{ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ } هود / 88
أي: ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم ، وتستقيم منافعكم ،
وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي ، شيء بحسب استطاعتي ،
ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس ، دفع هذا بقوله :
{ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ } .
* * *
{ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } آل عمران / 95 ،
{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } لقمان / 15 ،
{ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } الأنعام / 90
تأمل الرابط بينها ،
تجد أنه أمر باتباع السبيل والملة والهدى مع أن هؤلاء أئمة معصومون ؛
وذلك لتوجيه الأمة بأن لا تقتدي بالأفراد لذواتهم مهما علا شأنهم وارتفعت مكانتهم ,
وإنما تقتدي بهداهم ، فإن زل أحد عن المنهج بقيت هي على الطريق،
وهذا درس عظيم لو وعاه كثير من المسلمين لسلموا من التعصب الذي أضل الأمة .
* * *
{ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } الكهف / 18
إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته
ومخالطته الصلحاء والأولياء - حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه –
فما ظنك بالمؤمنين الموحدين، المخالطين المحبين للأولياء والصالحين ؟
بل في هذا تسلية وأنس للمقصرين ، المحبين للنبي صلى الله عليه وسلم وآله خير آل .
* * *
{ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } آل عمران / 159
ليعتبر بهذه الآية من يتولى أمرا يستدعي أن يكون بجانبه أصحاب يظاهرونه عليه ,
حتى يعلم يقينا أن قوة الذكاء وغزارة العلم ، وسعة الحياة وعظم الثراء :
لا تكسبه أنصارا مخلصين , ولا تجمع عليه من فضلاء الناس من يثق بصحبتهم ,
إلا أن يكون صاحب خلق كريم ، من اللين والصفح والاحتمال .
* * *
قال بعض السلف :
متى أطلق الله لسانك بالدعاء والطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك ؛
وذلك لصدق الوعد بإجابة من دعاه ، ألم يقل الله تعالى :
{ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } البقرة / 186
* * *
{ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ *
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء }
هود / 42، 43
إن سلوك طريق المؤمنين ومجالستهم ،
والانحياز إليهم هو سبيل النجاة الحقة ؛
لأنهم في كنف الله وعنايته ، حتى وإن تقاذفتهم الفتن ،
وكانت أسبابهم يسيرة ، كسفينة من خشب في أمواج كالجبال ،
كما أن سلوك طريق الكافرين والمنافقين والانحياز إليهم هو سبيل الهلاك ،
حتى وإن توفرت لهم الأسباب المادية المنيعة كالجبال في علوها وصلابتها .
* * *
قوله تعالى لنبيه : { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } القلم / 8
ذلك أبلغ في الإكرام والاحترام ،
فإن قوله : لا تكذب ، ولا تحلف ، ولا تشتم ، ولا تهمز ،
ليس هو مثل قوله : لا تطع من يكون متلبسًا بهذه الأخلاق ؛
لما فيه من الدلالة على تشريفه وبراءته من تلك الأخلاق .
* * *
للتأمل :
آية في سورة البقرة - وفي الجزء الأول تحديداً- أدرج فيها العم ضمن الآباء
الآية قوله تعالى : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي
قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }
البقرة / 133.
قال ابن كثير رحمه الله : وهذا من باب التغليب لأن إسماعيل عم يعقوب .
* * *
في قوله تعالى : { آتِنَا غَدَاءنَا } الكهف / 62
دليل على اتخاذ الزاد في الأسفار ،
وهو رد على الجهلة الأغمار ،
الذين يقتحمون الصحاري والقفار ،
زعما منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار ،
هذا موسى نبي الله وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه ،
وتوكله على رب العباد .
* * *
قول موسى للخضر: { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } الكهف / 66
نموذج لطالب العلم الجاد والأدب مع العلماء ،
فموسى عليه السلام نبي مرسل ،
ولم تكن تلك المنزلة لتمنعه أن يتعلم ممن أقل منه ،
بل قطع الفيافي والقفار ، ولم يتعاظم على العلم ،
وذهب في سبيله واجتهد حتى وصل .
* * *
ثبت في الشريعة العفو عن الخطأ في الاجتهاد ،
حسبما بسطه العلماء وأهل الأصول ،
ومنه قوله تعالى : { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } الأنفال / 86 .
* * *
في قوله تعالى : { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } الواقعة / 73
لطيفة ، وهي :
أن الله تعالى قدم كونها تذكرة على كونها متاعا ؛
ليعلم العبد أن الفائدة الأخروية أتم , وبالذكر أهم .
* * *
من عمل بهذا القرآن تصديقا وطاعة وتخلقا :
فإن الله تعالى يرفعه به في الدنيا وفي الآخرة ،
وذلك لأن هذه القرآن هو أصل العلم ومنبع العلم وكل العلم ،
وقد قال الله تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } المجادلة / 11 .
* * *
ما أحسنها من تربية يربينا بها ربنا ،
لما أثبت في سوره الفاتحة أن الحمد كله له ؛
علل ذلك بأنه رب العالمين ، والرحمن الرحيم ، ومالك يوم الدين .
وبهذا تطمئن القلوب ، وتنقاد النفوس ، ويزداد إقبالها على ما أمرت به .
* * *
علق قتادة على قول يوسف عليه السلام :
{ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ } يوسف :38
فقال :
إن المؤمن ليشكر ما به من نعمة الله ، ويشكر ما في الناس من نعم الله .
* * *
قرأ قارئ عند عمر :
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد / 24 وعنده شاب فقال:
اللهم عليها أقفالها ، وبيدك مفاتيحها ، لا يفتحها سواك ؛
فعرفها له عمر ، وزادته خيرا .
* * *
ضرب الله مثلين منفرين
فقال تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } الأعراف :/ 176
وقال تعالى : { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } الجمعة / 5
فالمثل الأول :
ضربه للعالم الضال المنسلخ عن العلم النافع ، دائم اللهاث وراء شهواته
وأما المثل الثاني :
فضربه الله للذين يحملون التوراة في عقولهم ،
لكنهم لم يستفيدوا منها ولم ينتفعوا بها في حياتهم ،
فماذا يفرقون عن الحمار حامل الأسفار ؟
* * *
{ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } النساء / 129
في هذه الآية إشارة إلى المبادرة في الحسم وإصلاح الشأن :
إما بالوفاق أو الفراق ، بعد أن تتخذ الوسائل المشروعة ،
ولعل ذلك لا يقف عند مسألة الزوجية ،
بل يتعداه إلى أمور كثيرة من شأنها أن تعقد المشكلات ، أو تنشئها إن لم تكن موجودة ،
فاللائق - في الأحوال التي لا يسوغ فيها التروي - أن تحسم الأمور ولا تظل معلقة ،
ليعرف كل طرف ماله وما عليه ؛ ولئلا يبقى في النفوس أثر يزداد مع الأيام سوءا .
* * *
قوله تعالى : { كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ } النساء / 94
فيه تربية عظيمة ،
وهي أن يستشعر الإنسان - عند مؤاخذته غيره - أحوالا كان هو عليها تساوي أحوال من يؤاخذه ،
كمؤاخذة المعلم التلميذ بسوء إذا قصر في إعمال جهده ،
وكذلك هي عظة لمن يمتحنون طلبة العلم، فيعتادون التشديد عليهم ، وتطلب عثراتهم .
* * *
أخي المتدبر :
إذا أردت الاستفادة المثلى من رسائل التدبر فاقرأها مرتين أو أكثر ،
وأمعن نظرك فيها مرة بعد مرة ، وهذا هو التدبر ،
كما قال ابن القيم :
" وتدبر الكلام أن ينظر في أوله وآخره , ثم يعيد نظره مرة بعد مرة ؛
ولهذا جاء على بناء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين " .
* * *
في قوله تعالى :
{ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } الإسراء / 45
بعض أهل التفسير يقولون :
ساترا. والصواب حمله على ظاهره ،
وأن يكون الحجاب مستورا عن العيون فلا يرى ، وذلك أبلغ .
* * *
في قوله تعالى :
{ ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه
ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } الكهف / 49
قال قتادة رحمه الله :
اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء ، ولم يشتك أحد ظلما ، فإن الله لا يظلم أحدا ،
فإياكم والمحقرات من الذنوب ، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه .
* * *

ما حرمه الله و كرهه مما فيه جمال ،
إنما حرم وكره لاشتماله على مكروه يبغضه الله أعظم مما فيه من محبوبه ،
وكذلك الصور الجميلة من الرجال والنساء ،
فإن أحدهم إذا كان خلقه سيئا - بأن يكون فاجرا ، أو كافرا معلنا أو منافقا-
كان البغض أو المقت لخلقه ودينه مستعليا على ما فيه من الجمال ،
كما قال تعالى عن المنافقين : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } المنافقون / 4 .
* * *
يقول أحد أعضاء أسرة تدبر ( أستاذ جامعي ) :
زرت والدي ( قرابة 75 سنة ) في المستشفى فسألته عن نومه ؟
فقال : نمت بحمد الله. وأنا أفرح إذا طار عني النوم !
فقلت : لم؟ فقال : لأعيش مع كلام ربي !
فقلت : كم تقرأ ؟ قال : سبعة أجزاء !
يقول هذا الأستاذ : وأنا لا أعرف عن قراءة والدي إلا التدبر والسؤال ،
والتكرار، والوقوف الطويل عند الآيات .
* * *
دل قوله تعالى { فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ } المجادلة / 11
على أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة
وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة ،
ولا ينبغي للعاقل أن يقيد الآية بالتفسح والتوسع في المجلس ،
بل المراد منه إيصال أي خير إلى المسلم ، وإدخال السرور في قلبه .
* * *
لما رجع موسى عليه السلام ، ووجد قومه قد عبدوا العجل ،
غضب وأخذ برأس أخيه هارون ولحيته ، وعاتبه عتابا شديدا ،
فكان مما قاله هارون لموسى : { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء } الأعراف / 150
وهو درس عظيم لأتباع الأنبياء في علاج مشاكلهم مهما كانت كبيرة ،
بعيدا عن أي أسلوب يجلب شماتة الأعداء والحاسدين .
* * *
قوله تعالى بعد ذكره أحكام القذف :
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } النور / 10
قد يقال : إن المتوقع أن يقال : ( تواب رحيم ) ؛
لأن الرحمة مناسبة للتوبة ، لكن ختمت باسم الله ( الحكيم )
إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته ،
وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة .
* * *
قوله تعالى :
{ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ
إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } يوسف / 87
رغم كثرة المصائب وشدة النكبات والمتغيرات التي تعاقبت على نبي الله يعقوب عليه السلام ،
إلا أن الذي لم يتغير أبدا هو حسن ظنه بربه تعالى .
* * *
في قوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } البقرة / 111
دليل على أن كل مدعي دعوى محتاج إلى تثبيتها ،
وإقامة البرهان عليها ، وإذا كان المدعى عن شيء لله :
لم يقبل ذلك البرهان إلا عن الله تعالى ؛ لقوله في الآية التي قبل هذه :
{ قل اتخذتم عند الله عهداً }؟ .
* * *
الجنود التي يخذل بها الباطل ، وينصر بها الحق ،
ليست مقصورة على نوع معين من السلاح ،
بل هي أعم من أن تكون مادية أو معنوية ،
وإذا كانت مادية فإن خطرها لا يتمثل في ضخامتها ،
فقد تفتك جرثومة لا تراها العين بجيش عظيم :
{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } المدثر/ 31.
* * *
{ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } البقرة / 45
المعنى أن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين الذين أسلموا وجوههم لله,
والصلاة من حيث إنها قيام وركوع وسجود وجلوس ليس فيها صعوبة ,
والصعوبة من جهة أن الصلاة بحق هي التي يدخلها المصلي بقلب حاضر ,
فيؤديها مبتغيا رضا الله , تاليا القرآن بتدبر ,
ناطقا بالدعوات والأذكار التي تشتمل عليها عن قصد إلى كل معنى ،
دون أن تجري على لسانه وهو في غفلة عن معانيها التي هي روح العبادة .
* * *
لما ذكر سبحانه في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل ،
وما حل بهم في الدنيا من الخزي ،
قال بعد ذلك :
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ } هود / 103
فأخبر أن عقوباته للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة ،
وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه ،
فإنه إذا سمع ذلك قال :
" لم يزل في الدهر الخير والشر والنعيم والبؤس والسعادة والشقاوة "! ،
وربما أحال ذلك على أسباب فلكية ، وقوى نفسانية .
* * *
من القضايا المسلمة أنه مهما تأنق الإنسان في تحبير العبارات
- وهو يوضح معاني كلام الله -
فما هو إلا كالشرح لشذرة من معانيه الظاهرة ،
وكالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة ،
إذ لا قدرة لأحد على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب ،
وما تضمنه من لب اللباب .
* * *
{ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } الحجر / 3
قال بعض أهل العلم : ( ذَرْهُمْ ) تهديد ،
وقوله : ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) تهديد آخر ،
فمتى يهنأ العيش بين تهديدين ؟.
* * *
{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } التوبة /40
انظر كيف جعل الله خروج نبيه من مكة ، بل إخراجه ، نصرا مبينا ،
وأنزل عليه سكينة وجنودا تؤيده ،
وجعل كلمة الكافرين السفلى ، فما يظنه بعض الناس هزيمة
– بسبب ما حصل لأنبياء الله وأوليائه من القتل والسجن -
إنما هو في ميزان الله نصر ، بل النصر المبين .
* * *
{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ }
كم يفوت علينا من الخير عندما نقصر المعنى على بعض أفراده ،
ومن ذلك هذه الآية حينما نحصر معناها في سائل المال !
بينما المعنى أشمل من ذلك وأعم ، وأعظمه السؤال عن العلم والدين ،
فهل يدرك المفتون والمعلمون أنهم مخاطبون بهذه الآية ؟
فليترفقوا بالسائلين ، استجابة لأمر الله ،
وتحدثا بنعمة الله عليهم .
* * *
من أساليب القرآن أنه قد يأتي بالشيء وهو معلوم
بالبديهة اللغوية أو الحسابية أو العادية أو العقلية ،
فمن ذلك ما في قوله تعالى :
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } الإسراء/ 1
ذكر الليل ، ومن المعلوم أن الإسراء لا يكون إلا ليلا ؛
لزيادة استحضار صورة الإسراء في ذهن السامع ،
حتى يكون كأنه قد حضر تلك المعجزة ، وهذا أشد في التأثير .
* * *
{ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } الشعراء / 227
ختم السورة بآية ناطقة بما لا شيء أهيب منه وأهول ،
ولا أنكى لقلوب المتأملين ولا أصدع لأكباد المتدبرين ،
وذلك قوله : ( وسيعلم ) وما فيه من الوعيد البليغ ،
وقوله : ( الذين ظلموا ) وإطلاقه ،
وقوله : ( أي منقلب ينقلبون ) وإبهامه ،
وكان السلف الصالح يتواعظون بها .
* * *
قوله تعالى :
{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } آل عمران / 52
تنبيه أنه ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحس ، فضلا عن التفهم .
* * *
لماذا توصف المؤمنات المحصنات بـ { الْغَافِلَاتِ } ؟
إنه وصف لطيف محمود ،
يُجسد المجتمع البريء والبيت الطاهر الذي تشب فتياته
زهرات ناصعات لا يعرفن الإثم ،
إنهن غافلات عن ملوثات الطباع السافلة .
وإذا كان الأمر كذلك فتأملوا كيف تتعاون الأقلام الساقطة ،
والأفلام الهابطة لتمزق حجاب الغفلة هذا ،
ثم تتسابق وتتنافس في شرح المعاصي ،
وفضح الأسرار وهتك الأستار ،
وفتح عيون الصغار قبل الكبار ؟! ألا ساء ما يزرون !! .
* * *
لما قتل موسى القبطي قال :
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
القصص/ 16
قال ابن عطية :
إن ندم موسى حمله على الخضوع لربه والاستغفار عن ذنب باء به عنده تعالى ،
فغفر الله خطأه ذلك ،
قال قتادة :
عرف – والله - المخرج فاستغفر .
* * *
{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } الأنفال / 38
هذه لطيفة ؛
وذلك أن الكفار يقتحمون الكفر والجرائم ، والمعاصي والمآثم ،
فلو كان ذلك يوجب مؤاخذتهم لما استدركوا أبدا توبة ،
ولا نالتهم مغفرة ؛ فيسر الله عليهم قبول التوبة عند الإنابة ،
وبذل المغفرة بالإسلام ، وهدم جميع ما تقدم ؛
ليكون ذلك أقرب إلى دخولهم في الدين ، وأدعى إلى قبولهم كلمة الإسلام .
* * *
{ َوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } القصص / 82
وهم بالأمس يتضرعون :
{ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } القصص / 79
قف متأملا متدبرا : كم دعوة حزنت على عدم استجابة الله لك إياها ؟
بل قد يسيء البعض بربه الظن ، فيخالطه شك أو ريبة أو قنوط !
وما علم المسكين أن خيرة الله خير من خيرته لنفسه ،
كما صرف الشر عن أصحاب قارون ،
ولكن { وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ } القصص / 80 .
* * *
من تدبر القرآن تبين له أن الرب العظيم
يذكر عباده كثيرا بنعمة الخلق والإيجاد ،
وأن تذكر هذه النعمة يثمر ثمرات جليلة ،
منها : استحقاق الخالق عز وجل للعبادة بجميع أنواعها ،
والإيمان بالبعث والنشأة الآخرة ، وإثبات حكمة الله وعلمه في شرعه وقدره ،
ولزوم التواضع وترك الكبر ؛ ولعل هذا من أسرار بدء الوحي بقوله تعالى :
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } .
* * *
{ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } طه / 117
تأمل كيف جمع بينهما في الخروج من الجنة ،
وخص الذكر بالشقاء فقال : ( تشقى ) ولم يقل تشقيان ؛
لأن الأصل أن الذكر هو الذي يشتغل بالكسب والمعاش ،
وأما المرأة فهي في خدرها .
فهل يعي هذا من يدعو إلى خروج المرأة إلى ميادين العمل بإطلاق
وكأن ذلك هو الأصل ؟! .
* * *
قرأ عامي ينتسب إلى مذهب ضال
- معروف بشتم الصحابة وأمهات المؤمنين-
قوله تعالى :
{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } الأحزاب / 6
فتوقف قليلا عند قوله : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }
فقال بفطرته :
كيف نشتم أمهاتنا إن كنا مؤمنين ؟
فكان ذلك سببا في هدايته لمذهب أهل السنة ولله الحمد .
* * *
في قوله تعالى :
{ والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى } الأعلى / 4-5
هذا مثل للحياة الدنيا ، ولعاقبة الكفار ،
ومن اغتر بالدنيا ، فإنهم يكونون في نعيم وزينة وسعادة ،
ثم يصيرون إلى شقاء في الدنيا والآخرة ،
كالمرعى الذي جعله غثاء أحوى - أي هشيما متغيرا - .
* * *
خص الله اليهود بتحريف كلامه في مواضع كثيرة ،
وهاهم اليوم يجددون هذا المسلك بما أعلنت عنه وزارة خارجية إسرائيل
من إطلاق مشروع عالمي لتفسير القرآن بعنوان :
" قرآنت " ليكون – بزعمها - وسيلة تربوية ،
فعلى المسلمين أن يحذروا من الوقوع في هذا الفخ ،
وليتأملوا جيدًا قول الذي خلقهم وكشف أستارهم :
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } البقرة / 75 .
* * *
في قصة إبراهيم عليه السلام في سورة الأنبياء قال :
{ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } الأنبياء / 70
وفي الصافات : { فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ } الصافات / 98
وهي قصة واحدة فما الحكمة فيه ؟
حاول قراءة الآيات ( خاصة آية / 57 من سورة الأنبياء ، و97 من الصافات )
والجواب في الرسالة القادمة بإذن الله .
* * *
جواب الرسالة السابقة :
في سورة الأنبياء أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه كاد أصنامهم
{ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم } الأنبياء / 75
وأخبر أنهم أرادوا أن يكيدوه كذلك { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً } فتقابل الكيدان ،
فلما عاد عليهم كيدهم عبر بالخسارة .
وفي الصافات قال قبلها :
{ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم } الصافات / 97
فلما رموا نبي الله من فوق البناء إلى أسفل ،
عاقبهم الله من جنس عملهم فجعلهم هم الأسفلين ،
وأصبح أمر نبي الله عاليا .
* * *
{ لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار } - إلى قوله : - { ثم تاب عليهم } التوبة / 117
فإن قيل : كيف أعاد ذكر التوبة { ثم تاب عليهم }
وقد قال في أول الآية : { لقد تاب الله على النبي } ؟
قيل : ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب ،
وهو محض الفضل من الله تعالى ، فلما ذكر الذنب أعاد ذكر التوبة ،
والمراد منه قبولها .
* * *
{ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون } الزخرف / 13
ليستعذ المؤمن - وهو يقرأ هذه الآية –
من مقام من يقول لقرنائه :
تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق ؛
فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف ،
فلا يزالون يسقون حتى تميل طلاهم وهم على ظهور الدواب ،
أو في بطون السفن وهي تجري بهم ، لا يذكرون إلا الشيطان ،
ولا يمتثلون إلا أوامره .
أفلا يعتبر بهذا من يعزم على سفر يعصي فيه ربه تعالى ؟ .
* * *
{ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } هود / 117
تأمل في الجملة الأخيرة { وأهلها مصلحون }
ولم يقل : صالحون ؛ لأن الصلاح الشخصي المنزوي بعيدا ،
لا يأسى لضعف الإيمان ، ولا يبالي بهزيمة الخير ،
فكن صالحا مصلحا ، وراشدا مرشدا .
* * *
في قول موسى - عليه الصلاة والسلام - بعد أن سقى للمرأتين :
{ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } القصص / 24
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
كان قد بلغ به الجوع ما بلغ ، وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله .
وعلق ابن عطية قائلا : وفي هذا معتبر ، وحاكم بهوان الدنيا على الله تعالى .
* * *
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ }
" دلت الآية على أن لينه عليه الصلاة والسلام لمن خالفوا أمره ,
وتولوا عن موقع القتال ؛ إنما كان برحمة من الله ,
فالله حقيق بحمد نبيه صلى الله عليه وسلم إذ وفقه بفضيلة الرفق
لأولئك المؤمنين ، وحقيق بحمد أولئك المؤمنين ،
إذ كان لين رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو أثر من آثار رحمة الله " .
* * *
قال الإمام سفيان بن عيينة :
إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان عليه السلام مع العافية
التي كان فيها : { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ص /30
ووجدت صفة أيوب عليه السلام مع البلاء
الذي كان فيه : { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ص / 44
فاستوت الصفتان ، وهذا معافى، وهذا مبتلى ،
فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر ،
فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إلي من البلاء مع الصبر .
* * *
{ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } مريم / 53
فتأمل في قوله تعالى : { مِن رَّحْمَتِنَا }!!
الأخوة رحمة من رحمات الله ،
ومن رحمة الله قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" وددت لو أني رأيت إخواني " .
فهل ترانا نستحق أخوته عليه الصلاة والسلام ،
ثم نشتاق لرؤيته كما اشتاق لرؤيتنا بأبي هو وأمي ؟ .
* * *
إنما حرم وكره لاشتماله على مكروه يبغضه الله أعظم مما فيه من محبوبه ،
وكذلك الصور الجميلة من الرجال والنساء ،
فإن أحدهم إذا كان خلقه سيئا - بأن يكون فاجرا ، أو كافرا معلنا أو منافقا-
كان البغض أو المقت لخلقه ودينه مستعليا على ما فيه من الجمال ،
كما قال تعالى عن المنافقين : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } المنافقون / 4 .
* * *
يقول أحد أعضاء أسرة تدبر ( أستاذ جامعي ) :
زرت والدي ( قرابة 75 سنة ) في المستشفى فسألته عن نومه ؟
فقال : نمت بحمد الله. وأنا أفرح إذا طار عني النوم !
فقلت : لم؟ فقال : لأعيش مع كلام ربي !
فقلت : كم تقرأ ؟ قال : سبعة أجزاء !
يقول هذا الأستاذ : وأنا لا أعرف عن قراءة والدي إلا التدبر والسؤال ،
والتكرار، والوقوف الطويل عند الآيات .
* * *
دل قوله تعالى { فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ } المجادلة / 11
على أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة
وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة ،
ولا ينبغي للعاقل أن يقيد الآية بالتفسح والتوسع في المجلس ،
بل المراد منه إيصال أي خير إلى المسلم ، وإدخال السرور في قلبه .
* * *
لما رجع موسى عليه السلام ، ووجد قومه قد عبدوا العجل ،
غضب وأخذ برأس أخيه هارون ولحيته ، وعاتبه عتابا شديدا ،
فكان مما قاله هارون لموسى : { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء } الأعراف / 150
وهو درس عظيم لأتباع الأنبياء في علاج مشاكلهم مهما كانت كبيرة ،
بعيدا عن أي أسلوب يجلب شماتة الأعداء والحاسدين .
* * *
قوله تعالى بعد ذكره أحكام القذف :
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } النور / 10
قد يقال : إن المتوقع أن يقال : ( تواب رحيم ) ؛
لأن الرحمة مناسبة للتوبة ، لكن ختمت باسم الله ( الحكيم )
إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته ،
وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة .
* * *
قوله تعالى :
{ يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ
إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } يوسف / 87
رغم كثرة المصائب وشدة النكبات والمتغيرات التي تعاقبت على نبي الله يعقوب عليه السلام ،
إلا أن الذي لم يتغير أبدا هو حسن ظنه بربه تعالى .
* * *
في قوله تعالى : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } البقرة / 111
دليل على أن كل مدعي دعوى محتاج إلى تثبيتها ،
وإقامة البرهان عليها ، وإذا كان المدعى عن شيء لله :
لم يقبل ذلك البرهان إلا عن الله تعالى ؛ لقوله في الآية التي قبل هذه :
{ قل اتخذتم عند الله عهداً }؟ .
* * *
الجنود التي يخذل بها الباطل ، وينصر بها الحق ،
ليست مقصورة على نوع معين من السلاح ،
بل هي أعم من أن تكون مادية أو معنوية ،
وإذا كانت مادية فإن خطرها لا يتمثل في ضخامتها ،
فقد تفتك جرثومة لا تراها العين بجيش عظيم :
{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } المدثر/ 31.
* * *
{ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } البقرة / 45
المعنى أن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين الذين أسلموا وجوههم لله,
والصلاة من حيث إنها قيام وركوع وسجود وجلوس ليس فيها صعوبة ,
والصعوبة من جهة أن الصلاة بحق هي التي يدخلها المصلي بقلب حاضر ,
فيؤديها مبتغيا رضا الله , تاليا القرآن بتدبر ,
ناطقا بالدعوات والأذكار التي تشتمل عليها عن قصد إلى كل معنى ،
دون أن تجري على لسانه وهو في غفلة عن معانيها التي هي روح العبادة .
* * *
لما ذكر سبحانه في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل ،
وما حل بهم في الدنيا من الخزي ،
قال بعد ذلك :
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ } هود / 103
فأخبر أن عقوباته للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة ،
وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه ،
فإنه إذا سمع ذلك قال :
" لم يزل في الدهر الخير والشر والنعيم والبؤس والسعادة والشقاوة "! ،
وربما أحال ذلك على أسباب فلكية ، وقوى نفسانية .
* * *
من القضايا المسلمة أنه مهما تأنق الإنسان في تحبير العبارات
- وهو يوضح معاني كلام الله -
فما هو إلا كالشرح لشذرة من معانيه الظاهرة ،
وكالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة ،
إذ لا قدرة لأحد على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب ،
وما تضمنه من لب اللباب .
* * *
{ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } الحجر / 3
قال بعض أهل العلم : ( ذَرْهُمْ ) تهديد ،
وقوله : ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) تهديد آخر ،
فمتى يهنأ العيش بين تهديدين ؟.
* * *
{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } التوبة /40
انظر كيف جعل الله خروج نبيه من مكة ، بل إخراجه ، نصرا مبينا ،
وأنزل عليه سكينة وجنودا تؤيده ،
وجعل كلمة الكافرين السفلى ، فما يظنه بعض الناس هزيمة
– بسبب ما حصل لأنبياء الله وأوليائه من القتل والسجن -
إنما هو في ميزان الله نصر ، بل النصر المبين .
* * *
{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ }
كم يفوت علينا من الخير عندما نقصر المعنى على بعض أفراده ،
ومن ذلك هذه الآية حينما نحصر معناها في سائل المال !
بينما المعنى أشمل من ذلك وأعم ، وأعظمه السؤال عن العلم والدين ،
فهل يدرك المفتون والمعلمون أنهم مخاطبون بهذه الآية ؟
فليترفقوا بالسائلين ، استجابة لأمر الله ،
وتحدثا بنعمة الله عليهم .
* * *
من أساليب القرآن أنه قد يأتي بالشيء وهو معلوم
بالبديهة اللغوية أو الحسابية أو العادية أو العقلية ،
فمن ذلك ما في قوله تعالى :
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } الإسراء/ 1
ذكر الليل ، ومن المعلوم أن الإسراء لا يكون إلا ليلا ؛
لزيادة استحضار صورة الإسراء في ذهن السامع ،
حتى يكون كأنه قد حضر تلك المعجزة ، وهذا أشد في التأثير .
* * *
{ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } الشعراء / 227
ختم السورة بآية ناطقة بما لا شيء أهيب منه وأهول ،
ولا أنكى لقلوب المتأملين ولا أصدع لأكباد المتدبرين ،
وذلك قوله : ( وسيعلم ) وما فيه من الوعيد البليغ ،
وقوله : ( الذين ظلموا ) وإطلاقه ،
وقوله : ( أي منقلب ينقلبون ) وإبهامه ،
وكان السلف الصالح يتواعظون بها .
* * *
قوله تعالى :
{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } آل عمران / 52
تنبيه أنه ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحس ، فضلا عن التفهم .
* * *
لماذا توصف المؤمنات المحصنات بـ { الْغَافِلَاتِ } ؟
إنه وصف لطيف محمود ،
يُجسد المجتمع البريء والبيت الطاهر الذي تشب فتياته
زهرات ناصعات لا يعرفن الإثم ،
إنهن غافلات عن ملوثات الطباع السافلة .
وإذا كان الأمر كذلك فتأملوا كيف تتعاون الأقلام الساقطة ،
والأفلام الهابطة لتمزق حجاب الغفلة هذا ،
ثم تتسابق وتتنافس في شرح المعاصي ،
وفضح الأسرار وهتك الأستار ،
وفتح عيون الصغار قبل الكبار ؟! ألا ساء ما يزرون !! .
* * *
لما قتل موسى القبطي قال :
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
القصص/ 16
قال ابن عطية :
إن ندم موسى حمله على الخضوع لربه والاستغفار عن ذنب باء به عنده تعالى ،
فغفر الله خطأه ذلك ،
قال قتادة :
عرف – والله - المخرج فاستغفر .
* * *
{ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } الأنفال / 38
هذه لطيفة ؛
وذلك أن الكفار يقتحمون الكفر والجرائم ، والمعاصي والمآثم ،
فلو كان ذلك يوجب مؤاخذتهم لما استدركوا أبدا توبة ،
ولا نالتهم مغفرة ؛ فيسر الله عليهم قبول التوبة عند الإنابة ،
وبذل المغفرة بالإسلام ، وهدم جميع ما تقدم ؛
ليكون ذلك أقرب إلى دخولهم في الدين ، وأدعى إلى قبولهم كلمة الإسلام .
* * *
{ َوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } القصص / 82
وهم بالأمس يتضرعون :
{ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } القصص / 79
قف متأملا متدبرا : كم دعوة حزنت على عدم استجابة الله لك إياها ؟
بل قد يسيء البعض بربه الظن ، فيخالطه شك أو ريبة أو قنوط !
وما علم المسكين أن خيرة الله خير من خيرته لنفسه ،
كما صرف الشر عن أصحاب قارون ،
ولكن { وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ } القصص / 80 .
* * *
من تدبر القرآن تبين له أن الرب العظيم
يذكر عباده كثيرا بنعمة الخلق والإيجاد ،
وأن تذكر هذه النعمة يثمر ثمرات جليلة ،
منها : استحقاق الخالق عز وجل للعبادة بجميع أنواعها ،
والإيمان بالبعث والنشأة الآخرة ، وإثبات حكمة الله وعلمه في شرعه وقدره ،
ولزوم التواضع وترك الكبر ؛ ولعل هذا من أسرار بدء الوحي بقوله تعالى :
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } .
* * *
{ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } طه / 117
تأمل كيف جمع بينهما في الخروج من الجنة ،
وخص الذكر بالشقاء فقال : ( تشقى ) ولم يقل تشقيان ؛
لأن الأصل أن الذكر هو الذي يشتغل بالكسب والمعاش ،
وأما المرأة فهي في خدرها .
فهل يعي هذا من يدعو إلى خروج المرأة إلى ميادين العمل بإطلاق
وكأن ذلك هو الأصل ؟! .
* * *
قرأ عامي ينتسب إلى مذهب ضال
- معروف بشتم الصحابة وأمهات المؤمنين-
قوله تعالى :
{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } الأحزاب / 6
فتوقف قليلا عند قوله : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }
فقال بفطرته :
كيف نشتم أمهاتنا إن كنا مؤمنين ؟
فكان ذلك سببا في هدايته لمذهب أهل السنة ولله الحمد .
* * *
في قوله تعالى :
{ والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى } الأعلى / 4-5
هذا مثل للحياة الدنيا ، ولعاقبة الكفار ،
ومن اغتر بالدنيا ، فإنهم يكونون في نعيم وزينة وسعادة ،
ثم يصيرون إلى شقاء في الدنيا والآخرة ،
كالمرعى الذي جعله غثاء أحوى - أي هشيما متغيرا - .
* * *
خص الله اليهود بتحريف كلامه في مواضع كثيرة ،
وهاهم اليوم يجددون هذا المسلك بما أعلنت عنه وزارة خارجية إسرائيل
من إطلاق مشروع عالمي لتفسير القرآن بعنوان :
" قرآنت " ليكون – بزعمها - وسيلة تربوية ،
فعلى المسلمين أن يحذروا من الوقوع في هذا الفخ ،
وليتأملوا جيدًا قول الذي خلقهم وكشف أستارهم :
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } البقرة / 75 .
* * *
في قصة إبراهيم عليه السلام في سورة الأنبياء قال :
{ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } الأنبياء / 70
وفي الصافات : { فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ } الصافات / 98
وهي قصة واحدة فما الحكمة فيه ؟
حاول قراءة الآيات ( خاصة آية / 57 من سورة الأنبياء ، و97 من الصافات )
والجواب في الرسالة القادمة بإذن الله .
* * *
جواب الرسالة السابقة :
في سورة الأنبياء أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه كاد أصنامهم
{ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم } الأنبياء / 75
وأخبر أنهم أرادوا أن يكيدوه كذلك { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً } فتقابل الكيدان ،
فلما عاد عليهم كيدهم عبر بالخسارة .
وفي الصافات قال قبلها :
{ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم } الصافات / 97
فلما رموا نبي الله من فوق البناء إلى أسفل ،
عاقبهم الله من جنس عملهم فجعلهم هم الأسفلين ،
وأصبح أمر نبي الله عاليا .
* * *
{ لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار } - إلى قوله : - { ثم تاب عليهم } التوبة / 117
فإن قيل : كيف أعاد ذكر التوبة { ثم تاب عليهم }
وقد قال في أول الآية : { لقد تاب الله على النبي } ؟
قيل : ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب ،
وهو محض الفضل من الله تعالى ، فلما ذكر الذنب أعاد ذكر التوبة ،
والمراد منه قبولها .
* * *
{ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون } الزخرف / 13
ليستعذ المؤمن - وهو يقرأ هذه الآية –
من مقام من يقول لقرنائه :
تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق ؛
فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف ،
فلا يزالون يسقون حتى تميل طلاهم وهم على ظهور الدواب ،
أو في بطون السفن وهي تجري بهم ، لا يذكرون إلا الشيطان ،
ولا يمتثلون إلا أوامره .
أفلا يعتبر بهذا من يعزم على سفر يعصي فيه ربه تعالى ؟ .
* * *
{ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } هود / 117
تأمل في الجملة الأخيرة { وأهلها مصلحون }
ولم يقل : صالحون ؛ لأن الصلاح الشخصي المنزوي بعيدا ،
لا يأسى لضعف الإيمان ، ولا يبالي بهزيمة الخير ،
فكن صالحا مصلحا ، وراشدا مرشدا .
* * *
في قول موسى - عليه الصلاة والسلام - بعد أن سقى للمرأتين :
{ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } القصص / 24
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
كان قد بلغ به الجوع ما بلغ ، وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله .
وعلق ابن عطية قائلا : وفي هذا معتبر ، وحاكم بهوان الدنيا على الله تعالى .
* * *
{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ }
" دلت الآية على أن لينه عليه الصلاة والسلام لمن خالفوا أمره ,
وتولوا عن موقع القتال ؛ إنما كان برحمة من الله ,
فالله حقيق بحمد نبيه صلى الله عليه وسلم إذ وفقه بفضيلة الرفق
لأولئك المؤمنين ، وحقيق بحمد أولئك المؤمنين ،
إذ كان لين رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو أثر من آثار رحمة الله " .
* * *
قال الإمام سفيان بن عيينة :
إني قرأت القرآن فوجدت صفة سليمان عليه السلام مع العافية
التي كان فيها : { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ص /30
ووجدت صفة أيوب عليه السلام مع البلاء
الذي كان فيه : { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ص / 44
فاستوت الصفتان ، وهذا معافى، وهذا مبتلى ،
فوجدت الشكر قد قام مقام الصبر ،
فلما اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحب إلي من البلاء مع الصبر .
* * *
{ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } مريم / 53
فتأمل في قوله تعالى : { مِن رَّحْمَتِنَا }!!
الأخوة رحمة من رحمات الله ،
ومن رحمة الله قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" وددت لو أني رأيت إخواني " .
فهل ترانا نستحق أخوته عليه الصلاة والسلام ،
ثم نشتاق لرؤيته كما اشتاق لرؤيتنا بأبي هو وأمي ؟ .
* * *

{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ....... الآية } الأنفال /60
أمر الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة للأعداء ؛
فإن الله تعالى لو شاء لهزمهم بالكلام ، وحفنة من تراب ،
كما فعل صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أراد أن يبلي بعض الناس ببعض ،
فأمر بإعداد القوى والآلة في فنون الحرب التي تكون لنا عدة ،
وعليهم قوة ، ووعد على الصبر والتقوى بإمداد الملائكة العليا .
* * *
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } النحل / 90
الإحسان فوق العدل ،
وذلك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له ،
والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له ،
فالإحسان زائد عليه ، فتحري العدل واجب،
وتحري الإحسان ندب وتطوع ، ولذلك عظم الله ثواب أهل الإحسان .
* * *
تأمل كم من الأسرار العظيمة في سورة الفاتحة ،
وخاصة تحت قوله تعالى :
{ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }
إنها دعوة جماعية للهداية تكرس التفوق على الأنا
التي تحاصر الآخرين بالخطأ , وتختص نفسها بالصواب ،
فهو هتاف جماعي, ينشد الهداية , ويتضرع إلى الله بتحصيلها .
* * *
إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ،
ويقول أحدهم :
إني أحسن الظن بربي وكذب ، ولو أحسن الظن لأحسن العمل ،
وتلا قول الله تعالى :
{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ } فصلت / 23 .
* * *
تعيش البيوت هذه الأيام أفراحا واحتفالات بنجاح أبنائها ،
بعد عام من الجد والتحصيل ، وتعظم الحفاوة بحسب منزلة الشهادة ،
ومن حق المجدين أن يشعروا بالتكريم ، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان .
وقفت متأملا هذا المشهد ، وتذكرت أفراح الآخرة ،
حين يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ،
وقارنت بين ما يبذله الإنسان لدنياه وما يناله من جزاء عاجل ،
وبين ما يبذله لدينه وما يناله من عطاء بلا حدود ،
فجاء الجواب :
{ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } يونس / 58
* * *
للنجاح لذة وله نشوة ، تأمل نداء الناجحين
{ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ } الحاقة / 19
إنه نداء بصوت عال تغمره البهجة :
تعالوا جميعا هذا كتابي خذوه فاقرءوه ،
وبمثلها يصدح المجتهد حين يستلم شهادة التفوق على الأقران ،
فإن أردت إكسير النجاح الذي لا ينضب في الحياتين
فقف طويلا مع التعليل في قوله :
{ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ } /20 .
* * *
قوله تعالى : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } الكهف / 46
إنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا ؛
لأن في المال جمالا ونفعا ، وفى البنين قوة ودفعا ،
فصارا زينة الحياة الدنيا ؛ لكن مع قرينة الصفة للمال والبنين ،
لأن المعنى :
المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقر فلا تتبعوها نفوسكم .
* * *
{ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } تأمل سر تعليق الاهتداء بالنجم ؛
لأن النجوم المرادة ثابتة لا تتغير ، ولا تنكسف ،
وضوؤها مستقر لا يختلف لذاتها ، وإنما لعوامل أخرى ،
ومعرفتها أيسر من معرفة منازل القمر ،
وعلى قدر إتقانها تكون الدلالة على الطريق والوصول إلى الهدف ،
فكذلك أدلة المنهج فهي ثابتة مطردة بينة ميسرة ،
وعلى قدر معرفتها والالتزام بها تكون السلامة والوصول إلى الغاية ،
وإلا كان الاضطراب والضلال والهلاك .
* * *
قال تعالى عن اليهود : { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } الحشر / 14
يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما يكون
إذا كان بعضهم مع بعض ، فأما إذا قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة ؛
لأن الشجاع يجبن والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله ,
كما قال تعالى قبلها : { لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ } 13 .
* * *
في كل سبعة أيام تأوي إليها ؛ لتأمن من غوائل الفتن .. .
سورة افتتحت بالوسيلة العظمى للنجاة من كل فتنة :
" القرآن " ،
واختتمت بالحسنة العظمى التي لا يبقى معها أثر لأي فتنة :
" التوحيد " ،
وبينهما أربع فتن كبار :
فتنة الدين : ونجاتها في آية 28 ،
والمال : ونجاتها في 39 ،
والعلم : ونجاتها بالصبر ،
والسلطة : ونجاتها بالعدل .. .
هي " كهفك " من الفتن فأو إليها ينشر لك ربك من رحمته .
* * *
من فضائل القرآن أنه المنادي للإيمان ، كما قال تعالى :
{ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } آل عمران / 193
قال محمد بن كعب :
ليس كل الناس سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن المنادي القرآن .
* * *
نفى الله سبحانه الولد عن نفسه في كتابه في ثمانية عشر موضعا ،
عشر منها قرنها بالتسبيح ، وثمان من غير اقتران ؛
وذلك لأن الأمم ضلت في هذا الباب ، وجعلوا له ابنا – سبحانه –
فاليهود قالوا بعزير ، والنصارى قالوا بالمسيح ، والمشركون بالملائكة ،
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
* * *
أعظم آية يوعظ بها آكلو الربا ،
وأصحاب الأموال - الذين أشغلتهم أموالهم عن طاعة الله –
ما ختم الله به آيات الربا ، وهي آخر ما أنزله من وحيه ،
وهي قوله :
{ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } البقرة / 281.
* * *
{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } القصص/ 77
هي خمس كلمات متباعدة في المواقع ، نائية المطارح ،
قد جعلها النظم البديع أشد تآلفا من الشيء المؤتلف في الأصل ،
وأحسن توافقا من المتطابق في أول الوضع .
* * *
" عندما أقرأ وصف المحتضر - وهو على عتبات الآخرة –
وروحه تودع الدنيا ، أترك رهبة الصورة تغزو نفسي ،
وأنا مستكين :
{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ *
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ *
تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } الواقعة / 83-87 " .
* * *
في قوله تعالى : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً } البقرة / 245
إشارة إلى أن الصدقة ترجع لصاحبها حقيقة ، ناهيك عن الأجر ،
حيث سماها ( قرضا ) ، والقرض حقه السداد ،
والمقترض هو الله سبحانه ، ومن أوفى من الله ؟
فكان رجوعها مقطوعا به .
* * *
قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } يونس / 57
قال الحسن بن عبد العزيز :
من لم يردعه القرآن والموت ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع .
* * *
في قوله تعالى
{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } الأنفال/ 53
دليل على أن الله جل وعلا قد يسلب النعم بفعل المعصية عقوبة لفاعليها ،
فهو سبحانه لا يغير ما بهم حتى يحدثوا أحداثا يعاقبهم الله عليها ،
فيغير ما بهم، ويكون الإحداث سببا للتغيير .
* * *
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } لقمان / 31
ذكر النعم يدعو إلى الشكر،
وذكر النقم يقتضى الصبر على فعل المأمور وإن كرهته النفس ،
وعن المحظور وإن أحبته النفس ؛
لئلا يصيبه ما أصاب غيره من النقمة .
* * *
في قوله تعالى : { تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } ق / 8
قيد الله التبصرة والذكرى للعبد المنيب – وهو الراجع إلى مولاه - ؛
لأنه هو المنتفع بالذكرى ، وفي قوله تعالى بعدها :
{ رِزْقاً لِّلْعِبَادِ } ق / 11
أطلق الوصف بغير تقييد ؛ لأن الرزق حاصل لكل أحد ،
غير أن المنيب يأكل ذاكرا شاكرا للإنعام ، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام ! .
* * *
قال موسى للخضر لما خرق السفينة : { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } الكهف / 71
وقال له لما قتل الغلام : { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } الكهف/ 74
فما الفرق بينهما ؟
الأمر أهون من النكر , وقد لا يكون منكرا كالنكر ,
وإنما يتعجب منه ومن الغرض منه , والنكر هنا أشد ؛
لأنه فعل منكر قد وقع وهو قتل الغلام ,
بخلاف خرق السفينة فإنها لم تغرق بذلك .
* * *
تأمل في سر قول عيسى عليه السلام - أول ما تكلم -:
{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } مريم / ٣٠
قال وهب :
أقر عيسى على نفسه بالعبودية لله عز وجل أول ما تكلم ؛
لئلا يتخذ إلها .
* * *
في قوله تعالى :
{ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } الذاريات / 53
دلالة على أنهم إنما اتفقوا لأن قلوبهم تشبه قلوب بعض في الكفر والطغيان ؛
فتشابهت مقالاتهم للرسل لأجل تشابه قلوبهم .
* * *
أمر الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة للأعداء ؛
فإن الله تعالى لو شاء لهزمهم بالكلام ، وحفنة من تراب ،
كما فعل صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أراد أن يبلي بعض الناس ببعض ،
فأمر بإعداد القوى والآلة في فنون الحرب التي تكون لنا عدة ،
وعليهم قوة ، ووعد على الصبر والتقوى بإمداد الملائكة العليا .
* * *
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } النحل / 90
الإحسان فوق العدل ،
وذلك أن العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له ،
والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له ،
فالإحسان زائد عليه ، فتحري العدل واجب،
وتحري الإحسان ندب وتطوع ، ولذلك عظم الله ثواب أهل الإحسان .
* * *
تأمل كم من الأسرار العظيمة في سورة الفاتحة ،
وخاصة تحت قوله تعالى :
{ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }
إنها دعوة جماعية للهداية تكرس التفوق على الأنا
التي تحاصر الآخرين بالخطأ , وتختص نفسها بالصواب ،
فهو هتاف جماعي, ينشد الهداية , ويتضرع إلى الله بتحصيلها .
* * *
إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ،
ويقول أحدهم :
إني أحسن الظن بربي وكذب ، ولو أحسن الظن لأحسن العمل ،
وتلا قول الله تعالى :
{ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ } فصلت / 23 .
* * *
تعيش البيوت هذه الأيام أفراحا واحتفالات بنجاح أبنائها ،
بعد عام من الجد والتحصيل ، وتعظم الحفاوة بحسب منزلة الشهادة ،
ومن حق المجدين أن يشعروا بالتكريم ، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان .
وقفت متأملا هذا المشهد ، وتذكرت أفراح الآخرة ،
حين يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ،
وقارنت بين ما يبذله الإنسان لدنياه وما يناله من جزاء عاجل ،
وبين ما يبذله لدينه وما يناله من عطاء بلا حدود ،
فجاء الجواب :
{ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } يونس / 58
* * *
للنجاح لذة وله نشوة ، تأمل نداء الناجحين
{ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ } الحاقة / 19
إنه نداء بصوت عال تغمره البهجة :
تعالوا جميعا هذا كتابي خذوه فاقرءوه ،
وبمثلها يصدح المجتهد حين يستلم شهادة التفوق على الأقران ،
فإن أردت إكسير النجاح الذي لا ينضب في الحياتين
فقف طويلا مع التعليل في قوله :
{ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ } /20 .
* * *
قوله تعالى : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } الكهف / 46
إنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا ؛
لأن في المال جمالا ونفعا ، وفى البنين قوة ودفعا ،
فصارا زينة الحياة الدنيا ؛ لكن مع قرينة الصفة للمال والبنين ،
لأن المعنى :
المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقر فلا تتبعوها نفوسكم .
* * *
{ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } تأمل سر تعليق الاهتداء بالنجم ؛
لأن النجوم المرادة ثابتة لا تتغير ، ولا تنكسف ،
وضوؤها مستقر لا يختلف لذاتها ، وإنما لعوامل أخرى ،
ومعرفتها أيسر من معرفة منازل القمر ،
وعلى قدر إتقانها تكون الدلالة على الطريق والوصول إلى الهدف ،
فكذلك أدلة المنهج فهي ثابتة مطردة بينة ميسرة ،
وعلى قدر معرفتها والالتزام بها تكون السلامة والوصول إلى الغاية ،
وإلا كان الاضطراب والضلال والهلاك .
* * *
قال تعالى عن اليهود : { بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ } الحشر / 14
يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما يكون
إذا كان بعضهم مع بعض ، فأما إذا قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة ؛
لأن الشجاع يجبن والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله ,
كما قال تعالى قبلها : { لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ } 13 .
* * *
في كل سبعة أيام تأوي إليها ؛ لتأمن من غوائل الفتن .. .
سورة افتتحت بالوسيلة العظمى للنجاة من كل فتنة :
" القرآن " ،
واختتمت بالحسنة العظمى التي لا يبقى معها أثر لأي فتنة :
" التوحيد " ،
وبينهما أربع فتن كبار :
فتنة الدين : ونجاتها في آية 28 ،
والمال : ونجاتها في 39 ،
والعلم : ونجاتها بالصبر ،
والسلطة : ونجاتها بالعدل .. .
هي " كهفك " من الفتن فأو إليها ينشر لك ربك من رحمته .
* * *
من فضائل القرآن أنه المنادي للإيمان ، كما قال تعالى :
{ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } آل عمران / 193
قال محمد بن كعب :
ليس كل الناس سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن المنادي القرآن .
* * *
نفى الله سبحانه الولد عن نفسه في كتابه في ثمانية عشر موضعا ،
عشر منها قرنها بالتسبيح ، وثمان من غير اقتران ؛
وذلك لأن الأمم ضلت في هذا الباب ، وجعلوا له ابنا – سبحانه –
فاليهود قالوا بعزير ، والنصارى قالوا بالمسيح ، والمشركون بالملائكة ،
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
* * *
أعظم آية يوعظ بها آكلو الربا ،
وأصحاب الأموال - الذين أشغلتهم أموالهم عن طاعة الله –
ما ختم الله به آيات الربا ، وهي آخر ما أنزله من وحيه ،
وهي قوله :
{ وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } البقرة / 281.
* * *
{ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } القصص/ 77
هي خمس كلمات متباعدة في المواقع ، نائية المطارح ،
قد جعلها النظم البديع أشد تآلفا من الشيء المؤتلف في الأصل ،
وأحسن توافقا من المتطابق في أول الوضع .
* * *
" عندما أقرأ وصف المحتضر - وهو على عتبات الآخرة –
وروحه تودع الدنيا ، أترك رهبة الصورة تغزو نفسي ،
وأنا مستكين :
{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ *
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ *
تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } الواقعة / 83-87 " .
* * *
في قوله تعالى : { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً } البقرة / 245
إشارة إلى أن الصدقة ترجع لصاحبها حقيقة ، ناهيك عن الأجر ،
حيث سماها ( قرضا ) ، والقرض حقه السداد ،
والمقترض هو الله سبحانه ، ومن أوفى من الله ؟
فكان رجوعها مقطوعا به .
* * *
قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } يونس / 57
قال الحسن بن عبد العزيز :
من لم يردعه القرآن والموت ثم تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع .
* * *
في قوله تعالى
{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ } الأنفال/ 53
دليل على أن الله جل وعلا قد يسلب النعم بفعل المعصية عقوبة لفاعليها ،
فهو سبحانه لا يغير ما بهم حتى يحدثوا أحداثا يعاقبهم الله عليها ،
فيغير ما بهم، ويكون الإحداث سببا للتغيير .
* * *
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } لقمان / 31
ذكر النعم يدعو إلى الشكر،
وذكر النقم يقتضى الصبر على فعل المأمور وإن كرهته النفس ،
وعن المحظور وإن أحبته النفس ؛
لئلا يصيبه ما أصاب غيره من النقمة .
* * *
في قوله تعالى : { تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } ق / 8
قيد الله التبصرة والذكرى للعبد المنيب – وهو الراجع إلى مولاه - ؛
لأنه هو المنتفع بالذكرى ، وفي قوله تعالى بعدها :
{ رِزْقاً لِّلْعِبَادِ } ق / 11
أطلق الوصف بغير تقييد ؛ لأن الرزق حاصل لكل أحد ،
غير أن المنيب يأكل ذاكرا شاكرا للإنعام ، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام ! .
* * *
قال موسى للخضر لما خرق السفينة : { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } الكهف / 71
وقال له لما قتل الغلام : { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } الكهف/ 74
فما الفرق بينهما ؟
الأمر أهون من النكر , وقد لا يكون منكرا كالنكر ,
وإنما يتعجب منه ومن الغرض منه , والنكر هنا أشد ؛
لأنه فعل منكر قد وقع وهو قتل الغلام ,
بخلاف خرق السفينة فإنها لم تغرق بذلك .
* * *
تأمل في سر قول عيسى عليه السلام - أول ما تكلم -:
{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } مريم / ٣٠
قال وهب :
أقر عيسى على نفسه بالعبودية لله عز وجل أول ما تكلم ؛
لئلا يتخذ إلها .
* * *
في قوله تعالى :
{ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } الذاريات / 53
دلالة على أنهم إنما اتفقوا لأن قلوبهم تشبه قلوب بعض في الكفر والطغيان ؛
فتشابهت مقالاتهم للرسل لأجل تشابه قلوبهم .
* * *

{ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } المؤمنون / 61
هذا دليل على أن المبادرة إلى الأعمال الصالحة ؛
من صلاة في أول الوقت - وغير ذلك من العبادات - هو الأفضل ،
ومدح الباري أدل دليل على صفة الفضل في الممدوح على غيره .
* * *
{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ } غافر / 44
هذا ما قاله ذلك الرجل المؤمن في زمن الاستكبار والإعراض من قومه ،
بعد أن صدع بالحق ، غير هائب ولا وجل ، فماذا كانت العاقبة ؟
{ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا }
بل :
{ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }
فمتى يدعوا أناس في زمن أحوج ما تكون الأمة إلى علمهم ومواقفهم ،
قبل أن يحل بهم وبمجتمعهم سوء العذاب ؟ .
* * *
في قوله تعالى :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } البقرة / 143
دليل على شرف هذه الأمة من وجوه ، منها :
وصف الأمة بالعدل والخيرية ،
ومنها أن المزكي يجب أن يكون أفضل وأعدل من المزكى ،
ومنها : أن المزكي لا يحتاج للتزكية .
* * *
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ
وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } العنكبوت / 12
" ونرى في المتسمين بالإسلام من يستن بأولئك !
فيقول لصاحبه - إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم -:
افعل هذا وإثمه في عنقي !
وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامة وجهلتهم ! " .
* * *
{ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } الحشر / 8
" والصادقون في هذه الآية الذين جمعوا بين صدق اللسان ، وصدق الأفعال ؛
لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم " .
* * *
" لو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره ،
لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره،
ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي ، والملكان يحفظان عليه ذلك :
{ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ } المجادلة / 6.
* * *
الزواج من سنن المرسلين ، كما قال تعالى :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } الرعد / 38
فحري بمن وفقه الله لهذه السنة أن يستشعر الاقتداء بهم ،
فذلك مما يضاعف الأجر ، ويعظم المثوبة .
* * *
تأملت قوله تعالى :
{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } طه / 123
فوجدته على الحقيقة أن كل من اتبع القرآن والسنة وعمل بما فيهما ،
فقد سلم من الضلال بلا شك ،
وارتفع في حقه شقاء الآخرة بلا شك إذا مات على ذلك ،
وكذلك شقاء الدنيا فلا يشقى أصلا ، ويبين هذا قوله تعالى :
{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } .
* * *
" وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض - فيما يبدو لك –
فتدبره حتى يتبين لك ؛ لقوله تعالى :
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } النساء / 82
فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون :
{ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } آل عمران / 7]
واعلم أن القصور في علمك ، أو في فهمك " .
* * *
{ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } البقرة / 229
هذه الآية في شأن النساء ، وإمساكهن بالمعروف ، أو تسريحهن بإحسان ،
ولا يبعد أن يشمل المعنى كل من يتعامل معه من الناس ، كموظف أو مدرس ،
فقد يمكث أحدهم مدة ثم تقتضي المصلحة أن ينتقل إلى ميدان آخر ،
فهل ينقطع حبل المودة ؟ أو يفسر انتقاله بقلة المروءة ونكران الجميل ؟
الجواب : لا .
فأهل الكرم ينأون بأنفسهم عن ذلك ، ويحسنون التسريح والتوديع ،
فيبقى الود , وتحفظ الذكريات الجميلة وإن تفارقت الأجساد .
* * *
حين أنكر موسى على الخضر خرق السفينة قال له الخضر :
{ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } الكهف / 72
وحين عاد موسى إلى الاعتراض على الخضر ,
وأنكر قتله للغلام – بعد أن أكد للخضر أنه لن يعود للاعتراض عليه –
قال له الخضر : { قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً } الكهف / 75
فزاد لفظة ( لك ) ؛ ليفيد التأكيد في بيان عدم صبر موسى على علمه ,
وهكذا عادة العرب : تزيد في التأكيد كلما زاد الإنكار .
* * *
ذكر الله تعالى بعض آياته في الأرض ثم قال :
{ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } ق / 8
أي قدرنا الأرض ، وألقينا فيها الرواسي ،
وأنبتنا فيها أصناف النبات الحسنة ،
لأجل أن نبصِّر عبادنا كمال قدرتنا على البعث وعلى كل شيء ،
وعلى استحقاقنا للعبادة دون غيرنا .
* * *
في قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } الرعد / 38
إشارة إلى أن الله تعالى إذا شرف شخصا بولايته ،
لم تضره مباشرة أحكام البشرية من الأهل والولد ،
ولم يكن بسط الدنيا له قدحا في ولايته .
* * *
{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } الطلاق / 2
كل من تدبر موارد التقوى في القرآن والسنة
علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة ومفتاحه ،
وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات
بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها، أو إضاعة جزء منها .
* * *
من الملحوظ في كتاب الله أن النور جاء مفردا ,
والظلمات جمعا , ويذكران عادة في مقابل بعضهما :
{ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } الأنعام / 1،
{ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } المائدة / 16
وذلك والله أعلم أن النور واحد لأنه حق ,
وأما الظلمات فمتعددة ومتفرقة بعدد سبل الباطل .
* * *
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } آل عمران / 159
" أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم - وهو أكمل الناس عقلا - أن يشاور،
إذ الحقيقة أن الإنسان - وإن بلغ عقله الغاية - لا يستغني عن الاستعانة
في مشكلات الأمور بآراء الرجال ,
إذ العقول قد تكون نافذة في ناحية من الأمر ،
واقفة عند الظاهر في ناحية أخرى " .
* * *
من كذب برسول واحد فهو مكذب بجميع الرسل ،
ولذا قال تعالى :
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } الشعراء / 105
مع أنهم لم يأتهم إلا رسول واحد ، ولكن كانوا مكذبين بجنس الرسل ،
ولم يكن تكذيبهم بالواحد بخصوصه .
* * *
إذا أمرنا الناس بالدعوة فيلزمنا أن نعلمهم أصولها وأساليبها ؛
لئلا يسيئوا إليها ، ولنا في ربنا قدوة ،
لما أمر موسى بالدعوة قال له :
{ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } طه / 44
ثم وضح القول اللين بقوله :
{ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} النازعات 18/ 19.
* * *
عن عبد الأعلى التيمي قال :
إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه ,
لخليق أن يكون أوتي من العلم ما لا ينفعه ؛
لأن الله نعت أهل العلم فقال :
{ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ } .
* * *
افتراءات المشركين وكذبهم على رب العالمين إنما يدفعهم إليها أمران :
الظن , والهوى , وقد جمعا في قوله تعالى :
{ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ
إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} النجم / 23
وهما ما يصد المشركين عن اتباع الحق .
* * *
{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } المؤمنون / 96
فقه الآية :
اسلك مسلك الكرام ، ولا تلحظ جانب المكافأة ،
ادفع بغير عوض ، ولا تسلك مسلك المبايعة ،
ويدخل فيه :
سلم على من لم يسلم عليك، والأمثلة تكثر .
* * *
{ سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } الزخرف / 13
" لما كان الركوب مباشرة أمر خطر ،
واتصالا بسبب من أسباب التلف ؛
كان من حق الراكب أن لا ينسى أنه منقلب إلى الله غير منفلت من قضائه ،
ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعدا للقاء الله بإصلاحه من نفسه " .
* * *
{ كمثل الحمار يحمل أسفارا } الجمعة / 5 ,
قال ميمون بن مهران:
الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل ? فهكذا اليهود .
وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ،
لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء .
* * *
قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } البقرة / 173
قيل في سبب تقديم الغفور على الرحيم :
أن المغفرة سلامة , والرحمة غنيمة , والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة .
* * *
{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ } الجمعة / 10
ينبغي للمؤمن الموفق وقت اشتغاله في مكاسب الدنيا
أن يقصد بذلك الاستعانة على قيامه بالواجبات ،
وأن يكون مستعينا بالله في ذلك ، طالبا لفضله ،
جاعلا الرجاء والطمع في فضل الله نصب عينيه ،
فإن التعلق بالله والطمع في فضله من الإيمان ومن العبادات .
* * *
قال تعالى في سورة الذاريات :
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } / 19 ,
وقال في سورة المعارج :
{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } / 24 - 25
, فزاد في الآية الثانية كلمة ( معلوم ) ؛ فلماذا ؟
الإجابة في الرسالة القادمة ، ويمكنك الرجوع إلى سياق الآيات وتأمل :
أيهما جاء في سياق الواجبات وأيهما في سياق المندوبات ؟
وما علاقة ذلك بكلمة ( معلوم ) ؟
* * *
جواب الرسالة السابقة :
في سورة المعارج :
{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } / 24
فقوله ( معلوم ) لأن المقصود الزكاة المحددة ،
والحديث قبلها عن الفرائض والواجبات :
{ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ... } / 22.
أما في سورة الذاريات :
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } / 19
فالآيات قبلها في بيان فضل المتطوعين زيادة على الواجب :
{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون .َ.. } 16-17
فناسب الإطلاق في الإنفاق بلا تقييد ؛ حيث المراد ما زاد على الواجب .
* * *
{ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ
إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } النور/ 32
كم يحزن المسلم وهو يرى شبابا بلغو سن الكهولة لم يتزوجوا بعد ،
بحجة تأمين المستقبل ، وهم يتلون هذه الآية صباح مساء ،
ويشتد الألم عندما يرى آباء يردون الخطاب عن بناتهم
وهن وأولئك بأمس الحاجة لتحصين أنفسهم ،
ويتعللون بأن دخلهم قليل ! { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } ؟
* * *
{ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } يوسف/ 17
المتظاهر بالأمر ينكشف أمره لأهل البصيرة ولو استخدم التمثيل ،
فإنهم جاءوا أباهم عشاء يبكون ، فهذا تمثيل , ولكنه لم يدم لهم .
* * *
قدم عيينة بن حصن على عمر فقال :
إنك لا تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل !
فغضب عمر غضبا حتى كاد أن يهم به ،
ولكن ابن أخي عيينة قال : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه :
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الأعراف / 199 ،
وإن هذا من الجاهلين .
فوقف عندها عمر ولم يتجاوزها ؛ لأنه كان وقافاً عند كتاب الله ،
فانظر إلى أدب الصحابة - رضي الله عنهم - عند كتاب الله ،
لا يتجاوزونه ، إذا قيل لهم هذا قول الله وقفوا ، مهما كان .
* * *
يقول ابن الجوزي : قرأت سورة يوسف عليه السلام،
فتعجبت من مدحه على صبره وشرح قصته للناس ورفع قدره ،
فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفته للهوى المكروه ،
فقلت : واعجبا لو وافق هواه من كان يكون ؟
ولما خالفه لقد صار أمرا عظيما تضرب الأمثال بصبره ،
ويفتخر على الخلق باجتهاده ، وكل ذلك قد كان بصبر ساعة فيا له عزا وفخرا ،
أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب .
* * *
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ *
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ *
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } الحجر / 97- 99
النبي صلى الله عليه وسلم يسوؤه تكذيب قومه
مع علمهم بصدقه ووضوح أدلته ، فأرشده الله إلى ما يطرد الهم ،
فأمره بخصوص ، ثم عموم ، ثم أعم :
إذ أرشده إلى تسبيح الله ، ثم إلى أمر أعم من الذكر المجرد وهو الصلاة ،
ثم إلى الإقبال على العبادة بمفهومها الشامل .
فيالها من هداية عظيمة لو تدبرناها ، وأخذنا به ا.
* * *
هذا دليل على أن المبادرة إلى الأعمال الصالحة ؛
من صلاة في أول الوقت - وغير ذلك من العبادات - هو الأفضل ،
ومدح الباري أدل دليل على صفة الفضل في الممدوح على غيره .
* * *
{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ } غافر / 44
هذا ما قاله ذلك الرجل المؤمن في زمن الاستكبار والإعراض من قومه ،
بعد أن صدع بالحق ، غير هائب ولا وجل ، فماذا كانت العاقبة ؟
{ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا }
بل :
{ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }
فمتى يدعوا أناس في زمن أحوج ما تكون الأمة إلى علمهم ومواقفهم ،
قبل أن يحل بهم وبمجتمعهم سوء العذاب ؟ .
* * *
في قوله تعالى :
{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } البقرة / 143
دليل على شرف هذه الأمة من وجوه ، منها :
وصف الأمة بالعدل والخيرية ،
ومنها أن المزكي يجب أن يكون أفضل وأعدل من المزكى ،
ومنها : أن المزكي لا يحتاج للتزكية .
* * *
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ
وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } العنكبوت / 12
" ونرى في المتسمين بالإسلام من يستن بأولئك !
فيقول لصاحبه - إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم -:
افعل هذا وإثمه في عنقي !
وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامة وجهلتهم ! " .
* * *
{ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } الحشر / 8
" والصادقون في هذه الآية الذين جمعوا بين صدق اللسان ، وصدق الأفعال ؛
لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم " .
* * *
" لو رمى العبد بكل معصية حجرا في داره ،
لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره،
ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي ، والملكان يحفظان عليه ذلك :
{ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ } المجادلة / 6.
* * *
الزواج من سنن المرسلين ، كما قال تعالى :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } الرعد / 38
فحري بمن وفقه الله لهذه السنة أن يستشعر الاقتداء بهم ،
فذلك مما يضاعف الأجر ، ويعظم المثوبة .
* * *
تأملت قوله تعالى :
{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } طه / 123
فوجدته على الحقيقة أن كل من اتبع القرآن والسنة وعمل بما فيهما ،
فقد سلم من الضلال بلا شك ،
وارتفع في حقه شقاء الآخرة بلا شك إذا مات على ذلك ،
وكذلك شقاء الدنيا فلا يشقى أصلا ، ويبين هذا قوله تعالى :
{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } .
* * *
" وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض - فيما يبدو لك –
فتدبره حتى يتبين لك ؛ لقوله تعالى :
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } النساء / 82
فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم الذين يقولون :
{ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } آل عمران / 7]
واعلم أن القصور في علمك ، أو في فهمك " .
* * *
{ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } البقرة / 229
هذه الآية في شأن النساء ، وإمساكهن بالمعروف ، أو تسريحهن بإحسان ،
ولا يبعد أن يشمل المعنى كل من يتعامل معه من الناس ، كموظف أو مدرس ،
فقد يمكث أحدهم مدة ثم تقتضي المصلحة أن ينتقل إلى ميدان آخر ،
فهل ينقطع حبل المودة ؟ أو يفسر انتقاله بقلة المروءة ونكران الجميل ؟
الجواب : لا .
فأهل الكرم ينأون بأنفسهم عن ذلك ، ويحسنون التسريح والتوديع ،
فيبقى الود , وتحفظ الذكريات الجميلة وإن تفارقت الأجساد .
* * *
حين أنكر موسى على الخضر خرق السفينة قال له الخضر :
{ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } الكهف / 72
وحين عاد موسى إلى الاعتراض على الخضر ,
وأنكر قتله للغلام – بعد أن أكد للخضر أنه لن يعود للاعتراض عليه –
قال له الخضر : { قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً } الكهف / 75
فزاد لفظة ( لك ) ؛ ليفيد التأكيد في بيان عدم صبر موسى على علمه ,
وهكذا عادة العرب : تزيد في التأكيد كلما زاد الإنكار .
* * *
ذكر الله تعالى بعض آياته في الأرض ثم قال :
{ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } ق / 8
أي قدرنا الأرض ، وألقينا فيها الرواسي ،
وأنبتنا فيها أصناف النبات الحسنة ،
لأجل أن نبصِّر عبادنا كمال قدرتنا على البعث وعلى كل شيء ،
وعلى استحقاقنا للعبادة دون غيرنا .
* * *
في قوله تعالى :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } الرعد / 38
إشارة إلى أن الله تعالى إذا شرف شخصا بولايته ،
لم تضره مباشرة أحكام البشرية من الأهل والولد ،
ولم يكن بسط الدنيا له قدحا في ولايته .
* * *
{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } الطلاق / 2
كل من تدبر موارد التقوى في القرآن والسنة
علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة ومفتاحه ،
وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات
بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها، أو إضاعة جزء منها .
* * *
من الملحوظ في كتاب الله أن النور جاء مفردا ,
والظلمات جمعا , ويذكران عادة في مقابل بعضهما :
{ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ } الأنعام / 1،
{ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } المائدة / 16
وذلك والله أعلم أن النور واحد لأنه حق ,
وأما الظلمات فمتعددة ومتفرقة بعدد سبل الباطل .
* * *
{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } آل عمران / 159
" أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم - وهو أكمل الناس عقلا - أن يشاور،
إذ الحقيقة أن الإنسان - وإن بلغ عقله الغاية - لا يستغني عن الاستعانة
في مشكلات الأمور بآراء الرجال ,
إذ العقول قد تكون نافذة في ناحية من الأمر ،
واقفة عند الظاهر في ناحية أخرى " .
* * *
من كذب برسول واحد فهو مكذب بجميع الرسل ،
ولذا قال تعالى :
{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } الشعراء / 105
مع أنهم لم يأتهم إلا رسول واحد ، ولكن كانوا مكذبين بجنس الرسل ،
ولم يكن تكذيبهم بالواحد بخصوصه .
* * *
إذا أمرنا الناس بالدعوة فيلزمنا أن نعلمهم أصولها وأساليبها ؛
لئلا يسيئوا إليها ، ولنا في ربنا قدوة ،
لما أمر موسى بالدعوة قال له :
{ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } طه / 44
ثم وضح القول اللين بقوله :
{ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} النازعات 18/ 19.
* * *
عن عبد الأعلى التيمي قال :
إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه ,
لخليق أن يكون أوتي من العلم ما لا ينفعه ؛
لأن الله نعت أهل العلم فقال :
{ وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ } .
* * *
افتراءات المشركين وكذبهم على رب العالمين إنما يدفعهم إليها أمران :
الظن , والهوى , وقد جمعا في قوله تعالى :
{ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ
إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ} النجم / 23
وهما ما يصد المشركين عن اتباع الحق .
* * *
{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } المؤمنون / 96
فقه الآية :
اسلك مسلك الكرام ، ولا تلحظ جانب المكافأة ،
ادفع بغير عوض ، ولا تسلك مسلك المبايعة ،
ويدخل فيه :
سلم على من لم يسلم عليك، والأمثلة تكثر .
* * *
{ سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } الزخرف / 13
" لما كان الركوب مباشرة أمر خطر ،
واتصالا بسبب من أسباب التلف ؛
كان من حق الراكب أن لا ينسى أنه منقلب إلى الله غير منفلت من قضائه ،
ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعدا للقاء الله بإصلاحه من نفسه " .
* * *
{ كمثل الحمار يحمل أسفارا } الجمعة / 5 ,
قال ميمون بن مهران:
الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل ? فهكذا اليهود .
وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ،
لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء .
* * *
قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } البقرة / 173
قيل في سبب تقديم الغفور على الرحيم :
أن المغفرة سلامة , والرحمة غنيمة , والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة .
* * *
{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ } الجمعة / 10
ينبغي للمؤمن الموفق وقت اشتغاله في مكاسب الدنيا
أن يقصد بذلك الاستعانة على قيامه بالواجبات ،
وأن يكون مستعينا بالله في ذلك ، طالبا لفضله ،
جاعلا الرجاء والطمع في فضل الله نصب عينيه ،
فإن التعلق بالله والطمع في فضله من الإيمان ومن العبادات .
* * *
قال تعالى في سورة الذاريات :
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } / 19 ,
وقال في سورة المعارج :
{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } / 24 - 25
, فزاد في الآية الثانية كلمة ( معلوم ) ؛ فلماذا ؟
الإجابة في الرسالة القادمة ، ويمكنك الرجوع إلى سياق الآيات وتأمل :
أيهما جاء في سياق الواجبات وأيهما في سياق المندوبات ؟
وما علاقة ذلك بكلمة ( معلوم ) ؟
* * *
جواب الرسالة السابقة :
في سورة المعارج :
{ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } / 24
فقوله ( معلوم ) لأن المقصود الزكاة المحددة ،
والحديث قبلها عن الفرائض والواجبات :
{ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ... } / 22.
أما في سورة الذاريات :
{ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } / 19
فالآيات قبلها في بيان فضل المتطوعين زيادة على الواجب :
{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون .َ.. } 16-17
فناسب الإطلاق في الإنفاق بلا تقييد ؛ حيث المراد ما زاد على الواجب .
* * *
{ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ
إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } النور/ 32
كم يحزن المسلم وهو يرى شبابا بلغو سن الكهولة لم يتزوجوا بعد ،
بحجة تأمين المستقبل ، وهم يتلون هذه الآية صباح مساء ،
ويشتد الألم عندما يرى آباء يردون الخطاب عن بناتهم
وهن وأولئك بأمس الحاجة لتحصين أنفسهم ،
ويتعللون بأن دخلهم قليل ! { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } ؟
* * *
{ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } يوسف/ 17
المتظاهر بالأمر ينكشف أمره لأهل البصيرة ولو استخدم التمثيل ،
فإنهم جاءوا أباهم عشاء يبكون ، فهذا تمثيل , ولكنه لم يدم لهم .
* * *
قدم عيينة بن حصن على عمر فقال :
إنك لا تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل !
فغضب عمر غضبا حتى كاد أن يهم به ،
ولكن ابن أخي عيينة قال : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال لنبيه :
{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الأعراف / 199 ،
وإن هذا من الجاهلين .
فوقف عندها عمر ولم يتجاوزها ؛ لأنه كان وقافاً عند كتاب الله ،
فانظر إلى أدب الصحابة - رضي الله عنهم - عند كتاب الله ،
لا يتجاوزونه ، إذا قيل لهم هذا قول الله وقفوا ، مهما كان .
* * *
يقول ابن الجوزي : قرأت سورة يوسف عليه السلام،
فتعجبت من مدحه على صبره وشرح قصته للناس ورفع قدره ،
فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفته للهوى المكروه ،
فقلت : واعجبا لو وافق هواه من كان يكون ؟
ولما خالفه لقد صار أمرا عظيما تضرب الأمثال بصبره ،
ويفتخر على الخلق باجتهاده ، وكل ذلك قد كان بصبر ساعة فيا له عزا وفخرا ،
أن تملك نفسك ساعة الصبر عن المحبوب وهو قريب .
* * *
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ *
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ *
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } الحجر / 97- 99
النبي صلى الله عليه وسلم يسوؤه تكذيب قومه
مع علمهم بصدقه ووضوح أدلته ، فأرشده الله إلى ما يطرد الهم ،
فأمره بخصوص ، ثم عموم ، ثم أعم :
إذ أرشده إلى تسبيح الله ، ثم إلى أمر أعم من الذكر المجرد وهو الصلاة ،
ثم إلى الإقبال على العبادة بمفهومها الشامل .
فيالها من هداية عظيمة لو تدبرناها ، وأخذنا به ا.
* * *
الصفحة الأخيرة
{ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } 19,
{ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } 21 ,
{ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم } 22 ,
{ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} 26 ؛
لأن العبرة هو العلم بثباتهم وتبرؤهم مما عليه قومهم ، وأما غيره فالجهل به لا يضر .
* * *
{ إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } الجمعة / 9
إذا أمر الله بترك البيع الذي ترغب فيه النفوس ، وتحرص عليه ،
فترك غيره من الشواغل من باب أولى ، كالصناعات وغيرها .
* * *
في قوله تعالى : { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
من الإنس والجن والملائكة وكل المخلوقات ,
{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } الرحمن / 29
وفي هذا حفاوة بالدعاء والسؤال والتعرض لنفحات ذي الجلال ،
فإنها مظنة تعجيل التبديل والتغيير ،
فإذا سألوه وألحوا في سؤالهم ، كان من شأنه أن يجيب سائلهم ،
ويغير أحوالهم من الهوان والتخلف والجهل والمرض والفرقة والضياع ,
إلى الرفعة والمجد والعلم والعافية والاتحاد .
وهذه مناسبة اتصال أول الآية بآخرها .
* * *
في قوله تعالى : { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } البلد / 15
تعليم أن الصدقة على القرابة أفضل منها على غير القرابة ،
كما أن الصدقة على اليتيم الذي لا كافل له أفضل من الصدقة
على اليتيم الذي يجد من يكفله .
* * *
في قوله تعالى : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } الرحمن / 56
قال الحسن : ( قاصرات الطرف على أزواجهن لا يردن غيرهم ،
والله ما هن متبرجات ولا متطلعات ) .
وفي هذا دلالة على عظم خلق الحياء ، وأنه ممتد إلى عالم الآخرة .
* * *
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }
العائن حاسد خاص ، وهو أضر من الحاسد ؛
ولهذا جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن ؛ لأنه أعم ،
فكل عائن حاسد ولا بد , وليس كل حاسد عائنا ،
فإذا استعاذ العبد من شر الحسد دخل فيه العين ،
وهذا من شمول القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته .
* * *
{ كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } البقرة / 187
إن العلم الصحيح سبب للتقوى ؛
لأنهم إذا بان لهم الحق اتبعوه ، وإذا بان لهم الباطل اجتنبوه ،
ومن علم الحق فتركه , والباطل فاتبعه ,
كان أعظم لجرمه, وأشد لإثمه .
* * *
{ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ } ؟ الأنبياء / 55
هكذا قال قوم إبراهيم - لما دعاهم إلى التوحيد-
فهم يدركون أن الدين الحق لا يجتمع مع اللعب والباطل ،
فكيف يريد بعض المنهزمين أن تعيش الأمة بدين ملفق
يجمع أنواعا من اللعب والباطل مع شيء من الحق؟
{ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ } ؟
* * *
قال الشافعي في قوله تعالى :
{ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } المطففين / 15:
في هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ .
وعلق ابن كثير فقال :
وهذا الذي قاله الإمام الشافعي في غاية الحسن ،
وهو استدلال بمفهوم هذه الآية ، كما دل عليه منطوق قوله تعالى :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة / 22-23 .
* * *
عن قتادة في قوله تعالى :
{ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }
قال : ( إن من الناس شياطين , فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن) .
* * *
في قوله تعالى عن موسى عليه السلام :
{ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } القصص / 24
إشارة إلى سبب عظيم من أسباب إجابة الدعاء ،
وهو إظهار الافتقار إلى الله عز وجل .
* * *
{ وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن } القصص / 80
إيثار ثواب الآجل على العاجل حالة العلماء ، فمن كان هكذا فهو عالم ,
ومن آثر العاجل على الآجل فليس بعالم .
* * *
{ عفا الله عنك لم أذنت لهم } التوبة / 43
هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذه ؟
بدأ بالعفو قبل المعاتبة .
* * *
الشريعة جامعة بين القيام بحق الله تعالى كالصلاة والذكر ،
وبين القيام بمصالح النفس كالسعي في الرزق ؛
وذلك ظاهر من قوله تعالى
{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض
وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } الجمعة / 10.
* * *
{ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } البقرة :178
إطلاق وصف الأخ على المماثل في الإسلام أصل جاء به القرآن ؛
وجعل به التوافق في العقيدة كالتوافق في نسب الإخوة بل أشد ،
وحقا فإن التوافق في الدين رابطة نفسانية ، والتوافق في النسب رابطة جسدية ،
والروح أشرف من الجسد ! .
* * *
كان سحرة فرعون آية في اليقين الصحيح , والإخلاص العالي ,
عندما رفضوا الإغراء , وحقروا الإرهاب , وداسوا حب المال والجاه ,
وقالوا للملك الجبار : { فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } طه / 72
وشتان بين هؤلاء الذين يستهينون بالدنيا في سبيل الله ,
وبين الذين يسخرون الدين نفسه في التقرب من كبير , أو الاستحواذ على حقير .
* * *
من بلاغة القرآن ما فيه من أسلوب الاحتراس
إذا خشي أن يفهم من الآية خلاف المقصود ،
ولذلك أمثلة ، منها :
ما حكاه الله عن النملة : { لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } النمل / 18 ,
فقوله: { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
احتراس يبين أن من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده
أنهم لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا .
* * *
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } البقرة/ 218
لو قال قائل في هذه الآية العظيمة :
أنا أرجو رحمة الله وأخاف عذابه .
ننظر :
هل هو من المتصفين بهذه الصفات ؟ فإن كان كذلك فهو صادق ،
وإلا فهو ممن تمنى على الله الأماني ؛ لأن الذي يرجو رحمة الله حقيقة ،
لا بد أن يسعى لها .
* * *
تأمل في خطاب شعيب لقومه :
{ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً
وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} هود / 88
فلهذه الأجوبة الثلاثة - على هذا النسق – شأن :
وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعي في كل ما يأتيه ويذره
أحد حقوق ثلاثة :
أهمها وأعلاها حق الله تعالى ،
وثانيها: حق النفس ،
وثالثها : حق الناس .
* * *