دافديل

دافديل @dafdyl

محررة ذهبية

أطياف العزاء ....... قصة رائعه بقلم فتاة ال 16 ربيعا

الأدب النبطي والفصيح



~1






نادرة تلك اللحظات التي تمنحنا نفساً عميقاً
وترحل بعقولنا نحو ماضٍ ولّى
فتمرّ بشريط مجرياته أمام الخاطر صورةً صورة,
فيلتهب القلب شوقاً لعودتها
وحسرةً على بعضها ..
فتبقى للقلب عِبْرة وللحلق عَبْرة





تمرّ الأطياف سريعة خاطفةً كومض البرق ثم أستجديها العودة وقد تعصي


أمّي .. لا يمرّ الطيف هكذا كأي شيء .. ليت الأطياف تُحضنُ أو تُقبّل !
من أين أبتدئ والطيف يبعثر الأوراق أمامي بتفاصيل وجهها المضيء ,
عينيها الواسعتين وكل ما يستوطنها من حنان ورحمة ووجنتيها المتوردتين بحيويّة خصوصاُ حين تطهو الطعام ..



كنّا ابنتين فقط لوالديّ .. أنا وأريج التي تصغّرني بعامين ..

أريج تشبه أمي كثيراُ .. نشيطة , متفاعلة , رائعة المنطق لا يملّ المرء
من الحديث معها .. وأستشيرها دوماً على الرغم من العامين الفاصلين
بين أعمارنا .. صديقتي الأقرب والأحبّ



لا زلت أذكر أيامنا سويّة , لمرورها بالذهن نكهة ولِطَيفِها وجد ..
فالصباحُ فيها مختلف , نصبح كل يوم على حمد الله وشكره ونسأل ربّنا العون في يومٍ جديد
أمّي تحضّر الإفطار وتميّزه برائحة الحليب المطعّم بالزنجبيل
وتطمعنا بجواره الإيمان , تزوّدنا به كطبق الفطور ..
توصينا كثيراّ بوردنا اليوميّ , ثم تستودعنا الله من على عتبة الباب
وتنتظر عودتنا بأحاديث يومنا الدراسيّ التي لا تنتهي ..,

,



في مدرستي كان يمرّ اليوم مليءٌ بالأحداث ..الصديقات , المواقف , الحوارات ,
الدروس .. كل شيء.. كل شيء ماهرٌ في إثبات نفسه في عمق الذاكرة ..




معلّمة "الكيمياء" تحاول إيصال كل معلومات الدرس لأذهان الطالبات وتربطها بالواقع مغلّفة بنصائحَ ودّية .,


-كما عرفنا , من تأثير التفاعلات الكيميائية على المواد كسر الروابط وتكوين روابط أخرى جديدة .,
" وبملاطفة " إيّاكن أن تدخلن في تفاعل كيميائيّ مع هواكن فتعصين الله .. حينها ستتكسّر الروابط التي تصلكن بالله سبحانه
وتتكون لديكن روابط أخرى مع حبال إبليس !..أحذرن كثيّراً


المعلّمة ابتسام مبهرة ! , لا يقطع انسجام طالباتها وحماسها سوى جرس انتهاء الحصّة وقلوب الطالبات معلّقةً بانتظارِ درسها التالي ..
توصيني دوماً أن أسلّم على أمّي فأعود أبلّغ سلامها بود وأخبر أمّي عن ما تقوله لنا في كلّ درس ..
وتدعو لها أمّي بالجنّة كيفَ تسخّر كلامها لإرشاد طالباتها , معلّمةٌ قديرة ..




- أمي لا تعلمين ما حدث اليوم ! , ساءني جدّاً
- ما هو ؟
- اليوم بعدما انتهت المعلّمة ابتسام من إلقاء الدرس قالت إحدى البنات بصوت مرتفع : هه , كلّ شيء صار ضمناً للدين ,
ما دخل التفاعلات والكيمياء في الدين !! ... والمعلّمة لا زالت واقفة عند باب الفصل !
- من هذه الفتاة ؟ وهل هناك من فصلِ بينها .. سبحان الله !
- هذه الفتاة دائماً ما تقول مثل هذا الكلام لكن ليس أمام المعلّمة كهذه المرّة !
- وهل فعلتِ المعلّمة شيئاً ؟
- لم أنتظرها تفعل .. شدّة الغضب دفعتني للكلام .. سأحكي لكِ ما دار بيننا




" _ اوه ! , ما هذه الفكرة الجديدة منذ مدّة لم تغيّري عبارتكِ المعهودة " الكيمياء لا فائدة منه "
يبدو لأنها لم تعد بذات التأثير الذي يثير الضجّة دائماً ! ..

_ لا شيء غير الحقيقة يا نورة ! .. إذا كانت هذه حصّة كيمياء يتكلم فيها عن الدين فما وظيفة حصص الدين اليوميّة ! ..
هل ستصبح كيمياءً في يوم من الأيام .."وابتسامة سخرية "

_ الكيمياء مرتبطة بالدين ارتباطاً وثيقاً !.. اسمعيني كي تقتنعي ..
عندما تتوضئين أي ماء تستخدمين ؟ الماء النجس أم الماء الطهور ؟

_ الماء الطهور !

_ طبعاً , وكيف عرفنا ذلك ؟ عندما لاحظنا خواصّ الماء المادية أليس كذلك ؟
تغير لونه أو طعمه أو ريحه .. وذلك كلّه تم بتفاعل كيميائيّ مع مادّة نجسة !
أرأيتِ كيف غيّر تفاعل كيميائي من حكم شرعيّ ؟
- اممم , ولكنه ليس بذاك الارتباط القويّ ! .. "


- رائعٌ ما فعلتِ يا ابنتي , لكن لمَ لم تصبري لتكمل حديثها ؟

- كنت أتوقع ردّة فعل كهذه يا أمّي
فقمت قبلها ولم أصبر لتقتنع بما أقول كون ذلك قد يجرّني في جدال ومراء لا ينتهيان,
المهم أني أبلغتها ما أريد قوله..غيرَ أنّ وقت الفسحة بدأ
ولا أريد شيئاُ من درس المصلّى لهذا اليوم يفوتني فأسرعت بالقيام

- نورة اسألي لها الهداية , فتاة كهذه فقيرة ثقافتها وبنائها هشّ ,
الإيمان إن ثبت في القلب نورَه يتوهّج ويعمي كل هذه الشوائب أن ترى طريقها لقلب المؤمن ,
هذه تمثّل لكِ كم تكون "العربة الفارغة أكثر ضجيجاً " .. !





تلك الظهيرة تحدّثنا كثيراً أنا وأمّي , أما أريج ودّت لو تشاركنا لكن كانت مجهدة بعض الشيء
فجلست معنا قليلاً ثم ذهبت تأخذ قسطاً من الراحة حتّى لا يطرق النعاس أجفانها هذه الليلة
فابن عمّي عاد من الخارج حيث يدرس هناك منذ زمن ..
وعمّي لديه وليمةُ بهذه المناسبة , لقد دعا جميع أعمامي وعمّاتي أيضاً ..




هه ماذا تحمل لنا هذه الوليمة من تفاصيل تُشقِي ؟!

استغفر الله ..يالشؤم توقعي !





بانتظار تفاعلكم ................ ولن أطيل الغياب لاعود بجزء آخر جميل
65
14K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

دافديل
دافديل
____________________________
دافديل
دافديل


~2





في الطريق إلى هناك , كعادة الرياض , الطرقات مزدحمة .. اليوم أربعاء !
والتنزه لا يطيب إلّا في الليل .. فمن يطيق التنزه قبل المساء هنا في الرياض ؟! ..
طبيعة الطقس أثّرت على كثيرٍ من عادات أهل المنطقة .. فالزيارات تُفضل ليلاً والتنزه ليلاً ..
حتى صار السهر في إلى ساعات الصباح الأولى سمة عامّة للأعراس , والسهر إلى منتصف الليل للولائم والاجتماعات الأخرى ..
ثم ماذا ؟ لا يجد النوم وقتاً يطويه إلّا النهار ! .. حتّى تقلبت الآيات !

ذات مرّة قال أبي مازحاُ :
" غداً سـ |أسهر| وقت الضحى , لديّ بعض الأعمال "
ضحكنا على مفردته الجديدة هذه وهو يدلي بها كنوع من السخرية على انقلاب نظام الحياة .. فالليل لليقظة و النهار لـ " السبات " ..


اوه وصلنا .. يبدو أنني استرسلت في التفكير كثيراً ..
هذا بيتُ عمّي , منذ زمن لم أذهب إليه .. نادرة تلك المناسبات التي نأتي إلى بيته فيها ..
مضى عهد الطفولة والزيارات المتكررة .. والنوم هناك !

يالله .. كم يجمع من الذكريات وعلب الحلوى وشقاوة الأطفال , نفس الهيكل والمكان غير أنّ الترميم صبغه صبغةً حديثة ..
حتى نحن نكبر ونتغيّر .. فكلّ عامٍ يأتي يُحدث ما كُتبَ له .. وينحت أثره على
الزوايا والأماكن والأشخاص .. فجدائلي , ثيابي , عرائسي , بيت عمّي وحلواه .. وكل ما تحوي الصحف من ذكريات
تسعةً عشر عاماً كفيلة بإحداث التغيّر وطمس بعض ما فيها ..




دخلنا المنزل ..أمام مدخل النساء استقبلتنا زوجة عمّي ورحّبت بنا ..
بدت تفاصيل السعادة لرؤيتنا واضحة على محيّاها .. يالطيبة القلب فيها
قالت بمرح ..

- ما شاء الله يا أم نورة , نورة وأريج أصبحن نساءً .. يجدر القول بأنهن أخواتكِ لا بناتكِ ..!
ضحكت أمّي وأتبعت
- ههه إذا لا تدخلن معي فيعلموا أنّي كبيرة سن



كانت أخلع عباءتي وأرتّبها حين علمت جدّتي بحضورنا فخرجت من مجلس النساء متجهة إلينا بابتسامة نور تملأ وجهها فَرَحاً واستبشار..

- أهلاُ أهلاً , أهلاً بأقمار السماء وشمسها .. أهلاً بفخري وودّي..


جدّتي تتلو عبارات الترحيب بفرح كمن وجد ضالّته بعد طول فراق .. أسرعت إليها وقبّلت رأسها ويديها
وكذلك فعلت أمّي وأريج .. عادت جدّتي إلى مجلس النساء ريثما نلحقها للسّلام



التفت إلى أريج ونحن ذاهبتين :

- منذ الأسبوع الماضي لم نرَ جدّتي أليس كذلك ؟
- نعم ..
- لكن غريبة طريقة استقبالها لنا .. دائماً تفرح بنا هذه المرّة بأضعاف !
- يالروحها البيضاء .. اللهم لا تحرمها صفو العيش




دخلنا خلفَ أمّي ..
عماتي , زوجات أعمامي , بناتهنّ .. الجميع هنا , بعد انتهائنا من السلام والمصافحة جلسنا معهنّ
أغمضت عينيّ وفتحتهما أخرى .. ابتسامتي تلاشت فعدت أتصنّعها
حتى لا تظهر تفاصيل الدهشة على وجهي
ألقيت نظرة إلى أريج ثم أتبعتها بأخرى نحو جدّتي حيث لم تكن بذات الفرح الذي قابلتنا به
لا ألومها مطلقاً ولا أنوي حتّى .. أدركتُ تماماً لم حفاوتها البالغة بنا ..
كانت كمن يغرق في بحر حسرته وحزنه ثم وجد طوق نجاة فتشبّث به !



في كلّ مرّة أجتمع فيها معهنّ أدرك مدى التغير الذي يحدث .. يتدرّج بهن خطوة خطوة
وأحزن كثيراً لذلك أعود للمنزل مثقلة بهمّ خطاهن الجديدة ..
هذه المرة ليست خطوة كسابقاتها ..
هذه قفزة !



تبادر لذهني طيفُ معلّمتي ابتسام :
" إيّاكن أن تدخلن في تفاعل كيميائيّ مع هواكن فتعصين الله ..
حينها ستتكسّر الروابط التي تصلكن بالله سبحانه وتتكون لديكن روابط أخرى مع
حبال إبليس !..أحذرن كثيّراً " ..


فأجرّ لباسي للأسفل خوفاً من ظهور ساقي .. ربّما لأني أرى ساق الأغلب لا
تستتر برداء فأحس أني من ضمنهنّ

تخنقني العبرة .. تجيء وأدفعها برشفات القهوة أو بالحديث مع ابنة عمّي بجانبي في أمور حياتنا ..
وأغضّ البصر طويلاً .. طويلاً

أرقب حجم الشقاء الجاثم على قلبِ جدّتي بعيني رأفة وألم ..
ترى فلذات أكبادها يضلّون .. ترى من أمضت طفولتهم رعايةُ وحنان وتغذّيهم أمنياتها بصلاحهم ..
كيف يتركون لها أمانيها وئيدة .. ولا تقوى أن تمنعهم




كيف بنا نطيع النفس ونعبدها .. نفعلُ لها ما تشاء هي لا ما يريد ربّها ..
نلهث وراء هواها كأنه إله يطاع
أنشركُها بربّنا ؟! .. ="


" أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنتً تكون عليه وكيلا "
دائماً ما أرتعد من هذه الآية , شركُ لا يتبادر للذهن ..
ربّنا يأمر بالستر , والنفس تأمر بالعريّ.. نُطيع النفس وتمضي بنا تجرّنا لجهنّم
تدخلنا تحت " الكاسيات العاريات " ..
حالهنّ لم يصل لهذا مرّة واحدة .. خطوة خطوة لا ينتبهن لميل الطريق .. ينتبه من يراهنّ من فترة لأخرى
ينتبه ويتفطّر قلبه


في المرّات السابقة أخجل أن أقول شيئاً أو أنكر .. أعاتب لساني كيف لا ينطق ؟
؟
أحبّهم ولا أدلّهم على الصواب .. أيكون ؟
ثم من يضمن لي أن لا أكون مثلهم يوماً .. اللهم ثبّتني وسيّر الحق على لساني




,



بعد العشاء شكرنا زوجة عمّي وبناتها وخرجنا من هناك مودّعين الجميع
رافقنا الصمت طوال الطريق لم يكن لأحد شهيّة للحديث .. المطر يهطل
والطريق مزدحم أيضاً ليس وقت حديث مطلقاً حتّى وصلنا بعد وقت ..


قبل نومي صلّيت ما كتب ربّي لي .. رفعتُ يديّ وأرسلت دعائي إلى حيث
تفتّح أبواب السماء .. لا أذكر كم جلست أدعو .. بكيتُ كثيراً خوفاً أن أضلّ بدون علم
و رجاء أن يهدي ربّي أحبّتي ويردّهم إلى الصواب



وقبل أن يأخذني النوم , ما وددت أن يكون لقائي بهنّ هذه المرة كسابقيه .. أصمت ولا أقول شيئاً ..!

أمسك جهاز الجوّال وشرعت أسكب ما يجول في الخاطر بلهجةٍ مبسّطة للغاية ..




"
مساء الرضا يا غالية ~

في خاطري شيء ودّي أقوله =)

ماكان ودي إني أشوفك بهذا اللبس اليوم
مو من عوايدك ..
خلينا نكون أقوياء ولا تسحبنا الخطوة ورا الخطوة
خلينا نصدّها من الأول
ونقول إذا هذي بتحرمني من الجنّة فـ بلاها ! =)

,

اللهم ثبت قلوب أحبتي
حتى يلقوك على ماتحبّ , "



ضغطت على زر " إرسال" وألقيت المهمّة على الجهاز ليبلغهن .. وتركتها تجول








دافديل
دافديل
_______________________________
بحور 217
بحور 217
متابعة ومستمتعة

في انتظارك
دافديل
دافديل
أشكرك بحور
لا اخفيك اصبت بصدمة من عدم تفاعل العضوات
ولكن ردك اعاد لي الامل قليلا

بإذن الله سأعود بالجزء الثالث قريبا

تقبلي شكري