المشتاقة الى الجنه
هــلــهــلــة ..!!




هل تدب الحياة من جديد في مأسدة الأنصار .. جاجي ؟؟ .. و لكن أين أبوقتيبة و ياسين و شفيق
و هل تمتلئ خنادق العرين بالذخائر .. وينك يا أبورضوان ..
هل تتعالى صيحات التكبير على قمة جبل قباء مرة أخرى .. بدون جابر و ابراهيم ..
هل تزمجر راجمتنا العتيدة من فوق تورغر مرة أخرى .. أم قد علاها الصدأ ..
أبوالخطاب .. أتراه يعود لعرينه في أحد .. أم قد سلبت لبه معشوقة أخرى ..
أيفك أسر ازمراي ... و يريهم كيف يفعل الأسد بلا قيود ..
هل ينفض الغبار عن شبابيك بيت الأنصار .. و تنصب شبكة الطائرة ..
و عندك واحد منجا يا سبع الليل ..
هل نسمع بوري الهايلكس في حوش البيت مع طلعة الشمس ؟؟ .. و لكن . .. أبوعنتر مات ..
هل تجهز القوافل إلى اللوقر و بغمان .. فمن تراه يقودها بعد أبوروضة ..
هل تراها تمتلئ أوطاقات قندهار بأهل مكة و الأحساء .. كيف و قد قتل سراتهم ..
و هل يحلو السمر في ليالي جلال آباد .. بلا صوت أبو الزبير .. و زوامل أبوطارق اليمني ..
و هل يعود أبوهاجر .. ليصلي بنا التراويح و القيام ..
و من يخطب بنا الجمعة .. بعد الشيخ عبدالله .. ؟ ..
و هل نسمع ثانية من عمر سيف .. وصف الحور .. و نعيم الجنان ..
هل ينتعش سوق خيبر بازار بعد الركود .. و هل تشتغل عصارات المنجا و الرمان في صدر ..
هل تفتح المحلات أبوابها في أفغان كالوني ..
ليت شعري .. هل نعود لنرى الركشات تمخر شوارع بشاور .. تقل تلك الوجوه السمر ..
لا إله إلا الله ..
هل ما زال هناك متسع في مقبرة الشهداء في طورخم ..
هل ظمئت يا أرض الأفغان ثانية .. هل بهت خضابك ..
أما كفاك ما شربت .. و ما خضل ثراك من دمائنا ..
أتطلبين المزيد ..؟؟ .. لا بأس .. إنهم قادمون
رغم أن بعوض جلال آباد لم يبق شيئاً .. من الدماء ..
إلا أنهم في كل تلك السنين قد أحسنوا الطبخ و الأكل و النوم .. حتى انتفخت أوداجهم ..
فسيترعونك من الدماء و يسقونك حتى الثمالة ..
لك الله يا أرض الأفغان ..
فقد اختارك الله لتكوني مسرحاً للفصل الأخير من قصة كل امبراطورية تفسد في الأرض و لا تصلح ..
الله أكبر ..
يبدو أن الحصار المرير قد طال كل شيء ...
حتى العزة .. و الكرامة .. و الأنفة .. قد حارت .. فلم تجد طريقاً لتخرج من أرضك ..

همام
المشتاقة الى الجنه
يوميات مرافق




أفففف ..بفف .. تفووووه ..
همام يفزع من نومه و ينفض رأسه و وجهه من التراب و ينظر إلى السقف
أووه .. إنه هذا الفأر الخبيث مرة أخرى ..
..إذا نام الشباب .. تسلط الفأر و أخذ يحفر و يحثو التراب عليهم
مرة من المرات كادت تحدث كارثة عندما قمنا مفزوعين بالليل على صوت ضرار الجزائري (رحمه الله )
و هو يأخذ الكلاشنكوف و يوجهه على الفأر في السقف صارخاً به ( لا أدري ماذا قال صراحة )
الله ستر .. و قدرنا نهدّيه .. و نقول له تحط عقلك بعقل فأر
نحن في هذه الخنادق نعيش مع الفئران بسلام ..
يعني لو دخل عليك الفأر بيتك .. ممكن تطرده بكل الوسائل أو تقتله
أما أن تدخل عليه أنت بيته .. و تطرده .. صعبة
من أجل ذلك.. ما عمري آذيت هذه المخلوقات القبيحة
إلا مرة .. عندما عض أحدها إبهام يدي و أنا نائم .. و خرعني
وصيت على شدّاخات (مصائد ) من بيشاور .. و صدت مائة فأر .. و أعدمتهم
عندها عرفت أن هناك أمم و شعوب من هذه الفئران معنا في هذه الحفر ..
عندئذ تركتها و حالها ..
يا أخي غطي رأسك إذا نمت و تنتهي المشكلة ..
نرجع لسالفتنا ..
همام استعاذ من الشيطان و غطى وجهه .. و نام
هناك أصوات في الخارج .. أحدهم يتكلم بالمخابرة ( اللاسلكي )
صوت أقدام تركض نحو المتحدث
أصوات المجاهدين يسألون عن الخبر
قذيفة دبابة .. جرحى .. مصابين .. كم واحد
عرب .. من ؟ .. فلان ..
همام بين اليقظة و المنام متدفي بكيس النوم .. البرد شديد في الخارج
الناس ظهر و القصف توه يهدأ
فأراد أن يستغل هذا الوقت الهادئ .. للنوم .. فهو لم يتهنى بالنوم منذ كم يوم ..
لكن .. فهم مما سمع أن هناك مصابين و جرحى عرب ..
ركض إلى خارج الخندق .. باتجاه صاحب المخابرة
شالسالفة .. سكتوا
بعضهم ينظر إلى بعض
.. سمعتكم تذكرون اسمه.. ماذا به .. هل أصيب
قالوا .. نعم .. إصابة بسيطة
أين هو الآن .. نقلوه إلى مركز المجاهدين العرب
همام .. يدخل الخندق .. يأخذ سلاحه على كتفه .. يلبس حذائه
و ينطلق باتجاه المكان ..
المسافة نصف ساعة دقيقة تقريباً ..بالمشي السريع
همام لحظة أجي معك .. أحد الشباب يصرخ و هو يركض
لم يسمعه .. لم يحس به .. و لا بالطريق
باله مشغول .. شريط من الذكريات يمر أمام عينيه الآن
فلان .. عشرة عمر ..رفقة درب .. أنيس الطريق
لبضع سنوات لم نفترق .. نسافر معاً .. نأكل معاً .. نضحك معاً .. نبكي معاً
نقاتل معاً .. نتشاجر أحياناً ..كم فارقنا من أحباب .. كم دفنا من عزيز ..
كم حملنا من جريح .. كم فقدنا من أخ .. كم مشينا في الليل
كم كمنا في النهار .. كم ركضنا تحت القصف و زخات الرصاص
كم ضحكنا ضحك طفلين معاً
هو الذي يجوب بنا جبهات الأفغان .. مع أني أحب أكون مع العرب ..
لكن من أجل أن يكون دائما في المقدمة و في الاقتحامات .. الأفغان يقدمون العرب في الحرب
بالأمس فقط تركته على الجبل و نزلت إلى الخطوط الخلفية لأنام ..
فوق الجبل .. لا نوم .. لا ماء .. لا وضوء .. تيمم .. خوف .. القصف الجوي و الأرضي لا يتوقف ..
و المكان مكشوف .. و العدو متربص .. رباط و أي رباط على ذلك الجبل .
كان يعشق الشهادة .. و يحلم بها بالليل و النهار
هل هو يومك يا فلان ..
هل يختارك الله .. و تتركني وحيداً ..
احساس غريب يجتاحني ..
ما هذا .. لم أعد أرى الطريق بوضوح .. شيئ في عيني
ما هذا ....
دموع ‍‍‍‍…. بربك ؟؟ .. دموع .. صعبة .. فشلة ..
همام .. لا أحد يشوفك .. تبكي ؟؟ ..أفا
أخي تجلد .. لا تتركني .. كل هذه المدة و العشرة ..
الآن فقط .. في هذه اللحظة ..
عرفت .. كم أحبك
عندما وصلت إلى المركز لم أكن بحاجة إلى السؤال
كل من رأني كان يشير إلى مكانه
هناك جمهرة من الشباب
شققت طريقي بينهم
و هناك .. على الأرض
كان يرقد ..
كان غائباً عن وعيه .. لا يحس بمن حوله
كان يرتجف بقوة .. كأنه مكينة هايلكس قديم
يرتجف و يزبد و ينتفض بكامل جسمه ..
الدماء على يديه و رجليه و وجهه و رأسه و ثيابه
طبيب مغربي يحاول يعطيه إبرة في الوريد
اثنان من الشباب .. يحاولون تثبيت يديه
كان التراب و الغبار يغطيه من شعره إلى أخمص قدمه
حتى عينيه و خشمه و حلجه متروس تراب
و مع الدم .. التراب لازق في كل مكان .. صاير شكله تحفة فنية
صفنت ..
همام مقضي عمره بالصفنات
يصفن في الأوقات الحرجة ..
... علاش واقف هكّا ..
الطبيب المغربي يصرخ بي
فهمت أنه يقول .. إما تساعدنا أو تطس ..
الرجال ما هو في وعيه .. يثني يديه و يثني رجليه .. لا شعوريا
و الطبيب له ساعة مو قادر يعطيه ابرة ..
الدنيا برد .. و الرجال فقد كمية من الدم .. يعني مثلج
عبثاً حاولنا نحن الأربعة مد يده حتى يأخذ الإبرة
الرجال بدا يتكلم .. ***ن وعي .. و هو ينتفض
هههدددددنييي .. (هدني) .. اقوووول لك هددددنييي
يا فلان .. أنا همام .. ( الرجال غايب )
وخخخخخرر عنننني .. و هو يرتجف .. و قام يهاوش ..
الطبيب قام يصرخ عليه .. ماكو فايدة .. وخرو عني ..لا أحد يمسكني ..
.... هدني لا أشوتك .. … ( ؟ )
فلان .. نلعب كرة حنا ؟.. تشوت منهو ؟.
بعد خمس جولات من المصارعة الحرة .. قدرنا نضمد ايديه الثنتين و راسه و ركبتيه
و جاءت سيارة الإسعاف ..(المسميات هناك على غير مسمى )
الإسعاف عبارة عن هايلكس دفرنسين مصندق و مفروش باسفنجة نفرين
صفيناهم .. اثنين جرحى .. هو و واحد باكستاني أصيب معه .
ركبت و قعدت عند رجليه ..
و تحركت السيارة … .. السواق واحد من الشباب من أهل مكة حبيب مرررة
الطريق طويل … صخري .. وعر .. صعود ..
قامت السيارة تخضخض فينا .. و الرجال في الغيبوبة ..
و أنا صافن عليه .. صج الانسان ضعيف .. قذيفة دبابة تسوي فيك كذا
تذكرت أول مرة نلتقي فيها .. في مأسدة الأنصار .. في قمم جبال بيضاء
.. نعيش في كهوف تغطيها الثلوج .. كأننا رجال الاسكيمو
تذكرت أياماً جميلة قضيناها معاً .. لا أستطيع وصفها .. لأنها أغرب من الخيال
في اللوقر و ميدان و بغمان ..
ففي تلك البلاد .. في القرى و بيوت الطين .. كأنك ترجع إلى الماضي عبر آلة الزمن
لا وجود للكهرباء .. أمم من الناس لا تعرف التلفزيون و لم تره مرة في حياتها ..
شي لا يصدق .. الحطب هو الوقود الوحيد للطبخ و التدفئة ..
التنقل بالخيول و البغال و الحمير .. ..لا يوجد شوارع .. و لا إنارة ..
الماء من البئر .. تزعب بيدك .. لا يوجد خزانات و لا دينمو
لا حنفيات و لا مواسير و لا مغاسل
تنسى طعم البيبسي و الكتكات .. لا بقالات و لا مطاعم ..
أتذكر كيف كنا نفرح باللحم ..
فجأة فتح عيونه .. يطالع حوله .. يطالعني
ابتسمت له .. فلان كيف حالك
يطالع نفسه .. ملفلف بالضماد كأنه مومياء فرعوني
قال : شالسالفة و ش صاير ..
قلت :..لا أبد ما فيه شي .. الدبابة اللي تخبر مسحت في خشتك الأرض
***ن أي كلمة .. غمض عينيه مرة ثانية …
رجع إلى الغيبوبة .. و رجعت لهواجسي .. أفكر في هذه الدنيا العجيبة
في هذه البلاد .. التي تركنا بلادنا و جئنا إليها من كل أنحاء العالم
هذه البلاد التي أحببناها .. استنشقنا فيها هواء .. له طعم لم نجده في أي مكان آخر من العالم
طعم العزة .. كم هو احساس جميل .. أشعر بانتشاء كلما تذكرته
كم هو احساس جميل أن يشعر الإنسان بأنه عزيز .. و آمن .. إلا من عدو يحب قتاله
أليس عجيباً وسط الحرب و الألغام من تحتك و الطائرات من فوقك . أن تشعر بالأمان
و عندما تكون في بيتك و ليس هناك عدو يتربص بك .. تحس بالخوف ..
فتح عينه مرة ثانية .. وقفوا السيارة .. محصور
طيب .. طقينا على السواق الدريشه .. ايش بكم يا بويا ..
وقفنا .. سحبته إلى حافة السيارة .. و جيت أشيله ..
طالعني بعين حمراء .. وخر عني .. قلت ما تقدر تمشي
قال ما عليك مني وخر عني بس .. ما يدري عن عمره مسيكين
قلت طيب .. جاي بثقة يبغى يوقف
دردب ..و يجيك على وجهه … و الا هو متمدد على الأرض ..
همام .. تعال شيلني ..
طيب .. أشيله و أمشي فيه إلى أن توارينا عن الناس ..خلاص هدني ..
أخاف تطيح ..
ما عليك هدني ………. هديته
و يجيك على وجهه مرة ثانية .. الرجال مو قادر يوقف على ركبه
كل ركبة جايها شظية ..
تعال .. طيب .. شلته مرة ثانية
خلك ماسكني .. لا تهدني ..أبشر
صرت وراء ظهره و عاقد ايديني على صدره .. و صديت
الرجال ينطر .. ينطر .... و أخونا المكّاوي مشكل على البوري
قال رجعني للسيارة خلاص
مسكين .. عنده احتقان ..
مشينا .. بعد فترة نصف ساعة .. وقفوا ..السواق قفلت معاه ..
إيش هادا يا بويا كل شوية وقف وقف نبغى نوصل دحينا الطريق طويل مررررة
المهم الرجال وقفنا أربع مرات .. و ماكو فايدة .. المواسير تحتاج تسليك
أخر شي .. جاب السواق قارورة صحة ..
و قال : خد هادي و الله ماني موقف مرررة تانية .
الحمدلله انفكت عقدته بالقارورة
رجع نام و ارتاح و رجعنا للخضخضة ..
تورات الشمس خلف الجبال .. و جاء الليل بكل هدوءه و هيبته
.. ما تسمع إلى صوت الهايلكس و هو يصارع الصخور
و صوت أنين اخونا .. . كان يحس بآلام شديدة .. اكتشفنا فيما بعد أن أحد أضلاعه مكسور
أسأل الله أن يتقبل منك أخي .. تذكرت حديث ما من كلم يكلم في سبيل الله ..
الله أكبر .. تفكرت كم هو عظيم أن يختارك الله من بين أمم من الناس
لتحمل السلاح و تقاتل في سبيله .. نعمة عظيمة لا يحظى بها إلا القليل
أن تكون مجاهداً .. ترابط على الثغور .. تتعرض للقاء الله في أي لحظة
ما كان أغبانا عندما تركناها باختيارنا ..
فجأة ..
و بدون سابق إنذار
قام اخوي من النوم .. قعد على حيله
استقبلني بوجهه و هو يأشر على فمه … لا أدري ما يريد
نعم أخي .. …و من زود المحبة مسكته من ايدينه و صار وجهي بوجهه ..
شي يعورك اخوي .. تبي ماء .. تبي ..
ما لحقت أكمل ..الا الرجال نفض اللي في بطنه كله في وجهي
النيشان مضبوط .. ما طلعت قطرة واحدة خارج حضني
ماي ورد .. ماي ورد ..تمون يا حسينوه .. تمون
ووعععع .. كرهت نفسي .. عاد أنا ما أذكر آخر مرة تروشت فيها .
نقع قميصي كله .. الرجال ارتاح رجع نام و لا كأنه صاير شي ( أوريك لما تطيب )
..مشينا الليل كله .. قريب الفجر .. و صلنا خوست
هذي الليلة الأولى طبعاً ما ذقت طعم النوم .. قاعد على حيلي ..
و أنا اللي أول النهار مستانس نازل من الجبل عشان أرتاح و أنام ..
خوست هذي مدينة داخل أفغانستان .. فتحها المجاهدون
و كانت معركة رهيبة ..و فتح عظيم .. قتل فيها عدد من المجاهدين العرب ..
منهم أبو العباس الحايلي .. اللي قلت لكم قصته ( في موضوع رؤيا صادقة )
و فيها مستشفى .. ( نرجع لسالفة المسميات )
مستشفى مجازاً ..يعني تقدر تقول مركز صحي .. المهم لقينا طبيب مصري
قعد يخيط فيه .. في شق في راسه كبير ..
تهاوش مع الطبيب طبعاً .. عصبي .. و مصاب بعد
و الطبيب يخيط جروحه بدون بنج
خلص الطبيب من التضميد بعد طلوع الشمس
همام .. ابي أطير الشراب .. رحت أركض جبت له ذي اللي يبولون فيها في المستشفيات
بغى يكفخني فيها .. و دني الحمام ..
سم طال عمرك .. اكتشفنا أن ما فيه حمام .. الأفغان كل شغلهم سفري
طيب طلعني برة .. و أزخه .. و أطلعه بره .. و نفس الطريقة ..
ما أطول عليكم السالفة
ركبنا الاسعاف مرة ثانية …. بس هالمرة أربعة جرحى في السيارة
و إلى ميران شاه ( حدود باكستان )
مشوار اربع ساعات بعد .. طريق صخري .. و سيول .. ومياه ..
في مثل هذه الظروف .. تذهل عن الطعام
لا غداء و لا عشاء .. و حتى الآن لا فطور
و الرجال يون ونة كمبيوتر خربانة مروحته .. ....
تحركنا من مستشفى خوست مع الجرحى متجهين إلى باكستان
-------------
اربعة مصابين .. مصفوفين على الرفوف على جانبي الصندوق
كل واحد على رف .. و صاحبي في الجهة اليمنى تحت
و أخوكم .. قاعد تحت ..
بس .. اربط هذا .. و أمسك ذاك
أربع أو خمس ساعات .. لم أعد أذكر .. كل شوي طايح علي واحد من هالجرحى
و أردّه مكانه ..
إلى أن .. وصلنا .. مستشفى الهلال الأحمر ..
طبعاً ما تعطلنا في الحدود .. لأن الحدود عبارة عن حبل مثل الحبال اللي ننشر عليها الغسيل
طوله اربعة أو خمسة متر .. أحياناً تلقاه مرمي في الأرض .. يعني أعبر بسرعة
و أحياناً مشدود.. يعني .. يبيلها شوية سوالف ..
تقول له السلام عليكم .. يقول و عليكم السلام .. و ينزل الحبل
طبيب مصري .. يكشف عليه ..
ما فيك إلا العافية .. أخونا تهاوش معاه كالعادة طبعاً ..
ما يدري من أي مكان يتألم .. ركبته و لا راسه و لا ظهره ..
و يقول له ما فيك شي .. إنت بس بتتدلع
طيب ودوه لبيشاور .. ما عندنا إسعاف ..
و ينام ذيك الليلة .. في ذاك المستشفى ..
و هذه الليلة الثانية .. ما نمت ..
مرابطين أنا و واحد من الشباب عند راسه .. نتناوب ..
الصباح .. قلنا وش رايك يا فلان .. نروح للصليب الأحمر .. يمكن يعطونا اسعاف
قال .. شوركم .. صليب أحمر أخضر المهم أوصل بيشاور
و نشيله على الأيدي .. إلى الصليب الأحمر
عند البوابة .. تهاوشنا مع الحراس ..
داخل .. تهاوشنا مع الممرض ..
و في النهاية .. تهاوشنا مع الطبيب .. ( ارهابيين ما علينا شرهة )
قالوا نوديكم على شرط .. نعالجه في المستشفى الألماني في بيشاور
معصي .. توصلونه لبيشاور و بس .. و بعدين حنا ناخذه للفوزان أو الكويتي ( طرّار و يتشرط )
قالوا لا .. قلنا لا ..
و نشيله مرة ثانية .. وين .. وين .. وين نوديك يالبلشة
و إلى سرا التكاسي ..
و الله و نأجر باص .. و أقعد في الكرسي الطويل
و أحط راسه في حظني .. و يالله
ست ساعات .. إلى بشاور .. و الرجال .. يصحى .. و ينام
و ينام .. ويصحى .. و يأن و يتألم ..
كلما فتح عيونه شافني فوق راسه .. ابتسم في وجهه ( شفتوا الرحمة و الانسانية )
وصلنا لسرا بيشاور .. و ناخذ ركشة
الركشة هذه مخلوق عجيب .. مما تفتقت عنه أذهان الباكستانيين في عالم التكاسي ..
المهم .. و نوصل بيت الأنصار بعد معاناة عصيبة عجيبة ..
عمركم سمعتوا عن بيت الأنصار ..
آه .. وش أقول وش أخلي ..
بيت الأنصار هذا يحتاج له مجلد كامل …
ما أطولها عليكم ..
دخلنا البيت شايلين الرجال .. بدمامينه و ترابه .. طازة
و حطيناه في السرير في غرفة المرضى
و تجمعوا الشباب يسلمون و يسألون ..
و كنت أنا طبعاً المتحدث الرسمي ..
لكن ألاحظ الشباب .. يسلمون علي و يكلموني من بعيد
يعني الواحد منهم أحس أنه ما وده أقرب يمه
وش فيكم ؟.. شكلي يخرع ؟ .. ..
شالسالفة ..
طبعاً ما أحد قال لي و لكن أنا بفطنتي و ذكائي الخارق
تذكرت أن الرجال غاسل كبده في هدومي قبل البارح .. كرهت نفسي ..
طالعت نفسي بالمرآة .. ( لأول مرة من كم شهر )
و الله لهم حق .. هذا شكل بني آدم
دم .. زواع .. تراب .. طين .. سنو .. ( اللي ما يعرف السنو يسأل صنيتان )
و أشتري بدلة جديدة من دكان بيت الأنصار .. و أشتري بدلة للرجال بعد ( كريم و شهم و خوش ولد .. أنا )
عطيته البدلة و قلت له قم تروش ..
و اشيله و أدخله الحمام و أحطه على التخت ( كرسي خشب ) .. تبي شي ؟؟
لا .. خلاص اطلع برا و صك الباب
تقدر تتروش ؟؟
ما عليك مني .. اطلع برا
طيب .. و أروح أتروش في حمام ثاني ..
طلعت من الحمام .. همام ثاني .. أحس اني خفيف .. نقص وزني
و أجي .. و الا الشباب يدورون علي .. خير
تعال .. الرجال ينادي عليك .. معيي أحد يدخل عليه ..
يقول نادوا لي همام . ..
........
........
المهم .. خلصنا من الترويشة ..
--------------
نتائج الفحوصات ..
شق كبير في مؤخرة الرأس ..
شظايا في الركب .. وفي اليدين و الظهر و في أنحاء متفرقة من الجسم مع احتمال تدني في الرؤية الأفقية
لكن الشظايا صغيرة جداً .. لا ترى بالعين المغمصة
كانت شظايا حجرية .. و ليست شظايا القذيفة
لأن الأخ كان متوزي وراء صخرة كبيرة .. يترصد على الدبابة
و أصابت قذيفة الدبابة هذه الصخرة اللي محتمي فيها و جعلتها شذر مذر
الرجال أقلع طبقاً للقانون الفيزيائي اللي يقول ( طار في الهوا شاشي )
و صقع في الارض و فقد الوعي
و ما حس إلا و هو في بيت الأنصار
يعني القصة أخذت معي ثلاثة أيام .. و ما أخذت معه إلا دقائق معدودة
تصدقون كل صحواته و كلامه معنا في كل هالوقت بغير وعي
و الله ما يذكر منه شي أبد ..
المهم .. بقينا في بيت الأنصار كم يوم .. أعطيه الدواء بانتظام
و هو يتألم من ظهره .. كل ليلة أمسج ظهره بالجيزال حتى ينام ( الرحمة و الانسانية مرة أخرى )
بعد إلحاح شديد منه شخصياً .. سوينا له أشعة !!!!
طلع عنده ضلع مكسور ( و أنا أقول ليش يشكي من ظهره .. حسيت صراحة بتأنيب الضمير )
بعد أسبوعين سافرنا للرياض
بعد أسبوعين تقريباً ..
جئنا للديرة زيارة .. و كل واحد راح لأهله ..
بعد كم يوم .. إلا الرجال راز خشته عندي .. مسيّر ..
عقب ما تغدينا و عينا من الله خير .. إلا الرجال يتمدد
تشنجت رجوله .. و طاح علينا .. ما يقدر يمشي ..
.. و أنا مبتلش فيك هني و هناك ..
و الله .. و أمدده بالسيارة .. و طيران على أحد المستشفيات الحكومية
و أدخل الاسعاف و أجيب له كرسي متحرك ..
غرفة الفحوصات فيها فلبيني .. ســـديـق ..
يفحصه .. و يسولف ..
سديييييييييق إيس في مُسـكلاااااااه ؟؟ .. ليــس في سـوّي كدااا ؟؟
لا أبد مافيه شي .. قذيفة دبابة ..
الفلبيني يضحك ضحكة مشوبة بالشك .. إييييس دابابا ؟؟!!
قلت: تانك .. معلوم تانك .. بوووووم
.. سكت .. بطل يسولف المسيكين ..
في غرفة الطبيب .. ننتظر الطبيب .. ..
الحين يجي الطبيب ..
و الله و كان يجي الطبيب ..
حيا الله الطبيب ..
حنّا من وعينا على الدنيا و الطبيب عندنا .. صلعة و نظارة .. و لا مؤاخزة يعني ..
بس هذا طبيب غير شكل ..
فتح الطبيب الستارة و الا أنا في وجهه .. مباشرة ..
كل اللي شفته في النظرة الأولى .. المساحة .. يعني الطول في العرض ..
النقاب .. العيون .. و البالطو الأبيض ..!!!
نزلت وجهي في الأرض .. ما أدري من طفّى المكيف .. صارت الدنيا حر حيل
أسمع صوت من بعيد كأني في جليب .. يقول وين المريض ؟؟
ركبي سافت .. و الله و أشيل عمري و أزرق من جنبها ..
انحش يا ولد .. برّا الغرفة .. و أقرب كرسي و أذب نفسي عليه ..
و أتعوذ بالله من الشيطان .. لكن ماش ..
ابليس ذاك اليوم ما نفع معاه رقية .. لزقة ..
يا جماعة وش السالفة ..
الحين .. هالفلبينيات من الصبح .. روشة .. واحدة رايحة و واحدة جاية .. و لا شي
كأنك في مزرعة دواجن .. قصيرات و ماكو خشوم
و كلهن لابسات أبيض .. و ما تسمع إلا بق بق بقيق .. بق بقيق
هذولا الممرضات ما هم حريم .. و لا رجال .. هم في منزلة بين المنزلتين ..
... عاد أنا حياوي بزود .. ( ذيك الأيام يوم كنت صغير )
بس يا جماعة .. ودّي أبرئ ذمتي
إذا فيه واحد من المتزوجين ذاك اليوم جاه شي .. تراه من عيني .. لا تقولون ما قال ..
حسدت كل المتزوجين على وجه الأرض ذيك اللحظة ..
اللي حس بشي غير طبيعي قبل عشر سنين ثنعش سنة ..
يطبع هذا الموضوع .. و ينقعه و يشرب مايه
محد راضي بدنياه .. ذيك الأيام أحسد المتزوجين
و الحين الحمدلله متزوّج . .. و أحسد العزاب المجاهدين .. ماكو فايدة ..
و الله ما جابنا من هناك على خشومنا إلا الحريم .. .. المهم ..
أنا أدري أن الرجال الحين يسب و يتوعد فيني .. ليش طلعت و خليته بروحه ..
و الله و أطل عليه .. و الا هو مسيكين مدنق راسه .. وده الأرض تنشق و تبلعه ..
و الحرمة الله يستر عليها ما مدت حتى إيدها ..
بس تسأل و هو يجاوب و هو راسه في الأرض كأنه طالب ابتدائي ..
كتبت له دواء مسكن و راحت ..
طبعاً ما عرفت وش علته .. لأن ما عندها صلعة أصلاً .. و لا حتى نظارات ..
و طلعنا .. أدفه على عربية ..
و يقبصني ذيك القبصة .. قمت ألابط بإيده كأني سمكة توها طالعة من الماي
( إذا بتنتقم من أحد ادع عليه يطيح بإيده .. كنا نسميه الزرادية ما شاء الله لا قوة إلا بالله )
ليش تطلع و تخليني مع الحرمة لحالي يا .. ( فراغ )
قلت له : نفسي نفسي يا خوي ..
عند باب المستشفى .. قلت له .. كله منك أنت ..
وش مودّيك عند الدبابة يالملقوف .. كان قعدت في الخندق مثل خلق الله ..
رفع راسه قبل لا يركب السيارة و طالع فيني .. صرّ عينه و قال :
أي دبابة ؟؟؟؟!!!!
؟؟؟؟؟؟؟؟!!!
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
-----------------
ما أطوّلها عليكم .. الرجال طاب و لله الحمد مع الزمن ..
بس عنده شوي .. الذاكرة .. الله بالخير ..
و الركب .. الله بالخير بعد .. و الشوف .. الله بالخير بعد ..
و الإصابة منعته من أن يعود لأرض الجهاد مرة أخرى ..
و لو إنه زرق للبوسنة فترة .. لكن ماش .. الرجال مو اللي تخبر ..
فكانت آخر محطة في رحلته الجهادية الطويلة
نسأل الله أن يتقبل منا و منه .. و يكتب له أجر الشهادة ..
و بعد ذلك .. استسلم .. و رفع الراية البيضاء .. و تزوج
و كان زواجه حدث من الأحداث الهامة و منعطف خطير في حياة شباب الجهاد ..
فبزواجه سقط لواء العزوبية الذي كان يحمله و يناضل عنه ..
بعد أن بدأ الشباب يتساقطون في فخ الأقفاص الذهبية ..
و كان يأبى أن ينزل اللواء إلا عند الحورية .. ..
و لكن يأبى الله إلى أن يذيقه من عسيلة الدنيا أولاً ..
و لا ندري ماذا تخبأ لنا الأيام ..
و هل يقدر الله لنا نفرة .. تداوي الحسرة التي في قلوبنا ..
نسأل الله أن لا يحرمنا الجهاد في سبيله ..
-------------------
أوف .. ما بغت تخلص هالقصة


همام
المشتاقة الى الجنه
يوم في جاجي.....




حارس آخر نوبة يؤذن و يدخل الخندق ليوقظ النائمين لصلاة الفجر ..
تخرج من الشرنقة .. ( كيس النوم ) ..
تطلع إلى الخارج .. يصفقك الهواء البارد .. و تتلفت فلا ترى إلا بياض في بياض ..
أشجار صنوبر كأنها دمى من الثلج .. الأرض كأنها دكان نداف متروس قطن ..
و الأرض تحتك طين جامد .. و ماء يتكسر تحت أقدامك مثل الزجاج ..
وش ذا الحلم .. تتذكر الدفايات الزيتية سيمنس .. و البيلر
تجد صعوبة في لبس الحذاء المتجمد الشمالي .. تناقز على الطين .. اللي صاير مثل السكاكين ..
تدخل أطراف أصابعك في الحذاء و تمشي .. يدفى مع كثر الدوس ويلين شوي ..
تأخذ الماء من (البخاري) .. حار يغلي ..
تغسل يديك بالماء فإذا هو دافي .. تغسل وجهك فإذا هو فاتر ..
تغسل رجليك فإذا الماء بارد ..
تنتهي من الوضوء .. فإذا الماء المتبقي يجمد في قاع الإبريق ..
بعد الصلاة .. و الأذكار .. (الله يا طول الأذكار ذيك الساعة .. علشان ما تبي تروح للمطبخ ) ..
تذهب للمطبخ .. الدور عليك في الخدمة اليومية .. كل يوم الطبخ على اثنين من الشباب ..
تدور على كم قطعة حطب تحت الثلج ..
الحطب صاير قوالب ثلج .. تلقاه لازق في الأرض .. تشوت فيه بالبسطار أبو السفتي حتى يطلع ..
تصب عليه الديزل .. يحترق الديزل .. و يبقى الحطب .. كما هو ..
تصب ديزل مرة ثانية .. يحترق الديزل .. و يبقى الحطب .. كما هو ..
و الديزل يسوي روحه عسل .. يتمغط .. تشوفه ثقيل ما له خلق يشب ..
تصب ديزل .. و تصب .. و تصب .. حتى تذوب طبقات الجليد داخل الحطب ..
و يحن عليك الحطب و يشب .. و يطفى .. و يشب .. و يطفى .. و يشب ..
تتخيل الحطبة تلتفت عليك و تقول : عربي .. و الله كسرت خاطري .. علشانك و الله هالمرة ..
لكن مرة ثانية اجمعوا الحطب و حطوه في مكان مسقوف .. أحد يجمع الحطب بعد تساقط الثلج ؟؟ ..
البيض .. و ما أدراك ما البيض .. لو تفلق فيه كافر أسلم ..
صلابيخ .. ضد الكسر .. يتقشر تقشير ..
و ما تدري هو القشر اللي يطيح و إلا أظافرك ..
ما تعرف أصابعك من أصابع خويك .. ما عاد تحس فيها ..
تطلع البيضة بعد التقشير .. آيسكريم أصفر .. ترميها في القدر .. دردب .. صخرة ..
تقلب البيض بالقدر كأنك تطبخ حصى .. خرخشة .. و قرقعة ..
حتى يذوب البيض .. و يستوي .. و ما يمديه يوصل داخل الخندق إلا و هو صاك مرة ثانية ..
ثم تبدأ رحلة البحث عن المواعين تحت الثلج .. الثلج اللي نزل البارحة ..
الله يهدي الخدمة حقين أمس .. ما غسلوا المواعين ..
أما غسيل .. ما لك أمل ..
الماعون عقب بيض ؟؟ .. حط فوقه بيض ..
الماعون عقب مربى ؟؟ .. حط فوقه مربى .. و اخلطه شوي ..
و هكذا هلم جرا دواليك طوالي..
بعد الفطور الشباب يستغلون النار اللي توها تدفى و تتمغط .. و تاكل بعضها برفق و حنية ..
يجلسون عن النار .. قبل لا يتجهون للأعمال الشاقة حقت أبونوفل .. الله يسامحه ..
كل واحد قاعد يشوي حذاءه ..
صراحة .. معلق حذائه في حطبه طويلة .. و قاعد يحميه .. علشان يلين .. و يطاوع ..
علشان يقدر يدخل رجله فيه ..
و بعد عملية تطويع الأحذية ..
ينتشر الشباب إلى الأعمال الشاقة ..حفرخنادق .. و مد الأسلاك الشائكة ..
كريكات .. و فواريع .. و مرزبة .. و عتلة .. و شغل مساجين ..
و لا يرجعون للخندق إلا عند صلاة الظهر .. للصلاة و الغداء ..
ثم يعودون للعمل حتى المغرب حيث العشاء .. ثم صلاة العشاء .. ثم النوم ..
و هكذا جرا دواليك هلم على طول ..
ناهيك طبعاً .. (لاحظوا ناهيك ) ..
أقول ناهيك عن الإنزلاقات العفوية و التقلبات الجمبازية و الحركات البهلوانية ..
طبعاً الشباب ما تعودوا على المشي على الثلج ( اخوكم مقطوع سره في بيروت )
و طبعاً الحكم ضدنا و الأرض و الجمهور .. و لا ننسى الضغط النفسي للصحافة .. و المدرب الغشيم ..
المهم .. صار الواحد منا يمشي مثل رامبو .. .. وخر عنه ..
طلعت لنا عضلات في أنحاء متفرقة من الجسم مع احتمال تدني في الرؤية الأفقية جعلها الله عضلات خير و بركة ..
و صراحة .. حتى ما نظلم حبيبنا أبونوفل ..
كان هناك استراحة بين الشوطين .. شاي بالطين .. و حلاوة أفغانية .. إن وجدت ..
الساعة عشرة تقريباً .. بس هناك في أماكن العمل .. الشاي يدور عليهم .. و الحلاوة ..
أحلى أيام ..
أذكر مرة سويت لهم حلاوة ..
أنا أعرف المقادير .. لكن ما أعرف الطريقة .. سميد و مويه و سكر .. و زيت ..
حطيت المقادير كلها في القدر على النار .. و قعدت أقلب فيها ..
حتى استوت .. طلعتها من النار .. و أنا أحركها .. اشوف الخلطة تثقل .. تثقل .. تثقل ..
حتى صارت صبة .. الله وكيلك اسمنت .. حتى الملاس صكت عليه ..
طبعاً .. ما عجبت الشباب .. أصلاً ما قدروا يذوقونها .. قطعة بلوك مصبوبة في قدر ..
ما تصلح معها الملاعق .. هذي توكل بإزميل و مطرقة ..
ناس ما تقدر المواهب .. لا تشجيع و لا ترقيع .. شلون الواحد يتعلم ؟؟ ..
عاد أنا تحسفت أكب الخلطة .. لكن كيف أخلص القدر و الملاس .. المتفجرات يمكن تعور القدر ..
رحت و حطيت القدر لحمار المركز .. أعزكم الله .. يمكن يحل المسألة و يأكل شوي من الحلاوة ..
الحمار .. طالع في الصبة .. شمها .. طالع فيني ..
ثم قلب وجهه .. و راح ..
حتى أنت يا أبوصابر ..
لكن أنا من الناس اللي مجاديفهم تعصى على التكسير ..
يعني وجه عريض مغسول بمرق .. صرت طباخ غصب ..
و في المرة الثانية أعلمكم عن سالفة المطازيز اللي سويناها في كابل ..

همام
المشتاقة الى الجنه
على الريق ......




كان القمر بدراً تلك الليلة ..
أشعته الفضية تتسلل إلى الغرفة ذات الشباك الواحد ..
و تستلقي على السرير تحت الشباك مباشرة .. فتقسمه نصفين ..
ليلة من ليالي الربيع .. باردة النسمات ..
كان يجلس على حافة السرير في الجانب المظلم منه .. عارياً ..
ينظر إلى الجدار مقابله .. وقد ألقى عليه ضوء القمر ظلال قضبان زنزانة باردة ..
هل أنا في سجن فعلاً .؟؟ ..
لم تكن تلك القضبان إلا ظل القضبان الحديدية للشباك ..
تنهد و استلقى على قفاه و غاص في السرير الكبير الفاخر ..
الجوال على الطاولة .. و السيارة الجديدة تقف عند الباب ..
و زوجة حسناء خرجت من عنده للتو .. و صحة و عافية ..
هل هناك سبب آخر للسعادة .؟؟ ..
.. إلتفت إلى القمر .. فشعر بحنين جارف لا يدري ماهيته ..
رجعت به الذاكرة سنين طويلة ..
يا لعجيب خلق الله في هذه الذاكرة .. كيف تختزل الأعوام المديدة في لحظات ..
سافرت عيناه إلى القمر .. اقترب منه .. حتى أصبح ملء عينيه .. أطال في تأمله ..
ثم رجع فوجد نفسه في سفح جبلٍ أشم .. في طرف من أطراف العالم المنسي ..
في صحبة فتية غرباء .. و هذا هو القمر بعينه .. الذي كان يشرف عليهم من خلف الجبل ..
يشهد كلامهم .. و يسمع نشيدهم ..
كانت وجوههم تلمع بألوان الذهب و الفضة ..
فتارة تعكس لون ألسنة اللهب الذهبية من النار التي يتحلقون حولها ..
فإذا خفت اللهب .. انعكست على وجوههم أشعة القمر الفضية ..
لم يتذكر نشيدهم .. ربما كانوا يرددون .. لبيك لبيك لبيك .. أو كلمة نحوها ..
كان كل واحد منهم يحتضن رشاشه في حنان و مودة .. و كأنه طفله بين يديه ..
قصصهم شبيهة بالأساطير .. فهذا يسند رأسه على سبطانة سلاحه
و يقص حكايات بلاد المغرب .. التي جاء منها .. و هذا يروي قصص أقصى الشرق ..
و آخر بدوي يروي قصة صحراء مهلكة .. و كيف وصل إلى بلاد لم يسمع بها أبداً ..
لم يتخلل جلستهم رنين جوال أو بيجر .. و لم يكدر صفوها صوت مذيع .. أو معلق كرة ..
لا تتوسطهم لمبة كهربائية .. لا أزيز محرك .. و لا أنوار من بعيد .. و لم يكن هناك أي أثر للسيارات ..
ليس ثمة إلا القمر .. و الحطب .. و الخيل صافنات قد ربطت إلى الشجر ..
ضحكات متفرقة .. تقطع هدوء الوادي المهجور ..
.. لقد أحبهم كما لم يحب أحداً من قبل .. كم هو في شوق لتلك الجلسة ..
قطع عليه سيل الذكريات صوت الباب .. رجعت عرسه و قد اغتسلت ..
فزادها الماء بهاءاً و جمالاً .. نظر إليها .. جميلة .. كما أرادها و تمناها ..
تذكر أولئك الفتية .. و كيف كانوا يشربون الشاي و يتحدثون عن العرس ..
أي عرس .. و قد كانت النساء أبعد ما تكون عنهم ..
ربما أقرب امرأة من جلستهم تلك مسيرة أربعة أيام ..
أي عرس .. و أي امرأة ترضى بهم .. و بثيابهم الرثة .. و جيوبهم الخاوية ..
طبقات التراب على أجسادهم .. يشتكي بعضها من بعض .. و القمل يتزاحم على رؤوسهم ..
لا يملكون بيوتاً و لا حتى خياماً .. لا يملكون مهوراً .. إلا .. دماءهم ..
فهل هناك من ترضى بالدم مهراً لها ؟؟ ..
نعم .. كان هناك نساءاً يحبون هذا النوع من المهور الغالية .. بعيدات جداً .. قريبات جداً ..
بعيدات بعد السماء .. قريبات .. أقرب لأحدهم من شراك نعله ..
فبين أحدهم و بين عرسه طلقة أسرع من الصوت ..
أو شظية كانت في طريقها إليه و هو في مكانه ذلك ربما لن تمهله حتى ينتهي من كأس الشاي
.. أو لغم متحفز له على بعد أمتار من جلستهم .. ينتظر قفوله .. يكمن بينه و بين حصانه ..
كانت الحور العين .. أقرب إليهم من نساء الدنيا ..
ذلك العرس الذي كانوا يتحدثون عنه .. بشوق ..
و هذا العرس الذي كان يحدث به نفسه .. بشوق أيضا ..
كانوا يتحدثون .. و كان الله أعلم بما في قلوبهم ..
لقد حضر زفاف أكثرهم .. فقد دفنهم الواحد تلو الآخر ..
.. ثم رجع لعرسه الذي تمنى .. و لم يحضر زفافه أحد منهم ..
دمعة حارة .. تدحرجت على خده ..
ليتني صدقت مع الله .. كما صدقوا ..
مسحت عرسه الدمعة .. . ما الذي يبكيك أيها الحبيب ..
أفي ليلة مثل هذه يبكي الرجل .. هل رأيت مني ما يكدرك ..
بكت معه .. و لم تدري ما به ..
و لن يدري أحد ما به .. و لا حتى هو نفسه ..
ربما يبكي شوقاً إليهم .. أو حزناً عليهم .. أو على نفسه ..
ربما يبكي لأنه تذكر ذلك الشرط المخيف .. لمن أراد أن يلحق بهم ..
شرط .. و مــــا بـــدلـــوا تــبــديـــلاً ..

همام
المشتاقة الى الجنه
اختي اسرار البحر :

حياك ربي وبياك وجعل الجنة مثواي ومثواك ،،

اشكرك من قلبي على المتابعه واسأل الله ان يثيبك وان يجزيك عني خير الجزاء ويغفر الله لك ذنبك ماتقدم منه وماتأخر ــ

واشهد الله انني احب الأخوات امثالك كثرهم الله /

اختك ومحبتك : محبة الجهاد والمجاهدين .