الباب الرابع
تسلط الأقزام وتحكيم الهوى
وهكذا، كانت الأقزام متسلحة بالسلطة تتسلط على الرجال ، فتحطم "الكرامة" ، وتمزق الكبرياء ، وتذل الإباء والشمم ، في أيام كان القانون فيها في سبات عميق . . والإنسانية في إجازة طويلة . . والرحمة رحلت عن ديارنا . . ! ! وسألني شمس ، وسألني أعوانه ، عندما حملوني إلى مكتبه : قولي يا بنت يا زينب ، ما رأى الحسيني عبد الغفار في الكلام الذي بلغك من فؤاد سراج الدين . ومن الذين كانوا سيتعاونون مع فؤاد سراج الدين من مكتب المشير عامر؟ وماذا طلب من الإخوان للقيام بالانقلاب ؟ .
فأجبت : الحسيني عبد الغفار أخي في الله ، ولا أعلم شيئا عما أسمع من إفك وكذب .
فتساءل حسن خليل وسعد عبد الكريم : أسمعي يا زينب ، ألم يقابل الحسيني عبد الفتاح إسماعيل في بيتك ؟. ألم تكلمي الحسيني لينتظم في صفوف الإخوان المسلمين ؟ .
قلت : أنا تكلمت مع الحسيني ليعود إلى صفوف دعوته وليس هذا جريمة، الحسيني رجل مؤمن بدعوة الإخوان ، وإن لم يكن منتظما فيها، فإنه يتمنى أن تتحقق مقاصدها ، وأن تهدى الناس إلى مقاصد الكتاب وغاياته ، وإلى مراد السنة وأهدافها، وقد تقابل الحسيني مع عبد الفتاح إسماعيل في بيتي وأخذا يتحدثان عن الإسلام وما أصاب المسلمين من انحطاط وتأخر، ثم انصرف الحسيني عبد الغفار، وقد تقابل الحسيني مع عبد الفتاح إسماعيل في بيتي مصادفة ثم قال لي عبد الفتاح عبده إسماعيل : الحسيني رجل صالح وطيب وعالم مخلص .. قال أحدهم : الحسيني قال كل شيء . لكن أنت تريدين أن تكون الفداء لكل الإخوان المسلمين ، وحتى الحسيني وفؤاد سراج الدين ، وتبعديهم عن المسئولية . .إننا نمنحك فرصة أخيرة لتراجعي فيها نفسك بخصوص رجال الوفد، وبعض رجال مكتب المشير عامر . . ما رأيك في هذه الفرصة؟ وسنواجهك بالحسيني وفؤاد سراج الدين ولكن بعد أن نخرج عينيك وتصيرين عمياء.
فقلت : الحمد لله نرى بقلوبنا وصرخ شمس بدران كمن لدغته أفعى : "هات الكلاب يا صفوت "! !
فتدخل أحد الأعوان يهدئه : لا عليك يا باشا . إنها لا تدري أين مصلحتها ولا تقدر النهاية! !
فقلت : النهاية بيد الله وليست بأيديكم ، والله الفعال ذو القوة المتين . وقال آخر من شلة الضباط المحيطين بشمس بدران : يأمر الباشا بإحضار الحسيني عبد الغفار . ثم نادوا صفوت لإحضاره ، وقال شمس بدران في كبرياء الجاهلية : خذوها إلى المستشفى الآن ! !
إنهم كالخفافيش يعشقون الظلام ، ؟ لا ينشطون إلا فيه . . ففي الليل حملوني وأجلسوني على مقعد في مكتب شمس بدران ، وبعد لحظات دخل الحسيني عبد الغفار . . كانت ذراعه مكسورة ملفوفة في جبيرة ومعلقة إلى صدره . . وكانت قدماه في ضمادات سميكة . . وكانت آثار التعذيب الوحشي –بل الجاهلي – بارزة على كل جزء من جسده .
وقال الحسيني عبد الغفار عندما دخل : السلام عليكم .
قلت : وعليكم السلام . ونظر إليه شمس بدران في سخرية وسأل في تهكم : يا حسيني، ما هي قصتك مع زينب ؟
وقال الحسيني : الورق مكتوب فيه كل شيء . فأخرج شمس بدران أوراقا وأعطاها للحسيني وأمره بقراءتها-.
لم اكن مشغولة بالأوراق التي بين يدي الحسيني، بل كنت أفكر كيف أجيب على هذا الشيطان بما يخفف عن الحسيني أو يرفع عنه العذاب ، ويقيني أن الحسيني عذب حتى يكتب ما يريدون . وأخذ الحسيني يقرأ في الأوراق التي أعطاها له شمس بدران . . أشياء كثيرة لم أحس يوماً أن الحسيني يعتقدها أو يدعو لها أو يتكلم بها. كل ما قرأه لم يكن صحيحا ولا واقعا وإنما خيال مريض . . سألني شمس : ما رأيك ! قلت : إنه الإكراه للإخوان والبطش والعذاب حتى يقولوا ما تريدون ! فقال شمس : وهل ما سمعته كذب ؟
أجبت : الحسيني لا يكذب . ولكنى على يقين أنه قد عذب حتى. . فصرخ شمس مقاطعا غاضبا. ماذا تقصدين ؟ الكلام الذي قرأه الحسيني ألم يقله لك ؟! وقال حسن خليل : إننا نريدك أن تقولي هل ما سمعته من الحسيني حصل أم لا؟
وقال آخر: هل ستحرقين نفسك بالنار من أجل الحسيني كما حرقتها من أجل الإخوان ؟ فأجبت : أنا لا أحرق نفسي ولكن أحييها.
قال شمس بدران : أنت يا حسيني بلغت زينب رسالة من فؤاد سراج الدين !
فقلت وأنا أوجه الكلام إلى الحسيني: أنت يا حسيني بلغتني رسالة من فؤاد باشا سراج الدين ؟
فقال الحسيني : فؤاد سراج الدين الصغير وليس معالي الباشا؟
فقلت : أنا لا أعرف إلا فؤاد باشا سراج الدين . . من هو فؤاد الصغير يا حسيني؟!
فقال الحسيني : ابن عم فؤاد باشا.
فقلت للحسيني. وما تلك المسالة يا حسيني؟
فقال : أنا قلت إن المسألة كانت عبارة عن نكتة رواها لي على سليمان وأنا ذكرت هذه النكتة أمام الحاجة زينب ! !
فقال شمس بدران للحسيني : اخرج يا حسيني.
فقلت لشمس بدران : حسبنا الله ونعم الوكيل ! . . النكتة صنعتم منها مؤامرة ! . . وفؤاد باشا سراج الدين لم يسلم منكم يا ظلمة . ثم نادى شمس على صفوت وعادت السياط لتنهال من جديد . ثم قال شمس : خذها يا حمزة للمستشفى.

جيـــان
•

جيـــان
•
الباب الرابع
عذاب . . !! في المستشفى . . ! !
وفي اليوم التالي دخل زنزانتي في المستشفى حمزة البسيوني ومعه رجل يرتدى الملابس العسكرية برتبة لواء ومعهما التمورجي عبد المعبود . وقال حمزة البسيوني لعبد المعبود : اذهب وأحضر كرسيا ومنضدة صغيرة، وفى لحظات عاد عبد المعبود بالكرسي والمنضدة . وضع حمزة البسيوني ورقا أبيض على المنضدة وقال لعبد المعبود : اجلس إلى هذه المنضدة واكتب كل ما ستمليه عليك .
وجاء صفوت الروبي يحمل ملفات متضخمة. أخرج حمزة من كل ملف ورقة وقال لي : كل هذا الكلام تدونيه في أوراقك ، هو من كلام الهضيبي، وسيد قطب ، وعبد الفتاح إسماعيل ، وهواش ، وأحمد عبد المجيد ، ومرسى مصطفى مرسى ، وصبري عرفة ، وفاروق المنشاوي ، وعبد العزيز على ، فقلت لهم : سأكتب ما أعرفه ، ليس لي علاقة بهذا الكلام. . إنني لا أصدق ولا أعتقد أنها للإخوان الذين تدعون أنها لهم . . قال حمزة البسيوني : ردى كما ينبغي، سنرسلك إلى مكتب شمس باشا، وتذوقين العذاب ألوانا كما تعرفين .
وما أمليت على عبد المعبود إلا ما يرضى الله ربنا هو ولينا ونعم النصير.
وفى صباح اليوم التالي أخذوني إلى مكتب شمس بدران ووضعوني على مقعد، أخذ شمس بدران أوراقا وأخذ يمزقها ويرمى بها في سلة المهملات ، وقال في أسلوب يترفع أي مخلوق في أدنى درجات الإنسانية ويتمتع بأقل قسط من الأخلاق أن ينحدر إليه : أنت يا بنت الــ . . تريدين أن تهدمي كل التحقيقات وتبطلي كل أقوال الإخوان ؟ الكلام الذي قاله الإخوان مضبوط .
إجابات الإخوان أنت ملزمة بتأييدها في أقوالك . أنت ملزمة بكل ما قاله الإخوان .
فقلت : أنا ملزمة بالحق الذي أعتقده ، إنني لست ملزمة أن أقول إلا ما أعتقده. وغير ملزمة بأن أصدق أن هذه الإجابات من أقوال إخواني . واجهوني بهم جميعا، إن سياطكم وتعذيبكم قد انتزعتها منهم .. انتزاعا. فصرخ شمس بدران : خذها يا حمزة،أنا أريدها جثة أوقع تصريح دفنها! . . أخذوني إلى حجرة وأغلقوها على ، وبعد ساعة أخرجوني منها ، وأوقفوني تحت سياط الكرابيج ووجهي إلى الحائط أمام جهاز تكييف . وظللت واقفة ما يقرب من الست ساعات وكأ ننئ كنت واقفة على مسامير محماة . فقد كانت آلام حادة تفرى قاع قد مي مع ضربات الجلد المستمرة .
وفى منتصف الليل - ودائما الليل - أعادوني إلى مكتب شمس بدران الذي قال لي : يا زينب..أكتبي . . الرئيس جمال عبد الناصر سيغفر لك . . واكثر الإخوان اعترفوا.. إن سلكت ستقابلين جمال عبد الناصر صباح غد، وتعودين إلى بيتك فورا، وبعدها سيلغى قرار حل المركز العام للسيدات المسلمات ، وسيتقرر إعطاؤك خمسين ألف جنيه كإعانة للجماعة ، وكدفعة أولى لبناء أرض الجماعة في مصر الجديدة، وعشرة آلاف جنيه لإعادة صدور المجلة . وسأل رجل من الجالسين بالمكتب : هل جماعة السيدات المسلمات لها أرض
في مصر الجديدة يا زينب ؟ فأجبت : نعم ، عندها ستة آلاف متر. فقال نفس الرجل – والذي عرفت أنه صلاح نصر فيما بعد – وماذا كانت ستفعل الجمعية بهذه المساحة الكبيرة من الأرض ؟
فقلت : كانت الجمعية ستبنى دارا لتربية الفتاة المسلمة , ودار ضيافة للمسلمات وقاعة محاضرات ، ودارا للمركز العام ، ومسجدا ، وجمعية لتحفيظ القران الكريم ، ومدرسة إعدادية وأخرى ابتدائية ومعهدا للواعظات .
فتساءل : ومن أين لكم بالأموال ؟ فأجبت : من التبرعات – والعمل على مراحل .
فقال : إذن ، إنها فرصة جميلة يمنحها لك الرئيس جمال . . تعودين إلى بيتك وتعود الجماعة . . وثقة الرئيس نتائجها كبيرة! !
فقلت : ثقتنا في الله اكبر. . الإله اكبر في نفوسنا من الأرض ، ومن المال ، ومن كل طواغيت الأرض المعتدين على حق الله وحق عباده ، أنا لا أريد أي شيء منكم ، ولن أقبل أبدأ أن أقابل عبد الناصر ولا أصافح اليد التي غمست في دم إسماعيل الفيومي ورفعت بكر ومحمد عواد وغيرهم كثير وعبد القادر عودة وزملائه ، لن أصافح اليد التي غمست في هذا الدم المبارك ، إن هذا الدم سيقود على مدى السنين أجيال المسلمين الذين سيعودون إلى ماضيهم الزاهر المجيد . إلى مقعد المسئولية في هذا العالم . . وتنهال اللكمات والركلات والضربات فأقع هامدة على الأرض ، ويقول شمس بدران : يا حمزة خذها إلى رقم 34 .
وأدخلت رقم 34 ! ! . . زنزانة ضيقة مظلمة كالقبر الموحش . . ! ! وأدخلوا معي كلبين ، وأغلقوا الزنزانة .
تيممت وأخذت أصلى، وأنا لا أدرى أين القبلة . . انتهى من صلاة وأدخل في أخرى، انشغالاً بالله لعله يصرف عنى ما أرادوه .
تسلق الكلبان ظهري في ركوعي وسجودي، وأخذا يخمشان رأسي ، ووجهي . . وأنا أصلى وأستغرق وأسبح في عالم الدعوات والتضرعات. وبعد ساعة فتحت الزنزانة وسحبوا الكلبين وحملوني إلى المستشفى .
بعد العشاء أعادوني إلى مكتب شمس بدران . قال شمس بدران : يا زينب ، انعقد في بيتك اجتماع كان يضم أكثر من خمسين رجلا من الإخوان المسلمين من جميع أنحاء الجمهورية - هذا الاجتماع كان منذ ثلاث سنوات . ماذا جرى في هذا الاجتماع ؟
فقلت : صلينا المغرب جماعة ، وصلينا العشاء ، ثم التراويح .
فقال : أنا أسألك ، ما الغرض من هذا الاجتماع ؟ فقلت : لا أتذكر. سأل : تناولوا الإفطار عندك ! فقلت : عدد منهم .
فسأل : ولماذا كان الاجتماع ؟ فقلت : كنا ندرس الإسلام ، وكيف نقاوم تيارات الإلحاد التي تغذيها وتنفخ فيها أجهزة الجاهلية وأعلامها .. قال : ولماذا عندك بالذات ؟ أجبت : لأنني من المسلمين إن شاء الله . . سال : وأي جاهلية ، وأي إسلام ، وأي إلحاد؟ !
فقلت : لو قمت بجولة في البلد لرأيت على أرصفة الشوارع أكوام الجرائد، ومجلات الإلحاد ونشرات الانحلال التي توزع بأثمان رمزية لنشر الشيوعية، والإلحاد والانحلال والتسيب في كل شيء . فقاطعني في شبه صراخ : كفى، كفى. . دا كلام فارغ ، ما هي أسماء المجتمعين عندك ؟ فقلت : لا أتذكر أسماءهم .
سأل : أحد المجتمعين ترك الاجتماع وقابل الهضيبي ثم رجع مرة أخرى بعد اتصالك تليفونيا بمنزل الهضيبي، من هذا الرجل ؟
فقلت : لا أتذكر. وكل ما يعلق بذاكرتي في هذا الخصوص أنه سألني أن أستأذن الهضيبي لمقابلته . . فماذا في هذا؟
سأل : كنتم مجتمعين إذن؟ أنا أسهل لك الإجابة! الرجل الذي ذهب إلى الهضيبي اسمه عبد الفتاح الشريف أليس كذلك ؟
ثم أردف : سأعلقك إن لم تجيبي ثم اكمل . . اتفقتم على قلب نظام الحكم وقتل جمال عبد الناصر. فقلت : اتفقنا على محاربة الجاهلية ، والتسيب والانحلال والإلحاد . والعمل على نشر تعاليم القران وإقناع المسلمين بوجوب حكم القرآن والسنة. فسأل مستنكرا : وماذا يعمل الأزهر؟ انطقي ما هي وظيفة الأزهر؟ علقها يا صفوت واجلدها . وأنا تحت السياط أقول يا الله ، يا الله ، وأخذت اكرر الاسم الأعظم حتى أغمى علي .
عذاب . . !! في المستشفى . . ! !
وفي اليوم التالي دخل زنزانتي في المستشفى حمزة البسيوني ومعه رجل يرتدى الملابس العسكرية برتبة لواء ومعهما التمورجي عبد المعبود . وقال حمزة البسيوني لعبد المعبود : اذهب وأحضر كرسيا ومنضدة صغيرة، وفى لحظات عاد عبد المعبود بالكرسي والمنضدة . وضع حمزة البسيوني ورقا أبيض على المنضدة وقال لعبد المعبود : اجلس إلى هذه المنضدة واكتب كل ما ستمليه عليك .
وجاء صفوت الروبي يحمل ملفات متضخمة. أخرج حمزة من كل ملف ورقة وقال لي : كل هذا الكلام تدونيه في أوراقك ، هو من كلام الهضيبي، وسيد قطب ، وعبد الفتاح إسماعيل ، وهواش ، وأحمد عبد المجيد ، ومرسى مصطفى مرسى ، وصبري عرفة ، وفاروق المنشاوي ، وعبد العزيز على ، فقلت لهم : سأكتب ما أعرفه ، ليس لي علاقة بهذا الكلام. . إنني لا أصدق ولا أعتقد أنها للإخوان الذين تدعون أنها لهم . . قال حمزة البسيوني : ردى كما ينبغي، سنرسلك إلى مكتب شمس باشا، وتذوقين العذاب ألوانا كما تعرفين .
وما أمليت على عبد المعبود إلا ما يرضى الله ربنا هو ولينا ونعم النصير.
وفى صباح اليوم التالي أخذوني إلى مكتب شمس بدران ووضعوني على مقعد، أخذ شمس بدران أوراقا وأخذ يمزقها ويرمى بها في سلة المهملات ، وقال في أسلوب يترفع أي مخلوق في أدنى درجات الإنسانية ويتمتع بأقل قسط من الأخلاق أن ينحدر إليه : أنت يا بنت الــ . . تريدين أن تهدمي كل التحقيقات وتبطلي كل أقوال الإخوان ؟ الكلام الذي قاله الإخوان مضبوط .
إجابات الإخوان أنت ملزمة بتأييدها في أقوالك . أنت ملزمة بكل ما قاله الإخوان .
فقلت : أنا ملزمة بالحق الذي أعتقده ، إنني لست ملزمة أن أقول إلا ما أعتقده. وغير ملزمة بأن أصدق أن هذه الإجابات من أقوال إخواني . واجهوني بهم جميعا، إن سياطكم وتعذيبكم قد انتزعتها منهم .. انتزاعا. فصرخ شمس بدران : خذها يا حمزة،أنا أريدها جثة أوقع تصريح دفنها! . . أخذوني إلى حجرة وأغلقوها على ، وبعد ساعة أخرجوني منها ، وأوقفوني تحت سياط الكرابيج ووجهي إلى الحائط أمام جهاز تكييف . وظللت واقفة ما يقرب من الست ساعات وكأ ننئ كنت واقفة على مسامير محماة . فقد كانت آلام حادة تفرى قاع قد مي مع ضربات الجلد المستمرة .
وفى منتصف الليل - ودائما الليل - أعادوني إلى مكتب شمس بدران الذي قال لي : يا زينب..أكتبي . . الرئيس جمال عبد الناصر سيغفر لك . . واكثر الإخوان اعترفوا.. إن سلكت ستقابلين جمال عبد الناصر صباح غد، وتعودين إلى بيتك فورا، وبعدها سيلغى قرار حل المركز العام للسيدات المسلمات ، وسيتقرر إعطاؤك خمسين ألف جنيه كإعانة للجماعة ، وكدفعة أولى لبناء أرض الجماعة في مصر الجديدة، وعشرة آلاف جنيه لإعادة صدور المجلة . وسأل رجل من الجالسين بالمكتب : هل جماعة السيدات المسلمات لها أرض
في مصر الجديدة يا زينب ؟ فأجبت : نعم ، عندها ستة آلاف متر. فقال نفس الرجل – والذي عرفت أنه صلاح نصر فيما بعد – وماذا كانت ستفعل الجمعية بهذه المساحة الكبيرة من الأرض ؟
فقلت : كانت الجمعية ستبنى دارا لتربية الفتاة المسلمة , ودار ضيافة للمسلمات وقاعة محاضرات ، ودارا للمركز العام ، ومسجدا ، وجمعية لتحفيظ القران الكريم ، ومدرسة إعدادية وأخرى ابتدائية ومعهدا للواعظات .
فتساءل : ومن أين لكم بالأموال ؟ فأجبت : من التبرعات – والعمل على مراحل .
فقال : إذن ، إنها فرصة جميلة يمنحها لك الرئيس جمال . . تعودين إلى بيتك وتعود الجماعة . . وثقة الرئيس نتائجها كبيرة! !
فقلت : ثقتنا في الله اكبر. . الإله اكبر في نفوسنا من الأرض ، ومن المال ، ومن كل طواغيت الأرض المعتدين على حق الله وحق عباده ، أنا لا أريد أي شيء منكم ، ولن أقبل أبدأ أن أقابل عبد الناصر ولا أصافح اليد التي غمست في دم إسماعيل الفيومي ورفعت بكر ومحمد عواد وغيرهم كثير وعبد القادر عودة وزملائه ، لن أصافح اليد التي غمست في هذا الدم المبارك ، إن هذا الدم سيقود على مدى السنين أجيال المسلمين الذين سيعودون إلى ماضيهم الزاهر المجيد . إلى مقعد المسئولية في هذا العالم . . وتنهال اللكمات والركلات والضربات فأقع هامدة على الأرض ، ويقول شمس بدران : يا حمزة خذها إلى رقم 34 .
وأدخلت رقم 34 ! ! . . زنزانة ضيقة مظلمة كالقبر الموحش . . ! ! وأدخلوا معي كلبين ، وأغلقوا الزنزانة .
تيممت وأخذت أصلى، وأنا لا أدرى أين القبلة . . انتهى من صلاة وأدخل في أخرى، انشغالاً بالله لعله يصرف عنى ما أرادوه .
تسلق الكلبان ظهري في ركوعي وسجودي، وأخذا يخمشان رأسي ، ووجهي . . وأنا أصلى وأستغرق وأسبح في عالم الدعوات والتضرعات. وبعد ساعة فتحت الزنزانة وسحبوا الكلبين وحملوني إلى المستشفى .
بعد العشاء أعادوني إلى مكتب شمس بدران . قال شمس بدران : يا زينب ، انعقد في بيتك اجتماع كان يضم أكثر من خمسين رجلا من الإخوان المسلمين من جميع أنحاء الجمهورية - هذا الاجتماع كان منذ ثلاث سنوات . ماذا جرى في هذا الاجتماع ؟
فقلت : صلينا المغرب جماعة ، وصلينا العشاء ، ثم التراويح .
فقال : أنا أسألك ، ما الغرض من هذا الاجتماع ؟ فقلت : لا أتذكر. سأل : تناولوا الإفطار عندك ! فقلت : عدد منهم .
فسأل : ولماذا كان الاجتماع ؟ فقلت : كنا ندرس الإسلام ، وكيف نقاوم تيارات الإلحاد التي تغذيها وتنفخ فيها أجهزة الجاهلية وأعلامها .. قال : ولماذا عندك بالذات ؟ أجبت : لأنني من المسلمين إن شاء الله . . سال : وأي جاهلية ، وأي إسلام ، وأي إلحاد؟ !
فقلت : لو قمت بجولة في البلد لرأيت على أرصفة الشوارع أكوام الجرائد، ومجلات الإلحاد ونشرات الانحلال التي توزع بأثمان رمزية لنشر الشيوعية، والإلحاد والانحلال والتسيب في كل شيء . فقاطعني في شبه صراخ : كفى، كفى. . دا كلام فارغ ، ما هي أسماء المجتمعين عندك ؟ فقلت : لا أتذكر أسماءهم .
سأل : أحد المجتمعين ترك الاجتماع وقابل الهضيبي ثم رجع مرة أخرى بعد اتصالك تليفونيا بمنزل الهضيبي، من هذا الرجل ؟
فقلت : لا أتذكر. وكل ما يعلق بذاكرتي في هذا الخصوص أنه سألني أن أستأذن الهضيبي لمقابلته . . فماذا في هذا؟
سأل : كنتم مجتمعين إذن؟ أنا أسهل لك الإجابة! الرجل الذي ذهب إلى الهضيبي اسمه عبد الفتاح الشريف أليس كذلك ؟
ثم أردف : سأعلقك إن لم تجيبي ثم اكمل . . اتفقتم على قلب نظام الحكم وقتل جمال عبد الناصر. فقلت : اتفقنا على محاربة الجاهلية ، والتسيب والانحلال والإلحاد . والعمل على نشر تعاليم القران وإقناع المسلمين بوجوب حكم القرآن والسنة. فسأل مستنكرا : وماذا يعمل الأزهر؟ انطقي ما هي وظيفة الأزهر؟ علقها يا صفوت واجلدها . وأنا تحت السياط أقول يا الله ، يا الله ، وأخذت اكرر الاسم الأعظم حتى أغمى علي .

جيـــان
•
الباب الخامس
وسمع فرعون
أفقت .. يا إلهي .. إنني ما زلت على الأرض أمامهم جثة هامدة . . إنهم أسعفوني .. وبصعوبة شديدة حاولت النظر في الحاضرين . . فإذا بجمال عبد الناصر يتكئ على كتف عبد الحكيم عامر ويمسك في يده نظارة سوداء .
عندما رأيت جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، نسيت ألمي، ودبت في جسدي يقظة غريبة، وانتابني نشاط غريب ! !
أعطوني كوبا من عصير الليمون فشربته ، رفعوني من فوق الأرض على مقعد، ثم أحضروا لي فنجان قهوة فلم أتردد في تناوله .
كان إحساسي بان هناك شيئا خطيرا سيحدث ، فكل ما يدور حولي يقوى عندي هذا الإحساس .
وقال شمس بدران ؟هو ينفخ : يا بنت يا زينب ، أريد أن تجيبي على كل سؤال أوجهه إليك بصراحة وإلا . . ! !
افترضي يا زينب أن الإخوان المسلمين هم الذين يحكمون البلد، وأننا نقف أمامكم تحاكموننا، فماذا كنتم تفعلون بنا؟
فأجبت في قوة وشجاعة: نحن لا نسكن في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ولا نلوث أيدينا بما لوث به الظالمون أيديهم ، نحن لانغمس أيدينا في الدم . . ' نحن لا نجلس في مقاعد طواغيت الأرض . , فقال : اخرسي! أنا باسألك ، إن كنت جالسة على هذا الكرسي مكاني ماذا كنت تفعلين معي؟
فقلت : نحن طلاب حقيقة ، ليس في حسابنا أن نصل إلى الحكم ، إننا حملة لواء "لا إله إلا الله " نفتديه بالأموال والأرواح .
فقال شمس بدران : اخرسي يا بنت الـ . .. أنا اكرر لك السؤال . ماذا كنتم تفعلون لو وصلتم إلى ا أ؟
فقلت : إننا لسنا طلاب حكم ! . . ولا يعنينا أن نكون في قمة المسئولية أو عند السفح حراسا للطريق المؤدى إلى الرجل الذي حمل الأمانة وبايعته الأمة، عبدا لله حاكما بما أنزل الله ولتكن هذه الدار دار البعث . . البعث الإسلامي . فصرخ شمس بدران متشنجا: اخرسي . . اخرسي . . اخرسي؟ ! أريد إجابة واحدة : افترضي أنك جلست على الكرسي الذي أجلس عليه الآن ماذا تفعلين معي وأنا متهم أمامك . . ؟ فقلت : ربما تنتهي أجيال وأجيال حتى يحكم الإسلام ، نحن لا نتعجل الخطى، ويوم يحكم الإسلام ستكون مواقع المرأة المسلمة في مملكتها الطبيعية لتربى رجال الأمة . فقال شمس بدران كتائه يضرب في الصحراء في يوم عاصف : يا بنت الـ . . . أنا أقول افترضي جدلاً أنك جالسة مكاني ماذا تفعلين معي؟
فقلت : الإسلام عدل ورحمة، فلا سياط ولا قتل ، ولا تعذيب ولا سجون ، ولا نفى، ولا دفن للأحياء، ولا تمزيق لأجساد الشهداء : رفعت بكر وعواد وإسماعيل الفيومي . . لا تشريد أطفال ، ولا ترمل نساء، لا فراعنة ولا وثنية . . ولكن الحق والعدل . . الكلمة تواجهها الكلمة والحجة تواجهها الحجة . . صرخ شمس كالصريع : اخرسي . . اخرسي . . علقها يا صفوت اجلدها . وعلقني صفوت ، وعلى لفائف الشاش ، أخذت السياط المجنونة تهوى على كل جزء في جسمي، والدم ينزف . . ولا أدري كم من الوقت مر . . فقد رأى الطبيب إنزالي وقال : إن حالتها خطيرة . . إنها تموت يا معالي الباشا!!
قال شمس : في ستين داهية.
قال أحد الضباط : إننا نريد أن تكون حية حتى تقف أمام المحكمة! !
فقال شمس بدران : نعم ، نعم نريدها تعيش لتذهب إلى المحكمة ويتفرج عليها الشعب وتكون عبرة.
وقال الطبيب : إننا في حاجة إلى أدوية وعقاقير غير موجودة! !
فقال شمس بدران : اطلبها من صيدلية المشير عامر! !
ونقلت إلى المستشفى ولم أدر ماذا حدث في تلك الليلة، فقد رحت في غيبوبة أفقدتني الإحساس بالألم ' كما أفقدتني الاستمتاع باسترجاع الحوار مع شمس بدران على مسمع من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، لقد قلت ما أردت أن يعرفه . . وقد عرفه ! !
أصل المؤامرة . . نكتة ! !
أسعفت بالعلاج ، لأنهم كانوا يحرصون على حياتي . . فأنا متهمة من وجهة نظر من ينسجون القضية ويؤلفون فصولها ويصنعون أبطالها . . فلا غرابة إذن ، أن يصرف لي دواء لأستطيع حضور المحاكمة! ! أمضيت ثلاثة أيام في غيبوبة . .
وفى مساء يوم سمعت صوت مراد وصفوت يخرج من زنزانة الأخ أحمد كمال ويسألانه عن عنوان سيف الإسلام . . وأعطاهما العنوان ، وبعد ما يقرب من ثلاث ساعات عادا إلى زنزانة الأخ أحمد كمال وسألاه عن عنوان مكتب سيف البنا. . ! !
وسيف البنا هو نجل الإمام الشهيد حسن البنا، أخذت أدعو لسيف وأمه وإخوته ، فأمه مريضة بالقلب ، وسيف هو العائل الوحيد للبيت والأسرة . أخذت أضرع إلى الله سبحانه أن يصرف عنهم كيدهم .
رفعوني على نقالة إلى مكتب شمس بدران . . وسألني شمس بدران سؤالاً تأكد لي منه أن سيف الإسلام البنا نجل الإمام الشهيد حسن البنا في السجن الحربي! ! وشغلني جدا أمر وجود سيف البنا في السجن الحربي .
وقال شمس بدران لحمزة البسيوني : ألم أقل لك إن هذه البنت لا تدخل مكتبي وهى حية؟ لماذا أحضرتها وفيها نفس يتردد؟! ثم وجه الكلام إلى وكل عضلات وجهه تهتز في عصبية : أما زلت على قيد الحياة؟ لماذا . . لماذا؟ فقلت : ليس بإرادتك ، ولا بإرادتي أن أعيش أو أموت ، ولكنها إرادة الله وهو المحيى المميت .
فصرخ قائلا : اخرسي، اخرسي . . ردى على سؤالي فقط : من الذي كان سيغتال جمال عبد الناصر في طريق الإسكندرية من رجال الجيش ؟
فقال حسن خليل : قرب لها المسألة قليلا يا باشا، أ؟ اسمح لي أن أفهمها الموضوع .
ثم أردف –بعد أن أومأ إليه شمس بدران برأسه – هناك شخص حكى لك عن جماعة تربصوا لجمال عبد الناصر في الطريق الصحراوي وكان مسافرا بالسيارة إلى الإسكندرية . من حكى لك هذه الرواية؟ ومن كان في السيارة الجيب لاغتيال عبد الناصر؟
فقال شمس بدران : ردى بسرعة! !
فقلت : ما أتفه ما تعذبون الناس من أجله ! ويلكم من الله ! ثم ويلكم من التاريخ ! ثم ويلكم من الناس جميعا وهم ينزلون عليكم لعناتهم ! . . وكان جزائي على ذلك قاسيا : دم يسيل وعظام تكسر! .
وكان شمس يقول : إن علقناك الآن ستموتين ، ولكننا سنسامحك إن أخبرت عن الحكاية! ! احكي لنا الحكاية من أولها. . يا بنت الــ . الحكاية اللي قالها لك سيف البنا.
فقلت : آه . . النكتة التي قالها سيف ، فقام شمس مسرعا يركلني ويصفعني وهو يقول : أيوه يا أختي النكتة!
وقلت : كنت في بيت الشهيد البنا وقال سيف الإسلام . . يقولون كان جمال عبد الناصر مسافرا في الطريق الصحراوي بالسيارة إلى الإسكندرية وكمن له جماعة من الجيش في سيارة جيب ليغتالوه . وفى اللحظة الأخيرة تغير نظام سفر عبد الناصر، وسافر بالقطار، والغريب في الموضوع أن السيارة الجيب هربت فلم يستطيعوا القبض عليها ولا على من فيها.
فقلت لسيف : حقا إنها نكتة . . لكن ليس هو الفراغ الذي جعل الناس يقولون ذلك كما تقول يا سيف . . . أنا لا أعتقد أن هناك سيارة جيب ، والأمر كله من صنع جهاز المخابرات . . هناك كل يوم مؤامرة مزعومة لاغتيال عبد الناصر، مرة من الجيش ومرة من الشعب ، وهلم جرا ونسمع عن ذلك . . ويقبض على آلاف الناس .
وقال سيف : دي مجرد نكت الناس بتعملها وخلاص.
فقلت : الناس لا يفكرون في قتله . . قتل الحاكم الظالم لا ينهي المشكلة. . القضية اكبر من قتل عبد الناصر، القضية تخليص البلد من حكم جاهل ، عات متجبر.
وأجابني سيف : من الأفضل للناس أن يشغلوا أنفسهم بمصالحهم الشخصية وتربية أنفسهم .
فقلت : على أي حال لم يقتل هذا البلد غير النكت . . لم يستطع الناس أن ينفسوا عما في صدورهم إلا بالنكتة . . وبها قتلت الرجولة وقتلت المسئولية . وانتهى الحديث مع سيف الإسلام البنا .
فقال شمس بدران : هذه الحكاية - حكاية اغتيال عبد الناصر في طريق الإسكندرية الصحراوي- دار حديث فيها بينك وبين عبد الفتاح إسماعيل وعلى العشماوي في بيتك ودرستم تخطيطها، والأخطاء التي وقعت فيها . لما ذ ا ؟
فقلت : ما حصل غير ذلك ، أنا نقلت النكتة لعبد الفتاح عبده إسماعيل عن سيف الإسلام . . لم ندرس الحكاية . . دي نكتة فقذفت بركلات وشتائم !
قال شمس بدران : أنت حكيت هذه الحكاية لحسن الهضيبي . لماذا؟ نكت الناس بتقولها وحكايات بترويها .
قلت : جائز. . فيها حاجة دي؟! . وعملت السياط عملها .
قال شمس : جميل ، نترك موضوع سيف الآن ، وننتقل إلى موضوع آخر: كان عبد العزيز على هو المسئول عن تنظيم الإخوان حتى خروج سيد قطب من السجن ، قولي لنا كيف أتى هذا؟ قلت : لم يحصل .
فقال : كيف ؟ عبد العزيز على كانت يجتمع مع على عشماوي وعبد الفتاح إسماعيل وضياء الطوبجي، ويحيى حسين ، وعبد المجيد الشاذلي، ومجدي عبد العزيز، واجتمع مع سيد قطب عدة مرات بعد خروجه من السجن .
قلت : لا أدرى شيئا عن هذه الاجتماعات .
فقال شمس بدران : ومن يدرى بها غيرك ؟! أنت تعرفين جيدا أنهم كانوا يجتمعون .
فقلت : هذا محض افتراء.
وقال شمس بدران : من الذي حمل أمر الهضيبي بزعامة عبد العزيز للتنظيم غيرك ؟
فقلت : هذا محض افتراء.
فقال شمس بدران مهددا : يبدو أننا حا نشوف شغلنا معك ، لا بتعقلي ولا بتشوفي مصلحتك .
وقال أحد الجالسين على طريقة السماسرة . . واحد يشد وواحد يرخى : لحظة واحدة يا باشا. أنا سأحاول مع زينب ثم اتجه إلى وقال : يا زينب . . الهضيبي اعترف ، وعبد العزيز على اعترف ، أنا سأحاول أفكرك بحكاية يمكن تجعلك تتداركين الأمر، كلهم اعترفوا ولا داعي للإنكار . . ما هو السم الذي أعده عبد العزيز على ليستعمله إسماعيل الفيومي ( استشهد في السجن الحربي بعد تعذيب مروع في العام 1965) في قتل جمال عبد الناصر؟ ما هي حكاية السم وكيف دار الاتفاق عليها؟
فصرخت : يا عالم أنتم مجانين بأمر اسمه قتل عبد الناصر؟ إن كنتم تريدون قتله فاقتلوه وأريحونا ، وعلى كل واجهوني بعبد العزيز على ، واجهوني بالأستاذ حسن الهضيبي!
فقالوا : لا، سنواجهك أولا بعلي العشماوي ! !
فقلت : على العشماوي كذاب أشر، وسأبصق في وجهه لأنه كذاب مأجور . .
فقال شمس بدران : أليس على العشماوي واحدا منكم ؟ قلت : واجهوني بالرجال الأفاضل . . عبد العزيز على، وحسن الهضيبي .
فقال حسن خليل : لا مانع ، سنواجهك بهما إ!
وقال شمس بدران : اسمعي! متى استشرت الهضيبي ليتولى عبد العزيز على زعامة الإخوان المسلمين نيابة عنه ؟
فقلت : لم يحصل !
فقال شمس بدران : يا صفوت هات على العشماوي !
ودخل على العشماوي يرتدى الحرير الهفهاف ممشط الشعر، تبدو عليه آثار المعاملة الحسنة . . ! !
وقال له شمس بدران في رقة : ماذا حصل يا على ، عندما ذهبتم إلى الهضيبي وكانت رجلها مكسورة، ولم تنزل من العربة، وذهبت أنت لبنت الهضيبي لتعرف رأى أبيها ا!
وقال على العشماوي: نعم حصل ، لقد قلت لبنت الهضيبي أن تسأل أباها عن ثقته في عبد العزيز على، وما إذا كان المرشد يرشحه لتولى الأمر نيابة عنه . . وعادت وهى تحمل موافقة الهضيبي على ترشيح عبد العزيز على .
فقال شمس : إيه رأيك يا بنت الـــ . . ؟
فقلت لعلى العشماوي . أنت كذاب ، والحقيقة أنك قلت لي بأن هناك واحدا من الإخوان تقدم لخطبة حفيدة عبد العزيز بك على، وهذا الأخ يريد أن يعرف رأى الهضيبي وأنا كنت خارجة من منزلي دون اتفاق مسبق ، فركب على العشماوي معي، وقلت له إنني لا أستطيع الصعود إلى بيت الهضيبي نظرا لكسر رجلي، والأفضل أن تذهب معي، وكان رد الأستاذ الهضيبي إن أسرة عبد العزيز على لا يسأل عنها، فهي أسرة مسلمة طيبة، وعلى بركة الله .
فقال شمس بدران : هل هذه هي الحقيقة يا على؟
فقال علي العشماوي : إن هذه اصطلاحات يا باشا ، والحاجة تعرف هذا جيدا.
فقلت لعلي العشماوي : أنت كذاب أشر، وهيئتك تفضحك . . الإخوان
على الأعواد تقطع السياط أجسادهم ، وتنهشهم الكلاب ، ويتقلبون في ألوان من العذاب وأنت على هذه الهيئة. . أنت مأجور رخيص .. أنت عميل كاذب ، ولذلك يسمع لك . فقال شمس بدران : اخرج أنت يا على! . . ثم اتجه إلى وصوته يحمل ، التهديد: يا زينب إننا نمنحك فرصة أخيرة، اشرحي لنا صلة عبد العزيز على ؟ بالتنظيم ، وما هي الرسائل المتبادلة بين الهضيبي وعبد العزيز على بواسطتك ؟
فقلت : أنا مصرة على مواجهة عبد العزيز على والهضيبي
قال شمس بدران : خذها يا صفوت ، إلى أن نحضر عبد العزيز علي والهضيبي . ! وخرجت مع صفوت من مكتب شمس بدران ، وأوقفني صفوت ووجهي إلى الحائط ثم أدخلوني مرة أخرى مكتب شمس بدران . غير أنى لم أجد الهضيبي أو عبد العزيز على .
فقلت : أين الهضيبي، وأين عبد العزيز على؟
فقال شمس بدران في حدة : هل نعمل على هواك يا بنت الـــ . ؟ سنحضر : من نريد . . ووقت ما نحب . . يبدو أننا سنرجعك إلى أول التعذيب . .
فقلت : ما دمتم لا تستحون من الله ، فهل تستحون من الخلق ؟!
وقال حسن خليل : يا بنت اعقلي . الباشا يريد أن يحولك إلى النيابة . فاعقلى ، واعملي لمصلحتك . .
فقلت : نيابة؟ ! أية نيابة؟ وأنتم من تكونون ؟
فقال شمس بدران : إننا نجهزك للنيابة. . نعم التجهيز للنيابة ! ! .. السياط ، الكلاب ، النار، زنزانة الماء ، التعليق على الأعواد كالذبائح ، إيلام النفس بأقذر الألفاظ وأفحشها ، التجويع ، العطش ، الحرمان من استعمال دورة المياه فترات طويلة، الذهاب إلى مكاتب التحقيق صباحا ومساء مع استمرار أنواع التعذيب ، تحطيم الأعصاب بالات التعذيب . . كل هذه وسائل التجهيز والإعداد للمثول أمام حضرة صاحبة الجلالة النيابة! !
وسمع فرعون
أفقت .. يا إلهي .. إنني ما زلت على الأرض أمامهم جثة هامدة . . إنهم أسعفوني .. وبصعوبة شديدة حاولت النظر في الحاضرين . . فإذا بجمال عبد الناصر يتكئ على كتف عبد الحكيم عامر ويمسك في يده نظارة سوداء .
عندما رأيت جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، نسيت ألمي، ودبت في جسدي يقظة غريبة، وانتابني نشاط غريب ! !
أعطوني كوبا من عصير الليمون فشربته ، رفعوني من فوق الأرض على مقعد، ثم أحضروا لي فنجان قهوة فلم أتردد في تناوله .
كان إحساسي بان هناك شيئا خطيرا سيحدث ، فكل ما يدور حولي يقوى عندي هذا الإحساس .
وقال شمس بدران ؟هو ينفخ : يا بنت يا زينب ، أريد أن تجيبي على كل سؤال أوجهه إليك بصراحة وإلا . . ! !
افترضي يا زينب أن الإخوان المسلمين هم الذين يحكمون البلد، وأننا نقف أمامكم تحاكموننا، فماذا كنتم تفعلون بنا؟
فأجبت في قوة وشجاعة: نحن لا نسكن في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ولا نلوث أيدينا بما لوث به الظالمون أيديهم ، نحن لانغمس أيدينا في الدم . . ' نحن لا نجلس في مقاعد طواغيت الأرض . , فقال : اخرسي! أنا باسألك ، إن كنت جالسة على هذا الكرسي مكاني ماذا كنت تفعلين معي؟
فقلت : نحن طلاب حقيقة ، ليس في حسابنا أن نصل إلى الحكم ، إننا حملة لواء "لا إله إلا الله " نفتديه بالأموال والأرواح .
فقال شمس بدران : اخرسي يا بنت الـ . .. أنا اكرر لك السؤال . ماذا كنتم تفعلون لو وصلتم إلى ا أ؟
فقلت : إننا لسنا طلاب حكم ! . . ولا يعنينا أن نكون في قمة المسئولية أو عند السفح حراسا للطريق المؤدى إلى الرجل الذي حمل الأمانة وبايعته الأمة، عبدا لله حاكما بما أنزل الله ولتكن هذه الدار دار البعث . . البعث الإسلامي . فصرخ شمس بدران متشنجا: اخرسي . . اخرسي . . اخرسي؟ ! أريد إجابة واحدة : افترضي أنك جلست على الكرسي الذي أجلس عليه الآن ماذا تفعلين معي وأنا متهم أمامك . . ؟ فقلت : ربما تنتهي أجيال وأجيال حتى يحكم الإسلام ، نحن لا نتعجل الخطى، ويوم يحكم الإسلام ستكون مواقع المرأة المسلمة في مملكتها الطبيعية لتربى رجال الأمة . فقال شمس بدران كتائه يضرب في الصحراء في يوم عاصف : يا بنت الـ . . . أنا أقول افترضي جدلاً أنك جالسة مكاني ماذا تفعلين معي؟
فقلت : الإسلام عدل ورحمة، فلا سياط ولا قتل ، ولا تعذيب ولا سجون ، ولا نفى، ولا دفن للأحياء، ولا تمزيق لأجساد الشهداء : رفعت بكر وعواد وإسماعيل الفيومي . . لا تشريد أطفال ، ولا ترمل نساء، لا فراعنة ولا وثنية . . ولكن الحق والعدل . . الكلمة تواجهها الكلمة والحجة تواجهها الحجة . . صرخ شمس كالصريع : اخرسي . . اخرسي . . علقها يا صفوت اجلدها . وعلقني صفوت ، وعلى لفائف الشاش ، أخذت السياط المجنونة تهوى على كل جزء في جسمي، والدم ينزف . . ولا أدري كم من الوقت مر . . فقد رأى الطبيب إنزالي وقال : إن حالتها خطيرة . . إنها تموت يا معالي الباشا!!
قال شمس : في ستين داهية.
قال أحد الضباط : إننا نريد أن تكون حية حتى تقف أمام المحكمة! !
فقال شمس بدران : نعم ، نعم نريدها تعيش لتذهب إلى المحكمة ويتفرج عليها الشعب وتكون عبرة.
وقال الطبيب : إننا في حاجة إلى أدوية وعقاقير غير موجودة! !
فقال شمس بدران : اطلبها من صيدلية المشير عامر! !
ونقلت إلى المستشفى ولم أدر ماذا حدث في تلك الليلة، فقد رحت في غيبوبة أفقدتني الإحساس بالألم ' كما أفقدتني الاستمتاع باسترجاع الحوار مع شمس بدران على مسمع من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، لقد قلت ما أردت أن يعرفه . . وقد عرفه ! !
أصل المؤامرة . . نكتة ! !
أسعفت بالعلاج ، لأنهم كانوا يحرصون على حياتي . . فأنا متهمة من وجهة نظر من ينسجون القضية ويؤلفون فصولها ويصنعون أبطالها . . فلا غرابة إذن ، أن يصرف لي دواء لأستطيع حضور المحاكمة! ! أمضيت ثلاثة أيام في غيبوبة . .
وفى مساء يوم سمعت صوت مراد وصفوت يخرج من زنزانة الأخ أحمد كمال ويسألانه عن عنوان سيف الإسلام . . وأعطاهما العنوان ، وبعد ما يقرب من ثلاث ساعات عادا إلى زنزانة الأخ أحمد كمال وسألاه عن عنوان مكتب سيف البنا. . ! !
وسيف البنا هو نجل الإمام الشهيد حسن البنا، أخذت أدعو لسيف وأمه وإخوته ، فأمه مريضة بالقلب ، وسيف هو العائل الوحيد للبيت والأسرة . أخذت أضرع إلى الله سبحانه أن يصرف عنهم كيدهم .
رفعوني على نقالة إلى مكتب شمس بدران . . وسألني شمس بدران سؤالاً تأكد لي منه أن سيف الإسلام البنا نجل الإمام الشهيد حسن البنا في السجن الحربي! ! وشغلني جدا أمر وجود سيف البنا في السجن الحربي .
وقال شمس بدران لحمزة البسيوني : ألم أقل لك إن هذه البنت لا تدخل مكتبي وهى حية؟ لماذا أحضرتها وفيها نفس يتردد؟! ثم وجه الكلام إلى وكل عضلات وجهه تهتز في عصبية : أما زلت على قيد الحياة؟ لماذا . . لماذا؟ فقلت : ليس بإرادتك ، ولا بإرادتي أن أعيش أو أموت ، ولكنها إرادة الله وهو المحيى المميت .
فصرخ قائلا : اخرسي، اخرسي . . ردى على سؤالي فقط : من الذي كان سيغتال جمال عبد الناصر في طريق الإسكندرية من رجال الجيش ؟
فقال حسن خليل : قرب لها المسألة قليلا يا باشا، أ؟ اسمح لي أن أفهمها الموضوع .
ثم أردف –بعد أن أومأ إليه شمس بدران برأسه – هناك شخص حكى لك عن جماعة تربصوا لجمال عبد الناصر في الطريق الصحراوي وكان مسافرا بالسيارة إلى الإسكندرية . من حكى لك هذه الرواية؟ ومن كان في السيارة الجيب لاغتيال عبد الناصر؟
فقال شمس بدران : ردى بسرعة! !
فقلت : ما أتفه ما تعذبون الناس من أجله ! ويلكم من الله ! ثم ويلكم من التاريخ ! ثم ويلكم من الناس جميعا وهم ينزلون عليكم لعناتهم ! . . وكان جزائي على ذلك قاسيا : دم يسيل وعظام تكسر! .
وكان شمس يقول : إن علقناك الآن ستموتين ، ولكننا سنسامحك إن أخبرت عن الحكاية! ! احكي لنا الحكاية من أولها. . يا بنت الــ . الحكاية اللي قالها لك سيف البنا.
فقلت : آه . . النكتة التي قالها سيف ، فقام شمس مسرعا يركلني ويصفعني وهو يقول : أيوه يا أختي النكتة!
وقلت : كنت في بيت الشهيد البنا وقال سيف الإسلام . . يقولون كان جمال عبد الناصر مسافرا في الطريق الصحراوي بالسيارة إلى الإسكندرية وكمن له جماعة من الجيش في سيارة جيب ليغتالوه . وفى اللحظة الأخيرة تغير نظام سفر عبد الناصر، وسافر بالقطار، والغريب في الموضوع أن السيارة الجيب هربت فلم يستطيعوا القبض عليها ولا على من فيها.
فقلت لسيف : حقا إنها نكتة . . لكن ليس هو الفراغ الذي جعل الناس يقولون ذلك كما تقول يا سيف . . . أنا لا أعتقد أن هناك سيارة جيب ، والأمر كله من صنع جهاز المخابرات . . هناك كل يوم مؤامرة مزعومة لاغتيال عبد الناصر، مرة من الجيش ومرة من الشعب ، وهلم جرا ونسمع عن ذلك . . ويقبض على آلاف الناس .
وقال سيف : دي مجرد نكت الناس بتعملها وخلاص.
فقلت : الناس لا يفكرون في قتله . . قتل الحاكم الظالم لا ينهي المشكلة. . القضية اكبر من قتل عبد الناصر، القضية تخليص البلد من حكم جاهل ، عات متجبر.
وأجابني سيف : من الأفضل للناس أن يشغلوا أنفسهم بمصالحهم الشخصية وتربية أنفسهم .
فقلت : على أي حال لم يقتل هذا البلد غير النكت . . لم يستطع الناس أن ينفسوا عما في صدورهم إلا بالنكتة . . وبها قتلت الرجولة وقتلت المسئولية . وانتهى الحديث مع سيف الإسلام البنا .
فقال شمس بدران : هذه الحكاية - حكاية اغتيال عبد الناصر في طريق الإسكندرية الصحراوي- دار حديث فيها بينك وبين عبد الفتاح إسماعيل وعلى العشماوي في بيتك ودرستم تخطيطها، والأخطاء التي وقعت فيها . لما ذ ا ؟
فقلت : ما حصل غير ذلك ، أنا نقلت النكتة لعبد الفتاح عبده إسماعيل عن سيف الإسلام . . لم ندرس الحكاية . . دي نكتة فقذفت بركلات وشتائم !
قال شمس بدران : أنت حكيت هذه الحكاية لحسن الهضيبي . لماذا؟ نكت الناس بتقولها وحكايات بترويها .
قلت : جائز. . فيها حاجة دي؟! . وعملت السياط عملها .
قال شمس : جميل ، نترك موضوع سيف الآن ، وننتقل إلى موضوع آخر: كان عبد العزيز على هو المسئول عن تنظيم الإخوان حتى خروج سيد قطب من السجن ، قولي لنا كيف أتى هذا؟ قلت : لم يحصل .
فقال : كيف ؟ عبد العزيز على كانت يجتمع مع على عشماوي وعبد الفتاح إسماعيل وضياء الطوبجي، ويحيى حسين ، وعبد المجيد الشاذلي، ومجدي عبد العزيز، واجتمع مع سيد قطب عدة مرات بعد خروجه من السجن .
قلت : لا أدرى شيئا عن هذه الاجتماعات .
فقال شمس بدران : ومن يدرى بها غيرك ؟! أنت تعرفين جيدا أنهم كانوا يجتمعون .
فقلت : هذا محض افتراء.
وقال شمس بدران : من الذي حمل أمر الهضيبي بزعامة عبد العزيز للتنظيم غيرك ؟
فقلت : هذا محض افتراء.
فقال شمس بدران مهددا : يبدو أننا حا نشوف شغلنا معك ، لا بتعقلي ولا بتشوفي مصلحتك .
وقال أحد الجالسين على طريقة السماسرة . . واحد يشد وواحد يرخى : لحظة واحدة يا باشا. أنا سأحاول مع زينب ثم اتجه إلى وقال : يا زينب . . الهضيبي اعترف ، وعبد العزيز على اعترف ، أنا سأحاول أفكرك بحكاية يمكن تجعلك تتداركين الأمر، كلهم اعترفوا ولا داعي للإنكار . . ما هو السم الذي أعده عبد العزيز على ليستعمله إسماعيل الفيومي ( استشهد في السجن الحربي بعد تعذيب مروع في العام 1965) في قتل جمال عبد الناصر؟ ما هي حكاية السم وكيف دار الاتفاق عليها؟
فصرخت : يا عالم أنتم مجانين بأمر اسمه قتل عبد الناصر؟ إن كنتم تريدون قتله فاقتلوه وأريحونا ، وعلى كل واجهوني بعبد العزيز على ، واجهوني بالأستاذ حسن الهضيبي!
فقالوا : لا، سنواجهك أولا بعلي العشماوي ! !
فقلت : على العشماوي كذاب أشر، وسأبصق في وجهه لأنه كذاب مأجور . .
فقال شمس بدران : أليس على العشماوي واحدا منكم ؟ قلت : واجهوني بالرجال الأفاضل . . عبد العزيز على، وحسن الهضيبي .
فقال حسن خليل : لا مانع ، سنواجهك بهما إ!
وقال شمس بدران : اسمعي! متى استشرت الهضيبي ليتولى عبد العزيز على زعامة الإخوان المسلمين نيابة عنه ؟
فقلت : لم يحصل !
فقال شمس بدران : يا صفوت هات على العشماوي !
ودخل على العشماوي يرتدى الحرير الهفهاف ممشط الشعر، تبدو عليه آثار المعاملة الحسنة . . ! !
وقال له شمس بدران في رقة : ماذا حصل يا على ، عندما ذهبتم إلى الهضيبي وكانت رجلها مكسورة، ولم تنزل من العربة، وذهبت أنت لبنت الهضيبي لتعرف رأى أبيها ا!
وقال على العشماوي: نعم حصل ، لقد قلت لبنت الهضيبي أن تسأل أباها عن ثقته في عبد العزيز على، وما إذا كان المرشد يرشحه لتولى الأمر نيابة عنه . . وعادت وهى تحمل موافقة الهضيبي على ترشيح عبد العزيز على .
فقال شمس : إيه رأيك يا بنت الـــ . . ؟
فقلت لعلى العشماوي . أنت كذاب ، والحقيقة أنك قلت لي بأن هناك واحدا من الإخوان تقدم لخطبة حفيدة عبد العزيز بك على، وهذا الأخ يريد أن يعرف رأى الهضيبي وأنا كنت خارجة من منزلي دون اتفاق مسبق ، فركب على العشماوي معي، وقلت له إنني لا أستطيع الصعود إلى بيت الهضيبي نظرا لكسر رجلي، والأفضل أن تذهب معي، وكان رد الأستاذ الهضيبي إن أسرة عبد العزيز على لا يسأل عنها، فهي أسرة مسلمة طيبة، وعلى بركة الله .
فقال شمس بدران : هل هذه هي الحقيقة يا على؟
فقال علي العشماوي : إن هذه اصطلاحات يا باشا ، والحاجة تعرف هذا جيدا.
فقلت لعلي العشماوي : أنت كذاب أشر، وهيئتك تفضحك . . الإخوان
على الأعواد تقطع السياط أجسادهم ، وتنهشهم الكلاب ، ويتقلبون في ألوان من العذاب وأنت على هذه الهيئة. . أنت مأجور رخيص .. أنت عميل كاذب ، ولذلك يسمع لك . فقال شمس بدران : اخرج أنت يا على! . . ثم اتجه إلى وصوته يحمل ، التهديد: يا زينب إننا نمنحك فرصة أخيرة، اشرحي لنا صلة عبد العزيز على ؟ بالتنظيم ، وما هي الرسائل المتبادلة بين الهضيبي وعبد العزيز على بواسطتك ؟
فقلت : أنا مصرة على مواجهة عبد العزيز على والهضيبي
قال شمس بدران : خذها يا صفوت ، إلى أن نحضر عبد العزيز علي والهضيبي . ! وخرجت مع صفوت من مكتب شمس بدران ، وأوقفني صفوت ووجهي إلى الحائط ثم أدخلوني مرة أخرى مكتب شمس بدران . غير أنى لم أجد الهضيبي أو عبد العزيز على .
فقلت : أين الهضيبي، وأين عبد العزيز على؟
فقال شمس بدران في حدة : هل نعمل على هواك يا بنت الـــ . ؟ سنحضر : من نريد . . ووقت ما نحب . . يبدو أننا سنرجعك إلى أول التعذيب . .
فقلت : ما دمتم لا تستحون من الله ، فهل تستحون من الخلق ؟!
وقال حسن خليل : يا بنت اعقلي . الباشا يريد أن يحولك إلى النيابة . فاعقلى ، واعملي لمصلحتك . .
فقلت : نيابة؟ ! أية نيابة؟ وأنتم من تكونون ؟
فقال شمس بدران : إننا نجهزك للنيابة. . نعم التجهيز للنيابة ! ! .. السياط ، الكلاب ، النار، زنزانة الماء ، التعليق على الأعواد كالذبائح ، إيلام النفس بأقذر الألفاظ وأفحشها ، التجويع ، العطش ، الحرمان من استعمال دورة المياه فترات طويلة، الذهاب إلى مكاتب التحقيق صباحا ومساء مع استمرار أنواع التعذيب ، تحطيم الأعصاب بالات التعذيب . . كل هذه وسائل التجهيز والإعداد للمثول أمام حضرة صاحبة الجلالة النيابة! !

جيـــان
•
الباب الخامس
محمد قطب
وفى مكتب شمس قال حسن خليل : إننا نريد يا باشا قبل النيابة أن ننتهي من موضوع تنظيم محمد قطب . ونرى موضوع الولد المدعو الدكتور مسعود فقال شمس بدران كمن عثر على شيء كان قد فقد منه : نعم . نعم تنظيم محمد قطب يا زينب .
فقلت : أنا أجبت عن هذا الموضوع من قبل . . لقد قلت إن محمد قطب لم يؤسس تنظيما ، وإنه كاتب إسلامي وكل عمله أن يبين للناس الطريق الصواب ، وأين الدائرة التي يقف فيها المسلمون ، وللناس بعد ذلك أن يتصرفوا حسب ما يرون وحسب ما يعتقدون .
فقال شمس بدران : خذها يا حمزة ، يبدو أنها تريد أن تعود إلى المياه ، والكلاب ، والنار والجلد . . و . . و.
وأخذني حمزة البسيوني إلى حجرة تبعد عن حجرة شمس بدران قليلا، وأغلقها على ثم انصرف .
وبعد نصف ساعة جاءني حسن خليل قال : اسمعي يا زينب ، أنا حضرت إليك لا نصحك ، أنا مندهش لأنني أراك تلقين الحبل حول عنقك ، كل الإخوان عملوا لأنفسهم ، وعرفوا طريق السلامة، لقد ألقينا القبض على مائة ألف ، الباقي عندنا الآن عشرون ألفا. كل واحد من هؤلاء اعترف بالحقيقة، ومن يعترف ، يخلى سبيله فورا، ونصف العشرين ألفا اعترفوا بكل شيء واعتذروا عما فعلوه وقبلنا عذرهم وأخلى سبيلهم . . حتى المرشد حسن الهضيبي ، وعبد الفتاح إسماعيل ، وسيد قطب ، كل هؤلاء اعترفوا واعتذروا . . أنت تعملين لحماية المرشد وهو ألصق بك كل شيء، وعبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب كذلك . . أنت تحرقين نفسك من أجل أشخاص كلهم تنكروا لك . أنت لازم تغيري موقفك . . الرجال عرفوا السلامة وعملوا لها وألقوا المسئولية كلها عليك . . الهضيبي شتمك ، سيد قطب شتمك . . عبد الفتاح إسماعيل شتمك ، محمد قطب شتمك ، سيد قطب شتمك ، كل الإخوان شتموك . . إن موقفك محل تقديرنا وإعجابنا، ونحتقر موقفهم ، ودعك من سباب الباشا ، ومن حمزة البسيوني والولد صفوت .
إننا احتقرنا الإخوان عندما سبوك وازداد احترامنا لك وإعجابنا بك . . خسارة هذه الشخصية القوية تنتهي بهذا الشكل . . شمس باشا مصر على أن يعيدوا التعذيب من جديد من نمرة واحد.. أنا أخذت على عاتقي التفاهم معك لأعود إلى الباشا برأي يخرجك من هذه الورطة . . استرسل متسائلا: كنت تتناولين الغداء مع الهضيبي يومين في الأسبوع أو يوما على الأقل بانتظام ، وهذا باعتراف الهضيبي في التحقيق ، وكنت تحملين الأوامر والتعليمات إلى عبد الفتاح إسماعيل ، أرجو أن تعطينا نموذجا من هذه الأوامر. الهضيبي وعبد الفتاح إسماعيل اعترفا بهذا. سيد قطب عندما خرج من السجن كنت حلقة الاتصال بينه وبين الهضيبي . . إننا لا نتكلم من فراغ يا ست زينب . كانت في يده ورقة ينظر فيها ثم يتكلم . . ألقى نظرة إليها ثم استطرد: مثلا أموال الجماعة كانت عندك في البيت فنقلتيها إلى بيت الهضيبي. ثم عادت مرة أخرى إلى بيتك . ثم نقلت إلى بيت الهضيبي ثانية وعادت إليك أخيرا. كل هذا ذكره الهضيبي فما معنى إنكارك له ؟!
كل الأمور يا ست زينب تكشف سرها والناقص هو أن تضعي النقط فوق الحروف . وطبعا ستكتبين في كل هذا وعن أشياء أخرى، وسنرفع إلى عبد الناصر ونوضح له أنك تغيرت ثم نحولك إلى النيابة وينتهي التحقيق عند هذا الحد، وسيفرج عنك بعد يومين ، ثم يتم تعيينك وزيرة للشئون الاجتماعية . حكمت أبو زيد مغضوب عليها الآن ، ما رأيك يا ست زينب ؟! وضغط على زر جرس صغير فحضر جندي فورا ووقف أمامه منتصب القامة . فقال له : هات عصير ليمون ، وأخذ يشرح وبفتح موضوعات ، موعزا إلى بالكتابة فيها.
وعاد الجندي بكوبي ليمون فقال : اتفضلي كوب الليمون ، ثم أمر الجندي أن يحضر فنجاني قهوة. . واستأنف الكلام وأنا صامتة . . يبدو أنه اطمأن لما قال ، والتفت إلى الجندي قائلا: إنت تحت أمر الست زينب ، ثم قال لي: سنطلبك عند الباشا بعد ساعة وشوفي مصلحتك بقه . .
وجلست إلى المكتب وجرى قلمي على الورق بالآتي : بسم الله الرحمن الرحيم وأصلى وأسلم على محمد وآله وصحبه ، أما بعد فأحمد الله تعالى وأشكره وأعجز عن إحصاء الثناء الواجب لجلاله سبحانه وتعالى فقد اختارني- بغير استحقاق منى- لأكون علي الطريق الذي اختاره لعباده . . طريق القرآن والسنة، طريق الحق الحمد لله الذي أوقفني تحت مظلة قوله تعالى : ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ) ، الحمد الله الذي أوقفني تحت مظلة قوله تعالى : ( إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة ) التوبة .
والحمد لله الذي اختارني من بين رجال مؤمنين ونساء مؤمنات واجتباني بصحبة رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لنكون شهداء أن رسالة الله التي أوقفنا حياتنا على نظرها والدعوة إليها والجهاد في سبيلها بكل مرتخص وغال تحقيقا لقوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) التوبة . . وتحقيقاً لقوله تعالى ( كنتم خير أمةً أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )
بذلك كله أكرر وأؤكد أننا لازلنا على طريق شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبد الله ورسوله . . ملتزمين بشطري الشهادة حفظة لكتاب الله حافظين لأحكامه اللهم اشهد أننا ثابتون على الطريق لا مغيرين ولا مبدلين . فانصرنا على
كل ظالم أشرك بك ، وعطل كتابك وعادى دينك ، وحارب أهل دينك حماة كتابك وحماة سنة رسولك .
اللهم بذلك أحيا وعلى ذلك ألقاك إن شاء الله . فتقبلني سبحانك في أهل التوحيد، أهل الكلمة الصادقة، أهل خشيتك والحياء منك .
اللهم ارزقني الحب فيك والبغض فيك والجهاد في سبيلك .
هذا هو طريقي أيها الناس فافعلوا ما تريدون وكما تشاؤون . سأدعو إليه على بصيرة فلا تجهدوا أنفسكم لترمونا في نقائصكم وتغمسونا في ظلمات فجوركم وشرككم بالله ، ومحاربتكم للإسلام وأهله . إنا برءاء منكم ومما تعملون . . إنا مقاومون لباطلكم حتى نلقى الله .
محمد قطب
وفى مكتب شمس قال حسن خليل : إننا نريد يا باشا قبل النيابة أن ننتهي من موضوع تنظيم محمد قطب . ونرى موضوع الولد المدعو الدكتور مسعود فقال شمس بدران كمن عثر على شيء كان قد فقد منه : نعم . نعم تنظيم محمد قطب يا زينب .
فقلت : أنا أجبت عن هذا الموضوع من قبل . . لقد قلت إن محمد قطب لم يؤسس تنظيما ، وإنه كاتب إسلامي وكل عمله أن يبين للناس الطريق الصواب ، وأين الدائرة التي يقف فيها المسلمون ، وللناس بعد ذلك أن يتصرفوا حسب ما يرون وحسب ما يعتقدون .
فقال شمس بدران : خذها يا حمزة ، يبدو أنها تريد أن تعود إلى المياه ، والكلاب ، والنار والجلد . . و . . و.
وأخذني حمزة البسيوني إلى حجرة تبعد عن حجرة شمس بدران قليلا، وأغلقها على ثم انصرف .
وبعد نصف ساعة جاءني حسن خليل قال : اسمعي يا زينب ، أنا حضرت إليك لا نصحك ، أنا مندهش لأنني أراك تلقين الحبل حول عنقك ، كل الإخوان عملوا لأنفسهم ، وعرفوا طريق السلامة، لقد ألقينا القبض على مائة ألف ، الباقي عندنا الآن عشرون ألفا. كل واحد من هؤلاء اعترف بالحقيقة، ومن يعترف ، يخلى سبيله فورا، ونصف العشرين ألفا اعترفوا بكل شيء واعتذروا عما فعلوه وقبلنا عذرهم وأخلى سبيلهم . . حتى المرشد حسن الهضيبي ، وعبد الفتاح إسماعيل ، وسيد قطب ، كل هؤلاء اعترفوا واعتذروا . . أنت تعملين لحماية المرشد وهو ألصق بك كل شيء، وعبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب كذلك . . أنت تحرقين نفسك من أجل أشخاص كلهم تنكروا لك . أنت لازم تغيري موقفك . . الرجال عرفوا السلامة وعملوا لها وألقوا المسئولية كلها عليك . . الهضيبي شتمك ، سيد قطب شتمك . . عبد الفتاح إسماعيل شتمك ، محمد قطب شتمك ، سيد قطب شتمك ، كل الإخوان شتموك . . إن موقفك محل تقديرنا وإعجابنا، ونحتقر موقفهم ، ودعك من سباب الباشا ، ومن حمزة البسيوني والولد صفوت .
إننا احتقرنا الإخوان عندما سبوك وازداد احترامنا لك وإعجابنا بك . . خسارة هذه الشخصية القوية تنتهي بهذا الشكل . . شمس باشا مصر على أن يعيدوا التعذيب من جديد من نمرة واحد.. أنا أخذت على عاتقي التفاهم معك لأعود إلى الباشا برأي يخرجك من هذه الورطة . . استرسل متسائلا: كنت تتناولين الغداء مع الهضيبي يومين في الأسبوع أو يوما على الأقل بانتظام ، وهذا باعتراف الهضيبي في التحقيق ، وكنت تحملين الأوامر والتعليمات إلى عبد الفتاح إسماعيل ، أرجو أن تعطينا نموذجا من هذه الأوامر. الهضيبي وعبد الفتاح إسماعيل اعترفا بهذا. سيد قطب عندما خرج من السجن كنت حلقة الاتصال بينه وبين الهضيبي . . إننا لا نتكلم من فراغ يا ست زينب . كانت في يده ورقة ينظر فيها ثم يتكلم . . ألقى نظرة إليها ثم استطرد: مثلا أموال الجماعة كانت عندك في البيت فنقلتيها إلى بيت الهضيبي. ثم عادت مرة أخرى إلى بيتك . ثم نقلت إلى بيت الهضيبي ثانية وعادت إليك أخيرا. كل هذا ذكره الهضيبي فما معنى إنكارك له ؟!
كل الأمور يا ست زينب تكشف سرها والناقص هو أن تضعي النقط فوق الحروف . وطبعا ستكتبين في كل هذا وعن أشياء أخرى، وسنرفع إلى عبد الناصر ونوضح له أنك تغيرت ثم نحولك إلى النيابة وينتهي التحقيق عند هذا الحد، وسيفرج عنك بعد يومين ، ثم يتم تعيينك وزيرة للشئون الاجتماعية . حكمت أبو زيد مغضوب عليها الآن ، ما رأيك يا ست زينب ؟! وضغط على زر جرس صغير فحضر جندي فورا ووقف أمامه منتصب القامة . فقال له : هات عصير ليمون ، وأخذ يشرح وبفتح موضوعات ، موعزا إلى بالكتابة فيها.
وعاد الجندي بكوبي ليمون فقال : اتفضلي كوب الليمون ، ثم أمر الجندي أن يحضر فنجاني قهوة. . واستأنف الكلام وأنا صامتة . . يبدو أنه اطمأن لما قال ، والتفت إلى الجندي قائلا: إنت تحت أمر الست زينب ، ثم قال لي: سنطلبك عند الباشا بعد ساعة وشوفي مصلحتك بقه . .
وجلست إلى المكتب وجرى قلمي على الورق بالآتي : بسم الله الرحمن الرحيم وأصلى وأسلم على محمد وآله وصحبه ، أما بعد فأحمد الله تعالى وأشكره وأعجز عن إحصاء الثناء الواجب لجلاله سبحانه وتعالى فقد اختارني- بغير استحقاق منى- لأكون علي الطريق الذي اختاره لعباده . . طريق القرآن والسنة، طريق الحق الحمد لله الذي أوقفني تحت مظلة قوله تعالى : ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ) ، الحمد الله الذي أوقفني تحت مظلة قوله تعالى : ( إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة ) التوبة .
والحمد لله الذي اختارني من بين رجال مؤمنين ونساء مؤمنات واجتباني بصحبة رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لنكون شهداء أن رسالة الله التي أوقفنا حياتنا على نظرها والدعوة إليها والجهاد في سبيلها بكل مرتخص وغال تحقيقا لقوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) التوبة . . وتحقيقاً لقوله تعالى ( كنتم خير أمةً أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )
بذلك كله أكرر وأؤكد أننا لازلنا على طريق شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبد الله ورسوله . . ملتزمين بشطري الشهادة حفظة لكتاب الله حافظين لأحكامه اللهم اشهد أننا ثابتون على الطريق لا مغيرين ولا مبدلين . فانصرنا على
كل ظالم أشرك بك ، وعطل كتابك وعادى دينك ، وحارب أهل دينك حماة كتابك وحماة سنة رسولك .
اللهم بذلك أحيا وعلى ذلك ألقاك إن شاء الله . فتقبلني سبحانك في أهل التوحيد، أهل الكلمة الصادقة، أهل خشيتك والحياء منك .
اللهم ارزقني الحب فيك والبغض فيك والجهاد في سبيلك .
هذا هو طريقي أيها الناس فافعلوا ما تريدون وكما تشاؤون . سأدعو إليه على بصيرة فلا تجهدوا أنفسكم لترمونا في نقائصكم وتغمسونا في ظلمات فجوركم وشرككم بالله ، ومحاربتكم للإسلام وأهله . إنا برءاء منكم ومما تعملون . . إنا مقاومون لباطلكم حتى نلقى الله .
الصفحة الأخيرة
إصرار شمس بدران على وهمه
مرة أخرى نقلوني إلى مكتب شمس بدران ! !. . لقد عاد إلى الوعي بعد أن فقدته تحت سياط الزبانية . . فلا بأس من العودة إلى مكتب التعذيب . . مكتب شمس بدران ! ! . . نعم . حملوني على نقالة إلى مكتب شمس بدران ! ! كان شمس بين عصبة من أعوانه ، وبادرني عندما أجلسوني على كرسي أمام مكتبه : يا بنت الـ . . لم يعد بك أدنى احتمال لأدنى قدر من التعذيب ، فارحمي نفسك ، وإلا قسما برأس عبد الناصر أدفنك مع الفيومي وغيره .
وأضاف واحد من إلأذناب : اسمعي يا زينب ، ردى على سعادة الباشا، وفكري في مصلحتك ، لننتهي معك إلى حل . . واسترسل شمس بدران : تذكري جيدا، جاء إليك شخص من طرف فؤاد سراج الدين ، وطلب منك أن تتفقي مع الإخوان المسلمين ليتعاونوا مع الوفد لإزالة حكم عبد الناصر، وقال لك هذا الشخص بأن هناك رجالا في مكتب المشير عامر سيتعاونون معكم ومع الوفد . فقلت - وأنا أضغط على الكلمات من فرط دهشتي على قدرة هؤلاء الشياطين على التلفيق والتزوير- : هذا محض كذب ، إن فؤاد سراج الدين لم يرسل إلى أحدا في مثل هذا الأمر ولا في غيره . ولم ألتق بفؤاد باشا من حوالي إثتي عشرة سنة . . ولكي أكون دقيقة في شهادتي، فإن زوجي الحاج محمد سالم سالم كان في مزاد، والتقى-مصادفة- بمعالي فؤاد باشا سراج الدين ، فسأل زوجي عن صحتي وأحوالي ، وكلفه أن يبلغني سلامه وتمنياته . وهوت السياط الملعونة، كأنها ألسنة الأفاعي جائعة تصب زعافها أينما حطت ، أو كألسنة اللهب نشوى ما يصادفها . . وكانت قدماي لا تزالان ملفوفتين بالضمادات ، وجروحي لم تلتئم .
ويتساءل الزبانية وسياطهم تتصارع على قدمي وجسدي : فؤاد سراج الدين أرسل إليك أم لا؟
وأرد : لم يرسل إلى !
فيأمر شمس بدران بزيادة وطأة التعذيب ، فيغمى على، ويوقف الجلد وأنقل على نقالة إلى المستشفى! ! . . ثم تبدأ الدائرة من جديد، وأعود إلى مكتب شمس بدران مرة ثالثة . . ! ! ويقول شمس بدران ، وقد أخذته العزة بالإثم : افهمي أنه لا يقف أمامنا أي شئ . . إننا ندفن منكم كل يوم عشرين كلبا، وصحراء السجن الحربي بطنها مستعدة لمئات الألوف . . وقسما برأس عبد الناصر إن لم تسلكي كما نريد، لأدفنك مثل الكلاب التي أدفنها كل يوم . ولم أنظر إليه ، ولم يبد على أي أثر أو تأثير من سفاهته وجاهليته ، فاستشاط غضبا وقال : ردي على وإلا قتلتك وجعلت نهايتك تحت السياط . فقلت : لا إله إلا الله الفعال ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين .
فقال شمس بدران : هات الكلاب يا صفوت ؟! !
ويحضر صفوت كلبين من الكلاب المدربة، ويطلقهما على، فيهجمان على كما يهجم الوحش الجائع على فريسته . . إ!
وأستعيذ من أذى الوحشين بقولي : اللهم إني أعوذ برضاك من غضبك ، اللهم فادفع السوء عنى بما شئت وكيف شئت .
فقال حمزة البسيوني . يا باشا وجهها أصفر وأشرفت على الموت . وقال شمس بدران في غطرسة : أخرج الكلاب يا صفوت ، وخذوها . . ارموها تموت في المستشفى . وعدت إلى المستشفى على نقالة! !
وفى منتصف الليل . . في جنح الظلام ، ومرة رابعة إلى مكتب شمس بدران ! ! إنها الحقيقة . . الحقيقة المرة المؤلمة التي تجرع كأسها فريق من المواطنين إشباعا لشهوة الانتقام ، وخصيصا لهدم الدين الإسلامي بإبادة دعاته ، وحتى تنطوي، في زعمهم ، مظلة لا إله إلا الله . . محمد رسول الله ، وتنتشر مظلة الكفر وليعم تيار الإلحاد .
وما كادوا ينزلونني من النقالة إلى مقعد في مكتب شمس بدران ، حتى أغمى على فاحضروا عصير ليمون واسقوني إياه ، وحقنوني في ذراعي فارتد إلى الوعي . . !
وقال شمس بدران : يا بنت اتعدلي ، يا زينب أنت صعبانة علينا، إننا لسنا وحوشا كما تقولين . . والرئيس جمال عبد الناصر قلبه كبير وسيغفر لك إذا قلت الحقيقة . . اعملي لمصلحتك فقط . . قولي الحقيقة يا زينب . . فقلت : الحقيقة .. قولوا لعبد الناصر إنكم المغتصبون المعتدون علي سلطان الله. . توبوا إليه وارجعوا. . اخرجوا من باطلكم إلى الحق ، من ظلمكم إلى العدل ، ومن ظلامكم إلى النور. . إن الذين يؤيدونكم في باطلكم وتستعملونهم مخالب باطل وعدوان وجريمة ، قلوبهم مريضة ، وأنتم مرضى . وتساءلوا في دهشة مشوبة بثورة أو في ثورة مشوبة بدهشة : هي دي الرسالة اللي عايزانا ننقلها لعبد الناصر؟! ! فقلت بإصرار وبغيظ : إنني لم أقلها إلا لتنقلوها إليه ! !
وكان الجواب على "تطاولي" هذا إلهاب جسدي بالسوط منهم في استنكار وارتعاد: دي بكل تأكيد مجنونة . . مجنونة . . مجنونة. . في حاجة إلى علاج بالجلسات الكهربائية! . .
وما إن ينتهي المرتعدون الذين في قلوبهم هواء من استنكارهم (لتطاولي) على سيدهم ، حتى يعلو صوت المسخ المسمى شمس بدران : الكلاب اللي مجوعينها من إمبارح . . فين يا حمزة؟! ويردف حسن خليل بصوت تمثيلى : يا زينب حرام عليك ، إنت قريبة من الموت . . أتقذى نفسك ، محدش من الإخوان راح ينفعك ، كلهم عملوا لمصلحتهم وأنقذوا أنفسهم . . أرجو أن يسمح الباشا بإحضار على عشماوي ليذكرها بالشخص الذي جاء إليها من طرف فؤاد سراج الدين .
وقال شمس بدران : تذكري يا بنت الـ . . وإلا واجهناك بعلي عشماوي . . فقلت : علي عشماوي باع نفسه لطواغيت الباطل والجريمة بثمن بخس ، فخسر الدنيا والآخرة . . وقصة سراج الدين قصة مدبرة المراد بها أن تذلوا الرجال . . رجالا ذوى قلوب ، وضمائر ، ورؤوس مرفوعة . .
ودخل حجرة التحقيق ضابط يدعى سعيد عبد الكريم اشترك معهم ثم قال : يا زينب ، سأفكرك بشيء قد يساعدك في موضوع سراج الدين . . ألا تعرفين الحسيني عبد الغفار، كان في الإخوان المسلمين ثم انشق عنهم مع شباب سيدنا محمد، وتفاهمت أنت معه عدة مرات ليعود إلى صفوف الإخوان المسلمين ، لأنك حريصة على أن يبذل جهده داخل صفوف الجماعة؟
فقلت : حسبنا الله ونعم الوكيل ، الحسيني عبد الغفار هو أخي في الله ، وكان في الإخوان المسلمين كما كان في شباب سيدنا محمد، وتكلمت معه فعلا ليعود إلى صفوف الإخوان المسلمين ، ولكنه اعتذر عن ذلك ، وليس له علاقة بسراج الدين ولا بالوفد .. وكان رئيس شباب الأحرار الدستوريين يوما، وذلك يجعله مناوئا للوفد لا متفقا معه .
فقال حسن خليل : هذا صحيح ، لكن عندما تكون المسألة اتفاق الدستوريين والسعديين والوفديين والإخوان المسلمين تكون المسألة في طريقها الطبيعي ! ! فقلت : ليس هذا حقا، وهناك مسافة بين الإخوان وغيرهم الذين لم يدرسوا النظرية الإسلامية بتكتيكها الإلهي ، وأيدلوجيتها الربانية . وأشار شمس ونزلت على السياط ، وقال عبد الكريم : نرجوك يا باشا . . خليها تكمل . . قال عبد الكريم : كملي يا زينب . قلت : أما الإخوان المسلمون فيأخذون الإسلام عقيدة يبحثون في منابعها ويدققون في مصادرها، تلقوها من الله تعالى على يد رسوله صلى الله عليه وسلم . . بمعايشتهم للكتاب والسنة ، والأرض عند الإخوان لها وزنها وقدرها ما دامت أرضا للإسلام ، في سبيلها يستشهدون ، وعن حياضها يذودون ، يحررون الأرض لله كما يحررون البشر لله ، يعبدون الأرض لله كما يعبدون البشر لله . وعلى الأرض المعبدة لله وبالبشر المعبد لله تكون الأمة ويكون المجتمع المسلم.
ألم يحرر محمد صلى الله عليه وسلم . عند بعثته الأرض ثم يدعو الناس إلى التوحيد، ولم يدع ولم يناد بالإصلاح الاجتماعي ثم يدعو الناس إلى التوحيد، ولم يدع إلى تقسيم المال بالسوية ثم يدعو الناس للتوحيد، لم يدع لإصلاح جزئي، ولكن محمد صلى الله عليه وسلم . دعا إلى التوحيد فأسلم رجال وآمنوا بأنه لا معبود إلا الله ولا حاكم إلا الله ، ولا رازق إلا الله ، ولا ضار ولا نافع إلا الله ، وهو المحيي المميت ، ولا مدبر ولا مشرع إلا الله ثم كانت الهجرة إلى المدينة بالسابقين الأولين من المؤمنين.
ثم كانت بدر الأولى نداء لقيام الأمة، وتوالى نزول القران على محمد صلى الله عليه وسلم . قال شمس : هات الكلاب يا صفوت إ!
قفزت على الكلاب والوحوش البشرية تشبعني ضربا ونهشا والدماء تسيل هنا وهناك . . سارع الطبيب الواقف معهم بوقف جلدي ولكن هيهات . . هيهات . . انطلق آذان الفجر ينير سكون الليل فأحسست ببرد وسلام من هذه السياط التي لا تلين ولا تكف فتذكرت أمر الله ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) الأنبياء : 169 . تباركت يا رب وتعاليت ، فأنا حفيدة إبراهيم أول الموحدين وجد النبي صلى الله عليه وسلم . أن رحمتني من أبالسة يسؤوهم أن أقول : ربى الله لا أشرك به أحدا ( قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون . . ) . أفقت لأجدني في المستشفى ولا أدري ، وان كنت واعية تماما لما ينتظرني .