النار هؤلاء عتقاء الرحمن من النار).
اللهم إنكعفو تحب العفو فاعف عنا.. هل أنت مستعد لليلة القدر؟ هل ستذهب بكل كيانك؟ هل عرفتقيمة هذا الدعاء البسيط؟ هذا الاسم العظيم الجليل من أسماء الله الحسنى، الاسم الذييجعلك تتساقط خجلاً. عيشوا مع هذا الاسم هذه الليالي وأبلغوه للناس.

كيفنحيا بهذا الاسم:
كلمة واحدة.. اعف عن الناس كي يعفو الله عنك. اجعلوها ليلةعفو، لأن هذه الليلة أغلى من الدنيا بما فيها، وقل له: يا رب اشهد، فأنت الكريمالعظيم العفو، أنا المخلوق الضعيف عفوت عن الناس يا رب، فاعف عن هذا المسكين الذيعفا.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رجلان من أمتي جثيا تحت العرش يومالقيامة، فقال المظلوم: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، فيقول الله لمن ظلم: أعطِ أخاكمظلمته، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: أعطه من حسناتك، فيقول: يا رب فنيَت حسناتي! فيقول الله للمظلوم: فنيت حسناته، فيقول: يا رب فخُذ من سيئاتي فاطرحها عليه، فيقولالله للمظلوم: هل لك في خير من ذلك؟ فيقول: وما خير من ذلك يا رب؟ فيقول له الله: انظر إلى ذلك القصر، فينظر فإذا قصر في الجنة لم ير مثله، فيقول يا رب لمن هذاالقصر؟! لأي نبي هذا؟ لأي شهيد هذا؟ فيقول له الله: لمن يملك الثمن! فيقول: يا ربومن يملك هذا الثمن؟ فيقول له الله: أنت تملكه، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: بعفوك عنأخيك، فيقول: عفوت يا رب عفوت يا رب، فيقول العفو: خذ بيد أخيك فادخلا الجنةسوياً).. أهذا هو إلهنا؟! خالقنا؟ أيحب العفو بين العباد هكذا؟ أهذا ما يأمرنا به؟هل عندك استعداد للعفو؟ هل يمكنك أن تعفو لو تكلم أحدهم في عرض ابنتك؟أبو بكرالصديق يوم حادثة الإفك، بعدما برّأ الله السيدة عائشة، أقسم أن يقطع نفقة كانيجريها على مُسطح بن أثاثة، فأنزل الله تبارك وتعالى: " وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواالْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَوَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَاتُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ..." (النور:22)، فقال أبو بكر: بلى، أحب أنيغفر الله لي، والله لا أقطع عنه المال ما حييت، وأعاد له النفقة.
يا إخواني،لو تقطعت العائلة واختلف الإخوة، فهذه ليلة عفو، لو ظلمكَ شريكك، لو ظلمكِ زوجك،فهذه ليلة عفو، بالله عليكم لا تبيتوا الليلة إلا وقد عفوتم عن الناس. سيدنا عمر بنالخطاب وقف بين الناس في ليلة القدر، فقال: أيها الناس، كل الناس الليلة مني فيحِلّ، ثم التفت وقال: قد عفوت يا رب، فاعف عني.
نخرج من هذه الحلقة بثلاثة أمور: العفو يمحو آثار الذنوب كأن لم تكن وينسيك إياها والملائكة يوم القيامة، ثم يرضىعنك، ثم يعطيك عطاءً حلالاً طيباً يوم عفا عنك.

دعاء ليلة القدر: ولنحرص أنلا تفتر عنه ألسنتنا.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.. اعف عن الناس بالنهار،يعفُ العفو عنك بالليل.



منقول من منتدى عمرو خالد
بايعتهالربي
بايعتهالربي
جزاك الله كل خير انا مبقدرش اتابع البرنامج فساعدتينى كثيرا
جزاك الله كل خير انا مبقدرش اتابع البرنامج فساعدتينى كثيرا
الحلقة 27 - كيف نثبت بعد رمضان

ابن رجب أحد علماء المسلمين في القرون الأولى للإسلام .. كتب شعر في آخر ليلة من ليالي رمضان يقول فيه
:
ياشهر رمضان ترفق، دموعالمحبين تدقق،
قلوبهم من ألم الفراق تشقق،
عسى وقفة للوداع تطفىء من نار الشوق ماأحرق،
عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام كل ما تخرق،
عسى أسير الأوزار يطلق،
عسىمن استوجب النار يعتق،
عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق

آآآآآآآآه مضى رمضان.. لكن...ماذا بعد رمضان ؟؟؟
هيا بنا لنتفق علي بعض الوصايا التي تعيننا على الثبات بعد رمضان ..

الوصية الأولى :
أحذر شيطانك :
أنك منذ شهر في عبادة طويلة مع الله ،
بعدإنتهاء رمضان وفي أول يوم العيد سيحدث لك نوع من التراخى لكن في اللحظة التي يحدثفيها هذا التراخي، بيكون الشيطان بيفك أسره ،
الشيطان يرغب أن يوقعك ليس في ذنبوإنما يوقعك في معصية كبيرة ...
ليه ؟.؟؟ليجعلك تيأس،
ليقول لك بعد كل ما فعلتفي رمضان من عبادة وصوم أنا قدرت أن أوقعك في المعصية من أول يوم ...
عارفين يومالعيد ماذا يحدث في الشوارع!!
ما يحدث في الشوارع يوم العيد بيكون من سعرة الشيطان ...
لان الشيطان حريص علي رسالته وهي أنه يوقعك في المعصية ويدخلك جهنم..


هوعايز من أول يوم عيد يوقعك في كارثة مثل علاقات محرمة ،
أو خناقة زوجية شديدة بينالزوج وزوجته أو خناقة مع أبوك وأمك ..
المهم أنه لابد من حدوث مشكلة كبيرة ..
هوعايز يضيع لك ما تفعله قرابة الشهر من عبادة وتذلل لله في رمضان ..
لكي يجعلك تيأسمن نفسك .

ولذلك تقول الآية " وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ " سورة سبأ
ولكن لن يصدق ظن إبليس علينا جميعا لأن تكملةالآية تقول
"وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّافَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "فياترى أنت من أي فريق ؟؟
هل أنت من فريقالمؤمنين؟
واللا من الذي صدق عليهم إبليس ظنه ؟
يقول الله تبارك وتعالى:
" وَلَاتَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا " سورةالنحل
لا تضيعوا الغزل الجميل الذي تم غزله في رمضان ..
لذلك فأنا أول وصيةأوصيك بها أن تمسك زمام نفسك في أول أسبوع ..
إياك والمعاصي في أول أسبوع ..
خاصةالمعاصي الكبيرة مثل الخناقات وعقوق الوالدين والعلاقات المحرمة ..

أرجوكم اثبتوا أولأسبوعالوصية الثانية :
إياك والهبوط من الهمة العالية ...


أنعم الله علينابعبادة طويلة في رمضان
أتذكر صلاة القيام و قراءة القرآن ،
أتذكر التهجد والدعاءالذي كنت تدعو به،
ليس من المعقول أن نترك كل هذا بعد رمضان !!!
وفي نفس الوقت منالمستحيل أن نرجع للعبادة التي كنا فيها أيام رمضان......
ولكن من الممكن أن نحافظ علىالحد الأدنى الذي نبدأ به من يوم انتهاء رمضان ونحافظ عليه أول أسبوعين بعد رمضان ...
ماذا سنفعل ؟؟؟
1- أبدا ختمة جديدة في القرآن :
ولو صفحة واحدة في اليوم..
2- الدعاء يوميا ولو دقيقتان بعد صلاة العشاء.
3- ذكر الله يوميا ..أذكارالصباح والمساء
4- الصلوات الخمسة في جماعة..
5- وجود الصحبة الصالحةسئل الأمام أحمد بن حنبل "متى يجد العبدطعم الراحة؟؟"
فرد الأمام أحمد بن حنبل وقال "عندما يضع العبد أول قدم له فيالجنة وقبل ذلك فلا راحة"


الراحة والسعادة والفرحة في الجنة وانما الدنيا هي دارالعمل..

الوصية الثالثة :

سؤال تسأله معظم الناس وهو هل قبل الله منا رمضان وأعتقنا؟؟؟
هل يملك أحد الإجابة عن هذا السؤال؟؟؟
هل يقدر أحد يقول إحنا أعتقنا هذه العام أوأحنا قبلنا هذا العام ؟
يقول سيدنا علي بن أبي طالب :
كان أصحاب رسول اللهيعملون العمل بهمة فإذا أنتهي العمل أصابهم الهم ..يسألون أقبل منا أم لا؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْوَجِلَةٌ ))
أنا لدي طريقة تطمئن بها إذا كان رمضان قبل منك أم لا؟؟
يقول اللهتبارك وتعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَاكُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تتقون " سورة البقرة
أنتكون بعد رمضان الأصل فيك الخير والصلاح ..
قم بقياس أدائك أول أسبوع بعد رمضان ...
لو وقعت منك العبادات وفعلت المعاصي خاف على نفسك .......
لو وجدت أن أدائك وسلوككأرتفع وتغير للأفضل بعد رمضان فأفرح فبإذن الله قبل منك رمضان ..
أي تحسن ليك بعدرمضان فهو من دلائل القبول.


المعنى الأخير ..
لقد أكرمنا الله تباركوتعالى بعبادته في رمضان من قرآن ودعاء وصلاة قيام وصلاة تهجد ..
ولذلك فأن شكر هذهالنعم التي أنعم الله بها علينا في رمضان تكون بعد رمضان ..
رمضان هو نقطة بدايةوليس نقطة نهاية ..
أن هدفى أن مخزون العبادات والطاعة التي قمنا بها في رمضان نظلمحتفظين بها أكبر فترة ممكنة بعد رمضان ..
منقول من منتدى عمرو خالد.....
جزاه الله عنا كل خير..