عند سدرة المنتهى
"خَرَجَتْ سَوْدَةُ بنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا، فَرَآها عُمَرُ فَعَرَفَها، فقالَ: إنَّكِ واللَّهِ يا سَوْدَةُ ما تَخْفَيْنَ عَلَيْنا، فَرَجَعَتْ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَتْ ذلكَ له، وهو في حُجْرَتي يَتَعَشَّى، وإنَّ في يَدِهِ لَعَرْقًا، فأنْزَلَ اللَّهُ عليه، فَرُفِعَ عنْه وهو يقولُ: قدْ أذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أنْ تَخْرُجْنَ لِحَوائِجِكُنَّ"

الراوي: عائشة أم المؤمنين - المحدث: البخاري- المصدر: صحيح البخاري- خلاصة حكم المحدث: صحيح

شرح الحديث: في هذا الحديثِ تُخبرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ أمَّ المُؤمِنينَ سَوْدَةَ بنتَ زَمعةَ رَضِيَ اللهُ عنها زوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، خَرَجَتْ لِتَقضيَ حاجتَها من بَوْلٍ أو غائِطٍ بعْدَما أَنْزَلَ اللهُ آيةَ الحِجابِ وفرَضَه على زَوْجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكانتِ رَضِيَ اللهُ عنها «امرأةً جَسيمَةً»، أي: طَويلةً ضَخمةَ الجِسْمِ، «لا تَخْفى على مَنْ يَعرِفُها»، فهي تُعْرَفُ مِنْ جِسمِها وتُمَيَّزُ عن سائِرِ النِّساءِ حتَّى بعْدَ حِجابِها، وذلك لِمَنْ كان يَعرِفُها قَبْلَ الحِجابِ.
فرآها عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، فعرَفها حالَ خُروجِها ومَيَّزَها، فقال: «يا سَوْدَةُ، أمَا واللهِ ما تَخْفَيْنَ علينا، فانظُري كيف تَخْرُجِينَ»، أي: يَأمُرُها رضِيَ اللهُ عنه أنْ تَسَتتِرَ بأكثرَ من ذلك؛ حتَّى لا تُعرَفَ. فأحبَّ أن يُحجَبَ أشخاصُ نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مبالغةً في التسَتُّرِ، قالتْ أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ رضِيَاللهُ عنها: «فانْكَفَأَتْ راجِعَةً»، أي: انقلبَتْ ورجَعَتْ إلى بَيتِهادونَ الخُروجِ إلى حاجتِها، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيت أمِّ المُؤمِنينَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها يتناوَلُ العَشاءَ، وفييَدِهِ الشَّريفةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرْقٌ، أي: عَظْمٌ عليه لَحْمٌ، فدخَلَتْ أمُّ المُؤمِنينَ سَوْدَةُ رَضِيَ اللهُ عنها على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأخبرته بما كان مِن عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، فأَوحى اللهُ إليه فيما يَتعلَّقُ بشأنِ خُروجِهِنَّ في اللَّحْظَةِ نَفْسِها، وكان اللَّحمُ الذي يأكُلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في يَدِهِ وما وَضَعَهُ، ثم رُفِعَ الوَحْيُ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وانقَضى وبلَغَهُ أمْرُ اللهِ، فأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ أَذِنَ للنِّساءِ في الخُروجِ لِقضاءِ حاجتِهنَّ مِن بَولٍ أو غائِطٍ وغيرها من ضروراتِ الحياةِ. فأمَرَ اللهُ نِساءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّسَتُّرِ دونَ المُغالاةِ الزَّائدةِ، وفي الوَقْتِ نَفْسِهِ سَمَح لَهُنَّ بما لا بُدَّ منه في الحياةِ مِنَ الخُروجِ لِقَضاءِ الحاجاتِ البَشَريَّةِ.وفي الحَديثِ: غَيرةُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه على زوجاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّهاتِ المؤمِنينَ.
وفيه: أنَّ الطَّاعةَ على قَدْرِ الاستطاعةِ دونَ إفراطٍ أو تفريطٍ.وفيه: جوازُ كَلامِ الرِّجالِ مع النِّساءِ في الطُّرقِ للحاجةِ.وفيه: جوازُ الإغلاظِ في القَولِ لِمن يقصِدُ الخيرَ.وفيه: جوازُ وَعظِ الرَّجُلِ أمَّه في الدِّينِ؛ لأنَّ سَودةَ مِن أمَّهاتِ المؤمِنين.وفيه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان ينتَظِرُ الوَحْيَ فيالأُمورِ الشَّرعيَّةِ؛ لأنَّه لم يأمُرْهنَّ بالحِجابِ مع وُضوحِ الحاجةِ إليه حتى نزلت الآيةُ، وكذا في إذْنِه لهنَّ بالخُروجِ.
عند سدرة المنتهى
"خَرَجنا في سَفرٍ فأصابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فشَجَّه في رَأسِه ثُمَّ احتَلمَ فسَأل أصحابَه هَل تَجِدونَ له رُخصةً في التَّيَمُّمِ؟ فقالوا: ما نَجِدُ لك رُخصةً وأنت تَقدِرُ على الماءِ، فاغتَسَل فماتَ، فلمَّا قَدِمنا على رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عليه أخبَرناه بذلك، فقال: "قَتَلوه قَتلهمُ اللهُ، ألَا سَألوا إذ لم يَعلَموا؛ فإنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ، إنَّما كان يَكفيه أن يَتَيَمَّمَ ويَعصِبَ على جُرحِه ثُمَّ يَمسَحَ عليه ويَغسِلَ سائِرَ جَسَدِه"

الراوي: جابر- المصدر: الروضة الندية- خلاصة حكم المحدث: صحيح