شام
شام
يا الله يا عروس الشام ...

لكم استمتعت ببداية موضوعك . والآن استمتع اكثر وأكثر , بل هناك شيء أبعد وأكبر من هذا الشعور الجميل وأنا أقرأ كلماتك التي تختارينها بعناية فائقة , وتوصلين المعنى بأدق التفاصيل , ولكم جعلتِ دموعي تنهمر وأنا أقرأ تفاصيل عودة الاهل للوطن وشوق الأم لتلك الأجواء ووضعت نفسي مكانها ...

بنفس الوقت , بدأ الخوف يتسلل إلى داخلي , هل يا ترى بعد غربتنا لم نعد ننتمي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ... ؟؟؟

لقد سمعت هذه الكلمة من سيدات عمرن في الغربة عمرا طويلا , ثم قلن لي : بعد هذه السنين لم نعد قادرين على العودة , ليتنا ما تغربنا ...


كلنا شووووووووق وآذان أو عيون مترقبة منتظرة لنرى جميل إبداعك غاليتي

بارك الله فيك
رواء الاسلام
رواء الاسلام
ارتشفت القليل من القهوة و وجدت نفسي أحدق في قعر الفنجان من دون أن أفكر بأي شيء. غريب أمري, هاهو زوجي يخضع لعملية خطيرة و قد لا أراه مرة أخرى و لكني لا أستطيع التفكير بأي شيء و كأن ذهني خالي من الهموم. بسبب السرعة الرهيبة التي حدث بها كل شيء, لم يعد عقلي قادراً على الاستيعاب و أظنه يأبى أن يفكر بما يحدث حماية له من الجنون. جلست بين ابنتي و ابني في قاعة الانتظار و أنا لا أعرف كيف أخفف عنهما. حاولا أن يتجاذبا أطراف الحديث و يسليا أنفسهما حتى لا يشعرا بوطئة الوقت و صمت الانتظار. و لكني لم استطع مشاركتهما. حتى لساني توقف عن العمل في ذلك النهار. تذكرت أبي الحبيب عندما مرض و أنا في الغربة و اتصلت بي أمي لتطلب مني أن احضر فوراً لأن الطبيب أنذرهم بأنه قد لا يرى شمس اليوم التالي. ركضت كالمجنونة أحاول حجز أي طائرة للوصول بأسرع ما يمكنني و لكني وصلت بعد فوات الأوان و قدر لي أن أراه جسداً بلا روح و أحضر تأبينه ثم أسافر كالغرباء. كم أخذت مني هذه الغربة و كم عشت حسرات و خيبات. بعد عدة ساعات أتى الطبيب و ابتسامة كبيرة تعلو محياه. فهمت فوراً بأن العملية مرت بسلام و ركضت إليه لأسأله عن صحة زوجي. أخذنا إلى غرفة الانعاش و لكن لم يسمح لنا بالدخول. كانت هناك نافذة كبيرة تطل على غرفة زوجي استطعت أن أراه من خلالها و هو لا زال فاقد الوعي و يظهر الجرح الطويل في منتصف صدره. تخيلت لبرهة الأطباء و هم ينشرون عظام قفصه الصدري و يمسكون بقلبه بين أيدهم, فوضعت يدي على قلبي من الخوف. مرت تلك الأيام بهدوء, كنت أجلس عند زوجي كل النهار و ينام ابننا عنده في الليل. و لكنني شعرت بأن لديه أمراً يسره في نفسه بينما عينيه تفضحانه كلما جلست بجانبه. قبل خروجه من المستشفى بعدة أيام طلب مني أن نجتمع جميعاً ليحدثنا في أمر هام. باغتنا فوراً قبل أن نسأله عن أي شيء: " قضيت كل عمري في الغربة فأنا هنا منذ أيام الجامعة و اشتقت لوطني خصوصاً بعد الذي حصل. أشعر بأنني أريد الموت بين أناس أحبهم و يحبونني, أريد أن أوارى ثرى موطني لا أن أدفن بين غرباء كما عشت طوال عمري بين الغرباء. قررت أن نعود للوطن, فاحزموا الأمتعة" لا أخفيكم سراً, سعدت كثيراً بهذا الخبر فأخيراً سأعود بعد أن قضيت سنيناً عديدة أبكي كل يوم حتى أتعب و أنام و أنا أفكر في أهلي, حتى تحجر قلبي في النهاية و مللت البكاء و أجبرت نفسي على التعود. و لكنني شعرت بالحزن على أبنائي, فابنتي أبدت امتعاضها الشديد لأن عملها الآن في أوجه و كانت تفكر في أن تكمل اختصاصها في أفضل الجامعات. أما ابني فقد ترك المكان و هو مستاء من ترك أصدقائه و مدرسته. كلاهما قالا شيئاً واحداً: هنا وطننا و هناك غربتنا فلا تنزعونا من جذورنا" الوطن بالنسبة لنا هو المكان الذي تربينا فيه و نهلنا من خيراته. المكان الذي نجد فيه الناس الذين نحبهم و يحبوننا و نخاف عليهم كما يخافون علينا. و أبنائي قد وجدوا كل هذا هنا فلماذا الرحيل إذاً؟ كان قرار زوجي نهائي, لذلك بعنا ما يمكن بيعه و تبرعنا بالباقي و اتجهنا للوطن. بعد كل هذه السنين سأعود إلى وطني و سأعيش بين أهلي و ستملأ ضحكاتي الأرض و السماء.. أنا آتية إليك يا وطني, مشتاقة لكل ذرة من ترابك الطاهر. آتية لأقبل الحجر و الشجر. آتية لأمشي في حاراتك و أسمع صوت الباعة الجائلين كما كنت أسمعهم كل صباح و أنا صغيرة. كنت أستيقظ على صوت بائع الخيار ليتبعه صوت بائع البطيخ في ازعاج جميل ينبهني بأن الصباح أتى و الناس خرجوا لأعمالهم. كنت أتضايق في طفولتي منهم خصوصاً يوم الجمعة, أما الآن أدفع عمري لأنام في بيت أهلي و أستيقظ على ذاك الإزعاج.. وصلت الطائرة إلى وطني في وقت الظهيرة و فوراً بدأ أبنائي في التعليق بأن الحر لا يطاق و لكني لم أهتم لهم و أمسكت بيد زوجي و نحن الاثنين نشعر بالشعور نفسه, ما أحلى العودة إلى الوطن. تنشقت هوائه كأنني لم أتنفس من قبل. و حدقت في كل مكان كأنني أبصر لأول مرة. مع أنني زرته كثيراً في العشرين سنة التي خلت, و لكن العودة نهائياً لا تشبه أي شيء آخر. كان أهلي و أهل زوجي بانتظارنا في المطار و سرعان ما بدأنا في العناق و انهمرت الدموع هنا و هناك. ما أجمل أن أعيش بين من أحبهم و يحبونني. مرت الأيام الأولى كالحلم و أنا أرى أحبابي كل يوم و استمتع بلمة البيت الكبير و اجتماع العائلة و صخب الأطفال. كل شيء كان له طعم آخر فقدته منذ زمن طويل و حلمت به كل يوم, بل كل ساعة و دقيقة و ثانية. في غمرة كل هذا نسيت و ربما تناسيت أبنائي و لم أعد أهتم كثيراً بمتابعتهم كما كنت أفعل في الغربة. هناك كنت أخاف عليهم من النسيم, فلا خروج و لا أصدقاء إلا بعد أن أتعرف على أهلهم و أطمئن لأخلاقهم. و كنت أتابع صرفهم للمال أولاً بأول و أعرف أين يذهب كل قرش حتى لا أنصدم يوماً ما بأمور لم تكن بالحسبان. حتى بعدما تخرجت ابنتي و عملت كنت أتابعها و أنهرها إن تأخرت خمس دقائق عن موعد عودتها إلى البيت. هناك, كنت أعرف بأن المجتمع حولي غادر لا يرحم, لذلك كنت أمد غطاء الحماية على أولادي و أبالغ في مراقبتهم. لم يسلم من يدي جهاز كمبيوتر أو هاتف محمول, أو حتى دفتر ذكريات. كنت أفتش كل شيء و أراقب كل شيء. أما هنا فقد ارتحت أخيراً لأنني بين أبناء بلدي. لا خوف على أبنائي بعد الآن فالمجتمع هنا مختلف و آمن. و هكذا أصبحت أنام قريرة العين لأول مرة منذ عشرين سنة. لا هم و لا خوف و لا قلق. أنا في أيدٍ أمينة و أبنائي في بيئة عربية مسلمة. و يا ليتني لم أنم. يا ليتني لم أسلم الحمل للذئب أو على الأقل أخبرت الحمل بأن الذئب يترصده عله ينجو بنفسه. أفقت من غيبوبتي في يوم عندما عاد ابني قبل صلاة الفجر بدقائق. كنت قد استيقظت قبل الصلاة على غير عادتي لأشرب كأس ماء فقد كنت نويت صيام ذلك اليوم. فإذا بي أسمع صوت الباب يفتح و يطل ابني منه!! لم أكن أعرف بأنه يسهر لهذا الوقت المتأخر. كنت أعتقده نائماً في سريره كما أراه كل يوم وقت صلاة الفجر. فإذ به يستغل هذه الثقة و يسهر مع أصدقائه و يعود قبل أن استيقظ أنا و أباه. تمالكت نفسي و أمرته أن يذهب إلى النوم و لنا في الغد حديث مطول. وددت لو أخبر زوجي و لكنه لا زال في فترة النقاهة ثم أنه سعيد جداً بعودته لوطنه و لا أريد أن أنغص عليه فرحته. كما أن الموضوع قد يكون عادياً جداً, مجرد طفل مراهق يسهر مع أصدقائه. ماذا سيحصل هنا؟ لا يوجد جرائم و أناس بلا دين و لا أخلاق كما في الغربة. هنا بلد الأمن و الأمان. اعترف ابني لي بأنه كان يسهر كل يوم مع شبان تعرف عليهم عن طريق أبناء خالته. و هنا تنفست الصعداء. بما أنهم أصدقاء لأبناء أختي, إذن هم من خيرة الشباب, فأختي لن ترضى لأبنائها بمصادقة أي كان. و وعدني بأنه لن يكررها مرة أخرى و لكنه فعل ما فعل لأنه شعر بالوحدة و أنا أقضي كل الوقت مع أهلي و والده يقضي وقته مع أهله أيضاً. أحسست بالذنب و قررت أن أدخل بعض النظام على حياتنا كما كنت أفعل في الغربة حتى لا يشعر ابني بهذا الشعور, فهو لا زال مراهقاً ابن ستة عشر ربيعاً و يحتاج لوجودي و أباه في حياته. و عدت لأسلم رقبته للذئب مرة أخرى بغباء و حسن و نية شديدين. و للحديث بقية
ارتشفت القليل من القهوة و وجدت نفسي أحدق في قعر الفنجان من دون أن أفكر بأي شيء. غريب أمري, هاهو...
اختي الغالية عروس الشام
كنت قد دخلت لاكتب تعليقي على موضوعك الرائع فوجدت الجزء الاخير من الموضوع
كتابتك ما شاء الله رائعة و اسلوبك جدا مشوق



لقد اثارت في هذه الكلمات رحلة الست شهور الماضية و التي قضيتها في بلدي عندما قررنا العودة مع اختلاف ان ابنائي ما زالوا جدا صغار و لكني شعرت ان الوضع ليس كما كان متوقع من امان و طمانينة على الاولاد

على كل في انتظار تكملة الحديث و كلي شوق لذلك
رواء الاسلام
رواء الاسلام
شام شام :
يا الله يا عروس الشام ... لكم استمتعت ببداية موضوعك . والآن استمتع اكثر وأكثر , بل هناك شيء أبعد وأكبر من هذا الشعور الجميل وأنا أقرأ كلماتك التي تختارينها بعناية فائقة , وتوصلين المعنى بأدق التفاصيل , ولكم جعلتِ دموعي تنهمر وأنا أقرأ تفاصيل عودة الاهل للوطن وشوق الأم لتلك الأجواء ووضعت نفسي مكانها ... بنفس الوقت , بدأ الخوف يتسلل إلى داخلي , هل يا ترى بعد غربتنا لم نعد ننتمي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ... ؟؟؟ لقد سمعت هذه الكلمة من سيدات عمرن في الغربة عمرا طويلا , ثم قلن لي : بعد هذه السنين لم نعد قادرين على العودة , ليتنا ما تغربنا ... كلنا شووووووووق وآذان أو عيون مترقبة منتظرة لنرى جميل إبداعك غاليتي بارك الله فيك
يا الله يا عروس الشام ... لكم استمتعت ببداية موضوعك . والآن استمتع اكثر وأكثر , بل هناك شيء...
و الله يا شام جيتي على الجرح
يعني انا لم يمض على وقت طويل في الغربة عندما قررنا العودة فقط خمس سنوات
و لكن كم شعرت بالغربة في وطني بل و بين اهلي ايضا فقد شعرت باني اصبحت كالغريبة و كم يزعجني هذا الشعور كلما تذكرته هل اصبحت غريبة حتى عن اهلي؟
nicesmell
nicesmell
و الله يا شام جيتي على الجرح يعني انا لم يمض على وقت طويل في الغربة عندما قررنا العودة فقط خمس سنوات و لكن كم شعرت بالغربة في وطني بل و بين اهلي ايضا فقد شعرت باني اصبحت كالغريبة و كم يزعجني هذا الشعور كلما تذكرته هل اصبحت غريبة حتى عن اهلي؟
و الله يا شام جيتي على الجرح يعني انا لم يمض على وقت طويل في الغربة عندما قررنا العودة فقط خمس...
عزيزتي عروس الشام اسمحي لي ان اعبرلك عن انبهاري باسلوبك الرائع الذي اجبرني على الاستمرار بالقراءة حتى اخر كلمة
الله يحميلك و الديك و يخليلك ابنك و زوجك
بانتظار باقي الموضوع
tamo
tamo
جزاك الله الجنة على كل كلمة كتبتها وجعلها في ميزان حسناتك ..بالتوفيق