الباب الرابع
شموخ الإيمان وذلة الباطل
أعادوني إلى مكتب شمس بدران ، فأشار بطرف إصبعه ، في حركة تمثيلية، إلى كرسي أمام مكتبه ، فجلست ثم أخذ جلال الديب وحسن خليل يحاولان إقناعي بأن أكتب ما يريده الباشا . . ويكرران بأن ذلك في مصلحتي! ! فقلت لهما: لن أكتب شيئا لا أعرفه . . فقال لي : إننا عرفنا كل شئ، واعترف الإخوان بكل شئ، اقرأ لها الملفات ! !
ملف عبد الفتاح إسماعيل وملف مجدي عبد العزيز، وأحمد عبد المجيد وملف سيد قطب ، وملف محمد هواش ، وصبري عرفه ، وعبد المجيد الشاذلي ، وفاروق المنشاوي ، ومرسي مصطفى مرسي ، على حد زعمهم ، ثم قال شمس بدران : اقرأ لها أقوالهم ، وقرأ جلال الديب أقوال على عشماوي! ! أذهلني ما سمعت إ!
ولما فرغ قال شمس بدران - وهو يغمض إحدى عينيه ويهز رأسه -: ما رأيك في هذه الأقوال ؟ !
فقلت على الفور: هذا كله كذب وافتراء.
فقال شمس بدران : تريدين أن تنكري أنك أسست تنظيم الإخوان ؟ إليك كلام شيخكم يقطع بأنك أنت التي أسست التنظيم . . اقرأ لها أقوال الهضيبي يا جلال . وبعد عدة دقائق قال له : انتظر. . اترك هذا الملف واقرأ لها أقوال عبد الفتاح إسماعيل ، وأخذ جلال يقرأ. . وبعد قليل سألني شمس بدران : ما رأيك ! ! . . لم أجب . . قال يا جلال . . اقرأ لها أقوال مخطط الإخوان سيد قطب ..
فأخذ جلال يقرأ ثم ينتقل من ملف إلى ملف ولما فرغ قال شمس بدران : ما رأيك فيما سمعت ؟! هل تكتبين ما نريد؟ فقلت : هذا باطل ؟؟ فقال في تهكم : وما هو الحق يا نابغة الزمان ؟ قلت : كل ما سجل هنا لعلى عشماوي، أعتقد أنه هو الباطل . . أما بقية إخواني فهم أهل الدعوة وأهل الحق . . والمسطر هذا مزور عليهم . . قال شمس : علقها يا صفوت وأنت يا حمزة هات على عشماوي وحضر الكلاب . وجاء على عشماوي . . كان على عشماوي يلبس "بيجامة من الحرير المهفهف نظيفة، أنيقة شعره ممشط لا يبدو عليه أي أثر للتعذيب ، فلما رأيته واستعرضت في حالة الآخرين ، وحالتي علمت بل تيقنت أن هذا المخلوق خان أمانة الله ، وشهد على إخوانه زورا فهوى في مهاوي الفساق الفجار، الظالمين ، وأصبح من رجال شمس بدران وذنبا من أذناب جمال عبد الناصر، الذين لا يعرفون قيما ولا أخلاقا ولا دينا .
قال له شمس بدران : يا على ، ماذا أخذت من زينب الغزالي في آخر يوم توجهت فيه إليها، وماذا قالت لك ؟
قال على عشماوي : أعطتني ألف جنيه ، وقالت لي . . النقود ستكون عند غادة عمار لتسليمها إلى بيت الهضيبي أو بيت قطب ، إذا قبضوا على اتصل بغادة أو بحميدة ستعرف أين النقود إذا احتجتم إليها" .
فقال شمس بدران : كم كانت النقود يا زينب الغزالي؟ ولماذا كنت خائفة عليها؟
فقلت : كانت النقود أربعة آلاف جنيه ، وهى قيمة اشتراكات مجموعة من الإخوان في السودان والسعودية ، لمساعدة أسر المسجونين ، ومصاريف الطلبة في المدارس والجامعات ، وإيجار بيوت ، صرفنا منها في العيد الماضي ألف جنيه على العائلات . .
وهذا الواقف أمامكم هو الذي أخذ الألف جنيه ليعطيها لعبد الفتاح إسماعيل لحساب الهضيبي .
وقال شمس بدران : أنت يا على، ماذا أكلت عند زينب الغزالي آخر مرة؟ فقال على عشماوي : أعطتني طبق أرز بالكبدة وقالت لي : كل ، ربنا يعينك .. ثم قال : كفاية! ! اخرج يا على، فخرج على عشماوي مصحوبا بسلامة ورعاية شمس بدران ! !
وقال شمس بدران : هات عبد الفتاح ، يا حمزة.
وبعد لحظات عاد حمزة البسيوني بعبد الفتاح إسماعيل .(أعدم في العام 1966 مع الشهيد السيد قطب) . كان يكسوه وقار الصادقين ، ونور الموحدين ، يلبس حلة سجن زرقاء ، ممزقة ، وآثار التعذيب تنطق بمدى ما لاقاه هذا المجاهد الصادق المؤمن الموحد . . وقال يوجه القول إلى : "السلام عليكم " . قلت : "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته " .
وقال شمس بدران : ماذا كنت تعمل عند زينب الغزالي يا عبد الفتاح ؟ لماذا كنت تذهب إليها؟
ويرد عبد الفتاح بلسان صدق وحق غريب على الجاهلين : أختي في الله . . كنا نتعاون على أن نبني الشباب المسلم على مبادئ القرآن والسنة، وبطبيعة الحال كان ذلك سيفضي إلى تغيير الدولة، من دولة جاهلية إلى دولة إسلامية . .
ويقول شمس بدران في غلظة : أتخطب ؟ أنت لست على المنبر يا ابن الـ. . . . اخرج . . اخرج . . ويخرج عبد الفتاح إسماعيل كما جاء. . بعد أن وجه القول إلى "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .
فقلت : "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته " .
وأخذت شمس بدران ثورة عارمة فجرت القذارة على لسانه فانساب بأبشع الألفاظ وأقذرها ! !
واسترحت . . نعم استرحت لشموخ الرجولة في عبد الفتاح إسماعيل ، مأخوذة بذروة الإيمان فيه ، وقلت في سرى "الحمد لله ! أن لله رجالا . . اللهم احفظهم لدعوتك يا الله . إن خان على العشماوي فهناك الموحدون الصابرون . . رواد الطريق وطلاب الحقيقة .
وتنبهت على صوت شمس بدران وهو يصرخ : خذوها بنت الــــ. . وبكره تيجي ومعها الورق مكتوب . وأعطى حسن خليل لصفوت ورقا وقلما وأعادوني إلى المستشفى وأمسكت بالورق والقلم . ماذا اكتب ؟ ماذا يريدون منا؟ أيريدون أن نغضب ربنا ونخالف ديننا! إ؟ لا والله لن نكتب إلا أننا في سبيل الله قمنا وتحت راية القران سرنا. . لا إله إلا الله . . محمد رسول الله . لن نشرك بربنا أحدا ولا نعبد إلا إياه . ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وتوفنا مسلمين . وأنتم يا فراعنة العصر اقضوا ، إنما تقضون هذه الحياة الدنيا. وغدا سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . وفى اليوم التالي جاء حمزة البسيوني ورياض وصفوت وأخذوا الأوراق وانصرفوا ، وعادوا بعد ساعة تقريبا ، وحملوني في عربة -لعجزي عن الحركة- إلى مكتب شمس بدران ، الذي رأيته يمزق أوراقا يلقيها في سلة المهملات وهو يقول : هذه أوراقك أنا سآخذ كوز دم من جسدك وتكتبين ما أريده بالدم . . وأعادوني إلى المستشفى . . ! ! تحت اللعنات وضرب السياط .

جيـــان
•

جيـــان
•
الباب الرابع
عبد الناصر أمر بإعدامي! !
مكثت بالمستشفى عدة أيام تحت العلاج . فقد كنت قاب قوسين أو أدنى من ا لموت ! ! وذات يوم قبيل الغروب أخذوني إلى مكتب شمس بدران . . لكنهم لم يدخلوني " بل أمروني أن أقف ووجهي إلى جهاز كهربائي ، يخرج صوتا مزعجا، وينبعث منه هواء ساخن . . ظللت واقفة -ووجهي إلى هذا الجهاز اللعين - ليلة كاملة! ! وفى الصباح أعادوني إلى المستشفى . دخل الدكتور ماجد ونظر إلى وجهي وقال لعبد المعبود التمورجي : وجهها شديد الاصفرار . . هل أخذوها مرة أخرى الليلة؟ فقال عبد المعبود: نعم !
وبعد نصف ساعة أحضر لي عبد المعبود نصف رغيف أفرنجي وبداخله بعض المربى، وقال : الدكتور أمر لك بهذا ..وعند الغروب أخرجت من المستشفى لأوضع في حجرة قريبة من مكتب شمس بدران ، ثم حضر الزبانية حمزة وصفوت ورياض وصاروا يتداولون فيما بينهم هامسين . وانصرف الأولان وبقى الأخير الذي انقلب إلى مسخ مشوه يلطم وجهه ويشد شعره ، ثم يفتعل حركات كما لو كان يريد تمزيق ملابسه ويصرخ عاويا متهما إياي بالجنون والغفلة، مهددا بأني إذا لم أطع شمس باشا اليوم فإن حياتي سوف تنتهي . ثم يتساءل إن كنت أعلم أين ذهب عواد ورفعت وإسماعيل الفيومي ( أستشهد في باحة السجن الحربي في العام 1965 بعد أن حطموا رأسه في نافورة السجن) ؟ ويضيف أنهم يدفنون كل يوم في السجن عشرة كلاب من الإخوان ، يدفنونهم في جحيم عبد الناصر. فلما علقت على هلوسته تلك بأن قتلانا شهداء في الجنة، زاد من لطم وجهه وصاح مادام الكلاب والماء والنار والسياط وكل هذا العذاب لم ينفع معك . . فاليوم الباشا سيذبحك . . . أخذ الأمر من جمال عبد الناصر. . . ماذا ستفعلين . . ؟! قلت : الذي يفعل هو الله . فقال في بله : أنت تريديننا أن نفعل مثلكم ونخيب خيبتكم ؟ أنت تريديننا أن نترك روسيا التي تحكم نصف العالم وننصاع لكلام شخص مثل الهضيبي أو سيد قطب أو حسن البنا؟ أنتم مجانين. . إننا لسنا مثلكم . . ردى على . فقلت " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون . ويقولون أئنا لتاركون آلهتنا لشاعر مجنون " وكانت هذه الآلهة هي الأصنام . والحكام سدنة الأصنام . وهم الذين رموا محمداً الرسول " صلى الله عليه وسلم " سيد ولد آدم . رموه بالجنون . وهكذا يعيد التاريخ نفسه فتقولون لمن يدعونكم إلى الله أنهم مجانين ، ويسيركم الطاغوت الذي استخدمكم في الباطل ، وتسيرون خلفه أذلاء بثمن بخس : أرضيتم المخلوق وأغضبتم الخالق . فجن جنونه وثارت ثائرته وهو يقول : أتريدون أن تعيدونا إلى الجمود والتأخر؟ . وفتح الباب واندفع جند كالوحوش يلهبون جسدي بالسياط . وهو يضحك في بله ويقول : والله يا زينب أنا خايف عليك ومشفق عليك . . . وأنا أقول : "حسبنا الله ونعم الوكيل " .
قلت في سخرية: شفقة وخوف ؟! ما هذا!! أنت تخاف ؟! القضية كما تقولون وضحت كل عناصرها . . فماذا يهمكم اعترافي أو إقراري؟! نعم وضح كل شئ . . وضح زوركم ، وكذبكم ، وإلصاق الجرائم بالأبرياء. أخذ المجنون رياض يضرب صدره ، ويشد شعره ويصرخ : بأي قوة تعيشين ؟!! كدنا نفقد عقولنا فيك . . . الأطباء يقولون : إذا لم يدخل لك طعام ستهلكين . . ودخل حمزة البسيوني وصفوت ، وقال حمزة : خيرا يا رياض .. ماذا فعلت معها؟ أظن عقلت ؟ ! ملأت نظرة بكل السخرية وصوبتها إلى حمزة البسيوني وقلت : لا أدرى من المجنون ؟ فنظر إلى حمزة ولم يعقب ، ثم استدار إلى صفوت وقال : هاتها يا صفوت إلى مكتب الباشا؟! !
عبد الناصر أمر بإعدامي! !
مكثت بالمستشفى عدة أيام تحت العلاج . فقد كنت قاب قوسين أو أدنى من ا لموت ! ! وذات يوم قبيل الغروب أخذوني إلى مكتب شمس بدران . . لكنهم لم يدخلوني " بل أمروني أن أقف ووجهي إلى جهاز كهربائي ، يخرج صوتا مزعجا، وينبعث منه هواء ساخن . . ظللت واقفة -ووجهي إلى هذا الجهاز اللعين - ليلة كاملة! ! وفى الصباح أعادوني إلى المستشفى . دخل الدكتور ماجد ونظر إلى وجهي وقال لعبد المعبود التمورجي : وجهها شديد الاصفرار . . هل أخذوها مرة أخرى الليلة؟ فقال عبد المعبود: نعم !
وبعد نصف ساعة أحضر لي عبد المعبود نصف رغيف أفرنجي وبداخله بعض المربى، وقال : الدكتور أمر لك بهذا ..وعند الغروب أخرجت من المستشفى لأوضع في حجرة قريبة من مكتب شمس بدران ، ثم حضر الزبانية حمزة وصفوت ورياض وصاروا يتداولون فيما بينهم هامسين . وانصرف الأولان وبقى الأخير الذي انقلب إلى مسخ مشوه يلطم وجهه ويشد شعره ، ثم يفتعل حركات كما لو كان يريد تمزيق ملابسه ويصرخ عاويا متهما إياي بالجنون والغفلة، مهددا بأني إذا لم أطع شمس باشا اليوم فإن حياتي سوف تنتهي . ثم يتساءل إن كنت أعلم أين ذهب عواد ورفعت وإسماعيل الفيومي ( أستشهد في باحة السجن الحربي في العام 1965 بعد أن حطموا رأسه في نافورة السجن) ؟ ويضيف أنهم يدفنون كل يوم في السجن عشرة كلاب من الإخوان ، يدفنونهم في جحيم عبد الناصر. فلما علقت على هلوسته تلك بأن قتلانا شهداء في الجنة، زاد من لطم وجهه وصاح مادام الكلاب والماء والنار والسياط وكل هذا العذاب لم ينفع معك . . فاليوم الباشا سيذبحك . . . أخذ الأمر من جمال عبد الناصر. . . ماذا ستفعلين . . ؟! قلت : الذي يفعل هو الله . فقال في بله : أنت تريديننا أن نفعل مثلكم ونخيب خيبتكم ؟ أنت تريديننا أن نترك روسيا التي تحكم نصف العالم وننصاع لكلام شخص مثل الهضيبي أو سيد قطب أو حسن البنا؟ أنتم مجانين. . إننا لسنا مثلكم . . ردى على . فقلت " إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون . ويقولون أئنا لتاركون آلهتنا لشاعر مجنون " وكانت هذه الآلهة هي الأصنام . والحكام سدنة الأصنام . وهم الذين رموا محمداً الرسول " صلى الله عليه وسلم " سيد ولد آدم . رموه بالجنون . وهكذا يعيد التاريخ نفسه فتقولون لمن يدعونكم إلى الله أنهم مجانين ، ويسيركم الطاغوت الذي استخدمكم في الباطل ، وتسيرون خلفه أذلاء بثمن بخس : أرضيتم المخلوق وأغضبتم الخالق . فجن جنونه وثارت ثائرته وهو يقول : أتريدون أن تعيدونا إلى الجمود والتأخر؟ . وفتح الباب واندفع جند كالوحوش يلهبون جسدي بالسياط . وهو يضحك في بله ويقول : والله يا زينب أنا خايف عليك ومشفق عليك . . . وأنا أقول : "حسبنا الله ونعم الوكيل " .
قلت في سخرية: شفقة وخوف ؟! ما هذا!! أنت تخاف ؟! القضية كما تقولون وضحت كل عناصرها . . فماذا يهمكم اعترافي أو إقراري؟! نعم وضح كل شئ . . وضح زوركم ، وكذبكم ، وإلصاق الجرائم بالأبرياء. أخذ المجنون رياض يضرب صدره ، ويشد شعره ويصرخ : بأي قوة تعيشين ؟!! كدنا نفقد عقولنا فيك . . . الأطباء يقولون : إذا لم يدخل لك طعام ستهلكين . . ودخل حمزة البسيوني وصفوت ، وقال حمزة : خيرا يا رياض .. ماذا فعلت معها؟ أظن عقلت ؟ ! ملأت نظرة بكل السخرية وصوبتها إلى حمزة البسيوني وقلت : لا أدرى من المجنون ؟ فنظر إلى حمزة ولم يعقب ، ثم استدار إلى صفوت وقال : هاتها يا صفوت إلى مكتب الباشا؟! !

جيـــان
•
الباب الرابع
في مكتب الباشا
أجلسني شمس على كرسي وقال : أعتقد أنه لا داعي للاستمرار في العناد، أريدك أن تكتبي ما نريد . فقلت : أتريد أن اكتب أننا كنا سنقتل عبد الناصر؟ هذا أمر مستحيل ، والله ما كنا لنجتمع إلا لدراسة القرآن والحديث لنبين للناس كيف يخرجون من طاعة الطواغيت البشرية إلى طاعة الله فيعبدونه وحده ويقيمون دينه ، لا يأتمرون إلا بما في الكتاب والسنة، لا يعصون الله فيما أمرهم ، ولكن يتحرونه دوما، ويجتهدون ألا يعصوه ، وإن عصوه تابوا ، واستغفروا. . ومع ذلك نحن نعتقد أن الحكم القائم حكم جاهلي يجب أن يزول ، لا بالحديد والنار بل بوجود قاعدة إسلامية عريضة في الأمة، فكيف تقولون إننا كنا سنقتل عبد الناصر؟! . . لابد أن نخرجكم أولا من الجاهلية .. فعندما توجد هذه القاعدة ستقوم الدولة الإسلامية حتما، انهالت السياط من مردة الإنس فصرخت بأعلى ما استطعت : لن أكتب لن اكتب . فاقتلوني. فالدنيا لا تساوى عندي شيئا . .
والتفت إلي شمس بدران يسأل : الورق الذي مزقته لم تذكري فيه شيئا عن عبد العزيز على . فسألت : ومن عبد العزيز على؟ فقال شمس بدران : عبد العزيز على باشا الذي عينه عبد الناصر وزيرا ولم يحفظ هذا المعروف وعض اليد التي أكرمته ، وتنكر لعبد الناصر. فقلت على الفور وقد طفا الإسم إلى ذاكرتي : عبد العزيز على، صاحب حركة اليد السوداء ضد الإنجليز؟ عبد العزيز على. لقد كان عبد الناصر وزملاؤه يجلسون على الأرض أمامه يستمعون منه دروسا في الوطنية . . إنني أعرف أنه رجل عظيم ، وهو صديق زوجي، وأخ في الله ، وزوجته من أعضاء المركز العام لجماعة السيدات المسلمات وصديقتي وأختي في الله . فسأل في تهكم : ألم تضميه إلى تنظيم الإخوان ؟! ! أجبت : كان يشرفنا ذلك ، إنه كما قالت الخنساء: "علم في رأسه نار".
فصرخ شمس بدران في عجرفة تخجل منها الجاهلية : إيه كمان عندك من الكلام الفارغ ؟! . . ونزلت السياط .
بعدها فترة راحة وتشاور هامس فيما بينهم ، ثم قال حسن خليل : نريد أن نعرف ، لماذا عرفت عبد العزيز بعبد الفتاح عبده إسماعيل ، وأين تم هذا التعارف ؟ أجبت : عندما كسرت رجلي بفعل رجال مخابراتكم ، كان يزورني في المستشفى هو وزوجته . واستمرت زياراته في البيت عندما تركت المستشفى. وتصادف يوما أن جاء عبد الفتاح عبده إسماعيل لزيارتي وكان عبد العزيز على موجودا فتعارفا . . هذا كل ما أتذكره بالنسبة لهده الواقعة.
فقال حسن خليل : يا ست زينب ، سنسلم معك أن تعارف عبد العزيز على وعبد الفتاح عبده إسماعيل كان مجرد لقاء عابر، فكيف تعرف عبد العزيز على في بيتك وبواسطتك بفريد عبد الخالق ؟ فقلت : عندما جاءت الممرضة لإجراء العلاج الطبيعي لساقي المكسورة، خرج عبد العزيز على وجلس في الصالون . وفى هذه الأثناء حضر فريد عبد الخالق فجلس في الصالون . وكان ليعرف عبد العزيز على بعد . وعندما انتهت جلسة العلاج ، وانصرفت الحكيمة ، دخل فريد عبد الخالق ليراني، ودخل عبد العزيز على ليستأذن في الانصراف ، فقدمت كلا منهما للآخر، فصرخ شمس بدران وكان في قمة الضيق : نادوا صفوت ! ! ولم أفق إلا في المستشفى، وقدماي في الضمادات وآلام حادة تدق عظامي، وتفرى كل جسمي!! .
في مكتب الباشا
أجلسني شمس على كرسي وقال : أعتقد أنه لا داعي للاستمرار في العناد، أريدك أن تكتبي ما نريد . فقلت : أتريد أن اكتب أننا كنا سنقتل عبد الناصر؟ هذا أمر مستحيل ، والله ما كنا لنجتمع إلا لدراسة القرآن والحديث لنبين للناس كيف يخرجون من طاعة الطواغيت البشرية إلى طاعة الله فيعبدونه وحده ويقيمون دينه ، لا يأتمرون إلا بما في الكتاب والسنة، لا يعصون الله فيما أمرهم ، ولكن يتحرونه دوما، ويجتهدون ألا يعصوه ، وإن عصوه تابوا ، واستغفروا. . ومع ذلك نحن نعتقد أن الحكم القائم حكم جاهلي يجب أن يزول ، لا بالحديد والنار بل بوجود قاعدة إسلامية عريضة في الأمة، فكيف تقولون إننا كنا سنقتل عبد الناصر؟! . . لابد أن نخرجكم أولا من الجاهلية .. فعندما توجد هذه القاعدة ستقوم الدولة الإسلامية حتما، انهالت السياط من مردة الإنس فصرخت بأعلى ما استطعت : لن أكتب لن اكتب . فاقتلوني. فالدنيا لا تساوى عندي شيئا . .
والتفت إلي شمس بدران يسأل : الورق الذي مزقته لم تذكري فيه شيئا عن عبد العزيز على . فسألت : ومن عبد العزيز على؟ فقال شمس بدران : عبد العزيز على باشا الذي عينه عبد الناصر وزيرا ولم يحفظ هذا المعروف وعض اليد التي أكرمته ، وتنكر لعبد الناصر. فقلت على الفور وقد طفا الإسم إلى ذاكرتي : عبد العزيز على، صاحب حركة اليد السوداء ضد الإنجليز؟ عبد العزيز على. لقد كان عبد الناصر وزملاؤه يجلسون على الأرض أمامه يستمعون منه دروسا في الوطنية . . إنني أعرف أنه رجل عظيم ، وهو صديق زوجي، وأخ في الله ، وزوجته من أعضاء المركز العام لجماعة السيدات المسلمات وصديقتي وأختي في الله . فسأل في تهكم : ألم تضميه إلى تنظيم الإخوان ؟! ! أجبت : كان يشرفنا ذلك ، إنه كما قالت الخنساء: "علم في رأسه نار".
فصرخ شمس بدران في عجرفة تخجل منها الجاهلية : إيه كمان عندك من الكلام الفارغ ؟! . . ونزلت السياط .
بعدها فترة راحة وتشاور هامس فيما بينهم ، ثم قال حسن خليل : نريد أن نعرف ، لماذا عرفت عبد العزيز بعبد الفتاح عبده إسماعيل ، وأين تم هذا التعارف ؟ أجبت : عندما كسرت رجلي بفعل رجال مخابراتكم ، كان يزورني في المستشفى هو وزوجته . واستمرت زياراته في البيت عندما تركت المستشفى. وتصادف يوما أن جاء عبد الفتاح عبده إسماعيل لزيارتي وكان عبد العزيز على موجودا فتعارفا . . هذا كل ما أتذكره بالنسبة لهده الواقعة.
فقال حسن خليل : يا ست زينب ، سنسلم معك أن تعارف عبد العزيز على وعبد الفتاح عبده إسماعيل كان مجرد لقاء عابر، فكيف تعرف عبد العزيز على في بيتك وبواسطتك بفريد عبد الخالق ؟ فقلت : عندما جاءت الممرضة لإجراء العلاج الطبيعي لساقي المكسورة، خرج عبد العزيز على وجلس في الصالون . وفى هذه الأثناء حضر فريد عبد الخالق فجلس في الصالون . وكان ليعرف عبد العزيز على بعد . وعندما انتهت جلسة العلاج ، وانصرفت الحكيمة ، دخل فريد عبد الخالق ليراني، ودخل عبد العزيز على ليستأذن في الانصراف ، فقدمت كلا منهما للآخر، فصرخ شمس بدران وكان في قمة الضيق : نادوا صفوت ! ! ولم أفق إلا في المستشفى، وقدماي في الضمادات وآلام حادة تدق عظامي، وتفرى كل جسمي!! .

جيـــان
•
الباب الرابع
الوهم الكبير !
مكثت بضعة أيام في المستشفى تحت العلاج ، ثم حملت إلى مكتب شمس بدران ! ! ويصر شمس بدران على وهمه الكبير، ويلف ويدور حوله ، حتى يخيل إلى أنه من كثرة ترديده هذا الوهم قد وقر في نفسه حقا، وأصبح حقيقة واقعة في عقله . .
( الإخوان المسلمون دبروا واتفقوا على اغتيال جمال عبد الناصر! ! ) وينظر إلى شمس بدران ودهشة كبيرة تملأ عينيه ، وتملأ قسمات وجهه ، ويقول مستنكرا : أ أنت على قيد الحياة؟! . ثم يقول متعجبا: "بعد كل ما جرى عليك ولك ؟إإ". فأرد : قال الله تعالى ( قتل أصحاب الأخدود ) البروج : 4 ! ، والذين قتلوا أصحاب الأخدود كانوا مجانين بالباطل والزور والبهتان . أما الذين قتلوا في الأخدود -وبأيدي أصحابه - فكانوا أصحاب رسالة ، وحملة أمانة . . مصرين على أن يؤدوا أمانتهم ، ويبلغوا رسالتهم .
فقال شمس بدران : إننا لا نفهم هذا الكلام ولا يستهوينا هذا الأسلوب يا مجنونة! أما زلت تعتقدين في وجود إله ؟ ! أنتم مهزومون من سنة 1948 إلى الآن – انهزمتم لما قاومتم فاروق ، وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة 1954 وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة1965. فأين ربكم الذي تزعمون؟ ! ! فقلت : إننا انتصرنا في سنة 1948 وانتصرنا في سنة 1954 وانتصرنا في سنة 1965.
فقال : إننا نعلقك كالدجاجة. . نرميك في النار. . نقذف بك إلى الكلاب ، لماذا لم يمنعنا ربكم عنكم ، إن كان موجودا يا مهزومين يا أولاد الــ . . ؟! وقلت : أما كونكم منتصرين علينا بهذا الجلد، وبتلك الألوان من العذاب فهذا أمر توهمونه ، أنتم تخافون منا! ! .
فقال غاضبا: أسكتي! أنتم مجرمون . فقلت : كلا. . لسنا مجرمين ، نحن حملة رسالة، وأمناء أمة، ودعاة حق ، وعلامات على طريق النور . فقال : أريد أن تشرحي لي كيف أنكم منتصرين علينا! . فقلت : نحن منتصرون عليكم ، طالما نحن أغنياء بالله ، أقوياء به سبحانه ، متوكلون عليه ، مكافحون ، مقاتلون مجاهدون في سبيله . . ولكن أمرا واحدا يثبت أننا منهزمون ، لو تخلينا عن اعتقادنا بوجوب الجهاد لرفع راية التوحيد وإعلاء كلمة الإسلام .. إن الإسلام في حقيقته : دين ودولة، سياسة داخلية، سياسة خارجية، نظام أمة، نظام مجتمع ، سلام يملأ الدنيا عدلا، وحرب تخلص العباد من عبادة الفرد إلى عبادة الله الواحد القهار و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . . إن العبد الذي أسلم وجهه لله تعالى بصدق ويقين أصبح متصلا بالله سبحانه رب كل شئ، فكيف يخاف خلقه من اتصلت روحه بعالم السماء وتعلق قلبه بالفردوس فهانت عليه الدنيا؟! أما أنتم أيها الضالون المكذبون ماذا تستطيعون ؟ تمزقون أجسادنا ، تقتلوننا ، ترهبوننا ، تمنعون عنا الماء والطعام . . السياط في أيديكم ، وسائل التعذيب رهن إشارتكم ، كل ذلك في ضمائرنا شئ هين ، تفرقون منا خوفا. . لماذا؟ لأننا حزب الله وأنتم حزب الشيطان ( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) المجادلة.
أثارت لغة الإيمان وأثار منطق التوحيد، جاهلية شمس بدران وحيوانيته ، فصرخ كالملدوغ : صفوت . . صفوت ! ! علقها واجلدها خمسمائة جلدة! ! وجلدت . . وأنزلت ، وسئلت نفس الأسئلة ، وأصررت على ما أجبت به . . فيعود شمس بدران إلى صراخه : علقها يا صفوت واجلدها مائتين وخمسين جلدة! ! وعلقت ، وجلدت . . وأفقت من غيبوبتي لأجدني في المستشفى محاطة بعدد من الأطباء يقومون بإسعافي وتضميد جروحي! ! مكثت في المستشفى عدة أيام تحت العلاج " ثم حملوني إلى مكتب شمس بدران على نقالة ! ..
رفعوني على كرسي أمام مكتب شمس بدران ، وقال : يا بنت الـ . . لن ينفعك العناد. . أنزلي عن عنادك حتى يمكن أن ننتهي من التحقيق معك ونرسلك للنيابة . نظرت إليه بكل ما تبقى بي من رمق ، قائلة في استنكار: نيابة؟!! وأنت من ؟
قال : إننا نجهزك للنيابة!! فقلت : ماذا تريد منى؟
قال مهددا: اعتدلي في إجابتك . . فلم يعد بك قوة للجلد. . وصفوت كما تعلمين على أتم استعداد. . إ! قلت : الله الفعال والمعين .
قالي : محمد قطب ، وشباب الإخوان كانوا يجتمعون في بيتك . لماذا؟ قلت : اعتاد الأستاذ محمد قطب وشقيقتاه - أمينة وحميدة- زيارتي . . فقاطعني شمس بدران - وقد كست ألفاظه ما تعودته من بذاءات وفحش-:
أنا أقول ، محمد قطب ، وشباب الإخوان ، أولاد الـ . . كانوا يجتمعون عندك ، لماذا؟
أجبت على بذاءته : الشباب الفاضل ، المسلم العامل ، اعتاد بعضه أن يزورني، وقد يلتقون بالأستاذ محمد قطب صدفة .
فيصرخ : يا بنت الـ . .أنا أقول ، كان الشباب يطلبون منك أن تهيئي لهم الاجتماع بمحمد قطب ، فكان يحضر عندك للغداء هو وهؤلاء الشباب . وبعد الغداء يتم اللقاء وينعقد الاجتماع . . لماذا؟
فأرد بكل ثبات وطمأنينة : لما أصدر الأستاذ محمد قطب كتابيه "جاهلية القرن العشرين ا و"التطور والثبات " طلب بعض أبنائي، وإخواني من شباب الدعوة أن يجتمعوا بالأستاذ محمد قطب ليسألوه عن بعض الأشياء في الكتابين استعصت على فهمهم ، واستجاب الأستاذ لدعوتهم عدة مرات . ثم يسأل : ولماذا كان يحضر عبد الفتاح عبده إسماعيل هذه الاجتماعات ؟
فارد : لأنه من خيرة شباب الإخوان المسلمين ، ومن صفوة رجالها .
فيجيب في سخرية جاهلة : والله عال ، من الصفوة يا بنت الـ . . ثم يزيد: في أي اجتماع من هذه الاجتماعات اتفق هو ومحمد قطب على قتل عبد الناصر؟ قلت : قصة قتل عبد الناصر هذه أنتم اخترعتموها.
قال شمس بدران : لماذا لم تشتغلي بالمحاماة وتكفينا قرفك هذا!
فقلت : الحمد لله الذي أقامني في خير ما يقيم فيه عباده . . داعية إلى الله وسأظل بفضله إن شاء الله . . فقام مسرعا يركلني وهو يقول : نهايتك على أيدي اليوم. . يا بنت الـ . . ! ثم سال بعد فترة : إيه التنظيم الذي أقمتيه مع محمد قطب ؟ اتفقتم على قتل جمال عبد الناصر. . عبد الفتاح عبده إسماعيل أو الولد الفيومي؟
فقلت : الفيومي قتلتوه خلاص . فضحك ضحكا عاليا وقال : ما أنت عارفة كويس ! يا صفوت . . يا صفوت وديها للفيومي ( كان من حراس الطاغية عبد الناصر الشخصيين وكان من الإخوان واتهموه ظلما وجورا بمحاولة اغتيال الطاغية . . ورغم أنه كان في متناول يمينه إلا أنه يفعل . . حطموا رأسه في العام 1965 في باحة السجن الحربي ) فاخذ صفوت يصب على نار سوطه المجنون ! ! . . فأسقط في إغماءه وأنقل إلى المستشفى لمعاودة إعدادي وتجهيزي لسماع مهاترات شمس بدران وعصابته ، ولمزيد من التعذيب والتنكيل لي وإهدار الإنسانية على مذبح شهوة السلطان ! .
الوهم الكبير !
مكثت بضعة أيام في المستشفى تحت العلاج ، ثم حملت إلى مكتب شمس بدران ! ! ويصر شمس بدران على وهمه الكبير، ويلف ويدور حوله ، حتى يخيل إلى أنه من كثرة ترديده هذا الوهم قد وقر في نفسه حقا، وأصبح حقيقة واقعة في عقله . .
( الإخوان المسلمون دبروا واتفقوا على اغتيال جمال عبد الناصر! ! ) وينظر إلى شمس بدران ودهشة كبيرة تملأ عينيه ، وتملأ قسمات وجهه ، ويقول مستنكرا : أ أنت على قيد الحياة؟! . ثم يقول متعجبا: "بعد كل ما جرى عليك ولك ؟إإ". فأرد : قال الله تعالى ( قتل أصحاب الأخدود ) البروج : 4 ! ، والذين قتلوا أصحاب الأخدود كانوا مجانين بالباطل والزور والبهتان . أما الذين قتلوا في الأخدود -وبأيدي أصحابه - فكانوا أصحاب رسالة ، وحملة أمانة . . مصرين على أن يؤدوا أمانتهم ، ويبلغوا رسالتهم .
فقال شمس بدران : إننا لا نفهم هذا الكلام ولا يستهوينا هذا الأسلوب يا مجنونة! أما زلت تعتقدين في وجود إله ؟ ! أنتم مهزومون من سنة 1948 إلى الآن – انهزمتم لما قاومتم فاروق ، وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة 1954 وانهزمتم عندما قاومتم الثورة في سنة1965. فأين ربكم الذي تزعمون؟ ! ! فقلت : إننا انتصرنا في سنة 1948 وانتصرنا في سنة 1954 وانتصرنا في سنة 1965.
فقال : إننا نعلقك كالدجاجة. . نرميك في النار. . نقذف بك إلى الكلاب ، لماذا لم يمنعنا ربكم عنكم ، إن كان موجودا يا مهزومين يا أولاد الــ . . ؟! وقلت : أما كونكم منتصرين علينا بهذا الجلد، وبتلك الألوان من العذاب فهذا أمر توهمونه ، أنتم تخافون منا! ! .
فقال غاضبا: أسكتي! أنتم مجرمون . فقلت : كلا. . لسنا مجرمين ، نحن حملة رسالة، وأمناء أمة، ودعاة حق ، وعلامات على طريق النور . فقال : أريد أن تشرحي لي كيف أنكم منتصرين علينا! . فقلت : نحن منتصرون عليكم ، طالما نحن أغنياء بالله ، أقوياء به سبحانه ، متوكلون عليه ، مكافحون ، مقاتلون مجاهدون في سبيله . . ولكن أمرا واحدا يثبت أننا منهزمون ، لو تخلينا عن اعتقادنا بوجوب الجهاد لرفع راية التوحيد وإعلاء كلمة الإسلام .. إن الإسلام في حقيقته : دين ودولة، سياسة داخلية، سياسة خارجية، نظام أمة، نظام مجتمع ، سلام يملأ الدنيا عدلا، وحرب تخلص العباد من عبادة الفرد إلى عبادة الله الواحد القهار و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . . إن العبد الذي أسلم وجهه لله تعالى بصدق ويقين أصبح متصلا بالله سبحانه رب كل شئ، فكيف يخاف خلقه من اتصلت روحه بعالم السماء وتعلق قلبه بالفردوس فهانت عليه الدنيا؟! أما أنتم أيها الضالون المكذبون ماذا تستطيعون ؟ تمزقون أجسادنا ، تقتلوننا ، ترهبوننا ، تمنعون عنا الماء والطعام . . السياط في أيديكم ، وسائل التعذيب رهن إشارتكم ، كل ذلك في ضمائرنا شئ هين ، تفرقون منا خوفا. . لماذا؟ لأننا حزب الله وأنتم حزب الشيطان ( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) المجادلة.
أثارت لغة الإيمان وأثار منطق التوحيد، جاهلية شمس بدران وحيوانيته ، فصرخ كالملدوغ : صفوت . . صفوت ! ! علقها واجلدها خمسمائة جلدة! ! وجلدت . . وأنزلت ، وسئلت نفس الأسئلة ، وأصررت على ما أجبت به . . فيعود شمس بدران إلى صراخه : علقها يا صفوت واجلدها مائتين وخمسين جلدة! ! وعلقت ، وجلدت . . وأفقت من غيبوبتي لأجدني في المستشفى محاطة بعدد من الأطباء يقومون بإسعافي وتضميد جروحي! ! مكثت في المستشفى عدة أيام تحت العلاج " ثم حملوني إلى مكتب شمس بدران على نقالة ! ..
رفعوني على كرسي أمام مكتب شمس بدران ، وقال : يا بنت الـ . . لن ينفعك العناد. . أنزلي عن عنادك حتى يمكن أن ننتهي من التحقيق معك ونرسلك للنيابة . نظرت إليه بكل ما تبقى بي من رمق ، قائلة في استنكار: نيابة؟!! وأنت من ؟
قال : إننا نجهزك للنيابة!! فقلت : ماذا تريد منى؟
قال مهددا: اعتدلي في إجابتك . . فلم يعد بك قوة للجلد. . وصفوت كما تعلمين على أتم استعداد. . إ! قلت : الله الفعال والمعين .
قالي : محمد قطب ، وشباب الإخوان كانوا يجتمعون في بيتك . لماذا؟ قلت : اعتاد الأستاذ محمد قطب وشقيقتاه - أمينة وحميدة- زيارتي . . فقاطعني شمس بدران - وقد كست ألفاظه ما تعودته من بذاءات وفحش-:
أنا أقول ، محمد قطب ، وشباب الإخوان ، أولاد الـ . . كانوا يجتمعون عندك ، لماذا؟
أجبت على بذاءته : الشباب الفاضل ، المسلم العامل ، اعتاد بعضه أن يزورني، وقد يلتقون بالأستاذ محمد قطب صدفة .
فيصرخ : يا بنت الـ . .أنا أقول ، كان الشباب يطلبون منك أن تهيئي لهم الاجتماع بمحمد قطب ، فكان يحضر عندك للغداء هو وهؤلاء الشباب . وبعد الغداء يتم اللقاء وينعقد الاجتماع . . لماذا؟
فأرد بكل ثبات وطمأنينة : لما أصدر الأستاذ محمد قطب كتابيه "جاهلية القرن العشرين ا و"التطور والثبات " طلب بعض أبنائي، وإخواني من شباب الدعوة أن يجتمعوا بالأستاذ محمد قطب ليسألوه عن بعض الأشياء في الكتابين استعصت على فهمهم ، واستجاب الأستاذ لدعوتهم عدة مرات . ثم يسأل : ولماذا كان يحضر عبد الفتاح عبده إسماعيل هذه الاجتماعات ؟
فارد : لأنه من خيرة شباب الإخوان المسلمين ، ومن صفوة رجالها .
فيجيب في سخرية جاهلة : والله عال ، من الصفوة يا بنت الـ . . ثم يزيد: في أي اجتماع من هذه الاجتماعات اتفق هو ومحمد قطب على قتل عبد الناصر؟ قلت : قصة قتل عبد الناصر هذه أنتم اخترعتموها.
قال شمس بدران : لماذا لم تشتغلي بالمحاماة وتكفينا قرفك هذا!
فقلت : الحمد لله الذي أقامني في خير ما يقيم فيه عباده . . داعية إلى الله وسأظل بفضله إن شاء الله . . فقام مسرعا يركلني وهو يقول : نهايتك على أيدي اليوم. . يا بنت الـ . . ! ثم سال بعد فترة : إيه التنظيم الذي أقمتيه مع محمد قطب ؟ اتفقتم على قتل جمال عبد الناصر. . عبد الفتاح عبده إسماعيل أو الولد الفيومي؟
فقلت : الفيومي قتلتوه خلاص . فضحك ضحكا عاليا وقال : ما أنت عارفة كويس ! يا صفوت . . يا صفوت وديها للفيومي ( كان من حراس الطاغية عبد الناصر الشخصيين وكان من الإخوان واتهموه ظلما وجورا بمحاولة اغتيال الطاغية . . ورغم أنه كان في متناول يمينه إلا أنه يفعل . . حطموا رأسه في العام 1965 في باحة السجن الحربي ) فاخذ صفوت يصب على نار سوطه المجنون ! ! . . فأسقط في إغماءه وأنقل إلى المستشفى لمعاودة إعدادي وتجهيزي لسماع مهاترات شمس بدران وعصابته ، ولمزيد من التعذيب والتنكيل لي وإهدار الإنسانية على مذبح شهوة السلطان ! .
الصفحة الأخيرة
الحجرة 32
ودخلت زنزانة وجدت بها عمودين من الخشب متصلين من أعلى بعمود أفقي تتدلى منه حلقتان . . أوقفوني على كرسي . وأمروني بالسوط أن أمسك الحلقتين ، عندئذ أزاحوا الكرسي من تحت قدمي فصرت معلقة في الهواء . . ! ! لم أستطع أن أستمر في الحلقتين أكثر من عشر دقائق فهويت على الأرض وتلقفني الزبانية بسياطهم المجنونة . وأعادوني مرة أخرى إلى الحلقتين. فسقطت ، فعملت في السياط المجنونة ما شاء لها هوى الزبانية. . وظلت هذه العملية تتكرر ما يقرب من ثلاث ساعات ! !