
حين ولدت زوجته مولوده الأول تمنى قبل أن تلد أن
يكون ذكرا ، ولكنه قبل بتلك البنت
على مضض ومنى نفسه أن يكون مولوده الثاني ذكرا،
ولكن سرعان ما مضت الأيام وإذا بمشهد الأمس
يتكرر اليوم فهو بانتظار أن يأتي أحد ويخبره مبشرا بأن
زوجته قد جاءت بولد ذكر ، وكان خبر المولودة الأنثى
قد جعل وجهه يسود وهو كظيم ،
وبعدها بدأت الزوجة تشعر أن مجيء
البنت الثانية صب الزيت على النار وزادت
الأمور سوءا بينها وبين زوجها، وبينها وبين أهله ،
وبدأت التلميحات تتحول إلى تصريحات ومفادها
إن جئت ببنت ثالثة سأتزوج.تواترت الخلافات وزادت حدتها،
وحملت وكانت الطامة تلك البنت الثالثة التي سبقت
ولادتها تهديدات جديدة من الأب بأنه سيضعها عند
حاوية القمامة إن كانت بنتا !
وفعلا بر بوعده وحملها في ليلة ظلماء
خارج المنزل ووضعها عند حاوية القمامة
وأمها لا تزال لا تقوى على الحركة وعاد
وشرر الغضب يتطاير من عينيه.
عاد ليبحث عن مكان هادئ في منزله يؤويه
وغفت عينه وبقيت عيون الأم مفتحة وقلبها يكاد يخرج
من مكانه كلما سمعت عواء الكلاب الذي يصاحبه
بكاء طفلتها الملقاة بجوار الحاوية ،
تماسكت وتحاملت على نفسها وخرجت
من دارها بعد أن اطمأنت أنه قد نام، وهرولت
إليها والتقطتها لتضمها إلى صدرها وأغرقتها
بدموعها وعادت بها إلى فراشها.
في اليوم التالي سمعت ما كانت تتوقعه منه :
اسمعي يا بنت الناس أنا أريد ولدا وأنت لم
تستطيعي أن تأتيني به انتبهي لقد حذرتك
مرارا دون جدوى أنا سأتزوج.
وفعلا تزوج وبعد أشهر قليلة حملت زوجته الجديدة
وجاءه الولد الذكر ، وبعد أشهر قليلة توفيت ابنته الكبرى
.ثم حملت الزوجة الجديدة مرة ثانية وولدت وجاءه الولد الثاني
وتوفيت ابنته الوسطى بعد ولادة أخيها
.ثم حملت مرة ثالثة وولدت ما أكمل عدد
الأولاد إلى ثلاثة وبقيت فقط من زوجته الأولى
تلك البنت (بنت الحاوية) .
كبر الأولاد الثلاثة وصاروا شبابا وكبرت بنت الحاوية
وأذاق الأولاد أباهم كل صنوف العقوق التي عرفها
الناس وتلك التي لم يعرفوها وبقي له من دنياه
بعد وفاة زوجته الأولى تلك الفتاة التي حملتها
يداه يوما لتضعها بجوار حاوية القمامة والتي أنقذتها
يدا أمها رحمها الله من بين أنياب الكلاب الجائعة.
وكبر الرجل وضعف وعقه أولاده ورموه
ولكن ليس
عند حاوية القمامة ….
وحملته تلك الأيدي الضعيفة لبنت الحاوية
وأتت به إلى دارها ترعاه بعد أن تخلت عنه أيدي
من ظن يوما أنهم سيرعونه….
تمت

قصة المعلمه بقلم الدكتور ميسره طاهر
قالت بعد أن حيتهم: إنني أحبكم جميعا. إلا أنها كانت قد
استثنت واحدا من حبها وكان يجلس في الصف الأمامي ويدعى
تيدي ستودارد،
الذي راقبته طيلة العام الماض يووجدته
معتزلا الأطفال ورائحته كريهة وملابسه وسخة بصفة دائمة
،ولم تكن تظهر عليه علامات البهجة إطلاقا، ولطالما شعرت
بالسعادة وهي تصحح أوراقه بقلم أحمر عريض الخط، وتضع عليها علامة ×
،وتكتب كلمة ( راسب ) في أعلى كل ورقة،
ويوم قرأت سجله الدراسي
يوجدت أن معلم الصف الأول قال عنه: «إن تيدي طفل ذكي ويتمتع بروح مرحة،
وهو يؤدي عمله بعناية واهتمام، وبطريقة منظمة، كما أنه يتمتع بدماثة الأخلاق»،
ومعلم الصف الثاني قال عنه:«تيدي تلميذ نجيب، ويحبه زملاؤه، ولكنه
منزعج وقلق بسبب إصابة والدته بمرض خطير، مما جعل
الحياة في منزله يسودها التعب والمشقة والمعاناة».
أما معلم الصف الثالث فقد كتب عنه:
«لقد كان لوفاة أمه وقع صعب عليه، فقد حاول الاجتهاد،
وبذل أقصى ما يملك من جهد، ولكن والده لم يكن مهتما، وأخشى أن تؤثر
هذه الحياة عليه إن لم تتخذ بعضالإجراءات للتخفيف عنه،
في حين أن معلم الصف الرابع قال: إن تيدي تلميذ منطو على نفسه،
ولا يبدي الكثير من الرغبة في الدراسة، وليس لديه الكثير من الأصدقاء،
وفي بعض الأحيان ينام أثناءالدرس».
في هذه اللحظة أدركت السيدة تومسون حقيقة مشكلة هذا الطفل،
فخجلت من نفسها واستحيت
على ما كان قد صدر منها،
وحين أحضر لها تلاميذها هدايا عيد الميلاد
ملفوفة بأشرطة جميلة وورق لامع تأزم وضعها لأن هدية تيدي كانت ملفوفة
بشكل رديء وغير منتظم وبورق داكن أخذه
من كيس ورقي من أكياس البقالات، وكانت تشعر
بألم شديد وهي تفتح هديته، وما لبث أن انفجر
بعض التلاميذ بالضحك عندما وجدت داخلها عقدا مؤلفا
من ماسات مزيفة ناقصة، وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع، وتوقف
من كان يضحك من التلاميذ حين عبرت المعلمة عن إعجابها الشديد بجمال
ذلك العقد، ثم لبسته في عنقها ووضعت قطرات من العطر على معصمها،
ويومها رابط تيدي أمام مكتبها ليقول لها حين رآها:
«إن رائحتك اليوم مثل
رائحة أمي».
وبقيت المعلمة لأكثر من ساعة وهي تبكي بعد مغادرة التلاميذ،
لأن تيدي أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها،
ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة،
ومنذ ذلك الوقت تحولت المعلمة إلى معلمة صف تدرسهم جميع المواد،
وأعطته من اهتمامها الكثير، ولاحظت أن عقله بدأ يستعيد نشاطه، وصارت
استجابته أسرع كلما شجعته، وفي نهاية ذلك العام أصبح تيدي من أكثر
الطلاب تميزا في فصله، وأبرزهم ذكاء، وصار التلميذ المدلل عندها،
وفوجئت المعلمة بعد عام بوجود ورقة بتوقيعه يقول فيها:
«أنت أفضل
معلمة قابلتها في حياتي»،
مضت بعد ذلك سنوات ست، دون أن تتلقى منه
أي خطاب، ثم كتب لها يقول:
«لقد أكملت المرحلة الثانوية وحصلت على
المرتبة الثالثة بين طلاب فصلي ولا زلت أفضل معلمة قابلتها في حياتي»
، وبعد أربع سنوات تخرج من الجامعة وكتب لها يقول إنها لا تزال أفضل وأحب
معلمة قابلها في حياته، وبكت حين رأت أن اسمه صار أطول قليلا،
دكتورثيودور ستودارد،
وفي ربيع العام نفسه وصلها خطاب يقول فيه إنه قرر
الزواج، وأن والده قد توفي قبل عامين وتمنى أن تكون معه لتجلس
مكان والدته في حفل زواجه، فوافقت دون تردد، وحين حضرت الزفاف كانت
تلبس العقد الذي أهداه لها وتعطرت بالعطر نفسه الذي أهداه لها، وحين التقيا همس
في أذنها:أشكرك على ثقتك بي، وأنك أشعرتني بأهميتي، وأنني يمكن أن
أكون مبرزا ومتميزا،
فرد تودموعها على خديها المتكرمشين: «بل أنا من يشكرك
لأنك علمتني كيف أكون إنسانة ومعلمة متميزة، فقبلك لم أعرف كيف أعلم حتى
قابلتك».
ستودارد له جناح باسم: مركز ستودارد لعلاج السرطان
في مستشفى
ميثوددست في ديس مونتيس بولاية أيوا،
وهو من أفضل مراكز العلاجالأمريكية..
هذه واحدة من قصص كثيرة في حياة البشر، تبدوفيها فداحة
الانخداع بالمظهر عن الجوهر، وبالشكل عن المضمون
،وبفداحة احتقار أي إنسان وكذلك فداحة التسرع في الحكم بخاصة
حين يتعلق الأمر بالنفس البشرية المفعمة بالمشاعر والأحاسيس والأفكار.
تمت