عروس الشام
عروس الشام
في تلك الليلة أتى زوجي متأخراً من عمله يبدو عليه الشحوب الشديد. عيناه غائرتان و لون شفتيه أزرق. خفت عليه فهو يعاني من الضغط المرتفع منذ مدة و لكنه قال بصوت منهك "لا تخافي فالبرد في الخارج قارص و المطر لم يتوقف طوال اليوم, و هذا على الأغلب سبب شحوبي" لم أستطع أن أفاتحه بموضوع العريس و آثرت أن أتركه ليرتاح و لنا في الصباح حديث آخر. لا أعرف لماذا جافاني النوم في تلك الليلة.. كانت الأفكار تموج في رأسي و تتقاذفني ذات اليمين و ذات الشمال. فتارةً أتذكر طفولتي بين أهلي و أحن لرائحة الفول في الصباح الذي كنا نجتمع حوله و ننقض عليه بسرعة لينتهي الطبق في دقائق وسط ضحكات أمي و أبي علينا. و تارةً أتذكر كيف قام أخي بأخذ ورثي من أبي ليستثمره بما أنني بعيدة عنهم كضمان للمستقبل إن فكرت بالرجوع يوماً. و لكنه للأسف خسره كله في مشروع فاشل و أقنعني بأن السوق كان يعاني من الانحدار. و بعد عدة شهور سمعت بأنه أنشأ شركة كبيرة و اشترى بيتاً في منطقة راقية بالوطن. أبى قلبي أن يصدق عقلي و نفيت تهمة الغش و التلاعب عن أخي بيني و بين نفسي, بل و نهرت عقلي على سوء الظن فهذا أخي الذي لعبنا سويةً و ضحكنا سويةً و بكينا سويةً, لا يمكن أن يغشني. لامتني أخواتي كثيراً على حسن ظني بأخي و لكنني لم أستطع أن أصدق بأن السنين التي غبتها عنه قد تغيره و تجعل منه إنساناً آخر لا يشبه أخي الذي أعرفه أبداً.. بينما أنا غارقة في أفكاري و ذكرياتي سمعت صوت زوجي من غرفتنا و كأنه يسعل. فأحضرت كأس ماء و حبة اسبرين ظناً مني بأنه تعرض للبرد بسبب مشيه تحت الأمطار في ذاك النهار. و لكنني صعقت عندما رأيت لون وجهه الأزرق و يده على عنقه و يبدو و كأنه عاجز عن التنفس. تسمرت في مكاني للحظة و لم أعرف ماذا أفعل و لمن ألجأ.. برغم كل علاقاتي و صديقاتي لم أعرف لمن ألجأ فالوقت متأخر و لا يلبيني في هذه اللحظة إلا أعز الأقرباء. أمسكت الهاتف لاتصل بالاسعاف و لكن خطر لي بأنني سأصل أسرع إلى المستشفى إن أخذته بنفسي خصوصاً و أن حركة المرور خفيفة جداً في الليل. لا أعرف ماذا لبست و لا كيف أتتني القوة لأحمل زوجي على ظهري و أخرج إلى السيارة. قوة رهيبة سرت في أوصالي بينما كان تفكيري محصوراً في متابعة الحديث مع زوجي حتى لا يغيب عن الوعي. وصلت إلى المستشفى و ركضت إلى الداخل أنادي أي أحد ليساعدني في انزال زوجي من السيارة. عندما رأى المسعف وجه زوجي عاجلني بالضربة القاضية " إنها أزمة قلبية يا مدام" تخدرت كل حواسي و توقف عقلي عن العمل حال سماعي لتلك الكلمة. شعرت و كأن عقلي انفصل عن جسدي و أصبح يراقب الموقف من بعيد و كأنني في هذه اللحظة لست أنا. كالحلم تماماً مرت تلك اللحظات بين أجهزة الإنعاش و ازدحام المكان بالأطباء و الممرضات. لم أعرف هل أبكي على تعرض زوجي للأزمة أم هل ابتسم على نجاته منها و عودة قلبه للعمل. اختلطت كل مشاعري و لم أعد أعرف ما أفعل لدرجة أنني نسيت أن اتصل بأبنائي لأخبرهم بما حصل, فهم لا زالوا يغطون في النوم بالبيت و لم يشعروا بنا و نحن خارجين. كانت هذه عادتي دائماً, أن أحمي أبنائي من الصدمات. أنتظر لتمر الأزمة بسلام ثم أخبرهم بكل شيء ليصبح لديهم خبر مفرح يوازي الخبر السيء و يلغيه. جلست بجانب زوجي و نظرت إلى الأنابيب التي تخرج من منخريه و الأسلاك الكهربائية التي تملأ صدره. ها أنا ذا وحيدة عند رأسه أدعو له بالسلامة و أشعر بالخوف. ماذا كان سيحصل لو فقدته؟ هو الأب و الأخ و الصديق في هذه الغربة. طوال هذه المدة كان هو ملجأي من محن الزمن و بر أماني. ماذا كان سيحصل لأبنائنا؟ و كيف كنت سأخبرهم بهذا النبأ؟ و هنا تذكرت بأن علي اخبارهم فهاهي الشمس قد لاحت في الأفق و تبسمت على صفحة السماء و كأنه لم يحصل شيء في الليلة الماضية. في ذلك النهار مر علينا الكثير من الأطباء و سمعت الكثير من المصطلحات الطبية الغير مفهومة, إلى أن أتى الطبيب المعالج لزوجي و طلب أن يتحدث معي و مع زوجي على انفراد. بعد خروج الأولاد نظر الطبيب إلى زوجي نظرة صارمة غايةً في الجدية و أخبره بهدوء بأن أفضل فرصة له للنجاة هي عملية القلب المفتوح. فلقد تضررت الشرايين حول قلبه كثيراً و عليهم استبدالها بشريان من ساقه. سألته بفزع: " و هل هناك مخاطر لهذه العملية؟" لم يكذب علي و لم يحاول تزييف الحقائق فالعملية خطيرة و سيحولون دمه إلى آلة تعمل بدل القلب لأن قلبه سيتوقف خلال العملية و قد لا يعود للعمل بعد انتهائهم من استبدال الشرايين. كان واقعاً مؤلماً و الوقت ضيق جداً و علينا اتخاذ قرار بأسرع ما يمكن. و للحديث بقية
في تلك الليلة أتى زوجي متأخراً من عمله يبدو عليه الشحوب الشديد. عيناه غائرتان و لون شفتيه أزرق....
للتعقيب أيضاً هذه المرة. فإن الجزء الثاني من القصة حدث بحذافيره مع أمي و أبي. اللهم احفظهما لي و اشفهما و عافِهما.

و الآن نأتي لردودكم الرائعة :)

أولاً شكراً للمشرفات الحبيبات على التميز. أخجلتموني و أتمنى أن أكون عند حسن ظنكن بي.


شذوو شكراً لك و أتمنى أن تتابعي شجوني

محجبة فعلاً هذا واقع و أتمنى أن تتابعيني أنت أيضاً

أم محمد ما تقولينه صحيح فعلاً و رأيت الكثيرات ممن عدن لبيوت أهلهن بعد شهور قليلة لانعدام التكافؤ
و اسمحي لي أن أعارض فكرة أن تكون الفتاة مطلقة خير من أن يصبح لديها صديق و تحمل بالحرام. فالبنت لو تربت بطريقة صحيحة لن تقوم بفعل الحرام و نحن عندما نزوجها صغيرة لتعود مع أبنائها و قلبها المحطم, إنما نجني عليها و نحكم عليها بالألم و الحسرة طوال العمر.
ثم أن الفتاة التي جربت الزواج, تستصعب الجلوس دون أنيس و المتزوجات سيوافقنني بالتأكيد. فالوحدة بعد السكن أمر صعب جداً..
تخيلي لو لم تذوقي الشوكولا في كل حياتك, فإنك لن تتوقي لها كما لو كنت ذقتيها مرة واحدة و أعجبتك و أصبحت تتمنين المزيد.
و المعنى مفهوم.

شام غاليتي, شكراً لك على تشجيعك المستمر لي و أتمنى أن أكون فعلاً كما تتخيليني مع أنني أشعر بأنني أقل من هذا بكثير

عقلة الاصبع فعلاً هي مشكلة عامة في كل مكان و زمان و من الصعب وجود عريس تشعرين بأنه يستحق فلذة كبدك. و لكن مشكلة الغربة هي قلة المعروض.
تخيلي معي دخولك إلى السوق لتجدي محلاً واحداً فقط يبيع الطماطم. ستضطرين لشراء الطماطم منه و لو كانت ذات نوعية سيئة لأنك لا تجدين البديل.
أما لو كان هناك أكثر من محل يبيع الطماطم, فستتسنى لك فرصة الاختيار بين الأنواع و التدقيق في الشراء إلى أن تصلي إلى النوع الذي يعجبك.

رغد الحياة أحب أولاً أن أذكرك بأن الموقف لم يحدث معي و لا زلت صغيرة على أن تكون لدي بنت في عمر الزواج.
و لكني للحق أقول بأن معظم ما كتبته حصل معي قبل أن أتزوج. بمعنى أنني كنت أستاء من موضوع الخطبة لأنني لم أكن أجد الشخص المناسب في الغربة و أهلي كانوا و لا زالوا يصرون على زواج بناتهم من وطنهم.
و بالنسبة للخيانة و المحاكم و مصائب الزواج, فهذا لا ينطبق على زواج دون آخر. أي أن زواج الحب و الزواج التقليدي يدخلون في نفس الخانة. و لكن يختلف زواج الحب في أن المرأة تضحي زيادة عن اللزوم في الزواج لأنها تحب. و قد ترضى بأمور لم تكن لترضى بها لو كانت تزوجت زواجاً تقليدياً و أتيحت لها الفرصة لإملاء شروطها.
الزواج مغامرة بنسبة نجاح 50% ما قد يساعد على رفع هذه النسبة هو الفهم العميق من كلا الزوجين لمعنى الزواج و كيفية رعايته كبذرة صغيرة تنمو بالحب و التضحية و العقل. لا يوجد شيء مجاني في هذه الحياة و من أرادت زواجاً رائعاً فعليها أن تتعب كثيراً لتنشء بيتها بطريقة صحيحة بغض النظر عن طريقة الزواج.

ds لا أعرف من أي بلد أنت, و لكن معظم العرب يبحثون عن من ينتشلهم من واقعهم و يقدم لهم الحلول على طبق من ذهب. و طبعاً الحل الأمثل في نظر الكثيرين هو الاغتراب و هو ما يوفره الزواج من فتاة لديها جواز مكتوب بلغة أجنبية.

رواء الاسلام شكراً لك و بانتظار تعقيبك
lolia
lolia
عروس ماشاء الله اسلوبك رائع في الكتابة وعالجتي موضوع غاية في الاهمية لكثير من الامهات المغتربات وخاصة من لديها بنات على وش جواز كما نقول في لهجتنا بارك الله فيك ونفع بك
em mohamed
em mohamed
تأثرت بالجزء الجديد يا عروس ,,,
يا الله أثر فىّ موقف الزوجه وهى جالسه بجانب زوجها فى المستشفى
وحيدين فى الغربه لا معين لهما ألا رب العالمين
تذكرت فترة مرضى بالورم وكيف كنت وزوجى غرباء ...
شعور مقيت لا يمكن وصفه بعيداً عن الأهل والأحباب ...
الى الان كلما تذكرت تلك الايام تعترينى رجفة الخوف بأن أنتهى بين الغرباء ....



قلت لكِ سابقاً الحوار معكِ ممتع ...

الفكره ليست فكرتى بل هذا ما اورده شيخنا فى خطبة الجمعه ,,,
وكما قلت لكِ هو يرى حالات الطلاق ويرى ويسمع ما يحدث لابناء المهاجرين فى المدارس الثانويه
كانت خطبته كالنصيحه للاباء بألا يضيقوا على ابنائهم فى تحديد جنسية الزوج ومواصفاته وقال لهم انهم يعيشون فى مجتمه مليان بالضغوطات على هؤلاء المراهقين
وتعرفى لمح لهم بحكاية الشوكولا نفس الشيئ ...

شيئ اخر عندنا مثل يقول المتربى من ربى ....
احيانا الاهل ما بيقصروا فى التربيه ولا بالدعاء لكن العيال يجى فيهم الصالح ويجى فيهم الطالح ...
طبعا هذه نسبه بسيطه ما تنطبق على الكل
ويا ما شفنا نماذج سيئه خرجت من بيوت قمه فى الاخلاق والتربيه والعكس ....
واحيانا مهما كانت البنت قمه فى الاخلاق والتربيه لكن حين تضعيها وسط مجتمع لا حديث ولا هم له ألا الحرام وكيفية ممارسة العيب فهذا سيؤثر عليها فهى بشر وفسيولوجى جسمها يطلب ذلك وهذا الطبيعى ...
يعنى اهم شيئ الرفقه الصالحه وفى الغربه قد لاتتواجد ...
الموضوع طويل وشائك جدا

وبأنتظار التتمه يا عروس
NOJOOM
NOJOOM
اسلوبك في غاية الروعه ونحن متشوقين للبقيه
لاتعلمين كيف ادخلتنا الى الجو اللي انتم فيه في كل لحظه مررتم بها كنت احس بها معكم
سلمت يداك على ما كتبت
miss Herbal
miss Herbal
رووووعة ياعروس ... ننتظر المزيد.