شاي ومزاج
شاي ومزاج
بورك اليراع غاليتي ..ومبارك وصولك لما فوق الأف مشاركة..متابعة معك
عروس الشام
عروس الشام
بورك اليراع غاليتي ..ومبارك وصولك لما فوق الأف مشاركة..متابعة معك
بورك اليراع غاليتي ..ومبارك وصولك لما فوق الأف مشاركة..متابعة معك


ارتشفت القليل من القهوة و وجدت نفسي أحدق في قعر الفنجان من دون أن أفكر بأي شيء. غريب أمري, هاهو زوجي يخضع لعملية خطيرة و قد لا أراه مرة أخرى و لكني لا أستطيع التفكير بأي شيء و كأن ذهني خالي من الهموم. بسبب السرعة الرهيبة التي حدث بها كل شيء, لم يعد عقلي قادراً على الاستيعاب و أظنه يأبى أن يفكر بما يحدث حماية له من الجنون.


جلست بين ابنتي و ابني في قاعة الانتظار و أنا لا أعرف كيف أخفف عنهما. حاولا أن يتجاذبا أطراف الحديث و يسليا أنفسهما حتى لا يشعرا بوطئة الوقت و صمت الانتظار. و لكني لم استطع مشاركتهما. حتى لساني توقف عن العمل في ذلك النهار.


تذكرت أبي الحبيب عندما مرض و أنا في الغربة و اتصلت بي أمي لتطلب مني أن احضر فوراً لأن الطبيب أنذرهم بأنه قد لا يرى شمس اليوم التالي. ركضت كالمجنونة أحاول حجز أي طائرة للوصول بأسرع ما يمكنني و لكني وصلت بعد فوات الأوان و قدر لي أن أراه جسداً بلا روح و أحضر تأبينه ثم أسافر كالغرباء. كم أخذت مني هذه الغربة و كم عشت حسرات و خيبات.



بعد عدة ساعات أتى الطبيب و ابتسامة كبيرة تعلو محياه. فهمت فوراً بأن العملية مرت بسلام و ركضت إليه لأسأله عن صحة زوجي. أخذنا إلى غرفة الانعاش و لكن لم يسمح لنا بالدخول. كانت هناك نافذة كبيرة تطل على غرفة زوجي استطعت أن أراه من خلالها و هو لا زال فاقد الوعي و يظهر الجرح الطويل في منتصف صدره. تخيلت لبرهة الأطباء و هم ينشرون عظام قفصه الصدري و يمسكون بقلبه بين أيدهم, فوضعت يدي على قلبي من الخوف.






مرت تلك الأيام بهدوء, كنت أجلس عند زوجي كل النهار و ينام ابننا عنده في الليل. و لكنني شعرت بأن لديه أمراً يسره في نفسه بينما عينيه تفضحانه كلما جلست بجانبه.



قبل خروجه من المستشفى بعدة أيام طلب مني أن نجتمع جميعاً ليحدثنا في أمر هام.
باغتنا فوراً قبل أن نسأله عن أي شيء: " قضيت كل عمري في الغربة فأنا هنا منذ أيام الجامعة و اشتقت لوطني خصوصاً بعد الذي حصل. أشعر بأنني أريد الموت بين أناس أحبهم و يحبونني, أريد أن أوارى ثرى موطني لا أن أدفن بين غرباء كما عشت طوال عمري بين الغرباء. قررت أن نعود للوطن, فاحزموا الأمتعة"



لا أخفيكم سراً, سعدت كثيراً بهذا الخبر فأخيراً سأعود بعد أن قضيت سنيناً عديدة أبكي كل يوم حتى أتعب و أنام و أنا أفكر في أهلي, حتى تحجر قلبي في النهاية و مللت البكاء و أجبرت نفسي على التعود. و لكنني شعرت بالحزن على أبنائي, فابنتي أبدت امتعاضها الشديد لأن عملها الآن في أوجه و كانت تفكر في أن تكمل اختصاصها في أفضل الجامعات. أما ابني فقد ترك المكان و هو مستاء من ترك أصدقائه و مدرسته. كلاهما قالا شيئاً واحداً: هنا وطننا و هناك غربتنا فلا تنزعونا من جذورنا"


الوطن بالنسبة لنا هو المكان الذي تربينا فيه و نهلنا من خيراته. المكان الذي نجد فيه الناس الذين نحبهم و يحبوننا و نخاف عليهم كما يخافون علينا. و أبنائي قد وجدوا كل هذا هنا فلماذا الرحيل إذاً؟



كان قرار زوجي نهائي, لذلك بعنا ما يمكن بيعه و تبرعنا بالباقي و اتجهنا للوطن. بعد كل هذه السنين سأعود إلى وطني و سأعيش بين أهلي و ستملأ ضحكاتي الأرض و السماء.. أنا آتية إليك يا وطني, مشتاقة لكل ذرة من ترابك الطاهر. آتية لأقبل الحجر و الشجر. آتية لأمشي في حاراتك و أسمع صوت الباعة الجائلين كما كنت أسمعهم كل صباح و أنا صغيرة. كنت أستيقظ على صوت بائع الخيار ليتبعه صوت بائع البطيخ في ازعاج جميل ينبهني بأن الصباح أتى و الناس خرجوا لأعمالهم. كنت أتضايق في طفولتي منهم خصوصاً يوم الجمعة, أما الآن أدفع عمري لأنام في بيت أهلي و أستيقظ على ذاك الإزعاج..






وصلت الطائرة إلى وطني في وقت الظهيرة و فوراً بدأ أبنائي في التعليق بأن الحر لا يطاق و لكني لم أهتم لهم و أمسكت بيد زوجي و نحن الاثنين نشعر بالشعور نفسه, ما أحلى العودة إلى الوطن.



تنشقت هوائه كأنني لم أتنفس من قبل. و حدقت في كل مكان كأنني أبصر لأول مرة. مع أنني زرته كثيراً في العشرين سنة التي خلت, و لكن العودة نهائياً لا تشبه أي شيء آخر.



كان أهلي و أهل زوجي بانتظارنا في المطار و سرعان ما بدأنا في العناق و انهمرت الدموع هنا و هناك. ما أجمل أن أعيش بين من أحبهم و يحبونني.



مرت الأيام الأولى كالحلم و أنا أرى أحبابي كل يوم و استمتع بلمة البيت الكبير و اجتماع العائلة و صخب الأطفال.


كل شيء كان له طعم آخر فقدته منذ زمن طويل و حلمت به كل يوم, بل كل ساعة و دقيقة و ثانية.







في غمرة كل هذا نسيت و ربما تناسيت أبنائي و لم أعد أهتم كثيراً بمتابعتهم كما كنت أفعل في الغربة. هناك كنت أخاف عليهم من النسيم, فلا خروج و لا أصدقاء إلا بعد أن أتعرف على أهلهم و أطمئن لأخلاقهم. و كنت أتابع صرفهم للمال أولاً بأول و أعرف أين يذهب كل قرش حتى لا أنصدم يوماً ما بأمور لم تكن بالحسبان.


حتى بعدما تخرجت ابنتي و عملت كنت أتابعها و أنهرها إن تأخرت خمس دقائق عن موعد عودتها إلى البيت.


هناك, كنت أعرف بأن المجتمع حولي غادر لا يرحم, لذلك كنت أمد غطاء الحماية على أولادي و أبالغ في مراقبتهم. لم يسلم من يدي جهاز كمبيوتر أو هاتف محمول, أو حتى دفتر ذكريات. كنت أفتش كل شيء و أراقب كل شيء.


أما هنا فقد ارتحت أخيراً لأنني بين أبناء بلدي. لا خوف على أبنائي بعد الآن فالمجتمع هنا مختلف و آمن. و هكذا أصبحت أنام قريرة العين لأول مرة منذ عشرين سنة. لا هم و لا خوف و لا قلق. أنا في أيدٍ أمينة و أبنائي في بيئة عربية مسلمة.



و يا ليتني لم أنم. يا ليتني لم أسلم الحمل للذئب أو على الأقل أخبرت الحمل بأن الذئب يترصده عله ينجو بنفسه.



أفقت من غيبوبتي في يوم عندما عاد ابني قبل صلاة الفجر بدقائق. كنت قد استيقظت قبل الصلاة على غير عادتي لأشرب كأس ماء فقد كنت نويت صيام ذلك اليوم. فإذا بي أسمع صوت الباب يفتح و يطل ابني منه!!


لم أكن أعرف بأنه يسهر لهذا الوقت المتأخر. كنت أعتقده نائماً في سريره كما أراه كل يوم وقت صلاة الفجر. فإذ به يستغل هذه الثقة و يسهر مع أصدقائه و يعود قبل أن استيقظ أنا و أباه.



تمالكت نفسي و أمرته أن يذهب إلى النوم و لنا في الغد حديث مطول.



وددت لو أخبر زوجي و لكنه لا زال في فترة النقاهة ثم أنه سعيد جداً بعودته لوطنه و لا أريد أن أنغص عليه فرحته. كما أن الموضوع قد يكون عادياً جداً, مجرد طفل مراهق يسهر مع أصدقائه. ماذا سيحصل هنا؟ لا يوجد جرائم و أناس بلا دين و لا أخلاق كما في الغربة. هنا بلد الأمن و الأمان.


اعترف ابني لي بأنه كان يسهر كل يوم مع شبان تعرف عليهم عن طريق أبناء خالته. و هنا تنفست الصعداء. بما أنهم أصدقاء لأبناء أختي, إذن هم من خيرة الشباب, فأختي لن ترضى لأبنائها بمصادقة أي كان. و وعدني بأنه لن يكررها مرة أخرى و لكنه فعل ما فعل لأنه شعر بالوحدة و أنا أقضي كل الوقت مع أهلي و والده يقضي وقته مع أهله أيضاً.


أحسست بالذنب و قررت أن أدخل بعض النظام على حياتنا كما كنت أفعل في الغربة حتى لا يشعر ابني بهذا الشعور, فهو لا زال مراهقاً ابن ستة عشر ربيعاً و يحتاج لوجودي و أباه في حياته.


و عدت لأسلم رقبته للذئب مرة أخرى بغباء و حسن و نية شديدين.



و للحديث بقية
NOJOOM
NOJOOM
سلمت يداك ننتظر البقيه بشوق
شاي ومزاج
شاي ومزاج
وكمان مبارك التميز..يللا لشوف ادعميني بالنصايح :)
عروس الشام
عروس الشام
NOJOOM NOJOOM :
سلمت يداك ننتظر البقيه بشوق
سلمت يداك ننتظر البقيه بشوق
لوليا شكراً لك حبيبتي و سعدت جداً بمتابعتك لي. فعلاً رب أخ لك لم تلده أمك. أتمنى أن أكون عند حسن ظنكن بي

أم جلمبو شكراً لك و تابعيني

أم محمد
يشرفني جداً متابعتك لي و نقاشك الرائع معي. يكفيني ذخراً مدحك لي و أتمنى أن أستحقه.
حزنت عندما علمت بأنك تعرضت للمرض في الغربة و الوحدة. شعور صعب مررت به مع والدي و لا أتمناه لأحد أبداً.. شفاك الله و عافاك
و ابتسمت عندما قلت بأن الشيخ استخدم نفس المثال ليدعم وجهة نظره المضادة لوجهة نظري :) على العموم الشوكولا مترافقة دائماً مع المتعة و قد أثبتت الأبحاث أن الرضا الذي تشعر به المرأة بعد تناول الشوكولا يوازي و قد يفوق شعورها بالرضا بعد العلاقة الزوجية. فسبحان الله.

و بالنسبة للتربية. اسمحي لي أن أخالفك الرأي. فعلاً تجدين أماً و أباً على قدر عالي من الثقافة و الدين و الصلاح و تتوسمين الصلاح في أبنائهم. و لكن للأسف فإن الآباء بحاجة ليتعلموا فن الاقتراب من الأبناء و الحوار معهم و الدخول إلى حياتهم ليستطيعوا تربيتهم. الموضوع ليس علماً و ديناً فقط, بل هو فن التربية و فن المحادثة و فن النصيحة. قج يكون أحد الأبناء به صفات مميزة تجعله عجينة لينة لمن حوله, كأن يكون قليل الثقة بنفسه فيتأثر بأقرانه. لذلك مهما حاولوا أهله حشو دماغه بالنصائح, فسيظل عرضة للانحراف مالم يتداركوا الأمر و عملوا على سد الثغرة التي سيدخل منها أصحاب السوء و هي قلة الثقة بالنفس.
تحصين الأبناء يبدأ من داخلهم و علينا تربيتهم ليكونوا أصحاء نفسياً حتى لا يجد الشيطان ثغرة ليدخل إلى نفوسهم.
و فعلاً الموضوع شائك جداً و يحتاج عدة صفحات للحديث عنه.

نجوم أشكر لك متابعتك الدائمة و أتمنى أن تعجبك التتمة

Miss Herbal شكراً لك على المتابعة

شاي و مزاج الحمدلله الذي أرشدني إلى هذا المنتدى ليكون لي فيه صحبة صالحة. أشكرك غاليتي على متابعتك لي فهي تعني لي الكثير