فخورة بديني
فخورة بديني
انهارت الأسهم، وغلت الأسعار، وأعدمت ملايين الطيور، ونفقت آلاف الإبل، وأجدبت الأرض ،
كل هذا من البلاء، ولو تحققنا بهذه الآية لجاء الفرج ممن لا يخلف الوعد:
( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين *
ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * مالكم لا ترجون لله وقارا).

* * *

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – أن هذه الآية
( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ) مريم/65 ،
جمعت أنواع التوحيد الثلاثة :
توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ،
فحاول أن تستخرجها زادك الله فهماً لكتابه .

* * *

في قول امرأة إبراهيم: (عجوز عقيم ) الذاريات/29
"فيه حسن أدب المرأة عند خطاب الرجال، واقتصارها من الكلام على ما تحصل به الحاجة؛
فلم تقل: أنا عجوز عقيم ، واقتصرت على ذكر السبب الدال على عدم الولادة ،
ولم تذكر غيره ،
وأما في سورة هود فذكرت السبب المانع منها ومن إبراهيم وصرحت بالعجب.


* * *

" سورة النحل افتتحت بالنهي عن الإستعجال ، واختتمت بالأمر بالصبر ،
وسورة الإسراء افتتحت بالتسبيح وختمت بالتحميد " .


* * *

المتدبر لمناسبة مجيء سورة الشرح بعد "الضحى"
ينكشف له كثير من المعاني المقررة في السورة ،
ومنها ما في قوله : (فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا)
فمجموع السورتين يعطيان مثالا حيا لتقرير هذه السنة ،
فسورة الضحى تمثل جوانب العسر التي عانها نبينا عليه السلام؛
ليعقبها جوانب اليسر في "الشرح"
حتى إذا انتهى المثل، يأتي التعقيب بأن مجيء اليسر بعد العسر سنة لا تتخلف.


* * *

(فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ) المدثر49- 51 ،
" فشبِّه هؤلاء في إعراضهم ونفورهم عن القرآن بحمير رأت أسوداً ، أو رماة فـفـرت منهم ،
وهذا من بديع القياس والتمثيل ،
فإن القوم في جهلهم بما بعث الله به رسوله كالحمير ، وهي لا تعقل شيئاً ،
فإذا سمعت صوت الأسد أو الرامي نفرت منه أشد النفور وهذا غاية الذم لهؤلاء " .


* * *

"قد لا تختم الآية الكريمة بأسماء الله الحسنى صراحة ،
ولكن قد تذكر فيها أحكام تلك الأسماء،
كقوله تعالى - لما ذكر عقوبة السرقة، فإنه قال في آخرها -: ( نكالا من الله، والله عزيز حكيم ) المائدة/38،
أي: عز وحكم فقطع يد السارق، وعز وحكم فعاقب المعتدين شرعا، وقدرا، وجزاء".


* * *

"عند التأمل في آيتي:
{ فمن فرض فيهن الحج}، {وأتموا الحج والعمرة لله }
مع أن الحج قد يكون تطوعا؛ لكنه أوجبه على نفسه بمجرد دخوله فيه،
ففي هذا درس في تعظيم شأن الالتزام بإتمام أي عمل إيجابي يشرع فيه المسلم،
وعدم الخروج منه إلا بمسوغ معتبر عقلا وشرعا،
وفي الصحيح: ( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ) " .


* * *

" { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } البقرة/197،
أُمر الحجاج بأن يتزودوا لسفرهم ولا يسافروا بغير زاد ،
ثم نبههم على زاد سفر الآخرة وهو التقوى ،
فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه ،
فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى ،
فجمع بين الزادين ، فذكر الزاد الظاهر والزاد الباطن " .


* * *

" جاء لفظ القرآن في بيان الرخصة بالأسهل فالأسهل :
{ فِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } البقرة/196،
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة بذلك أرشده إلى الأفضل فالأفضل
فقال : ( انسك شاة أو أطعم ستة مساكين ، أو صم ثلاثة أيام ) متفق عليه ،
فكل شيء حسن في مقامه " .


* * *

وصف الله تعالى المسجد الحرام بقوله { الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ } الحج/25
" للإيماء إلى علة مؤاخذة المشركين بصدهم عنه ،
لأجل أنهم خالفوا ما أراد الله تعالى منه ،
فإنه جعله للناس كلهم يستوي في أحقية التعبد به
العاكف فيه - أي : المستقر في المسجد - والبادي - أي : البعيد عنه إذا دخله –" .


* * *

بعد أن ذكر الله تعالى المناسك – في سورة الحج – قال :
{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ } الحج/30 ،
ففيه إشارة إلى أن الحج ليس أقوالا وأعمالا جوفاء ،
وأن الخير الكثير إنما هو لمن تنسك ؛ معظماً لحرمات الله ، متقياً معصيته ،
ولعل في افتتاح السورة بالأمر بالتقوى ، واختتامها بالجهاد في الله حق المجاهدة تأكيداً على ذلك .


* * *

" قال تعالى : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ } البقرة/196،
ولم يقل : ولاتقصروا ، ففيه دلالة على أن الحلق أفضل ،
وهو مقتضى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة ".


* * *

لما نهى الله تعالى عباده عن إتيان القبيح قولاً وفعلاً :
{ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } البقرة/197
حثهم على فعل الجميل ، وأخبرهم أنه عالم به ،
وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة :
{ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ } " .


* * *

قال ابن عقيل: " من حسن ظني بربي، أن لطفه بلغ أن وصى بي ولدي إذا كبرت فقال: { فلا تقل لهما أف }"

فما أحوجنا - أهل القرآن - أن نحسن الظن بربنا مهما طال الزمن واشتدت المحن،
قال تعالى - في الحديث القدسي -: " أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء" .

* * *

نقل ابن عطية عن أبيه في تفسير قوله تعالى:
{ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا } الكهف/7
قوله:
" أحسن العمل: أخذ بحق، وإنفاق في حق مع الإيمان، وأداء الفرائض، واجتناب المحارم، والإكثار من المندوب إليه".

* * *

قال تعالى : { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ } الحج/37 ،
" فالعبادات إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله ، كانت كالقشور الذي لا لب فيه ، والجسد الذي روح فيه " .


* * *


قال تعالى في سياق آيات الحج : { وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } الحج/34 ،
" ثم ذكر للمخبتين أربع علامات :
وجل قلوبهم عند ذكره – والوجل خوف مقرون بهيبة ومحبة - .
وصبرهم على أقداره .
وإتيانهم بالصلاة قائمة الأركان ظاهراً وباطناً .
وإحسانهم إلى عباده بالإنفاق مما آتاهم . "

فما أجمل أن ترى الحاج وقد جمل ظاهره وباطنه بهذه العلامات .

* * *

{ المال والبنون زينة الحياة الدنيا } الكهف/46
"وتقديم المال على البنين في الذكر؛ لأنه أسبق لأذهان الناس،
لأنه يرغَب فيه الصغير والكبير، والشاب والشيخ، ومن له من الأولاد ما قد كفاه".


* * *

" ركزت آيات الحج في سورة البقرة على إظهار كمال الشريعة بتضمنها للتخفيف والتيسير ،
وإبطال ما أحدثه المشركون وأهل الكتاب في الحج من تحريف وتغيير بعـد ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ،
بينما ركزت سورة الحج على مقاصد الحج الكبرى بربطه بالتوحيد ، وتأكيد الإخلاص ، وتعظيم الشعائر والحرمات " .


* * *

{ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } الحج/27
في تقديم ذكر الرجال على الركبان فائدة جليلة وهي أن الله تعالى شرط في الحج الإستطاعة ،
ولابد من السفر إليه لغالب الناس ،
فذكر نوعي الحجاج لقطع توهم من يظن أنه لا يجب إلا على الراكب ،
فقدم الرجال اهتماماً بهذا المعنى وتأكيداً ،
أو أن هذا التقديم جبراً لهم لأن نفوس الركبان لا تزدريهم " .


* * *

"فمن تدبر القرآن، وتدبر ما قبل الآية وما بعدها،
وعرف مقصود القرآن تبين له المراد،
وعرف الهدى والرسالة، وعرف السداد من الانحراف والاعوجاج" .


* * *
فخورة بديني
فخورة بديني
في مثل هذا اليوم نزل قوله تعالى :
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة/3
" وهذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل لهم دينهم ،
فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم ، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء ،
فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه " .


* * *

" هذا يوم صلة الواصلين :
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }
ويوم قطيعة القاطعين :
{ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ }
ويوم إقالة عثر النادمين وقبول توبة التائبين :
{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا }
ويوم وفد الوافين :
{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً } " .


* * *

( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) التوبة/40
قال الشعبي رحمه الله تعالى : عاتب الله عزوجل أهل الأرض جميعاً – في هذه الآية –
إلا أبا بكر الصديق رضي الله عنه .


* * *

{ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} آل عمران/97
"هذا من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب، وإنما ذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ألفاظ الوجوب؛ تأكيدا لحقه، وتعظيما لحرمته، وتقوية لفرضه".


* * *

{ فصل لربك وانحر}
" ولم يقل: فصل لنا؛ لما في لفظ الرب من الإِيماء إلى استحقاقه العبادة لأجل ربوبيته فضلا عن فرط إنعامه".


* * *

في قوله تعالى: { فإذا قضيتم مناسككم } - أي: بعد التحلل من النسك - { فاذكروا الله } البقرة /200 قال عطاء: هو كقول الصبي: "أبه، أمه" أي: فكما يلهج الصبي بذكر أبيه وأمه، فكذلك أنتم، فالهجوا بذكر الله بعد قضاء النسك.

* * *

" ورد في آيات الحج من العناية بأمر القلوب مالم يرد في أي ركن من أركان الإسلام ،
لما في أعمال الحج من مظاهر قد تصرف عن مقاصدها العظيمة إلى ضدها ،
تأمل : { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ }
فتعاهد قلبك حين أداء نسكك " .


* * *

{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج/32
" أضاف التقوى إلى القلوب ، لأن حقيقة التقوى في القلب ،
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيح - :
( التقوى هاهنا ) ثلاثاً ، وأشار إلى صدره " .


* * *

{ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى } البقرة /203
" وفي هذا دليل على أن الأعمال المخير فيها إنما ينتفي الإثم عنها
إذا فعلها الإنسان على سبيل التقوى لله عزوجل دون التهاون بأوامره ،
لقوله تعالى { لِمَنِ اتَّقَى }
وأما من فعلها على سبيل التهاون ، وعدم المبالاة فإن عليه الإثم بترك التقوى ،
وتهاونه بأوامر الله تعالى " .


* * *

" بعد أن أباح الله تعالى التعجل لمن اتقاه قال :
{ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } البقرة/203
فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله تعالى ، فلهذا حث الله تعالى على العلم بذلك " .


* * *

" من بلاغة القرآن في قوله تعالى عن الهدي - :
{ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ .....} الآية البقرة/ 196
أنه لم يحدد ما الذي لم يوجد ؛
ليشمل من لم يجد الهدي ، ومن لم يجد ثمنه ،
فاستفدنا زيادة المعنى مع اختصار اللفظ " .


* * *

ختم الله تعالى سورة الحج بقوله :
{ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ }
وفي ذلك - والله تعالى أعلم - إشارة إلى استمرار الجهاد والمجاهدة بعد الحج ،
وأن ذلك ليس خاصاً به ، بل العبد محتاج لها في الصلاة والزكاة ، والإعتصام بالله تعالى ،
مبيناً أن الإنضباط بالشريعة – مع حاجته إلى المجاهدة – ليس فيه أي حرج أو عسر ،
بل هو سمة هذا الدين ، ومنهج أبينا إبراهيم عليه السلام ،
فهل ينتبه لذلك من يركن للراحة والدعة والتفريط بعد الحج ؟ .


* * *

لفتة من عالم ناصح :
" و إني أحثكم أيها الشباب على الحرص التام على تدبر القرآن ومعرفة معانيه ،
لأن القرآن إنما نزل ليدبر الناس آياته وليتذكروا به ، إذ لا فائدة بتلاوة اللفظ دون فهم للمعنى،
وإذا أشكل عليكم شيء فأسألوا عنه " .


* * *

" سورة المؤمنون أولها { {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ }
وآخرها : { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } "

فتأمل - ياعبدالله - في الصفات التي جعلت أولئك المؤمنون يفلحون ،
وتأمل أواخر هذه السورة لتدرك لم لا يفلح الكافرون ؟!

* * *

{ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } القصص/7
ذكر القرطبي - في تفسيره - أن الله تعالى جمع في هذه الآية بين أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين،
فتأملها فتح الله على قلبك.

* * *

" الحنف " ميل عن الضلال إلى الاستقامة ،
كقوله تعالى عن الخليل عليه السلام: { قانتا لله حنيفا } النحل/120،
أما " الجنف " فهو ميل عن الاستقامة إلى الضلال ،
كقوله تعالى في شأن الوصية: { فمن خاف من موص جنفا } البقرة/182.


* * *

" القرآن كلام الله ، وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته :
فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال ، فتخضع الأعناق، وتنكسر النفوس،
وتارة يتجلى بصفات الجلال والكمال فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها ،
بحسب ما عرفه من صفات جماله وكماله ".


* * *
فخورة بديني
فخورة بديني
قال الإمام أحمد: " عزيز علي أن تذيب الدنيا أكباد رجال وعت صدورهم القرآن "

فانظر كيف تحسر هذا الإمام على من هذه حالهم؟!
ولعل الإمام استنبطه من قوله تعالى:
{ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } الحجر/ 88 .

* * *

" في قول موسى عليه السلام للخضر : { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } الكهف/66،
التأدب مع المعلم ، وخطابه بألطف خطاب ، وإقراره بأنه يتعلم منه ،
بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر ، الذي لا يظهر للمعلم افتقاره إلى علمه ،
بل يدعي أنه يتعاون هو وإياه ، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه ، وهو جاهل جداً ،
فالذل للمعلم ، وإظهار الحاجة إلى تعليمه ، من أنفع شيء للمتعلم " .


* * *

" الله تعالى إذا ذكر ( الفلاح ) في القرآن علقه بفعل المفلح" .

وليتضح كلامه - رحمه الله - تأمل أوائل سورة البقرة ،
فإن الله تعالى بين أن سبب فلاح أولئك المتقين هو إيمانهم بالغيب ،
وإقامتهم للصلاة والإنفاق مما رزقهم الله... الخ صفاتهم ،
وعلى هذا فقس ، زادك الله فهما.

* * *

علق ابن تيمية على قول الله تعالى: { لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة/ 79
بقوله: " كما أن اللوح المحفوظ الذي كتب فيه حروف القرآن لا يمسه إلا بدن طاهر ،
فمعاني القرآن لا يذوقها إلا القلوب الطاهرة، وهى قلوب المتقين" .


* * *

عندما بشر زكريا بالولد ، قال:
{ رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } آل عمران/41 ،
فأمسك عليه لسانه ، فلم يتكلم بشيء من كلام الناس ،
ثم قال له : { واذكر ربك كثيرا } فلو أذن لأحد بترك الذكر لأذن لزكريا عليه السلام .


* * *

{ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } الأنبياء / 90 ،
قال الحسن البصري : دام خوفهم من ربهم فلم يفارق خوفه قلوبهم ،
إن نزلت بهم رغبة خافوا أن يكون ذلك استدراجا من الله لهم ،
و إن نزلت بهم رهبة خافوا أن يكون الله عزوجل قد أمر بأخذهم لبعض ما سلف منهم .


* * *

{ قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به } الرعد/36 ،
سئل سهل التستري: متى يصح للعبد مقام العبودية ؟
قال: إذا ترك تدبيره ورضي بتدبير الله فيه.


* * *

" تأمل في قول ذي القرنين :
{ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً *
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } الكهف /87-88 ،
إذ لما ذكر المشرك بدأ بتعذيبه ثم ثنَّى بتعذيب الله تعالى ،
ولما ذكر المؤمن بدأ بثواب الله أولاً ثم بمعاملته باليسر ،
ثانياً ؛ لأن مقصود المؤمن الوصول إلى الجنة ، بخلاف الكافر فعذاب الدنيا سابق على عذاب الآخرة " .


* * *

قال قتادة في قوله تعالى :
{ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } الرحمن/8:
" اعدل يا بن آدم كما تحب أن يعدل لك ،
وأوف كما تحب أن يوفى لك ،
فإن العدل يصلح الناس " .


* * *

{ إنه يعلم الجهر من القول } الأنبياء/110
" اختص الله تعالى بعلم الجهر من القول من جهة أنه إذا اشتدت الأصوات وتداخلت
فإنها حالة لا يسمع فيها الإنسان, ولا يميز الكلام,
أما الله عز وجل فإنه يسمع كلام كل شخص بعينه، ولا يشغله سمع كلام عن سمع آخر " .


* * *

{ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } الكهف / 49
قال عون بن عبدالله : ضج والله القوم من الصغار قبل الكبار .
فتأمل – وفقك الله – هذه اللفتة من هذا الإمام في التحذير من صغار الذنوب التي يحتقرها كثير من الناس ،
مع أنها قد تجتمع على المرء فتهلكه .

* * *

أهل العقول الراجحة والقلوب الزاكية :
يحسنون الاستماع لما ينفعهم ، ويميزون بين الحسن والأحسن، ويتبعون الأحسن ،
وهؤلاء هم الذين استحقوا البشرى من ربهم بقوله:
{ فَبَشِّرْ عِبَادِ{ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} الزمر:17/18
فما أعظمه من ثناء! وما أشد غفلة الكثير عن تدبر مثل هذه الآيات! .


* * *

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ }
إذا كانت الإقامة في القبر مجرد زيارة مع أنها قد تمتد آلاف السنين ،
فبم نصف إقامتنا في الدنيا التي لا تتجاوز عدد سنيين؟
تأمل
{ قالوا:لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين } المؤمنون:113
فيا طول حسرة المفرطين!

* * *

- كلُّ ما ورد في القرآن " زعم " فالمراد به الكذب.
- وكلُّ " ظن " ورد في القرآن في الآخرة أو يوم القيامة فهو يقين.
- كلُّ ما ذكر في القرآن " رزق كريم " فالمقصود به الجنة ونعيمها.


* * *

{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } الجمعة/2
في قوله : " منهم " فائدتان:
الأولى: أنه كأمته الأمية، لم يقرأ كتابا، ولا خطه بيمينه ،
ومع ذلك أتى بهذا القرآن الذي ما سمعوا بمثله ، وهذا برهان صدقه.
والثانية : التنبيه على معرفتهم بنسبه ، وشرفه، وعفته ، وصدقه ،
بل لم يكذب قط، فمن لم يكذب على الناس أفيكذب على الله ؟


* * *

{ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ } ق/33
" هو الرجل يذكر ذنوبه في الخلاء، فيستغفر الله منها"

ومما يدخل في هذا المعنى أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله :
" ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " أي: من تذكره لعظمة الله ولقائه ،
ونحو ذلك من المعاني التي ترد على القلب - كما أشار إلى ذلك ابن كثير

* * *

عن قتادة في قوله تعالى :
{ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } طه/2
لا والله ، ما جعله الله شقياً ، ولكن جعله الله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة .

فتأمل الآية وتعليق هذا الإمام عليها ، ثم لك أن تتعجب أن يتقلب مسلم في الشقاء وكتاب الله بين يديه .

* * *

تأمل هذه القاعدة جيدًا:
" كثيرا ما ينفي الله الشيء لانتفاء فائدته وثمرته ، وإن كانت صورته موجودة
، ومثال ذلك: قوله تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } الأعراف/ 179
فلما لم ينتفعوا بقلوبهم بفقه معاني كلام الله ، وأعينهم بتأمل ملكوت الله ،
لم تتحقق الثمرة منها " .


* * *

{ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً} الكهف/1
ذكر الجارحة التي هي الآذان – التي منها يكون السمع – لأنه لا يستحكم نوم إلا مع تعطل السمع
، وفي الحديث ( ذلك رجل بال الشيطان في أذنه ) ،
أي استثقل نومه جداً حتى لا يقوم بالليل .


* * *
فخورة بديني
فخورة بديني
{ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } البقرة/153
توجيه رباني وجدت بركته أخت لنا فجعت بفقد والديها وأخيها وأختها في حادث قبل أيام ،
إذ لما اشتدت عليها المصيبة تذكرت هذه الآية ففزعت للصلاة ، موقنة بكلام ربها ،
فتقسم أنه نزل على قلبها سكينة عظيمة خففت عليها مصيبتها .
وذلك تأكيد عملي على أثر تدبر القرآن والعمل به في حياة العبد في ظروفه كلها .

* * *

{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ } الأنعام/151
أي : لا تقتلوهم من فقركم الحاصل ،
بينما قال في سورة الإسراء :
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } الإسراء/31 ،
أي : خشية حصول فقر في المستقبل ؛
ولذا قال بعدها :
{ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم }
فبدأ برزقهم للإهتمام بهم ،
أي : لا تخافوا من فقركم بسببهم ، فرزقهم على الله .


* * *

عن الحسن البصري في قوله تعالى :
{ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ........ الآية } الروم/7
قال : إنه ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره ، فيخبرك بوزنه ،
وما يحسن يصلي !!! .


* * *

قال تعالى عن المنافقين :
{ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } البقرة/ 14
فتأمل كيف قالوا { إِنَّا مَعَكْمْ } مع أن مقتضى الظاهر أن يكون كلامهم بعكس ذلك؛
لأن المؤمنين يشكون في إيمان المنافقين، وقومهم لا يشكون في بقائهم على دينهم .


* * *

{ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ } هود/81
والحكمة من نهيهم عن الالتفات ليجدوا في السير ،
فإن الملتفت للوراء لا يخلو من أدنى وقفة ،
أو لأجل أن لا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فترق قلوبهم لهم .

وفي ذلك إشارة للمؤمن أن لا يلتفت في عمله للوراء إلا على سبيل تقويم الأخطاء؛
لأن كثرة الالتفات تضيع الوقت، وربما أورثت وهناً .

* * *

" من تأمل ذل إخوة يوسف لما قالوا :
{ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا }
عرف شؤم الزلل " .


* * *

{ صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً } البقرة/138
فسمي الدين صبغة استعارة ومجازا ،
حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين ،
كما يظهر أثر الصبغ في الثوب .


* * *

قوله تعالى َ{ لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً } الكهف/62
يدل على جواز الميل إلى نوع من الشكوى عند إمساس البلوى ،
ونظيره قول يعقوب { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ }، وقول أيوب { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ } .


* * *

يدل قوله تعالى { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } آل عمران/120
على أن الاستثمار الأساسي في مواجهة عدوان الخارج يجب أن يكون بتحصين الداخل
من خلال الاستقامة على أمر الله ، ومن خلال النجاح في مواكبة معطيات العصر .


* * *

{ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }
ولم يقل رجما بالغيب ، بل سكت ، فهذا يدل على أن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم؛
لأن الله عندما أبطل القولين الأولين، وسكت عن الثالث، صار الثالث صوابا .


* * *

قال تعالى { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } فاطر/32
قيل في سبب تقديم الظالم لنفسه على السابق بالخيرات - مع أن السابق أعلى مرتبة منه -
لئلا ييأس الظالم من رحمة الله، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله .


* * *

قال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - لا يثبت القرآن في الصدر ، ولا يسهل حفظه ،
وييسر فهمه إلا القيام به في جوف الليل
قال الشيخ عطية سالم - وهو ناقل هذه الكلمة -
وقد كان شيخنا لا يترك ورده من الليل صيفا أو شتاء .

* * *

{ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }
فتأمل الإتيان بصيغة الجمع في قوله { وَلَا تَحَاضُّونَ } ففي ذلك إشارة إلى أنه ينبغي
أن يكون هناك مجهود جماعي في الحث على الإطعام ،
ويؤكد هذا أن القرآن - في الفترة المكية - أبرز قضية العناية بحقوق الناس، وخاصة الضعفاء ؛
لأن حفظ الحقوق يحفظ المجتمعات، وبالإطاحة بها تنهار المجتمعات من داخلها .


* * *

يقول أحد الدعاة رأيت مغنيا مشهورا طالما فتن الشباب والفتيات ،
فقررت أن لا أدعه حتى أنصحه، فسلمت عليه ،
وألهمني الله أن ألقي في أذنه قوله تعالى
{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }
ثم ذهبت ،
فوالله ما مرت أيام إلا وقرأت خبر توبته في الصحف
فما أجمل الوعظ بالقرآن إذا صادف انتقاء حسنا، وقلبا واعيا!

* * *

أهل العقول الراجحة والقلوب الزاكية يحسنون الاستماع لما ينفعهم ،
ويميزون بين الحسن والأحسن، ويتبعون الأحسن،
وهؤلاء هم الذين استحقوا البشرى من ربهم بقوله
{ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ ُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} الزمر17-18
فما أعظمه من ثناء! وما أشد غفلة الكثير عن تدبر مثل هذه الآيات! .


* * *

أوضاع أهلنا في فلسطين أمر يستوجب منا الفزع لربنا والتضرع إليه أن يفرج كربتهم،
وأن ينتقم من عدوهم ، فإن عدوهم مهما بلغت قوته فليس بشيء أمام قوة الجبار جل جلاله ،
ألسنا نقرأ قوله تعالى في سورة البروج { إن بطش ربك لشديد }
إلى قوله { والله من ورائهم محيط } ؟
وإذا لم تسكب هذه الآيات – وأمثالها – القوة في قلوبنا لنترجمها إلى دعاء صادق ،
فأي شيء إذاً ؟
ألا فلننطرح بين يدي ربنا ، ونستنصر لإخواننا في صلواتنا ودعواتنا .

* * *

شدة البرد من زمهرير جهنم – كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم –
ولكمال نعيم أهل الجنة ، فإن الله تعالى نفى عنهم الحر المزعج ، والبرد المؤلم ،
فقال سبحانه : { لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً } الإنسان/13،
فهل يتذكر صاحب القرآن هذا حينما يقرصه البرد ؟!
جعلنا الله وإياكم من أهل ذلك النعيم .

* * *

قال ابن القيم : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول :
أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة ، وهو أخذ الزينة ،
فقال تعالى { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الأعراف/31
فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة ،
إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة .


* * *
فخورة بديني
فخورة بديني
في قوله تعالى { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } الملك/2
ابتلانا الله بحسن العمل، لا بالعمل فقط ،
ألم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أي العمل أفضل؟
ففهمهم - رضي الله عنهم - يدل على التنافس في جودة العمل لا مجرد كثرته .

* * *


{ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } الرعد/17
قال ابن عباس هذا مثل ضربه الله, احتملت القلوب من الوحي على قدر يقينها وشكها ،
فأما الشك فما ينفع معه العمل, وأما اليقين فينفع الله به أهله .


* * *

أسباب الخروج عن الصراط المستقيم إما الجهل, أو العناد ،
فالذين خرجوا عنه لعنادهم المغضوب عليهم، وعلى رأسهم اليهود ،
والذين خرجوا لجهلهم كل من لا يعلم الحق وعلى رأسهم النصارى ،
وهذا بالنسبة لحالهم قبل البعثة - أي النصارى- أما بعد البعثة فقد علموا الحق ،
وخالفوه؛ فصاروا هم واليهود سواء، كلهم مغضوب عليهم .


* * *

{ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ } الذاريات 35 – 36
دون أن يقول فأخرجنا لوطاً وأهل بيته ، قصداً للتنويه بشأن الإيمان والإِسلام ،
أي أن الله نجّاهم من العذاب لأجل إيمانهم بما جاء به رسولهم ، لا لأجل أنهم أهل لوط .


* * *

اتفقت سورتا الأعلى والغاشية في كلمة { فَذَكِّرْ}
مما يدل على أن السورتين تركزان على التذكير بعظم حق الله ،
استدلالا بآياته، وتخويفا من شدة عذابه، ولذا قال { النَّارَ الْكُبْرَى }، { الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ }
مما يبعث المؤمن على الحرص على تزكية نفسه، والحذر من الإعراض عن شرع ربه .


* * *

من فوائد قصة موسى مع الخضر أن من ليس له صبر على صحبة العالم والعلم ،
فإنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم ،
ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه .


* * *

" قد يكون عند أدنى الناس علم ما لا يعلمه إمام زمانه ،
وقد علم الهدهد أمر ما علمه نبي مرسل،
فاقرأ إن شئت قوله تعالى { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } النمل/22 ".

فهل يدعونا كلام هذا الإمام للاجتهاد في التدبر ،
والاستفادة من أهل العلم في تنمية هذه الملكة .

* * *

تأمر آخر آية من سورة المزمل ،
وما فيها من التأكيد على قراءة القرآن مهما كانت الظروف ،
من مرض وسفر وقتال في سبيل الله !
فهل يعتبر المقصرون في قراءة القرآن بسبب أعمال لا تداني هذه الأعذار ؟ .

* * *

{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } الرحمن/46
قال غير واحد من السلف هو الرجل يهم بالمعصية ، فيذكر الله فيدعها من خوفه .


* * *

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } آل عمران/142
العقلاء يستحيون أن يطلبوا السلعة الغالية بالثمن التافه -
وهم يبدون استعدادهم للتضحية بأنفسهم في سبيل ما ينشدون -
إلا أن الاستعداد أيام الأمن يجب أن لا يزول أيام الروع .


* * *

" العقل الصحيح هو الذي يعقل صاحبه عن الوقوع فيما لا ينبغي ،
كما قال تعالى { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } الملك/10
أما العقل الذي لا يزجر صاحبه عما لا ينبغي،
فهو عقل دنيوي يعيش به صاحبه ، وليس هو العقل بمعنى الكلمة " .


* * *

{ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ }
ومناسبة الآيتين لبعضهما
أن بعثرة ما في القبور إخراج للأجساد من بواطن الأرض ،
وتحصيل ما في الصدور إخراج لما تكنه فيها ،
فالبعثرة بعثرة ما في القبور عما تكنه الأرض ،
وهنا عما يكنه الصدر ،
والتناسب بينهما ظاهر.


* * *

" في قوله تعالى: { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } النساء/48
نعمة عظيمة من وجهين :
أحدهما: أنه يقتضي أن كل ميت على ذنب دون الشرك لا نقطع له بالعذاب وإن كان مصرا .
والثانية: أن تعليقه بالمشيئة فيه نفع للمسلمين، وهو أن يكونوا على خوف وطمع " .


* * *

قال ابن عقيل: ما أخوفني أن أساكن معصية ،
فتكون سبباً في حبوط عملي وسقوط منزلة إن كانت لي عند الله تعالى ،
بعدما سمعت قوله تعالى: { لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } الحجرات/2.
وقد علق ابن مفلح قائلا :
وهذا يجعل الفطن خائفا وجلا من الإقدام على المآثم ، وخوفا أن يكون تحتها من العقوبة ما يماثل هذه .


* * *